مقدمة
مما لاشك فيه أن صعوبات المقاولة هو بمثابة ثورة على نظام الإفلاس ، هذا القانون ( النظام ) الذي يهتم بالمقاولة ويمنح لها أكثر من فرصة قصد إصلاح وتسوية وضعيتها واجتياز الوضعية الصعبة التي تمر منها قبل الإقدام على إشهار إفلاسها، أي الحكم عليها بالإعدام و الإقصاء وذلك بتصفية أموالها وتوزيعها على دائنيها عندما تتوقف عن الدفع دون إعارة أي اهتمام لما قد يصيب الاقتصاد الوطني من أضرار وخيمة تعصف باستقراره.
لذلك نجد المشرع وتحت دوافع المصلحة العامة أراد الخروج من دائرة التخلف بأن عدل نظام الإفلاس بمساطر إنقادية وأخرى تصحيحية وبذلك قد أحل مبدأ الوقاية و العلاج محل الزجر و العقاب محاولا بذلك تفادي طمس معالم المشروع التجاري وتعطيل اليد العاملة وكذا باقي الأطراف المرتبطة به.
سوف نحاول ان نتطرق الى اهم الاشكالات التي يثيرها الموضوع من خلال الاعتماد على التصميم التالي:
المطلب الاول: العيوب والثغرات في مرحلة الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة.
المطلب الثاني:
الثغرات خلال مرحلة التسوية والتصفية القضائية
المطلب الأول : العيوب والثغرات في مرحلة الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة.
إذا كانت مساطر الوقاية تهدف بالأساس إلى تجنيب المقاولة من مشاكل التعثر وكل ما من شأنه أن يخل باستمرارية استغلالها، فإن هذه المساطر تنقسم إلى مسطرة الوقاية الداخلية ( الفقرة الأولى) ومسطرة الوقاية الخارجية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : العيوب و الثغرات خلال مرحلة
الوقاية الداخلية
فيما يخص مسطرة الوقاية الداخلية ومن خلال التسمية فهي تجرى بين الأجهزة الداخلية للمقاولة دون تدخل جهات أجنبية كالدائنين أو رئيس المحكمة.
فهي تتميز بالسرية ومن خلال هذه المسطرة تحاول المقاولة إنقاذ نفسها بنفسها من بتظافر أجهزتها الداخلية.
وأهم العيوب التي تتخلل هذه المسطرة :
أولا : من حيث أشخاص تحريك هذه المسطرة
تحرك هذه المسطرة من قبل أشخاص محددين على رؤوس الأصابع وذلك طبقا للمادة 545 من مدونة التجارة.
فهناك مراقب الحسابات الذي يعتبر قطب الرحلة داخل الشركة إلى جانب الشريك.
فإذا كان مراقب الحسابات هو الشخص الأول الموكول له تحريك مسطرة الوقاية الداخلية فذلك لأن له دور كبير في إنقاذ المقاولة وذلك لأنه الأكثر إلماما بوضعيتها المالية فهو الذي يفحص ميزانيتها وهو الذي يضع التقرير المالي السنوي.
وإذا كان هذا الأخير يضطلع بمهام جوهرية وله الأولوية في تحريك هذه المسطرة ، فإن الإشكال الذي يثار هو أن بعض المقاولات إن لم نقل جلها لا تتوفر على مراقب الحسابات باستثناء شركة المساهمة و المقاولات التي يكون رقم معاملاتها في آخر السنة المالية يصل إلى 50 مليون درهم دون احتساب الرسوم و الضرائب، وكلنا يعلم بأن معظم المقاولات هي متوسطة وصغيرة .
وإذا كان كذلك يمكن للشريك تحريك هذه المسطرة وتبليغ الاختلالات لرئيس المقاولة فإن الواقع العملي أثبت بأن الشريك غالبا ما يستعمل هذا الحق بشكل تعسفي يؤدي إلى زج المقاولة في أزمة خانقة.
ثانيا : من حيث الأشخاص الخاضعون لمسطرة
الوقاية الداخلية
اقتصرت هذه المسطرة على المقاولات الجماعية التي تتخذ شكل شركة تجارية و استبعدت المقاولات الأخرى كما هو الشأن بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة المكونة من شريك وحيد. فهي لا تخضع لهذه المسطرة إلا إذا تم تعيين مراقب الحسابات فيها.
كذلك هناك عيوب أخرى كعدم احترام رئيس المقاولة لآجل تصحيح وضعية المقاولة والتزامه الصمت، وكذا عدم استدعاء الجمعية العامة المقبلة للاتعقاد من أجل اقتلاع جذور الإخلال.
الفقرة الثانية : العيوب و الثغرات خلال مرحلة
الوقاية الخارجية
نلجأ إلى هذه المسطرة عندما تبوء مسطرة الوقاية الداخلية بالفشل، فهي تتم من خلال تدخل أجهزة خارجية عن المقاولة مثل رئيس المحكمة، فإذا كان القضاء يتدخل من أجل إنقاذ المقاولة من الاختلالات التي تعرقلها في شخص رؤساء المحاكم التجارية، فإن الواقع العملي يفند الإمكانية وذلك نظرا لقلة المحاكم التجارية التي لا يتجاوز عددها 8، كذلك فرئيس المحكمة التجارية لا يمكن له إلزام وتحميل الأطراف أي التزام وذلك لغياب وسائل الإجبار لديه.
كذلك إذا أصبح الأمر ملزم بتدخل القضاء التجاري في تصحيح وتسوية أوضاع المقاولات إضافة إلى بته في النزاعات وإصدار الأحكام، فإن الأمر يصطدم بعدم دراية رؤساء هذه المحاكم بالمجال الاقتصادي و المالي و الاجتماعي.
كذلك تثار عدة إشكالات هنا من بينها، حينما يعين رئيس المحكمة التجارية وكيلا خاصا لتذليل الصعوبات ، فما هي الشروط الواجب توفرها في هذا الوكيل؟ وما مدى مسؤوليته ؟ ومن يتحمل بأداء أتعابه ؟
كذلك يثار إشكال بخصوص مسطرة التسوية الودية باعتبارها صورة من صور الوقاية الخارجية.
إذا كانت مسطرة التسوية الودية اختيارية حسب مقتضيات المادة 553 من مدونة التجارة فإنه يطرح إشكال بخصوصها وذلك في حالة إذا رفض رئيس المحكمة التجارية فتح هذه المسطرة هل يمكن الطعن في الأمر الصادر عنه؟
المشرع المغربي لم يحسم في هذا الإشكال عكس نظيره الفرنسي أجاز الطعن فيه بإعادة النظر و الاستئناف داخل أجل 15 يوم وأمام غياب أي نص صريح في التشريع المغربي اختلفت أراء الفقه، هناك من قال بعدم الطعن فيه بالاستئناف بدليل أن هذا الطلب من الأوامر المبنية على طلب طبقا للمادة 148 من قانون المسطرة المدنية وبالتالي فالأوامر المبنية على طلب تقبل الطعن بالاستئناف.
كانت هذه فقط بعض الإشكالات التي تتخلل مساطر الوقاية على أساس أن الواقع العملي أثبت أن جل المقاولات تمر مباشرة إلى مساطر المعالجة.
المطلب الثاني:الثغرات خلال مرحلة التسوية والتصفية القضائية
سوف نتطرق لكل من العيوب والثغرات التي تثيرها مرحلة التسوية القضائية (الفقرة الاولى )وكذلك العيوب والثغرات خلال مرحلة التصفية القضائية(الفقرة الثانية).
مرحلة التسوية القضائية الفقرة الاولى:الاشكالات التي تطرحها
يتبين من دراسة القانون الجديد ان للمشرع اهدافاً وغايات يروم تحقيقها , واستخدام طرق تقنية وادارية واقتصادية تكفل نجاح هذه الاهداف وتضمن انقاذاً لانتاج والتشغيل , وحماية لموارد الدولة من الاندثار او التناقض او التاكل , فاندثار المقاولة تندثر هذه الاهداف وبتناقصها تتناقص كذلك.وبازدهار المقاولات وفعاليتها تزدهر الحركة التجارية وتتحقق هذه الاهداف.
وقد سن المشرع المغربي مسطرة معالجة صعوبات المقاولة من اجل الوصول الى مخطط يرمي تجاوز الصعوبات التى تعترض استمرار نشاطها , وذلك من خلال المقتضيات التي جاءت بها مدونة التجارة , والتي تهدف الى الحفاظ على المقاولة المدينة ومساعدتها على تجاوز أزمتها , حتى ولو اقتضى الامر التضحية بمصالح المتعاملين معها من اجل المصلحة العامة , الا وهي الحفاض على مصالح الشغل وانقاذ الاقتصاد الوطني.
وعلى الرغم من ان المشرع المغربي عمل قدر الامكان على ادراج اهم الاجراءات الخاصة بتلك المسطرة , الا ان الواقع العملي اثبت وجود بعض الاشكالات وبعض النواقص , فحاول القضاء سد تلك الثغرات باجتهاداته قدر الامكان.
اولا: الاشكالات المرتبطة بالتوقف عن الدفع (مرحلة التسوية القضائية)
يعتبر التوقف عن الدفع من اهم الشروط التي تخول للمحكمة فتح مسطرة التسوية القضائية تجاه المقاولة , ويعني هذا التوقف ان تكون المقاولة قد توقفت عن دفع ديونها الحالة والمستحقة . وقد تناول المشرع المغربي هذا الشرط في عدة مواد من مدونة التجارة , وان كانت المادة 560 هي التي وضعت الاطار العام لذلك الشرط, حيث تنص على انه” تطبق مساطر معالجة صعوبة المقاولة على كل تاجر وكل حرفي وكل شركة تجاريةليس بمقدورها سداد ديونهاالمستحقة عليهم عند الحلول,……”
من هنا يمكن ملاحظة ان التعريف القانوني للتوقف عن الدفع بناءاً على المادة السابقة , قاصرا عن الاحاطة بهذا المدلول , واقتصار المشرع على ذلك المعيار القانوني , والحال ان التوقف عن الدفع يتجاوز هذا التحديد , فالعمل القضائي في المحكمة يحاول ان يستنبط الخبرة للوقوف على حالة الشركة الاقتصادية والاجتماعية , بمعنى ان القضاء اضاف هنا معياراً اقتصادياً في هذا المجال يتجلى في اختلال في وضعية الشركة ينم عن اضطراب في مركزها المالي ويفقدها ائتمانها وثقة المتعاملين معها , وبذلك تصبح عاجزة عن مواجهة ديونها الحالة .وبذلك ذهبت المحكمة التجارية بمراكش في حكمها ملف رقم 74 -15- 2011
اما بالنسبة لايقاف التنفيذ ووقف المتابعات الفردية , فان فتح مسطرة التسوية القضائية ,يؤثر وبقوة القانون على حقوق الدائنين , وذلك انه يؤدي الى وقف المتعابعات الفردية واجراءات التنفيذ التي يقيمها الدائنون الذين نشأت حقوقهم قبل الحكم بفتح المسطرة , وفي هذا الصدد تنص المادة 653 من مدونة التجارة ” يؤدي حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى يقيمها الدائنون اصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور ترمي الى :
– الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال.
– فسخ عقد لعدم اداء مبلغ من المال.
كما يوقف ويمنع كل اجراء للتنفيذ يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات او على العقارات , توقف تبعاً لذلك الاجال المحددة تحت طائلة السقوط او الفسخ.
اما على المستوى العملي , فقد ذهبت المحكمة التجارية بمراكش عكس ذلك تماماً واعتبرت ان ايقاف التنفيذ في مدلول المادة 653 من م.ت , هو اثر لهذه المساطر وليس هو الغاية في حد ذاته , ويتعين على المحكمة ان تتصدى لكل طلب يروم من وراءه صاحبه ايقاف التنفيذ بسلوك هذه المساطر بطرق تدليسية , حكم ملف رقم 74-15-2011 .
ولما كانت الغاية من فتح مساطر المعالجة هو تحقيق المصلحة العامة وهي اولى بالحماية من المصالح الخاصة , وعلى اعتبار ان انقاذ المقاولة هو انقاذ للاقتصاد الوطني , وحماية لمناصب الشغل وعنصري الدخل والادخار , فان طلبها لا يجب ان يكون على حساب مقاولة اخرى تسعى الى نفس الاهداف وتتسم بحسن النية.
كما هو حال الشركة المكرية التي سارعت الى ضمان حقوقها في مواجهة المدعيى المكترية وتوجت بصدور احكام نهائية لفائدتها حائزة لقوة الشيْ المقضي به , والتي قدم طلب فتح مسطرة التسوية القضائية ليس الا لايقاف تنفيذها والاضرار بالمكرية , مع ان وقف التنفيذ المقرر في المادة 653 من مدونة التجارة ليس هو الغاية في حد ذاته من هذه المساطر بل هو مجرد اثر من اثارها تستفيد منه المقاولة التجارية المستوفية اصلا لشروط فتح المساطر الجماعية , وان القول خلاف ذلك هو هدر لحقوق الدائنين حسني النية ومطية لمدينهم ذوي النيات السيئة, وهذا لا ينسجم مع البعد الاخلاقي لمساطر المعالجة والتي يتعين ممارستها بحسن نية طبقا للفصل 5 من قانون المسطرة المدنية.
كذلك يمكن ان نشير هنا الى اشكالية المسير الحر والذي يتقدم بطلب فتح المسطرة بطريقة تدليسية من اجل الاستفادة من اجل هذه المسطرة , وحتى يواجه مالك الاصل التجاري بمقتضيات المادة 563 .
اما بالنسبة للمادة 561 من مدونة التجارة , وعلى الرغم من صيغة الوجوب التي استعملها المشرع هنا . الا انه ما جرى به العمل لدى المحاكم ان رؤساء المقاولات لا يتقيدون بهذا الاجل , وهذا يعكس الامر سلباُ على سير مسطرة التسوية القضائية .لان الثايت لدى القضاء في غالب الاحيان انه يتم فتح المسطرة في وقت تكون معه المقاولة في وضعية يصعب تداركها واصلاح وضعيتها . مما يحرم القضاء من فرصة التدخل في الوقت المناسب لتصحيح وضعية المقاولة.
ثانيا : اشكالات اخرى تثيرها مرحلة التسوية القضائية .
– فتح المسطرة بناءاًعلى طلب النيابة العامة.
نجد ان حق النيابة العامة في تحريك مسطرة المعالجة في صعوبات المقاولة , مقررا في المادة 563 من مدونة التجارة والتي تنص على ما يلي”يمكن للمحكمة ايضاً ان تضع يدها على المسطرة تلقائياً او بطلب من النيابة العامة لا سيما في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في اطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 565 “
لاكن الثايت عملياً لدى المحاكم التجارية , انه نادراً ما تحرك النيابة العامة هذه المساطر
وان اغلب قضايا صعوبة المقاولة يقوم بتحريكها المدين(المقاولة) او دائن تلك الاخيرة.
أي قصور دور النيابة العامة في قضايا صعوبة المقاولة.وذلك من قبيل انه لا يمكن للنيابة العامة ات تطعن بالاستئناف الا اذا كانت طرفاً رئيسياً في الدعوى.ولا تكون كذلك الا اذا كانت هي من قامت بتحريك المسطرة وهو امر نادر الوقوع.
ويمكن ان نتسائل , ما الجدوى من احداث هذه المؤسسة داخل المحكة التجارية, وهل اضافت جديداً للمنتوج القضائي سيما في مادة صعوبة المقاولة؟
– اشكالية تمديد المسطرة , المادة 570 من مدونة التجارة.
هل يمكن تمديد المسطرة الى مقاولات فرعية تتمتع بالشخصية المعنوية , تابعة لمقاولة أم خاضعة لمسطرة التسوية القضائية؟
بحسب ما استقرعليه القضاء انه يمكن تمديد المسطرة اذا كان هناك تداخل بين الذمم وذلك استناداً على المادة 570 من مدونة التجارة والتي تنص:
” اذا تبين ان المسطرة يجب تمديدها الى مقاولة او عدة مقاولات اخرى بسب تداخل ذممها المالية , بقيت المحكمة ,التي رفعت اليها الدعوى , مختصة في الموضوع”.
ولاكن ما هو الحل اذا كانت هذه المقاولات الفرعية قدمت طلب فتح المسطرة في حقها واستجابت المحكمة لهذا الطلب, فهل يمكن تمديد المسطرة لشركات موضوع تسوية قضائية؟
الملاحظ خلو التشريع المغربي من أي نص يشير الى ذلك , الا ان القضاء المغربي والمتمثل بالمحكمة التجارية بمراكش , واستناداً الى حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية وبمفهوم المخالفة لهذا الحكم , استنتج انه يمكن تمديد المسطرة الى المقاولات التابعة والخاضعة لمسطرة المعالجة اذا كانت المحكمة لم تتبنى بعد الحال , والمتمثل اما في الاستمرارية او التفويت او التصفية , لعدم مساس ذلك بقوة الشيْ المقضي به التي يكتسبها هذا الحكم.
– التسوية القضائية واشكالية استمرارية الحساب بالاطلاع.
كما هو معلوم ان اخذ المشرع المغربي لنظام صعوبة المقاولة , كان يهدف ضمان استمرارية المقاولة التي تعاني من صعوبات , بينما كان الهدف الاساسي للمشرع من نظام الحساب بالاطلاع والذي يقوم على الاعتبار الشخصي هو ضمان حقوق الدائن في الحساب وهو البنك.
وهنا اذا غلبنا نظام صعوبة المقاولة , تشدد البنك على شروط الحساب لانه لا يأمن خضوع زبونه لمسطرة المعالجة مع ما يترتب عن هذه المسطرة من قواعد خاصة تخرج عن المألوف , واذا تم تغلب نظام الحساب بالاطلاع نضرب بذلك الغاية التي استهدفها المشرع من سن مسطرة المعالجة والمتمثلة في استمرارية المقاولة .
وقد كان لكل هذا اثر على المشرع المغربي وهو ينضم إقفال الحساب بالاطلاع من جهة وتسيير المقاولة أثناء فتح مسطرة التسوية القضائية في مواجهتها من جهة ثانية.
وتأسيساً يمكن القول إن إقفال الحساب بالاطلاع مباشرة بعد صدور الحكم القاضي بوضع المقاولة في حالة تسوية قضائية من شأنه ان يتعارض مع مبدأ استمرارية الاستغلال المقرر بمقتضى المادة 571 من مدونة التجارة وما بعدها وبالخصوص بالفقرة الأخيرة من المادة 573 من نفس المدونة والتي تنص:
“لا يمكن ان يترتب على مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة او الغاء او فسخ العقد على الرغم من أي مقتضى قانوني او شرط تعاقدي”
ونصت المادة 577 من نفس المدونة على انه”يمكن في جميع الاحوال للسنديك ان يستعمل حسابات المقاولة البنكية او البريدية لما فيه مصلحة المقاولة”.
انطلاقاً مما سبق وبالمقارنة مع مقتضيات المواد 503 الى 525 من م ت , يمكن ان نستنتج ان المشرع لم يكن منسجماً مع نفسه بحيث وقع في سهو من حيث عدم تميزه بين مسطرة التسوية ومسطرة التصفية القضائيتين كسبب من اسباب قفل الحساب.
وخلاصة يمكن ان نقول بان المؤسسة المصرفية ليس من حقها ان تقفل الحساب في مرحلة التسوية وهذا ما جرى به العمل حالياً باستثناء عدم احترام الطرف الخاضع للتسوية لشروط الاتفاق.
الفقرة الثانية: العيوب والثغرات خلال مرحلة التصفية القضائية
التصفية خيار يتعين على المحكمة عدم تبنيه، إلا في حالة تعذر الحلول الأخرى وهذه الحلول إما الاستمرارية أو التفويت، اوالتصفية التي يتم اللجوء إليها في حالة توقف المقاولة عن الدفع بشكل لا رجعة فيه، أو في حالة فسخ مخطط الاستمرارية عملا بمقتضيات المادة 602، وبخصوص هذه النقطة فإن المشرع لم يكن موفقا، لأنه كان بالإمكان أن ينص على المرور إلى الحل الثاني أي تفويت المقاولة، قبل تطبيق الحل الجذري الثالث، أي التصفية القضائية إن كانت هناك إمكانات جدية لتطبيقه خاصة أن التفويت يحافظ على مناصب الشغل وقد يخلق مناصب جديدة، أما التصفية القضائية فتقبر هذه الأهداف التي يجعلها المشرع من بين هواجسه، وبالتالي فإن النص على التصفية يناقض أهداف وغاية المشرع من سن هذه المساطر والمتمثلة في إنقاذ المقاولة، وبالتالي يتعين إدخال تعديل على مقتضيات المادة 602، بحيث يتم اللجوء إلى التفويت في حالة فسخ مخطط الاستمرارية إذا أمكن ذلك.
وسنتطرق في هذه الفقرة لكل من إشكالية تعارض مقتضيات قانون صعوبات المقاولة مع بعض القوانين الأخرى (أولا) إضافة على الإشكالات التي تثيرها مسألة شمول الأحكام الصادرة في مساطر صعوبات المقاولة بالنفاذ المعجل، وقفل المسطرة (ثانيا).
أولا: إشكالية تعارض مقتضيات قانون صعوبات المقاولة مع بعض القوانين الأخرى خلال مرحلة التصفية القضائية
هناك تعارض بين المقتضيات الواردة في قانون صعوبات المقاولة، مع بعض المقتضيات الأخرى سواء في القانون البنكي أو مدونة تحصيل الديون العمومية.
-
إشكالية تعارض قانون صعوبات المقاولة مع القانون البنكي في مرحلة التصفية القضائية
إن الحكم القاضي بالتصفية القضائية أو تفويت المقاولة يكون سببا بمقتضاه يحق للبنك إقفال الحساب، وفي هذا الاتجاه يذهب بعض الفقه أنه إذا تم تبني مخطط للتسوية يضمن استمرارية المقاولة المتوقفة عن الدفع، فليس هناك أي مبرر لإقفال الحساب بالاطلاع المفتوح باسمها لأن في ذلك تعارض مع مبدأ استمرارية الاستغلال، أما إذا كان المخطط المتبنى لا يرمي على العكس من ذلك إلى استمرارية المقاولة، وإنما إلى تفويتها إلى أحد من الأغيار، أو إلى تصفيتها تصفية قضائية فإن إقفال الحساب آنذاك يكون في محله اللهم إذا ارتأى البنك بحريته إبقاء الحساب لمدة معينة لحاجات التفويت أو التصفية.
الواقع أن هذا الرأي إن كان محقا فإنه لم يكن دقيقا في تمييزه في إطار مخطط التسوية بين المخطط القاضي بالاستمرارية وبين المخطط القاضي بتفويت المقاولة، ذلك أن الغاية من هذا المخطط الأخير هي في حد ذاتها المحافظة على استمرار استغلال المقاولة، سواء من حيث النشاط الممارس أو من حيث المحافظة على اليد العاملة، وهي الأهداف التي تنص عليها مقتضيات المادة 603، كل ما في الأمر أن استمرار المقاولة في ممارسة نشاطها في إطار التفويت يتم في إطار ملكية المقاولة للمفوت إليه، وبالتالي فإن أحقية البنك في إقفال الحساب بالاطلاع في حالة التفويت يستند إلى مسألة الاعتبار الشخصي.
كما أنه إذا كان من حق المؤسسة البنكية ماسكة الحساب أن تعمل على إقفال الحساب مباشرة بعد صدور الحكم القاضي بالتصفية القضائية، فإن هذا الحق يفقد كل فعاليته، كلما اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة خلال فترة التصفية القضائية، وذلك بناء على إذن المحكمة التي تحدد مدة هذه المسطرة وبالتالي فإن هذه الاستمرارية قد تقتضي الإبقاء على الحساب البنكي أو الاعتماد المفتوح باسم المقاولة مفتوحا، بحيث تطبق مقتضيات المادة 573 من مدونة التجارة حسب ما تقضي يه المادة 620.
-
إشكالية التعارض بين قانون صعوبات المقاولة ومدونة تحصيل الديون العمومية
في حالة بيع أصول المقاولة فإنه يتعين بيع العقار منفردا وبيع المنقول منفردا لأن ذلك تكون له أهمية في ترتيب الدائنين، ومن له الامتياز وبهذا الخصوص يثار الإشكال التالي، إذا تراجع امتياز الخزينة العامة مع الدائن المرتهنللأصل التجاري: من خلال الأسبقية، وكيف يمكن التوفيق بين المادة 105 من مدونة تحصيل الديون العمومية والمادة 365 من مدونة التجارة.
بخصوص هذا الإشكال فقد ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته من أن المقصود بامتياز الخزينة على المنقول، هو المنقول المادي القابل للنقل من مكان إلى مكان آخر، بدليل أن المشرع استعمل في المادة 105 المذكورة (أينما وجدت)، وبالتالي ليس للخزينة العامة أي امتياز على منتوج بيع الأصل التجاري المرهون.
ثانيا: إشكالات شمول الحكم القاضي بالتصفية القضائية بالنفاذ المعجل وقفل المسطرة
-
إشكالية شمول الحكم القاضي بالتصفية القضائية بالنفاذ المعجل
إن الحكم القاضي بالتصفية القضائية يكون مشمول بالنفاذ المعجل وهو ما تنص عليه المادة 728 من مدونة التجارة.
فهذا الأثر قد تكون سلبياته أكثر من إيجابياته بخصوص التصفية القضائية، ذلك أن شمول الحكم بالنفاذ المعجل يقتضي من السنديك مباشرة تحقيق أصول المقاولة، الإشكال المطروح، ما هو الحل في حالة إلغاء حكم التصفية من طرف محكمة الاستئناف في الوقت الذي تكون فيه إجراءات التصفية قطعت أشواطا بعيدة أمام المحكمة التجارية قد تصل أحيانا إلى مرحلة البيع والتمليك، ومثال ذلك إذا قضت المحكمة التجارية بالتصفية القضائية، وتم استئناف هذا الحكم خصوصا من طرف المدين وقبل البت في الاستئناف تباشر إجراءات التصفية، ويتم تفويت أو بيع أحد عقارات المقاولة إلى الغير الذي يكتسب ملكية هذا العقار ويسجله في المحافظة العقارية، بعد ذلك تبت محكمة الاستئناف التجارية في الاستئناف المرفوع من طرف المدين مقررة إلغاء الحكم الابتدائي والحكم من جديد بالتسوية القضائية بدل التصفية القضائية، ففي هذه الحالة يثار إشكال بخصوص مآل العقار المفوت في إطار التصفية القضائية، خاصة في الحالة التي يكون فيها المشتري حسن النية.
أمام هذا القصور التشريعي، فإن القضاء حاول إيجاد حل لهذا الإشكال ممثلا في المحكمة التجارية بمراكش التي تبنت الحلول التالية:
إما إعمال مقتضيات المادة 620 من مدونة التجارة والإبقاء على نشاط المقاولة مستمرا إلى حين النظر في الاستئناف، وصيرورة الحكم نهائيا.
وإما إيقاف إجراءات التصفية إلى حين صيرورة حكم التصفية نهائية.
-
إشكالية قفل المسطرة
نظم المشرع المغربي قفل التصفية القضائية، في المادتين 635 و 636 من مدونة التجارة، إلا انه بالرغم من هذا التنظيم فانه يمكن تسجيل مجموعة من الثغرات على مستوى هذه المسطرة.
من ذلك، هل يجوز إعادة فتح المسطرة من جديد، بعد صدور الحكم بقفل المسطرة، وإقبار الشخص المعنوي وما هي حجية حكم قفل المسطرة؟
إن مدونة التجارة سكتت عن هذه المسألة، بخلاف القانون الفرنسي الصادر في 25 يناير 1985 الذي تبنى موقفا سلبيا، يتمثل في أن الحكم القاضي بالتصفية القضائية لعدم كفاية الأصول لا يعيد للدائنين ممارسة دعاويهم الفردية ضد المدين، ما عدا إذا كان الدين ناشئا عن إدانة جنائية لارتكاب أفعال خارجة عن النشاط المهني للمدين أو لارتكاب غش ضريبي، لفائدة في هذه الحالة الخزينة العامة وحدها، أو لحقوق تتعلق بشخص الدائن، غير أن الكفلاء أو شركاء المدين في الالتزام الدين قاموا بالأداء عوضا عن المدين يمكن لهم متابعة هذا الأخير.
أمام سكوت مدونة التجارة عن هذا الإشكال، فإن الفقه المغربي يرى أنه يتعين السماح للدائنين باسترجاع دعاويهم الفردية إذا حكم بقفل عمليات التصفية متى استحال الاستمرار في القيام بعمليات التصفية لعدم كفاية الأصول.
كما استقر القضاء الفرنسي على إمكانية فتح المسطرة في حالة وحيدة وهي إذا ظهرت بعد عملية القفل أصول جديدة وأموال جديدة، هنا لكل ذي مصلحة أن يتقدم بطلب إعادة فتح المسطرة لأجل توزيع الموجودات الجديدة.
خاتمة
حاولنا على امتداد صفحات هذا البحث، التطرق لأهم الإشكالات التي يطرحها قانون صعوبات المقاولة، سواء في مرحلة الوقاية أو المعالجة، وقد ركزنا على العيوب والثغرات التي تخللت هذا القانون سواء من حيث الجانب النظري أو العملي، وكيفية تعامل القضاء مع هذه الإشكالات حيث قام هذا الأخير دورا كبيرا في التصدي لهذه الثغرات، وإن كانت أهم الصعوبات التي تواجه هذا القانون في النجاح وتحقيق أهدافه ترتبط أساسا بالمقاول المغربي الذي لا زال لحد الآن لم يستوعب هذه المساطر، حيث إن السواد الأعظم للفهم إنما يلجئون لهذه المساطر من أجل التحايل أو أنهم لا يبلغون عن هذه الصعوبات إلا بعد أن يكون الداء قد استشرى في جسد المقاولة بحيث سوف لن ينفع معه العلاج، وتبقى التصفية القضائية هي الحل الأخير، وبالتالي فإن المشكل لا يمكن في النصوص بالرغم من الثغرات التي تخللتها وإنما في مدى ملائمة هذه النصوص للنسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي، لأن القانون كما يقول أحد الباحثين، تنظيما لواقع معاش لا لمجتمع يرجى.
لائحة المراجع.
الكتب.
– احمد شكري السباعي , الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة الجزء الاول في الوقاية الداخلية والخارجية والتسوية الودية , دار نشر المعرفة , الطبعة الثانية , 2007 .
– احمد شكري السباعي , الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها الجزء الثاني في مساطر المعالجة حكم فتح مسطرة المعالجة (الشروط الموضوعية والشكلية والاجراءات ) والتسوية القضائية (المرحلة الؤقتة واستمرارية المقاولة والتفويت),دار نشر المعرفة , الطبعة الثانية 2007 .
– احمد شكري السباعي , الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها , التصفية القضائية والقواعد المشتركة بين مسطرتي التسوية القضائية والتصفية القضائية والجزاءات التجارية والجنائية المتخذة ضد مسيري المقاولة , دار نشر المعرفة , الطبعة الثانية 2009 .
– محمد كرم , الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي , الجزء الاول , المطبعة والوراقة الوطنية مراكش , الطبعة الاولى 2010 .
– عبد العالي العضراوي,
صعوبات المقاولة بين النظرية و التطبيق ، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ، نونبر 1999 .
الرسائل الجامعية:
–
ميمونت الوكيلي, اثر فتح مسطرة التسوية القضائية على عقد الكراء التجاري , رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار , جامعة محمد الاول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية , وجدة,سنة 2010-2011 .
المقالات:
– محمد ايت بلحسين , مسطرة الوقاية الخارجية , مجلة المحامي , عدد 41 ,2001
– محمد ايت بلحسين , عرض موجز حول مساطر صعوبات المقاولة , مجلة المحامي , عدد 43 , 2001 .
– رحال حاتم , قراءة متأنية في الكتاب الخامس من مدونة التجارة , مجلة المحامي , عدد 39 , 2001 .
الفهرس:
مقدمة:
المطلب الأول: العيوب والثغرات خلال مرحلة الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة.
الفقرة الأولى: العيوب والثغرات خلال مرحلة الوقاية الداخلية .
أولا:من حيث اشخاص تحريك هذه المسطرة.
ثانياً: من حيث الاشخاص الخاضعين لمسطرة الوقاية الداخلية.
الفقرة الثانية:العيوب والثغرات خلال مرحلة الوقاية الخارجية.
المطلب الثاني:العيوب والثغرات خلال مرحلة التصفية القضائية.
الفقرة الأولى: الإشكالات المتعلقة بعدم التنسيق بين قانون صعوبات المقاولة وبين القوانين الأخرى.
أولا:إشكالية تعارض مقتضيات قانون صعوبة المقاولة مع القانون البنكي خلال مرحلة التصفية القضائية.
ثانياً:إشكالية تعارض قانون صعوبة المقاولة ومدونة تحصيل الديون العمومية.
الفقرة الثانية:إشكالات شمول الحكم القاضي بالتصفية القضائية بالنفاذ المعجل وقفل المسطرة.
أولا: إشكالية شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
ثانياً: إشكالية قفل مسطرة التصفية القضائية.
خاتمة
منقول