عقوبات الشخص الاعتباري وفق مسودة مشروع القانون الجنائي
نظرا للتزايد الذي عرفه المجتمع في أعداد الاشخاص الاعتبارية، وما تمثله هذه الاخيرة من قوة اجتماعية ضخمة في العصر الحديث، قد ينتج عن أنشطتها إحداث أضرار بالمجتمع، فقد أقرت معظم التشريعات المقارنة المسؤولية الجنائية لهذه الاشخاص متجاوزة بذلك الخلاف القائم بين الفقه في مدى جدارة الاقرار بمسؤولية الشخص الاعتباري من عدمه، وقد كان أول المقرين بهذه المسؤولية التشريعات الأنجلوسكسونية (القانون الانجليزي)، تلاها بعد ذلك تقرير التشريعات اللاتينية لها، كالقانون الفرنسي ونظيره المغربي، فما هي يا ترى قواعد تقرير هذه المسؤولية بالقانون الجنائي المغربي وما هي العقوبات المقررة لزجر هذه الأشخاص وهل حدد المشرع المغربي أنواع الاشخاص المسؤولة جنائيا ؟ وما هو موقع مسودة مشروع القانون الجنائي من كل ذلك؟ أي ما الجديد في هذا المجال؟
لقد أقر المشرع الجنائي المغربي المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري بمقتضى مجموعة القانون الجنائي لسنة 1962 بمقتضى الفصل 127 منها، غير أن صياغة هذا الفصل أثارت مجموعة من التساؤلات والآراء انقسمت بين اتجاهين:
- الاتجاه الأول: يؤكد أن المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري جاءت على سبيل الاستثناء فقط
- الاتجاه الثاني: يرى أن المشرع وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص الاعتباري دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها بالإضافة الى أنه لم يحدد أنواع الاشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا.
وإذا كان الفصل 127 من مجموعة القانون الجنائي يصرح بمسؤولية الشخص الاعتباري، فإنه في حالة ارتكاب الشخص الاعتباري لجناية فإنه يقدم الى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في هذا الفصل ولا يجوز لها الحكم عليه بأية عقوبة غير مذكورة في هذا الفصل.
وتجاوزا لهذا الشنآن في الاراء حاولت السلطة الحكومية من خلال مسودة مشروع القانون الجنائي تجاوز بعض الثغرات، فصرحت من خلال هذه المسودة على مسؤولية الشخص الاعتباري حيث تطبق عليه العقوبات والتدابير الوقائية المقررة في هذا القانون وقرنته في ذلك بالشخص الذاتي،
وهو ما يطرح التساؤل هل حددت المسودة كل من العقوبات الاصلية (خلاف ما عليه الامر في م ق ج) وكذا العقوبات الإضافية وما الجديد في ذلك ؟ تم هل تم تحدد أنواع الاشخاص الاعتبارية المسؤولة جنائيا؟
أولا: العقوبات الأصلية التي تطبق على الشخص الاعتباري
جاءت المسودة بمجموعة من المواد بخصوص العقوبات الاصلية للشخص الاعتباري ( خلاف ما عليه الحال في م ق ج) المادة 18-1 و المادة 18-2 فإذا كانت المادة الاولى قد نصت على أن العقوبة الاصلية التي تطبق على الشخص الاعتباري هي الغرامة، فإن المادة الثانية تكفلت بتوضيح هذه العقوبة والتي تكون في الحالة التي لا ينص القانون على عقوبة خاصة بالشخص المعنوي كما يلي:
- بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد يعاقب عليها الشخص الاعتباري بغرامة من 5.000.000 الى 10.000.000 درهم
- بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت يعاقب الشخص الاعتباري بغرامة من 1.000.000 الى 5.000.000
- بالنسبة للجنح يعاقب عليها الشخص الاعتباري من 100.000 الى 1.000.000 درهم
- إذا تعلق الامر بمخالفة يعاقب الشخص الاعتباري بغرامة ثلاث مرا ت الغرامة المقررة للفعل بالنسبة للشخص الذاتي.
ثانيا: العقوبات الاضافية التي تطبق على الشخص الاعتباري
إذا كان القانون الجنائي قد تناول العقوبات الاضافية للشخص الاعتباري فإن تناوله هذا يعتبر ناقصا بحيت جاء مقتصرا على تلات حالات فقط نص عليها في الفصل 36 من ق ج المتعلق بالعقوبات الاضافية بشكل عام دون تخصيص.
حاولت مسودة مشروع القانون الجنائي تجاوز هذا النقص مميزة بذلك العقوبات الاضافية الواجبة التطبيق على الشخص الذاتي (المادة 36) وكذا العقوبات الاضافية المقررة للشخص الاعتباري (المادة 1-36) كما جاءت المسودة بعقوبات إضافية جديدة تعتبر أكتر ملائمة لطبيعة الشخص الاعتباري وتحقق نوعا من الزجر والإلزام، ومواكبة بذلك التطورات الاقتصادية والاجتماعية، مضاهية باقي التشريعات المقارنة (خاصة القانون الفرنسي) هذه العقوبات الاضافية التي تتمتل في التالي:
- حل الشخص الاعتباري
- الاغلاق النهائي أو المؤقت للمؤسسة أو حجب الموقع الالكتروني الذي استغل في ارتكاب الجريمة
- المنع المؤقت أو النهائي من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي
- المصادرة للأموال والفوائد والمنح والأشياء والأدوات بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي
- المنع النهائي أو المؤقت من المشاركة في الصفقات العمومية
- المنع من الحصول على صيغ الشيكات وإصدارها
- المنع من الحصول على بطاقة الاداء البنكي واستخدامها
- نشر المقرر القضائي الصادر بالإدانة أو تعليقه أو إذاعته بكل الوسائل السمعية البصرية.
وإذا كانت هذه هي العقوبات المقررة، أصلية كانت أو إضافية المطبقة على الشخص الاعتباري فما هي الاشخاص الاعتبارية التي تدخل في نطاق هذه المواد، للقول بمسؤوليتها الجنائية، وبالتالي هل كل الاشخاص الاعتبارية مسؤولة جنائيا سواء تعلق الامر بالأشخاص الاعتبارية الخاصة أو الاشخاص الاعتبارية العامة، بما فيها الدولة والجماعات المحلية والهيئات والمؤسسات العمومية ؟
إذا كانت التشريعات المقارنة، قد أقرت المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية العامة كالقانون الانجليزي الذي بدأ في التسعينات بإدانة بعض البلديات، أو القانون الفرنسي الذي يقر بمسؤولية الاشخاص الاعتبارية، باستتناء الدولة باعتبارها هي صاحبة العقاب، إلا أنه لا تطبق على هذه الاشخاص كل من عقوبة الحل والوضع تحت الرقابة القضائية.
إذا عدنا الى التشريع الجنائي المغربي نجد أن المشرع جاء بصيغة الأشخاص المعنوية بشكل عام ودون تحديد مما يبقى معه الامر محل نقاش، لكن إذا نظرنا الى العقوبات المقررة لهذه الاشخاص نجد أنها تلتصق بشكل أكثر بالأشخاص المعنوية الخاصة خاصة ما يرتبط بالحل.
وقد كان لمسودة مشروع القانون الجنائي اهتمام بهذا النقاش فجعلت الاشخاص الاعتبارية مسؤولة جنائيا باستثناء الدولة، كما أن الجماعات المحلية هي الاخرى تكون غير مسؤولة إلا إذا تعلق الامر بالجرائم المرتكبة أتناء مزاولة أنشطة من شأنها أن تكون موضوع اتفاقية للتدبير المفوض لمرفق عمومي.