تقديـــــم(*):
يلعب التأويل دورا هاما في تحديد التزامات المتعاقدين، برفع الغموض واللبس عن العقد وتحديد مضمونه في جملته، على ضوء القواعد الأصولية والضوابط القضائية لعملية تأويل العقد، وذلك حتى يتأتى للمتعاقدين تنفيذه حفاظا على مبدأ استقرار المعاملات الذي يعتبر ركيزة أساسية لتحقيق التقدم والازدهار في المعاملات المدنية والتجارية.
ثم إن تأويل العقد لتحديد آثاره يكون في مرحلة ثانية بعد أن يكون القاضي قد استخلص صحة العقد، فيقف عند عباراته وألفاظه ليتبين معانيها، وما وضح منها وما غمض، مفترضا بداية أن هناك تطابقا بينها وبين الإرادة الباطنة حتى يقوم الدليل على العكس.[1]
فإذا تبين للقاضي أن العقد يشوبه نوع من الغموض يعرقل تنفيذه وترتيب آثاره القانونية استعان بقواعد التأويل المنصوص عليها في ظهير الالتزامات والعقود، كما جاءت عنونتها بـ”تأويل الاتفاقات”، ونظمها المشرع بالفصول من 461 إلى 473.[2]
إن قواعد تأويل العقد متعددة منها ما نص عليها المشرع ومنها ما لم ينص عليها، إذ تبقى من صميم إبداع الفقه واجتهاد القضاء، حيث تلعب دورا مهما في إرشاد القاضي من أجل استخلاص النية المشتركة للمتعاقدين وإزالة الغموض للوصول إلى تنفيذ العقد، إلا أنها ضوابط في غالبيتها استئناسية وجاءت على سبيل المثال.[3]
وترتبط القواعد المنصوص عليها في هذا الظهير بذات العقد وبنيته، وهي ما يصطلح عليها بقواعد التأويل الذاتية، كما يمكن تسميتها بقواعد التأويل الأصلية لكون المشرع نص عليها صراحة. بالإضافة إلى وجود قواعد للتأويل لم يتم التنصيص عليها صراحة في هذا الظهير، وهي ما يعرف بقواعد التأويل الاحتياطية أو الخارجية لارتباطها بالظروف الخارجية المصاحبة للعقد.
وعلى ضوء ما تقدم، سنقتصر في هذا البحث على دراسة القواعد التي يستعين بها القاضي لاستجلاء الغموض الحاصل بالعقد، وذلك في مبحثين اثنين: الأول: نتناول فيه قواعد التأويل الذاتية، والثاني:نتعرض فيه إلى قواعد التأويل الخارجية.
المبحث الأول: قواعد التأويل الذاتية
يمكن تسميتها بقواعد التأويل الأصلية، وقد حدد المشرع المغربي هذه القواعد في ظهير الالتزامات والعقود من خلال الفصول 461، 462، 464، 465، 466 و469. ويختلف إعمال هذه القواعد باختلاف عبارات وألفاظ العقد، فإذا كانت هذه العبارات والألفاظ واضحة التزم القاضي بالمعنى الواضح في تأويله (المطلب الأول)، وإذا كانت غامضة تعين تأويلها بالبحث عن قصد المتعاقدين، أو بالبحث عن دلالات هذه العبارات والألفاظ الغامضة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تأويل العقد وفق معناه الواضح
حقيقة الأمر أن للتأويل نطاقا خاصا يقتصر على العقود التي يكتنفها الغموض أو التي تحتمل ألفاظها أو تعبيراتها معان متناقضة، وأن هذا النطاق لا يشمل العقود ذات المعاني الظاهرة التي لا تؤدي ألفاظها إلى اللبس أو الشك أو بتعبير آخر ليس مسموحا أن يقوم بتأويل ما لا يحتاج إلى تأويل.[4]
وهو ما يقتضي تأويل العقد وفق معناه الواضح، فالعبارة والألفاظ الواضحة هي التي تجعل القاضي متمسكا بها لما تكتسيه من أهمية بالغة في هذه العملية (فقرة أولى)، إلا أن ذلك يظل مرتبطا بمجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر لتطبيق المعنى الواضح للعبارات والألفاظ (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: مدى أهمية وضوح عبارات وألفاظ العقد في تأويله
تكتسي عبارات وألفاظ العقد أهمية بالغة في تأويله وخاصة إذا كانت واضحة،[5] فمن خلالها يتم الوصول إلى الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، فهذه العبارات والألفاظ هي الأداة المستعملة للتعبير عن إرادة الأطراف، فإذا عبرت بشكل واضح عن هذه الإرادة التزم القاضي بها، وهذا الوضوح يخضع لمعيارين أساسيين يتم اعتمادهما لتحديده (أولا)، والذي إذا ما تحقق بالفعل يكون له تأثير على عملية التأويل (ثانيا).
أولا- المعياران المعتمدان لتحديد مدى وضوح عبارات وألفاظ العقد
إن المحدد الأساسي لوضوح عبارات العقد أو عدم وضوحها هو القاضي، ويستند في ذلك إما على المعيار الشخصي (أ) أو المعيار الموضوعي (ب).
أ-إعمال المعيار الشخصي لتقدير وضوح عبارات وألفاظ العقد
يقتضي إعمال هذا المعيار ترك ما إذا كانت عبارات وألفاظ العقد واضحة أو غامضة لتقدير القاضي، فإذا رآها واضحة ورغم ذلك أول العقد فقد حرفه، أما إذا قدر أن العبارات والألفاظ غامضة، تطلب الأمر الوقوف على الإرادة الحقيقية للطرفين فله أن يلجأ للتأويل لقيام مبرره.[6]
وهو ما يجعل هذا المعيار معززا للسلطة التقديرية للقاضي من خلال إعطائه الصلاحية في تحديد وضوح أو غموض عبارات وألفاظ العقد، وخاصة أن المشرع لم يحدد معاني الألفاظ في نصوص معينة، وبالتالي فالجهة المختصة تبقى هي قضاء الموضوع، ويخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض.
ب-إعمال المعيار الموضوعي لتقدير وضوح عبارات وألفاظ العقد
أما المعيار الموضوعي فيذهب إلى ذات ألفاظ وعبارات العقد مجردة عن ظروف التعاقد، ونظرة الأطراف المتعاقدة لها، فإذا كانت هذه الألفاظ واضحة في ذاتها بحيث يتضح للقارئ معناها الحرفي بسهولة ويسر، فهي ألفاظ واضحة، وبالتالي يعد العقد الذي يضمها عقدا واضحا، يحظر على القاضي تفسيره للوقوف على معنى مخالف بحجة أنه المعنى الحقيقي الذي قصده الطرفان، أما إذا تبين أن هذه الألفاظ تفهم في أكثر من معنى، بحيث لا يعرف ما المعنى الذي قصده المتعاقدين، فإنها تولد الشك في نفسية المؤول، الأمر الذي يتطلب إجراء التأويل لإزالة هذا الغموض.[7]
وما يمكن ملاحظته على هذا المعيار أنه يرتكز على بنية العقد، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى نوع من الجمود، وقد لا يساير التطورات التي يعرفها المجتمع، كما إذا نازع أحد الخصوم في المعنى الحرفي للألفاظ وأنها لا تتفق والإرادة الحقيقية للطرفين، ورأى القاضي على عكس ذلك بكونها واضحة، فهذا الإدعاء لا يأخذ به، ويتبع رأيه القائل بتطبيق المعنى الظاهر للألفاظ والعبارات انسجاما مع مبادئ هذا المعيار.
وتقييما لهذين المعيارين نرى على غرار بعض الفقه[8] أن المعيار الواجب إعماله لتحديد وضوح عبارات وألفاظ العقد من غموضها هو المعيار الذي يربط بين العنصرين المادي والمعنوي للتعبير، فلا يكتفي بالعنصر المادي حيث وضوح العبارات والألفاظ في ذاتها مجردة عن نية المتعاقدين، بل يتطلب كذلك توافر العنصر المعنوي، بأن يكون هذا الوضوح المادي معبرا -بحق- عن وضوح معنوي آخر، أي يمثل إرادة واضحة للمتعاقدين، بحيث يتطابق التعبير مع الإرادة التي يمثلها، وإذا كان متناقضا معها، فإن وضوحه الذاتي لا يكون كافيا، ويعتبر رغم ذلك غامضا، يفرض البحث عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين.
ثانيا- تأثير وضوح ألفاظ وعبارات العقد على عملية التأويل
تتأثر عملية التأويل بوضوح ألفاظ وعبارات العقد، ومن مظاهر هذا التأثير ظهور اتجاهين متضاربين حول إمكانية أو عدم إمكانية تأويل العقد الواضح، فاتجاه يقول بعدم جواز تأويل العقد الذي تكون عباراته وألفاظه واضحة (أ)، واتجاه يقول بجواز تأويل العقد الذي تكون عباراته وألفاظه واضحة (ب).
أ-الاتجاه القائل بعدم جواز تأويل العقد الذي تكون عباراته وألفاظه واضحة
يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه إذا كانت عبارات وألفاظ العقد واضحة الدلالة، وجب الأخذ بها، ولا يجوز للقاضي حملها على خلاف معناها الظاهر بحجة تأويلها، لأن الخروج عن المعنى الظاهر في هذه الحالة هو انحراف عن إرادة المتعاقدين المشتركة، وطعن في المبدأ القائل “العقد شريعة المتعاقدين”، فعند وضوح العبارة، العبرة إذن للإرادة الظاهرة، إذ تفترض مطابقتها للإرادة الحقيقية، وإذا ما انحرف القاضي عن هذه الإرادة الظاهرة، بحجة أن قصد المتعاقدين هو خلاف ظاهر العبارة، كان حكمه مخالفا للقانون وعرضة للنقض.[9]
ويرى الأستاذ محمد شيلح أن هذا الاتجاه يمكن وصفه بالتقليدي، حيث يصعب استساغه بالنظر إلى ما يفضي إليه من تطبيق آلي للعقد[10]، حيث إن اعتماد هذا الموقف من شأنه أن يجعل القاضي بمثابة شرطي مرور، إذ يقتصر دوره على ملاحظة الضوء الأحمر لرفع يده من أجل توقف السيارات أو الضوء الأخضر قصد الإذن لها بالمرور، كما من شأنه أن يزيد أكثر في استفحال عدم ملاءمة القانون المغربي لواقعه الاجتماعي.
ب-الاتجاه القائل بجواز تأويل العقد الذي تكون عباراته وألفاظه واضحة
يرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا ينبغي أن يفهم أن العبارة إذا كانت واضحة لا يجوز تأويلها، بل أن القاضي قد يجد نفسه في حاجة إلى تأويل العبارات والألفاظ الواضحة، مهما بلغ وضوحها وسلس معناها، وارتفع عنها اللبس والإبهام، ذلك أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة، فقد تكون العبارة واضحة في ذاتها، ولكن الظروف تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح، فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى بل هو واضح في معنى آخر، ففي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ، ويجب عليه أن يعدل عنه إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان.[11]
وحجج هذا الاتجاه أن السيادة للإرادة الحقيقية للطرفين على التعبير المادي عنها، ومن أجل هذا متى كانت عبارات وألفاظ العقد واضحة كاشفة عن إرادة الأطراف، استخلص القاضي إرادة الطرفين من المعنى الظاهر لعبارات العقد، أما إذا جاءت واضحة ظاهريا ولكنها متعارضة مع الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، لجأ القاضي إلى قواعد التأويل للبحث عن الإرادة الحقيقية.
فهذا الاتجاه لا يعدم دور القاضي نهائيا، بل يعطيه دورا إيجابيا في مجال التأويل، الذي يمكن أن يتخذه وسيلة لمواجهة عدم التوازن بين المتعاقدين، وذلك بصفة غير مباشرة، حيث يسترجع دوره كلما تبين له أن عباراته واضحة، إلا أنها غير متوافقة مع الهدف الظاهر منه.[12]
ووعيا من القضاء المغربي، بأهمية دور القاضي في الحفاظ على التوازن العقدي، لطف في مناسبات عدة من مبدأ عدم قابلية العقد الواضح للتفسير، حيث جاء في قرار صادر عن محكمة النقض[13]بتاريخ 1962: “لقاضي الموضوع الحق في أن يعتبر العقد وفق معناه لا مبناه، وأنه عندما يقرر أن العقد المبرم بين طرفيه عقد كراء لا عقد شركة يصح الأمر بالنسبة للتعبير غير السليم”.[14] متفقا في ذلك مع قاعدة العبرة بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني،[15] ومعززا الدور الإيجابي للقاضي في تأويل بنود العقد حتى عند وضوحها.
الفقرة الثانية: شروط تطبيق المعنى الواضح
نص المشرع المغربي في الفصل 461 من ق.ل.ع على أنه لا يجوز تأويل العقد الصريحة والواضحة عباراته. فهذا الوضوح هو الذي يرتكز عليه هذا الفصل، ومن ثم وجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط لتطبيقه. ومن بين هذه الشروط ألا تكون العبارات والألفاظ الواضحة متعارضة فيما بينها (أولا)، وأن يؤدي هذا الوضوح إلى التعبير الكلي بين الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة (ثانيا).
أولا- ألا تكون العبارات والألفاظ الواضحة متعارضة فيما بينها
يعتبر هذا الشرط جوهريا للأخذ بالمعنى الواضح والظاهر للفظ المعتمد في بناء العقد والامتناع عن عملية التأويل حسب نص الفصل 461 من ق.ل.ع.
فمن المعلوم أن للألفاظ -بصورة عامة- معان كثيرة حتى في المعاجم وبذلك فليس من الصواب أو الحكمة القول إن ألفاظ العقد واضحة لا تحتاج إلى تأويل إلا بعد الوقوف على معانيها الحقيقية ومقاربتها مع بعضها البعض، وذلك لأن العقد يشكل منظومة متكاملة وبنية جدلية متفاعلة يؤثر كل عنصر في بقية عناصر العقد، كما أنه يتأثر من بقية هذه العناصر، والحقيقة الحقة هي التعامل الحي والجدلي بين عناصر العقد.[16]
وفي هذا السياق يرى الأستاذ محمد شيلح أن المصطلحات والمفاهيم المكرسة حتى في ق.ل.ع تتصف بتعدد المعاني وبالتالي بعدم الدقة في اللغة القانونية الأصلية، فإنه سيكون من باب التغافل عن الحقيقة وصف هذه الألفاظ بالوضوح والبيان.[17]
ثانيا- أن يؤدي هذا الوضوح إلى التعبير الكلي عن الإرادة الباطنة
إذا خلص القاضي إلى أن عبارات وألفاظ العقد لا تحمل معاني متعددة متعارضة وهي نتيجة تؤدي إلى وضوح الإرادة الظاهرة، ينبغي له أن يتأكد من أن هذا الوضوح يؤدي إلى التعبير عن الإرادة الباطنة.
حيث سيكون من الصعب تقبل فكرة المعنى الواضح للفظ إذا لم تكن إرادة الأطراف متضحة معه، لذلك يرى الأستاذ محمد شيلح[18] أن الإرادة الواضحة، ليس في مقدور العبارات المكتوبة في العقد أن تبلورها بالكامل، مهما بلغت درجة وضوحها أو بيانها، وهو ما دفعه إلى القول إنه إذا كانت الإرادة غامضة جاز تأويل العقد، أما إذا كانت هذه الإرادة واضحة فلا مجال للتأويل، وجواز التأويل ينبغي أن يعتبر هو المبدأ لما فيه من احترام للإرادة بغض النظر عما إذا كانت عبارات العقد من زاوية مدلولها الحرفي النحوي تبدو محكمة البيان واضحة الألفاظ، إذ كم من محكم لا يخلو من متشابه، وكم من مفسر ينطوي على مجمل، وكم من نص لا يفارقه إشكال، وهذا فضلا عن أن الظاهر ما سمي كذلك إلا لإخفاء جانب الحقيقة تحت قناعه.
وفضلا عن ذلك فمادامت وظيفة الألفاظ المستخدمة في العقد هي إظهار مقاصده، فإن قيمة هذه الألفاظ تكمن في فهم العقد فهما صحيحا لذلك لابد أن نتوقف على تحديد العلاقة بين الألفاظ والغايات التي يراد تحقيقها.[19]
المطلب الثاني: تأويل العقد الغامض
إن قاعدة التأويل المعتمدة عند غموض عبارات العقد تثار في الحالات المنصوص عليها في الفصل 462 من ظ.ل.ع، فإذا تحققت إحدى حالات الغموض ونشأ نزاع بخصوص هذا الغموض تعين على القاضي إعمال قواعد التأويل المنصوص عليها في ظ.ل.ع، والتي من شأنها رفع هذا الغموض، والوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين، وأولى هذه القواعد هي البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند عبارات العقد (فقرة أولى)، وإذا تعذر ذلك أمكن للقاضي اعتماد قواعد التأويل التي ترتكز على تحديد معنى العبارة الغامضة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تأويل العقد الغامض بناء على الغرض المقصود من التعاقد
إن أولى القواعد التي تتحكم في عملية التأويل هي البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ وتركيب الجمل، وهو ما نص عليه المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 462 من ظ.ل.ع التي جاء فيها: “… عندما يكون للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ولا تركيب الجمل”، ويقابلها ما نص عليه المشرع الفرنسي في الفصل 1188[20] من القانون المدني.
إذا فاللفظ وتركيب الجمل لهما دور أساسي في إظهار نية المتعاقدين (أولا)، وهو ما قد يتعذر أحيانا، الأمر الذي يفرض البحث عن قصد المتعاقدين (ثانيا).
أولا- دور اللفظ وتركيب الجمل في إظهار نية المتعاقدين
مما لاشك فيه أن اللفظ هو المعبر الأساسي عن إرادة الأطراف[21]، فبمجرد عزم الأطراف على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو نقل حق معين، وجب عليهم الإفصاح بها لتحدث آثارها القانونية، غير أن هذا اللفظ لا يصلح للتعبير عن الإرادة إلا إذا دل على نية المتعاقدين.
وكذلك الأمر بالنسبة لتركيب الجمل فهي الأخرى تعتبر من الطرق التي تعبر عن الإرادة، إذا تم تنزيل الاتفاق كتابة في محرر.
وفي هذا السياق يتعين التساؤل عما إذا كان اللفظ وتركيب الجمل يشيران إلى أن قواعد التأويل يظل مجال إعمالها محصورا في العقد المكتوب فقط، أم يمتد إلى العقد الشفوي؟
إجابة عن هذا السؤال يرى الأستاذ محمد شيلح أن تفحص كافة قواعد التأويل المعتمدة في ظ.ل.ع أو القانون المدني الفرنسي يسمح بالذهاب إلى أن العقد الذي وضعت لأجله هذه القواعد ليس هو العقد الشفوي بل العقد المكتوب أو أي شكل من أشكال التعابير المكتوبة كالإعلان في جريدة أو طريقة الاستعمال المدرجة على غلاف السلعة أو المحرر العرفي أو الرسمي أو تراكم مجموعة من التصرفات التي تصدر في وقت واحد كالعقد والتصميم المرفق به عندما يقدمان معلومات مختلفة، وما يدل على هذا العبارات التي وظفت في صياغة الفصول المنظمة لقواعد التأويل في ظ.ل.ع كتكرار لفظة البند أو البنود (الفصول 463-464-465) وذكر اللفظ وتركيب الجمل (الفقرة الثانية الفصل 462).[22]
فقواعد التأويل تفرض أن يكون العقد كتابة، وهو ما نلمسه أيضا من خلال الفصول التي استند عليها الرأي السابق القائل بضرورة وجود عقد مكتوب.
ثانيا- البحث عن قصد المتعاقدين
يقوم القاضي في عملية التأويل المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 462 من ظ ل ع ، بالبحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ولا عند تركيب الجمل التي جاءت غامضة.
وما نلاحظه من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي أخذ بالإرادة الباطنة بالدرجة الأولى، لما لها من أهمية في إنشاء الاتفاق وتعزيزا لمبدأ سلطان الإرادة.
وأساس طريقة التأويل هذه، هو الاتجاه الشخصي الذي ينطلق في تحديد طريقة التأويل التي ينبغي أن يتقيد بها القاضي من الفكرة التي مفادها أنه “مادامت إرادة المتعاقدين هي التي تخلق الالتزاموتحدد مداه فيجب البحث عن هذه الإرادة فيما تنطوي عليه النفس وما يسكن في الصدر، وهذه الإرادة التي جالت في الخاطر وانعقدت في الضمير هي التي يعتد بها، أما مظهر التعبير عنها فليس إلا دليلا عليها ولا يعتبر إلا بالقدر الذي يفصح به عن الإرادة الباطنة بدقة ووضوح. فإذا قام دليل من جهة أخرى على أن هذا المظهر المادي لا يتفق مع الإرادة النفسية فلا يعتد بالمظهر بل يجري حكم الإرادة الحقيقية، فإذا تعذر الوصول إلى معرفة الإرادة الحقيقية عن طريق اليقين والجزم، فما على القاضي إلا أن يعرفها عن طريق الظن والتخمين أي عن طريق الافتراض، فالإرادة الحقيقية أولا وإلا فالإرادة المفترضة”.[23]
وهو ما كرسه المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 462 من ظ.ل.ع التي تلزم القاضي بالبحث عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين. والقاضي عند إعماله لهذه القاعدة يستعين بحسه السليم وفطنته في البحث عن الإرادة الكامنة وراء التعبير غير الصريح.[24]
كما يستهدي بما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، فالأمانة واجب على المتعاقد، والثقة حق له.[25]
فهذه القاعدة تجعل القاضي غير مقيد بظاهر العقد بل يجب عليه البحث عن النية الحقيقية للمتعاقدين وفي حالة تعذر ذلك يمكن له اللجوء إلى تحديد عبارات العقد الغامضة.[27]
الفقرة الثانية: تأويل العقد الغامض بناء على تحديد معنى العبارة الغامضة
تنقسم هذه العملية إلى عدة أنواع حسب نوع الغموض، فإذا كان الغموض ناتجا عن استعمال عبارات أدت إلى تعارض بين بنود العقد، أول القاضي هذا الغموض بناء على القاعدة المنصوص عليها في الفصل 464 من ظ.ل.ع (أولا)، أما إذا كان ناتجا عن عبارات تحمل أكثر من معنى أوله بناء على الفصل 465 من ظ.ل.ع (ثانيا)، وإذا نتج عن استعمال عبارات غامضة أوله وفق الفصل 466 من ظ.ل.ع (ثالثا)، كما قد ينتج عن تخصيص حالة معينة بالذكر، هنا سيتعين على القاضي لتأويل هذا الغموض التقيد بالفصل 469 من ظ.ل.ع (رابعا).
أولا- تأويل الغموض الناتج عن استعمال عبارات أدت إلى تعارض بين بنود العقد
ينص الفصل 464 من ظ.ل.ع على ما يلي: “بنود العقد يؤول بعضها البعض بأن يعطي لكل منها المدلول الذي يظهر من مجموع العقد، وإذا تعذر التوفيق بين هذه البنود لزم الأخذ بآخرها رتبة في كتابة العقد”.[28] فهذا الفصل يضع طريقتين لفك الغموض الناتج عن استعمال عبارات أدت إلى تعارض في بنود العقد، الطريقة الأولى هي مقاربة بنود العقد بعضها ببعض (أ) والطريقة الثانية تفضيل البند الأخير من العقد(ب).
أ.مقاربة بنود العقد بعضها ببعض
ترمي هذه الطريقة إلى مقاربة بند غامض مع مجموع بنود العقد للوصول إلى قصد المتعاقدين.
فالقاضي قد يتبين له أن الوضوح لا يقتصر على النظر إلى اللفظ أو البند في حد ذاته دون مقاربته بغيره من الألفاظ أو البنود في العقود، فهذه المقاربة ترفع الغموض، عندما يظهر أن البنود متعارضة فيما بينها، وتجعل العقد بالتالي غامضا في مجموعه، لذلك يصبح اللجوء إلى التأويل عن طريق المقاربة أمرا ضروريا، لرفع ما يظهر من تعارض.[29]
كأن يرد مثلا في أحد بنود العقد أن أحد الطرفين قد وهب عقارا للطرف الآخر، ويرد في بند آخر من نفس العقد أن الطرف الآخر التزم بأن يدفع لأحد من الأغيار مبلغا من المال.[30]
ففي هذه الحالة تجب أن تؤول عبارات العقد بعضها البعض، فلا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات، بل يجب تأويلها باعتبارها جزءا من كل العقد، فقد تكون هناك عبارة سابقة مطلقة، وتحددها عبارة سابقة أو لاحقة، وقد تقرر العبارة أصلا فيرد عليها استثناء يذكر قبلها أو بعدها، وقد تكون العبارة مبهمة، وتفسرها عبارة وردت في موضع آخر. وهكذا إذا ما ورد في أحد بنود البيع أن المبيع مفروشات منزلية، وجاء بند آخر في نفس العقد يحدد نوع ومقدار هذه المفروشات، كان التوفيق بين هذين البندين المتعارضين في الظاهر، تخصيص البند الأول بالبند المحدد للمفروشات.[31]
ب- تفضيل البند الأخير من العقد
إذا تعذر مقاربة البنود بعضها ببعض لفك الغموض الوارد في العقد ورفع التعارض لجأ القاضي إلى الطريقة الثانية المتمثلة في تفضيل البند الأخير من العقد، وهو ما نص عليه المشرع في الشق الثاني من الفصل 464 من ظ.ل.ع السابق الذكر.
فهذه الطريقة تجد سندها في كون البند اللاحق في الزمن ناسخ للبند الذي سبقه.[32]
وما تجدر الإشارة إليه أن هذا التصور لا يمكن أخذه على إطلاقه إذ ليس لعملية ترتيب البنود ما يجعل لها هذه الأهمية البالغة بشأن أحكام البنود، ولكن الأهمية يجب أن تعطى لإرادة الطرفين بشأن كل بند، فكما قد يكون البند متقدما ومتضمنا لأحكام عامة، فيعقبه شرط مخصص يعدل هذه الأحكام، قد يحدث العكس حيث يرد الشرط الخاص أولا، ثم يأتي الشرط العام.[33]
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن القضاء المغربي أضاف طريقة ثالثة لم ينص عليها الفصل 464 من ظ.ل.ع، التي توجب في حالة تعارض بنود العقد واستحال التوفيق بينها، وهي تفضيل البنود الخطية على البنود المطبوعة.[34]
ثانيا- تأويل الغموض الناتج عن استعمال عبارات تحمل أكثر من معنى
ينص الفصل 465 من ظ.ل.ع على أنه: “إذا أمكن حمل عبارة وبند على معنيين كان حمله على المعنى الذي يعطيه بعض الأثر أولى من حمله على المعنى الذي يجرده عن كل أثر”.
فهذا النص يتضمن قاعدة في التأويل مفادها إعمال الكلام خير من إهماله، وقد أخذت بهذه القاعدة العديد من التشريعات كالتشريع الفرنسي (المادة 1191 من القانون المدني الفرنسي).
إن تأمل هذا النص، والنصوص المصاحبة يسمح لنا بالوقوف على دور هذه القاعدة في التأويل (أ) مع الأخذ بعين الاعتبار حدود تطبيقها (ب).
أ.دور قاعدة إعمال الكلام خير من إهماله في عملية التأويل
إن الميدان التعاقدي لا يستسيغ اعتبار تعبير أو بند أو حتى العقد في مجموعه ضربا من العبث الذي يفضي إلى الإهمال والإلغاء لما يرمي إليه هذا الميدان من تحقيق غرض معين، وهذا الغرض كأثر قانوني لا يقوم إلا إذا حمل التعبير أو البند أو العقد في مجموعه على أن الكلام الذي يبلوره كلام معقول، فمن غير المتصور عقلا أن المتعاقدين يريدان بالتعاقد أمرا غير معقول وإلا كان تعاقدهما عبثا.[35]
فالمفروض أن ننزه المتعاقدين من العبث بإيراد بنود تعاقدية ليس لها معنى، فإذا كنا بصدد بند غامض، يبعث الشك في نفس القاضي حول المعنى المقصود منه، فمن المنطقي أن يفهم هذا الشرط في المعنى الذي يجعل له قيمة قانونية.[36]
ب- حدود قاعـدة إعمال الكلام خير من إهماله
بالرغم من النتائج الإيجابية التي تساهم بها هذه القاعدة في عملية التأويل إلا أنها تقيد في بعض الحالات بمسألتين أساسيتين في مجال التعاقد هما: البطلان والنظام العام.
فقد يخالف المتعاقدان ركنا قانونيا، عن جهل منهما، يترتب عليه البطلان كجزاء، كما لو ورد في أحد بنود عقد البيع أن تعيين الثمن متروك لتقدير أحد من الأغيار، فإن مثل هذا البند يقع باطلا، ويفضي إلى بطلان عقد البيع حسب الفصل 487[37] من ظ.ل.ع.[38]
كما يعد النظام العام[39] بدوره قيدا على القاعدة المنصوص عليها في الفصل 465 من ظ.ل.ع، فإذا كان البند الذي يتطلب إعماله تأويل العقد وإعطائه وضوحا يساهم في الوصول إلى قصد المتعاقدين يخالف النظام العام وجب على القاضي مراعاة هذا الأخير أولا قبل تفعيل قاعدة إعمال الكلام خير من إهماله.[40]
والنظام العام من شأنه أيضا أن يشل تطبيق الفصل 465 من ظ.ل.ع من باب أولى خاصة إذا ما أخذنا واقع القضاء المغربي بعين النظر، إذ يسمح هذا الواقع بتصور مفاده أن القاضي بمجرد ما يتبين له أن المعنى المتبادر إلى الذهن مخالف للنظام العام إلا ومن المحتمل جدا أن يستبعد إمكانية تغيير البند لمعنى آخر.[41]
ثالثا- تأويل الغموض الناتج عن استعمال عبارات غامضة وغير مفهومة في حد ذاتـــــــها
ينص الفصل 466 من ظ.ل.ع على أنه: “يلزم فهم الألفاظ المستعملة حسب معناها الحقيقي ومدلولها المعتاد في مكان إبرام العقد، إلا إذا ثبت أنه قصد استعمالها في معنى خاص. وإذا كان للفظ معنى اصطلاحي، افترض أنه استعمل فيه”.
فهذا النص جاء بقاعدة للتأويل تستند على فهم الألفاظ الغامضة المستعملة في العقد، هذا الغموض نتج عن مجموعة من الأسباب (أ)، وضع لها المشرع أساليب لتوضيحها (ب).
أ.أسباب الغموض
قد ينتج الغموض الوارد في العقد عن مجموعة من الأسباب من بينها:
-التعـــارض: وهو أن تحمل العبارة أكثر من معنى للدلالة، حيث تصبح غير دقيقة، الأمر الذي يؤدي إلى التساؤل عن المعنى الذي انصرفت إليه إرادة الطرفين.
-الإبهــام: والذي ينتج عن العبارة التي لا تفيد شيئا، وبذلك يتعذر معرفة مقصودها وتؤدي إلى استحالة الوصول إلى المعنى المراد منه، فالعبارة المبهمة لا يعرف منها أي معنى يتناسب والعقد.
-النقــص: يمكن أن ينتج الغموض عن نقص في عبارة وظفت لغرض أساسي في العقد أو لم يتم استعمال هذه العبارة إطلاقا في العقد، كبيع عقار محفظ وإغفال ذكر المحافظة التي تأسس فيها الرسم العقاري الخاص به.
-الغلــط: كما قد ينتج الغموض عن الغلط المادي الواقع حال تحرير العقد وهو يغاير الغلط المعنوي الواقع حال تكوين الإرادة فيفسدها، ذلك أن الغلط المادي يقع بعد تكوين الإرادة الصحيحة للمتعاقدين، وبالتالي فهو لا يؤثر في صحة العقد، وإنما يؤثر في المقصود من العقد.[42]
ب- أساليب توضيح الغموض
مجمل هذه الأساليب ورد ذكرها في الفصل 466 من ظ.ل.ع، والتي من شأنها فك الغموض الناتج بالأساس عن التعارض أو الإبهام والغلط.[43]
فالمشرع وضع للقاضي قاعدة للتأويل حسب الألفاظ المستعملة في التعاقد، بغرض التوصل إلى المعنى الحقيقي الذي انصرفت إليه أو المفروض أن تنصرف إليه النية الحقيقية للمتعاقدين،[44] التي من خلالها يرفع التعارض أو الإبهام.
وهذه القاعدة تكمن في فهم الألفاظ المستعملة حسب معناها الحقيقي ومدلولها المعتاد في مكان إبرام العقد، وإذا لم يتوصل إلى المعنى الحقيقي يكفي المعنى الاصطلاحي الذي يفترض أنه وظف لأجله.
فبواسطة هذه القاعدة يتم إزالة التعارض الذي ينتج عن تعدد معاني اللفظ، فإذا كان التعارض بين المعنى الحقيقي للفظ والمعنى المجازي، طبق القاضي المعنى الحقيقي، وإذا كان التعارض بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، طبق القاضي المعنى الاصطلاحي.
رابعا- تأويل الغموض الناتج عن تخصيص حالة بالذكر
بعد توافق إرادتي المتعاقدين على ما يرغبان بالتعاقد عليه، قد يخصصان حالة بالذكر ترتبط بمحل العقد، وهذا التخصيص قد ينتج عنه غموض بخصوص مشتملات العقد، هل العقد يشتمل على المحل الذي تم التعاقد عليه والحالة التي تم ذكرها، أم تمتد المشتملات إلى أشياء لم يتم ذكرها؟
إجابة على هذا التساؤل نجد أن المشرع وضع قاعدة لتأويل هذا الغموض وقد نص عليها في الفصل 469 من ظ.ل.ع الذي جاء فيه: “عندما تذكر في العقد حالة لتطبيق الالتزام، فينبغي أن لا يفهم من ذلك أنه قد قصد تحديد مجاله بها، دون غيرها من بقية الحالات التي لم تذكر”.
فالمتعاقدان قد يعطيان أهمية خاصة لمسألة معينة، فيوردانها في العقد، إما عمدا لمنع أي شك حولها، وإما جهلا منهما لاعتقاد أن القانون قد غفل عن النص على أحكامها، فهذا التخصيص بالذكر لا يتعين أخذه على أنه وارد على سبيل الحصر، بحيث يقال أن ماعدا ما ذكر لا يخضع للحكم الوارد بالعقد، اللهم إلا إذا ظهر جليا أن هذا هو المقصود من الطرفين، عندئذ يتعين إعمال مفهوم المخالفة، بالقول إن ما لم يرد النص عليه في العقد لا يشمله الحكم.[45]
المبحث الثاني: قواعد التأويل الخارجية
إذا كانت قواعد التأويل الذاتية هي المتعلقة ببنية العقد والتي تطرقنا إليها فيما سبق، فإن قواعد التأويل الخارجية لا ترتبط ببناء العقد وإنما ترتبط بالظروف المصاحبة للعقد سواء وقت إبرامه أو بعد ذلك أثناء مرحلة التنفيذ.
وهذه القواعد لم ينص عليها المشرع ضمن قواعد التأويل على عكس قواعد التأويل الذاتية وإنما تستفاد من خلال المقتضيات العامة المنظمة للعقد، فالعقد لا يمكن أن يتجرد عن هذه القواعد خلال جميع مراحله -من تاريخ إبرامه إلى غاية تنفيذه- وهو ما جعل القاضي يهتدي بها في عملية التأويل إذا تعذر عليه تأويل العقد بناء على القواعد الذاتية، فهي الأخرى من شأنها إظهار النية المشتركة للمتعاقدين.
وسنقتصر على ذكر أهمها، ويتعلق الأمر بمبدأ حسن النية وشهادة الشهود (المطلب الأول)، والعادة والعرف والتنفيذ اللاحق على إبرام العقد (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مبدأ حسن النية وشهادة الشهود
يعتبر مبدأ حسن النية وشهادة الشهود من بين القواعد الاحتياطية التي يستعين بها قاضي الموضوع للوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين، واستجلاء الغموض الحاصل بالعقد. ولتبيين دور كل منهما يستدعي منا الأمر التعرض لمبدأ حسن النية (فقرة أولى)، ثم لدور شهادة الشهود في تأويل العقد (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: مبدأ حسن النية ومساهمته في تأويل العقد
نص المشرع المغربي على مبدأ حسن النية في الفصل 231 من ظ.ل.ع[46]، باعتباره أحد الركائز الأساسية التي يجب أن يتم وفقها إبرام وتنفيذ العقد، وهو ما يجعل القاضي يستند عليه في عملية التأويل إذا تعذر الوصول إلى نية المتعاقدين.
ولمعرفة دور حسن النية في تأويل العقد لابد من معرفة مفهومه (أولا)، ثم بعد ذلك بيان مساهمته في تأويل العقد (ثانيا).
أولا- مفهوم مبدأ حسن النية
بالرجوع إلى ظهير الالتزامات والعقود نجد أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا لمبدأ حسن النية إنما افترض وجوده ما لم يتبين عكس ذلك حسب الفصل 477.[47]
وهناك من الفقه من عرفه بأنه النية السليمة والصادقة والخالية من الخداع والغدر والقصد السيء.[48]
ومبدأ حسن النية يرتبط بجميع المجالات، ففي المجال العقدي والذي يهمنا إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا، الأول يقوم إذا أتى الشخص أفعالا من شأنها أن تعبر عن نقائه وصدق نيته. أما حسن النية السلبي، فيتحقق عندما يكف الشخص عن مباشرة أي عمل يتنافى مع القصد السوي، وفي عقد التأمينكذلك عن القيام بالأعمال التي من شأنها أن تزيد من احتمالات حدوث الخطر، كأن يعرض العقار محل التأمين –ضد حريق- لمصادر النيران إهمالا منه.[49]
إذ يعتبر مبدأ حسن النية في مجال العقود هو كل ما يخالف التدليس والإكراه أثناء إبرام العقد، ونقيض الغش والتحايل وارتكاب الخطأ عند تنفيذه.
ومقومات هذا التعريف تجد أساسها في ظهير الالتزامات والعقود، إذ يفرض إبرام العقد دون تدليس أو إكراه تحت طائلة الإبطال[50]، كما يفرض تنفيذه دون غش أو تحايل أو ارتكاب أي خطأ.
كما يعتبر مبدأ حسن النية في إبرام العقود وتنفيذها من المبادئ التي تؤدي إلى تحقيق العدالة بين أطراف العلاقة التعاقدية، ذلك أن حسن النية يؤدي إلى إحداث توازن بين الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد، فالعقد شرع أصلا لتحقيق مصالح أطرافه، فإذا تم إبرامه وتنفيذه بحسن نية ترتبت عنه آثاره الحقيقية التي يبتغيها هؤلاء الأطراف، بخلاف الحال لو ساءت نيتهم ودخل كل منهم في التعاقد بنية التدليس والغش، فلاشك أن ذلك سيؤدي إلى إحداث خلل واضطراب في العلاقة التعاقدية، ومن تم إلى عدم توازن المصالح. فالعدالة هدف ينشده أطراف العقد، وحتى تتحقق لابد أن تحسن نواياهم في جميع أنواع العقود وفي جميع مراحل العقد.[51]
وقد نص المشرع المغربي في الفصل 477 من ق ل ع على افتراض حسن النية دائما، وبالتالي هذا الافتراض يبقى قائما عند إبرام العقود أو تنفيذها، إلى أن يثبت عكس ذلك.[52]
فطالما أن مبدأ حسن النية يشمل جميع مراحل العقد، فإن ذلك يعني أنه يشمل مرحلتين أساسيتين هما مرحلة تكوين العقد ومرحلة تنفيذه بحسن نية.[53]
ثانيا- مساهمة حسن النية في تأويل العقد
تختلف مهمة القاضي بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بعقد ملزم لجانبين (أ) أم ملزم لجانب واحد (ب).
أ.مساهمة حسن النية في تأويل العقد الملزم لجانبين
العقد التبادلي أو الملزم لجانبين هو ذلك العقد الذي يكون فيه كل طرف دائنا في جانب ومدينا في جانب آخر، ففي عقد البيع مثلا يكون البائع مدينا بنقل ملكية المبيع وتسليمه ودائنا بالثمن، بينما المشتري يكون مدينا بدفع الثمن ودائنا بقبض الشيء المبيع، والمسألة الدقيقة في هذا النوع من العقود هو التقابل في الالتزامات.[54]
فحسن النية مطلوب في تأويل مثل هذه العقود، فإذا وقع نزاع بين الطرفين حال تنفيذه -باعتبار أن التنفيذ هو المحك الحقيقي لشروط العقد على أرض الواقع- يتعين على القاضي الرجوع إلى هذه الشروط لمعرفة نية الطرفين المشتركة ليكون التنفيذ وفق هذه النية، وما يتفق وحسن نية الطرفين، حيث يتعين أن يلتزم كل منهما بما سبق الاتفاق عليه حال إبرام العقد، ومن ثم فالتأويل وحسن النية متلازمان، إذ يتعين أن يتم وفق مبادئ حسن النية وشرف التعامل.[55]
وهو ما يجعل حسن النية قيدا على النية المشتركة للمتعاقدين وموجها لها لا ينبغي تجاوزه، وأن دور القاضي في ذلك يشبه دوره عند تطبيق ما يقتضيه النظام العام والآداب العامة.[56]
ب- مساهمة حسن النية في تأويل العقد الملزم لجانب واحد
إن العقد الملزم لجانب واحد هو العقد الذي لا ينشئ الالتزامات إلا في جانب أحد المتعاقدين دون الآخر بحيث يكون مدينا غير دائن ويكون المتعاقد الثاني دائنا غير مدين، كالهبة بغير عوض حيث يكون الواهب مدينا بتسليم الشيء الموهوب، والموهوب له دائن بالشيء محل الهبة. وكعقد الوديعةبدون عوض التي يلتزم فيها المودع عنده نحو المودع بأن يتسلم الشيء محل الوديعة ويسهر على صيانته وأن يرده عند الطلب، دون أن يلتزم المودع بشيء نحو المودع عنده.[57]
ويشترط لصحة عقد الهبة أن يتم تسليم المال الموهوب قبل حصول المانع، والمانع هنا إما الوفاة، أو الإفلاس، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 04/05/1976[58] ما يلي: “يشترط لصحة التبرعات ثبوت حيازة المتبرع له بما وقع التبرع به عليه قبل حدوث المانع للمتبرع”.
وهذا الشرط الأخير هو ما يمكن القاضي من معرفة وجود حسن النية أم سوؤها لدى الواهب، وهو ما يساعده في تأويل هذا التصرف، هل هو عقد هبة فعلا، أم مجرد تصرف غايته إخراج المال الموهوب من ذمته إضرارا بالورثة أو الدائنين، فإذا تم التسليم قبل الوفاة أو الإفلاس كان العقد عقد هبة صحيح منتج لآثاره، أما إذا لم يتم التسليم إلا بعد حصول المانع، فإنه لا يعتد بهذه الهبة ويتم إبطالها.
وفي الأخير نشير إلى أن فكرة حسن النية تعطي مرونة اتساع للسلطة التي يملكها القاضي إزاء التأويل[59]، فإذا كان الأصل أن الإنسان يلتزم بالصواب والاعتدال في تصرفاته، فإن مفهوم النية المشتركة للمتعاقدين يجب أن يكون متفقا مع مقتضيات مبدأ حسن النية، وإذا لاحظ القاضي أن أحد الطرفين قد حاد عن هذا المبدأ، كان عليه بموجب معياري الأمانة والثقة أن يرده إلى صوابه ليستخلص النية المشتركة المتفقة مع هذين المعيارين ضمانا لاستقرار المعاملات.[60]
الفقرة الثانية: شهادة الشهود ودورها في تأويل العقد
تعتبر شهادة الشهود من وسائل الإثبات التي أوردها المشرع المغربي ونظم قواعدها في ظهير الالتزامات والعقود في الفصول (من 443 إلى 448)، كما بين كيفية إعمالها إجرائيا في قانون المسطرة المدنية في الفرع المتعلق بالأبحاث في الفصول (من 71 إلى 84)، فالقاضي قد يلجأ إلى وسيلة الإثبات هذه لتأويل العقد الذي قد يشوبه غموض، إذا تبين له أن بإمكانها بيان النية المشتركة للمتعاقدين.
أولا- ماهية شهادة الشهود وأساسها القانوني كقاعدة للتأويل
للوقوف على ماهية شهادة الشهود يقتضي منا البحث في تعريفها وتحديد الشروط اللازم توفرها حتى تصلح كوسيلة للإثبات (أ)، ثم بعد ذلك الأساس القانوني لاعتمادها كقاعدة للتأويل (ب).
أ.ماهية شهادة الشهود
عرف الفقه شهادة الشهود بأنها: “قيام شخص من غير أطراف الخصومة بالإخبار في مجلس القضاء بما يعرفه شخصيا حول حقيقة وقائع تصلح محلا للإثبات”.[61] فالشهادة تصريح يدلي به شخص أمام القضاء يتعلق بواقعة صدرت عن غيره وترتب عليها حق لهذا الغير.[62]
الشهادة لغة هي البيان، أو هي الإخبار القاطع وهي القول الصادر عن علم حصل بالمشاهدة، ولهذا قالوا أنها مشتقة من المشاهدة التي بمعنى المعاينة، وقيل هي مشتقة من معنى الحضور، يقول الرجل شهدت مجلس فلان أي حضرت، ولأنه يحضر مجلس القضاء للأداء يسمى شاهدا ويسمى أداؤه شهادة.[63]
وللأخذ بشهادة الشهود كوسيلة للإثبات لابد من توفرها على مجموعة من الشروط الموضوعية والإجرائية.
بالنسبة للشروط الموضوعية فهي تلك المبينة في ظ.ل.ع، ويمكن إجمالها في ما يلي:
-أن يكون موضوع الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يراد إثباتها بشهادة الشهود يساوي أو يقل عن قيمة عشرة آلاف درهم، حسب الفصل 443 من ظ.ل.ع.
-ألا تكون هناك حجة كتابية سابقة في النزاع (الفصل 447 من ظ.ل.ع).
أما الشروط الإجرائية فهي تلك المبينة في قانون المسطرة المدنية ويمكن إجمالها هي الأخرى في ما يلي:
-استدعاء الشهود من طرف المحكمة حسب الفصل 72 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية، ويمكن استدعاؤهم من قبل الأطراف، فقد أجاز المشرع ذلك في الفصل 74 من ق.م.م، وعملية الاستدعاء تتم وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37 و38 و39 من ق.م.م.
-أن تكون الشهادة ممن لا تكون بينهم وبين الأطراف أو أزواجهم رابطة مباشرة من قرابة أو مصاهرة من الأصول، أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية (الفصل 75 من ق.م.م في الفقرة الأولى).
-أن يكون الشهود كاملي الأهلية، ويستنتج ذلك بمفهوم المخالفة للفقرة الثانية من الفصل 75 من ق.م.م.
-أن يبلغ الشهود السن القانوني الذي يسمح بأدائهم للشهادة، وهذا السن هو 16 سنة، وهو ما يتبين من خلال الفقرة الرابعة من الفصل 76 من ق.م.م.
-وآخر هذه الشروط وأهمها هي أداء القسم على قول الحقيقة وذلك تحت طائلة البطلان (الفقرة الثالثة من الفصل 76 من ق.م.م).
ب- الأساس القانوني لاعتماد شهادة الشهود كقاعدة للتأويل
فعملية التأويل تبدأ بإعمال العقد وما تضمنه من ألفاظ وعبارات وهو ما يؤدي إلى وجود حجة كتابية سابقة في النزاع هذا من جهة.
ومن جهة ثانية هناك شرط يتعلق بقيمة التصرف القانوني الذي اشترط فيه المشرع ألا تتجاوز عشرة آلاف درهم، علما أن أغلب العقود تتجاوز هذه القيمة.
ففي ظل هذين الشرطين هل تصلح شهادة الشهود كوسيلة للتأويل؟ وما هو الأساس القانوني لذلك؟
إجابة على هذا السؤال ظهر هناك اتجاهان:
اتجاه يرى عدم الأخذ بشهادة الشهود كوسيلة للتأويل، فأنصار هذا الاتجاه يرون ضرورة الالتزام بالقواعد العامة للإثبات، وذلك أنه ليس للخصوم إثبات إرادة مغايرة للإرادة الظاهرة في العقد من خلال عبارات العقد، إذ يتعين عليهم مراعاة القواعد العامة للإثبات بعدم مخالفة أو مجاوزة الثابت بالكتابة إلا بالكتابة، فلا يجوز إذا تغيير المعنى الذي تتضمنه عبارة العقد الواضحة بغير دليل كتابي ولا تكفي بالتالي وسائل التعبير المستمدة من الظروف الخارجية -شهادة الشهود- للتدليل على إرادة المتعاقدين بما يتعارض مع النص الكتابي الواضح الذي ورد في العقد، فلا يجب الفصل بين قوة المحرر في الإثبات وبين الإرادة التي يتضمنها.[64]
واتجاه ثان يرى بجواز الأخذ بشهادة الشهود كوسيلة للتأويل دون اشتراط دليل كتابي، فأنصار هذا الاتجاه يرون أن تأويل التعبير يجب أن يجري بحسب المعنى الذي يستطيع المخاطب أن يستخلصه مع مراعاة كل الظروف المفسرة التي يعرفها الموجه إليه التعبير أو كان من واجبه أن يعرفها، ولكن يجب على القاضي أن يلجأ أولا إلى العقد محل التأويل ويستخدم الوسائل الداخلية التي تمكنه من الكشف عن نية المتعاقدين، فإذا لم يتوصل من خلال هذه الوسائل الداخلية كان له أن يحيل الدعوىإلى التحقيق ليتمكن الخصوم من تقديم ما لديهم من وسائل إثبات كالشهادة لتدعيم ادعائهم بمغايرة الإرادة للمعنى الظاهر.[65]
ويستند أنصار هذا الرأي إلى أن القواعد القانونية للتأويل تخلو من نص يحظر تأويل العقد بالبينة، وإنما جاءت على سبيل المثال.
وعطفا على ما سبق نرى أنه يمكن اعتماد شهادة الشهود كوسيلة للتأويل، وسندنا في ذلك هو أن شهادة الشهود في هذه الحالة ليس الغرض منها إثبات الالتزام المتضمن في العقد. وإنما بغرض تأويله فقط، وهو ما يستبعد إعمال الشرط الذي يقضي بعدم تطبيق الأحكام المقررة بخصوص الشهادة عندما توجد بداية حجة كتابية حسب الفصل 447 من ظ.ل.ع.
وكأساس قانوني لإعمال شهادة الشهود في عملية التأويل نجد الفصل 444 من ظ.ل.ع في فقرته الثانية، فبعدما نص المشرع في الفقرة الأولى على أنه “لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين، شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج، ولو كان المبلغ والقيمة يقل عن القدر المنصوص عليه في الفصل 443”. استثنى الحالة التي يلجأ فيها إلى شهادة الشهود لبيان مدلول شروط العقد الغامضة، حيث جاء في نفس الفصل “… وتستثنى من هذه القاعدة الحالة التي يراد فيها إثبات وقائع من شأنها أن تبين مدلول شروط العقد الغامضة أو المبهمة، أو تحدد مداها، أو تقيم الدليل على تنفيذها”.
ثانيا- دور شهادة الشهود في تأويل العقد
مما لاشك فيه أن إبرام العقد كما سبق معنا يمر عبر مرحلتين أساسيتين هما مرحلتا التفاوض والتكوين، ثم مرحلة الإبرام، وكلا هاتين الأخيرتين قد تتمان بحضور مجموعة من الأشخاص، يعطيهم -الحضور- صفة الشهود.
فقد يعطي العقد للتصرف القانوني الذي يتضمنه وصفا معينا لكن القاضي لا يقتنع بذلك، لأنه يجد في عناصره وقائع لعقد آخر.[66] أو أن هذه العناصر لا توضح النية المشتركة للمتعاقدين.
فالقاضي في هذه الحالة يلجأ لشهادة الشهود الذين حضروا لمراحل إبرام العقد، ويستمع لأقوالهم من أجل إعطاء الوصف الصحيح الذي قصده المتعاقدان.
وعلى ذلك فإن القاضي عندما يستعين بالشهادة لتأويل العقد الغامض لا يشكل استثناءا على قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي إلا بالكتابة، ذلك أن المخالفة أو المجاوزة لا تتحقق إلا بالنسبة لمعنى واضح تشتمل عليه عبارة العقد المكتوبة، فإذا كانت هذه العبارة غامضة، بحيث لا يستشف منها معنى محدد، فإن الشهادة في هذه الحالة لا تتعارض مع نص مكتوب، بل هي على العكس من ذلك، تؤكد المعنى الذي يشتمل عليه العقد المكتوب، متوافقا مع النية المشتركة للمتعاقدين.[67]
إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا في هذا السياق هو مدى التزام القاضي بالشهادة في تأويل العقد؟
للإجابة على هذا السؤال يجب التمييز بين ثلاث حالات سنوردها كالآتي:
الحالة الأولى: تقييم قاضي الموضوع أن عبارة العقد واضحة، هنا يمكن للقاضي رفض الإدعاء بغموض عبارة العقد، وهو ما يترتب عليه حتما رفض التأويل بناء على شهادة الشهود.
الحالة الثانية: تقييم قاضي الموضوع أن العبارة غامضة مع وجود عناصر مستمدة من العقد ذاته لإجلاء الغموض، بحيث تكون الشهادة هنا طريقا احتياطيا يقوم القاضي باستبداله متى كانت العناصر الداخلية كفيلة لوحدها وبذاتها لإجلاء إبهام وغموض العقد.[68]
الحالة الثالثة: تقييم القاضي أن العبارة غامضة ولا توجد عناصر داخلية في العقد لإجلاء الغموض.
فقد تحاط عبارة العقد بالغموض إذا نص على حالة معينة بالذكر يدور معه تساؤل حول ما إذا كانت هذه الحالة قد وردت على سبيل المثال أو على سبيل الحصر، وهذا الغموض يمكن إجلاؤه، عن طريق العقد ذاته، فإن لم يتضح قصد المتعاقدين من عناصره الداخلية، جاز اللجوء لكافة العناصر الخارجية عن العقد، وتدخل فيها الشهادة.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن القضاء بالمغرب وضع شرطا يتعلق بإعمال الشهادة في التأويل، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 28 دجنبر 1933 ما يلي: “إن مقتضيات المادة 444 والتي تمكن من إثبات معنى الشروط الغامضة والمبهمة للعقد بواسطة شهادة الشهود لا يمكن أن تشمل الحالة التي لم يعقد فيها العقد كتابة”.[69]
والملاحظ أن هذا القرار جاء بشرط ينطبق على جميع قواعد التأويل، ولا يقتصر على التأويل بناء على شهادة الشهود، لأن ما دفع بالأفراد إلى اللجوء للقضاء هو وجود غموض في عقد مكتوب، وحتى النصوص التي نظمت قواعد التأويل الذاتية جاءت حاملة لهذا الشرط بشكل ضمني.
المطلب الثاني: العرف والتنفيذ اللاحق للعقد
مما لاشك فيه أن قواعد التأويل الخارجية ليست على سبيل الحصر وليست مقتصرة على مبدأ حسن النية وشهادة الشهود، بل تمتد إلى بعض الأساليب الأخرى التي يمكن للقاضي اللجوء إليها من أجل الوصول إلى قصد المتعاقدين وبيان الغموض الذي يظهر في العقد.
ومن هذه الأساليب التي لا تقل أهمية عن سابقتها نجد العرف والعادة التي يمكن للقاضي الاستعانة بها لتأويل العقد (فقرة أولى)، كما نجد التنفيذ اللاحق للعقد باعتباره المحدد الأساسي لإرادة الأطراف بعد إبرامه (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: العرف وأهميته في تأويل العقد[70]
لما كان العرف والعادة من المصادر الاحتياطية والخارجية لتأويل العقد، فإن ذلك يعطي للقاضي إمكانية الأخذ بهما لتحديد الغموض الذي شاب العقد، محكما بذلك إلى ما ألفه الناس واعتادوه في معاملاتهم.
أولا: مفهوم العرف وتحديد طبيعته
يعرف العرف على أنه إتباع الناس لسلوك معين في ناحية من نواحي حياتهم الاجتماعية زمنا طويلا، ثم اعتقادهم بعد ذلك بإلزامية هذا السلوك، وبأن مخالفته تستتبع توقيع جزاء قانوني.[71]
ويقصد بالعرف هنا تلك العادات التي استقرت في نفس المتعاقدين أو نظائرها في نفس مادة التعاقد، بحيث أصبحت سنة اطرد عليها العمل، دون اشتراط توافر عنصر الإلزام الخاص بالقاعدة القانونية. وبالتالي إذا حدث غموض أو إبهام في العقد، فأثار الشك حول المدلول الحقيقي لبعض عباراته، فعلى القاضي أن يلجأ إلى هذه العادات لمعرفة المقصود منها، إذ يفترض أن المتعاقدان تعاملا على ضوء العرف الساري وقت التعاقد، كما لم يخالفوه صراحة.[72]
ثانيا: تأويل العقد وفق العرف
إذا شاب أحد بنود العقد غموض عند تنفيذها، وثار نزاع حول تأويله من قبل الأطراف، فعلى القاضي عند تأويله لهذا العقد تمهيدا لتنفيذه أن يأخذ في اعتباره ما اعتاد الناس وألفوه في تعاملهم، إذ من المنطقي في الأفعال التي توطد فيها الناس وعرفوها أن يفترض في المتعاقدين أنهما عالمان بهذا العرف وارتضياه فيما بينهما وإلا لصرحا بمخالفته، فإذا كانت عبارات العقد قد اعتراها إبهام وغموض وجب تأويلها في ضوء العرف الجاري بين المتعاقدين.[73]
وظهير الالتزامات والعقود تضمن العديد من الفصول التي تحيل على العرف، كالفصل 242 المتعلق بتنفيذ الالتزام، والفصل 500 المتعلق بالتسليم في البيع، والفصل 695 المتعلق بالكراء…
ففي مثل هذه الحالات وغيرها من الحالات الأخرى يمكن الاعتماد على العرف كضابط للتأويل، حيث يضع قواعد آمرة، كما يضع أيضا قواعد مكملة، سواء كانت مؤولة أو مكملة لإرادة المتعاقدين، وتطبق هذه القواعد على الأفراد علموا بها أو لم يعلموا، أشاروا إليها في اتفاقاتهم أو لم يشيروا، ويكفي ألا يتفقوا على استبعاده صراحة أو ينظموا اتفاقاتهم على نحو مخالف.[74]
وتأويل العقد وفق العرف يخضع للعديد من الضوابط يجب على القاضي الالتزام بها، سنبينها كالآتي:
-تأويل العقد طبقا لعرف بلد الإبرام، استنادا في ذلك إلى الفصلين 466 و 470 من ظ.ل.ع.
-أن يكون العرف المعتمد في الـتأويل غير مخالف للتشريع، وهو ما نص عليه المشرع في الفصل 475 ظ.ل.ع، وتنصيص المشرع على وجوب عدم مخالفة العرف للقانون يوحي أيضا بعدم مخالفته للنظام العام والآداب العامة.
-ويمكن اعتماد القاعدة التي تقول “الخاص يقيد العام”، كضابط حتى بالنسبة للأعراف، حيث أن العرف المحلي أو الخاص يقيد العرف العام.[75]
وتجدر الإشارة إلى أن العرف الذي يحمل إرادة المتعاقدين لا يرقى إلى قوة القانون، فلا يطبق إلا في حالة غياب النص القانوني أو سكوت المتعاقدين على تنظيم مسألة ما في العقد والتي أدت إلى اللبس والغموض.[76]
الفقرة الثانية: التنفيذ اللاحق للعقد ودوره في الوصول إلى القصد الـمشترك للمتعاقدين
يعتبر التنفيذ أهم المراحل التي يمر منها العقد، فهو الذي يعطي الصورة الحقيقية لقصد المتعاقدين ويبرز غايته، فمن خلاله يسهل الوقوف على مضمون العقد وطبيعته، وهذا ما يجعل الاستناد إلى هذا الفاعل في عملية التأويل أمرا ضروريا إذا استعصى على القاضي إزالة الغموض عن طريق القواعد الذاتية، أو باقي القواعد الخارجية التي سبق وأن تطرقنا إليها.
أولا: طبيعة التنفيذ ومقوماته
ينتج التنفيذ عن عقد مكتمل الأركان، وبالتالي فهو أثر له، فالهدف من إنشاء العقود هو تنفيذها عن طريق إعمال آثارها. من ثم يشكل هذا التنفيذ امتدادا طبيعيا لتطابق إرادتي العاقدين، وهو يخضع لمبدأ سلطان الإرادة المنصوص عليه في الفصل 230 من ظ.ل.ع، إذ يتعين تنفيذ العقد وفقه، فالأفراد لهم الحرية المطلقة في الارتباط بما شاءوا من العقود شريطة احترام موجبات النظام العام والآداب العامة والقواعد الآمرة. وإذا حصل إبرام عقد بشكل مطابق للقانون فإنه يصبح ملزما للأطراف، أي أن الحقوق والالتزامات التي يرتبها تكون واجبة الاحترام كما لو كان مصدرها قاعدة قانونية.
وهو ما بينه المشرع المغربي في الفصول من 228 إلى 253 من ظ.ل.ع إذ أوضح طرق تنفيذ العقد ضمن آثار الالتزامات. وعملية التنفيذ يجب أن تتم وفق العديد من المقومات حتى تعكس نية المتعاقدين.
فيجب أن يتم تنفيذ العقد وفق حسن نية الطرفين، ويعتبر هذا الأخير أهم مقوم تتفرع عنه باقي المقومات الأخرى كالعدالة والإنصاف والثقة والأمانة، وقد كرس المشرع المغربي هذا المبدأ في مستهل الفصل 231 الذي جاء فيه: “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية …”.
وثاني هذه المقومات التي يجب أن يتم تنفيذ العقد وفقها نجد العدالة، وهي ذلك الشعور الكامن في النفس الذي يكشف عنه العقل السليم ويوحي به الضمير المستثير ويهدي إلى إعطاء كل ذي حق حقه، دون الاعتداء على حقوق الآخرين.[77]
كما نجد أيضا الإنصاف، وهو موقع شبيه بالعدالة، وقد نص عليه المشرع المغربي صراحة في الفصل 231 من ظ.ل.ع الذي جاء فيه: “… وهو لا يلتزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف …”. فتنفيذ العقد يجب أن ينبني على الإنصاف من خلال الموازنة بين الواجبات والحقوق.
كما يتعين أن يتم التنفيذ بكل ثقة وأمانة، فهما من المبادئ التي يجب أن تسيطر على تنفيذ العقود، وهذين المبدأين ينتجان عن مبدأ حسن النية.
فإذا اجتمعت هذه المقومات في عملية التنفيذ أمكن اللجوء إليها من طرف القاضي لإجراء عملية التأويل، وهو ما سنبينه في العنوان الموالي.
ثانيا: دور التنفيذ في الوصول إلى القصد المشترك للمتعاقدين
إن تنفيذ العقد خير طريق لتأويل إرادة الطرفين، إذ بإرادتيهما يؤولان شروطه عمليا، وكثيرا ما يخرج طرفا العقد على مضمون النص الصريح عند تنفيذ العقد فيتبعان طريقة معينة في التنفيذ تعدل من مضمونه، وتكشف عن نيتهما بشأنه. فطريقة تنفيذ أحد المتعاقدين للعقد دون اعتراض من الطرف الآخر لمدة معينة قبل بروز النزاع تعتبر عنصرا أجنبيا على العقد وتعبيرا عن النية المشتركة للمتعاقدين، وتظهر أهمية طريقة التنفيذ كعنصر خارجي في تحديد هذه النية عندما ينفذ الطرفان شروطا على نحو مخالف لما جاء بالعقد ويستمر تراضيهما على هذا النحو مدة من الزمن دون أي اعتراض منهما.[78]
فتنفيذ العقد هو آخر الوسائل التي يلجأ إليها القاضي لتأويل العقد فيما لم ينظمه المتعاقدين، أي أن المقصود بالتنفيذ هنا هو التنفيذ الأول للعقد والمبين لقصد المتعاقدين عند عدم تنظيمهما لآثاره في مسألة معينة، ولا يلجأ للتنفيذ إلا إذا لم يجد حكما في القانون أو في العرف.
والقاضي يسترشد بقواعد التنفيذ في تأويل شروط العقد لتحديد نطاقه، فالبائع لا يلتزم فحسب أن يقوم بما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري، بل يجب عليه أيضا أن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلا أو غير ممكن، وهذا الالتزام تقتضيه مقومات التنفيذ وإن لم يذكر في العقد.[79]
كما أن طريقة التنفيذ إنما تعبر في الأصل عن نية المتعاقد الذي يقوم باتباعها، ولكن هذا التنفيذ لن يصبح معبرا عن النية المشتركة للمتعاقدين إلا إذا ارتضاه المتعاقد الآخر،[80] ولا يتحقق ذلك إلا بتوافر الشروط التالية:
-أن يكون التنفيذ إراديا بمعنى أن تتجه الإرادة مختارة إلى هذا التنفيذ دون خطأ أو إكراه، وإذا جاء نتيجة خطأ وقع فيه المتعاقد، فلا يصلح التمسك به كطريقة من طرق التأويل.[81]
-أن يكون التنفيذ لاحقا على إبرام العقد، أما التنفيذ السابق على إبرامه فلا يعتد به في التأويل، إلا إذا استمر في وقت لاحق على قيامه.
-أن يكون المتعاقد عالما بطريقة التنفيذ هذه التي يتبعها المتعاقد الآخر، فإذا كان جاهلا بها، فإن ذلك التنفيذ لا يعبر إلا عن نية أحد المتعاقدين دون المتعاقد الآخر.[82]
-كما يجب أن تمضي مدة معقولة على طريق التنفيذ دون اعتراض أو تحفظ من جانب المتعاقد الآخر، ولا يستلزم من وجود عدم العلم أن يكون هناك اعتراض، وهذا التنفيذ لن يفيد عملية التأويل، لسقوط شرط من الشروط اللازمة، والمدة اللازمة للاعتراض تخضع للسلطة التقديرية للقاضي بحسب كل عقد.
-وكشرط أخير، يجب أن تستمر طريقة التنفيذ المعتمدة في التأويل مدة من الزمن، وأن تكون هذه المدة طويلة نسبيا إلى الحد الذي يقنع قاضي الموضوع أن هناك استقرارا في هذا الصدد. فالدائن الذي يتساهل مع مدينه مرة في تأخير بسيط عند سداد القسط، لا يستشف منه العدول عن الشرط الصريح الذي يلزم المدين بالسداد في الميعاد وإلا حلت الأقساط جميعها دون إعذار مسبق، بينما لو درج على ذلك لعدة أقساط مدة من الزمن، أمكن أن يستشف من ذلك تسامح الدائن وعدم تمسكه بحرفية نصوص الشرط.[83]
فبتوفر هذه الشروط يصلح التنفيذ كأداة لتأويل العقد الذي شابه غموض ولم يوضح قصد ونية المتعاقدين.
خاتمة
نخلص في الأخير إلى أن قواعد تأويل العقد متعددة منها ما نص عليه المشرع ومنها ما لم ينص عليه، إذ تبقى من صميم إبداع الفقه واجتهاد القضاء.
حيث تلعب دورا مهما في إرشاد القاضي من أجل استخلاص النية المشتركة للمتعاقدين وإزالة الغموض للوصول إلى تنفيذ العقد. وفي غالبية هذه القواعد أنها استئناسية وجاءت على سبيل المثال.
وفيما يتعلق بدراستنا وتحليلنا للقواعد الخارجية التي يمكن اعتمادها في عملية التأويل، تجدر الإشارة إلى أن طريقة الدراسة لا تفيد أن هذا الترتيب هو الواجب الإتباع من طرف القاضي، وإنما تظل له سلطة اختيار أي هذه القواعد أنفع في التأويل، فقد يلجأ إلى شهادة الشهود بداية، كما قد يلجأ إلى العرف أو العادة إلى غير ذلك من القواعد، خاصة أن هذه القواعد لم يحددها نص قانوني يجعل هذا الترتيب هو المعول عليه، بل تبقى خاضعة لسلطة قاضي الموضوع تحت رقابة محكمة النقض في المسائل المتعلقة بالقانون.
الهوامش:
(*) تم تحكيم هذا المقال العلمي من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات و الأبحاث القانونية.
[1] -عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام الجزء الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الثالثة الجديدة، 2011، ص 661.
[2] ـ تعرض القانون المدني الفرنسي لموضوع تأويل العقد بشكل مستفيض في المواد من 1156 إلى 1164 ببسطه للقواعد المتبعة في التأويل، ويسانده في ذلك قضاء محكمة النقض الغزير منذ ومن طويل. وبالرجوع إلى أحكام القضاء الفرنسي نجد أن مسألة التأويل أثيرت منذ القرار الشهير الصادر عن الغرفة المدنية بتاريخ 15/04/1872 والذي جاء فيه ما يلي: “لا يسمح للقاضي عندما تكون عبارات الاتفاق واضحة ودقيقة تشويه الالتزامات الناتجة عنه وتغيير الاشتراطات التي يحتويها”.
وفي نفس الاتجاه ذهب القانون المدني الجزائري في المادتين 112 و 113, وسايرهم في ذلك المشرع اللبناني في قانون الموجبات والعقود الذي تعرض لمسألة تفسير العقد في المواد من 366 إلى 377.
للتفصيل انظر: بردان رشيد وبوراس نجية، القاضي وتفسير العقد، مقال منشور بمجلة القانون، المجتمع والسلطة بالجزائر، المجلد 7، العدد الأول، 2018، ص 11 و 12.
[3] ـ عبد المهيمن حمزة، ضوابط تفسير العقود بين النص القانوني والاجتهاد القضائي، مقال منشور بمجلة المنارة، العدد الأول، يناير 2012، ص 62.
[4] -برهان زريق، نظرية تفسير العقد في القانون المدني والإداري، مطبعة الإرشاد اللاذقية، دون ذكر الطبعة والسنة، ص 40.
[5] ـ عبد الخالق الشريفي، المجلس الأعلى وتفسير العقد، مقال منشور بمجلة كتابة الضبط، العدد السابع، يناير 2001، ص 117.
[6] -عبد الحكم فودة، تفسير العقد في القانون المدني المصري والمقارن، منشأة الناشر المعارف الإسكندرية، 1993، ص 69.
[7] -عبد الحكم فودة، م س، ص 69.
[8] -عبد الحكم فودة، م س، ص 70.
[9] -مأمون الكزبري، قانون الالتزامات والعقود، ج 1، مصادر الالتزام، الطبعة الثانية، دار النهضة، 1983، ص 236-237.
[10] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 1995/1996، ص 341.
[11] -عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، م س، ص 671.
[12] -عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام، الكتاب الأول مصادر الالتزام، الجزء الأول التصرف القاني، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية 2014، ص 233.
[13] -تم تغيير اسم المجلس الأعلى باسم محكمة النقض بمقتضى المادة الفريدة من القانون رقم 58.11 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 بتاريخ 27 من ذي القعدة 1432(25 أكتوبر 2011)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 59.89 مكرر، بتاريخ 28 ذو القعدة 1432(26 أكتوبر 2011)، ص 2528.
[14] -قرار عدد 305، صادر عن الغرفة المدنية بمحكمة النقض بتاريخ 20 أبريل 1962، منشور بمجلة القضاء والقانون، سنة 1968، ص 289.
[15] -الزبير المعروفي، حماية الزبون في عقد القرض في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2010/2011،
ص 35.
[16] -برهان زريق، م س، ص 41-42.
[17] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع، م س، ص 360.
[18] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع.م، م س، ص 369-370.
[19] -عبد الحكم فودة، م س، ص 113.
[20] -ينص الفصل 1188 من القانون المدني الفرنسي على ما يلي:
« le contrat s’interprète d’après la commune intention des parties plutôt qu’en s’arrêtant au sens littéral de ses termes.
Lorsque cette intention ne peut être décelée, le contrat s’interprète selon le sens que lui donnerait une personne raisonnable placée dans la même situation ».
[21] -لم نتطرق إلى أشكال التعابير عن الإرادة الأخرى لكونها خارج سياق الموضوع، ومن هذه التعابير نجد الإشارة كالإيماء بالرأسين إلى الأسفل بدلالة على القبول، وهز الكتفين دلالة على الرفض، كما يمكن أن يتم التعبير عنها ضمنيا كالشروع في تنفيذ العقد من قبل من وجه إليه الإيجاب (الفصل 25 من ظ.ل.ع)، والسكوت أيضا إذا تعلق الأمر بمعاملات سابقة بين الطرفين.
-للتوسع أكثر في أشكال التعبير عن الإرادة، أنظر مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، طبعة 1968، ع 197، ص 52.
[22] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع، م س، ص 512.
[23] -عبد الرزاق أحمد السنهوري، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، ج1، نظرية العقد، مطبعة دار الكتب المصرية، طبعة 1934، ص 168-169.
[24] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع المغربي، م س، ص 516.
[25] -عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، م س، ص 680.
[26] -عبد الحكم فودة، م.س، ص 57.
[27] ـ وهذا ما كرسه القضاء المغربي المتمثل في محكمة النقض حين ذهبت في أحد قراراتها إلى أن: “الطبيعة القانونية للعقود رهينة، ليس بالتحديد الصادر عن الأطراف، وإنما بالطبيعة المستخلصة من بنودها، لذلك فإن على قاضي الموضوع أن يحدد هذه الطبيعة وان يستخلص من هذا التحديد الآثار القانونية أو الاتفاقية التي تولدها العقود”.
قرار محكمة النقض صادر بتاريخ 4 يناير 1976، أورده: أحمد السكسيوي، تفسير وتكييف عقود الشغل وفق العمل القضائي، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية مغرب القانون www.marocdroit.com، 5 مارس 2015.
[28] -تقابله المادة 1189 من القانون المدني الفرنسي.
[29] -كاترين مارو، مفهوم التحريف في القانون الخاص الفرنسي، ص 181، أشار إليه محمد شيلح، تأويل العقود في قانون الالتزامات والعقود المغربي، م س، ص 404.
[30] -مامون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، م س، ص 238.
[31] -عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، م س، ص 651.
[32] -زين العابدين بن ابراهيم بن نجيم، الأشباه والنظائر، مطبعة دار الفكر دمشق، 1983، ص 216.
[33] -عبد الحكم فودة، م س، ص 113.
[34] -من أهم الاجتهادات الصادرة بخصوص هذه القاعدة، قرار محكمة النقض بتاريخ 30 دجنبر 1998 حيث جاء فيه: “إن المطبوعات ذات الطابع العام، وغير الموقع عليها من الطرفين لا تصمد في الإثبات أمام العقد الخاص المبرم بين الطرفين وغير المنازع فيه”.
-قرار صادر بتاريخ 30 دجنبر 1998، منشور بمجلة المحاكم المغربية، الدار البيضاء، عدد 84 شتنبر-أكتوبر 2000، ص 54 وما يليها.
بخصوص هذه القاعدة أنظر: عزيزة ذكر الله، تفسير العقد في قانون الالتزامات والعقود المغربي-حالاته وقواعده-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2001/2002، ص 78/79.
[35] -محمد شيلح، ـتأويل العقود في ق.ل.ع المغربي، م س، ص 542-543.
[36] -عبد الحكم فودة، م س، ص 105.
[37] -ينص الفصل 487 على ما يلي: “يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا، ولا يسوغ أن يعمد بتعيينه إلى أحد من الغير، كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين…”.
[38] -عزيزة ذكر الله، م س، ص 88.
[39] -يعتبر النظام العام من المفاهيم التي صعب تحديد المقصود بها، لأنه عبارة عن فكرة غير ثابتة تتغير بتغير الزمان والمكان، ولأنها تضيق وتتسع حسب كل حضارة ولا توجد قاعدة ثابتة تحدد مفهوم النظام العام تحديدا مطلقا يتماشى مع كل زمان ومكان.
ومن الفقهاء الذين حاولوا تحديد مفهومه نجد عبد الرزاق أحمد السنهوري، الذي اعتبره شيء نسبي يختلف مفهومه من مجتمع إلى آخر، فمضمونه في مجتمع رأسمالي يختلف عن مضمونه في مجتمع اشتراكي، ومضمونه في مجتمع يعطى فيه للدين مكانة مرموقة يختلف عن مضمونه في المجتمعات التي لا تولي للدين أية أهمية وهكذا…
كما عرفه إدريس العلوي العبدلاوي، بكونه تلك المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية.
-للمزيد من التوسع بخصوص مفهوم النظام العام أنظر: مجاهدين خالد، مفهوم النظام العام في العقد، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق-الدار البيضاء، السنة الجامعية 2004/2005.
وأيضا سكينة الفقير، النظام العام العقدي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2013/2014.
[40] -فالقاضي له صلاحية إثارة النظام العام من تلقاء نفسه دون أن يثيرها أطراف النزاع، وتطرح مخالفة أحد بنود العقد للنظام العام في ركني السبب والمحل، فإذا كانا غير مشروعين مسا بالنظام العام، وبالتالي وجب على القاضي إثارته من تلقاء نفسه.
[41] -محمد شيلح، تأويل العقود في ق.ل.ع المغربي، م س، ص 554.
[42] -عبد الحكم فودة، م س، ص 25.
[43] -أشرنا إلى الغموض الناتج عن التعارض فالإبهام والغلط دون الإشارة إلى النقص لأن هذا الأخير، يتوافق وعملية تكميل العقد التي يمكن أن يقوم بها القاضي، وأوردنا النقص ضمن أسباب الغموض من باب الذكر فقط.
[44]-عزيزة ذكر الله، م س، ص 80.
[45] -عبد الحكم فودة، م س، ص 234-235.
[46] -ينص الفصل 231 من ظ.ل.ع على ما يلي:
“كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية ، وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الانصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته”.
[47] -ينص الفصل 477 من ظ.ل.ع على أن: “حسن النية يفترض دائما مادام العكس لم يثبت”.
[48] -عبد الحكم فودة، م س، ص 126.
[49] -خالد عبد حسين الحديثي، تكميل العقد، مطبعة الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2012،
ص 100.
[50] -من النصوص القانونية التي أوردت هذه المقومات نجد الفصل 39 من ظ.ل.ع الذي ينص على ما يلي: “يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط، أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه”، فالحق في الإبطال جاء لحماية المتعاقد حسن النية.
والإكراه كما عرفه المشرع في الفصل 46 من ظ.ل.ع هو “إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه”.
أما التدليس فقد نص عليه في الفصل 52 من ظ.ل.ع وهو ما يلجأ إليه المتعاقد من الحيل أو الكتمان أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه لدفع الطرف الآخر لإبرام العقد.
فإذا تحققت إحدى هذه العيوب وغيرها كان من استعملها سيء النية، وفي حالة عدم اللجوء إليها كان حسن النية.
[51] -ابتسام جمجمي، مفهوم حسن النية في العقود، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2000/2001،
ص 64.
[52] ـ زينة إد علي، التفسير القضائي لعقد التأمين في ضوء مدونة التأمينات والقانون المقارن، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أكادير، السنة الجامعية 2017-2018، ص 57.
[53] -مريم خليفة، حسن النية في تنفيذ العقد التجاري نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2007/2008،
ص 45-50.
[54] -المختار بن أحمد عطار، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2011، ص 66.
[55] -عبد الحكم فودة، م س، ص 128.
[56] -خالد عبد حسين حديثي، م س، ص 100.
[57] -المختار بن أحمد عطار، م س، ص 66.
[58] -قرار عدد 264 بتاريخ 04/05/1976 عن غرفة الأحوال الشخصية والميراث في ملف عدد 34273 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 127، ص 140 وما يليها.
[59] -عبد الهادي نجار، دور القاضي في تعديل العقد-دراسة مقارنة-، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2009/2010، ص 154.
[60] -عبد الحكم فودة، إنهاء القوة الملزمة للعقد، دراسة تحليلية على ضوء قضاء النقض، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية، 1993، ص 255، أشار إليه عبد الهادي نجار، م س، ص 154.
[61] ـ فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، الطبعة الثانية 1981، ص 620.
[62] ـ للمزيد من التفصيل راجع: بنسالم أوديجا، سلطة القاضي في الإثبات في المادة المدنية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط، الجزء الثاني، السنة الجامعية 2014-2015، ص 80 وما بعدها.
[63] -إدريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، دون ذكر المطبعة وعدد الطبعة، سنة 1990، ص 97.
[64] -أحمد شوقي عبد الرحمان، قواعد التفسير الكاشفة عن النية المشتركة للمتعاقدين ومدى تأثير قواعد الإثبات عليها، المطبعة العربية الحديثة، طبعة 1977، ص 10-11.
[65] -سليمان مرقس، أصول الإثبات في المواد المدنية، الطبعة الأولى، 1978، ص 40.
[66] -فاطمة عاشور، تفسير العقود في القانون المدني والجزائري، رسالة لنيل دبلوم درجة الماجستير في القانون الخاص، جامعة الجزائر، كلية الحقوق بن عنكون، السنة الجامعية 2004، ص 54.
[67] -أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، م س، ص 113-114.
[68] -نور الدين الناصري، دور القاضي في تفسير العقد-دراسة على ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة القانون المدني، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، السنة الجامعية 1998/1999، ص 83.
[69] -قرار صادر بالفرنسية، أشار إليه نور الدين الناصري، م س، ص 83.
[70] ـ لن نتطرق في هذا الموضوع إلى دور العادة الاتفاقية في تأويل العقد لأن دورها شبيه بدور العرف، والاختلاف الذي بينهما يتمثل في أن العادة تختلف عن العرف، بحيث أنها ليست مصدرا من مصادر القاعدة القانونية يمكن اللجوء إليها من طرف القاضي إذا عرض عليه نزاع لم يجد نص قانوني ينظمه.
[71] -عبد الكريم الطالب، العرف في القانون المدني المغربي التأصيل النظري والواقع العرفي، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 1999/2000، ص 14.
[72] -عبد الحكم فودة، تفسير العقد، م س، ص 237.
[73] -عبد الحليم عبد اللطيف القوني، مبدأ حسن النية وأثره في التصرفات في الفقه الإسلامي والقانون المدني المصري والفرنسي، دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 1997، ص 444.
[74] -عزيزة ذكر الله، م س، ص 140.
[75] -فاطمة عاشور، م س، ص 51.
[76] -فاطمة عاشور، م س، نفس الصفحة.
[77] -خالد عبد حسين الحديثي، م س، ص 118/119.
[78] -أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، م س، ص 78.
[79] -خالد عبد حسين الحديثي، م س، ص 120-121.
[80] -أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، م س، ص 140.
[81] -عبد الحكم فودة، تفسير العقد، م س، ص 122.
[82] -أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، م س، ص 140.
[83] -عبد الحكم فودة، تفسير العقد، م س، ص122
منقول