رقابة قضاء الإلغاء على الصفقات العمومية.


        رقابة قضاء الإلغاء على الصفقات العمومية.

يقصد برقابة القضاء الإداري على الصفقات العمومية الرقابة التي يمارسها القضاء عن طريق الطعون المرفوعة لديه ، ويعتبر قسم القضاء الشامل المختص الوحيد في مراقبة عقود الصفقات العمومية ، بينما نجد أن قسم قضاء الالغاء مجاله محدود في هذا النوع من المنازعات ، على أساس ان دعوى الإلغاء لا يمكن ان توجه ضد العقود الادارية ، ولا يمكن الاستناد الى مخالفة الادارة لالتزاماتها التعاقدية في مجال قضاء الالغاء .

الاانه استثناء قد يختص قضاء الالغاء في مراقبة الصفقات العمومية من خلال مراقبة مشروعية القرارات الادارية التي تتخدها الادارة في مختلف مراحل انعقاد العقد ، وهو مايطلق عليها بالقرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية.

وسنتطرق الى رقابة قضاء الالغاء على القرارات المنفصلة(الفقرة الاولى ) ثم الى بعض صور هذه القرارات وآثارها (الفقرة الثانية)

الفقرة الاولى: رقابة قضاء الإلغاء على القرارات المنفصلة

تعتبر القرارات المنفصلة من القرارات الإدارية التي تساهم في تكون العقد الإداري وتستهدف إتمامه، غير أنها تنفصل عن هذا العقد وتختلف عنه في طبيعته ،الامر الذي يجعل الطعن فيها بالإلغاء جائزا فهي قرارات تسبق إبرام العقد نظرا لأنها تمهد لهذا الإبرام ولا تدخل في نطاق الرابطة التعاقدية.

وباعتبار الطبيعة الإدارية لعقد الصفقة العمومية وارتباطه بالمصلحة والمال العامين، فانه يمر بمجموعة من المراحل ابتداء من المرحلة التحضيرية لإبرامه ومرورا بالمصادقة وانتهاء بالتنفيذ ،وخلال هذه المراحل تصدر الإدارة المتعاقدة عدة قرارات إدارية ينتج عنها في كثير من الأحيان عدة اشكاليات قد تتعلق برفض المصادقة والعدول عن المزايدة وفسخ العقد الإداري، وإذا كانت الإدارة تتصرف بإرادتها المنفردة في أغلب مراحل الصفقة العمومية دون اللجوء إلى القضاء وإنما إستنادأ إلى نصوص العقد والقواعد العامة لتسيير المرفق العام ،فإن سلطتها التقديرية هاته ليست مطلقة بل تخضع لمراقبة القضاء ومنه ولكي يخضع قضاء الإلغاء رقابته على القرارات المنفصلة للصفقات العمومية، فانه يجب أن نبين الأسس التي بموجبها يتم فصل القرارات عن عقد الصفقة العمومية سواء من حيث العمل المطعون فيه( أولا) أو من حيث صفة الطاعن كأساس لتقرير هذا الانفصال (ثانيا)

أولا: الإنفصال على أساس مصدر العمل المطعون فيه

يقوم الإنفصال على أساس مصدر العمل المطعون فيه ، على مبدأ مفاده أن الطعن يجب أن ينبني على مشروعية القرار لا على الشروط المتفق عليها بين الطرفين.

فإذا كان القرار الإداري هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين، متى كان ممكنا وجائزا وكان الباعث عليه مصلحة عامة فإن عدم احترام الإدارة لهذه القوانين واللوائح يجعل قراراتها مفتقرة للمشروعية، وقابلة للإنفصال عن العقد الإداري.

وأسباب عدم المشروعية في القرارات المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية،لا يمكن أن تذخل ضمنها مخالفة نصوص العقد، لأن العقد لا يعتبر قاعدة قانونية لكونه لا يولد مراكز عامة وموضوعية تتسم بالعمومية والتجريد والإستمرارية ، كما انه في العقود الإدارية لا يمكن الاحتجاج بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فعدم الشرعية تعني مخالفة القواعد العامة وليس مخالفة بنود العقد وقد اشار القانون المحدث للمحاكم الإدارية في المادة 20 منه والتي تنص على ان ” كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو الانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو مخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه امام الجهة القضائية الإدارية المختصة..”

ومن القرارات التي اعتمدت هذه الفكرة لتقرير انفصال القرار الإداري عن العقد الإداري ، القرار الصادر عن المجلس الأعلى وجاء في حيثياته” لكن حيث ينص التشريع الخاص بكراء الأملاك الحبسية شرط أن يكون أهلا للمشاركة في المزايدات والمنقصات بصفة عامة وان الإدارة لا تنازع في أهلية الطاعن من هذه الناحية، مما يجعله ذو مصلحة في اقامة دعوى الإلغاء ضد مقرر رفض الإدارة بموجبه ضمنيا اللجوء إلى طريقة المزايدة…”

ويرى الباحث محفوظ عماد أن هذا اسس على عيب مخالفة القانون، بحيث أن مضمونه جاء مخالفا للقواعد القانونية التي تنظم مجال الإدارة ، وسبب الطعن جاء مبنيا على مراقبة شرعية القرارات على شروط العقد.

وجاء تعليل المحكمة الإدارية بمكناس لمبدأ الانفصال أكتر وضوحا لما صرحت في الدفع بعدم الإختصاص النوعي، حيث دفع الوكيل القضائي بعدم الإختصاص “وحيث إن الإجتهاد القضائي لهذه المحكمة (حكم عدد 95/11/9 ) قد استقر على اعتبار أن القرارات المتصلة بتنفيذ العقد الإداري تكون بصفة استثنائية محلا للطعن بالإلغاء إذا اتخذت في إطار القوانين واللوائح، وذلك إقتداء باجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الاعلى خصوصا نازلة الشركة المغربية ضد وزير الأشغال العمومية في حكمها الصادر بتاريخ 3/7/1968 كما أن الإجتهاد القضائي المقارن سار على نفس النهج وخصوصا منه الفرنسي والمصري.”

في نفس الاتجاه أصدرت المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 12/12/1995 حكما جاء فيه:”وإنه وإن كانت العقود الإدارية التي تبرمها الإدارة لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء باعتبارها أعمالا قانونية ،وان المنازعات الناشئة بسببها لا يتم الفصل فيها إلا في إطار القضاء الشامل،فإن كثير من القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة بإرادتها المنفردة وبحكم سلطتها العامة في مرحلة التمهيد لإبرام العقود سواء الإدارية منها والخاصة يمكن الطعن فيها بالإلغاء وهي ما يسمى بالقرارات المنفصلة التي تسبق أو ترافق التعاقد.”

وفي قرار أخر للمحكمة الإدارية بأكادير جاء فيه “…القرارات الممهدة لعقد الصفقات العمومية تعتبر قرارات منفصلة عن العملية التعاقدية وقابلة بهذه الصفة للطعن عن طريق دعوى الإلغاء”

وفي الأخير نستشف أن القضاء الإداري المغربي استقر على اختصاص قضاء الإلغاء في رقابة القرارات المنفصلة عن عقود الصفقات العمومية التي تستند الإدارة في اصدارها على أحكام قانونية أو تنظيمية ،وذلك لبسط رقابة المشروعية القانونية على هذه القرارات.

ثانيا:صفة الطاعن كأساس لتقرير انفصال القرار الإداري عن عقد الصفقة العمومية

تحتل صفة الطاعن أهمية قصوى داخل نظرية القرارات المنفصلة التي ابتدعها القضاء الفرنسي، حيث أن هذا الأخير لا يقبل الطعن بالإلغاء الموجه ضد العقد ، باعتباره يتعلق بأعمال ثنائية ، وأن الطعن بالإلغاء إنما يوجه ضد الأعمال الفردية الصادرة عن الإدارة.

ومن جهة أخرى فان الطعن بالالغاء لا يمكن اللجوء إليه في حالة وجود طريق أخر لدى الطاعن لاقتضاء حقه ، وهو ما نصت عليه المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية “لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان بوسع المعنيين بالأمر أن يطلبوا بما يدعونه من حقوق بطريق من طرق الطعن العادي امام القضاء الشامل”، والدعوى الموازية هاته وضعت أساسا للتمييز بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل

وبموجب ما تقدم فإنه لا تقبل دعوى إلغاء القرار المنفصل عن العقد من المتعاقد مع الإدارة سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، مادام بوسع هذا المتعاقد اللجوء إلى دعوى العقد عن طريق القضاء الشامل أي أن دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة ضد القرارات المنفصلة مقررة للذي يحمل صفة الغير الذي لا يستطيع اللجوء إلى القضاء الشامل للحصول على إبطال العقد أو الحصول على نفس النتائج احتراما لمبدأ الحفاظ على الحقوق المكتسبة للمتعاقدين. وبالتالي فغير المتعاقد ليس له إلا الإلتجاء إلى قاضي الإلغاء فإذا ما أغلق هذا الباب في وجهه تمسكا بوحدة العملية التعاقدية فإنه سيصاب بضرر كبير ومنه يظهر جليا أن نظرية القرارات المنفصلة إنما تعتبر ضمانة للغير من أي تعسف محتمل يصدر عن الإدارة.

الفقرة الثانية: صورة رقابة قضاء الإلغاء وأثارها .

كما هو معلوم فإن إنجاز معظم الحاجيات التي يتوقف عليها استمرارية المرافق العامة، يتم في إطار الصفقات العمومية ،سواء تعلق الامر بجعل حجم هذه الحاجيات والاعتمادات المالية المرصودة لها تحتل مقاما مؤثرا بشكل متميز في بنية العرض والطلب بمختلف القطاعات الاقتصادية ،وبناء على هذا الأساس فإننا سنقوم بتسليط الضوء على بعض أنواع القرارات المنفصلة الخاضعة لرقابة لقضاء الإلغاء (أولا) ثم أثار هذه الرقابة (ثانيا)

أولا: انواع القرارات المنفصلة الخاضعة لرقابة قضاء الإلغاء

إن المنازعات المترتبة عن العقود الإدارية بجميع صورها سواء منها المتعلقة بانعقاد العقد أو صحتها ،أو بتنفيذها أو انقضائها تخضع في الأصل إلى ولاية القضاء الشامل، لذلك فإن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لم تقبل دعوى الإلغاء لوجود دعوى موازية بإمكانها أن تقدم للطاعن نفس النتائج المرجوة من دعوى الإلغاء، كما يصادف في قضية sité Maroccaine d’électrique التي لم تقبل بمناسبتها الطعن بالإلغاء ضد قرار الإدارة الذي رفضت من خلاله مراجعة ثمن الصفقة تأسيسا على وجود دعوى موازية أمام القضاء الشامل من أجل الحصول على التعويض إلا ان هذه القاعدة تعرف بعض الاستثناءات التي وضعها الاجتهاد القضائي وتتمثل في نظرية القرارات القابلة للانفصال ،التي تحقق من خلالها إخضاع أعمال مرتبطة بالعقود الإدارية إلى مراقبة قاضي الإلغاء،سواء كانت هذه القرارات في المرحلة السابقة لإبارم ىالعقد الصفقة العمومية (أ) أو المرحلة اللاحقة لإبرامه (ب)

أ: القرارات المنفصلة في المرحلة السابقة لإبرام عقد الصفقة العمومية

لقد أقر الفقه الإداري بان القرارات الممهدة لإبرام الصفقات العمومية تعتبر قرارات منفصلة عن العقد ،وقابلة بطبيعتها للطعن عن طريق الإلغاء، وذلك وفقا للإجتهاد القضائي الذي تم تأصيله مند ما يربو عن ثلاثة عقود لذلك فقد اعتبر القاضي الإداري المغربي ان القرار المتخذ من طرف سلطة إدارية في المجال التعاقدي هو قرار منفصل مستقل عن النظام القانوني العام والخاص بالعقد.

وسنتطرق إلى بعض هذه القرارات على الشكل الاتي

_ تعليل قرار الإقصاء من المنافسة

بالرجوع إلى المرسوم المنظم للصفقات العمومية وبالضبط المادة 44 الفقرة الثانية نجدها تنص على إلزام صاحب المشروع بإخبار المتنافسين الدين تم إقصائهم برفض عروضهم مع ذكر أسباب إبعادهم وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل اجل خمسة أيام من تاريخ انتهاء أشغال اللجنة المكلفة بطلب العروض.

وتبعا لذلك فإن القضاء الإداري ذهب في نفس الاتجاه الذي سار عليه المرسوم ، حيث أكد على إلزامية ذكر أسباب إبعاد المتعهدين وإقصائهم بسبب ملفهم المالي، حيث نجد المحكمة الادارية بالدار البيضاء في حكم لها بتاريخ 18/10/2006 قضت بإلغاء قرار إقصاء إحدى الشركات من نيل الصفقة رغم أنها تم قبول ملفيها الإداري والتقني من طرف لجنة العروض، إلا أنها فوجئت العارضة بمبادرة صاحب المشروع بإخبارها عن طريق رسالة الفاكس بأن عرضها المالي لم يقبل من طرف لجنة فتح الأظراف وبدون أن تعللل قرارها الإداري بسبب الرفض ودون أن تعطي مبررات الإقصاء.”

من جانبها وفي حكم لادارية الرباط فإنها قبلت الطعن في القرارات السابقة على العقد ، ويتجلى هذا في رقابتها على قرارات الإقصاء من المنافسة، وقضت في حكمها بان “خرق الادارة لمقتضيات المادتين 42 و44 من المرسوم الضابط للصفقات العمومية وهي مقتضيات توجب على الإدارة نشر الإعلان عن نتائج فحص العروض بمقرها خلال 24 ساعة الموالية لإنتهاء أشغال فحص العروض لمدة خمسة عشر يوما كاملة على الاقل كما توجب عليها أيضا اخبار المعتمدين المقصيين برفض عروضهم.”

ومن جانب أخر نجد أن القضاء الاداري لا يتردد في تأييد قرارات الادارة بإقصاء عروض المتنافسين متى كانت متخذة على أسس سليمة غير مخالفة للقانون حيث أنه في قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قضت فيه “.. أنه على الرغم من تقديم الطاعنة لأرخص عطاء، فإن الغاية من الصفقات العمومية هو تحقيق المصلحة العامة، وانه لبلوغ هذا الهدف لا بد من تخصيص أموال عامة، وتكون الإدارة مؤهلة لاتخاذ جميع التدابير والاحتياطات والبحث عن كافة الضمانات العينية والشخصية لإنفاق تلك الاموال فيما أعدت له ،وإنه نتيجة لذلك حرص المشرع وسار في هذا السياق كل من الفقه والقضاء الإداري على منح الإدارة اكبر قدر من الحرية لإختيار المتعاقد الأنسب والأصلح انطلاقا من عدة معطيات اهمها حقها في تقييم وتغليب الجانب الاقتصادي والكيفي للعملية ،وهذا يعني أنه لا يمكن إجبار الإدارة على المصادقة على عرض لم يف في نظرها بالشروط والاعتبارات التي وضعتها مما يتعين معه القضاء برفض طلب الطاعنة.”

وعليه فهذه القرابة القضائية على مقررات الإقصاء يمكن توسيع نطاقها لتشمل الحالات التي يتم فيها إبرام صفقات الدولة بشكل مخالف لأحكام القانون رقم 99.06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة وذلك لحماية حرية المنافسة ضد الاوضاع المهيمنة والإمتيازات الإحتكارية.

إضافة إلى ما تم التطرق إليه فإن مجموعة من القرارات الممهدة لإبرام عقد الصفقة العمومية سواء تلك المتعلقة بالإقصاء من المنافسة والتي تطرقنا إليها أو رفض المصادقة على عقد الصفقة أو حتى القرارات المتعلقة بالتراجع عن المصادقة على العقد كلها تعتبر قرارات إدارية منفصلة عن عقد الصفقة العمومية مما يجوز الطعن فيها بالالغاء لتجاوز السلطة.

من خلال ما سبق نستشف أن القرارات السابقة على إبرام الصفقات العمومية تشكل المجال الخصب لرقابة قاضي الإلغاء، حيث لم نجد أي إختلاف سواء من طرف الفقه أو المحاكم تقول بخلاف ذلك، ويرى الباحث محفوظ عماد أن نطاق الحماية القضائية في بداية إبرام الصفقات العمومية في المغرب محدودة جدا وذلك راجع إلى ندرة وقلة حالات اللجوء إلى القضاء الإداري نتيجة إحجام المتنافسين عن الطعن في القرارات الممهدة لإبرام الصفقات حفاظا على نقاء السيرة تجاه الإدارة صاحبة المشروع.

ب) رقابة القضاء على القرارات المنفصلة اللاحقة على إبرام العقد

على عكس ما تمت الإشارة إليه سابقا عند الحديث عن القرارات المنفصلة السابقة على إبرام عقد الصفقة العمومية ،فإن القرارات اللاحقة على إبرام هذا العقد لا يمكن إعتبارها منفصلة حيث تعتبر القرارات المتدخلة في هذه المرحلة التنفيذية للعملية بأنها تشكل الموضوع الرئيسي لإختصاص قاضي العقد. فقرارات تنفيذ العقود يجب النظر إليها كموضوع أساسي للقضاء التعاقدي ،ولا يمكن أن تكون منفصلة وتخضع مبدئيا للقضاء الشامل.

واستثناء من المبدا الذي فصلناه اعلاه فإن قضاء الإلغاء يتدخل للرقابة على بعض القرارات المنفصلة التي تصدرها الإدارة في المرحلة اللاحقة على إبرام عقد الصفقة العمومية ،وتتمثل هذه القرارات في تلك المتخذة إستنادا للقوانين والتنظيمات دون ان ترتكز على بنود العقد. وتعتبر هذه القرارات صادرة عنها بإرادتها المنفردة أي أنها لم تتحرك بوصفها طرفا متعاقدا بل بوصفها سلطة إدارية وإصدارها لهذه القرارات في مرحلة التنفيذ بوصفها سلطة عامة يعود لتمتيعها بسلطة الرقابة على تنفيذ العقد وسلطة توقيع الجزاءات على المتعاقد معها متى أخل بالتزاماته التعاقدية، وهي تتمتع بهاته الحقوق والسلطات باعتبارها مسؤولة عن إدارة المرفق العام حت ولو لم ينص العقد عليها باعتبارها من النظام العام. وإذا كانت الادارة تتوفر على إمكانية تطبيق الجزاءات على المتعاقد دون اللجوء إلى القضاء ،فإن قراراتها المتخذة بهذا الشان تبقى خاضعة للرقابة القضائية ومن ضمنها رقابة قضاء الإلغاء، وقد أكد الاجتهاد القضائي الإداريهذا الامر حينما إعتبر القرارات الصادرة في إطار البنود التنظيمية للعقد الإداري والمتعلقة بتنظيم سير المرفق العام، اوالتي تستند إلى نصوص القانون، ولو كانت مرتبطة بالعقد تبقى خاضعة للطعن بدعوى الإلغاء تطبيقا لمبدأ جزاء المشروعية، وذلك بصرف النظر عن العقد وأحكامه كما في قضية المقاولات الكبرى حيث ميز مجلس الدولة الفرنسي “بين البنوذ التنظيمية والبنود التعاقدية لعقد الامتياز وقابلية القرارات المستمدة إلى البنود التنظيمية للطعن فيها بالإلغاء خلافا للقرارات التي تصدر تنفيذا لبنود العقد والتي لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء بل في إطار دعوى القضاء الشامل”

وقد تكرس هذا الاتجاه القضائي في أحكام القضاء الإداري المغربي سواء على مستوى قرارات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أو على مستوى المحاكم الإدارية حيث اعتبر الاجتهاد القضائي المغربي ،على ان قرار الفسخ متى استند إلى نصوص القانون اعتبر قرارا اداريا مما يجوز الطعن فيه بالإلغاء، حيث جاء في حكم إدارية مكناس وهي تلغي قرار الفسخ المطعون فيه ” إن القرارات المتعلقة بالعقد الإداري تكون بصفة استثنائية محلا للطعن بالإلغاء ،إذا اتخذت في إطار القوانين واللوائح، وإن توقيع الجزاء على المتعهد قبل تبليغ الأمر لخدمة بصفة قانونية يتسم بعيب مخافة القانون، وتعرض القرار المطعون فيه للإلغاء.” ،وفي قرار آخر للمجلس الأعلى” وحيث لما كان إلغاء طلب مقرر فسخ صفقة عمومية يجادل في المقتضيات والمبادئ التي تنظم الصفقات العمومية ، فإن الأمر يتعلق بطعن في مقرر إداري منفصل”

وهكذا نستنتج أن جميع القرارات الإدارية المتخدة سواء في مرحلة السابقة او اللاحقة على إبرام عقد الصفقة العمومية تعتبر منفصلة عندما يتم اتخاذها استنادا إلى القانون واللوائح التنظيمية وتبعا لذلك فإنها تخضع لرقابة قاضي الإلغاء.

ثانيا:آثاررقابة قضاء الإلغاء على القرارات المنفصلة

إن إلغاء القرارت المنفصلة عن عقد الصفقة العمومية من طرف قاضي الإلغاء يثير اشكالية حول آثار هذا الإلغاء ،وإذا كان القضاء اعترف للغير وللذي يسير متعاقدا بالطعن بالإلغاء في قرارات الإدارة غير المشروعة التي تذخل في تكوين العملية العقدية في مرحلة الإبرام عن طريق فكرة القرار المنفصل فإن التساؤل يطرح حول أثر إلغاء القرار الإداري الذي يمهد لإبرام العقد والقرار الذي يصدر بعد إبرامه؟

حسب الفقه الاداري المغربي فإنه في حالة إلغاء القرار الإداري فإن الرابطة التعاقدية (العملية) لا تتأثر بسبب ذلك ،حتى وإن كان هدف الإلغاء الوصول إلى بطلان العقد الإداري نفسه أمام قاضيه المختص.

ولقد إستقر الإجتهاد القضائي المغربي على التوجه الذي سار عليه الاجتهاد القضائي الفرنسي والمصري ،وهو اعتبار أن إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة عن العملية التعاقدية ليس له أي آثار مباشرة على العقد الإداري حيث يظل سليما وقائما ومنتجا لآثاره القانونية إلى غاية قيام أحد أطراف العقد الإداري برفع دعوى البطلان أمام القضاء الشامل، مع أن المنطق القانوني يأبى أن يتم إلغاء القرار المنفصل ويبقى الإجراء الذي تفرع عنه وهو إبرام العقد نافذا بمجرد ان طرفيه لم يطالبا بفسخه.وباعتبار أن الفرع تابع للأصل وجودا وعدما فإن المنطق القانوني يقتضي إلغاء العقد برمته وإعدام أثاره وذلك لأن القرار المنفصل الذي تم إلغائه يعتبر بمثابة الأصل الذي ابرم عليه هذا العقد.

ويتفق بعض الباحثين على أنه يمكن حصر أثار الإلغاء القضائي في القرار المنفصل المتعلق بالعقد الإداري في حالتين إثنثين:

الحالة الأولى: وهي الحالة التي يصدر فيها القرار القضائي بالإلغاء قبل بداية تنفيذ العقد الإداري في هذه الحالة فإن آثار الإلغاء القضائي تترتب كاملة حيث يؤدي إلغاء القرار االمنفصل إلى بطلان العقد الإداري المترتب عنه لأن ما بني على باطل فهو باطل فالإدارة في هذه المرحلة لها الإختيار بين أسلوبين إثنين إما اللجوء إلى الحوار مع الطاعن للتوصل من خلال ذلك إلى تسوية حبية تسمح بإعادة تقييم وتصحيح العقد وإتمام تنفيذه ،أو اللجوء إلى تنظيم العقد بهدف تحقيق تطابق العقد الأصلي مع ما تم الحكم به من طر قاضي الالغاء ، إلا أنه تجب الإشارة إلى ان أثار هذا الإلغاء لا تزال جد نسبية لأنها رهينة بإرادة الإدارة.

الحالة الثانية: وهي صدور القرار القضائي بالإلغاء بعد إبرام العقد وفي هذه الحالة فإن آثار الإلغاء تبقى نسبية وضعيفة ذلك ان مصير العقد الاداري يدخل في ولاية القضاء الشامل أو بعبارة أخرى أنه إذا كان من حق أطراف العقد الإداري التقدم إلى القضاء الشامل بطلب إلغاء العقد وفقا لقاعدة نسبية العقد وقصر أثاره على عاقديه، فإنه لا يجوز للغير الأجنبي عن العقد أن يتقدم إلى قاضي العقد بطلب إلغائه إستناداً إلى الحكم بالإلغاء الذي صدر من قاضي تجاوز السلطة.

  1. عبد العزيز عبد المنعم خليفة ” الأسس العامة للعقود الإدارية” الطبعة الأولى المركز القومي لإصدارات القانونية
  2. محمد العلوي “اختصاص قضاء الإلغاء في منازعات العقود الإدارية” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية
  3. محفوظ عماد “الإختصاص القضائي في منازعات الصفقات العمومية بالمغرب
    “رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون جامعة الحسن الأول سطات السنة الجامعية 2013/2014
  4. منية بمليح “دور القاضي الإداري في مراقبة المشروعية في المجال العقدي”المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 83 سنة 2008
  5. عبد الله حداد’ تطبيقات الدعوى الإدارية في القانون المغربي’ منشورات عكاظ الطبعة الأولى 2001
  6. محمد الاعرج ، القانون الاداري المغربي الجزء الاول، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية ، الطبعة الثالثة ، 2011
  7. ادريس الحلابي الكتاني، العقود الإدارية ،مطبعة دار السلام الرباط طبعة 2001
  8. محمد قصري “القاضي الإداري ومنازعات الصفقات العمومية مجلة الحقوق المغربية العدد 12 السنة 2011
  9. أمينة جبران “القضاء الإداري ودعوى القضاء الشامل” منشورات الجامعية المغربية .الطبعة الأولى 1994
  10. حفيظ يونسي ، الرقابة على صفقات الجماعات الترابية ، اطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، جامعة الحسن الاول سطات ، السنة الجامعية 2012 ، 2013
  11. بكور منير “دور القاضي الإداري في التنمية المحلية” بحث لنيل شهادة المساتر جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والإقتصادية ظهر المهراز فاس 2008/2009 ص 48.
    droitetentreprise.com

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...