ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين
مقدمة
يعرف تشغيل الأطفال بأنه كل شكل من أشكال نشاط الاقتصادي الذي يمارسه أطفال والذي يحرمهم من كرمتهم وتغير نموهم الطبيعي والجسدي والنفسي ويرثا عمل الأطفال في جميع الأزمنة أساسا بفقر الأسر فبعض الآباء يدفعون أبنائهم إلى العمل من تحسين أوضاعهم الاجتماعية وتوفير متطلبات وحاجات الأسرة هل الفقر دائما هو السبب في ظاهرة تشغيل الأطفال ؟
هل هناك أسباب أخرى عندما تتضافر مع الفقر فإنها تشجع عمل الأطفال مثل تعدد الأطفال في الأسرة فهذا عامل يقف حجر عثرة بعض الآباء للتحكم في تربية الأطفال و توفير ظروف تساعد على تمتعيهم بكافة حقوقهم كما أن فشل الطفل في الدراسة قد يجعل أبويه يدفعانه إلى العمل إرغاما عنه تحت ذريعة امتناعه عن المدرسة
يثرى ماهي عوامل وأسباب هذه الظاهرة وما هو هو دور المجتمع المدني في التقليل منها و ما هي الحماية القانونية التي اقرها المشرع الدولي و الوطني لمنع تشغيل الأطفال القاصرين ؟
مبحث الأول: أسباب تشغيل الأطفال وانعكاساتها على المجتمع
سنتناول في هذا المبحث كل من أسباب التشغيل (مطلب أول) وانعكاساتها على المجتمع المدني (مطلب الثاني)
المطلب الأول: عوامل و أسباب وعوامل الظاهرة
اتفقت المجمل الدراسات السيسيولوجية والاقتصادية التي ثم القيام بها في الوقت الراهن سواء من طرف باحيتين متخصصين أو من طرف المعاهد والمنظمات الدولية بأن ظاهرة تشغيل الأطفال يمكن إرجاعها بالأساس إلى عوامل متعددة ومتنوعة تدور على الخصوص حول الفقر والهجرة القروية وأمية الوالدين وطبيعة نظام التعليم ونوعية تكوين المهني
ويمكن إرجاع كذلك الظاهرة إلى المستوى الاجتماعي الكلي والمستوى الاجتماعي الجزئي السائد في بلد ويشمل المستوى الاجتماعي الكلي عدة مؤشرات تدور حول نوعية الثقافة الرائجة ونسبة التمدن والهجرة من الريف إلى المدنية وكذلك المشكلات الأسرية والتفافة الاجتماعية المتخلفة ويتضمن المستوى الاجتماعي الجزئي الأسباب الشخصية للاطفال أنفسهم والظروف المعيشية لأسرهم و ظروفهم الخاصة المتمثلة في الأمية والحاجة المادية للأسرة وتحميل الأطفال مسؤولية إعالة الأسرة أو مساعدتها في سن مبكرة على ذلك ويشكل أيضا التسرب المدرسي والتصدع الأسري والضغوط الحياتية ومتطلبات المعيشة التي لا تستطيع الأسرة تأمينها كذلك أحد الأسباب الرئيسية التي تزيد في تفاقم هده الظاهرة الاجتماعية تنامي انتشارها ويمكن إرجاع ارتفاع هده الظاهرة وانتشارها بالأساس إلى عدة عوامل يصعب حصرها ويمكن إجمالها في العوامل الاقتصادية والعوامل الاجتماعية وعوامل ثقافية بينما تتولى الأخت مريم تناول العوامل القانونية المعمول بها مجال حماية الأطفال الشغالين سوف نتناول كل عامل على حدة فالعامل الاقتصادي عاملا رئيسيا في تفشي هده الظاهرة مما يتسبب هدا الافتراض انحصارها في البلدان الغنية قياسا بالبلدان النامية بسب عدم التوزيع العادل للثروات وكدا انعدام آو تدني مستوى الدخل انخفاض مستوى المهارات ظهورا لامية وانخفاض مستوى المهارات وظهور الأمية وانخفاض مستوى الإسكان وعدم تبني سياسات تنموية ذات بعد اجتماعي وقد اجمع الباحثون في هدا الصدد إن العامل الاقتصادي يأخذ موقع الصدارة في انبثاق ظاهرة تشغيل الأطفال واستفحالها حيث يظهر جليا في انحصارها ووجودها في البلدان السائرة في طريق النمو ويقدر عدد الأطفال الشغالين في العالم في بداية الألفية الثالثة بحوالي مائة وخمسون مليون نسمة في قرن يتميز بالمعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجيات
بينما في العالم تدل بعض المؤشرات على ارتفاع نسب هده الظاهرة بالمقارنة مع النسب المسجلة على المستوى الدولي وفي هدا الإطار يلاحظ ارتفاع ظاهرة تشغيل الأطفال نسبيا في البوادي العربية ولاسيما في الأنشطة المرتبطة بالفلاحة والتزود بالماء الشروب والرعي وفي الصناعات اليدوية والحرفية بالمدن وكذلك في القطاع غير المنظم الذي يعرف أرقاما كبيرة تتزايد يوما بعد يوم ولقد حدد مكتب العمل الدولي لشغل على أسباب الاقتصادية لتشغيل الأطفال في نقاط يمكن إجمالها فيما يلي:
إن الأطفال اقل وعي بحقوقهم واقل إثارة للمتاعب
إن الأطفال أكثر استعدادا لتلبية الأوامر وانجاز الشغل دون شكوى
إن لأطفال أكثر مدعاة لثقة واقل احتمالا لسرقة والتغيب عن العمل
العوامل الاجتماعية يعتبر التفكك الأسري خاصة ادا كان مقرونا بظروف اقتصادية او معيشية إلى دفع الأطفال إلى سوق الشغل و إرغامهم على القيام بدلك ويتحد التفكك الأسري صور متعددة متنوعة إلا إن بعض الباحثين و الدارسين يحصرونه في تفكك مادي وأخر معنوي ويمكن إرجاع التفكك الأسري المادي إلى عدم وجود الأبوين معا في نطاق الأسرة إما بغيابها أو بغياب احدهما سواء أكان سبب دلك يرجع إلى الطلاق أو الوفاة أو الهجر أو السفر الطويل أو الخضوع لعقوبة سالبة للحرية ويحرم الطفل من مصدر من مصادر تهذيبه وتقويمه وقد يكون هدا الحرمان احد العوامل الأساسية التي تدفع به إلى الشغل والتسكع ثم إلى الجريمة إما تفكك المعنوي للأسرة فان يوجد بالخصوص في المناخ العائلي الذي تسوده علاقات سيئة ومضطربة حيت ينشب الخلاف بين أفرادها أو يكون احد الأبوين قدوة سيئة للأبناء كان يدمن احدهما على تناول المخدرات أو الكحول ل وغير وتهبيهم وتوجيههم وتتبع دراستهم وكما اشرنا إلى دلك سابقا تعتبر ظاهرة التسرب المدرسي أو الهدر المدرسي من العوامل التي تؤدي إلى إفراز ظاهرة تشغيل الأطفال وتناميها بين كيان أي مجتمع وقد أظهرت بعد الدراسات السوسيو- اقتصادية التي تم انجازها تورطها المباشر في دلك.
وكذلك يلعب السكن الذي يقيم فيه الطفل الشغال من بين المؤثرات الأساسية التي لها تأثير كبير في تكوين شخصيته وسلوكه من ناحية يؤدي ضيق المكان إلى عدم تمكن الطفل من القيام بواجباته المدرسية على نحو سليم وما يتبع دلك من شعور بالرهبة والخوف من الجزاء حيث ينجم عن دلك الإهمال والفشل في الدراسة وقد يكون دلك الإهمال والفشل في الدراسة وقد يكون دلك عاملا أساسيا يدفع بالطفل إلى الالتماس في الشارع سبيلا لقضاء أوقات فراغه يهدف ايجا د ملجأ يفجر فيه كبته وطاقات
ويعتبر عدم تعميم التمدرس إلى جانب صعوبة وتعثر تطبيق مبدأ إلى جانب صعوبة وتعثر تطبيق مبدأ إجبارية التعليم أمام الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية والمجالية من العوامل الأساسية التي تزيد في تعميق ظاهرة تشغيل الأطفال واستفحالها وتناميها بل تقف سدا منيعا أمام المبادرات الرامية إلى القضاء عليها او على الأقل التخفيف من حدتها.
ولا ننسى أن نسبة التمدرس في المغرب عرفت بالنسبة للأطفال البالغين سبع سنوات وخمسة عشر سنة تحسنا ملموسا خلال السنوات الأخيرة حيت ارتفعت إلى إلا انه يلاحظ إن هناك أعداد كبيرة من الأطفال ولاسيما في العالم القروي تفضل العمل الأسباب معيشية ومساعدة العائلة لا خراجها من براثين الفقر.
ويلعب البعد الجغرافي لمدرسة أيضا وصعوبة التضاريس وانعدام الحوافز المادية لرجال التعليم لتشجيعهم للعمل في العالم القروي والمتمثلة في انعدام البنيات التحتية احد العوامل التي تساهم في تكريس الوضع واستفحال هذه الظاهرة.
ويمكن إرجاع ظاهرة تشغيل الأطفال بالأساس كذلك إلى رغبة تشغيل الأطفال بالأساس كذلك إلى رغبة بعض الآباء في الحفاظ على استمرارية المهن التي ورثوها في الغالب إرثا عن أبائهم والتي يعتزون بها غاية الاعتزاز حيث يرون فيها إرثا نفسيا لا ينبغي التفريط فيه ويفضلون بدلك توريث هده المهن إلى الأبناء.
ويمكن إرجاع الظاهرة كما قلنا سابقا إلى العوامل الثقافية والتي يمكن تصنيف هده العوامل إلى مظهرين يتجلى الأول في اعتبار الطفل وسيلة استثمارية وأداة للتامين على الشيخوخة وتقلبات الحياة حيث يعتبر عاملا فعالا في تشغيل الأطفال كلما كان حجم العائلة كبيرا وثانيا يكمن في صعوبة تلبية رب الأسرة المعول الوحيد لحاجيات وطلبات أفراد العائلة من ثمة فان اللجوء إلى دخل الطفل الشغال يصبح ضروريا وحتميا بالنسبة لهده الفئة الفقيرة.
ويلعب العامل الثقافي للأبوين كذلك دورا طلائعيا في بناء شخصية الطفل والمحافظة على نموه اللغوي والبدني وتحصليه الدراسي وقد بينت الدراسات التي أجريت في هدا الخصوص إن هناك تباينا في أساليب التربية بين الآسر بتباين المستويات الثقافية للام وللأب كما بينت أيضا إن الأبوين يميلان إلى المعرفة العلمية في العمل التربوي كلما ارتفع مستوى تحصيلهم المعرفي ومن هدا المنظور تتقدم المنظومة الثقافية لتدلي بدلوها للتأثير على مسار الظاهرة تشغيل الأطفال دلك إن هناك مجموعة من القيم الثقافية التي تصب في اتجاه محاصرة هده الظاهرة والحد منها كقيم التراحم والتكافل وكفالة اليتيم والعطف على الصغير وحمايته والنظر إلى الأب بوصفه رب الأسرة والمسؤول على إعالتها.
وفي ظل هده المعطيات ومن اجل محاصرة ظاهرة تشغيل الأطفال والحد من تأثيراتها السلبية على التنمية البشرية فان تغيير هده المفاهيم التي باتت تتجدر يوما بعد يوم قد أصبح مطروحا بحدة ودلك بنبذ الوعي المعرفي والعميق والشامل بتداعيات هده الظاهرة يعتبر في الحقيقة المدخل الرئيسي للتغيير والإصلاح بهدف إعداد مواطنة صالحة وفاعلة وفعالة لمواجهة التحديات وربح الرهانات.
ويمكن القول بصفة عامة إن المغاربة يملكون من الفكر والمعرفة والرؤية والقدرة تمكنهم من بلورة رؤية واضحة تسهم في إنضاج أفكار لنبد هده العادات وبالتالي التحفيز على الاستثمار في أجيال الغد بكل ما لديهم من الموارد والإمكانيات.
المطلب الثاني : آثار و انعكاسات ظاهرة تشغيل الأطفال
تعتبر ظاهرة تشغيل الأطفال من الانتهاكات الصارخة، التي تعمل على زلزلة المقومات الأساسية التي ينبغي لكل طفل أن يتمتع بها، من اجل البنيان والنماء المتكامل، بصورة ايجابية ومتوازنة بحيث يؤدي حتما بالطفل إلى الوقوع فريسة الاضطرابات النفسية والاجتماعية والثقافية، والبدنية لكونه يضطر إلى معايشة ظروف وأوضاع عملية بالغة الخطورة، والإساءة اللفظية والجسدية.
وتترتب عن هذه الظاهرة أثار اجتماعية مأساوية وإرهاصات ومخلفات اقتصادية وصحية يمكن إجمالها فيما يلي:
1.الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية لظاهرة تشغيل الأطفال.
ينبثق عن ظاهرة تشغيل الأطفال الأذى الواضح،الذي يلحق بعملية التحصيل الدراسي و المعرفي، اذ تدفع الظروف العملية الطفل إلى إهمال دروسه، و التخلف عن الحضور، و العجز عن مواجهة المتطلبات المدرسية مما يزيد من قابلية التسرب من المدرسة،ان لم يكن قد تسرب منها بالفعل،ومما لاشك فيه فان عدم متابعة الطفل لدراسته يحول دون الحضور الايجابي مشاركة و تفكيرا و إبداعا ورعاية تأهله لكي يستثمر قدراته الذاتية في تطوير رصيده المعرفي و التعليمي، ويستطيع الوصول بها إلى تكوين وامتلاك قدرات وإمكانات متنوعة ومتجددة تساعده في المشاركة بشكل فعال داخل مجتمعه.
ان الدور الرئيسي للأب ليس توفير الحاجيات المادية للأسرة فقط، و إنما بالدرجة الأولى،التواجد بالقرب من أولاده والسهر على تربيتهم أحسن تربية، ويقتدي الأبناء بأبائهم وهدا أمر طبيعي بالنسبة لتكوين شخصياتهم و توازنهم النفسي،وبالأخص في المرحلة الأولى من الطفولة ولا يمكن لأي شخص أن يقوم بنفس الوظيفة التي يقوم بها الآباء حيث بهم يدرك معنى الواجب و القانون من اجل التكيف مع الحياة داخل المجتمع،لكن بفعل قضاء الطفل الشغال العديد من الساعات في الورشة، حيث يزاول الأعمال الشاقة والمضنية لا تتاح له فرصة لقاء والديه و الجلوس معهم للحوار و التحدث معه، والاستماع إلى النصح و التوجيه والإرشاد، والتعرف على حالات الطفل المادية و المعنوية مما يحول دون تحقيق هده الغايات.
يدرج بعض الباحثين ظاهرة تشغيل الأطفال،ضمن العوامل الأساسية المسببة للانحراف، نتيجة لظروف الشغل و لطبيعة بعض الأشخاص الذين يتفاعلون معهم،كما أن الطفل حينما يرى الأطفال الشغالين من زملائه ينفقون من أجورهم لاقتناء ما يرغبون فيه،فانه يحس بالإحباط والحرمان لكونه لا يستطيع تحقيق بعض الرغبات الكامنة داخله،أو بعض المتطلبات المادية و التي لم يستطيع أباه القيام بها لفائدته. ومن اجل تلبية هده الرغبات وهو محروم من الأجر أو لا يحصل منه إلا على القليل ،فقد تدفعه الرغبة في الإنفاق و تلبية طموحاته وأحلامه التي تعرف تزايدا، وبالخصوص في سن المراهقة، إلى ارتكاب جرائم الاعتداء على أموال الغير،ولاسيما السرقة أو الاتجار في الممنوعات. كما يتعرض الطفل في هذه الفترة لسوء معاملة رب العمل وقسوته أو تشغيله أكثر مما يحتمل، ويؤثر ذلك في نفسيته،فيسمها القلق والاضطراب الذي يدفعه إلى ارتكاب الجريمة.
وقد تلتحق كذلك الطفلة، تحت ضغط الفقر و الحاجة إلى الخدمة في المنازل، حيث تهاجر من باديتها وتجرفها أجواء المدينة الصاخبة إلى الاندفاع في تيار الجريمة بكل أصنافها وأنواعها.
تفرز ظاهرة تشغيل الأطفال انعكاسات سلبية حتى على المستوى الاقتصادي تتمثل في ارتفاع تكاليف معالجة الإصابات الجسدية، حيث ترتفع هده التكلفة مع زيادة شدة الإصابة وخطورتها المترتبة عن سوء المعاملة البدنية التي يتعرض لها الأطفال الشغالون، وهناك كلفة لسوء المعاملة النفسي تتمثل في العلاج النفسي للاضطرابات المترتبة عن دلك،وهده التكاليف غالبا ما تتحملها الميزانية العمومية للدولة.
2.الانعكاسات الصحية على الطفل الشغال:
يشكل عمل الطفل على المدى البعيد،تأثيرا على تنمية قدراته البدنية،والفكرية،و الاجتماعية حيث يمكن ان يشكل عائقا خطيرا على مستقبله سواء الصحي أو النفسي أو الأخلاقي.وقد أكدت جميع الدراسات المنجزة،سواء على المستوى الوطني أو الدولي أن عمل الطفل يترتب عنه مضاعفات كبيرة ويخلف انعكاسات سلبية على نموه البدني والبسيكولوجي.
ويتعرض الطفل الشغال المحروم من ابسط الوسائل الضرورية في الحياة كالتغذية غير المتوازنة وانعدام الراحة و التعب إلى مخاطر الأمراض وإلى خسائر تكون أكثر خطورة على المستوى البسيكولوجي والعقلي والجسماني.
مثلا نجد الطفل الشغال في القطاع الفلاحي يقوم بأعمال مضنية تفوق قدراته البدنية مما يعرضه لعواقب تنعكس على نموه البدني و العضلي والعقلي، دلك أن وزن الطفل يتوقف ولا يزداد، ويصاب بالضعف والتعب بسرعة،ومن تم تقل أو تضعف مقاومته، فيصبح في وقت وجيز منهوك القوى لا يقدر على مواصلة العمل، مما يؤدي به إلى الفشل المبكر في حياته.
وتعد الزراعة واحدة من أكثر القطاعات الصناعية خطورة،وتتمثل المخاطر في ميدان العمل على سبيل المثال، بالأماكن الخطيرة و الأمراض المنقولة عن طرق المواشي و التعرض للمبيدات السامة و تسجل سنويا وفيات كثيرة في مواقع الشغل حيث يقدر 50 في المئة من تلك الوفيات تحصل في قطاع الزراعة و أن كثير من الدين لقوا حتفهم أو جرحوا أو تمرضوا هم من الأطفال.
وفيما يتعلق بالتعامل مع المواد الخطرة،فقد افرز التحقيق أن 47 في المئة من الأطفال العاملين في العالم القروي خاصة منهم الذكور والدين يوجدون في اتصال دائم مع المبيدات و الأسمدة والمنتجات البيطرية والازبال تسبب لهم تسممات حادة و مزمنة و أمراض جلدية و التهابات في العينين.
واعتبارا لتعدد المضاعفات الصحية على صحة الأطفال الشغالين و على بنيتهم في المستقبل فقط ركزت مجمل الدراسات الحديثة المنجزة في الميدان على إبراز المخاطر الصحية،و التي يمكن إجمالها فيما يلي:
ارتفاع نبضات القلب بسبب العمل لمدة طويلة تحت الشمس.
التعب والتعرق والاجتفاف.
جفاف الجلد وتقروحات جلدية، تحت تأثير الرياح أو الحرارة.
ضيق في التنفس بسبب استنشاق جزيئات الرمل التي تحملها الرياح.
إصابة الجهاز التنفسي، بسبب استمرار عمل الأطفال بملابس مبللة أثناء الليل و تحت الأمطار وفي الضباب.
الالتهابات الجلدية التي تتفاقم بالتعرق وغياب النظافة العامة.
أما بالنسبة للأطفال العاملين في قطاعات السجاد و النسيج و الخزف و الزليج والصناعة التقليدية فقد أثبتت الدراسات أن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال الشغالين هي:
الإرهاق البصري في سن مبكرة(اقل من 7 سنوات أحيانا).
الألم في الرأس.
العمى المبكر.
اضطرابات عضلية و هيكلية.
إذن أمام مختلف هذه الآثار و الانعكاسات السلبية، كيف تعاملت المواثيق الدولية والتشريع الوطني مع هذه الظاهرة؟ وما هي الإجراءات المتخذة للحد منها؟هده الأسئلة وغيرها سوف نتطرق إليها من خلال المبحث التالي.
المبحث الثاني: الجهود المبذولة دوليا ووطنيا للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال
عرفت النظم التشريعية في كافة بلدان المعمور مند منتصف القرن العشرين تطورا ملموسا في مجال الحماية القانونية للأطفال و قد تم تتويج دلك عقب نشر الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل التي وافقت عليها جل البلدان وبالرغم من المجهودات الحثيثة المبذولة فان الجانب القانوني المتعلق بحماية الأطفال يبقى في حاجة إلى تقديم الاجتهادات والمبادرات كتجدير القيم الإنسانية والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والدساتير التي تنص على صيانة حقوق الإنسان وضمانها وتوفير ظروف العيش الكريم.
ومن هدا المنظور سيتم دراسة مختلف المواثيق الدولية في مجال الحماية القانونية للطفل -المطلب الأول- ثم التطرق إلى مختلف القوانين المغربية التي تناولت الموضوع بما في دلك دور المجتمع المدني في الحد من هده الظاهرة –المطلب الثاني- دور التشريع المغربي والمجتمع المدني في حماية الأطفال.
المطلب الأول : التشريعات والاتفاقيات الدولية في مجال الحماية القانونية للطفل.
تهدف مجموعة من الاتفاقيات الدولية إلى تكريم الإنسان وتطالب بكل إلحاح ايلاء العناية بالجانب الاجتماعي والعناية بالطفل وبجميع الفئات المحتاجة للرعاية والاهتمام في خضم وضع اقتصادي متدهور وسنحاول دراسة مقتضيات الاتفاقية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم الاتفاقيات الصادرة عن المنظمة الدولية للشغل في مجال حماية الأطفال ثم الاتفاقيات الصادرة عن مؤتمر العمل العربي. بعد دلك سوف نحاول التطرق لبعض التقديرات الإحصائية لرصد عمل الأطفال .
الفقرة الأولى: اتفاقية حقوق الطفل الصادرة على الجمعية العامة للأمم المتحدة
تم إقرار هده الاتفاقية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم 44 المنعقدة بتاريخ 20 نونبر 1989 وقد عرفت الاتفاقية حقوق الطفل في الجزء الأول – بأن الطفل كل إنسان لم يتجاوز السن 18 سنة ما لم يبلغ سن الرشد- و يعد المغرب من البلدان الأولى التي سارعت إلى التصديق على اتفاقية حقوق الطفل سنة 1993.
تتميز هده الاتفاقية بشموليتها ودعوتها للدول الأطراف إلى اتحاد التدابير والآليات الكفيلة بإعمال مختلف حقوق الطفل في البقاء والحماية بل وفي شتى مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و المدنية و الثقافية.
وقد أكدت هده الاتفاقية على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي و من أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعلمه أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو الاجتماعي بالإضافة إلى اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية و الاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هده المادة والتي يمكن تحديدها بوجه خاص فيما يلي:
* تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بالعمل.
* وضع نظام مناسب لساعات العمل و ظروفه.
* فرض عقوبات أو جزاءات مناسبة لضمان بقية انفاد هده الاتفاقية بفعالية.
ويجدر التذكير أن المغرب أكد رغبته في الانخراط بكل قوة في هدا العمل ومن أجل ملائمة التشريع الوطني مع التطورات الحقوقية السسيو اقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي و بهدف خلق تناغم و انسجام مع التشريع الدولي فقد تم التنصيص في إطار مدونة الأسرة على أحكام جديدة بشكل مفصل تخص حقوق الطفل سنتطرق لدلك بتفصيل لاحقا في الجزء المخصص لدراسة الحماية القانونية للأطفال القاصرين في التشريع المغربي.
الفقرة الثانية: الاتفاقيات الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية للشغل
لقد انشغلت المنظمة الدولية للشغل مند إحداثها سنة 1919 بقضية تشغيل الأطفال وقد التزمت في هدا الإطار بالقضاء على هده الظاهرة بهدف تحسين ظروف الأطفال العاملين في العالم وقد تبنى المؤتمر العام الدولي للشغل اتفاقية حول السن الدنيا للعمل. ونتيجة قصور الطفل من ناحية النضج الجسمي والعقلي فارتأت المنظمة بأن الطفل في حاجة لأسباب خاصة للوقاية والرعاية اللتان تشملان الحماية الشرعية اللازمة قبل الولادة و بعدها و قد تم التنصيص في إعلان جنيف الخاص بحقوق الإنسان بأنه يتعين ألا يتم قبول الطفل في الشغل قبل أن يبلغ السن الأدنى الضروري ولا يجب في أية حال من الأحوال أن يسمح بتولية منصب شغل يضر بصحته أو بتربيته و يعيق نموه الجسدي والعقلي أو النفسي.
كما تبنى المؤتمر الدولي للشغل في سنة 1973 الاتفاقية رقم 138 و التوصية رقم 146 و بمقتضى هاتين الوثيقتين تم تعديل الاتفاقية القديمة و سيتم التطرق إلى مضامينهما لمعرفة خصوصيتهما و المستجدات التي جاءت بهما في مجال حماية الطفل وسنتناول كذلك الاتفاقية رقم 182 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال.
1. الاتفاقية الدولية رقم 138 بشأن السن الأدنى للقبول في العمل.
تهدف على المدى البعيد إلى القضاء على عمل الأطفال حيث وضعت حدا لسن العمل و هو سن إتمام التعليم الإلزامي و الذي اعتبرته أنه لا يجوز أن يقل عن 15 سنة كما منعت تشغيل الأطفال حتى السن 18 في الأعمال التي يحتمل أن تعرض الحدث إلى خطر صحي أو أخلاقي بسبب طبيعتها أو الظروف التي تؤدى لها كما أن التوصية رقم 146 تكمل سابقتها و تقدم توجيهات في موضوع تشغيل الأطفال .
ومن بين التدابير أيضا الواردة في الاتفاقية الدولية أنه يجوز للقوانين الداخلية بعد التشاور مع منظمات أصحاب العمل و العمال المعنيين حيثما وجدت أن تسمح بالاستخدام أو العمل ابتداءا من 16 سنة شريطة أن تصان تماما صحة و سلامة و أخلاق الأحداث المعنيين أو يتلقى الأحداث تعليما محددا و تدريبا مهنيا كافيين بخصوص فرع النشاط المقصود.
كما تنطبق أحكام الاتفاقية كحد أدنى في قطاعات التعدين وقطع الأحجار والصناعة التحويلية والبناء والكهرباء والغاز والمياه والخدمات الصحية والنقل وغيرها من المشاريع التي يخصص إنتاجها أساسا للأغراض التجارية.
ولا تنطبق أحكام هده الاتفاقية على العمل الذي يؤديه الأطفال في المدارس لأغراض التكوين العام أو المهني أو التقني أو في مستويات التدريب الأخرى.
يجوز للقوانين الوطنية أن تسمح باستخدام أو عمل الأشخاص الدين تتراوح أعمارهم ما بين 15 سنة في أعمال خفيفة شريطة أن لا تضر بصحتهم ونموهم وأن لا تأخر مواظبتهم على متابعة تعليمهم في المدرسة.
واشتراكهم في برامج التوجيه أو التدريب المهني وأن لا تقرر السلطات الوطنية عدد الساعات والشروط التي يجوز فيها القيام بهذا الاستخدام أو العمل.
2. الاتفاقية 182 المتعلقة بأسوأ أشكال عمل الأطفال:
جاءت هده الاتفاقية متممة للاتفاقية رقم 138 وذلك للحث على القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال أولا تمهيدا للقضاء التام والكلي على كل أشكال عمل الأطفال وقد أكدت هده الاتفاقية على أهمية التعليم الأساسي المجاني و إعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجة أسرهم.
كما أكدت بأن الفقر هو السبب الرئيسي لعمل الأطفال و أن الحل يكمن في تعزيز النمو الاقتصادي للدول .
وحددت من الأعمال التي يمكن اعتبارها أسوأ الأعمال التي قد يؤديها الطفل كاستخدام الأطفال في الصراعات المسلحة و عرضهم لأغراض الدعارة أو لإنتاج أعمال إباحية أو استخدامهم في مزاولة أنشطة غير مشروعة و خاصة في إنتاج المخدرات و الاتجار به بالإضافة إلى الأعمال التي تراها الدولة المصدقة أنها أعمال تؤدي بطبيعتها إلى الإضرار بصحة الأطفال و سلامتهم أو تؤثر على سلوكهم الأخلاقي وذلك بعد التشاور مع المنظمات المعنية لأصحاب العمل والعمال كما أوجبت أن تضع الدولة بالتشاور مع هده الجهات آليات خاصة بالمراقبة و تطبيق أحكامها وتصميم وتنفيذ برامج عمل تهدف للقضاء على هده الأعمال و النص في قوانينها على عقوبات زجرية بحق المخالفين.
وتجدر الملاحظة إلى أن التصديق على الاتفاقية لم يطرح مشكلة بل كان سهلا إلا أن التطبيق الكامل لمقتضيات الاتفاقية يعرف بعض الصعوبات ودلك لعدة اكراهات ترجع بالأساس إلى قلة وانعدام الوسائل الكفيلة بالمراقبة والتقييم وهدا ما يلاحظ من خلال الواقع.
3 الاتفاقيات العربية الصادرة عن المؤتمر العمل العربي:
سنتناول في هدا الصدد الاتفاقية العربية بشأن عمل الأحداث رقم 18 لسنة 1996.
تعتبر هده الاتفاقية متخصصة في مجال عمل الطفل وقد عرفت الطفل بأنه الشخص الذي أتم الثالثة عشر ولم يكمل الثامنة عشر من عمره سواء كان ذكرا أو أنثى. وتكون بدلك تمنع عمل من لم يتم 13 سنة من عمره. وقد نصت على أن أحكامها تشتمل جميع الأنشطة الاقتصادية باستثناء الأعمال الزراعية غير الخطرة وغير المضرة بالصحة ووفق ضوابط تحددها السلطة المختصة في الدولة والتي يراعى فيها الحد الأدنى لسن الطفل.
وأوجبت الاتفاقية أن لا يتعارض عمل الأطفال مع التعليم الأساسي وأن تقوم الدولة بإجراء الدراسات حول أسباب عمل الأطفال فيها. وأن تعمل على التوعية بالأضرار المحتملة لعمل الأطفال .
وفي الأعمال الصناعية نصت على منع تشغيل الحدث قبل إتمام سن الخامسة عشرة و أن تتم في كل الأحوال مراقبة عمل الأطفال وحمايتهم صحيا وأخلاقيا والتأكد من قدرتهم ولياقتهم الصحية للمهنة التي مارسها كل منهم.
كما منعت تشغيل الطفل في الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة أو الأخلاق قبل بلوغه سن الثامنة عشر وعلى أن تحدد الدولة هده الأعمال في تشريعها.
وبذلك نكون قد تعرضنا لدراسة أهم الاتفاقيات التي نظمت عمل الأطفال القاصرين وسننتقل إلى دراسة النصوص القانونية المنظمة لحماية حقوق الطفل القاصر في التشريع المغربي.
المطلب الثاني: التشريع المغربي في مجال حماية وتشغيل الأطفال القاصرين
عمل المشرع المغرب على إدراج المبادئ الأساسية المنصوص عليها في التشريع الدولي وإلغاء القوانين المخالفة في قانون الشغل رقم 65-99 وذلك التزاما بتكريس المبادئ التي صادق عليها المغرب في المواثيق الدولية والتزامه بتطبيقها وفق الشروط والتدابير المخصص لذلك، كما توجد نصوص تشريعية أخرى ترمي إلى حماية الطفل ويتعلق الأمر بالقانون الجنائي، وميثاق التربية والتكوين، وقانون الأطفال المهملين ومدونة الأسرة.
وسيتم التطرق إلى الأحكام القانونية المتعلقة بحماية الأطفال الواردة في قانون الشغل (الفقرة الأولى) وفي القانون الجنائي (الفقرة الثانية) وفي مدونة الأسرة (الفقرة الثالثة) وفي التشريع المتعلق بالطفل المهمل (الفقرة الرابعة).
الفــقــرة الأولــــى: مــــدونـــة الــشــغــل
في سبيل حماية الأطفال في العمل وتأهيلهم وإدماجهم التدريجي في العلاقات الجماعية، في سبيل التدابير المتعلقة بتحديد مدة العمل (البند الأول) ثم الأعمال الممنوع على الأطفال القيام بها (البند الثاني) وكذلك الراحة والعطل (البند الثالث) وكذا الحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية (البند الرابع) وعقد التلمذة والتمرس (البند الخامس) والأجر والعلاوات (البند السادس) وفي الأخير الجزاءات (البند السابع).
البند الأول: التدابير المتعلقة بتحديد مدة العمل
تضمن التشريع المغربي تحديد ساعات العمل بصرفة عامة وكذا التشغيل، وهذا فيما يتعلق بالأطفال المتراوح أعمارهم بين 12 و 16 سنة.
فيما يتعلق بتحديد ساعات العمل فقد تم التنصيص على أنه عندما يتلقى القاصر تعليما مهنيا أو يدويا، فإن هذا التعليم لا يمكن أن يتعدى 9 ساعات في اليوم، وأن استعمال الزمن اليومي يجب أن يخضع لموافقة العون المكلف بالشغل.
وبخصوص العمل الليلي فقد منع المشرع تشغيل الأطفال ليلا، وميز المشرع المغربي في هذا الصدد بين القطاعات التالية:
ففي القطاع الغير الفلاحي بتحديد الشغل بين 10 ليلا و 5 صباحا.
أما في القطاع الفلاحي فيبدأ بعد ساعتين من غروب الشمس، وينتهي قبل طلوعها بساعتين ويجب أن يتخلل كل يومين خدمة راحلة ليلية مدتها 11 ساعة مستمرة ومسترسلة، مع إمكانية خفضها إلى 10 ساعات استثناءا.
او قد تم إدخال مبادئ جديدة تتعلق بتحديده كثرة الشغل الليلي سواء على المستوى الفلاحي أو غير الفلاحي.
بالنسب للقطاع الغير الفلاحي حصل تمديده فترة الشغل الليلي ساعتين إضافيتين، حيث أصبح يبدأ في الساعة التاسعة ليلا بدل العاشرة وينتهي على السادسة عوض الخامسة صباحا.
أما في القطاع الفلاحي فقد تم تحديد مدة الشغل الليلي في العمل الفلاحي بين الساعة الثامنة ليلا والخامسة صباحا، أما بالنسبة للاستثناءات وفترة الراحة فلم يطرأ أي تغير جديد عليها.
أصبح بارزا في القانون الاجتماعي المغربي تأثير القانون الاجتماعي الدولي، وتبقى السمات البارزة لهذه الاتفاقيات، هو تأكيد على مبدأ منع الشغل الليلي على الأطفال في سائل المشروعات باستثناء المقتضيات التي لا تستخدم سوى أفراد الأسرة المشغل كما جاء في الاتفاقية الدولية رقم 89، المادة 2 منها.
البند الثاني: ما يمنع الأطفال القيام به من عمل
يمنع تشغيل الأطفال البالغين من العمر أقل من 16 سنة للعمل في الممرات الباطنية للمحاجر وفي الآلات ذات محركات ميكانيكية أو مولدات بخارية في المؤسسات المعدنية وذلك وفق ما يتضح في القرار الوزاري الصادر في 18 فبراير 1938.
يمنع على الأطفال البالغين أقل من 18 سنة أن يشتغلوا في كل عمل مهني يعرضهم إلى الإصابة بأمراض مهنية، وهذا ما نصت عليه المادة 21 من ظهير 24 دجنبر 1964 الخاص بنظام مستخدمي المؤسسات المعدنية فالعمال المنجمية في باطن الأرض)، ونفس الحكم تم التنصيص عليه في قرار وزاري ومرسوم .
وبالرغم من الترسانة القانونية الجاري بها العمل، والقاطية بعدم تشغيل الأطفال في هذه المجالات، إلا أن الواقع المعيشي يثبت العكس، إذ يلاحظ انه يوجد تجاوزات كثيرة في مجال استغلال الاقتصادي والمادي للأطفال، وهذه التجاوزات يمكن إرجاعها بالدرجة الأولى إلى قصور وغياب المراقبة في الميدان مما يستدعي مضاعفة الجهود من طرف كل الفاعلين، وذلك بالحرص على التطبيق الفعلي والسليم لمضامين التشريع الاجتماعي في مجال الشغل.
البـند الثـالـث: الـراحــة
خولت مدونة الشغل للطفل الحق في أن يستفيد من العطلة السنوية وذلك بمعدل يومين في كل شهر عمل، في الوقت الذي جعل العامل الذي يتجاوز 18 سنة يستفيد من يوم واحد ونصف اليوم عن كل شهر.
البـند الرابع: الحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية
إذا كان التشريع المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية قد عمل سرد الأصناف المهنية التي تشمل مقتضياته، فإنه يلاحظ بأنه تم إغفال إدراج خدم وخادمات البيوت ضمن المستفيدين من مقتضياته وبالرغم من ذلك فإنهم يستفيدون منه وذلك تأكيدا في الاجتهاد القضائي، واعتمد المجلس العلى هذا التوجه أيضا، لأنه بالأساس لم يتم التنصيص على هذا النوع من تقديم الخدمة في قانون الشغل.
البـند الخامس: عقد التلمذة والتمرس
إن قانون الشغل الحالي لا يبين الأشخاص الذين لا يحق لهم قبول المتدربين، كما أن قانون الشغل لا يتطرق إلى النزاعات التي تنشب بمناسبة عقد التدريب.
إن عقد التدريب ليس يعقد شغل ولكن يجدر إدراجه في قانون الشغل وذلك بهدف حماية الأطفال المتدربين.
البـند السادس: الأجــرة
تم التنصيص في مدونة الشغل على عدم اعتبار سن الأجير عند تحديد الحد الأدنى في الأجر، ويظهر أن هذا التمييز لا يسند على أسس موضوعية، خاصة إذا كانت قيمة العمل الذي يؤديه عامل راشد يعادل قيمة العمل الذي يؤديه الأجير الذي يقل عمره عن 18 سنة.
كما يتعارض هذا التمييز من الأجر مع التوجهات العامة في مجال التشغيل حيث أنه إذا استمر العمل به سيكون مشجعا للمشغلين إعطاء الأسبقية في التشغيل لسن يقل أجورهم عن الحد الأدنى للأجر وهذا مخالف لاتفاقيات حقوق الطفل.
البـند السابع: الـجـزاءات
اتخذ المشرع في إطار ردع المخالفين لمضامين التشريع المتعلق بتشغيل الأطفال القاصرين أحكاما تقضي بتوقيع جزاءات تتراوح بين 300 و 500 درهم، وقد تصل هذه الغرامة إلى 20.000 درهم في حالة العود وعند استخدام الأطفال لم يبلغوا أقل من 18 سنة في الاشتغال التي تباشر في المقالع، وفي أغوار المناجم، أو في أشغال أخرى مشابهة.
الفقرة الثانية: القـانــون الجـنـائـي
1-عرفت الاعتداءات على الأطفال في السنين الأخيرة ارتفاعا مطردا, وقد تأكد ذلك في خلال الإجراء الذي أقدم عليه المرصد الوطني للطفل والقاضي بإحداث مركز الاستقبال, وتخصيص رقم أخضر لتلقي الشكايات المتعلقة بالاعتداءات المختلفة التي يتعرض لها الأطفال.
• ومن هذا المنطلق فإنه أصبح لازما أن تحضى الطفولة بالعناية والحماية, الشيء الذي يتطلب تشديد العقوبات على الجنات الذين يرتبطون أفعال إجرامية في حق الأطفال.
• وحدد السن الرشد الجنائي في 18 سنة كاملة لأنه يفترض في كون الإنسان عندما يبلغ هذا العمر يصبح يميز بين الخير و الشر وفي اكتساب الحقوق المدنية.
• وفي هذا الصدد يفرق القانون المغربي بين القاصر الذي يبلغ 12 سنة و القاصر الذي يتراوح بين 12 و 16 سنة:
– إذ بعد القاصر يبلغ 12 سنة غير مسؤول لانعدام التمييز, وفيما يتعلق بالأفعال المصنفة جنايات وجنح لا يجوز أن يفرض عليه إلا تدابير الحماية أو إعادة التأهيل أما فيما يخص المخالفات فلا يجوز معاقبته إلا بالتوبيخ.
– و العمر الذي يعتد به لتحديد سن لرشد الجنائي هو سن الجانح يوم اقتراف الجريمة, كما حدد القانون الجنائي أشكال العنف الممارس على القاصرين ليصل إلى حد الاغتصاب و التحرش الجنسي و القتل , وبعد أخطر درجات العنف.
• وفي سبيل تحقيق حماية جنائية فعالة قد نص حدد المشرع الأفعال التي تعتبر جرائم وترتكب ضد الأطفال وحدد عقوبات لها بحسب نوع كل جريمة ومن أمثلة ذلك: جريمة الاغتصاب: عقوبتها من 5- 10 سنوات، وإذا كان قاصراً فإن العقوبة حددت من 10 إلى 20 سنة.
• جريمة قطف طفل معاقب عليها المادة 282 وكذلك تعرض الطفل لم يبلغ سنة سبع سنسن للقطر، بأن ترك في محل معمور بالناس وقد جعل المشرع عقوبة لذلك بالحبس المادة 285.
هذه بعض الأمثلة عن الأفعال التي جرمها القانون وعاقب عليها وذلك لإحاطة الطفل القاصر بحماية جنائية من كل التعسفات والإيداءات المادية والمعنوية التي تعرض إليها.
الفقرة الـثالـثة: مـدونـة الأسـرة
من أجل فرض حماية فاعلة لحقوق الطفل فقد تم التنصيص في مدونة الأسرة على ضرورة مراعاة وضعية الأطفال في حالة الزوجات: تم إقرار عدة تدابير تتعلق بصيانة حقوقهم، ومنها الأحكام التي نصت على اشتراط توافر إمكانية إعالة الأسرتين. كما أن للمحكمة الإصلاحية تقييد التعدد بشروط لفائدة الزوجة الأولى ولأطفالها.
• وفي حالة إصرار الزوجة على على المطالبة بالتطليق للمحكمة صلاحيات واسعة في تحديد مبلغا يغطي جميع حقوق أولادهما.
• نصت المادة 54 على مجموعتها من الحقوق، وعلى التدابير الهادفة إلى صيانة هذه الحقوق ويمكن إجمالها فيما يلي:
– حماية الطفل وصيانة صحته مذد الحمل إلى غاية بلوغه سن الرشد.
– العمل على تثبيت الهوية والحفاظ عليها، وبالخصوص بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية.
– النسب المضافة النفقة وكذلك ارتفاع الأم لأولادها عند الاستطاعة.
– اتخاذ كل التدابير الممكنة للجو الطبيعي للطفل والحفاظ على سلامته
– التوجه الديني والتربية على السلوك القويم
– التعليم والتكوين اللذين يؤهلانه لحياة العملية في المجتمع.
• وكذلك تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير الضرورية لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها، طبقا للقانون وتسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ هذه الأحكام.
• كما يسم القاضي المكلف بشؤون القاصرين التطبيق السليم لمقتضيات مدونة للأسرة المتعلقة بأحكام النيابة الشرعية. و ق. م.م.
الفقرة الرابعة: التشريع المتعلق بالطفل المهمل.
– ولملائمة التشريع المغربي مع التشريع الدولي في هذا المجال تم إصدار القانون رقم 01-15 يتعلق بكفالة الأطفال المهملين.
• ويعد الطفل المهمل هو كل قاصر لم يبلغ 18 سنة في عمره، والذي يكون ازداد من أبوين مجهولين وعثر عليه في أي مكان، إذا كان يتيما وليس له وسائل مشروعة للعيش، إذا عج أبويه عن رعاية وترتيبه لأمر قاهر جارح عن إرادتهما، إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهيه، من أجل اكتساب سلوك حسن.
• ولذلك يجب العناية بهؤولاء الأطفال عناية خاصة، وإنفاذ كل التدابير للسهر على تربية الطفل تربية حسنة وعلى أساس متين، بهدف إعداده وتأهيله ليكون فردا صالحا قادرا على القيام بأعباء تكاليف الحياة.
ويهدف القانون تحقيق الأهداف الرئيسية
تبسيط مسطرة إثبات صفة الإهمال من حيت الأجل ومن حيت إصدار الحكم الإهمال أو من حيث استعمال إجراء البحث الذي تأمر به المحكمة الابتدائية، وذلك مراعاة لمصلحة الطفل المتخلى.
يتم تسوية وضعية الطفل المهمل في الحالة المدنية، قبل إتمام إجراءات الكفالة، وتسليم الطفل المهمل إلى الكافل.
للقاضي الشؤون القاصرين هو الذي له الحق في ممارسة الولاية القانونية على الأحداث المهملين.
حماية الحدث موضوع تصريح الإهمال، وذلك بإبداعه مؤقتا بإحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المهتمة بالطفولة.
إسناد الكفالة بأمر من القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد بحث تجريه النيابة العامة.
إسناد مهمة مراجعة الكفالة أو إلغاءه إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناءاُ على التقارير المقدمة إليه، سواء ممن النيابة العامة أو المساعدة الاجتماعية.
تحويل الكفل الولاية القانونية على الطفل المكفول، طبقا لقواعد القانونية المنظمة للولاية على القاصرين.
بالرغم من الحماية القانونية للأطفال المهملين لأنه على مستوى ضمانات الطفل المكفول لابد من تعزيز هذه الضمانات وتجريم خرقها وتوقيع العقوبة على ذلك. لكي لا يتم استغلال الأطفال في أمور أخرى، مثل العمل أو التسول أو غيرها.
الفقرة الخامسة: دور المجتمع المدني للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين:
تلتقي الجمعيات على اختلاف أنواعها في إطار واحد ألا وهو خدمة الفرد والجماعة والمجتمع. وقد أضحى لهده المنظمات أهمية بالغة في الحياة الاجتماعية وفي مختلف أشكالها و مع مختلف فئات المجتمع و تنوع ثقافتهم واختصاصاتهم و اهتماماتهم. ويمكن القول بأن الجمعيات تعد فضاءا للتوعية بامتياز وإلى حد كبير في ضبط السلوك البشري في مجال التقليص من ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين و المساهمة في إدماجهم في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و دفع المجتمع إلى ايلاء اهتمامه إلى ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين و خلق إحساس بأن العناية بها تعتبر جزء من اهتماماته اليومية ولا يمكن إبعادها عن اهتماماته إلا باتخاذ الإجراءات الملائمة والمناسبة لاستئصالها من جذورها باعتبار أنها إحساس جماعي له فوائد ذات النفع العميم. وتعد هده المشاركة بالفكر و التوجيه و إبداء الرأي و قد تكون بالعمل أو بتقديم القدوة و قد تكون بها جميعا.
إن المشاركة في استئصال ظاهرة عمالة الأطفال هي عملية تربوية تتطلب من الجمعيات و المنظمات النشاط المستمر والعمل الجدي لأن المشاركة تعد من أهم مشكلات التربية في المجتمع الحديث نظرا لتعقد العلاقات و المسؤوليات في المجتمع.
إن القراءة المتأنية لعمل المجتمع المدني المغربي في مجال العناية بالطفولة يبين بجلاء أن كل الجمعيات العاملة في هدا الحقل جعلت من الورش الاجتماعي فضاءا للبحث عن الآليات والاستراتجيات الفاعلة والفعالة لضمان حقوق الطفل في التعليم والتغذية والصحة و في هدا الإطار يجدر التنويه بالأعمال والمبادرات التي تقوم بها الجمعيات المغربية العاملة في حقل الطفولة ويمكن ذكر مثال جمعيات العصبة المغربية لحماية الطفولة و جمعية أبي رقراق وجمعية بيتي والجمعية المغربية لمساعدة الطفل والأسرة والجمعية المغربية لمساعدة الأطفال دوي الحالات غير المستقرة.
وإذا كان المغرب يتوفر على الآلاف من الجمعيات تعمل في كافة الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية فان الجمعيات التي تعطي اهتماما خاصا بظاهرة تشغيل الأطفال تعتبر قليلة العدد ويمكن في حالة القيام بحملة توعوية بتحسيس المجتمع بمدى الأهمية التي يتعين ايلاءها لقضايا ظاهرة تشغيل الأطفال وتداعياتها على المستوى القريب أو المتوسط و لاسيما لرجال و نساء الغد فانه يمكن خلق روح التعاون بين كافة الفعاليات للمشاركة الفعالة في تطبيق البرامج الرامية إلى استئصال هده الظاهرة وتزويد الجهات المهتمة بتشغيل الأطفال بالمشاورات والآراء العملية من أجل إيجاد البدائل لإخراج هده الفئة من الوضعية الصعبة وأن تتفاعل مع بعضها البعض لإحداث مراكز الاستقبال أو مراكز التكوين المهني أو نوادي الوقاية المتخصصة لتأهيل هؤلاء الأطفال حرفيا و إدماجهم في المجتمع.
ويكمن دور هده الجمعيات في الوقاية أساس عوض العلاج دلك أن الوقاية تعتبر الهدف الأول المنشود حيث تساهم في تحسيس المجتمع والسلطات العمومية بظاهرة تشغيل الأطفال والانعكاسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والتربوية والبيئية التي قد تترتب عنها كما تعمل على دراسة مختلف الآليات والبرامج لتمكين الاختصاصيين العاملين في المجال بوسائل التقييم أو التقويم وتنظيم ندوات للوصول إلى خلاصات واستنتاجات تمكن من اقتراح برامج خاصة وهادفة من أجل حل المشاكل الناجمة عن ظاهرة تشغيل الأطفال.
وحتى يمكن بلورة عمل الجمعيات فانه يتعين على السلطات العمومية تقديم المساعدة والدعم للجمعيات العاملة في مجال محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال وذلك بتمكينها من الوسائل المادية والتحفيزية بغية تشجيعها لمواصلة المجهودات المبذولة في هدا المجال.
تـوصـيـات الـعـرض:
إن مسألة محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال ينبغي أن تصبح محورا أساسيا في مخططات التنمية في بعدها الاقتصادي و الاجتماعي من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:
دمج استئصال ظاهرة تشغيل الأطفال في الأطر الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإجراءات المتعلقة، بتحقيق الأهداف الإنمائية للمغرب.
تطوير المناهج الدراسية و نظم التعليم القائمة لتطوير مخرجاتها، و التأكد من ملائمتها مع متطلبات سوق العمل، كوسيلة لاستعادة قناعة الأسر، ولاسيما ذوي الدخل المحدود بالجدوى الاقتصادية للتعليم.
إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة أوضاع الأطفال المتسربين من المدرسة في جميع مراحل التعليم، وإتاحة الفرصة لهم لمواصلة الدراسة من جديد.
تفعيل الدور الايجابي للمرصد الوطني لحقوق الطفل في مجال استئصال طاهرة التشغيل وجعله محوريا في البرامج، المتعلقة بإدماجهم تعليميا و حرفيا.
تفعيل نظم التأمين ضد البطالة و الإعانات العائلية القائمة، في إطار نظم الضمان الاجتماعي، بهدف توفير مصدر دخل مناسب للعائلات الفقيرة، كأحد آليات القضاء على الحاجة الاقتصادية لتشغيل الأطفال.
تقوية جهاز تفتيش الشغل، ودعمه بشريا و ماديا، و توفير الوسائل اللازمة لتمكينه من مراقبة تطبيق القوانين الرامية إلى مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال، وعلى الخصوص أسوأ أشكال عمل الأطفال.
تشجيع جمعيات المجتمع المدني ذات الاهتمام برعاية الطفولة لمواصلة عملها و دعمها ماديا و معنويا، للمساهمة في نشر الوعي لدى اسر الأطفال الشغالين.
توعية الرأي العام بمخاطر ظاهرة تشغيل الأطفال من خلال البرامج الموجهة للأسرة و الطفل، و إشاعة انعكاساتها، و تجلياتها على التنمية المستدامة، و التنمية البشرية الشاملة، و التحسيس بمدى أهمية استئصالها من جذورها.
العمل على إضافة نوع من الصرامة لزجر الجرائم التي تمس الأطفال، من خلال استنباط آليات و بدائل عملية و إجرائية أخرى للعمل بالنصوص، و تخويل النيابة العامة صلاحية التدخل تلقائيا لتحريك الدعوى ضد الأشخاص الذين يمارسون أعمالا مشينة ضد الأطفال.
خـاتـمـة
في الختم لايسعنا إلا القول أن ظاهرة تشغيل الأطفال لايمكن وصفها إلا بكونها خرق سافر للقيم الإنسانية، و المواقف و الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، و الدساتير التي تنص على ضمان و صيانة حقوق الإنسان و كرامته و توفره على ظروف العيش الكريم.ومن اجل الحد من است /zidni3ilma.arabepro.com