مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية بين إشكالية النص التنظيمي والتطبيق
يشكل إحداث المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية طفرة نوعية في المسار القانوني والقضائي بالمغرب؛ لما لذلك من ارتباط بمبادئ الحق والقانون وإشعاع روح العدل وتحقيق التوازن والمساواة، خاصة أن الأمر في مجال المنازعات الإدارية يقوم بين طرفين غير متساويين، طرف خاص وطرف عام، ومن أجل تدعيم الهدف من إحداث هذه المحاكم، فقد نص المشرع المغربي على مجموعة من الاجراءات والمساطر القانونية للتقاضي في كل من القانون 90/41 المحـدث للمحاكم الإدارية والقانون رقم 03/80 المتعلق بمحاكم الاستئناف الإدارية.
ولتحقيق ضمان حقوق الأفراد تم منحهم حق اللجوء إلى القضاء لرفع الظلم عنهم عن طريق تقديم دعوى، هاته الأخيرة يجب فيها احترام مجموعة من الإجراءات من بدايتها حتى صدور حكم نهائي فيها غير قابل للطعن بأي طريقة من طرق الطعن العادية وغير العادية، والملاحظة الأساسية التي تفرض علينا نفسها في هذا الإطار هي عدم تبني المشرع المغربي لقانون قضائي إداري قائم بذاته في قواعده الشكلية، وذلك نظرا لغياب مسطرة إدارية تكون بمثابة المرجع الأساسي الذي يرجع إليه المتقاضون ، بل نجد أن القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية يحيل في مجمله على قانون المسطرة المدنية التي تقوم بهذا الدور في الوقت الحالي.
وتجب الإشارة إلى أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية منها ما هو مشترك تلتقي فيه مختلف الدعاوي الإدارية، ومنها ما هو خاص تنفرد وتتميز به كل دعوى عن الأخرى.
وتعتبر هذه الاجراءات روح التقاضي ووسيلة مهمة من أجل تحقيق مبدأ العدل والانصاف والحصول على الحق بالطريقة العادلة، ومسطرة التقاضي هي الإجراءات التي تتبعها الأطراف من أجل الحصول على حقها المقرر بموجب القانون، ابتداء من وضع المقال بصندوق المحكمة إلى أن يصبح الحكم نهائيا، وقد تطول هذه المسطرة أو تقصر حسب طبيعة القضية المعروضة على المحكمة،
وأيضا حسب طبيعة هذه الإجراءات التي قد تتطلب مساطر متعددة وضرورية، ومن خلال تفعيل هذه المساطر والإجراءات لابد أن تبدو في الأفق بعض الإشكاليات القانونية، وكذا بعض الصعوبات العملية التي يمكن أن تعترض مسطرة التقاضي سواء أمام المحاكم الإدارية أو محاكم الاستئناف الإدارية أو على صعيد الغرفة الإدارية بمحكمة النقض. وبالتالي يحق لنا أن نطرح التساؤل التالي:
ماهي الاشكاليات القانونية والصعوبات العملية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية؟
وللجواب عن هذه الإشكالية ارتأيت تقسيم الموضوع إلى محورين أساسيين :
المحور الأول: الاشكاليات القانونية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم ادارية.
المحور الثاني: الصعوبات العملية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم ادارية.
المحور الأول: الاشكاليات القانونية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية
تعتبرمسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية كما سبق الذكر من أهم الآليات التي تفتح أمام المتقاضي إمكانية ممارسة حقه في رفع الدعوى أمام المحكمة من أجل الحصول على حقه المشروع الذي أقره القانون ووقع الاعتداء عليه، وبطبيعة الحال، فإن هذه الآليات مبنية على إجراءات ومساطر تنظمها قوانين وتشريعات تتجسد بصفة أساسية بالنسبة للمحاكم الإدارية في القانون المحدث لها القانون رقم 90/41 ومحاكم الاستئناف الإدارية القانون رقم 03/80 بالإضافة إلى القوانين المنظمة لإجراءات التقاضي أمام محكمة النقض.
وبطبيعة الحال فإن تفعيل هذه القوانين تبرز لنا مجموعة من الاشكاليات في تجليات مختلفة سأحاول التطرق إليها من خلال مجموعة من النقاط : الفراغ التشريعي (أولا) تعدد الإطار التشريعي (ثانيا) مظاهر المفارقة بين القوانين المحال عليها وخصوصيات المنازعات الإدارية (ثالثا).
أولا : وجود فراغ تشريعي
لا شك أن لكل عمل نقصان، وأن وجود إشكاليات قانونية قد يكون مصدرها وجود فراغ تشريعي في تنظيم بعض الاجراءات والمساطر، إذ تنص المادة السابعة من القانون 90/41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية ” تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك”. ومن خلال قراءة متأنية للقوانين المنظمة لمسطرة التقاضي يبدو أن هناك فراغا تشريعيا في بعض الجوانب منها.
بالنسبة للطعن في قرارات المساعدة القضائية
من بين الاختصاصات الموكولة إلى مؤسسة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب المادة 7 من القانون رقم80-03 هو منح المساعدة القضائية لطالبها طبقا للشروط المنصوص عليها في المرسوم الملكي الصادر بتاريخ فاتح نوفمبر1966 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية، إلا أنه سيكون من الناذر طلب المساعدة القضائية في المرحلة الاستئنافية لعدة أسباب نذكر منها ما يلي :
إن طلبات الاستئناف معفاة أصلا من أداء الرسوم القضائية طبقا للفقرة الثانية من المادة 10 من قانون رقم 80-03 وبالتالي لا حاجة للطالب في طلب هذه المساعدة إلا من أجل تنصيب محام.
– إن منح المساعدة القضائية للطالب في المرحلة الابتدائية بمقتضى قرار صادر عن رئيس المحكمة الإدارية يسري أثره حتى بالنسبة للاستئناف الذي رفع ضد المستفيد من هذه المساعدة، أو في حالة تقديمه لاستئناف فرعي أو عرضي. إلا أن قرار المساعدة القضائية لا يسري أثره على الاستئناف الأصلي المقدم من طرف المستفيد من هذا القرار، وفي هذه الحالة يمكنه من جديد تقديم طلب المساعدة القضائية أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من أجل الاستفادة من تنصيب محام يتولى تقديم الاستئناف المذكور لفائدته.
– إن تقديم طلب المساعدة القضائية في المرحلة الاستئنافية، يفيد بأن الطالب لم يكن يتوفر عليها في المرحلة الابتدائية، بحيث من المؤكد أنه يكون قد أدى الرسوم القضائية عن مقاله الافتتاحي – إذا كان النزاع يتعلق بالقضاء الشامل- ونصب محاميا للدفاع عنه، وبالتالي كيف يمكن تصور أن هذا الطالب أصبح في حالة عوز عند تقديم الاستئناف، وأن إمكانياته أصبحت لا تسمح له بتنصيب محام حتى يمكنه تقديم طلب للمساعدة القضائية في هذه المرحلة ؟
والشيء الجديد الذي أتى به قانون 80-03 بخصوص المساعدة القضائية، هو أن المشرع حدد بدقة الجهة التي يستأنف لديها القرار الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية برفض منح المساعدة القضائية، وهي محكمة الاستئناف الإدارية، التي تبت في الاستئناف بغرفة المشورة وذلك طبقا للمادة 8 من القانون المذكور، كما حسم في طبيعة هذا القرار وهي الطبيعة القضائية، ويكون المشرع بذلك، قد ملأ الفراغ التشريعي الذي كان القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية يعاني منه بسبب عدم تحديده للجهة الاستئنافية، ولا للأجل الذي يمكن تقديم الاستئناف خلاله ، فكانت عدة تساؤلات تطرح نتيجة لهذا القصور التشريعي، منها: هل قرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية هو قرار نهائي أم ابتدائي ؟ وإن كان هذا القرار قابلا للاستئناف فأمام أي جهة يستأنف لديها؟ هل أمام مكتب المساعدة القضائية بالمجلس الأعلى طبقا للمسطرة العادية المنصوص عليها في الفصل 11 من مرسوم فاتح نوفمبر 1966؟ أم أمام الغرفة الإدارية ؟
كل هذه الإشكالات والتساؤلات قد تم وضع حد لها بإحداث محاكم استئناف إدارية التي أصبح من اختصاصها كما قلنا النظر في استئناف قرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية، ولكن بقي مع ذلك تساؤل مطروح متعلق بقرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف هل هو قرار نهائي؟ أم قابل للاستئناف؟ وإذا كان الأمر كذلك فأمام أي جهة؟ وداخل أي أجل؟
في اعتقادنا أن القرار الصادر عن الرئيس الأول برفض منح المساعدة القضائية هو قرار قضائي نهائي غير قابل للاستئناف ولهذا السبب لم يتطرق المشرع لهذه النقطة، لكن ألا يمكن اعتبار ذلك
اجحافا في حق الطرف المتضرر إذا كان فعلا شخصا معسرا ولا يقوى على تحمل التبعات المادية لإجراءات التقاضي أمام محكمة الاستئناف الإدارية ومن بعدها أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض.
عدم التنصيص على بعض إجراءات الطعن
بالرجوع إلى القانونين المنشئين لكل من المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية نجد المشرع المغربي خاصة بالنسبة للفصل 7 من القانون 90/41 يحيل الأمر على القواعد المنظمة للمسطرة المدنية، ويمكن القول أنه نظرا لطبيعة إجراءات الطعن، فقد كان حريا به أن ينظم هذه الاجراءات من خلال القوانين المنشئة للمحاكم الإدارية نظرا لطبيعة المنازعات الإدارية، خاصة وأنه اكتفى فقط بالإشارة إلى كل من الاستئناف والنقض دون الطعون الأخرى وهي إعادة النظر وتعرض غير الخارج عن الخصومة، كما أنه اكتفى في موضوع التعرض بالإشارة إلى كون القرارات الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية هي القابلة للتعرض.
ثانيا: تعدد الإطار التشريعي
لا شك أن ممارسة التقاضي يتطلب تفعيل النصوص القانونية التي أتى بها المشرع لدعم تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله المحاكم الإدارية بصفة عامة. وبإطلالة على مسطرة التقاضي أمام هذه المحاكم يتبين أن هناك مجموعة من القوانين تنظمها، فبالإضافة إلى القوانين المنشئة لها نجد أن هناك إحالة على قانون المسطرة المدنية، بالإضافة إلى نصوص قانونية أخرى سواء تعلق الأمر بقوانين الموضوع مثل قانون نزع الملكية، أو مدونة تحصيل الديون العمومية، أو قانون الميثاق الجماعي، والتي رغم كونها قانونا موضوعا فإنها تنظم جوانب شكلية في علاقتها بالمنازعات التي تعرض أمام المحاكم الإدارية، سواء تعلق الأمر بقوانين خاصة كالقانون المنظم للمحاماة أو الخبراء لارتباط الاجراءات بحضور المحامي، أو اعتماد القاضي على الخبرة من أجل اكتمال الجانب التقني والفني في النازلة المعروضة عليه.
هذا ومن شأن هذا التعدد التشريعي أن يؤثر على توازن إجراءات الدعوى الإدارية ويضع القاضي والمحامي والمتقاضي وجميع الأطراف التي لها علاقة بالدعوى -يضعهم- أمام إشكالية تجميع المعطيات الخاصة بهذه القوانين المتفرقة، وقد يصعب في بعض الأحيان على بعض الأطراف الإلمام بجميعها مما يعرض الدعوى في بعض الأحيان إلى عدم القبول أو الرفض أو يجعل القاضي في بعض الأحيان يصدر أحكاما ينقصها الحبك والتعليل نتيجة الصعوبة التي قد يجدها في استيفاء جميع المعطيات الخاصة بهذه القوانين المتفرقة.
انطلاقا من هذا ألا يمكن التفكير في إحداث قانون مسطري للمنازعات الإدارية يجمع شتات جميع القوانين التي لها علاقة بالمنازعات الإدارية مما يسهل لا محالة عمل كل الأطراف منهم القاضي والمحامي وأطراف الدعوى.
ثالثا: مظاهر المفارقة بين القوانين المحال عليهما وخصوصيات المنازعات الإدارية
بالاطلاع على مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية بصفة عامة نجد أن المشرع المغربي أحال عكس قوانين أخرى ممارسة بعض الاجراءات والمساطر، ويمكن القول أن هذه القوانين تناقض خصوصيات النزاع الإداري وكذا هيكلة المحاكم الإدارية باعتبار تأليفها من رئاسة وكتابة الضبط ومفوض ملكي.
مظاهر المفارقة بين نصوص المسطرة المدنية وخصوصية المنازعة الإدارية
لقد اعتمد المشرع كثيرا على جانب الإحالة على نصوص المسطرة المدنية بخصوص إجراءات التقاضي، إلا أنه يلاحظ أن هذه النصوص قد لا تتماشى مع طبيعة المنازعات الإدارية، من ذلك مثلا ما ينص عليه الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية من ضرورة الإدلاء بالبيانات الكافية مثل: الاسم العائلي والشخصي والمهنة والموطن الحقيقي أو المختار إلى غير ذلك، غير أنه بالرجوع إلى موضوع نزع الملكية الذي يعتبر من بين الاختصاصات المهمة للمحاكم الإدارية، نجد أن القانون المنظم لنزع الملكية وخاصة الفصل 18 في فقرته الثالثة يشير إلى عدم ضرورة احترام مقتضيات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية، وأن عدم الالتزام بها لا يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى.
مظاهر المفارقة بين نصوص أخرى وخصوصيات المنازعات الإدارية
بالإضافة إلى عدم تماشي بعض نصوص المسطرة المدنية مع طبيعة المنازعات الإدارية، فإن هناك بعض النصوص التي أشار إليها القانونان المنشئان لكل من المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية، فإذا كانت إجراءات التقاضي مرتبطة بالمجانية وعدم المجانية، فإن طلب الحصول على المساعدة القضائية هو من بين إجراءات التقاضي التي تخول للطرف رفع الدعوى بالمجان.
وبإطلالة على المادة 4 من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية وكذا مقتضيات القانون المنشئ لمحاكم الاستئناف، نرى أن المشرع ينص على أنه يجوز لكل من رئيس المحكمة الإدارية وكذا للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية منح المساعدة القضائية طبقا للقانون الجاري به العمل، وهو بطبيعة الحال المرسوم المنظم للمساعدة القضائية الصادر بتاريخ 1 نونبر 1966 إلا أنه بالرجوع إلى هذا القانون يتبين أنه يشير إلى الجهة المستقبلة للطلب هي النيابة العامة في شخص وكيل الملك، وبطبيعة الحال، فإن المحكمة الإدارية بدرجتها الأولى والثانية لا تتوفر على نيابة عامة فالإشارة إلى هذا القانون في منح المساعدة القضائية من طرف رئيس المحكمة أو الرئيس الأول يناقض هيكلة المحاكم الإدارية.
رابعا: إشكاليات بخصوص احترام الجانب الشكلي
لا شك أن مسطرة التقاضي مرتبطة بالجانب الشكلي ارتباطا وثيقا، ولا يمكن الفصل بينهما، وبطبيعة الحال، ونظرا لخصوصية المنازعات الإدارية، فقد تطلب المشرع سلوك بعض المساطر القبلية كما نص على احترام بعض الشكليات:
اشكاليات مرتبطة بمساطر قبلية
لقد نص المشرع على سلوك بعض الاجراءات والمساطر القبلية، أي قبل رفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية، منها التظلم، وسلوك مسطرة مطالبة المساعدة القضائية، إدخال الوكيل القضائي للمملكة، إدخال المساعد القضائي، سلوك مسطرة الوصول بالنسبة للمنازعات الموجهة ضد الجماعات المحلية.
وهكذا فإذا كان المشرع المغربي يحيل على مقتضيات المسطرة المدنية وبالخصوص المادة 32 التي تشير بصفة صريحة إلى أنه يمكن للقاضي تنبيه الأطراف من أجل استكمال البيانات غير التامة ومنها تصحيح المسطرة، أقول إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يقوم القاضي الإداري بمطالبة الأطراف باستكمال بعض البيانات غير التامة وتصحيح المسطرة، ولماذا لا يتقيد بمقتضيات الفصل 32 الذي يعتبر فصلا في مصلحة الأطراف، ذلك أن القاضي الإداري غالبا ما يتجه إلى الحكم بعدم القبول خاصة عند عدم إرفاق نسخة من القرار المطعون أو عدم سلوك بعض المساطر القبلية المشار إليها سابقا.
أعتقد أنه من الأفضل وفي إطار ممارسة مسطرة التقاضي من طرف الأطراف تنبيه هذه الأطراف إلى ضرورة إصلاح المسطرة خاصة بالنسبة للمواطن لأنه الطرف الضعيف في هذه المعادلة.
اشكاليات مرتبطة باحترام بعض الشكليات
تشير مقتضيات القانونين المنشئين للمحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية إلى دور المفوض الملكي كمكون من مكونات المحكمة، فالمادة 4 تشير إلى أن رئيس المحكمة يحيل الملف على القاضي المقرر وعلى المفوض الملكي، وأعتقد أن إحالة الملف على المفوض الملكي يتطلب تسليمه نسخة من المقال، وفي هذا الإطار فإن عدد نسخ المقال قد ينقص موازاة مع عدد الأطراف في الدعوى مما سيشكل تهديدا إما بعدم القبول طبق الفقرة الأخيرة من الفصل 32 أو الفصل 142 الذي يشير في الدعوى.
وهكذا قد يقوم القاضي المقرر أو المستشار المقرر بإنذار الطرف بضرورة الادلاء بالنسخة الناقصة المسلمة إلى المفوض الملكي، إلا أن الطرف قد لا يستجيب إلى دعوة المحكمة، ففي هذا الإطار هل يحق للمحكمة الحكم بعدم القبول طبقا للفصل 32 أو التشطيب طبقا للفصل 142 من قانون المسطرة المدنية في وقت لا يتحمل فيه الطرف أية مسؤولية، باعتباره قد أدلى أول الأمر بالنسح الكافية، وأن القاضي المقرر أو المستشار المقرر هو الذي قام بتسليم المفوض الملكي نسخة من المقال الافتتاحي أو المقال الاستئنافي.
أعتقد أنه مادام المفوض الملكي ليس طرفا في الدعوى فليس من حقه تسلم نسخة من المقال الافتتاحي أو الاستئنافي بالصورة التي قد تهدد مصير الدعوى إما بعدم القبول أو التشطيب، وأنه يتعين تسليمه نسخة مصورة فقط من هذه الوثائق.
إن الاشكاليات القانونية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية لا شك أن لها ارتباطا وثيقا بالصعوبات العملية التي تعترضها وهو موضوع المحور الثاني.
المحور الثاني: الصعوبات العملية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية
تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية مجموعة من الصعوبات التي قد يصعب التعرض إليها بصفة كلية، ومن جملة هذه الصعوبات ما يلي:
مدى إلزامية المحامي في الدعوى الإدارية
اشترطت المادة 3 من قانون 90-41 المحدث بموجبه محاكم إدارية أن يكون المحامي الذي يوقع المقال المكتوب مسجلا في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب.
فاشتراط المشرع المغربي لمسألة توقيع المحامي على المقال اعتبره شرطا جوهريا وأساسيا، ونص عليه بموجب قاعدة آمرة ملزمة لا يمكن مخالفتها و يترتب عن مخالفة هذا الشرط عدم قبول الدعوى لخرقها للشكليات القانونية.
ومن خلال التمعن في الفصول التي تشير إلى ذلك وخاصة بالنسبة للمحاكم الإدارية، ذلك أن الفصل يشير إلى أنه ترفع القضايا أمام المحاكم الإدارية بواسطة مقال افتتاحي موقع من طرف محامي ينتمي إلى إحدى هيئات المحامين بالمغرب، وبالتالي يطرح السؤال هل أن المحامي إلزامي فقط بوضع مقال افتتاحي موقع عليه فقط، أم له دور في الاجابة والتعقيب أيضا؟ ثم ما الأمر إذا تنازل المحامي عن نيابته عن الطرف بعد وضع المقال الافتتاحي، هل يحق لهذا الطرف متابعة الدعوى بنفسه، ثم ما هو الأمر بالنسبة للمدعى عليه الذي ليس هو صاحب المقال؟
اعتقد أن هذا الفصل كان من الأولى توضيحه بالشكل المطلوب وقد كان على المشرع التنصيص على كون التقاضي أمام المحاكم الإدارية يكون بواسطة محامي عوض التركيز على وضع المقال الافتتاحي بواسطة المحامي.
– قصر آجال الطعن
لقد حدد المشرع مدة قانونية لرفع دعوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية(ستون يوما) ويترتـب عن عدم احترامها اكتساب القرار الإداري حصانة ضد الإلغاء، و بالتالي سقوط حق الطاعن في الطعن.
فبالرجوع إلى الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والمادة 23 من قانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية فدعوى الإلغاء يجب رفعها أمام الجهة القضائية المختصة ( المحكمة الإدارية أو الغرفة الإدارية بمحكمة النقض) خلال ستون يوما من تاريخ النشر أو تبليغ القرار المطعون فيه أو من تاريخ العلم اليقيني به حسب ما سار على ذلك الاجتهاد القضائي.
فهذا الآجل يبدو في الواقع العملي قصير جدا، مقارنة مع بعض الدول، فالمشرع الجزائري مثلا حدد الآجال في ستة أشهر- خاصة في دعوى غير متساوية الأطراف- الأمر الذي يفرض ضرورة إعادة النظر في آجال رفع الدعوى .
– الرسوم القضائية
تشكل الرسوم القضائية أهمية كبيرة ورافدا مهما لمالية الدولة ، فالمدعي ملزم بأداء الرسوم القضائية عن دعواه، وإجراءاتها، والطعون التي يمارسها بشأنها بصندوق المحكمة إلا ما استثنى بنص قانوني صريح، كما هو الشأن بالنسبة لطلبات إلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة فهي معفاة من أداء الرسوم القضائية بموجب المادة 22 من قانون المحاكم الإدارية، و كذلك الطعون الانتخابية.
وإذا كان الطلب الأصلي معفى من أداء الرسوم القضائية فإن الطلب التابع له يعفى هو الأخر من الرسم كما هو الشأن بالنسبة لطلب إيقاف تنفيذ القرار الإداري لأنه يكون تابعا لدعوى إلغاء مقدمة في الموضوع.
غير أن دعاوي القضاء الشامل تظل خاضعة لأداء الرسوم القضائية في المرحلة الابتدائية أما في المرحلة الاستئنافية فهي معفاة، وهذا ما نصت عليه المادة 10 الفقرة الثانية منه” يعفى طلب الاستئناف من أداء الرسوم القضائية”، و لإدارة التسجيل أن تراقب مدى استيفاء الرسوم المتطلبة ولو بعد صدور الحكم طبقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.84.54 الصادر في 25 رجب 1406 الموافق 27 أبريل 1984 بمثابة قانون المالية لسنة 1984.
وعليه، إذا كان الغرض من هذه الدعوى هو حماية المواطن من تعسف الإدارة كان أجدى إعفاء جميع الدعاوي المقامة أمام القضاء الإداري من الرسوم القضائية كما هو الحال في دعوى الالغاء.
– إجراءات الطعن
تعتبر إجراءات الطعن من بين الإجراءات المهمة في مسطرة التقاضي باعتبارها آلية من آليات تصحيح الحكم والقرار الذي قد يشوبه خطأ أو تقصير، وتطرح ممارسة إجراءات الطعن بعض الصعوبات العملية .
ذلك أنه من خلال مقتضيات القانون المنشئ للمحاكم الإدارية فإن الدفع بعدم الاختصاص لا بد أن يكون بواسطة حكم مستقل إلا أن الإشكال يطرح في حالة ما إذا ضمت المحكمة الإدارية الفصل في هذا الدفع إلى الجوهر وحكمت بحكم واحد، ففي هذا الإطار نجد أن الاختصاص الأصلي في البث في مسألة الحكم المتعلق بالدفع بعدم الاختصاص في موضوع الاستئناف يرجع إلى محكمة النقض، ففي
هذه الحالة قد يجوز أن يتقدم المتقاضي بطلب استئناف الحكم المتعلق بالدفع بعدم الاختصاص أمام محكمة النقض وطلب الاستئناف في موضوع الحكم أمام محكمة الاستئناف الإدارية.
ثم هناك إشكال آخر في موضوع الطعن فكما نعلم أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، كانت هي المختصة بالاستئناف بخصوص الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، وهكذا إذا كان هناك تعددا في الأطراف في ملف واحد وسبق لبعضها أن تقدم بمقال الاستئناف أمام محكمة النقض وبعد إحداث محاكم الاستئناف تقدم بعض آخر باستئنافه أمام محاكم الاستئناف الإدارية ما العمل؟
وبالتالي سيطرح إشكالية التفضيل بين الأطراف، فالأطراف التي سبق لها تقديم الاستئناف أمام محكمة النقض ليس بإمكانها ممارسة الطعن بالنقض عكس الأطراف الأخرى بعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية، حيث سيكون من حقها ممارسة الطعن بالنقض أمام محكمة النقض، كما يطرح الإشكال عن كيفية إحداث ملف جديد سبق أن أحيل على محكمة النقض قبل إحداث محاكم الاستئناف الإدارية.
ختاما إن الاشكاليات القانونية والصعوبات العملية التي تعترض مسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية تقتضي البحث عن إيجاد حلول شاملة في هذا الإطار، ويمكن القول أنه لا يمكن التغلب على ذلك وفي إطار شمولي إلا بإحداث قانون للإجراءات الشكلية في مجال المنازعات الإدارية، كما يقتضي الأمر استكمال البنية القضائية الإدارية بإحداث مجلس الدولة، حتى يمكن الحديث عن وجود قضاء إداري مستوفي لجميع شروط النجاح عوض الحديث عن محاكم إدارية متخصصة فقط.