قراءة في مضامين جمعية الدائنين على ضوء القانون 17-73


     قراءة في مضامين جمعية الدائنين على ضوء القانون 17-73

كما هو معلوم، فالمقاولة تحتاج للقيام بأنشطتها التجارية إلى سيولة والتي قد لا تتوفر دائما، ذلك أنه مهما زاد حجم تعاملات المقاولة فإنها لن تستطيع القيام بكل أنشطتها التجارية بما لديها من أموال.

لذا فهي تلجأ إلى البحث عن قنوات تمويلية أخرى، لعل من أبرزها الائتمان الذي يمكن المقاولات من القيام بأكبر قدر من العمليات التجارية مقابل التزامها بالأداء عند حلول تاريخ الاستحقاق، ومن تم فكتلة الدائنين تعتبر أهم مصدر لتمويل المقاولة والركيزة الأساسية لممارسة أنشطتها التجارية من خلال السيولة التي يوفرونها.

تاريخيا، فإن النظم القانونية أقرت حماية مهمة وترسانة تشريعية للدائنين من خلال آليات حمائية وكان ذلك مند عهد الرومان، غير أنه بالنسبة للمغرب فقد كان أول نظام هو نظام الإفلاس سنة 1913 الذي كان يحمي الدائنين بشكل كبير على مصلحة المقاولة، إلا انه تراجع على هذا الهدف من خلال الاهتمام بمصلحة المقاولة بصفة مهمة أكثر في القانون الذي تلاه، إلا أن هذا الوضع تطور بأبعاد تشريعية جديدة من خلال القانون الجديد 17-73 توازن بين مصلحة المقاولة ومصلحة الدائنين بصفة متساوية وإعادة الاعتبار للدائنين على مستوى اتخاذ القرارات وتقرير المصير.

و يبرز هذا البعد التشريعي من خلال إحداث مؤسسة جمعية الدائنين كتجربة ألمانية التطبيق،[1] والتي أصبحت لها أدوار مهمة وصلاحيات تقريرية كبيرة من خلال إعادة الاعتبار لمركزها ولتصورها في مساطر صعوبات المقاولة.

وعلى هذا الأساس، يمكن تعريف جمعية الدائنين  Comité des créanciersبكونها عبارة عن هيئة تضم في عضويتها كافة الدائنين في مسطرة التسوية القضائية، التي تتداول بشأن مجموعة من النقاط التي لها علاقة بوضعية المقاولة وسير المسطرة وفق شروط خاصة تأخذ بعين الاعتبار مبدأ المساواة بين كافة الدائنين.[2]

ولاشك أن دراسة هذا الموضوع ينطوي على أهمية كبرى من خلال الوقوف على التنظيم القانوني والأبعاد التشريعية الجديدة لجمعية الدائنين كعنصر رئيسي يساهم في تقرير استمرارية نشاط المقاولة في حدود مخطط التسوية القضائية.

ومن جهة أخرى الوقوف على نهج المشرع في إعادة التوازن بين دور الدائنين داخل الجمعية وباقي الأجهزة في المسطرة، ومن شأن هذا التوازن العقدي أن يخلق نوعا من الأمن التعاقدي الذي ينعكس إيجابا على المعاملات الاقتصادية والمالية.

وبناء عليه يطرح الموضوع إشكالية أساسية يمكن صياغتها وفق الآتي:

 أي تنظيم قانوني خصه المشرع المغربي لجمعية الدائنين على ضوء القانون 17-73؟

وللإجابة عن هذه الإشكالية السابقة، ارتأينا تقسيم موضوعنا هذا إلى محورين أساسيين:

v   المحور الأول: تشكيلة جمعية الدائنين على ضوء القانون 17-73

v   المحور الثاني:آليات تعزيز عمل جمعية الدائنين

Ø    المحور الأول: تشكيلة جمعية الدائنين على ضوء القانون 17-73

قبل الخوض في استعراض تأليفة جمعية الدائنين وطرق انعقادها (ثانيا) يستلزم تحديد بداية المقاولات المشمولة بتأسيس جمعية الدائنين(أولا).

ü    أولا: المقاولات المعنية بتأسيس جمعية الدائنين

لعل باستقراء منطوق المادة 606 من القانون 17-73 يتبين أن المشرع المغربي استعرض مجموعة من الشروط لتأسيس جمعية الدائنين، إذ تتشكل هذه الجمعية بقوة القانون عند فتح مسطرة التسوية في حق كل شركة تجارية خاضعة لإلزامية تعيين مراقب الحسابات وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل، أو يتجاوز رقم معاملاتها السنوية 25 مليون درهم أو تشغل ما لا يقل عن 25 أجيرا خلال السنة السابقة لفتح المسطرة.

لاشك أن أول شرط نص عليه المشرع لتأسيس الجمعية وهو أن يتعلق الأمر بفترة فتح مسطرة التسوية، أي بعد ثبوت توقف المقاولة عن الدفع. وعلى عكس المشرع المغربي فإن المشرع الفرنسي نجده يتحدث عن جمعية الدائنين حتى في فترة مسطرة الإنقاذ وكذا التسوية القضائية[3].

ربما هذا الأمر يدفعنا لطرح التساؤل حول المغزى من استبعاد المشرع المغربي لهذا الجهاز في مرحلة مخطط الإنقاذ؟

أعتقد أن المشرع المغربي كان صائبا باستبعاد تشكيل جمعية الدائنين أثناء مسطرة الإنقاذ، طالما أن المقاولة في هذه الفترة تتطلب السرعة في تسوية وضعيتها قبل الوصول لمرحلة التوقف عن دفع ديونها، لأن من شأن تشكيل الجمعية خلال هذه المرحلة أن يعرقل السير السريع  لهذه المسطرة.

فضلا إلى شرط فتح التسوية القضائية، تطلب المشرع المغربي وجود مراقب الحسابات في الشركات لفتح جمعية الدائنين، وبالرجوع إلى القوانين المنظمة للشركات وللقانون المتعلق بالمجموعات ذات النفع الاقتصادي، يتضح إن تعيين مراقب الحسابات لا يكون إلزاميا سوى في شركات المساهمة وفي شركة التوصية بالأسهم وفي المجموعات ذات النفع الاقتصادي متى نص على ذلك العقد المنشئ لها أو أصدرت سندات للقرض، أما في باقي الشركات فيكون تعيين مراقب الحسابات اختياريا، اللهم إذا تجاوز رقم معاملاتها خمسون مليون درهم دون احتساب الضرائب إذ يصير التعيين إجباريا[4].

كما أن المشرع اشترط لتأسيس جمعية الدائنين أن تتجاوز المقاولة في رقم معاملاتها السنوية 25 مليون درهم وتشغل ما لا يقل عن 25 أجيرا خلال السنة السابقة لفتح المسطرة[5].

ما يلاحظ، أن المشرع سمح بإمكانية فتح هذه الجمعية إلا في وجه المقاولات التي تعد نوعا ما مقاولات كبرى، وهذا يبين توجهه الرئيسي من خلال قانون 73.17 ألا وهو أن هذه المساطر تهم المقاولات التي لها وقع على الاقتصاد الوطني وطبيعة الديون التي تكون لهذا النوع من المقاولات.

ورغبة من المشرع في إعادة الاعتبار للدائنين، خولت الفقرة الثانية من المادة 606 من القانون 17-73 للمحكمة بناء على طلب من السنديك وبموجب حكم معلل تشكيل جمعية الدائنين رغم غياب الشروط المذكورة أعلاه، وذلك متى توفرت أسباب وجيهة تبرر اللجوء إلى ذلك يبررها ويوضحها السنديك ‏في طلبه، ‏وتقدرها المحكمة وتقتنع بها ‏‏خاصة عندما يتعلق الأمر بخصوصيات تهم طبيعة ونوعية الدائنين.

وهنا يمكن طرح التساؤل حول ما إذا كانت المحكمة ملزمة بتشكيل جمعية الدائنين كلما تغيبت الشروط المحددة لتشكيلها أم أنها تبقى مخيرة في القيام بذلك؟

لعل باستقراء الفقرة الثانية من المادة 606 يتبين أنها جاءت على سبيل الاختيار، وما يدل على ذلك هو عبارة “يمكن”، بحيث يبقى للمحكمة الاختيار في تشكيل جمعية الدائنين بناء على طلب السنديك كلما توفرت هناك أسباب وجيهة.

فما المقصود إذن بالأسباب الوجيهة؟

لم يحدد المشرع المغربي المقصود بعبارة الأسباب الوجيهة لتشكيل جمعية الدائنين في غياب الشروط المذكورة متيحا بذلك للمحكمة السلطة التقديرية في تكييف هذه الأسباب بناء على وضعية المقاولة وكذا بالاستناد على خصوصيات تهم طبيعة ونوعية الدائنين.

وفي الحالة التي تقرر فيها المحكمة تشكيل جمعية الدائنين يجب أن يتم ذلك بحكم معلل تبرز من خلاله الأسباب التي دفعت بها إلى اتخاذ قرار تشكيل هذه الجمعية، في نفس الوقت جعل المشرع المغربي من الحكم القاضي بتشكيل هذه الجمعية غير قابل للطعن، ولعل المبتغى من وراء ذلك تحقيق مصلحة المقاولة ومصلحة الدائنين وعدم السماح لرئيس المقاولة أو إحدى الدائنين الدفع بالطعن في الحكم تجنبا لإهدار الوقت وتسريع المسطرة.

ولا شك أن هذا التوجه التشريعي يبرر مدى الأهمية التي أولاها المشرع المغربي لجمعية الدائنين من حيث تشكيلها رغم غياب الشروط المتطلبة قانونا، للتداول بشأن حماية حقوقهم وكذا لضمان استمرارية المقاولة.

غير أنه ما يعاب على المشرع، أنه بالرغم من تعداده لحالات وشروط تأسيس جمعية الدائنين، إلا أنه أغفل تنظيم حالات وأسباب حل الجمعية، وبالتالي أعتقد أن الممارسة العملية هي التي ستفصح لنا عن هذه الحالات.

ü    ثانيا: تأليف جمعية الدائنين وطرق انعقادها

حددت المادة 608 من القانون 17-73 أعضاء جمعية الدائنين في كل من:

–         السنديك رئيسا باستثناء الحالة التي تنعقد فيها قصد اقتراح استبدال السنديك فيرأسها القاضي المنتدب:

لقد ارتقى المشرع السنديك حينما جعله على رأس جمعية الدائنين، ولا شك أن جعل من السنديك رئيسا لجمعية الدائنين بدلا من اقتراح عضو من أعضاء الدائنين لتولي هذه المهمة يطرح تساؤلا هاما حول البعد القانوني لترؤس السنديك لهذه الجمعية؟

أعتقد أن المشرع المغربي حسن ما فعل من جعل السنديك رئيسا لجمعية الدائنين طالما أنه جهازا محايدا يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة دون ترجيح مصلحة المقاولة على مصالح الدائنين أو العكس، وباعتباره من الأجهزة ذو خبرة وكفاءة قانونية عالية من أجل تمثيل جمعية الدائنين.

بخلاف الأمر بالنسبة للدائنين، فقد لا يتوفرون على رصيد معرفي وقانوني يؤهلهم من رئاسة جمعية الدائنين وتمثيلها أمام القضاء وبالتالي حماية حقوقهم، ناهيك عن الدور الريادي الذي يضطلعون به الدائنون هو التسابق نحو تحقيق الربح، وهو ما قد يتعارض وخصوصيات رئاسة وتمثيل باقي الدائنين الآخرين داخل الجمعية المذكورة لاستفاء حقوقهم.

وفي مقابل جعل السنديك رئيسا لجمعية الدائنين، خول المشرع المغربي ضمانة هامة لحماية حقوق الدائنين تتمثل في تقرير مصير السنديك من خلال استبداله بآخر كلما تبين لهم مثلا أنه يتخذ قرارات فردية يكون ورائها الإضرار بمصالح الدائنين، أو عدم الاستماع لاقتراحات جمعية الدائنين، أو في حالة التواطؤ مع رئيس المقاولة … وفي هذه الحالة يصبح القاضي المنتدب هو الساهر على رئاسة الجمعية مؤقتا ريثما يتم اختيار سنديك آخر.

–         رئيس المقاولة:

لاشك أن المشرع من خلال الإصلاحات التي شملها الكتاب الخامس قد خول لرئيس المقاولة صلاحيات مهمة من خلال إعادة الثقة فيه وليس كما كان عليه الأمر من قبل بحيث يتم استبعاده على أساس سوء النية، وحسن عمل المشرع لان رئيس المقاولة والدائنين كانت تجمعهم الثقة والائتمان لولا الظروف التي عرفتها المقاولة وان التعاون فيما بينهما قد ينتج عنه حلول أفضل بتوجيه من السنديك.

لكن يمكن طرح التساؤل حول الحالة التي يمتنع فيها رئيس المقاولة من الانضمام في تشكيل الجمعية، هل هذا يؤثر على تشكيل الجمعية؟

الحقيقة أن المشرع المغربي لم يحدد الجزاء في حالة امتناع رئيس المقاولة من الانضمام إلى هذه الجمعية، لكن نعتقد أن غياب رئيس المقاولة لا يؤثر على تأسيس جمعية الدائنين طالما أن الفحوى من إحداث المشرع لهذه الجمعية يروم بالأساس لخدمة مصالح الدائنين بالدرجة الأولى ومصلحة المقاولة بالدرجة الثانية، وأن وجود رئيس المقاولة داخل هذه الجمعية له فقط دور تكميلي وتوجيهي لتحقيق أهداف الجمعية من خلال الأخذ والرد بين الدائنين والمدين للوصول للحل الملائم الذي يخدم الأطراف معا.

–         الدائنين المسجلين في قائمة الديون المصرح بها التي يسلمها السنديك إلى القاضي المنتدب وفقا لمقتضيات المادة 727، الذين لم يبد للسنديك بشأن ديونهم أي اقتراح برفضها أو بإحالتها على المحكمة وذلك عندما تتم دعوة الجمعية للانعقاد قبل تاريخ إيداع القائمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 732 بكتابة الضبط، ما لم يأذن لهم القاضي المنتدب بالمشاركة في أشغالها:

الملاحظ من هذه الفقرة أنها تتطلب نوعا من التحليل والتبسيط، فكما هو معلوم فالسنديك عندما يتلقى بالتصريحات من قبل الدائنين يقوم بتحقيق أولي، ثم يبدي بعض المقترحات بخصوصها ولا يقرر فيها، طالما أن هذه المهمة تعود للقاضي المنتدب، من بين الاقتراحات التي يقترحها السنديك إما قبول هذه الديون كلها أو بعضها، أو يقترح رفضها، أو يحيلها مباشرة على المحكمة دون اقتراحات.

وما يعنينا في هذا المقام، هم الدائنين الذين قبل السنديك التصريح بديونهم، وبالتالي إخراج الدائنين الذين رفضت التصريح بديونهم وكذا الدائنين الذين تمت إحالتهم إلى المحكمة مباشرة دون أي اقتراحات.

–         الدائنين الذين أدرجت مقررات قبول ديونهم في القائمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 732، وذلك عندما تتم دعوة الجمعية للانعقاد بعد تاريخ إيداع هذه القائمة بكتابة الضبط:

معنى هذا، أنه في الحالة التي يصدر فيها القاضي المنتدب بقبول تصريح دائن معين بديونه وبعد ما يستنفذ جميع إجراءات الطعن، يحق له الانضمام لأعضاء هذه الجمعية.

من جهة أخرى، يمكن التساؤل حول مدى تأثير غياب تعدد الدائنين على تأسيس الجمعية، بمعنى آخر هل يمكن تصور تأسيس الجمعية ولو بدائن واحد؟

إن التشريع المغربي ساكت عن هذه الإشكالية، لذلك يمكن القول من الناحية النظرية، يصعب تصور إنشاء الجمعية بدائن واحد، على اعتبار أن المشرع المغربي لم يخول إمكانية إنشاء جمعية الدائنين إلا لبعض المقاولات الكبرى المتوفرة على بعض الشروط كما هي محددة في المادة 606 من القانون 17-73، ولا شك أن المقاولات الكبرى تقوم على مجموعة من المعاملات مع مختلف الشرائح والفئات الأمر الذي يفترض نظريا تعدد الدائنين.

وفيما يتعلق بالانعقاد، تنعقد الجمعية بدعوة من السنديك وفي حالة عدم قيامه بذلك من طرف القاضي المنتدب تلقائيا أو بطلب من رئيس المقاولة أو بواحد أو أكثر من الدائنين، وفي حالة استبدال السنديك فإن الجمعية تنعقد من طرف القاضي المنتدب وتتم الدعوة بواسطة إشعار ينشر في صحيفة مخول لها نشر الإعلانات القانونية والقضائية والقانونية والإدارية ويعلق في لوحة معدة لهذا الغرض في المحكمة، كما يمكن الدعوة بواسطة استدعاء يوجه إلى الدائنين في موطنهم المختار أو بالطريقة الالكترونية مع تضمين يوم وساعة عقد الجمعية وموضوع تداولها ويشار فيه إلى حق الدائنين في الاطلاع على الوثائق المنصوص عليها في المادة 612 بمقر المقاولة كما يجب أن يشار في الإشعار إلى عدم حضور أي من الدائنين.

هذا وقد اعتبر أحد المتدخلون في تقرير مجلس النواب بأن عدم حضور أي دائن من الدائنين  يعتبر موافقة على قرار الجمعية كما هو الشأن بالنسبة لنائبه أو وكيله.[6]

Ø    المحور الثاني: آليات تعزيز عمل جمعية الدائنين

لقد أعاد المشرع الاعتبار للدائنين من خلال منحهم صلاحيات مهمة على مستوى تقرير الحل والبحث عن الحلول الكفيلة لتحقيق ديونهم (أولا) كل هذا من خلال آليات مهمة نحو تحقيق حكامة فعالة (ثانيا).

ü    أولا: الصلاحيات والأدوار المنوطة بجمعية الدائنين

عمل المشرع المغربي من خلال المادة 607 من القانون 17-73 على تحديد صلاحيات وأدوار مهمة على مستوى موضوع الانعقاد والتداول من قبل جمعية الدائنين، ويتجلى ذلك في:

–         التداول في مشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة المشار إليه في المادة 595:

كما هو معلوم، فقد أناطت المادة 595 من القانون 17-73 السنديك بمهمة إعداد تقرير للموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، وعلى ضوء هذا الأخير يقترح السنديك إما مخططا للتسوية يضمن استمرارية المقاولة أو تفويتها إلى أحد الأغيار، أو الحكم بالتصفية القضائية.

والملاحظ من هذا الأمر أن المشرع المغربي قصر مداولات جمعية الدائنين فقط فيما إذا كان تقرير السنديك يروم إلى اختيار مخطط التسوية سواء تعلق الأمر بمخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت، مستبعدا بذلك إمكانية التداول إذا كان التقرير يروم إلى الأخذ بمخطط التصفية القضائية.

وفي حالة قبول المخطط من قبل الجمعية، يقوم السنديك برفع المخطط المذكور إلى المحكمة في يوم العمل الموالي لتاريخ انعقاد الجمعية[7]، أما في الحالة التي يرفض فيها المخطط سواء من قبل جميع الدائنين أو بعضهم، فإنه يتعين على الدائنين الذين لم يصوتوا أيا كان عددهم أن يتقدموا بمخطط بديل إلى السنديك، وذلك داخل آجال 15 يوما من تاريخ انعقادها.

–         مشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة الذي يقترحه الدائنون وفقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 615:

لا شك أن منح لجمعية الدائنين في ظل القانون الجديد إمكانية اقتراح مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة يترجم المكانة الجديدة التي أصبحت تلعبها هذه الأخيرة تحقيقا للبعد التشريعي الجديد والمتمثل في الارتقاء بهذه المؤسسة باعتبار أن الدائنين أصبحوا يلعبون الحلقة الكبرى في إدارة الصعوبات بحثا عن الحل الذي يؤمن لهم حقوقهم وبالتالي إشراك جميع الدائنين في إطار جبهة موسعة مدام أن المصلحة العامة تفرض إشراك جميع الدائنين.[8]

–         تغيير أهداف ووسائل مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة عند تطبيق مقتضيات المادة 629:

يحق لجمعية الدائنين تغيير من وسائل وأهداف مخطط الاستمرارية في الحالة التي يتبين للجمعية أن الأهداف والوسائل المحددة سابقا غير فعالة ولا تروم إلى استمرارية نشاط المقاولة، أو في الحالة التي تبرز فيها بعد الطوارئ على المخطط، غير أنه يشترط أن يكون هذا الطارئ قد ظهر بعد الحكم بمخطط الاستمرارية أو بعد حصر المخطط.

غير أنه مع ذلك لا يمكن تغيير أهداف ووسائل مخطط الاستمرارية إلا بحكم من المحكمة وذلك بطلب من رئيس المقاولة وبناء على تقرير السنديك إذا كان من شأنها تغيير أهداف ووسائل مخطط الاستمرارية التأثير سلبا على التخفيضات أو الآجال التي وافق عليها الدائنون تجنبا للإضرار بحقوقهم، بحيث تبت المحكمة بعد استدعاء الأطراف أو أي شخص يعنيه الأمر أو بعد استدعائهم بشكل قانوني أن تقضي بفسخ مخطط الاستمرارية وفقا للشكليات والآثار المنصوص عليها في المادة 634 والتي أكدت أنه في الحالة التي لا تنفذ المقاولة لالتزاماتها المحددة في المخطط أو لم ينفذ هذا المخطط في آجال محددة يتعين على المحكمة أن تقضي تلقائيا أو بطلب من أحد الدائنين وبعد الاستماع إلى السنديك ورئيس المقاولة بفسخ مخطط الاستمرارية وتقرر التصفية القضائية للمقاولة.

–         طلب استبدال السنديك المعين طبقا لمقتضيات المادة 677:

عملا بمقتضيات المادة 677 من القانون 17-73، نجدها تقر بإمكانية استبدال السنديك بطلب من النيابة العامة ومن طرف جمعية الدائنين في الحالات التي تشكل فيها هذه الجمعية طبقا للمادة 606 من القانون 17-73 أو من طرف القاضي المنتدب تلقائيا أو بناء على تشكي لديه من رئيس المقاولة أو أحد الدائنين أو من طرف رئيس المقاولة نفسه أو الدائن الذي لم يبت القاضي المنتدب في تشكيه داخل أجل 15 يوما.

هذا، وفي حالة إعفاء السنديك يجب أن يقدم للسنديك الجديد جميع الوثائق المتعلقة بالمسطرة والحسابات المرتبطة بها داخل أجل 10 أيام من تاريخ إعفائه من مهامه، ويظل السنديك المعفى ملزما بالسر المهني.[9]

–         تفويت واحد أو أكثر من الأصول المهمة المشار إليها في المادة 618:

وهنا يكمن الدور التقريري والفعلي لأعضاء الجمعية من خلال الإقدام على تفويت واحد أو أكثر من الأصول المهمة للمقاولة المعنية وذلك بطلب مبرر يقدمه أحد الدائنين للقاضي المنتدب الذي يبت فيه داخل أجل 10 أيام من تاريخ إيداعه.

ü    ثانيا: تجليات الحكامة على مستوى تنظيم جمعية الدائنين

لقد راعى المشرع المغربي من خلال تنظيمه لمقتضيات جمعية الدائنين مجموعة من الآليات التي تصب في مصلحة الجمعية، سواء تعلق الأمر بتعزيز آليات الإخبار والتبليغ أو بتبني آجال مضبوطة ودقيقة.

  • على مستوى الإخبار والتبليع:

في ظل تعزيز حكامة جمعية الدائنين، اعتمد المشرع على آليات هامة لتحقيق هذه الأدوار الجديدة والرفع من مكانة هذه المؤسسة من الشكلية إلى الفعالية، وذلك باعتماد آليات التبليغ والإخبار.

بحيث أن كل عمل يقوم به السنديك في إطار السير العادي لمساطر التسوية القضائية إلا ويجب أن تكون لجمعية الدائنين الدراية بشأنها ضمانا لحماية حقوقهم.

وعليه، فإنه يتعين على السنديك أن يضع رهن إشارة الجمعية جميع المعلومات والقرارات المتخذة بشأنهم وإشعارهم بكل الأمور التي تصب في مصلحة الجمعية.

ومن خلال القانون 17-73 أكد المشرع المغربي على هذا التوجه بحيث أنه يتعين على السنديك أن يضع رهن إشارة السنديك ابتداء من اليوم الموالي من نشر الإشعار وإلى غاية تاريخ انعقاد الجمعية المعلومات والوثائق التالية:

  1.  في حالة دعوة الجمعية للتداول بشأن مشروع مخطط التسوية لاستمرارية نشاط المقاولة أو مخطط التسوية الذي يقترحه الدائنون:

–         المعلومات المتعلقة بالوضعية المالية للمقاولة بما فيها وضعية الأصول والخصوم مع بيان للخصوم ذات الامتياز والخصوم العادية؛

–         جرد مفصل لأصول المقاولة؛

–         مشروع مخطط التسوية المشار إليه في المادة 595 أعلاه، المقترح من طرف السنديك مصحوبا، عند الاقتضاء، بالعروض التي تلقاها في حالة التفويت الجزئي المشار إليه في المادة 635 أدناه؛

–         وعند الاقتضاء مشروع مخطط التسوية الذي يقترحه الدائنون وفق مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 615 أدناه.

  1. في حالة دعوة الجمعية للتداول بشأن تغيير أهداف ووسائل مخطط الاستمرارية وفق مقتضيات المادة 629 أدناه:

–         مخطط الاستمرارية كما صادقت عليه المحكمة؛

–         التعديلات المقترح إدخالها على هذا المخطط بما فيها نسب التخفيضات المقترحة؛

–         تقرير السنديك المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 629 أدناه؛

–         المعلومات المتعلقة بالوضعية المالية للمقاولة.

  1. في حالة دعوة الجمعية للتداول بشأن تفويت الأصول المشار إليها في المادة 618 أدناه، نسخة من طلب التفويت ولائحة الأصول المحينة المشار إليهما في نفس المادة.[10]

هذا ويتعين أن يضع السنديك رهن إشارة جمعية الدائنين كل هذه المعلومات في فترة انعقاد الجمعية، وتعزيزا للدور الحمائي لحقوق جمعية الدائنين، وأنه في الحالة التي يمتنع فيها السنديك من تزويد الدائنين بالمعلومات المشار إليها أعلاه، نجد الفقرة الأخيرة من المادة 612 تنص: “ إذا لم يتمكن أي دائن من الاطلاع على الوثائق المذكورة أو رفض السنديك إطلاعه عليها، يمكنه رفع الأمر إلى القاضي المنتدب قصد الإذن له بالاطلاع عليها داخل الأجل المشار إليه في الفقرة الأولى أعلاه”.

وتأكيدا للطابع الإعلامي والإخباري، خول المشرع طيلة فترة تنفيذ مخطط الاستمرارية لكل دائن بناء على طلب مقدم إلى السنديك الاطلاع بمقر المقاولة على:[11]

–         المعلومات المتعلقة بالوضعية المالية للمقاولة بما فيها وضعية الأصول والخصوم مع بيان تفصيلي للخصوم ذات الامتياز والخصوم العادية؛

–         تدفقات الخزينة؛

–         المعلومات غير المالية التي يمكن أن تؤثر على تنفيذ المقاولة لالتزاماتها مستقبلا.

هذا وتضيف الفقرة الأخيرة من المادة 619 على أحقية كل دائن سواء شخصيا أو بواسطة وكيل الحصول على نسخ من الوثائق المذكورة أعلاه على نفقته.

ولا شك أن من أهم مستجدات القانون 19-73 هو تبني طريقة جديدة للتبليغ والدعوة إلى التعاقد، ويتعلق الأمر هنا باعتماد الطريقة الالكترونية في دعوة الانعقاد[12]، ولا محالة كون الهدف من ذلك هو إشراك جميع الدائنين في انعقاد الجمعية وعدم الاحتجاج بمشكل الغياب سيما من قبل الدائنين غير المتواجدين داخل البلد التي توجد به المقر الاجتماعي للمقاولة.

  • على مستوى الآجال والطابع السري:

لعل بتصفح المواد المتعلقة بتنظيم جمعية الدائنين، يتضح هيمنة معطى الآجال على جل مقتضياته، بحيث يميز المشرع بين آجال مختلفة منها ما يتعلق بآجال دعوة انعقاد جمعية الدائنين[13] والتي تتحدد في يوم واحد أو 5 أيام أو 10 أيام تختلف بحسب الأحوال ، ومنها ما يتعلق بآجال مصادقة المحكمة على المخطط[14] والتي حددت في مجملها في 10 أيام، ناهيك عن بعض الآجال الأخرى من ذلك الأجل الذي يتعين فيه على الدائنين إعداد مخطط تسوية جديد بالنسبة لمن لم يصوتوا لصالح المخطط المقترح من قبل[15] ويتعلق الأمر هنا بأجل 15 يوما.

حقيقة، فالغاية التشريعية من وضع هذه الآجال المتسمة بقصرها هي خير دليل على الإرادة التشريعية في السير السريع للمسطرة خدمة من جهة لمصالح الدائنين في استفاء حقوقهم، ومن جهة أخرى خدمة مصالح المقاولة من خلال ضمان استمرارها وتسوية وضعيتها.

وعلى مستوى آخر، نجد المشرع المغربي يحث على معطى في غاية من الأهمية ألا وهو عنصر السرية، حيث نصت المادة 613 من القانون 17-73 على أنه: ” لا يمكن استعمال أي من المعلومات المشار إليها في المادة السابقة والمادة 619 أدناه من هذا القانون ضد المقاولة في أي مسطرة أو دعوى أو أمام أي جهة كانت، إلا بموافقتها الصريحة، ما لم يتعلق الأمر بدين عمومي.”

ولئن كانت الغاية من وراء التنصيص صراحة على مبدأ السرية هو حماية حقوق وسمعة المقاولة بالدرجة الأولى، لأن من شأن شيوع خبر تعرضها لمرحلة التوقف عن الدفع وخضوعها لمساطر التسوية أن يسيء بالسمعة التجارية المقاولة والإضرار بمصالحها.

خــتــامــا:

لقد حاولت على امتداد صفحات هذا الموضوع الوقوف عن البعد التشريعي الجديد من وراء تنظيم جمعية الدائنين كمستجد من مستجدات القانون 17-73، وقد برز ذلك على وجه الخصوص لا من حيث تحديد المقاولات المعنية بتشكيل هذه الجمعية وتأليفتها، ولا من حيث الصلاحيات والأدوار المنوطة بهذا الجهاز، وكذا من حيث تبني معالم الحكامة أحيانا في صياغة بعض مضامينها.

وبالرغم من محاولة المشرع المغربي من إعادة الاعتبار لهذه الفئة التي لربما كانت مهمشة في السابق، إلا أن تنظيم هذه الجمعية اصطدم بمجموعة من العيوب وأفرز بعض الثغرات التي يتعين تداركها مستقبلا سواء من قبل الفقه أو العمل القضائي، بل الأكثر من ذلك فإن تنظيم هذه الجمعية اتسم بالطابع المحتشم سواء من خلال الصلاحيات الممنوحة لهذه الجمعية والتي تدور وتقتصر بالأساس حول مسطرة التسوية القضائية، أو من خلال الغموض التي تنطوي عليه بعض المقتضيات المنظمة لجمعية الدائنين.

المراجع المعتمدة:

–         عبد الرحيم شميعة، شرح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ضوء القانون 17-73، مطبعة سجلماسة، 2018.

–         فؤاد معلال، شرح القانون التجاري الجديد، الجزء الثاني، الشركات التجارية، طبعة، 2012.

–         فاتحة مشماشي، أزمة معالجة صعوبات المقاولة، أطروحة لنيل دكتورة الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، 2007-2006.

–         طارق مصدق، مستجدات مشروع قانون المعدل للباب الخامس من مدونة التجارة، تقرير حول أشغال المؤتمر الدولي المنظم من طرف مختبر البحث قانون الأعمال جامعة حسن الأول سطات حول موضوع تعديل المقتضيات المنظمة لمساطر صعوبات المقاولة: المستجدات والرهانات، الأربعاء 27 دجنبر2017.

–         تقرير لجنة القطاعات الإنتاجية حول مشروع قانون رقم 17-73 بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة، مجلس النواب، ما بين دورة أكتوبر 2017 ودورة أبريل 2018، الجزء الثاني.

–         الظهير الشريف رقم 1.18.26 بتاريخ 2 شعبان 1439 (19 أبريل 2018 )، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6667 بتاريخ 6 شعبان 1439 ( 23 أبريل 2018)

blogspot.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...