مظاهر حماية المرأة في التشريع المغربي
مما لاشك فيه أن المرأة في الوقت الراهن أصبحت شريكة مع الرجل ولبنة أساسية من أجل تنمية المجتمع، وقد عالجت عدة إتفاقيات دولية وضعية المرأة ووسعت من مجالات الحماية وتقوية مركزها القانوني، ورفعت الظلم الذي كانت تعاني منه المرأة في العالم، هذا على الصعيد الدولي أما على الصعيد الوطني فإن وضعية المرأة تنظمها النصوص القانونية الداخلية. فالمشرع المغربي لم يكن بمعزل عن الإتفاقيات التي صادق عليها المغرب، بحيث تدخل في أكثر من مناسبة عن طريق إصدار نصوص قانونية تهتم بوضعية المرأة، بحيث بدأت بوادر إلغاء المقتضيات التمييزية ضد المرأة تظهر مع نسخ المادة السادسة من القانون التجاري القديم والذي كان يشترط على المرأة من أجل ممارسة الأعمال التجارية الحصول على موافقة الزوج وحلت محلها (م 17) من مدونة التجارة لسنة 1996 والتي نصت على “يحق للمرأة المتزوجة أن تمارس التجارة دون أن يتوقف ذلك على إذن من زوجها،وكل اتفاق مخالف يعتبر لاغيا”. ويتضح من هذا رغبة المشرع في تقوية مكانة المرأة داخل المنظومة القانونية المغربية، بحيث قام المشرع المغربي من خلال القوانين التي أصدرها، إلى تقوية مركز المرأة داخل المنظومة القانونية وذالك إستجابة وتنفيذا للإلتزامات الدولية التي صادق عليها، بحيث نجده في جل القوانين سواء الأساسية أو حتى العادية بنص صراحة على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من جهة وعلى معاملة المرأة معاملة خاصة في بعض القوانين كما هو الحال في مدونة الشغل المغربية.
وعليه سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين بحيث سنتناول في (المطلب الأول) مظاهر حماية المرأة في الدستور ومدونة الشغل(المطلب الثاني) مظاهر حماية المرأة في قانون الجنسية ومدونة الأسرة.
المطلب الأول: مظاهر حماية المرأة في الدستور المغربي ومدونة الشغل
عرفت المنظومة القانونية تحولات عميقة وذلك من خلال انسنة المواد القانونية، وهو ما تجلى في إقرار مبادئ حمائية للمرأة في كل من الدستور المغربي، ومدونة الشغل.
الفقرة الأولى: مظاهر حماية المرأة في دستور 2011
تعتبر المرأة عماد الأسرة ولبنة أساسية في المجتمع وتعتبر كرامتها من كرامة الرجل لأنها متساوية معه، فلقد كرس الدستور المغربي سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين الوطنية وعتبرها مصدرا من مصادر التشريع، بالإضافة إلى ذلك نص الدستور على مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية)، كما أكد على تجريم التمييز بين الرجل والمرأة مجاراة لما نصت عليه المادة الأولى من الإتفاقية الأممية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وهو مانص عليه الفصل (19) من الدستور الحالي تحت عنوان الحقوق والحريات الأساسية ” يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية الواردة في هذا الباب من الدستور وفق مقتضياته الأخرى وكذا الإتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذالك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”. والملاحظ أن هذا الفصل أحيل عليه الفصل (164) الذي ينص عن إحداث هيئة مكلفة بالسهر على المناصفة ومحاربة التمييز تطبيقا لما نصت عليه إتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة،ومن بين مظاهر الحماية التي أقرها أيضا الدستور هو إقراره بمشاركة النساء إلى جانب الرجال في الانتخابات، دون تمييز، بالإضافة إلى حق المرأة إلى جانب الرجل في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، أو تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، فالدستور الجديد قام بقفزة نوعية في مسار تمكين المرأة من حقوقها وإقراره في توفير الظروف الملائمة لتعميم الطابع الفعلي لحرية المرأة والمساواة بينها وبين الرجل وحقها في المشاركة السياسية إسوة بالرجل وحقها في الترشح في الإنتخابات مثل الرجل وتمتعها بالحقوق الإفتصادية وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل في ولوج الوظائف العمومية ولا تقتصر مراكز اتخاذ القرار على الرجال فقط، وبشكل عام شكل دستور سنة 2011 محطة هامة من المحطات التاريخية التي أبدعت في التأسيس إلى مرحلة جديدة عنوانها النهوض بوضعية المرأة المغربية من خلال تكريس الدستور لعدة مبادئ حمائية من بينها مبدأ المناصفة كأحد المرتكزات الأساسية الموجهة لجعل المرأة والرجل على قدم المساواة، إضافة إلى ماتضمنه الدستور من الناحية الشكلية، فعلى غرار دستور 1996 الذي ذكر المرأة المغربية في ثلاثة فصول فإن دستور 2011 ثم ذكر المرأة في تسعة فصول، بل أكثر من ذالك مشاركة المرأة كعضو في اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور
الفقرة الثانية : حماية المرأة في مدونة الشغل
أثبتت المرأة بما لاشك فيه مقدرتها على العمل جنبا إلى جنب مع الرجل، وذلك من خلال اقتحامها جميع المجالات، بل أكثر من ذلك دخلت إلى مجالات كانت في الوقت القريب حكرا على الرجال فقط، فقد أصبحنا نشاهد المرأة رائدة فضاء وسائقة قطار أو حتى ربانة في طائرة وغيرها من الأعمال التي أثبتت فيها جدارتها حتى أصبح تواجد المرأة في سوق الشغل حقيقة غير قابلة للإنكار.
وأمام الإلتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق المرأة وتحديدا إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وإعلان بكين أصبح المشرع المغربي ملزما بإقرار مبادئ حمائية للمرأة في مدونة الشغل ومنع ما قد يشكل تمييزا ضدها في مجال العمل فالمرأة لها الحق في العمل والمساواة مع الرجل بالإضافة لبعض الحقوق التي لا يتمتع بها الرجل.
وأدخلت مدونة الشغل الصادرة في سنة 2004 العديد من التعديلات التي اهتمت بوضعية المرأة وتجسيد مبدأ المساواة، غير أن هذه المساواة في العمل لاتتعارض و قواعد القانون الإجتماعي مع وضع تنظيم خاص لعمل النساء للحيلولة بينهن وبين تعاطي بعض الأعمال الشاقة أو الخطيرة التي تفوق طاقتهن أو تتطلب منهن جهدا عضليا من شأنه أن يسبب لهن الإرهاق، وبالأخص الأشغال الليلية أو في باطن الأرض، فللمرأة تكوين وطبيعة تستوجب وضع قواعد وإتخاذ تدابير لحمايتها في العمل للمحافظة عليها كقيمة إنسانية ودورها الفاعل في التنمية الشاملة،لذلك نجد المشرع قد وضع عدة مبادئ من أجل حماية المرأة في مدونة الشغل.
أ ) منع التمييز ضد المرأة من حيت الجنس.
بالرجوع إلى المادة 9 من مدونة الشغل نجدها تنص على “يمنع كل تمييز بين الأجراء من حيث السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي و الإنتماء النقابي أو الأصل الوطني…”بحيث تعتبر هذه المادة إحدى مستجدات مدونة الشغل التي نصت على مجموعة من العناصر التي قد تميز الإنسان على غيره، من بينها عنصر الجنس معتبرة أن هذا الأخير لا يمكنه أن يكون سببا يعتد به لخرق مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل، ولضمان احترام هذا المنع من طرف المشغل نص المشرع على معاقبته في حالة مخالفة هذه القاعدة بغرامة من 15000 إلى 30.000درهم، وفي حالة العود تضاعف الغرامة.
كما أكدت المادة 36 من مدونة الشغل عدم التمييز بين الجنس كأصل عام وذلك من خلال تأكيدها على أن الجنس إلى جانب اللون أو العرق أو العقيدة والمسؤوليات العائلية أو الرأي السياسي أو النقابي ليس مبررا لإتخاد العقوبات التأديبية من قبل المشغل، وإذا كانت هذه القواعد تمنع التمييز على أساس الجنس وبالتالي تسري أحكام هذه القواعد على الرجل والمرأة على حد سواء في مجال العمل، والذي سيكون في حاجة إلى تفعيلها غالبا هم فئة النساء بالنظر إلى هشاشة وضعيتها التي قد تكون سببا في تعرضها للتمييز في العمل.
ب ) منع التمييز ضد المرأة في الأجر.
بالرجوع إلى مدونة الشغل نجدها نصت في المادة 346 على أنه ” يمنع كل تمييز في الأجر بين الجنسين إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه” وتعتبر هذه المادة تأكيد لما تم النص عليه في المادة 9 من مدونة الشغل بحيث إذا كانت هذه الأخيرة منعت التمييز بين الأجراء من حيث الجنس الذي قد يؤدي إلى تحريف مبدأ تكافؤ الفرص في مجال الشغل فإنه في المادة 346 أعادت تأكيد نفس المنع لكن مع تركيز هذا المنع في التمييز في الأجر بين الأجير والأجيرة إدا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه واضعا بذلك أساسا قانونيا تستفيد منه المرأة بالدرجة الأولى من أجل حماية حقوقها ، وهو ماثم تأكيده من خلال العمل القضائي المغربي.
ج ) وضعية الأمومة.
نصت مدونة الشغل على مجموعة من المقتضيات التي تأخذ وضعية الحمل والولادة للمرأة بعين الاعتبار، منها انتقال مدة إجازة الولادة بالنسبة للأجيرة من 12 أسبوعا في ظل المدونة القديمة إلى 14 أسبوع في مدونة الشغل الجديدة، بالإضافة إلى ذلك يمكن تمديد إجازة الأمومة، إذا تبث بشهادة طبية نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس في حدود 8 أسابيع قبل الوضع و 14 أسبوع بعد الوضع، مع إمكانية استفادة الأجيرة بعد إنتهاء إجازة الأمومة من إجازة لا تتجاوز 90 يوما من أجل الإعتناء بمولودها
مع إشعار المشغل داخل أجل أقصاه 15 يوما من إنتهاء إجازة الأمومة، كما تنص المدونة على إمكانية الإتفاق بين الأجيرة والمشغل على عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة من أجل تربية مولودها، و منح الأجيرة يوميا خلال 12 شهرا من تاريخ استئنافها العمل استراحة مؤدى عنها مدتها نصف ساعة صباحا ونصف ساعة ظهرا قصد إرضاع مولودها.
والملاحظ هو أن المشرع وخلال صياغته لمدونة الشغل استلهم مجموعة من المبادئ التي تضمنتها الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص والتي صادق عليها المغرب، هذا ما جعل المشرع يخصص مجموعة من المقتضيات لحماية المرأة الأجيرة وتعزيز مركزها القانوني ووضعها على قدم المساواة أمام الرجل في مجال العمل.
المطلب الثاني : مظاهر حماية المرأة في قانون الجنسية ومدونة الأسرة
على غرار الدستور ومدونة الشغل أقرت مدونة الأسرة وقانون الجنسية عدة حقوق للمرأة، وذلك من أجل القضاء على كافة أشكال التمييز الذي تعاني منه المرأة المغربية
الفقرة الأولى : مكانة المرأة في قانون الجنسية
شهد قانون الجنسية الصادر سنة 2007، طفرة نوعية من خلال المستجدات التي جاء بها والتي كانت إلى وقت قريب أهم مطالب الحركات النسائية والجمعيات الحقوقية، بحيث تم إبـراز مكانة المرأة وإنصافها وذلك تجسيدا للإلتزامات الـدولية التي صادق عليها المغرب فالهدف الأسمى من القانون في الأصل هو تأطير رابطة الجنسية داخل المملكة من جهة ومن جهة أخرى منح المرأة ما كانت محرومة منه بقوة القانون من خلال ظهير 1958.
وبالرجوع إلى ظهير 1958 قبل تعديله نجد أن المشرع كان متشددا نوعا ما في إقرار الجنسية المغربية الأصلية وذلك من خلال إعتماده على معيار النسب من جهة الأب كشرط من أجل التمتع بها، وهذا ما كان يساهم في تهميش وضعية المرأة التي لا يمكنها إسناد جنسيتها الأصلية لأبنائها إلا في حالتين هما حالة إدا كان الأب مجهولا أو في حالة كان الأب عديم الجنسية.
وشكل التعديل الجديد للمادة السادسة، من قانون الجنسية جوهر الإصلاح الذي مس القانون بحيث لم يعد مرتبطا بمعيار النسب فقط بل أصبح مرتبطا بالنسب والبنوة دون تفضيل أي معيار عن الأخر أي المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وهكذا أصبحت جنسية الأم المغربية تنتقل لأبنائها بصفة تلقائية ويعتبر طفلها مغربيا مند ولادته سواء كان في المغرب أو خارجه.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب أرفق مصادقته على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بمجموعة من التحفظات من ضمنها تحفظه على الفقرة الثانية من المادة التاسعة والتي تنص على إزالة التمييز ضد المرأة في مجال منح جنسيتها لأطفالها من الزواج المختلط، إلا أن هذا التحفظ قد تم رفعه مند 8 مارس 2006، نتيجة إعلان جلالة “الملك محمد السادس”، في 30 يوليوز 2005 بمناسبة عيد العرش. حق الطفل في اكتساب جنسية أمه المغربية سواء ولد في المغرب أو بالخارج، بحيث أن منع المرأة المغربية من منح جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبي فقد كان يؤدي إلى خلق عدة مشاكل للأطفال الذين يجدون أنفسهم محرومين من كافة الحقوق المقررة للمواطنين كالحق في الإقامة والتعليم والعمل.
الفقرة الثانية : حماية المرأة في مدونة الأسرة
لقد كرس المشرع المغربي في صياغته لمدونة الأسرة النزعة الإتفاقية الدولية خصوصا الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، وهذا يظهر من خلال تقوية مركز المرأة المغربية وجعلها على قدم المساواة مع الرجل، بحيث تضمنت مدونة الأسرة الجديدة، مجموعة من الأحكام التي أنصفت المرأة والمضي بها على قدم المساواة مع الرجل :
أ ) الولاية في الزواج
لم تكن المرأة في ظل أحكام مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مؤهلة لتزويج نفسها حتى ولو كانت بالغة سن الرشد القانوني، إذ كان يتوقف زواجها على شرط حضور ولي يتولى الزواج نيابة عنها هذا في الوقت الذي كان يسمح فيه للرجل بدلك إذا كان بالغا سن الرشد، ومن ناحية أخرى كان الولي يملك رفض الزوج لأي سبب، بل قد لا يوضح سبب الرفض بحيث أن القانون عندما أقر له باختصاص الولاية يكون قد منحه بطريقة غير مباشرة حق معارضة الفتاة كلما لم يطب خاطره للزوج المتقدم، لذلك فالولاية بهذا المفهوم إعتبرت متناقضة مع مقتضيات إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي ركزت على تكريس المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة.
وأمام هذا الوضع غير المقبول أصبح التغيير حتميا لمسايرة أحكام الإتفاقية، وانسجاما مع ذلك جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات جديدة تجسد حرية المرأة ورضاها الكامل، وذلك بإلغاء الولاية على الراشد ودلك من خلال المادة 24، من المدونة والتي أقرت ولاية المرأة على نقسها بالإضافة إلى المادة 25، والتي منحت المرأة الراشدة حقها في إبرام عقد الزواج أو تفويض ذلك لأبيها أو أحد أقاربها، هذا وقد سلك القضاء نفس المنحى من خلال الإعتراف بولاية المرأة في إبرام عقد الزواج.
ب ) توحيد سن الزواج:
أقرت مدونة الأسرة مبدأ المساواة بين الجنسين من خلال توحيد سن الزواج وتحديده في 18 سنة وذلك بموجب المادة 19 من مدونة الأسرة، ويعتبر هذا الأمر من المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة فرضته دواعي اجتماعية وتربوية كما استلزمته الملائمة مع المواثيق الدولية خاصة إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتي نصت على ذلك في المادة 16 “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات السارية “.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بعد الإطلاع على المادة 19 هو هل يمكن للفتى والفتاة أن يتزوجا دون سن الأهلية المنصوص عليه في هذه المادة ؟
وللجواب على هذا التساؤل يمكن القول على أن الأصل في سن الزواج هو 18 سنة، ولا يرد عليه استثناءات تمكن من تخفيض هذا السن إلا بقرار قضائي معلل يوضح فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الإستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث إجتماعي حسب المادة 20 من مدونة الأسرة، والقاضي من خلال سلطته التقديرية يمكنه الموافقة أو الرفض.
ورفع سن الزواج إلى 18 سنة عرف اختلافا في الرأي من حيث تأييده أو منعه: فالرأي الذي يجيزه ويؤيده إعتبر هذا السن هو رفع للحيف الذي كان يمارس على المرأة بتزويجها في خمسة عشر سنة وهو سن جد منخفض لن تقوى الفتاة معه على تحمل الأعباء المادية والمعنوية للزواج الذي هو مؤسسة لتدبير الشأن الأسري تدبيرا حكيما لن تقوى الفتاة على تحمل المسؤوليات الناجمة عنه.
ت ) مسألة تعدد الزوجات :
تعتبر مسألة تعدد الزوجات من بين أهم القضايا التي أثارت نقاشا حادا داخل المجتمع فبل صدور مدونة الأسرة وبعدها بين معارض لمنع التعدد وتقييده مستدلا على القرآن الكريم ومن منطلق أنه ليس لإنسان أن يقيد ما أحله الله ويبيح ما حرمه الله، وبين من يشيد بتقييد التعدد لما له من أضرار على الزوجة من جهة وعلى الدولة من جهة، أخرى وذلك من خلال وضعها في موقف محرج أمام المنظمات والهيئات الدولية لاسيما بعد مصادقة المغرب على عدة إتفاقيات دولية خاصة بالمرأة.
كل هذا أوقع المشرع المغربي في عمق الإشكالية وضعته أمام خيارين، فهو من جهة يتطلع إلى تحرير المرأة ومسايرة الواقع والوفاء بالالتزامات وعهوده الدولية، لكنه من جهة أخرى مقيد بعدم الخروج عن هويته وخصوصية المجتمع الدينية والثقافية.
وبالرجوع إلى مدونة الأحوال الشخصية قبل تعديل 1993 لم تكن تضع أي قيد على التعدد أومنع من اللجوء إليه اللهم اشتراط العدل بين الزوجات، ويبقى هذا القيد قيدا أخلاقيا لايمكن ضبطه من الناحية الواقعية، ويتبين من هذه الوقائع أن مسألة التعدد كان قبل التعديل مسموحا به على إطلاقه دون أي قيد، أما مسألة اشتراط عدم التعدد عند الخوف من الجور فتبقى مسألة أخلاقية ترجع إلى الوازع الديني للزوج ، ومن الصعب ضبطها من الناحية الواقعية خصوصا وأن صياغة هذا الشرط مبني للمجهول، ولم تحدد من سيخاف من العدل هل الزوج أم الزوجة أم القاضي.
وأمام هذا الأمر طالبت العديد من الحركات النسائية بضرورة إلغاء التعدد ومنعه مطلقا لأن كرامة المرأة ومساواتها أمام الرجل تتطلب منعه، فهو يعبر عن تناقض صارخ بين التشريع الأسري المغربي وبين ما تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ومع صدور مدونة الأسرة الجديدة سنة 2004 ، أقرت هذه الأخيرة شروطا تقيد من حرية الرجل من القيام بالتعدد، وذلك تجسيدا للإلتزامات الدولية، التي التزم بها المغرب والإتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة وعلى وجه الخصوص اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وبناءا على ذلك نصت المادة 40 من المدونة “يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها ” وهذا يعني أن التعدد يمنع بكيفية مطلقة متى اشترطت الزوجة ذلك على زوجها، بالإضافة إلى ذلك نصت المادة 41 والتي حددت الحالات التي يكون معها التعدد ممنوعا، والأهم هنا هو منح السلطة القضائية سلطة الإشراف الفعلي والقانوني المسطري على أحقية التعدد في الزواج وهذا ما سلكه القضاء.
ومن هنا فإن القاضي لايسمح بالتعدد إلا إذا تأكد من إمكانية الزوج في توفير العدل والمساواة بين الزوجتين، مع إمكانية اشتراط المرأة لعدم التعدد في عقد الزواج فحتى وإن لم يكن هذا الشرط في العقد، فإن القاضي يستدعي الزوجة الأولى ويبلغها بنية زوجها بإقامة التعدد، وإعلام الزوجة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها، وقرار القاضي بعدم منح الإذن بالتعدد هو قرار نهائي غير قابل للطعن فليس في مدونة الأسرة ما يلزم القاضي بتعليل رفضه.
ح ) توسيع صلاحيات الزوجة في إنهاء الزواج :
من أجل تنفيذ الالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب وتقوية مركز المرأة داخل التشريع الوطني لم يكن أمام المشرع المغربي سوى إقرار مبدأ المناصفة والمساواة في الحقوق والواجبات من خلال مدونة الأسرة، بحيث أصبح بإمكان الزوجة إنهاء الرابطة الزوجية كلما توافرت عدة شروط منها :
– التطليق للضرر : مكنت مدونة الأسرة المرأة من إمكانية طلب التطليق بناءا على ضرر سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا، بحيث نصت الفقرة الثانية من المادة 99 على أحقية الزوجة في المطالبة بالتطليق للضرر وذلك بنصها ” يعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الإستمرار في العلاقة الزوجية ” ومن أجل حصول الزوجة على تعويض لابد لها من أن تثبت الضرر وذلك بجميع وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 100 من مدونة الأسرة والتي تنص؛ ” تثبت وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود الدين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة”، وإذا لم تستطع الزوجة إثبات الضرر فإن الفقرة الثانية من نفس المادة تبيح لها إنهاء الرابطة الزوجية عن طريق مسطرة الشقاق.
– التطليق لعدم الإنفاق : يعتبر عدم إنفاق الزوج على زوجته وإمساكه عن ذلك يعتبر مبرر يخول لها تقديم طلب التطليق لعدم الإنفاق.
ونجد مدونة الأسرة عملت على منح المرأة حق التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الواجبة عليه، وفصلت المادة 102 ، في ذلك ولم تسمح بالتطليق لمجرد طلب الزوجة ذلك بل حصرته في حالة واحدة وهي إمتناع الزوج عن الإنفاق مع عدم إثبات العجز(الزوج) أي حالة الموسر الممتنع عن الإنفاق أما المعسر في النفقة فإن القاضي يمنحه أجلا للوفاء بالتزامه بحيث تمهله المحكمة مدة لاتتعدى ثلاثين يوما من أجل إستيفاء إلتزامه.
وعليه تشكل الإصلاحات التشريعية التي تم سردها مكسبا هاما للمغرب وخطوة نحو التوفيق بين المعايير الدولية الجاري بها العمل والتشريع الوطني، بحيث تحول الاهتمام بوضعية المرأة من مجرد الاهتمام والتعاطف إلى واقع ملموس من خلال مجموعة من النصوص القانونية التي كرست مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، إلا أن رغم هذا مازال هناك بعد العراقيل أمام إنصاف المرأة ، وهذه العراقيل قد نجدها في بعض الأحكام القانونية وحتى بعض العراقيل التي تعود إلى العقليات ومدى تقبلها للمعاملة بالمثل سواء مع الرجل أو المرأة.
لائحة المراجع المعتمدة
– الدكتور محمد الكشبور : “شرح مدونة الأسرة ” الجزء الأول مطبعة النجاح الجديدة البيضاء .2008
– الدكتور محمد المهدي : ” فلسفة نظام الأسرة مقاربات في ضوء الفقه والقانون والعمل القضائي” الطبعة الأولى
– الدكتور محمد الكشبور :” شرح مدونة الأسرة الجزء الثاني انحلال ميثاق الزوجية ” مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 2006
– مجموعة الوثائق والنصوص المتعلقة بوضعية المرأة بالمغرب منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. سلسلة نصوص ووثائق ،رقم 41 الطبعة الأولى 2001-
– فاطمة الزهراء بابا احمد ” مبدأ المناصفة المرأة في الدستور من مطلب التضمين إلى الحق في التنزيل” مجلة مسالك عدد مزدوج 23-24-2013
– محمد بنحساين ” حماية حقوق المرأة الأجيرة في التشريع المغربي” مقالة منشورة في مجلة القانون المدني العدد 3 2014.
– بشرى العاصمي : ” دراسة نقدية للوضعية القانونية للمرأة المغربية ” مقال منشور بمجلة المحامي العدد 25-26. 2011
– د إدريس الفاخوري ” دور الإرادة في إنهاء عقد الزواج على ضوء مدونة الأسرة ” مقال منشور بمجلة الملف عدد 4-2004-
– إدريس الفاخوري ” وضعية المرأة العاملة بين الخطاب الشرعي والنص القانوني والواقع الاجتماعي” ندوة الأسرة والمواطنة .منشورات شمل العدد 22-23 مارس 2002 .الرباط
– إدريس الفاخوري : ” بعض مظاهر قيم حقوق الإنسان في مدونة الأسرة الجديدة” مداخلة في ندوة الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، سلسلة الندوات والتقارير عدد 4 -2014 منشورات وزارة العدل المعهد العلي للقضاء مكتبة دار السلام الرباط
– مجموعة الوثائق والنصوص المتعلقة بوضعية المرأة بالمغرب منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. سلسلة نصوص ووثائق ،رقم 41 الطبعة الأولى 2001-ص 100-101
إعداد:ذ/أيوب حجلي_باحث في العلإقات الدولية