دور النيابة العامة في قضاء الأسرة
مقدمة:
شكلت مدونة الأسرة أحد الإصلاحات التشريعية الكبرى في تاريخ مغربنا الحديث وإطارا رئيسا لتدعيم مبادئ وأسس دولة الحق والقانون بالتنصيص على المساواة(1) واحترام الكرامة الإنسانية، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ويزدهر إلا بإصلاح نواة المجتمع الأولى وهي الأسرة، وهذا ما جعل من مدونة الأسرة قانونا رائدا ونموذجا مثاليا تسعى العديد من الدول لتحذو حذوه وتسير على نهجه.
وحيث ان تحقيق الأهداف المرسومة لمدونة الأسرة يبقى رهينا بمدى حسن التطبيق السليم لأحكامها والفهم الدقيق لغاية المشرع من خلال نصوصها، ولعل مسؤولية تحقيق ذلك مرهونة بمؤسسة القضاء.
وعلى هذا الأساس جاءت المدونة بمقتضيات جديدة تروم توسيع دور النيابة العامة في قضاء الأسـرة وجعلها فاعلا رئيسيا في تحقيق أهدافها، ولمعالجة هذا الموضوع سنتناوله حسب التصميم التالي:
المبحث الأول: المركز القانوني للنيابة العامة في مدونة الأسرة وتدخلها في الزواج وأثناء انحلال ميثاق الزوجية
• المطلب الأول: المركز القانوني للنيابة العامة في مدونة الأسرة.
• المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة في الزواج.
• المطلب الثالث: دور النيابة العامة أثناء انحلال ميثاق الزوجية.
المبحث الثاني: النيابة العامة ودورها في الحفاظ على حقوق الطفل.
• المطلب الأول: دور النيابة العامة في مجال النسب، الحضانة والنفقة.
• المطلب الثاني: دور النيابة العامة في قضايا الأهلية والنيابة الشرعية.
المبحث الأول:
المركز القانوني للنيابة العامة في مدونة الأسرة وتدخلها في الزواج وأثناء انحلال ميثاق الزوجية
المطلب الأول: المركز القانوني للنيابة العامة في مدونة الأسرة
تختلف وظيفة النيابة العامة في القضاء الزجري عن وظيفتها أمام القضاء المدني، ذلك أن للنيابة العامة وظيفة رئيسية تباشر بمقتضاها سلطة الاتهام باعتبارها ممثلة للحق العام، إذ بعد إثارة المتابعة تبقى النيابة العامة طرفا أصليا في الدعوى العمومية ويتعين حضورها في الجلسة تحت طائلة البطلان، أما حينما تتدخل في الدعوى المدنية الرائجة فإن دورها يتخذ صورتين إما طرفا منضما أو طرفا أصليا(1) فالأصل في عمل النيابة العامة في القضاء المدني أن تكون طرفا منضما وتكون طرفا رئيسيا بمقتضى قوانين خاصة كقضايا الحالة المدنية وقضايا الجنسية وقضايا حل الجمعيات وقضايا إحالة الأحكام الصادرة على حكام الجماعات والمقاطعات على رئيس المحكمة الابتدائية وغيرها من القضايا.
وإذا قلنا بأن النيابة العامة عندما تكون طرفا رئيسيا في الدعوى فإنها تكون بمثابة الخصم فيلزمها ما يلزمه من حقوق والتزامات لذلك فإن المشرع قد أعفاها من بعض الشروط اللازمة لممارسة الدعوى، من ذلك مثلا أن القانون أعفاها من أداء الرسوم القضائية، ومن مؤازرة الدفاع، ولها حق الطعن في الأحكام ماعدا الطعن بالتعرض، لأن النيابة العامة تكون حاضرة دائما في الجلسة، إلا أنه يتعين علاوة على ذلك تبليغ الأحكام إليها رغم حضورها في الجلسة.(2)
ولذلك قضى المجلس الأعلى في قرار صدر بتاريخ 4/4/1981 (يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر حضور النيابة العامة وقت صدور الحكم كافيا لاعتبارها قد بلغت بالحكم ) وهذا يعني أن حضور النيابة العامة أثناء الجلسة أو النطق بالحكم لا يغني عن عدم تبليغها بذلك الحكم.(3)
فإذا كان المشرع قد أخذ بنظام التدخل المزدوج للنيابة العامة أمام القضاء المدني(4) فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تدخل النيابة العامة تدخل أصلي أم انضمامي في قضايا الأسرة؟
لعل الجواب صريح بمقتضى المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه “تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة” إلا أنه رغم صراحة هذه المادة فإن مركز النيابة العامة في قضايا الأسرة يثير مجموعة من الإشكاليات بمجرد الرجوع للفصل 9 من قانون المسطرة المدنية، كما وقع تعديله بمقتضى القانون رقم 03-72 الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 23-04-1 الصادر بتاريخ 3 فبراير 2004 والذي جاء فيه:
يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:
1- ……
2- القضايا المتعلقة بالأسرة…”
فهذا النص يقرر أن النيابة العامة هي طرف منضم في الدعاوى الرامية لتطبيق أحكام مدونة الأسرة، فعلى ضوء هذين النصين نتساءل ما هي حقيقة مركز النيابة العامة في الدعاوى الرامية لتطبيق أحكام مدونة الأسرة، هل هي طرف رئيسي أم طرف منضم؟ وما هو مبرر الإحالة على مقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية ؟ وكيف التوفيق بين المادة 3 من مدونة الأسرة والفصل 9 من ق م م “و هل يلزم حضور النيابة العامة في جلسات قضاء الأسرة أم يكتفى تبليغها بتلك القضايا.(1)
لقد تباينت الآراء في هذا الخصوص بين من اعتمد ما جاء في المادة الثالثة باعتبارها طرفا أصليا وبرر إلزامية حضورها في الجلسات، ومنها من استند إلى الفصل 9 من ق م م واعتبره قانونا مسطريا ويتعين الركون إليه ويكتفى بتبليغ النيابة العامة تلك الدعاوى لتقديم مستنتجاتها، فيما هناك من يقول بالجمع بين حضورها بالجلسات وتبليغها تلك الدعاوى لتقديم مستنتجاتها الكتابية، إضافة إلى رأي رابع يربط حضورها أو عدمه بالإمكانات البشرية المتوفرة لكل محكمة من السادة نواب وكيل الملك(2)
ويرى البعض(3) بأن الحل الواجب إعماله بخصوص التعارض بين المادة 3 من مدونة الأسرة والفصل 9 من ق م م هو ملاحظة” أن كلا من قانون المسطرة المدنية كما وقع تعديل الفصل التاسع ومدونة الأسرة قد نشرا في جريدة رسمية واحدة وصودق عليها في تاريخ واحد، ومن تم لا مجال لإعمال قاعدة أن النص اللاحق يلغي النص السابق، ولكن يمكن أن نعتمد قاعدة أخرى في الترجيح تنطلق من أن الفصلين معا نظما مسألة إجرائية، ومن المعلوم في ضوابط التغيير أنه عند التعارض بين قاعدتين مسطريتين احداهما منصوص عليها في قواعد الشكل والأخرى في قواعد الموضوع، فإنه ترجح تلك القاعدة المسطرية المضمنة في القانون الإجرائي.
وعليه فان النيابة العامة تعتبر طرفا منضما في الدعاوى الرامية لتطبيـق أحكام مدونة الأسرة، وبنظرنا كذلك فإن النيابة العامة غير ملزمة بحضور جلسات قضاء الأسرة إلا ما تعلق منها بدعاوى الحالة المدنية لأن النص لم ينص على حضورها، ولا يجوز تشكيل هيئة إلا وفق ما نص عليه قانونا “.
إلا أننا نرى بأن المادة الثالثة من مدونة الأسرة جاءت واضحة بكون النيابة العامة تعتبر طرفا أصليا في تطبيق أحكام مدونة الأسرة، والقاعدة الفقهية تمنع الاجتهاد مع ورود النص وانسجاما كذلك مع فلسفة المشرع وهدفه من إقرار الدور الأصلي للنيابة العامة لتحقيق المبتغى المنشود من توسيع مهام هذا الجهاز وليكون لها كل خصائص الطرف الأصلي، فيكون لها حق الطعن، ويعتبر حضورها بالجلسات إلزاميا، مع عدم تجريحها من أحد الأطراف، وهو ما يسمح لها بإبداء آرائها بكل حرية وان تعارضت مع مصلحة طرف ما في الدعوى، لكون النيابة العامة في إطار مدونة الأسرة تتدخل أساسا من أجل السهر على حسن تطبيق بنود المدونة وتفعيل الطابع الحمائي لأحكامها وتفعيل الأساس الذي انبنت عليه المدونة وهو رفع الحيف عن النساء وحماية حقوق الطفل وصيانة كرامة الرجل.
والنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في قضايا الأسرة فإن عدم حضورها بالجلسات لا يترتب عنه أي بطلان ما دام أن المشرع لم ينص على ذلك بنص صريح بخلاف الجلسات المتعلقة بالميدان الجنائي، وبالتالي يكتفى بمستنتجاتها الكتابية في الموضوع، وهذا ما أشار إليه الدليل العملي لمدونة الأسرة الذي جاء فيه “جاءت المادة 3 بمقتضى جديد أصبحت معه النيابة العامة طرفا أصليا أي رئيسيا في جميع القضايا، بعد أن لم يكن لها هذا الدور والصفة في مدونة الأحوال الشخصية.
ويتعين على النيابة العامة أن تقدم مستنتجاتها في كل ملف، كلما تعذر حضورها ما دام أن المشرع لم يرتب بطلانا عن عدم حضورها في غير الجلسات الجنائية طبقا للمادتين 4 و 7 من ظهير التنظيم القضائي”
المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة في الزواج
الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام مدونة الأسرة(1).
وتدخل النيابة العامة في هذه المرحلة غايته حماية الأسرة، فقد نصت المادة 15 من مدونة الأسرة على أن المغاربة المتزوجين وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم ملزمون بإيداع نسخة من عقد الزواج بالمصالح القنصلية المغربية التابع لها محل إبرام العقد داخل أجل 3 أشهر من تاريخ إبرامه، وإذا لم توجد تلك المصالح فإنها توجه إلى وزارة الخارجية التي ترسلها إلى ضابط الحالة المدنية وإلى قسم قضاء الأسرة لمحل ولادة كل من الزوجين، وإذا لم يكن لهما أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب فإن نسخة من عقد الزواج توجه إلى قسم قضاء الأسرة بالرباط وإلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط.
وتوجيه نسخة من عقد زواج المغاربة وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط عند عدم وجود محل ولادة للزوجين أو لأحدهما بالمغرب يتجاوب مع دوره في مجال الحالة المدنية الخاصة بالمغاربة القاطنين خارج أرض الوطن(1) والهدف من إرسال هذه النسخ هو تضمين بياناتها بطرة رسم ولادة كلا الزوجين حسب مقتضيات المادة 22 من ظهير 3 أكتوبر 2002 المتعلق بالحالة المدنية.
أما فيما يخص الإذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة شمسية كاملة، فإن النيابة العامة حينما تبدي مستنتجاتها الكتابية فإنها من مدى موفر القاصر على النضج والأهلية الجسمانية لتحمل تبعات الزواج، وعلى التمييز الكافي لصدور الرضى عنه بعقد الزواج.
وتجدر الإشارة إلى أن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر قابل للتنفيذ بمجرد صدوره، ولا يقبل أي طعن، أما المقرر القاضي بالرفض فيكون قابلا للطعن طبقا للقواعد العامة أمام محكمة الاستيناف.
كما أنه بمقتضى منشور لوزير العدل عدد 46 س 2 وتاريخ 2006.12.05 فإن الجهة المختصة في إصدار الإذن بزواج معتنقي الإسلام والأجانب هو قاضي الأسرة المكلف بالزواج، وذلك بعد التأكد من توفر مجموعة من الوثائق الواجب الإدلاء بها. أما في حالة الزواج المختلط فإن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، أو المحكمة في حالة دعوى الزوجية، يوجه كتابا مرفقا بصور الوثائق المطلوبة إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التابع لها قسم قضاء الأسرة من أجل إجراء بحث دقيق وشامل بواسطة الجهات المختصة للتحقق من انتفاء موانع الزواج، والتأكد من كزن الطرف الأجنبي ذا سلوك حسن، ولا تحوم حوله شبهات تتعلق بالأمن والنظام العامين، هذا إلى جانب التأكد من نشاطه المهني ومصدر دخله.
أما فيما يتعلق بالتعدد، فنلاحظ أن مدونة الأسرة قد ضيقت من نطاقه من خلال المواد 40 إلى 46 حيث قننته بمجموعة من الضوابط الشرعية والقيود القانونية، وهكذا فإن المشرع قد اتجه إلى حضر التعدد كأصل وإباحته كاستثناء، ويبرز دور النيابة العامة في هذا الصدد من خلال منح المشرع لها سلطة الإشراف الفعلي والقانوني والمسطري على أحقية التعدد في الزواج، فالمادة 43 من مدونة الأسرة تنص على أنه” تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء، توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار سيبت في طلب الزوج في غيابها، كما يمكن البت في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه” يلاحظ أن النيابة العامة تقوم بهذا الدور غالبا بناء على تكليف من المحكمة لها بالسهر على التبليغ، ومن هذا المنطلق فالنيابة العامة لا تعتبر فقط طرفا أصليا في قضايا الأسرة بل أيضا مساعدا للقضاء على مستوى التبليغ وتجهيز الملفات(1).
ولضرورة الحفاظ على الروابط الأسرية، بعيدا عن تدخلات الضابطة القضائية التي اعتادت في ممارستها اليومية التفاعل مع فئة المجرمين، نرى أن إخطار الزوجة الذي تبعثه المحكمة عن طريق النيابة العامة يجب أن يتم بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط وهذا التفسير هو الذي تبنته وزارة العدل في دليلها العملي لمدونة الأسرة الذي جاء فيه” إذا توصلت الزوجة شخصيا ولم تحضر، ولم تدل للمحكمة بوسائل دفاعها في مذكرة مكتوبة يتم إشعارها من طرف النيابة العامة، بأنها ستبت في الطلب في غيبتها، إن لم تحضر في الجلسة الموالية، ويفضل في هذه الحالة أن تكلف النيابة العامة أحد أعوان كتابة الضبط تبليغ هذا الإشعار”(2).
غير أنه إذا تعذر توصل الزوجة نتيجة إدلاء الزوج بعنوان غير صحيح أو تحريف في اسمها بسوء نية فيتعرض في هذه الحالة للعقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي(3) إذا طالبت الزوجة المتضررة بذلك، فشكاية الزوجة إذن شرط ضروري لتحريك المتابعة من طرف النيابة العامة، وهذا ينسجم مع توجيه المشرع إلى حماية الروابط الأسرية من التشتت والضياع، بالإضافة إلى أن سحب الشكاية يضع حدا للمتابعة طبقا للمادة الرابعة من
ق م ج الذي ينص على أنه من بين أسباب سقوط الدعوى العمومية تنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت شرطا ضروريا للمتابعة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وهكذا نستنتج بأن المشرع أناط للنيابة العامة دورا مهما فيما يخص طلبات الإذن بالتعدد، حيث تدل بمستنتجاتها الكتابية أو الشفوية تحت طائلة البطلان لتلتمس رفض الطلب أو قبوله حسب توافر الشروط المتمثلة في السبب الموضوعي والإنساني وكذا الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وتحقيق المساواة بينهما.
بالإضافة إلى هذه الأدوار فقد جاءت مدونة الأسرة بمستجد مهم نصت عليه المادة 53: “إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته.
وقد أكدت وزارة العدل في دليلها العملي على أن النيابة العامة في تطبيقها لهذه المادة يجب عليها أن لا تتسرع بتسخير الضابطة القضائية وهو أمر محمود ومبرر، ويجد تبريره في وجوب الحفاظ على كيان الأسرة بعيدا عن عمل الضابطة القضائية الذي يمكن أن يحقق نتائج سلبية، ومما جاء في الدليل المذكور: “أحكام هذه المادة وضعت لحالات واقعية في علاقة الزوجين لم يكن لها حل عملي في القانون السابق وهي إخراج أحدهما الآخر من بيت الزوجية أو منعه منه، وباعتبار هذا التصرف يمس بالنظام العام وبالحقوق الأساسية للفرد خولت للنيابة العامة صلاحية إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية على أن تراعي في كل البوادر والتحركات مصلحة الأسرة وألا يتم التسرع في اتخاذ إجراءات قد تزيد من توثر العلاقة، فالنيابة العامة يجب أن تتدخل بحكمة وتعقل”(1).
وعليه، فإن الغاية من تدخل النيابة العامة في إرجاع الزوج المطرود لبيت الأسرة هو حماية هذه الأخيرة وضمان استقرارها بالنظر إلى ما تتوفر عليه من سلطات تكفل لها سرعة التدخل والاستعانة بالضابطة القضائية، بالإضافة إلى ذلك قد يحدث أن يكون الطرد غير مبرر ولكن النيابة العامة تمتنع من تفعيل مقتضيات المادة 53، إذا ما تبين لها من شأن إرجاع الزوج المطرود التسبب في وقوع جريمة مثلا: إذ لا يعقل دفع ضرر صغير قد يسقط مع مرور وقت قصير بضرر فادح قد تدفع الأسرة كلها فاتورته(2).
ويبقى على النيابة العامة في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء وقائي آخر كإسكان الزوج المطرود لدى أقاربه أو بأحد المؤسسات العمومية التي لا يخشى فيها على حياته أو حياة الأطفال الذين معه إلى حين إيجاد تسوية نهائية للنزاع(1).
ومجمل القول فإن التطبيق السليم للمادة المذكورة يرتبط أساسا بحسن تطبيق مبدأ الملاءمة من طرف النيابة العامة وهي ملاءمة من نوع خاص وذات حساسية استثنائية لارتباطها بكيان الأسرة، إذ أن النيابة العامة عليها أن تتخذ الإجراء المناسب الذي من شأنه أن لا يعكر صفو العلاقة الأسرية والزوجية حتى لا تتفاقم المشاكل والمآسي بين الزوجين(2).
المطلب الثالث: دور النيابة العامة أثناء انحلال ميثاق الزوجية
إيمانا من المشرع المغربي بالدور الحيوي للنيابة العامة في تفعيل النصوص القانونية وتنفيذ المقتضيات القضائية، فقد حرص على منح النيابة العامة أدوارا أخرى أثناء مرحلة انحلال ميثاق الزوجية تخولها إمكانية المحافظة على بنيان الأسرة من التصدع.
وهكذا أصبح للنيابة العامة دورا أساسيا في مسطرة الصلح، إذ تنص المادة 81 من مدونة الأسرة على أنه ” إذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تقدم ملاحظات مكتوبة أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف”، بالإضافة إلى مستنتجاتها الكتابية أو الشفوية فيما يخص مسطرة الطلاق، كما يمكن للمحكمة الاستعانة بالنيابة العامة في البحث عن عنوان الزوجة والوصول إلى الحقيقة إذا ثبت بأن عنوانها مجهول.
بعد الإشهاد بالطلاق لدى العدلين وتحريره يخاطب عليه القاضي المكلف بالتوثيق بقسم قضاء الأسرة ويتم توجيه نسخة منه إلى المحكمة التي أذنت بالتوثيق وتصدر المحكمة قرارا معللا يتضمن أسماء الزوجين ومستنتجات النيابة العامة وتحديد المستحقات إلى غير ذلك من البيانات الواردة في المادة 88 من مدونة الأسرة.(1)
وباعتبار النيابة العامة طرفا أصليا فإن عدم تضمين الحكم مستنتجات النيابة العامة يترتب عنه بطلان مقرر الطلاق الذي يكون قابلا للطعن في الشق المتعلق بتحديد المستحقات وليس فيما يتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية طبقا للمادة 128 من مدونة الأسرة التي تنص على أن المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو الخلع أو الفسخ طبقا لاحكام هذا الكتاب غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية(2).
وإذا كان المشرع لم يتطرق إلى المقررات القضائية الصادرة بالطلاق فإن القواعد العامة لهذه المدونة والأحكام الواردة بها تجعل الطلاق بدوره لا يقبل أي طعن لأنه منهي للعلاقة الزوجية.
وخلاصة القول، أن جميع المقررات الصادرة على المحاكم المغربية بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ وكذا الأحكام الصادرة بتذييل الأحكام الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو بالخلع أو بالفسخ بالصيغة التنفيذية يجب تبليغها إلى النيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا في القضايا الرامية إلى تطبيق مدونة الأسرة، بل حتى المقرر القضائي القاضي بالتطليق والذي يتضمن فقط إنهاء العلاقة الزوجية لابد من تبليغه إلى النيابة العامة لتطلع عليه وليس مبررا عدم تبليغ كتابة ضبط المحكمة المقرر المذكور على اعتبار أنه غير قابل للطعن، لأن مسألة الحسم في مدى قابلية الحكم للطعن من عدمه هو من اختصاص محكمة الاستئناف وليس كتابة ضبط المحكمة،كما أن النيابة العامة لها حق الوقوف بنفسها على ما إذا كان موضوع الحكم اقتصر على إنهاء العلاقة الزوجية فقط أو أنه يتضمن غير ذلك(3).
بالإضافة إلى ذلك فإن المادة 103 من مدونة الأسرة خولت للنيابة العامة التدخل كطرف رئيسي في حالة كون عنوان الزوج الغائب مجهول حيث تمارس النيابة العامة مجموعة من الإجراءات للتأكد من واقعة الغيبة وصحة ادعاء الزوجة، كما أنها تساعد المحكمة في إجراءات التبليغ بالوسائل المتاحة لها : الضابطة القضائية، السلطة المحلية، وتنفيذ إجراءات القيم للبت بسرعة في هذا النوع من القضايا ونفس الشيء في اطار دعوى التطليق بسبب الغيبة، اذ نصت المادة 105 من مدونة الاسرة على انه “اذا كان الغائب مجهول العنوان اتخذت المحكمة بمساعدة النيابة العامة ما تراه من إجراءات تساعد على تبليغ دعوى الزوجة إليه بما في ذلك تعيين قيم عنه فإن لم يحضر طلقها منه”.
إضافة إلى هذا الدور اسند المشرع للنيابة العامة اختصاصات اخرى تصب كلها في اتجاه حماية الأسرة من التفكك والحفاظ على مصالح الزوجين والاطفال، اذ أوكل اليها بموجب المادة 121 مراقبة تنفيذ التدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة لحماية الزوجة وأطفالها في انتظار صدور حكم المحكمة في موضوع الطلاق او التطليق وذلك بما فيها اختيار السكن مع احد اقاربها او اقارب الزوج.
وتجدر الإشارة الى انه على غرار مرحلة الزواج فإنه في حالة عدم توفر الزوجين أو احدهما على محل ولادة بالمغرب يوجه ملخص وثيقة الطلاق او الرجعة او الحكم بالتطليق أو الفسخ او بطلان عقد الزواج إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط طبقا للمادة 141 من مدونة الأسرة.
نستنتج مما سبق أن للنيابة العامة أدوارا مهمة أثناء مرحلة الزواج وأثناء مرحلة انحلال الرابطة الزوجية باعتبارها طرفا أصليا في تطبيق أحكام مدونة الأسرة، فما هو دورها في حماية حقوق الطفل؟
هذا التساؤل هو الذي سيكون محور المبحث الثاني.
المبحث الثاني: النيابة العامة والمحافظة على حقوق الأطفال
انطلاقا من مبادئ ديننا الحنيف الذي أولى الطفل عناية خاصة واهتماما كبيرا منذ أن كان جنينا في بطن أمه، التزم المغرب بمقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي سبق أن صادق عليها، وفي إطار الملائمة بين التشريع الوطني والدولي تم إدماج العديد من البنود الواردة في تلك الاتفاقية وحدد القانون التزامات الأبوين اتجاه أبنائهم من حيث الحفاظ على صحتهم قبل ولادتهم والى حين إتمام دراستهم وكذا تثبيت هويتهم واتخاذ كل التدابير للحفاظ عليها وعلى سلامتهم الجسدية والنفسية وحمايتهم من كل عنف واستغلال وضمان توجيههم الديني والتربوي على السلوك القويم، كما أقرت مدونة الأسرة حقوق الطفل ذي الاحتياجات الخاصة، إذ أن هذا الأخير يتمتع برعاية خاصة بحالته ولا سيما التعليم والتأهيل المناسب لإعاقته قصد إدماجه في المجتمع، وتم إلزام الأب بالإنفاق على ولده المصاب بإعاقة والعاجز عن الكسب طيلة حياته، كما أنه عند تقرير النفقة وجب الأخذ بعين الاعتبار الوضع الصحي للطفل في تحديد مبلغ النفقة.
ومن أجل ضمان تطبيق هذه المقتضيات نص المشرع على اعتبار الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم طبقا للقانون.
وانطلاقا من الدور الريادي الذي أصبح مناطا بالنيابة العامة باعتبارها تمثل المجتمع والتي أصبحت طرفا اصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام مدونة الأسرة، فإن المشرع أناط بها السهر على مراقبة تنفيذ كل الأحكام المتعلقة بحقوق الطفل، وهكذا نلاحظ أن المشرع المغربي أدخل في مدونة الأسرة المصالح المعنوية والتربوية للطفل بعدما كان الأمر قاصرا في النصوص السابقة على بعض المصالح المادية للطفل وذلك أيا كان النائب الشرعي له(1).
وإذا كان المشرع قد أناط بالنيابة العامة دورا رئيسيا في مدونة الأسرة للسهر على حمايتها ولاسيما في الجانب المتعلق بحماية الأطفال، فان تدخلها قد يطرح عدة إشكالات وقد تعترضه عدة عراقيل، وهو ما سنحاول معالجته من خلال المطلبين التاليين :
المطلب الأول: دور النيابة العامة في مجال النسب، الحضانة والنفقة
يعتبر النسب أول ثمرة من ثمرات الزواج، فالحمل والولادة من النتائج الطبيعية والشرعية للعلاقة الزوجية التي تربط كلا من الرجل والمرأة برباط الألفة والمودة والرحمة، فالولد الشرعي ينسب إلى أبيه ويتبعه في الدين.
ويتجلى دور النيابة العامة في مجال النسب من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 160 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا اصليا للطعن في مدى توافر شروط الاستلحاق، بشرط أن يكون المستلحق لازال على قيد الحياة، أما إذا توفي فلا يقبل الطعن الذي قد يثار بعد وفاته وذلك حفاظا على حقوق المقر به.
وفي هذا الصدد، قد يطرح من الناحية العملية إشكالا يتعلق بحالة الزوج الذي يطعن في النسب لنفي الولد عنه ضد زوجته، ويلجأ القضاء إلى اعتماد خبرة طبية قطعية ويصدر حكم قضائي بنفي نسب الولد من الزوج، فهنا يطرح التساؤل إلى أي مدى يمكن تحريك المتابعة من أجل الخيانة الزوجية ضد زوجة المدعي بناء على حكم قضائي ينفي النسب اعتمد أساسا على خبرة طبية قطعية؟(1)
جوابا على هذا السؤال فإن المتابعة عن جريمة الخيانة الزوجية مرتبط كمبدأ عام بتقديم شكاية من الزوج المتضرر، وتعتبر هذه الشكاية قيدا من قيود تحريك الدعوى العمومية طبقا للفصلين 491 و492 من ق.ج ومن تم لا يجوز للنيابة العامة أن تحركها تلقائيا من خلال ما راج أمامها ومن خلال اطلاعها وتتبعها لملف نفي النسب متابعة الزوجة بل حتى في حالة تقديم الزوج المتضرر لشكاية في الموضوع، معتمدا على حكم قضائي ينفي النسب لان جريمة الخيانة الزوجية من الجرائم التي جعل المشرع مسألة إثباتها واردة على سبيل الحصر وهي:
1- محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس.
2- اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم.
3- اعتراف قضائي صادر عن المتهم.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته إذ نص على أنه “لا يكفي في إثبات الجريمة المعاقب عليها في الفصل 491 من ق.ج أن تقول المحكمة بأنها اقتنعت بثبوت الجريمة بل لابد أن تبني حكمها على أحد دلائل الإثبات المنصوص عليها في الفصل 493 من ق.ج(2).
وهناك اشكال آخر مرتبط بقضية النسب، فقد يحدث أن تتابع النيابة العامة الخاطب والخطيبة بجنحة الفساد، فيدليان أمام القضاء الجنحي بحكم شرعي سبق أن قضى بنسب الحمل للخاطب في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة، فهل هذا الحكم يشفع لهما في البراءة ؟ وقد يحدث أن تتقدم المخطوبة بطلب يرمي إلى نسب الحمل للخاطب الذي ينفي نسبه، فيدلي هذا الأخير بحكم جنحي صار نهائيا سبق أن أدانهما من أجل جنحة الفساد، وأشير فيه إلى وجود الحمل أو الولد المترتب عن هذه العلاقة، فهل سيبحث القضاء الشرعي من جديد في الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة، ويقضي بثبوت النسب، أم سيقضي برفض الطلب؟ وهل النيابة العامة أثناء تقديم مستنتجاتها – وقد سبق لها أن تابعت الطرفين من أجل جنحة الفساد والتمست إدانتهما – وهي طرف أصلي في تطبيق أحكام المدونة ستلتمس التصريح بثبوت النسب طبقا لمقتضيات المادة 156 وهي التي سبق لها أن كيفت العلاقة بين الطرفين على أنها فساد، أم ستلتمس التصريح برفض الطلب؟
نرى بأن النيابة العامة وجب عليها أن تتقدم بملتمس يرمي إلى إثبات النسب إذا ما توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط التالية:
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ت- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن، فمتى توافرت هذه الشروط فإن المحكمة تحكم بثبوت النسب للشبهة حفاظا على حقوق الأطفال وحماية مصالحهم.
أما فيما يخص دور النيابة العامة في مجال الحضانة(1)، فيبرز دورها جليا في حالة إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط القانونية فإنها تقوم برفع الأمر للمحكمة لتقرر في اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون لحضانته، أو من المؤسسات المؤهلة لذلك، وتقديم مستنتجاتها الكتابية أو الشفوية إذا لم تكن هي صاحبة المبادرة برفع الأمر للمحكمة، كما أنه لها حق طلب إسقاط الحضانة حماية لحقوق المحضون، وفي هذا الصدد نصت المادة 177 من مدونة الأسرة على أنه “يجب على الأب وأم المحضون والأقارب وغيرهم إخطار النيابة العامة بكل الأضرار التي يتعرض لها المحضون لتقوم بواجبها للحفاظ على حقوقه، بما فيها المطالبة بإسقاط الحضانة”
كما أنيط للنيابة العامة حق طلب منع المحضون من السفر خارج ارض الوطن طبقا للمادة 179 من مدونة الأسرة دون موافقة نائبه الشرعي سواء أثناء النظر في إسناد الحضانة أو بمقتضى قرار لاحق، وتتولى النيابة العامة مهمة السهر على تنفيذه، وإذا التمس الحاضن الإذن له بالسفر بالمحضون خارج أرض المغرب ورفض النائب الشرعي ذلك، يمكن لقاضي المستعجلات وبطلب من المعني أن يصدر أمرا بالإذن بذلك إذا تيقن من استيفاء شرطين هما التأكد من الصفة العرضية للسفر ومن عودة المحضون إلى المغرب(2).
ولحماية المرأة والطفل أثناء عرض النزاع بين الزوجين على القضاء وتعذر المساكنة بينهم، نصت المادة 121 من مدونة الأسرة على أنه يمكن للمحكمة تلقائيا، أو بناء على طلب من المعني بالأمر، أو من النيابة العامة أن تتخذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة للزوجة والأطفال وذلك في انتظار صدور حكم في الموضوع، بما في ذلك اختيار السكن مع أحد أقاربها أو أقارب الزوج، وتنفذ هذه التدابير فورا وعلى الأصل عن طريق النيابة العامة.
بالإضافة إلى دور النيابة العامة في حماية حقوق الطفل في مجال النسب والحضانة فقد خول لها المشرع مهمة السهر على مراقبة تنفيذ الأحكام المتعلقة بالنفقة حيث تتولى مساعدة المحكمة في تجهيز الملفات وتسريع وثيرة الحكم فيها، خصوصا وأن المشرع قد أوجب على المحكمة البت بشكل استعجالي في قضايا النفقة طبقا للمادة 10 من مدونة الأسرة، كما انه باستقراء المادة 253 من مدونة الأسرة نجد أنه يحق للنيابة العامة والنائب الشرعي ومجلس العائلة وعضو أو أكثر من الأقارب عند انتهاء الإحصاء أن يتقدم بملاحظاته إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حول تقدير النفقة اللازمة للمحجور لتغطية لوازمه، مع مراعاة ضيق أو سعة إمكانياته المالية، واختيار السبل التي من شأنها أن تحقق حسن تكوينه وتوجيهه التربوي وإدارة أمواله.
وقد حرض المشرع على ترتيب جزاءات وعقوبات للأب أو الأم الذي يتملص من كل أو بعض واجباته المادية والمعنوية، وهو ما يشكل جنحة إهمال الأسرة.
وباستقرائنا لمقتضيات الفصول 479، 480، 481، 482 من القانون الجنائي، يتبين لنا وجود أربع صور لجريمة إهمال الأسرة، وهي كما يلي:
1. الجريمة الأولى:
تتمثل بشكل واضح في الفقرة الأولى من الفصل 479 من ق ج، “الأب أو الأم” إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة.
وعليه فإن الجريمة المنصوص عليها في هذه الفقرة هي ترك بيت الأسرة من طرف الأب أو الأم، لكن ولقيام هذه الجريمة لا بد من توافر ركنين أساسيين هما:
الركن المادي: يتجلى في ترك الأب أو الأم لبيت الزوجية لمدة تزيد عن شهرين بدون موجب قاهر تحت شرط مصاحبة هذا الترك للبيت الأسري تملص المهمل من كل أو بعض واجباته المادية والمعنوية
القصد الجنائي: وهو القيام بترك بيت الأسرة عمدا.
وهذه الجريمة تعتبر جنحة معاقب عليها بالحبس والغرامة أو بإحدى هذهين العقوبتين فقط.
2. الجريمة الثانية:
وتدخل كذلك ضمن مقتضيات الفصل 479 من القانون الجنائي، وعلى الخصوص في الفقرة الثانية منه التي تنص على أن ” الزوج الذي يترك عمدا لأكثر من شهرين ودون موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل”
ونستنتج من خلال هذه الفقرة بأن هذه الجريمة لا ترتكب إلا من طرف الزوج، وأركانها القانونية هي:
الركن المادي: ومقتضاه ترك الزوج لزوجته لمدة أكثر من شهرين مع علمه أنها حامل.
القصد الجنائي: أن يكون ترك الزوج لزوجته جاء عمدا وليس نتيجة ظرف قاهر.
3. الجريمة الثالثة:
ويشملها الفصل 480 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه “يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ بدفع نفقة الزوجة أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد”
ويمكن تلخيص هذه الجريمة في الامتناع عن أداء النفقة للزوجة أو أحد الأصول أو الفروع تحت ضرورة قيام الأركان التالية:
– فعل مادي: الامتناع عن دفع النفقة.
– أن يكون المستفيد من النفقة أحد الزوجين أو أحد الأصول أو الفروع.
– أن تكون النفقة قد جاءت بمقتضى حكم قضائي.
– أن يكون هذا الحكم نهائيا ويستلزم التنفيذ المؤقت.
– القصد الجنائي: الامتناع عن تنفيذ الحكم القاضي بالنفقة عمدا وعن علم به.
4. الجريمة الرابعة.
نص عليها الفصل 482 من القانون الجنائي، الذي جاء فيه “إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم، وذلك نتيجة سوء المعاملة، أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من 120 إلى 500 درهم سواء حكم عليه بالحرمان من السلطة الأبوية أو لا”
ويمكن تلخيص هذه الصورة في إضرار أحد الوالدين بأطفاله، ولقيام هذه الجريمة لا بد من الأركان التالية:
1. أن يكون الفعل الجرمي قد أتاه أحد الأبوين سواء كان أبا أو أما.
2. أن يتسبب في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم.
3. أن يكون هذا الضرر قد جاء نتيجة حالة من الحالات المشار إليها في الفصل المذكور.
كما أن النيابة العامة يمكن لها أن تقوم بمتابعة أحد الأبوين الذي يتسبب عمدا في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله بعد إجراء بحث من طرف الضابطة القضائية، وذلك نتيجة سوء المعاملة، أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق، وتتراوج العقوبة حسب مقتضيات الفصل 482 من ق.ج من شهر إلى سنة حبسا وغرامة من 200 إلى 500 درهم، كما يمكنها أن تلتمس من المحكمة حرمان المحكوم عليه من السلطة الأبوية.
المطلب الثاني: دور النيابة العامة في قضايا الأهلية والنيابة الشرعية
الأهلية نوعان: أهلية الوجوب وأهلية الأداء
فأهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طول حياته، في حين ان أهلية الاداء هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية والاهلية قد تعتريها حالات اما نقصان اهلية الاداء( المادة 213) وهي حالات الصغير البالغ سن التميز والسفيه والمعتوه، كما أنه تؤدي الى فقدان أهلية الاداء(المادة 217 من مدونة الاسرة) وهي حالة الصغير غير المميز والمجنون وفاقد العقل، فإذا ثبتت حالة من هاته الحالات فإن المحكمة تقرر الحجر، كما يمكن لها رفضه، ودور النيابة العامة في هذا الإطار يتجلى في امكانيات تقديم طلب من أجل مصلحة المحجور.
كما تضطلع النيابة العامة بدور في حماية أموال القاصر من الضياع إذا ما ظهر لها بأن القاصر المأذون له بالتصرف في أمواله قد أساء التدبير فتتقدم بطلب من أجل إلغاء قرار الإذن، وهذا ما تؤكده المادة 221 من مدونة التجارة.
أما فيما يخص تدخل النيابة العامة في أحكام النيابة الشرعية فيتجلى في تدبيرها لملف النيابة القانونية، ذلك أنه في حالة عدم وجود ولي أو وصي فإن المحكمة تعين مقدما للمحجور بعد أن تحيل الملف على النيابة العامة لإبداء رأيها داخل أجل 15 يوما طبقا للمادة 245 من مدونة الأسرة، كما يمكن للنيابة العامة أن تقدم ملاحظاتها إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حول تقدير النفقة اللازمة واختيار السبل التي تحقق حسن تكوينه وتوجيهه التربوي وإدارة أمواله، بالإضافة إلى ذلك فإن المادة 252 تنص على وجوب إخبار النيابة العامة بالإحصاء النهائي والكامل للأموال والحقوق والالتزامات التي في ذمة المحجور والذي يقوم به العدلان بأمر من القاضي المكلف بشؤون القاصرين وتحت إشرافه.
كما أن النيابة العامة ملزمة بإبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين بواقعة وفاة الوصي أو المقدم داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ العلم بها وكذا تقديم طلب للمحكمة من اجل إعفاء او عزل الوصي طبقا للمادة 270 من مدونة الأسرة الذي توفرت فيهما شروط العزل أو الإعفاء.
وتجدر الإشارة كذلك إلى دور النيابة العامة في تصفية التركة، ذلك أن المشرع أعطى للنيابة العامة حماية المال العام إذا كان بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة، حيث تطلب من قاضي المستعجلات اتخاذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ عليها، بل لها أن تطلب تغيير المصفي متى رأت ضرورة لذلك طبقا للمادة 380 من مدونة الأسرة.
خاتمة:
نخلص مما سبق إلى أن مدونة الأسرة قد شكلت بالفعل منعطفا تاريخيا في تشريعنا المغربي، وذلك من أجل إنصاف المرأة وحماية حقوق الطفل، وصيانة كرامة الرجل في تشبت بمقاصد الإسلام السمحة في العدل والمساواة والتضامن واجتهاد وانفتاح على روح العصر ومتطلبات التطور والتقدم(1) ولعل توسيع مهام النيابة العامة في قضايا الأسرة لأكبر دليل على ذلك، حيث أنها بالإضافة إلى دورها الزجري في المجال الجنائي أصبح لها دور حمائي اجتماعي في مجال الأسرة، وتحقيق ذلك يتطلب من قاضي النيابة العامة أن يبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على كيان الأسرة وحمايتها.
كما أنه يجب أن يوفر لجهاز النيابة العامة الوسائل المادية والبشرية للقيام بأدوارها الطلائعية في ميدان مدونة الأسرة.
المراجع
ذ. الشرقاوي الغزواني نورالدين، تدخل النيابة العامة في الدعاوى المدنية، لأطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا بجامعة محمد الخامس، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1995 ص 71.
مجلة الملحق القضائي، عدد 14 ص 107 لسنة 1985.
مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 26 ص 100، أكتوبر 1980.
مجلة المحاكم المغربية، العدد 84.
ذ. محمد الكشبور، ذ. يونس الزهري ذ. حسن فتوح، التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة، الطبعة الأولى 1427-2006.
مجلة المحكمة، العدد 4 نونبر 2004،.
مجلة القصر، العدد 9 شتنبر 2004 ص 90.
وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية.
سلسلة الشروح والدلائل، العدد 1، 2004 دار العلم.
وزارة العدل، الدليل العملي، م س ص، ص 47.
مجلة الملف، عدد 3 أبريل 2004، مطبعة النجاح الدار البيضاء،
جريدة العلم، العدد 19679، أبريل 2004 ص 5.
ذ. مليكة حفيظ، حماية حقوق الطفل أثناء الحياة الزوجية وكذا الطلاق، حلقة دراسية حول مدونة الأسرة ودور الوساطة، أيام: 14-15-16 و17 نونبر 2005 بمراكش.
ذ. محمد الشافعي أحكام الأسرة في ضوء مدونة الأحوال الشخصية، دار وليلي للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة مراكش 1998.
www.bibliotdroit.com