دور القضاء في ترسيخ حقوق الإنسان بالمغرب
وفي هذا الإطار فإن دور القضاء يعتبر مركزيا في حماية هذه الحقوق من كل خرق أو اعتداء، وضمان الالتزام بالواجبات من خلال السهر على التطبيق السليم للقوانين.
إن المملكة المغربية، التي تواصل، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مسلسل دمقرطة وتحديث المجتمع بكل عزيمة وإصرار، قد أكدت في ديباجة دستورها على تمسكها بقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ووضعت لهذه الغاية الآليات التشريعية والمؤسسية، حيث أقرت الحقوق الأساسية المتعارف عليها وأكدت على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وأدخلت التشريع في كل ما يتعلق بالحقوق والحريات.
ومن هذا الموقع الدستوري والقانوني، لعب القضاء المغربي أدوارا هامة في حماية حقوق الإنسان من خلال إعمال القوانين التي تكفل تلك الحقوق، وذلك ضمن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم القضائي للمملكة والمتمثلة في مجانية اللجوء إليه، وتعدد درجات التقاضي وضمان حق الدفاع.
إن الصعوبات التي يعيشها القضاء، بارتباط بمحيطه أو بالنصوص القانونية والمسطرية أو بالعنصر البشري، والتي نسعى جميعا إلى تجاوزها من خلال استراتيجية تأهيله وتحديثه وتطوير أدائه، لم تكن لتحول دون كون قضائنا المغربي، قد كانت له ولا تزال مواقف رائدة في النهوض بمهامه في حماية الحريات والحقوق بكل أصنافها،المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فقد لعب القضاء الجنائي دورا هاما في تكريس مبدأ قرينة البراءة، والضرب على أيدي العابثين بحقوق الأفراد وحرياتهم.
كما لعب القضاء المدني، أدوارا لا تنكر في صيانة حق الملكية من كل اعتداء، وكذا في حماية حقوق الطفل والمرأة، خاصة في إطار قضايا الأسرة والحالة المدنية والمنازعات المتعلقة بالجنسية.
ولا شك أن توجه الاجتهاد القضائي نحو تكريس سمو الاتفاقيات الدولية سيكون له أثر كبير في تكريس دور القضاء في حماية الحقوق التي يضمنها القانون الدولي، وإبراز دوره في حماية حقوق الإنسان.
وقد كان إحداث المحاكم الإدارية، خلال النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، محطة هامة في مسار ترسيخ دولة القانون، إذ جعلت من مقاضاة أشخاص القانون العام تصرفا عاديا، وكرست مبدأ سمو القانون ووجوب الانصياع لأحكامه.
تلك بعض تجليات دور القضاء في حماية حقوق الإنسان. إنها حماية فعلية وحقيقية، وإن كانت لا تتحقق في بعض الأحيان إلا بعد استنفاذ مراحل التقاضي، نتيجة لحرص المنظومة القضائية على توفير الضمانات الكافية، ومنها حق الدفاع وحق الطعن في المقررات القضائية.
إن الوظيفة المركزية للقضاء في ترسيخ حقوق الإنسان في مختلف أبعادها، لا ينحصر تأثيرها فقط على الصعيد الحقوقي، بل تتجاوزه لتشمل كافة الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك بالنظر للارتباط الوثيق بين التطور السياسي والاجتماعي والنمو الاقتصادي، وتكريس حقوق الإنسان، ولذلك فإن حماية الديمقراطية وتطويرها، وضمان شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما تقتضيه من تعبئة للمواطنين والمواطنات ومشاركتهم الفعالة في كل الأوراش والمبادرات الهادفة إلى تقدم البلاد وتأهيلها، تقتضي بالضرورة حرصا دائما، ويقظة مستمرة من طرف مختلف المؤسسات وفي طليعتها المؤسسة القضائية من أجل ترسيخ حقوق الإنسان، ونحن على يقين أن المسار الديمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا، وإرادة الإصلاح التي تلتف حولها مختلف مكونات المجتمع، كل ذلك يشكل ضمانة للسير في اتجاه المزيد من تطوير أداء الجهاز القضائي، لصيانة المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان والارتقاء بها خدمة للمصالح العليا لبلادنا، وطموحات شعبنا في التقدم والتنمية.
مقتطف من الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة العدل والحريات