عقد البيع وعقد الكراء
الحمدللهوالصلاةوالسلامعلىرسولالله،وعلىآلهوصحبهومناتبعهداه،أمابعد:
أولا: تعريف العقد وخصائصه:
للعقد عدة تعريفات، جلها من وضع الفقه، وأنسب تعريف هو الذي يعتبر العقد عبارة عن: “اتفاق بين طرفين أو أكثر بهدف إنشاء الالتزام أو نقله أو إنهائه أو تعديله”
وهذا التعريف يستلزم توفر الخصائص التالية:
– ضرورة وجود أكثر من إرادة واحدة، وهذا ما يميز العقد عن التصرفات الإرادية المنفردة (الهبة، الوصية،…)؛
– اقتصار مفهوم العقد على الاتفاقيات التي تهدف إلى إنتاج أثر قانوني.
ثانيا: تعريف العقود المسماة:
العقود المسماة هي العقود التي نظمها المشرع بقواعد قانونية خاصة من خلال تخصيصه باسم معين وتحديد شروطه وآثاره القانونية.
أما العقود غير المسماة فتخضع للقواعد العامة في نظرية العقد وإلى أقرب العقود شبها لها، ولم يخصها المشرع بتنظيم خاص وإنما أفرزتها ضرورات التعامل بين الأفراد، وليس لها اسم تعرف به، لقلة تداولها وضعف شيوعها.
إلا أن عدم تسمية هذه العقود لا يعني أنها لا هوية لها، حيث يتكفل الواقع العملي بإفرازها و تسميتها، مثاله عقد الفندقة وعقد الضيافة و…
والمحكمة ليست ملزمة بالتسمية التي أطلقها طرفا العقد على العقد، أي أن للمحكمة سلطة الوقوف على التسمية الحقيقية للعقد.
وسوف نقتصر في دراستنا على عقدي البيع والكراء.
الباب الأول: عقد البيع:
تولى المشرع المغربي تنظيم عقد البيع في القسم الأول من الكتاب الثاني بمقتضى الفصول من 478 إلى 618.
الفصل الأول: التعريف بعقد البيع:
عرف المشرع المغربي عقد البيع بمقتضى الفصل 478 من ق.ل.ع ” عقد البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للأخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه له”.
ويستنتج من خلال التعريف أعلاه أن عقد البيع عقد ناقل للملكية بمجرد تراضي الطرفين دونما الحاجة إلى الأداء أو التسليم كإجراء مترتب عن العقد.
كما نلاحظ أن تعريف المشرع المغربي واسع من حيث أنه لا يكتفي بنقل ملكية الأشياء فحسب وإنما يشمل نقل الحقوق المالية الأخرى سواء كانت حقوقا مادية أو معنوية ناشئة في المجال الأدبي أو الفني
الفصل الثاني: تمييز عقد البيع عن بعض العقود المشابهة له:
1- البيع والكراء:
إذا كان عقد البيع ينقل الملكية فعقد الكراء لا ينقلها، بل يرتب فقط حقا شخصيا في ذمة المؤجر للعين، باستثناء الكراء الطويل الأمد الذي يرتب حقا عينيا. كما أن الكراء يستلزم أهلية الأداء، على عكس عقد البيع الذي يستلزم أهلية التصرف.
2- البيع والمقايضة:
تشترك المعاوضة مع عقد البيع في كافة عناصره ما عدا عنصر الثمن الذي يقابله البدل في المعاوضة، غير أن هناك حالة المقايضة مع زيادة مبلغ نقدي للطرف الذي حصل التبادل معه، وهكذا إذا كان الفارق المالي في عقد المقايضة أقل من الثمن الأساسي فالعقد معاوضة، و إذا كان الفارق المالي في عقد المعاوضة يفوق قيمة البدل فالعقد بيع.
3- البيع و الهبة:
في البيع يتم نقل الملكية في مقابل نقدي بخلاف الهبة فنقل الملكية فيها يتم بدون مقابل، حيث أن عقد الهبة من العقود التبرعية.
4- البيع والمقاولة:
لا وجه للاتفاق بين العقدين، فالبيع يرد على الملكية، بينما المقاولة ترد على العمل المادي. لكن يقع الخلط بينهما في حالة التزام المقاول بأن يقدم المادة والعمل للطرف الأخر، فهل يكون هذا العقد عقد بيع أم عقد مقاولة؟
المعيار للتفريق بينهما هو تحديد العنصر الغالب، فإذا كانت المادة هي العنصر الغالب فالعقد عقد بيع، وإن كانت المقاولة هي العنصر الغالب فالعقد عقد مقاولة.
5- البيع والوكالة:
البيع من العقود الناقلة للملكية، والوكالة من العقود التي ترد على العمل، وبالتحديد العمل القانوني.
الفصل الثالث: خصائص عقد البيع:
1- عقد رضائي:
يكفيلانعقاد عقد البيع التقاء الإيجاب والقبول، دون الحاجة لإفراغ هذا التراضي في شكل معين. حيث نص الفصل 488 من ق.ل.ع على انه: “يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن والشروط الأخرى”.
على أن المشرع المغربي قد تطلب احترام بعض الشكليات في بعض أنواع البيوع كتلك الواردة على العقار أوالحقوق العينية العقارية أو الأشياء المرهونة رهنا رسميا، حيث اشترط كتابة هذه العقود في محررات ثابتة التاريخ، ولا يكون لها آثر قانوني في مواجهة الغير إلا إذا أفرغت في الشكل المحدد بمقتضى القانون، وذلك حسب ما جاء به الفصل 489 من ق.ل.ع
2- عقد ملزم للجانبين:
فالبائع يلتزم بنقل ملكية المبيع للمشتري، وضمان سلامة هذا الانتقال من العيوب والتعرضات التي تؤثر على الغاية المقصودة من إبرام عقد البيع، أما المشتري فيلتزم بأداء الثمن وفق الطريقة المتفق عليها، كما يتسلم المبيع في الوقت المناسب.
3- عقد ناقل للملكية:
هي أهم خاصية لعقد البيع فهو عقد ينقل الملكية مباشرة للمشتري دون الحاجة للتقيد بأي إجراء آخر شكلي ما عدا في الحالات الاستثنائية التي يتطلب فيها القانون سلوك إشهار أو كتابة رسمية كالحالة المنصوص عليها في الفصل 489 من ق.ل.ع
4- من العقود الرضائية كأصل عام:
ينعقد البيع حسب الفصل 488 من ق.ل.ع بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى.
على أن المشرع المغربي قد تطلب احترام بعض الشكليات في بعض أنواع البيوع كتلك الواردة في الفصل 489 من ق.ل.ع
5- عقد البيع عقد معاوضة:
فطبقا للفصل 487 من ق.ل.ع يأخذ البائع عوضا عن المبيع، وهو الثمن الذي يلتزم المشتري أن يدفعه له في المكان والتاريخ المتفق عليهما، فكل طرف في العقد ملتزم اتجاه الطرق الآخر بالقيام بعمل.
الفصل الرابع: أركان عقد البيع:
المبحث الأول: التراضي على البيع:
البيع عقد رضائي يقوم على توافق الإرادتين على عناصره الجوهرية وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية، وذلك حسب منطوق الفصل 19 من ق.ل.ع
نفس المنحى جاء في الفصل 488 من ق.ل.ع : “يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى”
وحتى يكون الرضا صحيحا، لابد أن يكون الطرفين مكتملا الأهلية، وأن تكون إرادتهما خالية من أي عيب يفسد عملية التعاقد.
ومن الأمور التي يجب حصول الرضا عليها:
المطلب الأول: الأمور أو المسائل الرئيسية:
الفقرة الأولى: طبيعة أو نوع العقد:
فلابد أن تتلاقى الإرادتان على طبيعة العقد، فلو قال شخص لآخر: أبيعك عقاري بألف درهم، فأخذه الأخر على أنه هبة، فلا يقوم عقد البيع.
الفقرة الثانية:الشيء أو الحق المبيع:
وهو المحل الذي يرد عليه البيع، فلو قال شخص لأخر: أبيعك منزلي بفاس، فيقول الآخر: قبلت شراء منزلك بمراكش، فهنا لا ينعقد البيع.
الفقرة الثالثة: الثمن:
فإذا خلا عقد البيع من الثمن فلا يقوم هذا العقد.
المطلب الثاني: الأمور أو المسائل الثانوية:
وهي مكان وزمان التسليم، طريقة الوفاء بالثمن، تحمل مصروفات العقد، وتحمل مصروفات التسليم أو التسلم، فهذه المسائل التفصيلية لا توثر على قيام العقد؛ لأنه يتكفل بتحديدها إما الاتفاق أو قواعد القانون المكملة أو العرف أو قواعد العدالة.
المبحث الثاني: الشيء المبيع:
ويشترط في المبيع أن يكون موجودا أو مستقبلا، معينا أو قابلا للتعيين، وأن يكون قابلا للتعامل فيه.
المطلب الأول: أن يكون المبيع موجودا أو قابلا للوجود:
لا يمكن أن ينعقد البيع إلا إذا كان المبيع موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل. فإذا كان المبيع معدوما أو وهميا، فلا ينعقد العقد، ونفس الحكم يسري في حال وجود المبيع إلا أنه يتعذر تسليمه. وقد يوجد المبيع أثناء التفاوض على البيع، إلا أنه يهلك أو يضيع من صاحبه عند إبرام البيع النهائي، حيث تسري هنا أحكام المبيع غير الموجود أصلا، أي بطلان البيع، إلا أن البطلان يقتصر على الأوضاع التي يكون فيها الهلاك أو الضياع قد حصلا قبل إبرام العقد، أما إذا حصلا بعد الإبرام، فإن الحكم هو القابلية للفسخ وليس البطلان.
ولا يعني شرط وجود المبيع، لزوما إحضاره في مجلس العقد، حيث يكتفي بذكر المواصفات المميزة من طرف المشتري.
ويمكن أن يكون محل البيع أشياء مستقبلية إذا كانت قابلة للوجود في فترة معينة ومعقولة، وقد أجاز المشرع المغربي هذا النوع من البيوع في الفصل 61 من ق.ل.ع
المطلب الثاني: أن يكون المبيع معينا أو قابلا للتعيين:
لأن المبيع يشكل محل التزام البائع، فلا يجوز أن يكون مجهولا، لأن جهالة المبيع بمثابة البيع المعدوم، لذلك وجب تحديده بدقة.
الفقرة الأولى: شرط التعيينفي بيع الشيء القيمي:
إن الشيء القيمي هو الذي ليس له مقابل في السوق، كالقطع الأرضية أو اللوحات الفنية، حيث يلزم أن يحدد المتعاقدان مواصفاته بدقة، كالحدود والمساحة الإجمالية للبقعة الأرضية.
الفقرة الثانية: شرط التعيين في بيع الأشياء المثلية:
يمكن تحديد الأشياء المثلية بالنوع أو الوزن أو المقياس أو العدد أو الصنف.
الفقرة الثالثة: شرط التعيين في البيع الجزافي:
عرف المشرع المغربي البيع الجزافي في الفصل 490/2 من ق.ل.ع: “البيع الجزافي هو الذي يرد بثمن واحد على جملة أشياء، دون أن يعتبر عددها أو وزنها أو قياسها إلا لأجل تعيين ثمن المجموع”. حيث يتم تعيين المبيع بطريقة إجمالية في شكل صفقة غير قابلة للتجزئة، ومثاله الاتفاق على شراء غلة أو محصول زراعي بثمن إجمالي، ويكتفي بتعيين جنس المبيع ونطاقه.
وقد يرد البيع الجزافي على الأشياء المثلية أو القيمية أو هما معا.
المطلب الثالث: أن يكون المبيع من الأشياء الجائز التعامل بها:
يعتبر البيع تاما إذا ما انصب على أشياء تدخل في دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها، وذلك مالم يوجد نص قانوني يقضي بغير ذلك.
وهكذا يحظر التعامل في الأشياء التي يكون محلها مستحيلا بطبيعته أو بحكم القانون وكذلك يبطل الالتزام المرتبط بها، كبيع الشمس أو الهواء.
ويمنع أيضا بيع الأشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية كالخمر والخنزير.
ويلزم التأكيد على أن عدم الصلاحية للتعامل يرجع إلى عدم المشروعية المقررة إما بمقتضى القانون أو لمخالفة النظام العام والآداب، والتحريم يكون لعلة تحقيق المصلحة العامة، أما إذا اقتصر الأمر على مصلحة خاصة، فإن المنع لايكون مطلقا، بل يظل مصيره بيد من له الحق فيه، من ذلك ما قرره المشرع المغربي في:
الفقرة الأولى: بيع ملك الغير:
يشترط في البائع أن يكون مالكا للشيء المبيع، رغم أن المشرع المغربي أجاز أن يبيع البائع ملك غيره في الفصل 485 من ق.ل.ع: ” يقع بيع ملك الغير صحيحا:
-إذا أقره المالك؛
– إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء المبيع.
وإذا رفض المالك الإقرار، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع، وزيادة على ذلك يلتزم البائع بالتعويض إذا كان المشتري يجهل عند البيع أن الشيء مملوك للغير.
ولا يجوز إطلاقا للبائع أن يتمسك ببطلان البيع بحجة أن الشيء مملوك للغير.”
الفقرة الثانية: بيع المريض مرض موته:
ينص الفصل 479 من ق.ل.ع على أن: “البيع المعقود من مريض في مرض موته تطبق عليه أحكام الفصل 344 إذا جرى لأحد ورثته قصد محاباته، كما إذا بيع له شيء بثمن يقل بكثير عن قيمته الحقيقية أو اشترى منه شيئا بثمن يجاوز قيمته “.
أما البيع المعقود من المريض مرض موته لغير وارث، فتطبق عليه أحكام الفصل 345 من ق.ل.ع
أولا: البيع المعقود من المريض مرض موته لأحد ورثته:
يأخذ هذا البيع حكم الإبراء المعقود من مريض مرض موته بشروط وهي:
– أن يقصد من هذا البيع محاباة الوارث وتفضيله على باقي الورثة، وأن يقل ثمن بيع المبيع عن قيمته الحقيقية؛
-أن يتولى إقرار هذا البيع من قبل الورثة، أي أن يرتضوه في حقهم.
ثانيا: البيع المعقود من مريض مرض موته لشخص أجنبي عن الورثة:
إذا وقع البيع لشخص أجنبي عن الورثة، فالحكم الذي يسري عليه هو حكم الإبراء الحاصل لغير الورثة، وهذا الإبراء يكون صحيحا في حدود ثلث ما تبقى من تركة المورث بعد سداد ديونه ومصرفات جنازته، فإن كان الفارق بين الثمن وقيمة الشيء الحقيقية يزيد عن ثلث التركة، فإنه يكون نافذا في حدود الثلث لاغير، وعلى المشتري أن يرد ما زاد عن الثلث.
المبحث الثالث: الثمن:
الثمن عنصر أساسي في عقد البيع، تثار حوله إشكالات قانونية من حيث وجوده وتحديده و وجديته.
المطلب الأول: يجب أن يكون الثمن مبلغا من النقود:
المتعارف عليه قانونا هو أن الثمن يكون نقدا أي مبلغا من النقود، فلو كان العقد بضاعة مقابل أخرى لكان العقد عندئذ معاوضة، لكن لو كان الثمن محددا في مبلغ نقدي وكان الدفع بالسلع أو البضائع فالعقد يكون بيعا، وقد يكون بعض الثمن من النقود والبعض الآخر مالا غير نقدي عندئذ ينظر إلى العنصر الغالب فيه.
المطلب الثاني: جدية الثمن:
يكون الثمن مستحقا فعلا في حالة ما إذا كان متناسبا مع قيمة المبيع حسب السعر المتداول في السوق، بحيث لا يكون تافها أو بخسا، وأن يكون حقيقيا. وإذا اتفق المتعاقدان على أن الثمن المذكور لن يكون واجب الأداء فإن العقد ليس بيعا بل هبة لتخلف شرط شكلي هو شرط الثمن.
المطلب الثالث: قابلية الثمن للتحديد:
ينص الفصل 487 من ق.ل.ع على أنه: “يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا، ولا يسوغ أن يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير، كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن الثمن معروفا من المتعاقدين”، ومع ذلك يجوز الركون إلى الثمن المحدد في قائمة أسعار السوق، فيفترض في المتعاقدين أنهما ركنا إلى متوسط الأسعار الذي تجري به الصفقات. فإذا لم يعين المتعاقدان مقدار الثمن، فإن العقد لا يكون بيعا.
الفصل الخامس: آثار البيع:
يعتبر عقد البيع من العقود الملزمة للجانبين، فهو يرتب التزامات معينة على عاتق البائع، تقابلها التزامات أخرى تقع على عاتق المشتري والتي يتعين على كلا الطرفين احترامها.
المبحث الأول: التزامات البائع
المطلب الأول: الالتزام بنقل الملكية:
ينص الفصل 491 من ق.ل.ع على أنه: “يكسب المشتري بقوة القانون ملكية الشيء المبيع بمجرد تمام العقد بتراضي طرفيه”.
يستفاد من هذا النص أن المشرع المغربي يؤكد على خاصية نقل الملكية التي يتميز بها عقد البيع، فملكية الشيء المبيع تنتقل إلى المشتري بمجرد إبرام البيع، حيث يصبح مالكا له بقوة القانون.
ويختلف نقل الملكية باختلاف طبيعة المبيع:
الفقرة الأولى: نقل الملكية في المبيع المعين بالنوع:
المبيع المعين بالنوع هو المعروف بين الناس بالعد والكيل والوزن والقياس، ويتم نقل الملكية في هذا النوع بالإفراز، ويتم الإفراز بالطريقة التي تتفق مع طبيعة المبيع (فالحبوب بالكيل، والقماش بالقياس). وتنتقل الملكية بمجرد الإفراز، حتى لو لم يتسلم المشتري الشيء المبيع. والبائع هو الملتزم بنقل الملكية، وبالتالي هو الملتزم بالإفراز، ويكون ذلك على نفقته الخاصة، ما لم يتفق على خلاف ذلك.
الفقرة الثانية: نقل الملكية في المبيع المعين بالذات:
المبيع المعين بالذات هو الذي يحمل في ذاته عناصر تميزه عن الغير. وتنتقل الملكية في المبيع المعين بذاته بقوة القانون فور التعاقد وبتوافر شرطين:
– أن يكون المبيع معينا بذاته، لأن الملكية لا ترد إلا على شيء معين بالذات؛
– أن يكون المبيع مملوكا للبائع.
واستثناء على هذه القاعدة:
– المبيع غير الموجود وقت البيع؛
– الاتفاق على تأجيل نقل الملكية.
ويستفاد من الفصل 489 من ق.ل.ع أن القانون يعلق نقل ملكية العقار أو الحقوق العقارية أو الأشياء التي يمكن رهنها رهنا رسميا على احترام الشروط الشكلية وهي الكتابة ثم التسجيل.
إضافة إلى ما سبق يمكن اعتبار اتفاق المتعاقدين على تأجيل انتقال الملكية بمثابة استثناء من القاعدة العامة، وذلك إما بسبب عدم توفر المشتري على الثمن كاملا، أو أن الاتفاق يكون قد تم على كيفية السداد بأقساط إلى حين سداد كل الثمن.
وعموما فإن هذه الاستثناءات لا تمنع بمجرد تراضي الطرفين من ترتيب انتقال الملكية وإلى جانبه آثار فرعية أخرى تتمثل في:
1- بمجرد تمام عقد البيع يجوز للمشتري أن يقوم بتفويت المبيع حتى قبل أن يحصل عليه بتسليمه له من طرف البائع.
2- يمكن للبائع أن يحيل الثمن – ولو لم يتسلمه بعد من طرف المشتري – على شخص آخر، ما لم يتفق المتعاقدان على خلاف ذلك، أو كان المبيع عبارة عن مواد غذائية منع القانون الإحالة فيها بين المسلمين.
3-انعقاد البيع يعطي للمشتري الحق في التصرف في الشيء ولو قبل تسلمه، وهذا يرتب تحمل المشتري لمصاريف حفظ وصيانة المبيع وجني ثماره، وكذلك تحمله للضرائب المفروضة عليه، إضافة إلى تحمله تبعة هلاك المبيع قبل التسليم، وغيرها من الأعباء والتحملات ما لم يشترط غير ذلك. ويستثنى من ذلك إذا كان المبيع مما يقاس أو يتم قياسه بالكيل أو العدد، او أن البيع يكون على شرط التجربة أو على شرط المذاق، أو على أساس مجرد الوصف، حيث يظل البائع متحملا لتبعة هلاك المبيع ما دام لم يتم قياسه أو عده أو تجربته أو مذاقه أو فحصه، ولم تتم الموافقة عليه من طرف المشتري أو من ينوب عنه، وإن كان المبيع بحوزة المشتري.
ينضاف إلى ذلك حالة هلاك المبيع وهو ما زال في حوزة البائع، حيث يتحمل هذا الأخير تبعة هلاك المبيع إلى أن يتسلمه المشتري. ثم حالة بيع الثمار على الأشجار ومنتجات البساتين والمحصولات قبل جنيها، حيث يتحمل البائع هلاك المبيع إلى تمام نضجه ولو قبل حصول التسليم ما لم يتفق على خلافه.
المطلب الثاني: الالتزام بتسليم المبيع:
بناء على مقتضيات الفصل 499 من ق.ل.ع، فإن البائع ملزم بالتخلي عن المبيع ورفع يده عنه لحساب المشتري حتى يتمكن من حيازته حيازة هادئة، بل إن مجرد إعلام البائع المشتري بأن المبيع تحت تصرفه يعني أن التسليم قد تم.
الفقرة الأولى: طرق التسليم:
يجب على البائع تسليم العين المبيعة:
– إذا كان المبيع شيئا معينا بالذات، وجب تسليمه بذاته ولا يصح للبائع أن يستعيض عنه بشيء آخر إلا إذا ارتضاه المشتري.
– إذا كان المبيع شيئا معينا بنوعه، وجب على البائع أن يسلم شيئا من نفس النوع وبنفس المقدار ومن نفس الصنف، فإن لم يكن الصنف محددا فيجب تسليم المبيع من صنف متوسط.
التسليم إما أنه مادي فعلي، أو تسليم حكمي.
أولا:التسليم الفعلي:
يكون التسليم فعليا حسب الفصل 499 من ق.ل.ع، بوضع المبيع تحت يد وتصرف المشتري الذي يتمكن من حيازته والانتفاع به دون مشاكل، وإعلامه أن المبيع قد وضع تحت تصرفه بأية طريقة كانت كتابيا أو شفويا أو أية وسيلة أخرى يستفاد منها أن التسليم قد تم.
وتختلف طرق التسليم الفعلي بدوره باختلاف ما لو تعلق الأمر بعقار أو بمنقول أو بمجرد حق من الحقوق المجردة.
– فتسليم العقارات يتم بتخليتها أو إخلائها من طرف البائع.
– أما بالنسبة لتسليم المنقولات، فإنه يتم عن طريق المناولة أي من يد إلى يد، كما قد يتم عن طريق تسليم مفاتيح الدار أو مفاتيح المخزن أو أي مكان آخر يوجد به هذا المنقول.
– وإذا كان المبيع عبارة عن حق مجرد كحق المرور مثلا، فإن تسليمه يتم عن طريق وضعه تحت تصرف المشتري وذلك بتسليم السندات التي تثبت وجوده، أو بالسماح للمشتري باستعماله مع وضع يده بدون أية عوائق إذا كان استعماله هذا الحق يقتضي حيازة شيء معين.
ثانيا: التسليم الحكمي:
وهو التسليم الذي يتم بمجرد اتفاق بين البائع والمشتري يتم بمقتضاه تسليم المبيع، وليس تسليما ماديا يتمثل في المناولة اليدوية أو إخلاء العقار.
والتسليم الحكمي يكون في حالة ما إذا كان المبيع في حيازة المشتري، وذلك قبل أن يتم البيع، بأن كان مكتريا له أو مرهونا عنده أو مستعيرا له، ثم يقع البيع فيصبح عندئذ المشتري حائزا للمبيع حيازة مادية.
كما يكون التسليم حكميا، وذلك في حالة بقاء المبيع في حيازة البائع عند البيع، ولكن ليس كمالك له وإنما كمستأجر أو مستعير أو مودع عنده.
الفقرة الثانية: مكان وزمان التسليم:
مكان التسليم هو المكان الذي يوجد به الشيء المبيع عند البيع، إلا استثناء وذلك عند اتفاق البائع والمشتري على مكان غير المكان الذي يوجد به الشيء المبيع.
أما بالنسبة لزمان التسليم، فيتم التسليم وفقا للفصل 504 من ق.ل.ع، مباشرة بعد اتفاق المتعاقدين على كل المقتضيات والشروط اللازمة لتمام البيع.
على أن الأمر يختلف متى كانت طبيعة الشيء المبيع تقتضي وقتا من الزمن لتسليمه كما لو كانت بضائع أو سلع يتطلب صنعها مدة من الزمن حيث يجب أن يكون وقت التسليم هو وقت انتهاء الصنع.
ومثاله بيع العقار في طور الإنجاز، الذي عرفه المشرع المغربي في الفصل 618/1 من قانون الالتزامات والعقود: “يعتبر العقار في طور الإنجاز كل اتفاق يلتزم بمقتضاه البائع بإنجاز عقار داخل أجل محدد، كما يلتزم فيه المشترك بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال”.حيث أنه لا يقع التسليم إلا بعد انتهاء الأشغال والقيام بتحرير عقد بيع نهائي في محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان.
وكذلك إذا استقر العرف على ألا يكون التسليم فورا، على أن الأمر يختلف إذا ما اتفق المتعاقدين على غير ذلك ما دام أن المقتضيات ليست من النظام العام.
الفقرة الثالثة: نفقات التسليم:
اعتبارا لكون تسليم المبيع التزام في ذمة البائع ويقابله التزام المشتري بتسليم الثمن، فإن مصروفات التسليم تكون على البائع ومصروفات التسلم تكون على المشتري، ومثال تلك المصروفات التوثيق والتسجيل والتمبروالتغليف والنقل؛ على أن هاته المقتضيات ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على مخالفتها.
الفقرة الرابعة: ملحقات المبيع عند التسليم:
التزام البائع بالتسليم يشمل إضافة إلى الشيء المبيع توابعه أو ملحقاته، حيث أن التسليم لا يقتصر على المبيع فحسب، بل يشمل أيضا ثماره ومنتجاته وزوائده سواء كانت طبيعية أو معدنية ما لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين يقضي بخلاف ذلك. ويلتزم البائع بالمحافظة على المبيع وعلى توابعه إلى حين وقت التسليم، فإذا هلك أو أصابه تلف بسبب خطأ البائع فإنه يتحمل تبعة هلاكه.
وبناء على ما سبق، فالبائع ملزم بتسليم الشيء المبيع على النحو الذي قدمناه، وإذا ما أخل أو خالف هذه المقتضيات يسأل إما بفسخ العقد أو إنقاص الثمن، ويلزم على المشتري رفع الدعوى خلال سنة من تاريخ العقد أو من تاريخ تسليم المبيع.
الفقرة الخامسة: ضمان حق البائع في الحصول على الثمن:
إن امتناع البائع على تسليم الشيء المبيع، أو تسليمه في غير المكان المتفق عليه، أو الزمان المحدد له – كأن يتأخر في تسليمه – أو تسليمه للمبيع في غير الحالة التي كان عليها عند الاتفاق، يعطي للمشتري الحق في إجبار البائع على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. كما يمكن للمشتري أيضا أن يطالب بفسخ عقد البيع مادام أن البائع لم يوف بالالتزامات الملقاة على عاتقه، أو أن يمتنع عن تنفيذ التزامه بأداء الثمن إلى حين تسلم المبيع.
وإذا كان المشرع قد مكن المشتري من هذه الوسائل القانونية لضمان حقه في الحصول على المبيع، فإنه بالمقابل، وفقا لما جاء به الفصل 505 من ق.ل.ع، أعطى الحق للبائع في حبس الشيء المبيع وعدم تسليمه للمشتري إلى حين حصوله على الثمن، شريطة أن يكون البيع قد انعقد على عدة أشياء مرة واحدة.
المطلب الثالث: الالتزام بضمان التعرض والاستحقاق:
يقتضي التزام البائع بنقل ملكية الشيء المبيع – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – نقل حيازة هذا المبيع حيازة هادئة تمكن المشتري من الانتفاع به دون مشاكل، أي خالية من أي تعرض سواء من طرف البائع نفسه أو من طرف الغير.
الفقرة الأولى: ضمان التعرض الشخصي الصادر عن البائع:
أولا:التعرض المادي:
التعرض المادي هو حرمان المشتري من الانتفاع بالمبيع دون الاستناد إلى حق يدعيه وإنما إلى القوة والبطش.
لقيام ضمان تعرض البائع يجب أن يصدر من هذا الأخير عمل من شأنه أن يحول دون انتفاع المشتري بالمبيع كليا أو جزئيا، وعليه، فإن ضمان التعرض لا يقوم إلا إذا كان هنالك تعرض فعلا، بأن يمتنع البائع عن تسليم المبيع دون مبرر، أو أن يهدد المشتري بأنه سيحرمه من بعض أو كل المزايا التي له الحق في الحصول عليها.
أما إذا لم يتحقق هذا التعرض فعلا، بأن كان مجرد احتمال، مثال ذلك أن يخبر البائع المشتري بأنه سيمنعه من الانتفاع بالمبيع، أو سينقص من مزاياه ولا ينفد هذه التهديدات، فالأمر لا يتعلق بتعرض يقتضي الاحتجاج على البائع بضمانه.
وهكذا يكون التعرض ماديا عندما يمنع البائع المشتري من الانتفاع بالمبيع، وذلك بقيامه بأعمال مادية، ومثال ذلك، أن ينافس البائع المشتري بفتحه لمحل تجاري مجاور للمحل التجاري الذي باعه له ومن نفس النوع، وفي هذا منافسة غير مشروعة، وهو عمل يمنع المشتري من التمتع بمزايا هذا المحل.
ثانيا:التعرض القانوني:
التعرض القانوني يقصد به الفعل الذي يستند إلى ادعاء حق ما يتعارض مع حق المشتري.
حيث يمكن أن يقوم التعرض المادي بقيام البائع بتصرفات قانونية تتمثل في بيعه لنفس العقار مرة ثانية لمشتري ثاني، أو بادعائه حقا لنفسه على المبيع، كأن يبيع شخص عقارا لا يملكه ثم تؤول إليه ملكيته بالشراء أو الوصية أو أي سبب آخر فيقوم هو بمطالبة المشتري بالاستحقاق، فمثل هذا الإدعاء باطل.
التعرض المبني على الاستحقاق يكون عندما يدعي الغير ملكية الشيء المبيع ويرفع دعوى الاستحقاق على المشتري، وبالتالي في حالة استحقاق الغير للشيء المبيع، يرجع المشتري على البائع لضمان الاستحقاق ويرفع عليه دعــوى ضمان الاستحقاق.
ولقد أكدت الفقرة الأولى من الفصل 535 من ق.ل.ع على أن:
“استحقاق جزء معين من المبيع كاستحقاقه كله، إذا بلغ هذا الجزء بالنسبة إلى الباقي من الأهمية بحيث أن المشتري ما كان ليشتري بدون ذلك الجزء.”
إلا أنه يشترط أن يقوم المشتري بإعلام البائع بدعوى الاستحقاق المرفوعة ضده على الشيء المبيع، بحيث إذا لم يقم بذلك رغم تنبيه المحكمة له بأنه عند استمراره في الدعوى بمفرده دون اللجوء إلى البائع فإن حقه في الرجوع على هذا الأخير يضيع.
الفقرة الثانية: ضمان البائع لتعرض الغير:
أولا: الأصل هو الضمان:
البائع يضمن التعرض المادي سواء أكان منه شخصيا أو كان واقعا من أحد ممن هم تحت رقابته. كما يضمن التعرض القانوني الصادر منه، إلا أنه لا يضمن التعرض القانوني الصادر من الغير إلا بالشروط التالية:
– أن يكون التعرض تعرضا قانونيا؛
-أن يكون التعرض سابقا على البيع أو تاليا له، ولكن بسبب يرجع إلى البائع؛
-أن يكون التعرض واقعا فعلا وحالا وليس وشيك الوقوع أو محتملا.
ثانيا:الاستثناء عدم الضمان:
يعفى البائع من الضمان ولا يلتزم بذلك:
– إذا أخطر المشتري بوجود حق ارتفاق خفي على المبيع؛
– إذا كان الحق ظاهرا أو توجد علامات ظاهرة تدل على وجوده.
وعموما فإن الاستحقاق لا يقوم إلا في حالات معينة حددها المشرع في الفصل 534/2 من ق.ل.ع:
“يكون الاستحقاق واقعا ضد المشتري في الحالات التالية:
1- إذا حرم المشتري من حوز الشيء كله أو بعضه؛
2- إذا كان المبيع في حوز الغير ولم يتمكن المشتري من استرداده منه؛
3- إذا اضطر المشتري لتحمل خسارة من أجل افتكاك المبيع.”
الفقرة الثالثة:الآثار القانونية للتعرض والاستحقاق:
من خلال ما سبق يمكننا القول بأن للمشتري الحق في الرجوع على البائع بضمان الاستحقاق وذلك بإعلامه بالدعوى المرفوعة ضده لمطالبته بالوقوف إلى جانبه للدفاع عن حقه في المبيع الذي اشتراه منه. فإذا نجح البائع في رد تعرض الغير فإنه يكون قد وفى بالتزامه بضمان التعرض والاستحقاق الملقى على عاتقه من جراء إبرام البيع، أما إذا لم ينجح في ذلك وجب عليه ضمان حق المشتري وتعويضه عما أصابه من ضياع للشيء المبيع كله أو جزء منه. وعندئذ يحق للمشتري مطالبة البائع بما يلي:
أولا: في الاستحقاق الكلي:بالثمن ومصروفات العقد، بالمصروفات القضائية التي أنفقها على دعوى الضمان، وبالخسائر المترتبة مباشرة عن الاستحقاق، وذلك طبقا لما جاء به الفصل 538 من ق.ل.ع
ويقتضي الفصل 541 من ق.ل.ع أن يتحمل البائع المدلس، بزيادة قيمة المبيع، دخول هذه القيمة ضمن مبلغ التعويض.
ثانيا: في الاستحقاق الجزئي: يكون للمشتري خيار بين فسخ البيع واسترداد كل الثمن، لكن إذا لم يبلغ الاستحقاق الجزئي من الأهمية الحد الكافي لتبرير الفسخ يبقى للمشتري الحق في إنقاص الثمن بالقدر المستحق.
ثالثا: الضمان والتبعة:للبائع إعفاء نفسه من الضمان كشرط يضعه في العقد، لكن لا يعفى إلا من التعويض، أما رد الثمن ونفقات العقد فتبقى على ذمته، وذلك طبقا لما جاء به الفصل 540 من ق.ل.ع
غير أن البائع يلزمه الضمان والتعويض في آن واحد إذا تأسس الاستحقاق على فعله الشخصي أو على قيامه بالتدليس كأن يعرف سبب الاستحقاق ولم يصرح به، وذلك طبقا لما جاء به الفصل 544 من ق.ل.ع
لكن إذا كان المشتري عالما بالاستحقاق فإن البائع يعفى من التعويض، ولا يتحمل إلا تبعة الاستحقاق دون الضمان وهي أن يرد الثمن أو يتحمل إنقاصه، وذلك طبقا لما جاء به الفصل 545 من ق.ل.ع
رابعا: إعفاء البائع من الضمان:يكمن إعفاء البائع من الضمان في حالات حصرية ذكرت في الفصل546من ق.ل.ع:
“لا يلتزم البائع بأي ضمان أصلا:
– إذا وقع انتزاع المبيع بالإكراه أو نتيجة قوة قاهرة؛
– إذا حصل الانتزاع بفعل السلطة، ما لم يكن فعلها مبنيا على حق سابق ثابت لها يخولها العمل على احترامه، أو على فعل يعزى للبائع؛
– إذا حصل للمشتري عرقلة في التصرف، نتيجة تعد من الغير، بدون أن يدعي أي حق على العين المبيعة.”
ولا يتحمل البائع الضمان ولا يسأل عنه، أيضا، إذا تسبب المشتري بخطأ منه في حصول الاستحقاق، في ما إذا ترك مدة التقادم الباديء قبل البيع تتم ضده، أو كما إذا تسبب في الاستحقاق بفعله الشخصي، وذلك وفق الفصل 545 من ق.ل.ع
المطلب الرابع: ضمان عيوب الشيء المبيع:
الأصل أن البائع ملزم ليس فقط بنقل ملكية الشيء المبيع، بل أيضا بتمكينه من حيازته حيازة هادئة ومفيدة تمكنه من الاستفادة منه، وتستجيب للأغراض التي أعد لها، وأيضا الأهداف التي كانت دافعا وراء شراءه. وهكذا فظهور عيب خفي ومؤثر في هذا المبيع، من شأنه أن يعيق استعماله، أو أن يجعله غير صالح للاستعمال، مما يجعل البائع هنا مخلا بالتزامه بضمان انتفاع المشتري بالمبيع، ويعطي لهذا الأخير الحق في رفع دعوى ضمان العيوب الخفية.
الفقرة الأولى: شروط العيوب الموجبة للضمان:
يشترط المشرع في العيب لكي يكون موجبا للضمان، الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يكون العيب قديما:
العيب القديم حسب مقتضيات الفصل 552 من ق.ل.ع، هو العيب الذي يكون موجودا بالمبيع عند البيع متى كان المبيع معينا بالذات، أو موجودا بالمبيع في وقت التسليم إذا كان المبيع غير معين بالذات. فمتى اتضح أن تاريخ وجود العيب بالمبيع كان قبل انتقال الملكية عد من العيوب الواجب على البائع ضمانها، أما إذا اتضح أن العيب أصاب المبيع بعد انتقال الملكية، فلا يعد عيبا واجب الضمان، وإنما يظل غير مضمون ويتحمله المشتري وليس البائع.
الشرط الثاني: أن يكون العيب مؤثرا:
العيب المؤثر والموجب للضمان، هو العيب الذي ينقص من قيمة المبيع نقصا محسوسا، أو يجعله غير صالح للاستعمال بحسب الغرض الذي أعد له.
وعكس العيب المؤثر، هنالك العيب الذي لا يؤثر في المبيع، أي العيب الموجود لكنه لا ينقص من قيمة المبيع ولا من إمكانية وصلاحية استعماله نقصانا كبيرا، بل يكون نقصانا يسيرا. فهدا البيع لا يخول المشتري مطالبة البائع بضمانه، وهو ما أكدته الفقرة الأولى من الفصل 549 من ق.ل.ع
على أنه لا يلزم أن تكون الصفات والمنافع التي يتميز بها المبيع هي الصفات والمنافع المألوفة عادة بالنسبة لهذا المبيع، لكن يمكن للمشتري أن يشترط على البائع منافع ومزايا أخرى يلتزم هذا الأخير بتحقيقها للمشتري، وعدم توفر هذه الصفات في المبيع عند التسليم يعتبر عيبا مؤثرا ويعطي للمشتري الحق في طلب الضمان، وهذا ما أكدته الفقرة الثانية من الفصل 594 من ق.ل.ع
إضافة إلى ما سبق، فإن الفصل 549 من ق.ل.ع يقضي بعدم ضمان البائع العيوب التي جرى العرف على التسامح فيها، فقد يكون العيب مؤثرا في المبيع لكن العرف لا يعتبره كذلك وهو بهذا لا يعد عيبا موجبا للضمان، غير أنه إذا كان العرف المحلي يلزم البائع بضمان العيب الخفي وجب العمل بمقتضياته لأنه أخص من العرف العام.
الشرط الثالث: أن يكون العيب خفيا:
لا يكفي أن يكون العيب مؤثرا أو قديما لطلب المشتري من البائع ضمان العيب، بل يجب إضافة إلى ذلك أن يكون هذا العيب خفيا، والمقصود بالعيب الخفي، هو العيب غير الظاهر والذي لا يمكن أن يتبينه المشتري عند فحصه للمبيع وبذله في ذلك عناية الرجل العادي.
وهكذا فإن البائع لا يضمن العيب الظاهر الذي يكون بإمكان المشتري أن يكشفه عند تسلمه للمبيع. فبناء على الفصل 469 من ق.ل.ع يخرج من نطاق العيب الخفي كل عيب كان بإمكان المشتري أن يعرفه، أما إذا لم يكن ملما به، أو لا يستطيع أن يعلم به فإنه يعتبر عيبا خفيا يلتزم البائع بضمانه. ويدخل في حكم العيب الخفي أيضا، كل عيب صرح البائع بعدم وجوده وكان بإمكان المشتري – لولا التصريح – أن يتعرف عليه ويكتشفه بسهولة.
على أن البائع لا يضمن العيب الخفي إذا كان ظاهرا بحيث يسهل اكتشافه من طرف المشتري، أو إذا لم يكن ظاهرا ولكن البائع صرح به فرضي به المشتري.
لكن ما هي المعايير الممكن اعتمادها للتمييز بين العيب الخفي الموجب للضمان، والعيب غير الخفي المسقط للضمان؟
يجب التمييز بين:
1-المعيار الشخصي: أشار المشرع المغربي إلى هذا المعيار ضمن مقتضيات الفصل 553 من ق.ل.ع حين أعطى للمشتري الحق في فحص المبيع فور تسلمه حتى يمكنه من التعرف على العيب بالفحص العادي، وهذا النوع من الفحص لا يتأتى إلاّ للرجل العادي، وعليه، فإذا كان العيب ظاهرا، وتمكن المشتري من التعرف عليه، فلا ضمان على البائع، أما إذا تطلب الفحص خبرة خاصة، فإن العيب يكون آنذاك خفيا وواجب الضمان. وهذا المعيار الأكثر تطبيقا.
2-المعيار الموضوعي:إذا وضعنا المشتري العادي في نفس الظروف، هل يمكنه التعرف على العيب أم لا؟ إذا كان الجواب بنعم وأمكنه أن يتعرف على العيب، فلا ضمان على البائع. أما إذا وضع في نفس الظروف ولم يتمكن من التعرف على العيب، فإن العيب يكون آنذاك خفيا وواجب الضمان.
الفقرة الثانية: دعوى ضمان العيوب الخفية:
يكون للمشتري الحق في الرجوع على البائع ومطالبته بضمان العيوب التي بالمبيع، وذلك متى توفرت الشروط السالفة الذكر والمتمثلة في وجوب أن يكون العيب قديما ومؤثرا وخفيا.
يوجب المشرع، من خلال مقتضيات نص الفصل 553 من ق.ل.ع، على المشتري عند تسلمه الشيء المبيع، وبعد فحصه، أن يقوم بإخطار البائع بكل العيوب التي يكتشفهافي المبيع، وذلك في غضون سبعة أيام منذ التسليم إذا تعلق الأمر بأشياء منقولة. ومضي هذه المدة دون أن يعلم المشتري البائع بالعيب الذي اكتشفه في المبيع ينبني عليه اعتبار المشتري قابلا له بالحالة التي عليها، أي بعيوبه الموجودة به.
أما إذا كان العيب مما لايمكن كشفه إلا عن طريق فحص فني غير عادي فإن المشتري في هذه الحالة ملزم بإعلام البائع فور اكتشافه، أي بمجرد ظهوره، وإن لم يقم بذلك اعتبر قابلا للشيء المبيع رغم العيب الذي به.
نفس الشيء بالنسبة للمشتري الذي لم يتمكن من فحص المبيع لسبب خارج عن إرادته.
وقد اشترط المشرع المغربي إضافة إلى ما سبق، أن يتم إثبات العيب عند اكتشافه من طرف المشتري بواسطة السلطة القضائية أو بواسطة خبراء متخصصين في ذلك بحضور البائع أو نائبه الموجود بعين المكان. ويبقى للمشتري الحق في إثبات حالة المبيع، وأن به عيبا وذلك بكافة وسائل الإثبات.
أما إذا خيف على المبيع أن يصيبه تلف، ولم يكن للبائع نائب بعين المكان، التزم المشتري بصيانته، وإذا اقتضى الأمر أكثر من ذلك قام ببيعه وذلك بحضور ممثل عن السلطة المختصة في مكان وجوده مع إخطار البائع بذلك (الفصل 554)
خلاصة القول، وذلك حسب ما نص عليه الفصل 556 من ق.ل.ع، أنه إذا ثبت وجود عيب خفي بالمبيع كان للمشتري الحق إما في طلب فسخ البيع، وإما بالاحتفاظ بالمبيع مع إنقاص الثمن بما يتناسب مع قيمته الحقيقية.
أولا: حق المشتري في فسخ البيع:
يستفاد من الفقرة الأولى من الفصل 556 من ق.ل.ع أنه في حالة ثبوت عيب في الشيء المبيع وتمكن المشتري من القيام بكل الإجراءات اللازمة لإثبات ذلك، حق له أن يطلب فسخ البيع الذي يجمع بينه وبين البائع متى كان هذا العيب ينقص من قيمة المبيع، أي متى كان عيبا جسيما ينقص من المبيع نقصا محسوسا، أو يجعله غير صالح للاستعمال فيما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد.
وهكذا إذا تقرر الفسخ، استرد البائع المبيع المشوب بالعيب وذلك بالحالة التي كان عليها عند إبرام العقد، وأيضا استرد توابعه وما زاد عليه واندمج فيه الحكم بالفسخ، وزيادة على الثمار السابقة على هذا التاريخ إلا إذا كانت هذه الثمار غير معقودة عند البيع، فإن المشتري يمتلكها ولا يردها إذا كان قد جناها.
في حين يسترد المشتري الثمن الذي أداه للبائع ومصروفات العقد، ومصروفات الزراعة والري والثمار التي ردها للبائع، إضافة إلى التعويض عن الخسارة التي لحقته من جراء شراء المبيع.
أما إذا كان المبيع من الأشياء التي لا يضرها التقسيم، كان للمشتري الحق في طلب الفسخ الجزئي، وذلك بالنسبة للجزء المعيب من هذه الأشياء وبقاء العقد قائما بالنسبة للأشياء الأخرى غير المعيبة، في حين إذا كانت الأشياء لا تقبل التقسيم فإن إصابة بعضها بالعيب يجعل العقد قابلا للفسخ الكلي وذلك وفقا لأحكام الفصل 558 من ق.ل.ع
ثانيا: حق المشتري في إنقاص الثمن:
يسقط حق المشتري في طلب فسخ البيع، حيث يكون من حقه طلب إنقاص الثمن، وذلك إذا كان العيب غير جسيم بحيث لو علم به المشتري ساعة التسليم لاشترى المبيع ولكن بثمن أقل، أو إذا كان المبيع قد تعيب بسبب خطأ المشتري أو بسبب خطأ الأشخاص الذين يسأل عنهم، أو إذا استعمل هذا الشيء استعمالا من شأنه أن ينقص من قيمته بشكل محسوس، إضافة إلى استعماله قبل أن يكتشف العيب الذي به.
ونص الفصل 563 من ق.ل.ع على أنه: “إذ هلك الشيء المبيع بسبب العيب الذي كان يشوبه أو بحادث فجائي ناتج عن هذا العيب، كان هلاكه على البائع فيلتزم برد الثمن ويلتزم أيضا بالتعويضات إذا كان سيء النية”.
على أن حق المشتري في طلب الفسخ أو إنقاص الثمن يسقط في حالة ما إذا هلك المبيع بسبب حادث فجائي، أو خطأ المشتري أو خطأ أحد الأشخاص الذين يسأل عنهم أو إذا سرق منه الشيء المبيع أو اختلس منه، أو إذا قام بتغيير الشيء المبيع على نحو يلتزم معه برد الثمن وأيضا بالتعويضات إذا كان سيء النية.
ويسقط التزام البائع بضمان العيوب الخفية في الحالات التالية:
1+ إذا صرح بوجود هذه العيوب في المبيع أو بخلوه من الصفات المتطلبة فيه؛
2+ إذا اشترط عدم مسؤوليته عن أي ضمان.
إلا أنه يبقى من حق المشتري رفع دعوى ضمان العيوب الخفية أو دعوى خلو المبيع من الصفات الموعود بها وإن كان بإمكانه أن يكتشفها أو أن يعرفها بسهولة وذلك متى صرح البائع بعدم وجودها.
وتسقط دعوى ضمان العيوب الخفية حسب مقتضيات الفصل 573 من ق.ل.ع، بمرور مدة 365 يوما بعد التسليم بالنسبة للعقارات، ومدة شهر بالنسبة للمنقولات والحيوانات.
المبحث الثاني: التزامات المشتري:
يلتزم المشتري بموجب عقد البيع بالتزامات ثلاثة وهي:
المطلب الأول: الالتزام بأداء الثمن:
يعد التزام المشتري بأداء الثمن الالتزام المقابل لالتزام البائع بنقل ملكية الشيء المبيع، فدفع الثمن من طرف المشتري لن يتم إلا بانتقال ملكية المبيع المتفق عليه من طرف البائع
يدفع البائع الثمن بالكيفية والطريقة المحددة في العقد، وفي الزمان والمكان المتفق عليهما؛ لكن إذا سكت العقد عن تحديد كيفية الوفاء بالثمن فإن ذلك يتم فورا، وهذا ما يقضي به الفصل 577 من ق.ل.ع
إلا أن الأمر يختلف متى وجد عرف يقضي بغير ذلك أو يبين طريقة وكيفية أداء الثمن من طرف المشتري للبائع عند سكوت العقد حيث يتعين اتباع حكم العرف وهذا ما يبينه الفصل 578 من ق.ل.ع
وهكذا، متى أصبح الثمن مستحق الأداء حسب اتفاق المتعاقدين أو بمقتضى القانون، كان من حق البائع الحصول عليه مقابل تسليمه للمبيع، إلا أنه يجوز للمشتري حبس الثمن وعدم أدائه للبائع وإن كان مستحق الأداء، وذلك إذا امتنع البائع عن تسليم البائع بأن تعرض للمشتري ومنعه من الانتفاع بمزايا هذا الشيء المبيع، أو عند وجود أسباب استجدت يخشى معها من وقوع التعرض ضده، أو وجد بالمبيع عيب يوجب الضمان.
على أنه يشترط للقيام بحبس الثمن عن البائع في الحالات السابقة الذكر، ألا يكون هناك اتفاق بين المتبايعين يقضي بعدم السماح للمشتري بحبس الثمن لسبب من هذه الأسباب، وذلك لأن ضمانة حبس الثمن ليست من النظام العام، وبالتالي يجوز للمتعاقدين الاتفاق على مخالفتها، وهذا ما أكده الفصل 583/3 من ق.ل.ع
إذا أخل المشتري بالتزامه الوفاء بالثمن جاز للبائع أن يلزمه بالتنفيذ الجبري، كما يمكنه أن ينفد على المبيع بعد أن أصبح في ملك المشتري، وله عليه حق الامتياز بحيث يتقدم على سائر دائنيه، كما يمكن فسخ البيع الذي يجمعه بالمشتري، وهذه الإمكانيات تعتبر بمثابة ضمانات يستفيد منها البائع إذا ما أخل المشتري بالتزامه بأداء الثمن المفروض عليه.
المطلب الثاني: الالتزام بتسلم المبيع:
قد أشار المشرع من خلال نص الفصل 580 من ق.ل.ع إلى الأحكام الواجب إتباعها لتسلم المشتري المبيع، بحيث أن زمان تسلم المبيع وكذلك مكانه هما عادة نفس مكان وزمان تسليم المبيع للبائع، فإذا اتفق كل من المتبايعين على حصول التسليم في مكان وزمان معينين وجب احترام هذا الاتفاق وتنفيذه، وفي حالة سكوت العقد على تحديد الزمان والمكان الذين ستتم فيهما التسليم وجب إتباع العرف، وعند سكوت العرف أيضا يقع التسليم فور إبرام البيع.
وعموما يلتزم المشتري بتسلم المبيع، وفي حالة عدم تنفيذه لهذا الالتزام بأن لم يتقدم في المكان والزمان المحددين اعتبر مخلا بالتزامه وجرت عليه أحكام الدائن المماطل المشار إليها في الفصل من 270 إلى 274 من ق.ل.ع، حيث يتحمل تبعة هلاك المبيع مع واجب تحمله لمصروفات الصيانة والمحافظة عليه.
المطلب الثالث: الالتزام بأداء نفقات تسليم المبيع:
عملا بمقتضيات الفصلين 509 و511 من ق.ل.ع فإن نفقات تسليم المبيع تقع عادة على البائع الذي يتحمل مصروفات نقل المبيع إلى موضع تسليمه والرسوم المستحقة على البضائع المستوردة وغيرها، أما نفقات تسلم المبيع فهي التي تقع على المشتري الذي يلتزم بمصروفات رفع المبيع ونقله من مكان تسلمه إلى مكان خزنه، وأيضا مصروفات التوثيق والتسجيل ومصروفات التمبر اللازمة لرسم الشراء، إضافة إلى مصروفات التسليم بحق المرور والمكوس والضرائب الجمركية.
هذا، وتقع هذه المصروفات على عاتق المشتري ما لم يقض الاتفاق أو العرف بخلاف ذلك، فإذا اتضح أن العرف يقضي بخلاف ما سبق بيانه وجب إتباعه، وأيضا إذا اتفق أطراف عقد البيع على جعل النفقات متساوية أو تحميلها لأحدهما دون الآخر لزم احترام هذا الاتفاق، وذلك لأن مقتضيات الفصول السابقة الذكر ليست من النظام العام حيث يجوز مخالفتها.
الباب الثاني: عقد الكراء:
مقدمة:
أولا: تعريف عقد الكراء:
يعتبر عقد الكراء من أهم العقود المسماة بعد البيع، نظرا لكثرة تداوله بين الناس والتعامل بشأنه، بحيث بواسطته يتمكن الملاك من استغلال واستعمال ما لديهم من ممتلكات، ويمكن في نفس الوقت الغير من الانتفاع بهذه الممتلكات أيضا.
وقد عرف المشرع المغربي عقد الكراء في الفصل 627 من ق.ل.ع بأنه: “عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر بدفعها له”.
ثانيا: خصائص عقد الكراء:
يمكن أن نستخلص من خلال التعريف الذي أورده المشرع المغربي لعقد الكراء خصائص متعددة أهمها ما يلي:
1- الكراء عقد رضائي:
كان يكفي لانعقاد الكراء توافق الإيجاب والقبول بين المكري والمكتري، باستثناء الفصل 629 من ق.ل.ع الذي يشترط الكتابة إذا كان محل الكراء عقارات أو حقوق عقارية، لكن بدخول القانون 76.12 أصبحت الكتابة إلزامية.
2- الكراء عقد ملزم للجانبين:
إذ أن المكري ملزم بتمكين المكتري من الانتفاع بالعين المكتراة والمكتري ملزم بنفس المدة بالوفاء بالأجرة.
3- الكراء من عقود المعاوضة:
أي أن كل طرف من أطراف العقد يلتزم بأن يؤِدي عوضا عما يأخذه.
4- الكراء عقد يرد على المنفعة:
وهو لا يرتب إلا حقا شخصيا لفائدة المكتري مؤداه الانتفاع المؤقت مع واجب رد الشيء على حالته عند انتهاء الكراء.
5- الكراء من عقود المدة:
فهو منته بانقضاء المدة التي ابرم لها بقوة القانون، وهو عقد دوري التنفيذ يلزم طرفيه بالتزامات معينة ضمن فترة زمنية معينة.
6- الكراء من أعمال الإدارة:
حيث لا يشترط لانعقاده أهلية التصرف، وإنما انعقاده يتم بتوافر المتعاقدين على أهلية الإدارة التي تقوم لكل شخص سليم العقل وإن قل عمره عن السن القانوني للتصرف.
ثالثا: آثار عقد الكراء:
1- التزامات المكري:
أ- الالتزام بتسليم العين المكراة:
حيث ينص الفصل 636 من ق.ل.ع على أن “تسليم الشيء المكترى ينظم بمقتضى الأحكام المقررة لتسليم الشيء المبيع”
ب- الالتزام بالصيانة:
– الإصلاحات الكبرى: هي الإصلاحات الضرورية للحفاظ على العين المكتراة وجعلها صالحة للاستعمال.
– الإصلاحات المستعجلة: هذه الإصلاحات في حقيقة الأمر من حقوق فإن قام بها فإنه للحفاظ على العين المكراة من التهدم أو لتفادي خطر يتهددها، ولكن للمكري أن يجبر المكتري على تمكينه من القيام بها شريطة أن تكون هذه الإصلاحات مستعجلة ولا تتحمل التأخير إلى نهاية عقد الكراء. والتزام المكري بالإصلاح والصيانة واجب عليه، ويجوز للمكتري رفع دعوى أمام القضاء لإجباره على الوفاء بالتزامه بالصيانة.
ج- الالتزام بالضمان:
ينص الفصل 643 من ق.ل.ع على أن: “الضمان الذي يلتزم به المكري للمكتري يرد على أمرين:
أولا: الانتفاع بالشيء المكترى وحيازته بلا معارض؛
ثانيا: استحقاق الشيء والعيوب التي تشوبه.
ويثبت هذا الضمان بقوة القانون، وإن لم يشترط، ولا يحول حسن نية المكري دون قيامه”.
2- التزامات المكتري:
يلتزم المكتري بمقتضى الفصل 663 من ق.ل.ع بثلاثة التزامات أساسية:
– الالتزام بدفع الوجيبة الكرائية؛
-الحفاظ على العين المكتراة واستعمالهادون إفراط أو إساءة وفقا لإعدادها الطبيعي أو لما خصصت بمقتضى العقد؛
– رد العين المكتراة عند انتهاء العقد.
عقد الكراء التجاري منظم بظهير 25 ماي 1955، أما عقد الكراء السكني والمهني منظم بمقتضى القانون 67.12، وسوف نقتصر على دراسة القانون 67.12.
القواعد الخاصة: القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني:
الفقرة الأولى: نطاق التطبيق:
تنص المادة الأولى من القانون 67.12 على أنه: “تطبق مقتضيات هذا القانون على أكرية المحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني مؤثثة أو غير مؤثثة، التي تفوق مدة كرائها ثلاثين يوما، وكذا مرافقها من أقبية ومرائب وأسطح وساحات وحدائق والتي لا تخضع لتشريع خاص”.
الفقرة الثانية: الأركان الشكلية لعقد الكراء:
أولا: الكتابة:
يبرم عقد الكراء وجوبا بمحرر ثابت التاريخ، ويتضمن هذا العقد، حسب مقتضيات المادة 3 من القانون 67.12، البيانات التالية:
-الاسم الشخصي والعائلي للمكري والمكتري، المهنة، الموطن، ووثيقة إثبات الهوية؛
-الاسم الكامل والمقر الاجتماعي، إذا كان المكري أو المكتري شخصا معنويا، وعند الاقتضاء جميع المعلومات المتعلقة بالممثل القانوني؛
-تحديد المحلات المكتراة والمرافق التابعة لها والغرض المخصص لها وكذا التجهيزات المعدة للاستعمال الخاص من طرف المكتري وحده؛
– بيان مبلغ الوجيبة الكرائية المتفق عليها ودورية أدائها؛
– طبيعة التكاليف الكرائية التي يتحملها المكتري؛
– الوسيلة المتفق عليها لأداء الوجيبة والتكاليف الكرائية؛
– الالتزامات الخاصة التي يتحملها كل طرف.
ثانيا: إعداد بيان وصفي:
من خلال مقتضيات المادة 7 من القانون 67.12 يجب إعداد بيان وصفي لحالة المحل موضوع الكراء وقت تسلم المحل ووقت استرجاعه، ويكون هذا البيان مرفقا بالعقد.
ويعتبر هذا البيان الوصفي وسيلة لتفادي النزاعات بين المتعاقدين.
وحسب مقتضيات المادة 5 من القانون 67.12، يجب على المكري أن يقوم بتسليم المحل والمرافق التابعة له والتجهيزات المذكورة في عقد الكراء للمكتري، بالإضافة إلى أن المحل المعد للسكنى، يجب أن يتوفر على المواصفات الضرورية من حيث الأجزاء المكونة له وشروط التهوية والمطبخ ودورة المياه والكهرباء والماء.
ثالثا: الصيانة والإصلاحات:
يراد بالإصلاحات، وفقا للمادة 19، أشغال الصيانة المألوفة والإصلاحات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال الطبيعي للمحلات.
تشمل هذه الإصلاحات، والمذكورة في المادة 19، وهي على سبيل المثال:
– الأجزاء الخارجية المخصصة للاستعمال الخاص للمكتري كالأبواب والنوافذ والألواح الزجاجية والأقفال؛
– الأجزاء الداخلية كالتجهيزات الكهربائية وأشغال التبليط والصباغة والحدادة والستائر والشبابيك؛
-إصلاح أوتغيير صنابير الماء والتجهيزات الصحية بالمحل المكترى.
وتتم هذه الإصلاحات على نفقة المكتري ولا يلزم بها المكري إلا إذا كان مكلفا بها بموجب العقد، وذلك عندما يكون بين المكري والمكتري اتفاق حول إصلاحات يتحملها المكتري.
بالإضافة إلى أنه، وفي غياب المواصفات المذكورة بالمادة 5، يمكن للأطراف، قبل تسلم المحل المكترى وإعداد البيان الوصفي، الاتفاق كتابة على الأشغال التي يمكن للمكتري القيام بها وكيفية خصم مصاريفها من الوجيبة الكرائية، ويمكن أن يكون هذا الاتفاق مؤرخا وموقعا من الطرفين ومصادقا على توقيعهما لدى الجهات المختصة.
الفقرة الثانية: استيفاء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابع لها:
يعتبر أداء الوجيبة الكرائية من أهم الالتزامات التي تقع على المكتري، فبمجرد حلول الأجل ولم يقم المكتري بأداء وجيبة الكراء، يمكن للمكري اللجوء إلى القضاء، وأن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية الإذن له بتوجيه إنذار بالأداء إلى المكتري.
ولا يقبل طلب المكري إلا إذا كانت العلاقة الكرائية بين الطرفين ثابتة بموجب محرر كتابي ثابت التاريخ أو حكم نهائي يحدد الوجيبة الكرائية بينهما.
ويحدد الإنذار أجلا لا يقل عن 15 يوما من تاريخ تبليغ الإنذار لتسديد المكتري ما عليه من المبالغ غير المؤداة.
ويجب أن يتضمن الإنذار تحت طائلة عدم القبول:
– الأسماء الشخصية والعائلية للأطراف؛
– عنوان المكري؛
– عنوان المحل المخصص للكراء، وعند الاقتضاء موطن أو محل إقامة المكتري؛
– مبلغ وجيبة الكراء والتكاليف التابعة لها المطالب بها؛
– المدة المستحقة؛
– مجموع ما بذمة المكتري.
وفي حالة عدم الأداء الكلي أو الجزئي للمبالغ المستحقة والمحددة في الإنذار، يمكن للمكري أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية المصادقة على الإنذار والأمر بالأداء (المادة 26).
يصدر رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، أمرا بالمصادقة على الإنذار مع الأمر بالأداء، يضمن بنفس الطلب في أجل 48 ساعة من تاريخ تسجيل الطلب، اعتمادا على محضر التبليغ والوثائق والبيانات المذكورة في المادة 22 وما يليها.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس المحكمة ليس ملزما بالاستجابة للطلب، وبالتالي يحق للمكري أن يرفع النزاع أمام المحكمة الابتدائية، والمطالبة باستيفاء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها طبقا للقواعد العامة.
وفي حالة قبول الطلب، يمكن للمكتري أن يرفع النزاع أمام المحكمة الابتدائية طبقا للقواعد العامة.
وإذا ثبت أن المكري قد توصل بمستحقاته، ومع ذلك واصل بسوء نية مسطرة المصادقة على الإنذار، يحق للمكتري آنذاك المطالبة بالحكم له بتعويض عن الضرر يتراوح بين مقابل وجيبة كراء شهرين وستة أشهر، وذلك بصرف النظر عن المتابعات الجنائية ضد المكري عند الاقتضاء.
وإذا لم امتنع المكتري عن أداء الوجيبة الكرائية، رغم التوصل بالإنذار وحكم المحكمة عليه بالأداء، يخضع للفصل 542 من م.ق.ج
الفقرة الثالثة: مراجعة الوجيبة الكرائية:
تعد الوجيبة الكرائية من بين أهم البيانات المضمنة بعقد الكراء، وهذا لايمنع أن تكون قابلة للمراجعة. ويحق للمكري والمكتري الاتفاق على شروط مراجعة الوجيبة الكرائية ونسبة الرفع من قيمتها أو تخفيضها (المادة 31). لكن لا يجوز الاتفاق على رفع مبلغ الوجيبة الكرائية خلال مدة تقل عن 3 سنوات تبتدئمن تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ آخر مراجعة قضائية أو اتفاقية، أو الاتفاق على زيادة تتعدى النسب المقررة في المادة 34 من القانون 67.12: “تحدد نسبة الزيادة في الوجيبة الكرائية في 8 بالمائة بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى، و10 بالمائة بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال المهني. وأي اتفاق يخالف هذه المقتضيات يعتبر كأن لم يكن ويبقى العقد صحيحا.
إلا أنه يمكن للمحكمة أن تحدد نسبة الزيادة في مبلغ الوجيبة الكرائية، بما لها من سلطة تقديرية، ودون التقيد بالنسبتين المذكورتين في المادة 34، إذا كان مبلغ قيمة الوجيبة الكرائية لا يتجاوز 400 درهم شهريا على ألا تتعدى نسبة الزيادة المحكوم بها 50 بالمائة.
وفي حالة لم يقع اتفاق بين الطرفين على شروط مراجعة الوجيبة الكرائية ونسبة الرفع من قيمتها، أمكن مراجعتها بعد مرور كل ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ الاتفاق على الوجيبة أو من تاريخ مراجعتها بين الأطراف مباشرة أو من التاريخ الذي حددته المحكمة لآخر مراجعة، وذلك طبقا للنسب المقررة في المادة 34.
وتنص المادة 36 من القانون 67.12 على أنه:”يمكن للمكتري المطالبة بتخفيض مبلغ الوجيبة الكرائية إذا طرأت ظروف أثرت على استعمال المحل للغرض الذي اكتري من أجله.”
الفقرة الرابعة: تولية الكراء والتخلي عنه:
يمكن للمكتري تولية الكراء أي كراء العين المكتراة لمكتري ثاني، ويسمى المكتري الثاني بالمكتري من الباطن أو المكتري الفرعي، ويدعى الكراء بالكراء من الباطن أو الكراء الفرعي. ويمكن للمكتري التخلي عن حقه في الكراء ليحل محله شخص آخر.
القواعد العامة لا تجيز التولية أو التخلي إلا بموافقة المالك.لكن ووفقا لما نصت عليه المادة 39 من القانون 67.12، يمنع على المكتري تولية المحل المعد للسكنى أو التخلي عنه بدون موافقة المكري في محرر كتابي ثابت التاريخ ما لم يتم التنصيص على خلاف ذلك في عقد الكراء. ويجب أن تشمل الموافقة الكتابية عند التولية مبلغ الوجيبة الكرائية الجديدة، وكذا التكاليف الكرائية عند الاقتضاء، وباقي شروط التولية المتفق عليها.
أما بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 40 على أنه لايحق للمكري أن يعترض على التولية أو التخلي إذا ما التزم المتولى له أو المتخلى له باستعمال المحل أو المحلات المكتراة لمزاولة نفس النشاط المهني الذي كان يزاوله المكتري الأصلي، أو لمزاولة نشاط مهني مماثل، شريطة أن لا يترتب عن ذلك إدخال تغييرات على المحل المكترى، أو إحداث تحملات إضافية بالنسبة للمكري أو تغيير طبيعة عقد الكراء.
في حالة التولية أو التخلي بصفة غير قانونية، يعتبر المتولى له أو المتخلى له محتلا للمحل دون حق أو سند، وللمكري في هذه الحالة أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة إصدار أمر بطرده هو والمكتري أو من يقوم مقامهما. ويصبح عقد التولية أو التخلي وكذا عقد الكراء الأصلي بمجرد صدور الأمر القضائي مفسوخين بقوة القانون.
الفقرة الخامسة: إنهاء عقد الكراء:
لا تنتهي عقود كراء المحلات المعدة للاستعمال المهني أو السكني إلا بعد الإشعار بالإفراغ وتصحيحه عند الاقتضاء (المادة44)، أي أن على المكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارا بالإفراغ إلى المكتري يستند على أسباب جدية ومشروعة، والتي جاءتفي المادة 45، وهي:
– استرداد المحل المكترى لسكنه الشخصي، أو لسكن زوجه، أو أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة الأولى، أو المستفيدين – إن وجدوا – من الوصية الواجبة، أو المكفول؛
– ضرورة هدم المحل المكترى وإعادة البناء أو إدخال إصلاحات ضرورية عليه تستوجب الإفراغ؛
– التماطل في الأداء.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد سبب آخر لإنهاء العقد خارج المادة 45، لذلك فنهاية مدة عقد الكراء، في حالة لم يشترط العقد على التجديد، ليس سببا لإنهاء العقد. وذلك ما نصت عليه المادة 48 من القانون 67.12: “لا يمكن للمحكمة أن تصحح الإشعار بالإفراغ إلا للأسباب الواردة في المادة 45.”
يتضمن الإشعار بالإفراغ تحت طائلة البطلان:
– الأسباب التي يستند عليها المكري؛
– شموله مجموع المحل المكترى بكل مرافقه؛
– أجل شهرين على الأقل.
يبتدئ أجل الشهرين من تاريخ التوصل بالإشعار.
إذا استجاب المكتري من تلقاء نفسه، وقام بإفراغ المحل المكترى بعد توصله بالإشعار، فلا إشكال آنذاك. لكنإذا امتنع عن الإفراغ صراحة أو ضمنيا وذلك ببقائه في المحل بعد مضي الأجل المحدد في الإشعار، أمكن للمكري أن يطلب من المحكمة التصريح بتصحيح الإشعار والحكم على المكتري هو ومن يقوم مقامه بالإفراغ.
المقصود بتصحيح الإشعار أي أن المحكمة هي التي تبث في صحة الأسباب المضمنة بالإشعار والتي دعت المالك إلى توجيه هذا الإشعار إلى المكتري.
لا يقبل طلب تصحيح الإشعار بالإفراغ إلا بتوفر الشرطين التاليين:
– أن يكون المحل المطلوب إفراغه ملكا للمكري منذ 18 شهرا على الأقل من تاريخ الإشعار بالإفراغ، على أن للوارث والموصى له والمكفول حق الاستفادة من احتساب المدة التي كان يملكه خلالها المالك السابق؛
– أن يكون المكري أو زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيدون من الوصية الواجبة أو المكفول، لا يشغلون سكنا في ملكيتهم أو كافيا لحاجياتهم العادية.
إلا أنه لا تشترط هذه الشروط إذا عرض المكري على المكتري سكنا مماثلا للمحل المطلوب إفراغه بنفس المواصفات ونفس الوجيبة الكرائية.
ويكون من حق المكتري الرجوع إلى المحل بعد إصلاحه أو إعادة بنائه بالأولوية، بشرط أن يستعمل هذا الحق داخل أجل الشهرين المواليين للإشعار الصادر عن المكري (الفقرة الثانية من المادة 50).ووفقا لما جاء بالفقرة الثالثة من المادة 50، يتعين على المكري إخبار المكتري خلال أجل 15 يوما من تاريخ تسلمه رخصة البناء أو شهادة المطابقة حسب الحالة، وذلك بحسب الكيفيات المشار إليها في الفصول 37 و38 و39 من ق.م.م.
وفي حالة تصحيح الإشعار بالإفراغ، يجب على المكري أن يؤدي للمكتري إضافة إلى صوائر الانتقال المثبتة، تعويضا قيمته وجيبة كراء سنة حسب آخر مبلغ الوجيبة المؤدى من طرف المكتري.
إذا تبين أن الإفراغ من المحل إما تلقائيا تبعا للإشعار بالإفراغ أو تنفيذا للحكم القاضي بالتصحيح، قد تم بناء على سبب غير صحيح أو سبب لم ينفذ من طرف المكتري، يكون للمكتري الحق في أن يطالب المكري بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه نتيجة ذلك لا يقل عن الوجيبة الكرائية لمدة سنة (المادة 52).
يستمر مفعول العقد في حالة وفاة المكتري، لفائدة زوج المتوفى أو فروعه أو أصوله المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيد من الوصية الوجيبة أو المكفول، الذين كانوا تحت كفالته بصفة قانونية ويعيشون معه فعليا عند وفاته. ويتمتعون بحق تولية الكراء أو التخلي عنه (المادة 53).وفي حالة طلاق الزوجين، تستفيد الأم الحاضنة لأطفالها من استمرار مفعول الكراء بنفس الشروط التعاقدية التي تربط مطلقها مع المكري (المادة54).
الفقرة السادسة: فسخ عقد الكراء:
الفسخ يكون غالبافي العقود الملزمة للجانبين، وذلك عندما يخل أحد أطراف العقد بالتزاماته.
يصبح عقد التولية والتخلي وكذا عقد الكراء الأصلي، في حالة التولية أو التخلي بصفة غير قانونية، مفسوخين بقوة القانون بمجرد صدور الأمر القضائي – الذي كان بناء على طلب المكري – القاضي بطرد المتخلى له أو المتولى والمكتري أو من يقوم مقامهما من العين المكراة.
وتنص المادة 55 من القانون 67.12 على أنه يفسخ عقد الكراء بقوة القانون أيضابوفاة المكتري مع مراعاة أحكام المادة 53.
تنص المادة 56 على أنه: “يمكن للمكري أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري ومن يقوم مقامه، دون توجيه أي إشعار بالإفراغ وذلك في الحالات التالية:
– استعمال المحل أو التجهيزات المكتراة في غير ما أعدت له؛
-إدخال تغييرات على المحل المكترى بدون موافقة أو إذن المكري، ويمكن للمكري أن يلزم المكتري عند إفراغه للمحل، في حالة عدم الحصول على الموافقة، أن يرجع الحالة إلى ما كانت عليه أو الاحتفاظ لفائدته بالتغييرات المنجزة دون أن يكون للمكتري حق المطالبة بالتعويض عن المصاريف المؤداة، وفي حالة شكلت التغييرات المنجزة خطرا على المحل أو على اشتغال الأجهزة الموجودة به، يحق للمكري أن يلزم المكتري بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بصفة استعجاليه وعلى نفقته (المادة 15)؛
– إهمال المحل المكترى على نحو يسبب له ضررا كبيرا؛
– عدم أداء الوجيبة الكرائية التي حل أجلها رغم توصله بإنذار الأداء، وهي من الأسباب التي يمكن للمكري أن يستند عليها ليوجه إشعارا بالإفراغ للمكتري رغبة في إنهاء عقد الكراء (المادة 45)؛
-استعمال المكتري المحل المكترى لأغراض غير تلك المتفق عليها في العقد أو المخالفة للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون.
الفقرة السابعة: استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة:
أولا: الاسترجاع من طرف المكري:
1+ متى يكون المحل مهجورا:
يعتبر المحل مهجورا، وفقا لما نصت عليه المادة 57، إذا ظل مغلقا لمدة ستة أشهر عل الأقل بعد:
+ إخلاء المكتري المحل المكترى من جميع منقولاته وأغراضه كليا أو جزئيا؛
+ غياب المكتري عن المحل وعدم تفقده من طرفه شخصيا، أو من طرف من يمثله أو من يقوم مقامه؛
+ وفاة المكتري أو فقدانه للأهلية القانونية وعدم ظهور أي من الأشخاص المستفيدين المنصوص عليهم في المادة 54.
ولا يعتبر المحل مهجورا إذا استمر المكتري في الوفاء بالتزاماته إزاء المكري (المادة 58).
2-مسطرة الاسترجاع:
يقدم طلب استرجاع المحل المهجور إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، مشفوعا بالوثائق التالية:
– العقد أو السند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية؛
-محضر معاينة واقعة إغلاق وهجر المحل وتحديد أمد الإغلاق (المادة 59).
يتم استدعاء المكتري من خلال عنوانه الوارد في عقد الكراء أو في أية وثيقة رسمية صادرة عن المكتري. وفي حالة تعذر الاستدعاء، يستدعى المكتري في عنوان المحل المكترى (المادة 60).
وإذا تعذر استدعاء المكتري شخصيا، لا يبت رئيس المحكمة في الطلب إلا بعد الأمر بإجراء بحث بواسطة الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة (المادة 62).
إذا توصل المكتري بالاستدعاء بصفة شخصية ولم يدلي بأي جواب، يثبت رئيس المحكمة ذلك في طلب استرجاع المحل وفقا لما يقتضيه القانون (المادة 61).
إذا قضى رئيس المحكمة باسترجاع حيازة المحل ينفذ الأمر الصادر عنه على الأصل (المادة 63).
إذا ظهر المكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه أثناء تنفيذ الأمر بالاسترجاع، يقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر إخباري يرفعه حالا إلى رئيس المحكمة أو القاضي المكلف بالتنفيذ الذي له أن يأمر بوقف التنفيذ في غيبة الأطراف.ولا يجوز متابعة المكتري إلا بناء على شكاية من المكري أو من يمثله أو من يقوم مقامه. ويجوز للمحكمة إما تلقائيا أو بناء على طلب من الشخص المشتكي الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه (المادة 66).
وقد نصت المادة 65 من القانون 67.12على أنه: “يقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر وصفي للمنقولات الموجود بالمحل، وتبقى هذه المنقولات في عهدة المكتري إلى حين إتمام إجراءات الفصل 447 من ق.م.م بشأنها”
وبالرجوع إلى الفصل 447 من ق.م.م، فإن الأشياء المنقولة الموجودة بالمحل وقت استرجاع حيازته، تكون من حق المكري إذا كان مدينا للمكتري، وإلا فترد إلى المكتري أو توضع تحت تصرفه خلال أجل ثمانية أيام، فإذا رفض تسلمها بيعت بالمزاد وأودع الثمن الصافي في كتابة الضبط.
ثانيا: الاسترجاع من طرف المكتري:
إذا ظهر المكتري أو ذوي حقوقه المنصوص عليهم في المادة 54، بعد تنفيذ الأمر باسترجاع الحيازة، جاز لمن يعنيه الأمر أن يتقدم بطلب أمام رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه. ولا يقبل الطلب إلا إذا أثبت صاحبه أنه أدى ما كان بذمته من مبالغ كرائية. ولا يقبل الطلب أيضا بعد مرور ستة أشهر على التنفيذ المشار إليه في المادة 65.
إذا استحال تنفيذ الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، جاز للمكتري أو من يمثله أو يقوم مقامه المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام المحكمة المختصة (المادة 69).. bibliotdroit.com