عقوبة الإعدام
عقوبة الإعدام، تعني قتل شخص نتيجة ارتكابه جريمة عظمى، كما يُحددها قانون البلد الذي يُحاكم فيه. ويُشترط أن تكون العقوبة واردة في منطوق حكم قضائي يتوج محاكمة عادلة جرت أمام محكمة معترف بها ومشكلة وفق القانون. وإذا اختل أحد الشروط السابقة، فإن عملية الإعدام تدخل في نطاق التصفية الجسدية أو الإعدام خارج القانون.
النشأة
تُعد عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات في التاريخ البشري، إذ توجد لها آثار في تراث الحضارات القديمة مثل حضارة ما بين النهرين والحضارة الإغريقية والفرعونية، وكان الإعدام في تلك المجتمعات -التي لم تعرف دولة القانون- أشبه بالإعدام أو القتل خارج القانون، إذا ما قيست بالمعايير الواجب تحققها في عقوبة الإعدام وفق المعاهدات والمواثيق الدولية في العالم المعاصر.
وفي التراث التشريعي الإسلامي، هناك ذكر وإقرار وتأطير دقيق لعقوبة الإعدام في حالات محددة ووفق شروط معينة، وإن كان التشريع الإسلامي فتح الباب واسعا لتعطيل العقوبة من خلال بدائل منها عفو أولياء الدم، والّدية المسَلمة إلى أهل الضحية.
دعوات الإلغاء
ظلت عقوبة الإعدام راسخة في الغرب منذ القدم. ومع عصر الأنوار أو التنوير، برزت دعوات لإلغائها بوصفها منافية لحق الحياة ولأهمية الإنسان في المجتمع وفي البناء الحضاري.
وجاء عصر الأنوار بمفهوم جديد للإعدام، إذ أطَّر رواده وأبرزهم الفيلسوف الفرنسي مونسكيو وزميله الإنجليزي توماس هوبز عقوبة الإعدام ضمن العقد الاجتماعي الذي يربط أفراد المجتمع وهم ملزمون باحترامه، في حين كان المفهوم السائد بالقرون الوسطى يربط العقوبة بالحق الإلهي وبتطهير المجرم من جرمه روحيا.
ويُرجع بعض المؤرخين نشأة الحركة الإلغائية -التي دعت لإلغاء الإعدام- إلى عام 1757 في فرنسا، حيث خلفت الطريقة التي أُعدم بها شخص حاول اغتيال الملك لويس الـ15 موجة غضبٍ وتنديد عارمة. فقد أُعدم “روبرت فرانسوا داميينه” بطريقة وحشية كانت سائدة حينها، وتقضي بربط أطراف الشخص الأربعة إلى أربعة خيول يندفع كل منها في اتجاه لينشطر الشخص إلى نصفين أو أربعة أرباع.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن الحياة منحة من الله يعطيها للفرد وهو الذي يسلبها منه، ولا يحق للدولة أو غيرها انتزاع حق الحياة منه.
غير أن الظهور الكبير للحركة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام جاء إثر نشر كتاب “جنج وعقوبات” للفيلسوف الإيطالي سيزار بيكاريا ( 1738-1794) حيث قرر أمير منطقة توسكان (عاصمتها فلورنسا) إلغاء عقوبة الإعدام عام 1786 في سابقةٍ من نوعها، ولاحقا بدأت لائحة العقوبات المسببة للإعدام تنحسر بشكل ملحوظ في أوروبا.
وازدهرت الحركة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في القرن الـ19، إذ أقدمت البرتغال على إلغاء الإعدام نهائيا ونُفذت العقوبة آخر مرة عام 1849.
وفي القرن العشرين، تعزز هذا المنحى بعد أن نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) على حق الإنسان في الحياة، إلا أنَّ ديمقراطيات عريقة مثل فرنسا وبريطانيا لم تُلغ عقوبة الإعدام في ثمانينيات القرن العشرين -مع استثناء فترات الحرب- وإن كان تنفيذها في البلدين يعود لفترة الحرب العالمية الثانية.
تراجع الإعدام
مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الـ21، تراجعت عقوبة الإعدام في العالم بشكل واسع، ففي عام 2014 مثلا بلغ عدد الدول التي نفذت عقوبات الإعدام حوالي 22 من أصل 97 دولة تنص قوانينها على الإعدام، ما يؤشر على انحسار العقوبة التي دعا قرارٌ أممي غير ملزم إلى فترة تعليق لتنفيذها عبر العالم عام 2007
وهناك أكثر من 160 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ألغت عقوبة الإعدام أو لا تمارسها. ومع ذلك، ما زال السجناء في عدد من البلدان يواجهون الإعدام.
وتوقفت تركيا عن تنفيذ عقوبة الإعدام منذ عام 1984، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان أكد -في لقاء مع قناة الجزيرة بعد وقوع المحاولة الانقلابية صيف 2016- أن “العالم ليس عبارة عن الاتحاد الأوروبي، وعقوبة الإعدام موجودة في أميركا وروسيا والصين، وإذا قرر الشعب التركي إقرار عقوبة الإعدام فعلى جميع الأطراف المؤمنة بالديمقراطية أن تحترم إرادة الشعب”.
وفي الدول العربية، ما تزال بعض الحكومات تنفذ عقوبة الإعدام، وخاصة العراق ومصر، وكان وزير العدل العراقي قد أعلن في السادس من يوليو/تموز عن تنفيذ 45 حكما بالإعدام منذ بداية عام 2016.
ويوم السبت 19 يونيو/حزيران 2016، أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكاما بالإعدام في القضية المعروفة إعلاميا باسم “التخابر مع قطر” مس اثنين من الصحفيين العاملين بقناة الجزيرة.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية