مستجدات قانون المسطرة الجنائية


مستجدات قانون المسطرة الجنائية

أولاً: آليات جديدة لمكافحة الجريمة وحماية الضحايا

اتجه القانون نحو القضاء الفوري على آثار الجريمة والحفاظ على الوضعيات التي كانت قائمة قبل ارتكابها، كما أوجد آلية جديدة ترمي إلى رأب الصدع الذي يمكن أن يطال العلاقات الاجتماعية، مستهدفاً تحقيق الصلح بين الخصوم، علما أن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين كان قد تبنى هذا التوجه وأقره في إعلان فيينا خلال شهر أبريل 2000، حيث قرر استحداث » خطط عمل وطنية وإقليمية ودولية لدعم ضحايا الجريمة تشمل آليات للوساطة والعدالة التصالحية« وقرر أن يكون عام 2002 هو الموعد المستهدف لكي تراجع الدول ممارساتها في هذا الشأن.

1. إرجاع الحالة في حالة الاعتداء على الحيازة إلى ما كانت عليه:

وهي سلطة تمكن النيابة العامة من إرجاع الحيازة إلى الأشخاص الذين كانت لديهم بمقتضى حكم قضائي ثم انتزعت منهم بفعل اعتداء جرمي يتم بعد تنفيذ الحكم باسترداد الحيازة، وهو إجراء سيكون من شأنه تلافي استمرار اثر الجريمة قائما في انتظار صدور حكم قد تطول إجراءاته. ويقع هذا الإجراء تحت مراقبة القضاء الذي له أن يقره أو يلغيه أو يعدله (المادتان 40 و49).

2. رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها:

وهو إجراء يمكن ذوي الحقوق من أن يتسلموا فوراً ممتلكاتهم المنقولة التي سلبت منهم من جراء فعل جرمي كالسرقة أو خيانة الأمانة، وتجنب حرمانهم منها أو تلفها أو تضررها بمستودعات المحاكم في انتظار صدور حكم نهائي. وذلك ما لم تكن محل نزاع أو لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة(المادتان 40و49).

3. الصلح بين الخصوم:

أصبح التشريع الجنائي الدولي الحديث يولي اهتماماً كبيراً لضحايا الجرائم الذين تم تجاهلهم وإقصاؤهم في وقت تنامى فيه الاهتمام بالجناة. ولذلك فإن من أسباب الاطمئنان إلى العدالة الجنائية تمكن الضحايا من الوصول إلى حقوقهم عبر تسوية حبية دون اللجوء إلى حكم قضائي، علماً أن من أسباب استقرار الأمن واستتباب الطمأنينة بالمجتمع تحقيق تصالح بين طرفي الخصومة المباشرين. وهو ما يؤدي إلى رأب الصدع وجبر الضرر والقضاء على الفتن والاضطرابات والحد من النزعات الانتقامية لدى الضحايا. وهذا التدبير أحدث حلاً وسطاً بين قراري الحفظ والمتابعة اللذين تملكهما النيابة العامة إذ سيمكن من تجنب متابعة المتهم وفي نفس الوقت يقدم حلاً للضحية بالحفاظ على حقوقه ويصون حقوق المجتمع.

ويهم هذا التدبير جنحاً محددة على سبيل الحصر تتسم بكونها لا تعتبر خطيرة على النظام العام ويقتصر ضررها الظاهر على أطرافها الذين يعتبر رضاهم ضرورياً لتحقيق المصالحة.

وقد قيد هذا التدبير بمراقبة القضاء الذي له أن يتأكد من وقوعه بحضور الأطراف ودفاعهم قبل إقراره بأمر قضائي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه (المادة41).

4. إيقاف سير الدعوى

إن بعض النزاعات التي تقع بين الأفراد وترفع إلى المحاكم، يكون من شأن استمرار عرضها على القضاء التأثير على الروابط والعلاقات الإنسانية القائمة بين طرفي النزاع خاصة حين لا يكون الضرر الإجتماعي ذا أهمية بالغة.

ورغبة في الحفاظ على هذه الروابط التي يؤدي الحكم فيها إلى أضرار لا تتحقق معها المصلحة العامة، فقد أحدث هذا القانون آلية جديدة نصت عليها المادة 372 يمكن بمقتضاها للمحكمة في بعض الجرائم، إذا تنازل الطرف المتضرر أثناء سريان الدعوى، أن تأمر بإيقاف سير إجراءات الدعوى العمومية وذلك بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة، مع إمكانية مواصلة النظر في الدعوى بطلب من النيابة العامة كلما طرأت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ما لم تكن قد انقضت بأحد أسباب السقوط كالتقادم وغيره.

وتتوخى هذه الإمكانية الحفاظ على الروابط الاجتماعية وإذكاء فضائل التعايش والتسامح.

5. السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات

إن المسطرة التي كان معمولاً بها تعطي للقضاة حق إصدار أوامر قضائية في غيبة الأطراف في المخالفات التي لا يعاقب عنها بعقوبات سالبة للحرية ولا يظهر فيها متضرر وذلك بناء على ملتمسات النيابة العامة، وهو ما يضعنا أمام مسطرة طويلة ومعقدة تستهلك وقتاً طويلاً ومجهوداً فائقاً من عدة أطراف (الشرطة القضائية – كتابة النيابة العامة – وكيل الملك – كتابة الضبط – القاضي) لينتهي الأمر بصدور أمر بغرامة بسيطة يملك المحكوم عليه حق التعرض عليها.

وقد استهدف القانون تقليص وقت البت في هذا النوع من القضايا واختزال المجهودات البشرية والمادية التي تنفق لإنجازه، ومنح للنيابة العامة حق اقتراح أداء غرامة جزافية لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للمخالفة، وفي حالة عدم موافقته تعرض القضية على القضاء للبت فيها وفقاً للمسطرة الحضورية العادية، وبالمقابل فإن الاقتراح يصبح سنداً قابلاً للتنفيذ في حالة قبول المخالف به أو عدم تعرضه عليه (المواد 375 إلى 382).

6. دور النيابة العامة في حماية المجتمع ومحاربة الجريمة:

نظراً لتنامي وتزايد ظاهرة الجريمة وتعقد أساليبها وامتداد أنشطة شبكاتها عبر حدود الدول واستغلالها لوسائل التكنولوجيا الحديثة. وحرصاً على تفادي التأخير في إنجاز الأبحاث والحيلولة دون فرار المشتبه فيهم، فقد جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة (وقاضي التحقيق كذلك) وسائل جديدة للبحث عن أدلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من أجل محاكمتهم، من بينها:

أ) سحب جواز السفر وإغلاق الحدود:

بالإضافة للإمكانية المتاحة أمام هيئة الحكم وهيئة التحقيق بمقتضى المادة 182، يمكن للنيابة العامة إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث التمهيدي أن تسحب جواز سفر المشتبه فيه وتغلق الحدود في وجهه لمدة لا تتجاوز شهراً واحداً،ويمكن تمديد هذا الأجل لغاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه، وينتهي مفعول الإجراءين في كل الأحوال بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو باتخاذ قرار بحفظ القضية (المادتان 40 و49).

وهذا الإجراء يتيح للأجهزة المكلفة بمكافحة الجريمة فرصة كافية للتثبت من الجرائم وجمع الأدلة، ويعتبر بالنسبة للمشتبه فيه إجراء ناجعاً في عدة أحوال إذ يمكنه من وقت أوسع للبحث عن وسائل للدفاع عن نفسه، ويعد في نفس الوقت إجراء كفيلاً بضمان حضور المتهم من غير اللجوء إلى وضعه تحت الحراسة النظرية.

ب) التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها:

هذه الإمكانية مخولة لقاضي التحقيق، كلما اقتضتها ضرورة التحقيق. ويمكن كذلك للوكيل العام للملك إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث أن يلتمس من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإذن له كتابة بالتقاط المكالمات وكافة الاتصالات المرسلة بواسطة وسائل الاتصال المختلفة وتسجيلها. ويتم ذلك تحت سلطته ومراقبته.

ونظراً لخطورة الإجراء فإن القانون اعتبره إجراء استثنائياً ووضعه أساساً بيد قاضي التحقيق متى كانت القضية معروضة عليه، واستثناء وإذا اقتضت ذلك ضرورة البحث في قضية غير معروضة على التحقيق يمكن للوكيل العام للملك أن يحصل على إذن من الرئيس الأول للقيام بهذا الإجراء في بعض الجرائم شديدة الخطورة على أمن المواطن وسلامة الوطن. وفي حالة الاستعجال القصوى يمكن للوكيل العام للملك بكيفية استثنائية إذا كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، أن يبادر إلى القيام بذلك الإجراء و إشعار الرئيس الأول على الفور، والذي عليه أن يقرر بشأن قرار الوكيل العام للملك خلال أربع وعشرين ساعة.

وقد حدد القانون مدة وشكليات هذا الإجراء بكل دقة وأحاطه بقيود صارمة تكفل حماية حرمة الأشخاص وعدم استغلال هذه الإمكانية خلافاً للقانون، وفرض عقوبات على مخالفتها (المواد من 108 إلى 116).

ج) إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض:

منح هذا القانون لوكيل الملك وللوكيل العام للملك الصلاحية لإصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين. ولقد كانت هذه النقطة تشكل عائقاً أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملاً في محاربة الجريمة إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني.

وفي القضايا الجنحية التي لا يمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي، نظراً لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر.

ويتوخى هذا القانون من هذا المقتضى الذي تضمنته المادتان 40 و49 تحقيق الفعالية اللازمة للعدالة الجنائية.

ثانياً: توفير أجوبة ملائمة للانحراف البسيط والمتوسط

بالنظر لكثرة بعض القضايا التي لا تكتسي خطورة بالغة، والتي أضحت تؤثر على سير وأداء عمل القضاء الجنائي، وتستغرق من الجهد والوقت ما ينبغي تخصيصه للقضايا المعقدة والشائكة، فقد قدم المشروع جواباً لذلك عبر آليتين:

1: القضاء الفردي

رغم أن تجربة القضاء الفردي كانت محل انتقاد جعل المشرع يعتنق نظام القضاء الجماعي منذ تعديل سنة 1993، إلا أنه لا يمكن إنكار الدور الإيجابي الذي لعبه القضاء الفردي خلال الحقبة التي طبق فيها في تصفية العديد من القضايا بالسرعة المطلوبة. ولذلك فإن القانون بتبنيه للقضاء الفردي من جديد في البت في القضايا التي لا تتجاوز العقوبات المقررة لها سنتين حبساً أو مجرد غرامة فقط، يكون قد توخى الحرص على سرعة وفعالية نظام العدالة الجنائية في معالجة هذا النوع من القضايا. وذلك مع ترك البت في القضايا الجنحية المهمة إلى القضاء الجماعي، مما سيوفر لهذا النوع من القضايا حظا أوفر من العناية ستنعكس بالإيجاب على مستوى المقررات القضائية (المادة 374).

2: الأمر القضائي في الجنح

أوجد القانون مسطرة مبسطة للجنح البسيطة التي يعاقب عنها فقط بغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف درهم ولا يظهر فيها مطالب بالحق المدني، إذا كانت ثابتة بمقتضى محضر أو تقرير. و تمكن هذه المسطرة القاضي من إصدار أمر بأداء الغرامة بناء على ملتمس النيابة العامة، والبت في غيبة المتهم والمسؤول عن الحق المدني بأمر يمكنهما التعرض عليه بعد تبليغه. ويتيح التعرض فرصة المحاكمة الحضورية العادية (المادة 383).

ثالثاً: ثنائية التحقيق

بالنظر إلى أن ظهير الإجراءات الانتقالية كان قد حول البت في الجنايات إلى محاكم الاستئناف ونقل قضاة التحقيق إلى هذه المحاكم، فإن التحقيق في الجنح أصبح رهيناً بوجود نص قانوني صريح يجيزه، وهو ما جعل مجموعة من الجنح التي تكتسي أهمية بالغة كالجرائم الاقتصادية وتزوير الوثائق، غير مشمولة بمسطرة التحقيق وهو ما قد لا يساعد على الكشف عن الحقيقة، علماً بأن تقليص مدة الحراسة النظرية لدى الشرطة القضائية قد أثر بدوره على نتائج الأبحاث في الحالات التي لم يكن ممكناً فيها الإفراج عن المشتبه فيهم.

وبالنظر لخطورة بعض الجنح والتي تصل عقوبتها القصوى إلى خمس سنوات حبسا أو أكثر.

وبالنظر كذلك إلى أن مشروع القانون الجنائي المرتقب قد يتبنى عقوبات تتجاوز خمس سنوات لبعض الجنح ذات الخطورة.

فقد أتى القانون بمسطرة التحقيق الاختياري بالنسبة للجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر بالإضافة للجنح التي يجيز أو يوجب نص خاص التحقيق فيها.

ولتحقيق هذه الغاية فقد تم إحداث مؤسسة قاضي التحقيق لدى المحاكم الابتدائية بالإضافة لاستمرار المؤسسة الموجودة لدى محاكم الاستئناف.

رابعاً: بدائل للاعتقال الاحتياطي (الوضع تحت المراقبة القضائية)

لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شأنها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع. ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية.

ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقداً لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية (المواد من 159 إلى 174).

خامساً: الجديد في طرق الطعن

1: استئناف القرارات الصادرة عن غرف الجنايات

لا يتوفر المتهم الذي يحاكم أمام غرفة الجنايات – ولو من أجل جنحة– سوى على درجة واحدة من التقاضي، علماً أن هذه الغرف تصدر أحكاماً تصل لحد الإعدام والسجن المؤبد بشأن الجنايات؛ في حين يتوفر المتهم الذي تحاكمه المحكمة الابتدائية على الحق في الاستئناف ولو كان متابعاً من أجل جنحة يعاقب عليها القانون بغرامة بسيطة فقط.

وهذا الوضع منتقد لأنه يهدر حق المتهم في التوفر على درجتين من درجات التقاضي، ويمس بمبدأ المحاكمة العادلة.

ولذلك فقد جاء القانون الجديد بمقتضيات تنص على إمكانية الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة عن غرف الجنايات لدى محاكم الاستئناف من قبل أطراف الدعوى.

ولتوفير مزيد من الضمانات للمحاكمة العادلة فإن غرفة الجنايات الاستئنافية التي تنظر في الطعن تتكون من رئيس وأربعة مستشارين لم يسبق لهم النظر في القضية. مع العلم أنه ضمانا لحسن سير العدالة وتقريب القضاء من المتقاضين فإن هذه الغرفة توجد بنفس محكمة الاستئناف التي توجد بها غرفة الجنايات التي أصدرت الحكم الابتدائي (المادة 457 ).

2: الطعن بالنقض في القرارات الجنائية القاضية بالبراءة أو الإعفاء

إن الوضع الحالي لا يتيح الطعن بالنقض في القرارات الصادرة عن غرف الجنايات إذا قضت بالبراءة أو بالإعفاء، ولذلك فإن المستفيد الوحيد من هذه الوضعية هو المتهم الذي لا يمكن للنيابة العامة أن تطعن بالنقض في مواجهته إذا صرحت غرفة الجنايات ببراءته أو بإعفائه.

والواقع أن هذه وضعية منتقدة، لكونها لا تضع الخصوم على قدم المساواة حيث يمكن للمتهم الطعن بالنقض في حالة إدانته، و لا يتاح هذا الحق للنيابة العامة بصفتها ممثلة للمجتمع ومدافعة عن النظام العام في حالة استفادة المتهم من البراءة أو من الإعفاء من العقوبة.

وهي من جهة أخرى لا تتيح الفرصة لتصحيح الأخطاء التي قد تعتري قرارات غرفة الجنايات، والتي – في حالة حدوثها – تجعل المتهم يفلت من العقاب رغم فظاعة الجرم المرتكب من قبله، علماً أن الطعن بالنقض لفائدة القانون لا يوفر إمكانية إصلاح الخطأ إلا من الناحية المبدئية، إذ لا يسمح بمعاقبة المتهم أو إعادة محاكمته رغم قبول الطعن (النقض لفائدة القانون).

ولذلك فإن القانون الجديد تخلى عن هذا المقتضى الذي كان مقررا في الفصل 576 من قانون 1959.

3: الطعن بإعادة النظر

أحدث القانون وسيلة طعن جديدة هي الطعن بإعادة النظر في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى حفاظاً على حقوق الأطراف، وذلك في الحالات الآتية:

– ضد القرارات الصادرة استناداً إلى وثائق صرح أو اعترف بزوريتها؛

– من أجل تصحيح أخطاء مادية؛

– إذا أغفل القرار البت في أحد الطلبات المعروضة بمقتضى بعض وسائل استدل بها؛

– في حالة عدم تعليل قرار المجلس الأعلى؛

– ضد القرار الصادر بعدم القبول أو بالسقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستدلال بها فيما بعد (المادتان 563 و 564 ).

سادساً: التوجهات الكبرى لحماية الأحداث

إذا كان الهدف الذي توخاه القانون الجديد هو حماية الأحداث الجانحين وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع، فإنه لم يقصر هذه الحماية على الحدث الجانح أو ضحية الجريمة فقط، وإنما شمل بها الأحداث الموجودين في وضعية صعبة كذلك (المواد من 512 إلى 517).

وقد سلك القانون الجديد في معالجته لقضايا الأحداث اعتماد مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل وأحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية وأقر عدة مقتضيات لبلوغ ذلك الهدف، من بينها:

– رفع سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة ميلادية كاملة (المادة 458)؛

– إحداث نظام قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية وإعطائه دوراً فاعلاً في حماية الأحداث، بالإضافة لتكريس الدور الذي يقوم به المستشار المكلف بالأحداث لدى محكمة الاستئناف؛

– إحداث هيئات قضائية متخصصة للنظر في قضايا الأحداث يرأسها وجوباً قاض مكلف بالأحداث. وعلى غرار ذلك أوكل للوكيل العام للملك تعيين قاضي النيابة العامة الذي يضطلع بمهام الأحداث (المادتان 467 و485). كما نهج نفس السبيل بتخصيص فئة من ضباط الشرطة القضائية مكلفين بالأحداث (المادة 19)، انسجاما مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية وقواعد بكين النموذجية حول جنوح الأحداث؛

– إسناد حق رعاية الصلح في الجنح التي يرتكبها أحداث للنيابة العامة، التي أصبح بإمكانها أيضاً المطالبة بإيقاف سير الدعوى العمومية المرفوعة ضد الحدث في حالة سحب الشكاية أو تنازل المتضرر (المادة 461)؛

– وإذا كان القانون الجديد قد راعى حماية الحدث وأوجد لذلك مسطرة تأخذ بعين الاعتبار مصلحته الفضلى وتقوم على تقويم سلوكه وتحسين تربيته وتهذيبه، فإنه قد أوجد لذلك آليات وأساليب متعددة منها نظام الحراسة المؤقتة المنصوص عليه في المادة 471 وتدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 ونظام الحرية المحروسة الذي تطرقت إليه المواد من 496 إلى 500.

وتهدف هذه الأنظمة جميعاً إلى بلوغ غاية وحيدة وتحقيق مطلب سام هو حماية الحدث من الانحراف وتقويم سلوكه لإعادة إدماجه في المجتمع.

وقد أشرك القانون في تحقيق هذه الغاية الآباء والأوصياء والكفلاء وكل شخص جدير بالثقة بالإضافة إلى المؤسسات والمصالح العمومية والجمعيات والمؤسسات الخصوصية المهتمة بالطفولة أو المكلفة بالتربية أو التكوين المهني أو المعدة للعلاج أو التربية الصحية.

وأعطى لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث الصلاحية المخولة لقضاة التحقيق ومكنهما من إجراء أبحاث يمكن على ضوئها « تحديد التدابير الواجب اتخاذها لضمان حماية الحدث و إنقاذه ».

ولم يفت القانون الجديد أن يراعي خطورة بعض الأحداث والحفاظ على سلامتهم، فأعطى لضابط الشرطة القضائية إمكانية الاحتفاظ بالحدث الذي يجري في حقه بحث، في مكان مخصص لمدة لا تتجاوز مدة الحراسة النظرية بعد موافقة النيابة العامة. ولا يعمل بهذا الإجراء إلا إذا تعذر تسليم الحدث لأوليائه أو كانت سلامته أو ضرورة البحث تقتضي ذلك. وعلى ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ كل التدابير اللازمة لتفادي إيذاء الحدث (المادة 460).

وفي نفس الإطار، سمح بصفة استثنائية بإيداع الأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 سنة بالسجن، إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر غيره. وفي هذه الحالة حرص القانون على صون حرمة الحدث وعدم اختلاطه مع من قد يهدد سلوكه أو سلامته وذلك بالاحتفاظ به في مكان أو جناح خاص معزول عن أماكن وضع الرشداء، وإبقائه منفرداً بالليل حسب الإمكان (المادة 473).

وإذا اقتضت الضرورة إصدار حكم بعقوبة سالبة للحرية على الحدث الجانح، فإن المحكمة تكون ملزمة بتعليل مقررها تعليلاً خاصاً. كما أن العقوبة المقررة للجريمة تخفض إلى النصف دون أن تزيد عن السجن من 10 سنوات إلى 15 سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة ثلاثين سنة (المادتان 482 و 493).

وأوجب القانون إشعار عائلة الحدث أو الشخص أو الهيئة المكلفة برعايته متى تم الاحتفاظ به لدى الشرطة القضائية (المادة 460) أو إذا تمت متابعته (المادة 475) أو تقرير نظام الحرية المحروسة في حقه (المادة 500).

كما أوجب فصل قضيته عن شركائه أو المساهمين معه من المتهمين الرشداء، وحافظ على سرية جلسات الأحداث وسرية السجلات وخصوصية السجل العدلي الخاص بهم (المواد 461 و476 و478 و505 و506 و507).

ونص القانون كذلك على طرق الطعن في مقررات الهيئات القضائية المكلفة بالأحداث، ومكن قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث من تغيير التدابير المأمور بها في حق الحدث كلما اقتضت ذلك مصلحته (المادة 501 وما بعدها).

ومن أوجه الحماية المقررة لفائدة الحدث ما نصت عليه المادة 466 حول منع نشر بيان عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث أو نشر كل نص أو رسم أو صورة تتعلق بهوية وشخصية الأحداث الجانحين، مع السماح بنشر الحكم دون الإشارة فيه لاسم الحدث بأية إشارة تمكن من التعرف على هويته.

وعلى العموم فإن القانون توخى رعاية الأحداث وتقويم سلوكهم وحمايتهم، ولعل أهم مستجداته في هذا الباب ما تضمنته المواد 512 إلى 517 التي اهتمت بتنظيم كيفية حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، وذلك دون أن يكون هؤلاء قد ارتكبوا فعلاً جرمياً ولا كانوا ضحية لفعل جرمي، وإنما يوجدون بفعل ظروف تهدد تربيتهم أو صحتهم أو أخلاقهم على حافة الانحراف.

وهذه الحماية مقررة لفائدة الحدث الذي يقل عمره عن ست عشرة سنة إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو أخلاقه أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق الإجرامية، أو إذا كان الحدث مارقاً من سلطة أوليائه أو اعتاد الفرار من مدرسته أو هجر إقامة وليه أو لم يعد يتوفر على مكان صالح يستقر به.

ويحق لقاضي الأحداث أن يخضع الحدث الموجود في وضعية صعبة لواحد أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في البنود 1 و3 و4 و5 و6 من المادة 471.

سابعاً: حضور القضاء في مجال تطبيق العقوبة

إن قانون المسطرة لسنة 1959 لا يتضمن أي مقتضيات تهم قاضي تطبيق العقوبة. ولتدارك هذا النقص أحدث القانون الجديد مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة الذي عهد إليه في كل محكمة ابتدائية باختصاصات لتتبع تنفيذ العقوبة بكيفية تسمح بإعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع. وقد أسندت إليه صلاحيات من بينها:

– زيارة المؤسسات السجنية مرة كل شهر على الأقل؛

– تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها فيما يتعلق بقانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب؛

– تتبع وضعية تنفيذ العقوبات المحكوم بها من طرف المحاكم ومسك بطاقات خاصة بالسجناء؛

– الإطلاع على سجلات الاعتقال؛

– تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط والعفو؛

– التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني.

ولعل في إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه لما بعد صدور الحكم. وهو شيء ايجابي لأن صلة القضاء بالمحكوم عليهم كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري (المادتان 596 و 640).

وإذا كانت هذه أهم الخطوط العريضة للقانون الجديد، فإنه حافظ بشكل إجمالي على أهم المكتسبات في حقوق الإنسان ورسخ عدة اجتهادات قضائية أساسية في شكل نصوص قانونية، وبلور كافة الضمانات التي تقتضيها المحاكمة العادلة كما تنص عليها المواثيق الدولية.

ومن الناحية الشكلية فان القانون الجديد استهدف تحسين تبويب مقتضياته وصياغتها صياغة واضحة.

 


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...