دور المحاكم المتخصصة في ريادة الأعمال
إن شروط الريادة في مجال الأعمال، تتطلب إذكاء روح التضامن لدى المقاولات الكبرى وقدرة الشباب على الريادة وتشجيعهم على خلق المقاولات. ولن يتأتى ذلك إلا بالاهتمام بهم من حيث التكوين العالي وتخصيص نسبة مهمة من الميزانية للبحث والتّأهيل العلمي ودعم روح المبادرة والجرأة والإبداع والابتكار، بتهييء منظومة التعليم واستعداد البنوك والبرلمان والمؤسسات العامة والخاصة والفاعلين وكل صناع القرار، لبناء مجتمع مقاولاتي ومساعدته ماليا وتقنيا لخلق فضاء الابتكار.
يجب تبسيط الإجراءات وتجاوز كل العراقيل الإدارية والمالية التي تحول دون إنشاء والشباب لمقاولاتهم، وربط علاقات وروابط تمكنهم من الاطلاع على التجارب الناجحة وتسخير تكنولوجيا الاتصال الحديثة وتوظيف كل المعلومات والعلوم في توسيع هذه الروابط مع زبناء ومستثمرين جدد للوصول إلى فرص الشراكة المتاحة للأجيال الجديدة، وتطوير أنشطتهم الاستثمارية وإطلاق مشاريع تساهم في سرعة النمو، وتحسين نمط عيش المغاربة، وتلبية حاجياتهم وإيجاد الحلول لكل المشاكل المطروحة وإثراء المقاولين والمقاولات أنفسهم، والزيادة في تدفق الاستثمارات في هذا الزمن العربي المزري بكل المقاييس والمناخ الإفريقي الذي يتسم بالاضطرابات، وإن كانت إفريقيا سوقا واعدا على الصعيد العالمي.
لذلك أمام هذه المعطيات والتطورات المتسارعة ورغبة في كسب الثقة وتجديدها وإزالة الخوف ولتعطي الإصلاحات والمخططات في مجال التنمية أكلها فإن منظومة العدالة بالمغرب هي الأخرى في أمس الحاجة اليوم إلى إستراتيجية جديدة، تقتضي قبل كل شيء تهييئ كل المغاربة بالتدرج إلى إصلاحات أعمق لإشاعة هذه الثقافة بديلا حضاريا للعنف والتطرف والتهميش والاستغلال والاحتكار واستغلال النفوذ وتصفية الحسابات وإيثار المصالح الشخصية.
فالثروة البشرية مساهمتها في العملية القضائية والنمو وتطور الاقتصاد والأداء عموما غير إيجابية من أهم مشاكلها:
– تدني مستوى التعليم.
– انعدام تكافؤ الفرص.
– التخلي عن المحاكم التجارية والتضحية بالتخصص مستقبلا.
– عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
– سوء التوزيع عموما.
– عدم وجود سبل ناجعة لتمويل المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
يضاف إلى ذلك وجود إخلالات حقيقية في صياغة القوانين.
فكل هذه العوامل ستؤثر سلبا على صناعة القضاء الفعال والمنصف وتكريس الاجتهاد الموحد الذي يعتبر عنصرا جوهريا في النظام الأنجلوسكسوني الذي نريد الانخراط معه للبحث عن فرص العمل، وتعزيز الشراكة والوصول إلى الثروة من أجل النمو.
فمثلا، العدول عن المحاكم المتخصصة وعدم ممارسة البرلمان لصلاحياته التشريعية كاملة واكتفائه بمناقشة مقترحات القوانين التي تتقدم بها الحكومة والمصادقة عليها سيجعل العمل القضائي التجاري بالمحاكم العادية بكل تأكيد في كل ما يتعلق بالمقاولين والتجار عموما، فاقدا للجودة والنجاعة والسرعة ويمس بمصداقية مشروع الجهوية ويناقض التوجهات الإستراتيجية الجديدة للمغرب، ويعد مشكلة خطيرة على الأمن القضائي والاستقرار والثقة التي تعتبر من أهم العوامل الأساسية في الاستثمار والتنمية، كما أنه إذا لم نتوفق في مجال التشريع في استعمال المصطلحات القانونية الدقيقة والواضحة ولم نقدم نصوصا جيدة وغير معقدة وتحقق التوافق والانسجام والملاءمة مع الدستور، وباقي القوانين والمواثيق الدولية التي صادقنا عليها، سنبتعد عن تحقيق العدل وترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون. ولن نستطيع توفير ظروف النجاح للمبادرات الفردية والتحالفات التجارية.
كما أن رجال السلطة القضائية الذين سيكونون ساهرين على قطاع العدل مستقبلا، يتعين عليهم إعادة الاعتبار لقيمة العمل وثقافة الاستحقاق، وإعطاء الانطباع إلى كل المغاربة وشركائنا الاقتصاديين، والعالم أن القضاء بالمغرب اليوم يستحق الحرية والاستقلال وليس العكس.
فزمن الخطايا وعدم الاستماع إلى الرأي المخالف انتهى.
لكن إذا استمر الأمر عكس ذلك فإن المحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة، بكل تأكيد ستنخرط في مشاكل أكبر وأزمات أخطر وكوارث قضائية وسيؤدي هذا الوضع بالمواطنين والمواطنات وكل المستثمرين إلى الإحباط، ونكون بذلك قد عطلنا مسار الإصلاح المنشود وضد الفكرة الناشئة عنصرا مهما في الدبلوماسية الاقتصادية.
فالمطلوب اليوم هو تأسيس ثقافة سياسية جديدة وتحسين الأداء التشريعي والدبلوماسي والقضائي على الخصوص وبداية العمل بإصلاح أفقي، توظف فيه على مستوى القمة والقيادة الكفاءات العالية والمتمرسة المشهود لها بالحياد والتجرد والنزاهة والاستقامة والاستقلال وتوزيع العمل، عموديا بفعالية ونجاعة وعدالة لبناء قضاء متخصص عادل وفعال حر ومستقل يعمل على تطبيق القانون لحماية الحقوق والحريات وتكريس الاجتهاد الذي يحقق الأمن القضائي، ويلعب دورا أساسيا في التنمية المستدامة وإنتاج وتوزيع الثروة بعدالة، وتخليق الحياة العامة بمهنية وذوق ومعنى، حتى يكون الإشعاع المغربي بارزا في القمة ويكون بذلك فعلا المغرب نموذجا تنمويا استثنائيا على المستوى الدولي، هذا النموذج القائم في الأول والأخير على الحرية والعدل.
ولعل هذا ما هو في مخطط جلالة محمد السادس وفي إستراتيجيته المتقدمة وتوجهاته الرائدة في مجال الأعمال.
إعداد:ذ/ عبد العالي العضراوي _ أستاذ باحث