قراءة في بعض مقتضيات القانون 127.12 في ضوء المادة 6 من الدستور


 الخاميس بوعبيد فاضيلي

  • محام وباحث في قانون الأعمال

إذا كان القانون حسب الفصل 6 من الدستور المغربي هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، فإنه وجب على الجميع من أشخاص ذاتيين أو اعتباريين، الالتزام بمضامينه والامتثال له. وعلى السلطات العمومية توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتضيف المادة نفسها إلى ضرورة دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، وجوب نشرها.

ظهير شريف رقم 1.15.111 صادر في 18 من شوال 1436 (4 أغسطس 2015) بتنفيذ القانون رقم 127.12 المتعلق بتنظيم مهنة محاسب معتمد وبإحداث المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين هذا القانون الذي أتى في الباب العاشر أحكام انتقالية في المواد 102 و103 من القانون المذكور.

ما يهمنا في هذا المداخلة هو ما جاء في فقرتها الأخيرة: “… ليس للقانون أثر رجعي” وهذا ما سنفصله من خلال التعرض لمبدأ عدم رجعية القوانين أولا، ثم الحقوق المكتسبة وعدم الجواز المساس بها ثانيا، وفي الأخير نتعرض الدفع بعدم دستورية كمدخل أساسي لإرجاع الأمور إلى نصابها في إطار النص التشريعي موضوع الدراسة وذلك في فقرات ثلاث.

الفقرة الأولى: مبدأ عدم رجعية القوانين

هو مبدأ أساسي يعدّ من قديم الأصل في حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان، وهذا المبدأ مقرر اليوم في أغلب الشرائع الحديثة، وهو يعني عدم انسحاب القوانين الجديدة على الماضي واقتصارها على حكم المستقبل، أي على حكم ما يقع ابتداء من يوم نفادها، وهذا المبدأ من المبادئ المقدسة.

ويقوم هذا المبدأ على أساس من المنطق، إذ إن القاعدة القانونية هي خطاب موجه إلى الأشخاص يتضمن أمراً أو تكليفاً بسلوك معين، والتكليف أو الأمر لا يتصور توجيهه إلى ما فات، وإنما إلى ما هو آت، فليس من العدل أن يقوم الأفراد بأفعال مباحة ثم يصدر قانون يفرض عقوبة تسري على ما وقع من هذه الأفعال قبل نفاده، أو يبرم الأفراد تصرفات تخولهم حقوقاً معينة وفقاً لأحكام القانون القائم، ثم يصدر تشريع جديد يعدل هذه الأحكام ويسري على ما تم قبله من تصرفات ففي الرجوع بالقاعدة القانونية إلى الماضي خروج إذن عن المدى الزمني لسريانها ـوالذي يبدأ من وقت نفادهاـ

ولا يجوز عدلاً أن يكون تعديل هذه القواعد أو إلغاؤها بقواعد قانونية جديدة فرصةً للمساس بهذه الحقوق والمراكز، أو الانتقاص من تلك الآثار التي ترتبت صحيحة في ظل القواعد القانونية القديمة.

وعلى هذا يكون مبدأ عدم رجعية القانون أساساً في كفالة حريات الأفراد وحقوقهم، وضماناً للثقة في القانون، وتوفيراً للاستقرار والنظام في المجتمع.

الفقرة الثانية: الحقوق المكتسبة وعدم الجواز المساس بها

إن أي نص قانوني يتم إلغاؤه أو تعديله لا يجوز له مطلقا أن يمس بالحقوق المكتسبة، خاصة إذا كان هذا الحق مستجمعا لكل شروطه، وإلا كان أي تصرف أو تعديل فيه مساس بالحق بعد تقريره.

وعليه، فإن رجعية القانون التي تخل بمبدأ احترام الحقوق المكتسبة هي تلك الرجعية التي تمس باستقرار المراكز القانونية التي تكاملت حلقاتها، لكون الحق المؤسس وفق القانون القديم يخضع للحماية الدستورية. ثم إن تلك المراكز تخضع للحماية القانونية التي تضمنها القانون القديم الذي نشأت في ظله تلك المراكز، خاصة وأن البعد الاجتماعي للقانون يستند على عنصرين قانونيين أساسيين هما الدوام والاستمرار. واحترام هذه الحقوق المكتسبة يعد ضمانة حقوقية وقانونية ودستورية لاستقرار المراكز القانونية للأفراد، رغم إمكانية صدور تشريعات جديدة أو إلغاء أخرى قديمة بشرط أن لا تمس بالمراكز القانونية المستجمعة لشروطها.

ذلك أنه يمنع تطبيق القانون الجديد إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بالحقوق المكتسبة في ظل القانون القديم، فالحق المكتسب هو الحق الذي دخل ذمة الشخص نهائياً، بحيث لا يمكن نقضه أو نزعه عنه إلا برضاه، وهو عند آخرين الحق الذي يقوم على سند قانوني.

وإذا كان لمبدأ الرجعية بعض استثناءات يجوز فيها المس بالحقوق المكتسبة، أي تجوز فيها رجعية القوانين الجديدة، كلما تعلق بالقوانين الجنائية الأصلح للمتهم، أو القوانين المتعلقة بالنظام العام أو الآداب، أو القوانين التفسيرية.

بما معناه أن للمشرع الحق في أن ينص على رجعية قانون، وهذا الحق التشريعي مسيج ومضبوط بمبادئ دستورية ومبادئ عامة متفق عليها إنسانيا، فإمكانية التنصيص على الأثر الرجعي لدى المشرع هي إمكانية مقيدة، لكون الرجعية مشروعة إذا أملتها مصلحة اجتماعية ليس فيها ما يخالف المبدأ العام، لكونها لا تمس باستقرار المراكز ولا بالثقة في القانون.

يقصد بالأثر المباشر أن القانون الجديد لا يسري على الحقوق المكتسبة للأشخاص الممارسين أو المخاطبين بهذا النص التشريعي قبل الذي تمت قبل أن يصير نافذا، إذ أن هذه الوقائع يحكمها القانون القديم التي عرضت تحت ظلــه، ولو تم إلغاؤه بالقانون الجديد.

وعليه فإن إرجاع الأمور إلى نصابها لن يتم بشكل تلقائي، بل لن يتم إلا بتدخل تشريعي، أو بصدور حكم عن المحكمة الدستورية يقر بعدم دستورية النص التشريعي ومخالفته لروح الدستور.

الفقرة الثالثة: الدفع بعدم دستورية النص التشريعي مدخل أساسي لإرجاع الأمور إلى نصابها

ينص الفصل 133 من الدستور: “تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل”.

إن هذا الفصل الدستوري، يختزل أهم إجراء قانوني يعطي لسمو الدستور دلالته، وللحريات وللحقوق قدسيتها، ويمنح للمواطنين سلطة فعلية لمراقبة مدى احترام المشرع لسمو الدستور.

الدفع بعدم الدستورية هو ”إجراء يتقدم به المدعي في دعوى موضوعية أمام إحدى المحاكم الموضوعية ويطعن بمقتضاه بعدم دستورية نص أو نصوص قانونية لها ارتباط بالدعوى الرائجة أمام المحاكم المذكورة وفقا للمسطرة القانونية المعمول بها حسب كل تشريع”.

ويعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين مظهر من أهم تجليات ضمان مبدأ المشروعية الدستورية في شتى أصناف القوانين والمراسيم التي تصدرها الدولة، فبموجبه يلزم المشرع على إلغاء أو إعادة النظر في كل تشريع يتعارض مع الدستور ويخرق حقوق وحريات الأفراد، وذلك بإعادة صياغته وفق مبدأ المشروعية التي تضع قيودا لصالح الأفراد والتي لا يمكن لأي دولة ديمقراطية أن تحيد عنها في أعمالها القانونية وتصرفاتها الواقعية.

إن المسطرة الدستورية المحددة في الفصل 133 من الدستور المغربي ليست بشكل دقيق دفعا بعدم الدستورية،-l’exception- الذي يفترض ”أن القاضي العادي المختص بالنظر في الدعوى الأصلية مختص أيضا بالبث في الدعوى الدستورية كما هو الحال في التجربة الأمريكية”. في حين أن الآمر يتعلق بمسالة فرعية préjudicielle تلزم القاضي الذي أثيرت أمامه بالتوقف عن البث في الدعوى الأصلية وانتظار صدور قرار عن القاضي الدستوري المختص في حسم النزاع.

إن المحكمة الدستورية تبث في مسألة الدفع الفرعي وفق منطق ”القضاء العادي” حيث لا تحاكم أي وضعية خاصة، وإنما تبث في علاقة المقتضى التشريعي المعني بالنص الدستوري، مما جعل يجعل من الدعوى الدستورية، دعوى قانونية وليست واقعية مرتبطة بوضعية متغيرة، وبالتالي وجود مسافة بين الدعوى المرفوعة في الموضوع ومراقبة دستورية القوانين، الشيء الذي يبعدها بالتالي جوهريا عن خصائص المراقبة البعدية من خلال محافظتها على قاعدتي التجرد والموضوعية المرتبطتين بالمراقبة القبلية للدستور.

وبالنظر إلى ما تقدم فان مسالة الدفع الفرعي، في الأنموذج المغربي، تحمل أربعة خصائص رئيسية:

– إنها دعوى منفصلة، منذ لحظة إثارتها إلى حين البث فيها من قبل المحكمة الدستورية عن باقي المكونات القانونية للدعوى الأصلية؛

– هي دعوى لا تتعلق بالنظام العام، بل حق للأطراف، ولا يجوز للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه؛

– إنها ليست دعوى رئيسية، فهي دعوى تابعة، وتصبح نزاعا رئيسيا حينما تتم الإحالة على المحكمة الدستورية

– هي دعوى موضوعية وليست شخصية، حيث اللجوء إلى المحكمة الدستورية، يبقي على مراقبة مجردة للنص، باقتصار فحصه لمدى مطابقة المقتضيات التشريعية للدستور دون الحسم في النزاع القائم بين الأطراف.

ولذا فإنه يلزم الحفاظ على هذه المحكمة وعلى اختصاصاتها، والعمل على تنفيذ أحكامها -ولاسيما أحكامها بعدم الدستورية- في مواجهة السلطات العامة في الدولة والكافة من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية إعلاء للشرعية الدستورية وضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم.

منقول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التربية البيئية ودورها في حل قضايا البيئة

التربية البيئية ودورها في حل قضايا البيئة إن المحاولات والجهود التي تبذل في مجال حماية ...