د. مـحمد طارق
- أستاذ القانون بكلية الحقوق المحمدية
يعتبر التقاضي أمام المحاكم التي تنشئها الدولة وتختار قضاتها وتضع القوانين التي تطبقها، الطريق العادي لفض المنازعات التي تقع في المعاملات المدنية والتجارية على السواء، غير أن هذا الطريق وإن كان مأمونا بسبب ما يوفره من ضمانات تكفل سلامة العدالة التي يؤديها، فإنه يتسم بطول الإجراءات وبطئ المساطر، وهو عيب وإن كان من الجائز التغاضي عنه في المعاملات المدنية فإنه غير محتمل في المعاملات التجارية، لما ينتج عنه من إرباك لمخطط التجار وإرهاق لقدراتهم التنافسية، ويعطل حركة الأموال ويفسد برامج تنفيذ التعهدات التجارية.
ومع ما ينتظره المغرب من ضرورة الاندماج في النسيج الاقتصادي العالمي الذي يشهد تحولات اقتصادية واجتماعية متنوعة، وأمام غلبة اقتصاد السوق ونموذج النيوليبرالية لم تعد هناك دولة في منأى عن تحكم السوق في اقتصادها الوطني، وبما بدأ يشهده المغرب من انفتاح على الأسواق الخارجية في طريقه نحو الاندماج في الكونية برفع الحدود الجمركية وإتمام خوصصة المؤسسات العمومية وخفض الضرائب لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار.
أمام هذا أصبحت الحاجة إلى اعتماد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، لما تتصف به من مميزات تمكنها من تجاوز مثالب القضاء العادي، وفي هذا السياق يحضر القانون القــانون رقم 08-05 الخـاص بالتحكيم والوســاطة الاتفـاقية منذ 6 ديسمبر 2007 (بعد 8 سنوات) الذي أصبح مظهرا من مظاهر الفكر القانوني الحديث، وأداة لتنشيط التجارة العالمية باعتباره القضاء الأصيل للعولمة.
وقد جاء القانون رقم 08.05 بهدف وضع إطار قانوني متكامل وفعال لتحكيم الداخلي والدولي و الوساطة الاتفاقية استجابة للتطورات التي يعرفها ميدان المال والأعمال وانسجاما مع المبادئ الدولية للتحكيم. كمحاولة لإعادة النظر في المنظومة القانونية للتحكيم ببلادنا وإعطاء التحكيم التجاري مكانة خاصة تراعي هذه المستجدات وتضمن لمختلف الفاعلين الاقتصاديين الحصول على عدالة في ظروف يطمأن إليها الأطراف، عدالة ترتكز على قواعد مرنة وعلى مبادئ الإنصاف مع مراعاة عادات وأعراف الميدان التجاري المحلية والدولية، ووضع التصورات الكفيلة بتطوير الإطار القانوني للتحكيم تنسجم مع المبادئ الدولية الجديدة وتستفيد من الإصلاحات التي همت القوانين الأجنبية والقوانين الدولية النموذجية وتساير تطلعات الفاعلين الاقتصاديين وضرورة تشجيع الاستثمار.
ثانيا: ملاحظات عامة:
سنتناول الملاحظات العامة في محورين، نخصص المحور الأول مؤشرات حول واقع الوسائل البديلة بعد 8 سنوات، وسنحاول في المحور الثاني تناول تجليات وتمظهرات أزمة تطبيق الوسائل البديلة.
- مؤشرات حول واقع الوسائل البديلة بالمغرب بعد 8 سنوات:
يمكن الوقوف عند 8 مؤشرات ( وهنا امام غياب دراسة علمية ترصد واقع الممارسة، واستعمل مصطلح المؤشرات) حول واقع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات من 2007 إلى اليوم:
المؤشر 1: إنشاء عدد من مراكز التحكيم والوساطة أو التوفيق بكل من ( الدار البيضاء/ الرباط / ومراكش / ومكناس / وجدة والتابعة لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بهذه المدن- مركز وجدة للوساطة والتحكيم الذي تم إحداثه سنة 2008 – بالإضافة إلى المركز الاورو- متوسطي للوساطة والتحكيم بالدار البيضاء، ومركز التحكيم بين الغرف التجارية لاكا دير ولاس بالماس وتنيريفي).
المؤشر 2: تجربة المراكز الجهوية للاستثمار، والتي تتوفر على شباكين الأول للمساعدة على إنشاء المقاولات يعد المخاطب الوحيد بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في إحداث مقاولة، أما الشباك الثاني فيختص بمساعدة المستثمرين وتزويدهم بكل ما يفيدهم من معلومات بشأن الاستثمار الجهوي، بما في ذلك اقتراح الحلول التوافقية لما قد ينشا من منازعات بين المستثمرين والإدارات.
المؤشر 3: خلق ﺍلاﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻌﺎﻡ لمقاولات ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ CGEM خلية للوساطة الاجتماعية بشأن منازعات الشغل، ولخدمات الوساطة بين المقاولات والسلطات العمومية /
المؤشر 4: النظام البنكي الذي أنشأ آلية ( الوساطة البنكية) لحلل منازعات مؤسسات الائتمان مع زبنائها في حدود المبالغ التي لا تتجاوز 100.000 درهم.
المؤشر 5: توقيع سنة 2012 على اتفاقية بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، تنص على خلق آلية للوساطة الاجتماعية في حل نزاعات الشغل.
المؤِشر 6: توجيه وزير العدل سنة 2007 رسالة دورية الى رؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها، والرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف التجارية، والسيدين الرئيسيين الأولين لمحكمتي الاستئناف الإدارية (حول تطبيق مقتضيات الفصل 321 من القانون رقـــــــم 05 . 08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية) / تنظيم وزارة العدل لما مجموعه 5 الندوات والأيام الدراسية حول الوسائل البديلة لتسوية المنازعات/ نشرها لمطوية توضيحية للوسائل البديلة لتسوية المنازعات.
المؤشر 7: توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة والتي نصت تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات (ص 84 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة)، كما تبنت الهيئة العليا أيضا مجموعة من الآليات الإجرائية لتطوير الوسائل البديلة لحل المنازعات (ص 154 من الميثاق وما يليها).
المؤشر 8: تطور في البحث العلمي حول الوسائل البديلة لتسوية المنازعات ( دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية الحقوق سلا / ماستر متخصص في الوسائل البديلة بكلية الحقوق وجدة / المحمدية )، وافقه تطور في حجم الكتابات القانونية و الرسائل الجامعية في الموضوع.
- تجليات أزمة تطبيق القــانون رقم 08-05 الخـاص بالتحكيم والوســاطة الاتفـاقية
- أزمة مراكز التحكيم والوساطة بالمغرب:
- قلة عدد مراكز الوساطة والتحكيم بالمغرب ( لا تتعدى 9 مراكز)؛
- كما أن مراكز الوساطة والتحكيم هي تابعة لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بالمغرب ولا تتوفر على استقلال مادي؛
- أن لوائحها مراكز الوساطة والتحكيم ليست في مستوى اللوائح النموذجية العالمية، التي تلبي رغبات كل المستثمرين على اختلاف انتمائها ومستواها؛
- أن جل قوانين مراكز التوفيق والتحكيم بالمغرب تبقى مجرد حبر على ورق ولا تؤدي الدور المنوط بها لأسباب موضوعية وذاتية.
- أزمة ثقافة الوسائل البديلة لدى النسيج الاقتصادي المغربي:
- أن المقاولة الصغرى والمتوسطة تمثل 95 % من النسيج المقاولاتي بالمغرب، وهذه المقاولات توفر 50 % من مناصب الشغل، و20 % من القيمة المضافة، و30 %من الصادرات، و 50 % من حجم الاستثمارات.
- حسب نتيجة لدراسة ميدانية أنجزت من طرف المركز الدولي للوساطة والتحكيم بطنجة، سنة 2010، توصلت إلى نتيجة مفادها أن ما يقارب 72 % من المقاولات المستجوبة بجهة طنجة تطوان، أكدوا عدم توفرهم على معلومات بشأن الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، وحتى 28 % فالذين يعرفونها لا يتقون بها.
- فالمستثمرون أو العملاء أوالشركات والمقاولات على اختلاف أنواعها ليسوا على دراية كافية بنظام التحكيم ككل، وغير ملمين بكافة قواعده الإجرائية والموضوعية، سواء من الناحية النظرية أو الناحية العملية.
- تجليات مشكل أزمة الثقة على مستوى عدد القضايا المعروضة على التحكيم (المركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط بين 2007 و 2013).
نزاع مالي ( 10 ) نزاع تجاري (02) عقاري (07) تعاقدي (06) اجتماعي (03) …ما مجموعه 28 نزاع
منقول