قرار مبدئي لمحكمة النقض بالمغرب حول الإعتداء الجنسي على القاصرين
أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا يقضي باعتبار أية جريمة اعتداء جنسي على القاصرين جناية و ليس جنحة، بغض النظر عن ثبوت استعمال العنف المادي و الإكراه من عدمه[1].
وتعود فصول القضية إلى أن النيابة العامة تابعت شخصاً من أجل جناية استدراج قاصرة باستعمال التدليس وهتك عرضها بالعنف. وأثناء مناقشة القضية ظل الملف خاليا من أي وسيلة للإثبات عدا تصريحات الضحية القاصر التي أكدت أن المتهم قام باستدراجها لمنزله، بعدما أغراها بقطعة حلوى وكأس زبادي. وحينما انفرد بها في منزله، شرع في تقبيلها وتحسس مواضع حساسة في جسدها، قبل أن تتمكن من مراوغته والهروب منه.
وعند استماع المحكمة للمتهم، نفى واقعة الاستدراج وأكد أنه يعطف على الفتاة القاصر وأنه قدم لها قطعة الحلوى وكأس الزبادي دون أن يقوم بالتحرش بها أو هتك عرضها بالعنف، مضيفا بأنه فعلا يقوم بتقبيلها بين الفينة والأخرى باعتباره يشفق عليها، دون أن يكون لهذا التقبيل أي غرض جنسي.
أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية قرارها ببراءة المتهم من جناية إستدراج قاصرة باستعمال التدليس وهتك عرضها بالعنف، وهو القرار الذي استأنفته النيابة العامة.
وعند عرض القضية من جديد على غرفة الجنايات الاستئنافية، تمسك دفاع المتهم بانعدام عنصر هتك العرض بالعنف باعتبار أن الضحية القاصر أكدت طوال مراحل القضية أنها رافقت المتهم برضاها دون أي تدليس أو اكراه، فضلا عن كون الملف خالياً من أي دليل يثبت قيام المتهم باستغلال الفتاة القاصر جنسيا. وبعد مناقشة القضية، قضت غرفة الجنايات الاستئنافية بإلغاء قرار البراءة، وإدانة المتهم من أجل المنسوب اليه ومعاقبته بسنتين حبسا نافذا وتحمليه الصائر.
وعندما تقدم دفاع المتهم بطلب النقض في القضية، أصدرت محكمة النقض قرارها الذي وصف بالمبدئي والذي اعتبر عنصر الرضا عنصرا منعدما عند وجود ضحية قاصر، وجاء في تعليل هذا القراربأن الفتاة قاصرة ولا إرادة لها، وأن الاستدراج شكل عنفا معنويا جعلها تحت رحمة المتهم ودفعها إلى مسايرة أسئلته وحركاته على جسمها دون أدنى مقاومة.
وهكذا أسس هذا القرار المبدئي لمحكمة النقض لموقف قضائي جديد وغير مسبوق بخصوص قضايا الاعتداء الجنسي التي تطال الأطفال وتنتهك براءتهم، حيث اعتبر العنف عنصرا مفترضا في هذا النوع من القضايا وأخذ بالعنف المعنوي ولم يشترط العنف المادي.
كما قلب عبء الاثبات معتمدا على القرائن، وعلى تفصيل الاعتراف إذ اعتمد القضاة الذي أصدروا هذا القرار على اعتراف المتهم باصطحابه المتكرر للطفلة إلى منزله، واعترافه بكونه كان يقوم بتقبيلها أحيانا، كقرينة على وجود واقعة إستدراج الطفلة باستعمال التدليس وهتك عرضها بالعنف، وكلفوا المتهم بتقديم دليل يفيد بأن تقبيله للطفلة الضحية لم يكن لغرض جنسي.
القرار وصف بالمبدئي لأنه اجتهد لإسباغ حماية أكبر للأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي, وإن أثار من جهة ثانية سؤال مدى احترامه لمبدأ الشرعية الجنائية والتي تبقى من أهم مستلزماته مبدأ التفسير الضيق للنص الجنائي، وتفسير الشك لصالح المتهم.
لكن محكمة النقض كان لها رأي آخر حيث فسرت النص لصالح الضحية من خلال هذا القرار.
ويبدو أنه ثمة توجها لتعميم هذا الاجتهاد القضائي حيث تعمد الرئيس الأول لمحكمة النقض تقديمه ضمن التقرير السنوي لنشاط هذه المحكمة بمناسبة افتتاح السنة القضائية الشيء الذي يعد دعوة صريحة للقاضي الجنائي لتبنيه على مستوى محاكم الموضوع – وكذا دعوة للمشرع الجنائي للحسم في ذات المسألة بالتدخل بوضع نص صريح يحترم مبدأ الشرعية الجنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجنائي يميز بين الجريمتين حيث يعاقب على جريمة هتك عرض الأطفال بدون عنف باعتباره جنحة طبقا للفصل 484 منه[2]، ويعاقب على هذا الفعل في حالة استعمال العنف بوصفه جناية طبقا للفصل 489[3].
غير انه اذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن ثمان عشرة سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو معروفا بضعف قواه العقلية فان الجاني يعاقب بالسجن من عشرة إلى عشرين سنة.