مستلزمات استقلال السلطة القضائية
يكرس الدستور المغربي، المصوت عليه بواسطة االستفتاء المجرى يوم فاتح يوليوز 1122 ،
نظام “ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية” قائم على أساس “فصل السلط وتوازنها
)1 )وتعاونها”
. وبما أن الفصل بين السلط هو حجر الزاوية بالنسبة للديمقراطية فإنه يستوجب وجود
وتوطيد سلطة قضائية مستقلة إزاء السلطة التنفيذية، ضامنة لدولة القانون وحامية لحقوق اإلنسان.
لقد كانت السلطة القضائية تتخبط في وضعية صعبة طيلة سنوات عديدة جراء تدخالت السلطة
التنفيذية في تدبير الملفات القضائية وغياب ضمانات استقالل المجلس األعلى للقضاء. ولئن كان
دستور فاتح يوليوز 1122 يضمن استقالل السلطة القضائية في الفصل 211 منه، والذي ينص على
أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية”، وعلى أن “الملك هو الضامن
الستقالل السلطة القضائية”، فإن العديد من العوائق القانونية والواقعية مازالت تحول دون تحقق
استقالل حقيقي. فالقانون رقم 2 -17 -761 الصادر بتاريخ 22 نونبر 2717 ،الذي يحدد النظام
األساسي للقضاة وتنظيم المجلس األعلى للقضاء وتسييره، يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا على استقالل العدالة
وفعاليتها. وإن هيمنة وزارة العدل على مسلسل اختيار القضاة وتوظيفهم وتكوينهم وتعيينهم وترقيتهم
وتأديبهم لتمثل تهديدا دائما الستقالل القضاء. فهذه الهيمنة تمارس أيضا على المجلس األعلى للقضاء
وتشكيله وتسييره واستقالليته سواء على المستوى المؤسساتي أو على المستوى اإلداري والمالي.
وأخذا لهذه االختالالت بعين االعتبار فقد نص الدستور الجديد على إحداث سلطة جديدة تسمى
المجلس األعلى للسلطة القضائية تسهر على “تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، والسيما فيما يخص
ستقاللهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم”
، كما نص على مراجعة تركيبة هذه المؤسسة مع
استبعاد وزير العدل الذي كان يمارس، فيما مضى، تأثيرا قويا على تسيير المؤسسة وقراراتها.
وينص الفصل 226 أيضا على االستقالل اإلداري والمالي للمجلس، وعلى سن قانون تنظيمي يحدد
قواعد تنظيم المجلس وسيره و”المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب”.
ولتأمين االستقالل الفعلي للسطلة القضائية وللقضاة في ممارستهم لمهامهم، فإن من األساسي
أن تكون القوانين التنظيمية الجديدة والنظام األساسي للقضاة متطابقة مع المعايير الدولية الستقالل
السلطة القضائية وحيادها، بما فيها المعايير المتعلقة بقضاة النيابة العامة.
وتنص المبادئ األساسية لألمم المتحدة والمتعلقة باستقالل القضاء على أن القضاة يتمتعون، “سواء
أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد اإللزامية أو انتهاء
)3 )الفترة المقررة لتوليهم المنصب، حيثما يكون معموال بذلك.”
وينص المبدأ 22 على أن القانون
يضمن “للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقاللهم، وأمنهم، وحصولهم
)4 )على أجر مالئم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم.”
إن ظروف القضاة في المغرب تبقى غير مأمونة في غياب نظام أساسي متطابق مع هذه
المعايير. ويبرز هذا الوضع بوضوح في حالة قضاة النيابة العامة. فحسب المادة 211 من الدستور
الجديد لم يستثن من التنقيل بمقتضى القانون سوى قضاة األحكام، مما يخلق وضعية غير مريحة لقضاة
النيابة العامة، الذين يجب عليهم “تطبيق القانون. كما يتعين عليهم االلتزام بالتعليمات الكتابية القانونية
)5 )الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها.”
وفضال عن ذلك، فإن الفصل 66 من قانون سنة 2717
المتعلق بالنظام األساسي للقضاة ينص على أن قضاة النيابة العامة يخضعون “لسلطة وزير العدل
ومراقبة وتسيير رؤسائهم األعلين ويتم نقلهم بظهير باقتراح من وزير العدل بعد استشارة المجلس
األعلى للقضاء”. وطبقا للمبادئ التوجيهية لألمم المتحدة بشأن دور أعضاء النيابة العامة، فإنه
يتعين “على أعضاء النيابة العامة أن يؤدوا واجباتهم وفقا للقانون، بإنصاف واتساق وسرعة، وأن
يحترموا كرامة اإلنسان ويحموها ويساندوا حقوق اإلنسان، بحيث يسهمون في تأمين سالمة اإلجراءات
)6 )وسالمة سير أعمال نظام العدالة الجنائية”
، في حين يبدو أن المقتضيات الجديدة للدستور حافظت
على رقابة وزير العدل على مكتب الوكيل، وهو ما من شأنه أن يؤثر على حسن سير العدالة وحيادها.
وأخيرا فإن إحداث محكمة دستورية تحل محل المجلس الدستوري يكتسي أهمية قصوى بالنسبة
لتدعيم دولة القانون وحماية حقوق اإلنسان وتقوية استقالل السلطة القضائية. كما أن من بين مستجدات
الدستور الجديد النص على أن المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية
قانون، أثير أثناء النظر القضائي في القضايا، وذلك إذا دفع أحد األطراف بعدم دستورية القانون أو
اإلجراءات.
إن إحداث هذه المؤسسة الجديدة سيمكن من الحرص على دسترة القوانين وتالؤمها مع المعايير
الدولية لحقوق اإلنسان، كما هو منصوص على ذلك في الدستور. وبناء على ذلك، فإن مشروع القانون
التنظيمي المنصوص عليه في المادة 232 من الدستور، مدعو إلى التأكيد على ضرورة إحداث محكمة
مستقلة في سير عملها وتنظيمها وسهولة ولوج المتقاضين إليها حين تتعرض حقوقهم الدستورية
لالنتهاك.
ومن أجل تأمين استقالل العدالة ونجاعتها، فإنه يتعين أن ترافق التعديل الدستوري مراجعة
عميقة للتشريعات القائمة لضمان استقاللية المجلس األعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة، وتقوية
النظام األساسي للقضاة، وضمان حماية قضائية حقيقية للحقوق والحريات األساسية، بما في ذلك على
مستوى المحكمة الدستورية، واسترجاع ثقة المغاربة في النظام القضائي.
ففي هذا اإلطار ينظم كل من المجلس الوطني لحقوق اإلنسان واللجنة الدولية للحقوقيين، ندوة
دولية حول إصالح السلطة القضائية في إطار الدستور المغربي الجديد، يومي فاتح وثاني مارس
1121 بالرباط. وتتمحور أشغال هذه الندوة أساسا حول المحاور التالية:
المحور األول: دور المجلس األعلى للسلطة القضائية في ترسيخ استقالل القضاء:
مستجدات الدستور في موضوع المجلس األعلى للسلطة القضائية؛
المجلس األعلى للسلطة القضائية : التركيبة واالستقاللية؛
أدوار المجلس األعلى للسلطة القضائية في تشخيص أوضاع العدل ومسارات؛
استقالل السلطة القضائية والمجالس العليا للقضاء في ضوء المعايير الدولية.
المحور الثاني: إصالح النظام األساسي للقضاة:
المقدمات الدستورية إلصالح النظام األساسي للقضاة ومستلزماته وامتداداته؛
المستلزمات التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية لتوفير ضمانات االستقالل؛
السلطة القضائية والنظام األساسي للقضاة في ضوء المعايير الدولية.
المحور الثالث: النيابة العامة، أي استقالل؟:
المعايير الدولية الستقالل النيابة العامة؛
مؤسسة النيابة العامة في الدستور الجديد وقانون المسطرة الجنائية الحالي؛
شروط ومستلزمات إصالح مؤسسة النيابة العامة؛
استقالل النيابة العامة في ضوء التجارب الدولية) إيطاليا، فرنسا، المملكة
المتحدة….(
المحور الرابع: استقالل القضاء بين القانون والممارسة:
دور محكمة النقض في ترسيخ استقالل القضاء؛
قابلية قرارات المجلس األعلى للسلطة القضائية للطعن؛
دور المحاكم اإلدارية في تعزيز استقالل القضاء؛
استقالل السلطة القضائية بين القانون والممارسة.
https://www.cndh.org.ma/sites/default/files/documents/Argumentaire_version_arabe.pdf