مسطرة ضم الاراضي.
مقدمة:
كما مر معنا في الحصة السابقة أن نظام التحفيظ العقاري، يتميز بمسطرة خاصة تمر بمجموعة من المراحل التي تحول العقار من نظام العقارات الغير المحفظة إلى نظام العقارات المحفظة. وإذا كانت أراضي الخواص تتسم بمسطرة خاصة للتحفيظ يطلق عليها عادة بالمسطرة العادية، نظرا لكثرة الأراضي التي ترجع ملكيتها للأفراد فإن المشرع كان عليه أن يحدد مساطر خاصة تنطبق وتسري على باقي العقارات، التي يتكون منها النظام العقاري المغربي. وتتمثل هذه المساطر تباعا فيما يلي:
• مسطرة ضم الأراضي
مسطرة ضم الأراضي بعضها إلى بعض
إن التحفيظ العقاري ولما له من أهمية كبيرة، في خلق أرضية قانونية هندسية صلبة للملكية العقارية، وإن كان ذلك ليس بشكل شمولي وعام. فإننا في مقابل ذلك لا نستطيع إلا أن نؤكد بان التحفيظ يشكل الأساس القاعدي الضروري، لإعداد برامج التنمية القروية، خاصة وبكيفية معقلنة وواقعية ، بحيث أنه لا يمكن إعداد أي مشروع أو برنامج للتجهيز القروي، إلا إذا كان مسبوقا بجرد وكشف تام لكل العقارات القروية التي ستطبق عليها هذه البرامج، ودون التعرف على ملاكيها الحقيقيين والحقوق العينية والتحملات العقارية، المترتبة عليها. وكذا على مساحتها وطبيعتها ومشتملاتها، وما إلى ذلك من الأمور المعنية بتطبيق هذه البرامج، ومن بين هذه البرامج نذكر برنامج ضم الأراضي وإعادة توزيع أشكالها كمسطرة من بين المساطر الخاصة، لقانون التحفيظ العقاري، هذه المسطرة التي عمل المشرع المغربي على تحديد هدفها وغاياتها وذلك في الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1 – 69 – 32 (25 يوليوز 1962) .
وبذلك نجد أن عملية التجهيز تشكل القاعدة الأساسية، للاستغلال العقلاني للمنطقة المراد ضمها. من إنشاء للطرق ومد لقنوات الري، والقيام بدورات زراعية منظمة …..
ويعتبر المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، هو الجهة المسؤولة عن إنجاز هذه العملية، بحيث أن هذه الأخيرة تكلف الدولة مبالغ باهضة في إنجازها، ولا يساهم الفلاحون فيها إلا بنسبة 40%، هذا ما دفع بالمشرع المغربي إلى إحاطتها بمجموعة من الظهائر الشريفة تكملها مجموعة من المراسيم، وذلك قصد ضبط وضعيتها القانونية من جهة وتحديد مصالح ولجن مختصة لهذه العملية من جهة ثانية.
وذلك من أجل إعطاء عملية الضم الضمانات الكافية، نجد أن الدولة قد عمدت إلى جعل عملية التحفيظ بها عملية إجبارية ومجانية في نفس الوقت، وذلك لغاية واحدة وهدف واحد، ألا وهو ضبط العقار سواء من الناحية المادية أو من الناحية القانونية.
فما هو إذن الإطار القانوني المؤطر لهذه العملية؟ وما هي المسطرة المتبعة في عملية التحفيظ هذه؟ وما هي أهم المراحل التي تمر بها؟ أسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في صلب الموضوع معتمدين التصميم التالي:
I – الإطار القانوني المنظم لعملية ضم الأراضي بعضها إلى بعض وتأسيس الرسوم العقارية المتعلقة بها:
1- التشريع المنظم لعملية ضم الأراضي:
إن أول مبادرة كانت لعملية ضم الأراضي بعضها إلى بعض كانت قبل الاستقلال وذلك منذ سنة 1950، والتي تتمثل في مجموعة من الظهائر التي تم إلغائها بموجب ظهير 1962، والذي تم هو الآخر تعديله بمقتضى ظهير 1969، كما تم كذلك إصدار مجموعة من المراسيم التي جاءت متممة وموضحة للظهائر السابقة . هذه الظهائر التي تم إلغائها وذلك بمقتضى ظهير 01 – 62 – 105، الصادر في 27 محرم 1382، (30 يونيو 1962)، وقد عدل هذا الظهير وتمم بمقتضى الظهير الشريف رقم 01 – 69 – 32، والمؤرخ في 10 جمادى الأولى 1989، (25 يوليوز 1969)، وقد تم تعديل هذا الظهير كذلك بموجب الظهير الشريف رقم 01 – 73 – 269 والمؤرخ في 08 ذي الحجة 1393، (02 يناير 1974)، أما بالنسبة للمراسيم المتممة والموضحة للظهائر السابقة نجد:
– المرسوم رقم 02 – 62 – 240 المؤرخ في 22 صفر 1382، (25 يوليوز 1962)، المتعلق بتطبيق الظهير السابق بتاريخ 30 يونيو 1962، هذا المرسوم الذي عرف هو الآخر تعديلا من طرف المشرع وذلك بمقتضى المرسوم تحت رقم 02 – 69- 38 المؤرخ في 10 جمادى الأولى 1389، (25 يوليوز 1969)، أما بالنسبة للجهات الإدارية المكلفة بإنجاز عمليات الضم، فنجد أن المشرع المغربي، قد أوكل ذلك لمجموعة من المصالح والأجهزة مهمة إنجاح عملية الضم، منها ما هو تقني ومنها ما هو قانوني . اما مهام لجان الضم فتتمثل في تهيئ الفلاحين لعملية الضم ماديا ونفسانيا وذلك بإبراز دورها وأهميتها في التنمية الفلاحية، كما تدرس هذه اللجن المشروع من جميع جوانبه لتحديد أسسه ودراسة تربة المنطقة لمعرفة مدى قابليتها للاستغلال الزراعي ومعرفة العقارات، التي سيشملها الضم معرفة دقيقة وشاملة، على المستويين الهندسي والقانوني (المسح العقاري والبحث القانوني)، وكذا دراسة الشكايات والملاحظات التي يقدمها الفلاحون المعنيون، وتبقى القرارات الصادرة عن اللجن، سواء منها الملحية أو المختلطة، لا يمكن الطعن فيها إلا في حالة دعوى خرق القانون، خرق الأسس الجوهرية، دعوى عدم الاختصاص والشطط في استعمال السلطة.
2- تأسيس الرسوم العقارية في إطار ضم الأراضي القروية:
نظرا للدور الذي تلعبه الفلاحة في النهوض باقتصاد بلادنا والرفع من مردوديته، وأيضا نظرا للدور المهم الذي تريد الدولة أن تسنده للفلاحة، كقطب للتنمية القروية في الوقت الذي يصطدم فيه استعمال الطرق الحديثة في الزراعة بمعوقات كبيرة، خصوصا ذات العلاقة بالهياكل القروية ، فإن الدولة في ظل هذا الوضع أضحت تقوم بمجموعة من التدابير لإنجاح سياستها التنموية، خصوصا على المستوى القروي وذلك بإعادة هيكلة هذه الوضعية العقارية وتكثيف استعمال تقنية ضم الأراضي القروية بعضها إلى بعض وتجميعها، ثم إعادة توزيعها بعد تكوين قطعة أرضية ذات أشكال هندسية متجانسة ومرتبطة بشبكة من المسالك والممرات والطرق والقنوات المائية، إن كانت متواجدة في دائرة سقوية، وهو ما يساعد على استغلالها استغلالا عصريا وعقلانيا، وكذلك إخضاعها لمسطرة خاصة وإلزامية للتحفيظ وتحيين الرسوم العقارية الموجودة، هدفها تثبيت الأوضاع الجديدة.
ولدراسة الموضوع بشكل معمق شيئا ما يتعين علينا أن نلقي نظرة على خصوصيات مسطرة التحفيظ في إطار ضم الأراضي القروية واستعراض المراحل التي تمر منها هذه المسطرة.
II- مسطرة التحفيظ في إطار عملية ضم الأراضي وأهم المراحل التي تمر منها:
1- مسطرة التحفيظ في إطار عملية ضم الأراضي:
حسب الأستاذ دوكرو فإن ضم الأراضي [يتمثل أساسا في تجميع القطع الأرضية العائدة لمختلف المالكين بغاية توزيعها بالموازنة بين نفس المالكين والتي تفضي إلى تكوين مزارع فلاحية من جزء واحد يكون استغلالها أكثر يسرا من القطع المبعثرة].
من خلال هذا التعريف نتساءل عن الترتيبات الأولية، لعملية ضم الأراضي بعضها إلى بعض والتي نتناولها كالتالي:
– يقوم وزير الفلاحة بتعيين حدود المنطقة المعنية بالعملية، ويعطي الإذن في افتتاح العملية المذكورة، وذلك بعد استشارة المجالس الجماعية التي يهمها الأمر .
ويعد هذا القرار بمثابة الضوء الأخضر الذي يتم من خلاله القيام بالأبحاث، وأشغال مسح الأراضي التي ستشملها عملية الضم، وذلك من طرف أعوان الإدارة وجميع الأشخاص المؤهلين للقيام بهذه المهمة، بعد ذلك تقوم المكاتب الجهوية أو المصالح الإقليمية المختصة، التابعة لوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي،بمشروع ضم الأراضي بعضها إلى بعض، بدراسة أولية لمختلف البنيات الموجودة والإماكنات والمعطيات المتوفرة في القطاع، كما يتم أخذ الصور الطائرية وإنجاز تصميم للمنطقة، بعد ذلك يتم إرسال التصميم الى عامل الإقليم مشفوع بطلب يبين فيه حدود ومساحة المنطقة المراد ضمها والاسم الذي ستعرف به و الذي يقوم بالاطلاع عليه ودراسته، والقيام باستشارة ممثلي المجالس القروية وأعيان القبيلة التابعين للمنطقة وتقني المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، وبعد تحرير محضر بذلك تزكيه هذه العناصر يرسل إلى السيد وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي، هذا الأخير الذي يصدر قرارا وزاريا يحدد فيه المنطقة المراد ضمها ومساحتها، وكذا الاسم الذي ستعرف به، ويأذن بافتتاح عملية الضم. وبصدور هذا القرار ونشره بالجريدة الرسمية فإنه يسمح لأعوان الإدارة، وجميع الأشخاص المؤهلين في الشروع في عملية الضم، وبعد أن يعقد المكتب الجهوي صفقات مع الشركات التي ستقوم بالمشروع فإنه يخبر كلا من المحافظة العقارية والسلطات المحلية بذلك، ثم يقوم القائد الذي توجد المنطقة بدائرته بتأسيس اللجنة، التي ستقوم بعملية الضم، هذه الأخيرة التي تصدر قرارا يحدد الشروع في العملية، والذي يسمى بالقرار القائدي.
– البحث التقني أو المسح الطبوغرافي:
تتم هذه العملية عن طريق مهندس تابع للمصلحة الطبوغرافية، هذه المصلحة التي تقوم بإخبار قائد المنطقة الذي يقوم هو الآخر باستدعاء كل الفلاحين المعنيين بالعملية، أمام المهندس المساح الذي يحضر لعين المكان، مصحوبا بالصور الجوية وبتصميم المنطقة، ويقوم المهندس بمسح كل قطعة والطواف بها، وإعطائها رقما ترتيبيا والاسم الذي تعرف به، ومساحتها وكذا التعرف على مالكيها، ثم يعمل بعد ذلك على تسليم صاحبها ورقة خضراء تتضمن جميع البيانات المتعلقة بالمالك والعقار، وفي حالة وجود تعرضات فإن المهندس يسلم ورقة حمراء تتضمن اسم المتعرض واسم البقعة المتعرض عليها، ويعمل على تدوين تلك المعلومات بكناش التعريف، منشئا بذلك ما يصطلح عليه: ” état parcellaire “، تجدر الإشارة إلى أن المصلحة الطبوغرافية لا تقوم بهذه العملية إلا بعد توصلها، بتصميم القطع المراد ضمها من المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي.
– البحث القانوني:
البحث القانوني يكون بحثا قانونيا خارج المحافظة العقارية، وبحثا داخلها.
* البحث القانوني خارج المحافظة العقارية:
بعد توصل المحافظة العقارية بالتصميم، والقائمة التجزيئية، تضع هذه الأخيرة لائحة خاصة لملاكي القطع تبعث إلى كل من السيد العامل على الإقليم، الذي يقع في دائرته القطاع المنوي ضمه، السيد المحافظ العام، السيد القائد الممتاز، السيد قائد المنطقة مصحوبة بتاريخ الشروع في عملية البحث القانوني ويقوم المحافظ باختيار موظفين من المحافظة، يكلفان بإنجاز البحث القانوني، هكذا تبدأ لجنة البحث إجراءاتها القانونية، المتعلقة بشأن جميع العقارات، فيقوم القائد وأعوانه بإشعار العموم والمعنيين بمختلف طرق الإشهار كالمناداة في الأسواق والدواوير، واستدعاء الملاكين الذين يسكنون خارج المنطقة باليوم الذي سيبدأ فيه البحث، وفي اليوم المحدد يقوم موظفو المحافظة بالذهاب إلى عين المكان، ويجدون في استقبالهم شيخ القبيلة ومقدمي الدواوير المعنية والملاكين وأعيان وممثلي القبيلة، ثم تبدأ اللجنة في البحث القانوني الذي يكون على الشكل التالي:
– التعرف على أصل التملك: (حيازة، بيع هبة …. ).
– المالك
– كافة الشركاء على الشياع في الملك.
– أصحاب الحقوق العينية والتبعية.
* عملية التحفيظ العقاري خلال عملية الضم داخل المحافظة العقارية:
بعد رجوع اللجنة المكلفة إلى المحافظة العقارية، تعمل على حفظ جميع الوثائق والمستندات المدلى بها، من شهادات للملك وإراثاث وبيوعات، وتبعث مطالب التحفيظ إلى المصلحة الطبوغرافية قصد تأسيس قائمة القطع. بعدها تقوم المصلحة الطبوغرافية بإرسال تلك القائمة مرة أخرى إلى المحافظة العقارية، التي تقوم بمراقبتها مراقبة دقيقة، ثم تعاد إلى المصلحة الطبوغرافية قصد تأسيس قائمة وتصميم القطع النهائية قبل الضم، وإرسال نسخة منها إلى المحافظة، وعدة نسخ إلى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، ويقوم مكتب ضم الأراضي بالمحافظة العقارية بإدراج جميع المطالب وإعطائها أرقام ترتيبية، على إثر توصل المحافظة بالقرار القائدي، مصحوبا بتصميم للمنطقة، والبيان التجزيئي، يقوم المحافظ بإنذار أرباب العقارات الذين لم يحضروا أثناء البحث القانوني، بأن يقدموا مطلبا للتحفيظ في مدة شهر، وبعد انتهاء أجل الشهر المذكور يضع المحافظ بيانا وتصميما تجزيئيين للقطع لدى القائد وينشر ذلك بالجريدة الرسمية، ويتم إشهارها بمكتب القائد والمحافظة والمحكمة الابتدائية، ويخبر الملاكون خلال هذا النشر بأن عدم امتثالهم يؤدي حتما إلى تحفيظ أراضيهم داخل دائرة الضم، وبعد انصرام ثلاثة أشهر من تاريخ النشر، يرسل بشهادة تثبت استيفاء أجل الإعلام ومن تاريخ النشر إلى انتهاءه تمنع جميع البيوعات بعوض أو بغير عوض، بعدها يقوم المكتب بمسطرة الضم وذلك بإيداع التعرضات في سجل خاص، ويقوم بإنذار المتعرضين، بأداء الواجبات القضائية وتدعيم تعرضاتهم بالحجج والوثائق التي تثبت ذلك، ويقوم المحافظ بإجراء الصلح بين الأطراف وإن كان ممكنا بإرسال الملفات إلى المحكمة قصد البث فيها .
– تنفيذ عملية ضم الأراضي القروية.
بعد الإعلان عن افتتاح عملية الضم يعلن في الأسواق عن هذا التعليق، وتدرس حالة الاستغلالات الفلاحية بالمنطقة، ويستدعي المكتب الجهوي جميع الملاكين وتدرس معهم جميع إمكانات المبادلات العقارية، طبقا لعملية الضم. ويحدد تاريخ مؤقت للتخلي عن أراضيهم وعدم استغلالها إلا بعد الضم، كما تقوم اللجنة ببحث اجتماعي، وتحدد المرافق الضرورية، والطرق والمسالك وجميع التجهيزات الأساسية كمد القنوات، وتخصص بعد الضم قطعة أرضية تعادل القطعة المضمومة من الناحية الإنتاجية، مع احترام تكتل مساكن الفلاحين، وتأخذ نسبة مئوية من الأراضي من أجل تلك التجهيزات الأساسية، وتهيئ بذلك لجنة المشروع المؤقت لضم الأراضي، وتعمل على دراسته وتحديد التوزيع المؤقت للقطع وتاريخ افتتاح سجل الشكايات لمدة شهر واحد لفائدة المتضررين من عملية الضم، وبعد دراسة كل الشكايات والاقتراحات فإنه يمكن للجنة الضم أن تغير وتعدل ذلك المشروع، إذا رأت أن تلك التغييرات هي جوهرية وأساسية، ويتم إبلاغ ذلك إلى كل المعنيين بالعملية، وبعد التوصل إلى كل المشاكل العالقة فإن رئيس اللجنة يعمل على الإعلان عن تاريخ الحيازة بعد مدة 15 يوما قبل حلوله .
كما أنه يعوض لكل فلاح متضرر إذا تبين للجنة إضرار بحقوقه، ولها السلطة التقديرية لتقدير مبلغ التعويض، وبعدها يقوم المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بإنشاء قائمة وتصميم للقطع بعد الضم، تتضمن رقم القطعة بعد الضم ومساحتها والرقم الترتيبي للقائمة قبل الضم، ورقم المطلب، أو الرسم العقاري ورقم القطعة قبل الضم، واسم المالك وموقع العقار، ويعمل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي على تأسيس قائمة أخرى، تحتوي على جميع الأسماء وعناوين الملاكين، وترسل قائمة الملاكين بعد الضم إلى المحافظة العقارية، لمراقبتها ولتصحيح أخطائها، وبعد تسجيل رقم القطعة بعد الضم ومساحتها بالمطالب والرسوم العقارية من طرف موظفي المحافظة العقارية، ترجع قائمة القطع بعد الضم والقائمة الإصلاحية إلى المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، الذي يعمل على تأسيس ملف يشتمل على ما يلي:
– قائمة القطع قبل الضم.
– التصميم تجزيئي قبل الضم.
– قائمة القطع بعد الضم.
– القائمة الإصلاحية.
وبعد إتمام مشروع ضم الأراضي يوجه المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي المعني بالأمر، باسم رئيس لجنة الضم، وتحت إشراف عامل الإقليم ملفا مصغرا إلى السيد الوزير وهذا الملف التشريعي يشمل القائمة والتصميم التجزيئيين بعد الضم، القائمة والتصميم التجزيئيين قبل الضم، قائمة الجدول الأبجدي للأسماء، التصميم البيودولوجي للقرار الوزاري، إعلان للمالكين عن الافتتاح، محاضر لجنة الضم، سجل الشكايات ويصادق ويصادق السيد وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي على المشروع النهائي بموجب مرسوم وزاري وينشر بالجريدة الرسمية المادة 18 من الظهير ( )، بعد ذلك يستلم الفلاحون قطعهم الجديدة بعد تحديد تاريخ الشروع في عملية الضم النهائي، ويرسل إلى كل من رئيس المحكمة الابتدائية، وإلى القائد المعني بالأمر، وإلى لجنة الضم ثم إلى كل الملاكين المعنيين، وتجرى عملية التحديد في ستة أشهر التي تلي تاريخ نشر المرسوم بالجريدة الرسمية، ويقوم المهندس المساح بمراقبة الأنصاب التي وضعها المكتب الجهوي ويهيئ محاضر التحديد وكل التعرضات في عين المكان، كما يقوم بإنجاز تصميم لكل قطعة على حدة ويرسل ذلك إلى المحافظة العقارية، ويتولى المحافظ اتخاذ قرار التحفيظ للملفات التي لا يوجد بها أي تعرض أو نزاع ويؤسس لها رسوم عقارية. وبخصوص أحد الإشكالات التي يتعرض لها الموضوع والمتعلقة بن شر مرسوم المصادقة على مشروع ضم الأراضي القروية بالجريدة الرسمية، ينتج عن نقل ملكية العقارات المشمولة في عملية الضم حسب المادة 18 من الظهير، وإذا سلمنا بهذا المفهوم فإن تأسيس الرسوم العقارية من طرف المحافظ لا يعدو أن يكون فقط تكريسا لآثار نشر المرسوم المذكور، وليس تأسيس للحقوق العينية العقارية، وهو ما يشكل تعارضا تاما مع المبادئ الأساسية لمبادئ نظام التحفيظ العقاري، وقد تطرق الأستاذ دكرو إلى ذلك بالقول: “أن هذه العقارات تصبح في ملكية المستفيدين ليس بعد نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم الذي لا يعدو أن يكون عملا إداريا كما تذهب إلى ذلك وعن غير صواب المادة 18 ولكن على إثر تأسيس الرسوم العقارية من طرف المحافظ كما هي القاعدة في مسطرة التحفيظ “.
بقي أن نشير في هذا الموضوع المتعلق بمسطرة التحفيظ، (ضم الأراضي بعضها إلى بعض) كمسطرة خاصة، أن طلبات التحفيظ المتعارض عليها بأن المحافظة تقوم في هذا الصدد بتوجيه طلب إلى المتعرض بأداء الواجبات القانونية، فإذا لم يلتزم هذا الأخير بذلك فإن المحافظ يعمل على إرسال المطلب إلى السيد وكيل صاحب الجلالة على الإقليم، وفي حالة أداء الواجبات القانونية، يوجه المحافظ إلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المطالب المعنية، ويؤسس بذلك الرسم العقاري لفائدة المحكوم لصالحه، ضم الأراضي القروية، ويتم تسجيل أرقام الر سوم العقارية بالملفات الهندسية بالمصلحة الطبوغرافية.
2- أهم المراحل التي تمر منها عملية الضم:
إن أهم المراحل التي تمر منها عملية ضم الأراضي بعضها إلى بعض تتمثل في ثلاثة مراحل أساسية:
* المرحلة التحضيرية:
يتم في هذه المرحلة إعداد الدراسات العامة والمسبقة حول الهياكل الموجودة، وإمكانية استثمارها وفي حالة ما إذا تبث أن هناك مصلحة في القيام بالعملية، يعين وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي بقرار حدود الدائرة التي ستقع فيها وذلك بعد استشارة المجالس الجماعية المعنية بالأمر.
– تكوين لجنة ضم الأراضي بقرار صادر عن السلطة المحلية، والتي تكون أول مهمتها تعيين الحدود الدقيقة والمضبوطة للدائرة التي سيقع فيها الضم، بعد ذلك تأتي مرحلة التعرف (reconnaissance)، والتي تتمثل في مرحلة التعرف الطبوغرافي من طرف مصلحة المسح العقاري وضبط الأملاك.
– التعرف القانوني ووضع مطالب التحفيظ من طرف المحافظين على الملكية العقارية.
– إعداد التصميم والبيان التجزيئيين لما قبل الضم، وتشكل كل الوثائق المحررة بشأن العمليات السابقة القاعدة الأساسية والجوهرية لمسطرة الضم، وهي ما تسمى بالبيان والتصميم التجزيئيين لما قبل الضم.
* إنجاز مشروع الضم:
في هذه المرحلة يتم إنجاز مشروع ضم الأراضي بعضها إلى بعض، وذلك استنادا إلى الوثائق السالف ذكرها، عن طريق دراسة وإعداد المشروع من طرف المديريات الإقليمية للفلاحة، أو المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، التي قد تعهد للجانب التقني منه تحت مراقبتها إلى القطاع الطبوغرافي الخاص، بعد ذلك يعرض المشروع على موافقة لجنة ضم الأراضي التي تحدد تاريخ انطلاق أجل شهر للقيام بتحقيق في الموضوع، كما يقوم القطاع الخاص بتجسيد المشروع في عين المكان تحت مراقبة المكاتب أو المديريات المذكورة، وبعد انصرام أجل شهر تجتمع اللجنة من جديد لحصر المشروع النهائي، وتسليم الحيازة المؤقتة للمالكين على القطع الجديدة، وفي الأخير يبعث رئيس اللجنة بالملف الكامل للعملية إلى وزير الفلاحة والإصلاح الزراعي، قصد المصادقة عليه بمرسوم، وخلال الفترة الممتدة من تاريخ نشر وإعلان إيداع اللائحة وتصميم تجزيئيين لدى السلطة المحلية، إلى تاريخ نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم ، يمنع تحت طائلة البطلان ، إبرام أي عقد رضائي يكون موضوعه تفويت أو معاوضة أو قسمة العقارات الواقعة داخل منطقة الضم، وهو ما يعني تجميد تلك العقارات طيلة هذه المدة خصوصا وأن عمليات ضم الأراضي تستغرق بطبيعتها مدة قد تتجاوز ثمان سنوات في بعض الأحيان ، وهو ما يؤدي ببعض الملاكين إلى إبرام عقود مختلفة في خرق لمقتضيات المادة 4 مكرر المذكورة، وبالتالي خلق وضعيات غير مطابقة للائحة التجزيئية وبغية التقليص من مدد تجميد العقارات، تقرر تتميم المرسوم التطبيقي لضم الأراضي بإضافة المادة 10 مكرر التي أعطت للمحافظ إمكانية إلغاء الإعلان بإيداع التصميم واللائحة التجزيئيين بعد استشارة اللجنة المحلية لضم الأراضي، وذلك في حالة التوقف عن إنجاز أشغال مشروع الضم، وعدم استئنافها خلال سنتين من تاريخ هذا التوقف، وذلك بنشر إعلان إلغاء بالجريدة الرسمية .
– المرحلة النهائية لتطبيق تصميم الضم:
في هذه المرحلة وتعتبر هي المرحلة الأخيرة من ضمن المراحل المتعلقة بمسطرة ضم الأراضي، والتي يتم فيها الاحتفاظ بالمشروع، من طرف مصلحة التشريع بالأمانة العامة للحكومة بعد المصادقة عليه بطبيعة الحال، كما تقوم ببعث الملفات المختصرة والمتوفرة على بياني ما قبل وما بعد الضم إلى المصالح المكلفة بالتطبيق النهائي، كما يفتح نشر مرسوم المصادقة بالجريدة الرسمية في أجل ستة أشهر، وذلك من أجل تقبل التعرضات على مطالب التحفيظ المودعة في إطار هذه العملية، كما أنه يجب أن يقع التحديد داخل هذا الأجل، وبالنظر إلى الإجبارية التي يتسم بها التحفيظ في إطار ضم الأراضي القروية، (المادة 10 من المرسوم) فإنه لا يمكن للمحافظ إلغاء مطلب التحفيظ بسبب تهاون طالب التحفيظ كما هو مقرر في المادة 50 من ظهير التحفيظ العقاري ، فلا يبقى له إذن بعد انصرام أجل التعرضات إلا أن يحيل على المحكمة ملفات مطالب التحفيظ التي وردت بشأنها التعرضات وتحفيظ الباقي إما بتأسيس رسوم عقارية خاصة بها ، أو إدماجها في رسم عقاري موجود يعود لنفس المالك، وفي الأخير تقوم المحافظة العقارية بمطابقة الرسوم العقارية المؤسسة قبل الضم للأملاك التي شملتها هذه العملية مع الأوضاع الناتجة عنها، وكذا بتأسيس الرسوم العقارية للأملاك المطلوب تحفيظها في إطار الضم.
مسطرة التحفيظ بالشمال وتحويل الرسوم الخليفية إلى رسوم عقارية:
من المعلوم أن منظمة الشمال، كانت منطقة خاضعة للامتداد الإسباني الذي كان مستعمرا لها، ومطبقا عليها قوانينه سواء منها المدنية أو الجنائية أو الإدارية أو غيرها من القوانين التي تؤكد تواجده بها ويفرض سيطرته عليها. وقد تأكد هذا الأمر من خلال إبرام اتفاقية الحماية التي أبرزت وبشكل واضح الدور الذي كان يلعبه الخليفة المعين من طرف سلطان المغرب والذي كان مجرد دور شكلي فقط وذلك بالرغم لما كانت له من السيادة ومن حق التشريع وذلك عن طريق القرارات التي كان يتخذها والتي كانت على شكل ظهائر خليفية. والتي كان لها نفس المفعول القانوني للظهائر السلطانية إلا أنه مع ذلك كانت مهامه تستلزم موافقة حكومة إسبانيا لإسنادها أو إلغائها .
ونظرا للمكانة التي كان يحتلها العقار في المنطقة فإنه ومباشرة بعد فرض الحماية الإسبانية على المنطقة الخليفية عمد المشرع إلى إصدار الظهير الخليفي لفاتح يونيو 1914 المنظم للسجلات العقارية في المنطقة الخليفية ، كما أصدر العديد من النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتسيير وتنظيم الأملاك المخزنية والغابوية وتسجيلها وأصدر أيضا ظهير 04 أكتوبر 1930 المنظم للعقارات العادية أو الغير المسجلة .
وقد تم تأسيس العديد من الرسوم العقارية الخليفية في هذه الفترة لفائدة الخواص أجانب كانوا أو مغاربة، أو الدولة أو المؤسسات العمومية.
وبعد حصول المغرب على استقلاله، عملت الدولة على القيام بعدة إصلاحات شملت مجموعة من الحقول التشريعية، وكان الأمر بالنسبة للقانون المتعلق بالتحفيظ العقاري نفس الشيء، إلا أنه نظرا لعدم وجود أطر متخصصة في المجال فإن الدولة استمرت في القيام بمهام التسجيل وفقا للظهير الخليفي، وذلك في فترة محددة سميت بالفترة الانتقالية والتي امتدت من سنة 1956 إلى سنة 1966.
وفي يوم 24 أكتوبر 1966 أصدر المشرع المرسوم الملكي الذي مدد نظام التحفيظ العقاري المعمول به في المنطقة الوسطى إلى منطقة الشمال مع إحداث مسطرة خاصة لتحديد العقارات الموضوعة لها رسوم خليفية ، إلا أن تطبيق هذا المرسوم اصطدم بمجموعة من الصعوبات كان بعضها يرجع إلى النص التشريعي ذاته، والبعض الآخر إلى سوء تطبيق بنود ومقتضيات ذلك المرسوم من طرف الذين وكل إليهم أمر تطبيقه، مما أدى إلى خلق مجموعة من النزاعات والمشاكل التي عرقلت سير مسطرة إعادة التحديد للرسوم الخليفية، كما زعزعت الثقة لدى الملاكين المعنيين بالأمر ووضعت المحافظات العقارية والمحاكم أمام تعرضات ونزاعات يصعب حلها، في خضم هذا الجو صدر ظهير 1977 ،وذلك اعتبر تراجعا جذريا لما أقره ظهير 1966 بإيجابياته وسلبياته. وبذلك تأكد للجميع ان التشريعيين السالفين غير صالحين لتسوية وضعية التحفيظ العقاري في الشمال، وبذلك توالت مشاريع ومقترحات القوانين بخصوص هذا الموضوع إلى حدود تاريخ 13 يونيو 1988 تاريخ مصادقة مجلس النواب على آخر نص تشريعي يتعلق بنظام التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال وهو قانون 1988 الذي صدر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير 09 نونبر 1992، إلا أن التساؤل أو الأسئلة إن صح التعبير التي من الممكن طرحها في هذا الصدد هي، ما هي مضامين كل من ظهيري 1966 و1977، وما هي الإيجابيات التي كانت لظهير 1966 وتم إلغائها بظهير 1977 ولماذا اعتبر هذا الظهير تراجعا عن المكتسبات التي حققت بظهير 1966؟ وهل وفق ظهير 1988 في حل الإشكال المتعلق بمسألة التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال؟ وما هي آفاق نظام التحفيظ العقاري بالمنطقة؟ أسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في صلب الموضوع معتمدين المنهج التالي:
I- الوضعية التشريعية المعتمدة في نظام التحفيظ بمنطقة الشمال:
إنه ومن الملاحظ وانطلاقا من الظهير الخليفي لسنة 1914 ، والذي يعتبر أول ظهير طبق على نظام التحفيظ بمنطقة الشمال، والذي كان السبب المباشر والرئيسي في خلق مشكل التحفيظ العقاري الذي تعرفه الأقاليم الشمالية للمملكة، والذي تلته مجموعة من المحاولات التشريعية كان الهدف من ورائها تصفية وضعية التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال، وذلك راجع بالأساس إلى عدم التنسيق والانسجام بين كل هذه المحاولات التشريعية، بل إن الأمر يصل أحيانا إلى تداخلها وتعارضها، فعلى المستوى المنهجي دائما، الملاحظ أنه منذ الاستقلال إلى صدرت ثلاث نصوص تشريعية لتسوية وضعية التحفيظ العقاري في منطقة الشمال. فمرسوم 1966 جاء بعدة نقط إيجابية إلا أنه ظهرت فيه بعض الثغرات حالت دون نجاحه ، فصدر بعده ظهير 1977 ليضرب عرض الحائط بكل الإيجابيات التي جاء بها المرسوم السابق ويفرض طريقة جديدة تماما في التعامل مع الرسوم الخليفية ومع مشكل التحفيظ العقاري في الشمال. إلا أن الظهير الأخير لم يعمر طويلا فصدر قانون 1988للعودة من جديد للعمل بأهم مقتضيات مرسوم 1966 مع الإضافات الأخرى.
1- مرسوم 1966 والمكتسبات التي جاء بها فيما يخص عملية التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال.
يعد مرسوم 1966 أول نص تشريعي صدر بعد الاستقلال يتعلق بتمديد نظام التحفيظ العقاري بمقتضى ظهير 1913 إلى المنطقة الخليفية سابقا.
وقد عمل هذا المرسوم الملكي على وضع هدفين أساسيين صوب عينيه وهما:
• توحيد المقتضيات التشريعية المتعلقة بنظام التحفيظ العقاري على كل التراب الوطني.
• تصحيح وتسوية الوضعية القانونية للرسوم الخليفية التي ترتبت عن تطبيق الظهير الخليفي .
كما عمل مرسوم 1966 كذلك باعترافه ببعض الحجية القانونية والقوة الثبوثية لنوع معين من الرسوم الخليفية ، واعتبرت هذه الخطوة خطوة أولية وجريئة نحو حل مشكل التحفيظ العقاري بالشمال. إلا أنه رغم ذلك قد يعاب عليه أنه لم يعمد إلى تحديد صفة المتعرض كما لم يحدد مفهوم الحدود القابلة للتعرض عليها.
بالإضافة إلى العدد الضئيل من الرسوم الخليفية المدلى بها وعدم إقبال المعنيين بالأمر على تطبيق مقتضيات المرسوم. بحيث أنه من 11،456 رسم خليفي الموجودة بالشمال فإنه لم يتم إيداع سوى نسبة لا تتعدى 6/1، وذلك خلال حوالي سبع سنوات من تطبيق مرسوم 1966 .
2- ظهير 19 شتنبر 1977 وإلغاء مقتضيات مرسوم 1966.
لقد ظل الجميع ينتظر صدور ظهير جديد أو مرسوم جديد يعطي حلولا جديدة ومقتضيات فعالة، لحل مشكل التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال. إلى أن تفاجئوا بصدور ظهير 19 شتنبر 1977، الذي عمل على إلغاء مقتضيات مرسوم 1966، بجوانبه الإيجابية والسلبية، ومن أهم ما تميز به الظهير الجديد هو أنه جاء منعزلا عن النصوص السابقة عليه، ومنعزلا كذلك حتى على الواقع الاجتماعي والتاريخي لمنطقة الشمال مما تسبب في بروز العديد من المشاكل في هذه المنطقة، وأدى إلى العودة خطوات عديدة إلى الوراء، بحيث أنه ألغى الفصول من 2 إلى 25 من مرسوم 1966، أي إلغاء جميع مقتضيات ذلك المرسوم باستثناء الفصل الأول المتعلق بالتمديد، (تمديد ظهير 1913 إلى مناطق الشمال)، كما عمل على إلغاء المسطرة الخاصة لإعادة تحديد العقارات الموضوعة لها رسوم خليفية والتي استحدثها مرسوم 1966، وأيضا إلزام المعنيين بالأمر بتقديم الرسوم الخليفية التي في حوزتهم داخل أجل سنة واحدة إلى المحافظات العقارية من أجل تصحيحها واستبدالها برسوم عقارية، وإلا اعتبرت مجرد عقود تأسيسية لحق الملكية وكأن الأمر يتعلق بعقارات غير محفظة.
3- عيوب وثغرات قانون 1988
قبل التطرق إلى العيوب التي يتسم بها هذا القانون ينبغي الإشارة أولا إلى ملاحظتين شكليتين:
– فمن جهة أولى إذا كانت مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب البرلمانيون، تشكل نوعا من أنواع المبادرة التشريعية المؤدية إلى إصدار نصوص قانونية من طرف البرلمان، إلا أنها قد تصطدم بمنافسة مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة في نفس الموضوع، وهذا ما وقع بخصوص موضوع التحفيظ العقاري بالشمال، حيث تم تقدم بعض النواب بمقترحي قانونين . يتعلقان بموضوع تصفية الوضعية القانونية للرسوم الخليفية المتبقية في الشمال، إلا أن هذين المقترحين تم تجميدهما وأعطيت الأولوية لمشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، وتمت مناقشته لوحده، وصدر في شكل قانون 1988، وهناك إجماع فقهي في هذا الخصوص يرى أنه كان من المستحسن أن تناقش مقترحات القوانين، إلى جانب مشروع القانون، لعلها تتضمن مقتضيات وحلول غير موجودة في المشروع نفسه، ويتم التصويت على الفصول المقبولة منها مادامت كلها تتعلق بنفس الموضوع .
II- مدى توفق ظهير 1988 في حل الإشكال المتعلق بمسألة التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال وآفاقه المستقبلية:
1- مدى توفق ظهير 1988 في حل الإشكال المتعلق بمسألة التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال:
لقد علمنا فيما سبق أن جميع النصوص التشريعية التي تلت ظهير 1914 المتعلق بنظام التسجيل العقاري، أنها نصوص لم تتوفق بشكل جذري في تقديم حلول ناجعة، لمسألة التحفيظ العقاري لمنطقة الشمال ، وذلك راجع بالأساس إلى عدم دقتها وسوء تصورها لهذا النظام، وأمام هذا الواقع السلبي بدأ التفكير في إيجاد مشروع قانون جديد . بحيث أن الحكومة قد عملت على تقديم مشروع قانون بتاريخ 19 شتنبر 1979، يهدف اتخاذ إجراءات حازمة لوضع حد نهائي لتواجد الرسوم الخليفية. وبعد مناقشات مطولة بين مختلف الهيئات السياسية البرلمانية دامت تسع سنوات، تم التوصل إلى صيغة نهائية لمشروع قانون 1988، الذي صادق عليه مجلس النواب يوم 13 يونيو 1988، إلا أنه لم يتم نشره بالجريدة الرسمية إلا بتاريخ 06 يناير 1993، والشيء الأكيد هو أن هذا القانون لا يكفي بدوره لحل معضلة الرسوم الخليفية. ذلك أنه بالرغم من كونه تضمن مقتضيات تشريعية إيجابية وجريئة إلا أنه في المقابل قد برزت فيه عدة عيوب وثغرات، ستؤثر لا محالة على فعاليته. مما يجعل الطريق لا زال طويلا، من أجل تسوية وضعية الرسوم الخليفية بشكل نهائي ، ومن المسائل التي تعتبر خطوة جريئة وبادرة إيجابية في حقه، هي أنه عمل على وضع حد نهائي للرسوم الخليفية المتبقية بمنطقة الشمال. وذلك بتفاديه مجموعة من العيوب والثغرات الواردة في المحاولات التشريعية السابقة عليه، وأيضا تطرقه إلى مسألة الحيازة في العقارات الموضوعة لها رسوم خليفية، والبث فيها بالرغم من أنها من المسائل الشائكة جدا والتي تفادت جميع النصوص السابقة الخوض فيها.
أما الملاحظة الشكلية الثانية فهي أن قانون 1988، لم تحترم فيه قواعد ومناهج التشريع المعمول بها في تعديل النصوص التشريعية، بحيث أنه أعلن في مادته الأولى أن الفصول المراد تعديلها هي 3 و6 من ظهير 1977، لكنه عاد في المادة الثالثة لينص على أن الفصل 7 من ظهير 1977 يشمله بدوره التغيير، أي أن الفصل المشار إليه أعلاه شمله بدوره التعديل، ولكن دون أن يتم التنبيه إلى ذلك في المادة الأولى من الفصلين 3 و6 ، وبرجوعنا إلى العيوب والثغرات التي اتسم بها قانون 1988، نجدها تتلخص فيما يلي:
– إبهام وغموض كبيرين يحيطان ببعض العبارات والمفاهيم الرئييسية التي استعملها المشرع في نص هذا القانون، ونحن نعلم أن من السمات التي يجب أن تتصف بها القاعدة القانونية هي سمة الوضوح لفظا ومعنى، حتى يتسنى للقضاء أن يطبق النص على الوقائع المعروضة عليه، بسهولة وشفافية دقيقة، لا تشوبها شبهة. فمثلا مفهوم “الحيازة الشرعية”، التي جاء بها نص القانون، فقد ورد في الفصل 2 منه أن هناك نوع من الرسوم الخليفية لا تقبل التعرض سوى حول الحدود، وهي الرسوم المحررة قبل سنة 1956، والمتضمنة لتقييد لا حق والمرفقة برسوم استمرار الحيازة الشرعية. وقد ثار نقاش حاد في جلسات البرلمان حول هذه العبارة، بالرغم من أنه صادق عليها والخلاف محتدم بينها، وعبارة الحيازة إذا ما تم تفسيرها بأن المقصود منها هو الحيازة القانونية فستكون صياغة معيبة، وبالتالي كان حريا بالمشرع أن يكتفي بعبارة “رسوم استمرار الحيازة”، دون الإشارة إلى وصفها بـ “الشرعية” أو “الفعلية” أو غيرها من الأوصاف وكذلك الشأن بالنسبة لمفهوم “الغابات الطبيعية”، فهل يقصد المشرع بذلك حماية الملك الغابوي للدولة الذي يعود تنظيمه ومراقبته لمديرية المياه والغابات والمحافظة على التربة، أم أنه يقصد حماية الغابات التي لم يقع تحديدها بعد، والتي ما تزال خاضعة في تسييرها وإدارتها لمديرية الأملاك المخزنية، في انتظار تحديدها وتسليمها لمديرية المياه والغابات بمقتضى محضر التسليم.
إضافة إلى هذه المشاكل نجد مشاكل أخرى يصعب حصرها داخل الموضوع منها قصور قانون 1988، وذلك بعدم الارتكاز على دراسات ميدانية دقيقة، والاعتماد على الجانب القانوني المحض منه. فالنص القانوني كيفما كانت دقته وموضوعيته لن يكفي لحل المشكل العقاري بالشمال، إذا لم يستند عند وضعه على دراسة اقتصادية واجتماعية وتاريخية وثقافية للمنطقة الشمالية، ومعرفة خصوصياتها وخصوصيات سكانها، ومدى ارتباطهم بالأرض وكيفية تعاملهم مع المؤسسات التشريعية ، بالإضافة إلى هذه العيوب نجد عيوبا أخرى بحيث أن المشرع في هذا القانون ميز في التعامل بين الرسوم الخليفية محررة في فترة الحماية وتلك الصادرة بعد الاستقلال، وذلك بإضفائه على النوع الأول حجية قانونية اعتقادا منه أن هذا النوع من الرسوم، ربما يكون قد أسس بشكل سليم، بينما جرد النوع الثاني من الرسوم من أية حجية أو قوة ثبوثية، اعتبارا منه أنه وقع فيها تلاعب كبير، وحسب الأستاذ خالد ميداوي الذي عقب على ذلك بقوله: “نحن لا نساند هذا التمييز بين الرسوم الخليفية فحري بنا أن نعتبر الرسوم المحررة في ظل الحماية هي التي وقع فيها التلاعب والغش وليس العكس، وانتقادنا لهذا المقياس الذي اعتمده قانون 1988، ينطبق عليه نفس ما سبق أن قلناه بمناسبة انتقادنا للمقياس المعتمد من طرف مرسوم 1966” .
2- آفاق نظام التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال:
من خلال ما تطرقنا إليه فيما سبق وذلك فيما يخص نظام التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال، والظهائر التي صدرت في هذا الخصوص، يتضح لنا أن آفاق نظام التحفيظ العقاري بالشمال لا تبعث على التفاؤل خصوصا على المستوى القريب ، وذلك نظرا لعدة أسباب نتناولها كالآتي:
– استمرار تواجد الرسوم الخليفية وذلك لعدم دقة قانون 1988، والشمولية التي من الواجب أن يتسم بها.
– الإقبال الهزيل على نظام التحفيظ العقاري، وذلك إلى حدود سنة 1994 أي بعد سنة ونصف من تطبيق الظهير.
– انعدام ثقة سكان المنطقة في القانون، خصوصا عندما أبان هذا الأخير على عدم نجاعته في إصلاح الوضع القانوني هنا، والمشاكل التي تتخلل بنود النص من غموض وإبهام.
ولمواجهة هذا الوضع حبذا لو تم إصدار نص تشريعي آخر يساهم في إعداده لجان متعددة الاختصاص ذات تكوين قانوني وتقني واقتصادي وسوسيولوجي، وأيضا القيام بأبحاث ميدانية وزيارات خاصة للمنطقة للوقوف عن كثب على المشاكل التي يعاني منها الوضع العقاري هناك، هذا من جهة أما من جهة أخرى لو أمكن أن يتم النظر في بعض مبادئ نظام 1913 حتى تنسجم وخصوصيات منطقة الشمال، كفرض إجبارية التحفيظ، وكذا ضرورة التعامل بالعقود الرسمية في المجال العقاري وتشجيع المساطر الجماعية وذلك لما لها من دور كبير في تعميم نظام التحفيظ العقاري على المنطقة بأكملها.
لائحة المراجع
I- كتب ومراجع عامة باللغتين العربية والفرنسية:
– محمد بلحاج السلمي: سياسية التحفيظ العقاري في المغرب بين الإشهار العقاري والتخطيط الاجتماعي الاقتصادي. (ط . 2002).
– محمد ابن معجوز: الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي (ط . 1999).
– ذ . خالد مداوي: تطور نظام التحفيظ العقاري بمنطقة شمال المغرب (ط . 1997).
– Paul decroux: droit foncier marocain édition la porte Rabat 1997.
II- أطروحات ورسائل وبحوث:
– الحبيب شوراق: القواعد المنظمة للرسوم العقارية المؤسسة إثر التحفيظ، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، (وحدة العقار والتعمير والإسكان) – جامعة محمد الخامس أكدال الرباط – السنة الجامعية 2002 – 2003.
– سعيد رشيد: عملية ضم الأراضي القروية: بحث لنيل دبلوم مراقب مساعد. (وزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، مركز تكوين المراقبين المساعدين) – الرباط – .
Galia Abdelkader: le statut des terres agricoles soumises à remembrement mémoire de D.E.S en droit privé. Faculté des sciences juridiques économiques et sociales. Rabat. -1986-.
III- مقالات ومداخلات في بعض الندوات والأيام الدراسية:
– الحبيب الدقاق: نظام التحفيظ العقاري بالمنطقة الخاضعة سابقا للحماية الإسبانية، (قراءة في السيرة الذاتية) تدخله في الندوة المشتركة حول نظام التحفيظ العقاري المغربي، التي أقامتها كلية الحقوق بالرباط بتنسيق مع جمعية المحافظين والمراقبين على الملكية العقارية يومي 04 و05 ماي 1990، طبع ونشر بمديرية المحافظة العقارية والأشغال الطبوغرافية. – الرباط – غشت 1992 ص 151 – 211.
– دروس مع الأستاذ إد موجود حول عملية الضم.
IV- وثائق رسمية:
– نصوص حول قانون الاستثمار الفلاحي.
– الظهير الشريف رقم: 32 -69 – 01 بتاريخ : 10 جمادى الأولى 1389 (25 يوليوز 1969).
– المرسوم رقم: 38 – 69 – 02 بتاريخ: 10 جمادى الأولى 1389 (25 يوليوز 1969).
– اتفاقية بين الحكومتين المغربية والإسبانية حول استرجاع المغرب للعقارات التي كانت في ملك الدولة الإسبانية والغير الخاضعة لظهير 1973، منشورة بالجريدة الرسمية باللغة الفرنسية B.O.N 3546 – 15 أكتوبر 1980. (P.764).
– مجموعة من الجرائد الرسمية للمنطقة الخليفية باللغتين العربية والإسبانية.
منقول