مكانة كتابة الضبط ضمن منظومة العدالة
يتضح من ذلك أن كتابة الضبط حسب المشروع تخضع للسلطتين القضائية والتنفيذية معا، فهما خاضعتان لسلطة ومراقبة وزارة العدل التي يمثلها على مستوى المحكمة الكاتب العام وللسلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين في الوقت نفسه .
إذا بحثنا في مفهوم المصطلح المستعمل “سلطة”، نجدها تعني في اللغة حسبما جاء في لسان العرب لابن منظور : السلطة هي اسم من السلاطة وهي القهر، والتسلط معناه التمكن والتحكم.
أما في الاصطلاح، فهي القوة الطبيعية أو الحق الشرعي في التصرف أو إصدار الأوامر في مجتمع معين، ويرتبط هذا الشكل من القوة بمركز اجتماعي يقبله أعضاء المجتمع بوصفه شرعيا، ومن تم يخضعون لتوجيهاته وأوامره وقراراته .
فالسلطة هي قوة قانونية – شرعية حسب تعريف علم الإدارة .(المرجع دة نعيمة الظرفات، القيادة الإدارية و تدبير مراكز اتخاذ القرار ص 56/57 ) .
فإذا كان خضوع كتابة الضبط للسلطة الإدارية لوزارة العدل، مؤطرا قانونا بمقتضى القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية والنظام الأساسي الخاص بكتابة الضبط، وبباقي القوانين والمراسيم المتعلقة بنظام الوظيفة العمومية بالمغرب .
فمن أين تستمد قانونية وشرعية ممارسة سلطة المسؤول القضائي على كتابة الضبط، لا من حيث محتواها وحدودها ولا من حيث آليات ممارستها ما دام أن المشروع لم يوضح ذلك، ولم تتضمن القوانين التنظيمية المتعلقة بالقضاء أيا من ذلك .
فالمسؤول القضائي حسب قراءتنا للنص يملك سلطة مراقبة المهام، لكنه لا يملك سلطة الإشراف الإداري التي تعطيه حق التقييم والتنقيط التي تبقى لرئيس الإدارة أي لوزير العدل الذي يمثله على مستوى المحكمة كاتبها العام.
إذن كيف للمسؤول القضائي أن يمارس سلطته على فئة لا يملك حق تنقيطها وتقييمها، وبالتالي إمكانية التأثير في مسارها المهني إيجابا أو سلبا ؟
والشيء نفسه، يقال حول سلطته على الكاتب العام للمحكمة، في انتظار المرسوم المحدد لمهام الكاتب العام الذي أحال عليه المشروع .
السؤال الأول إذا كانت تسمية الكاتب العام من اختصاص وزارة العدل، فهل يكون إعفاؤه تبعا لمزاجية المسؤول القضائي باعتبار المفهوم اللغوي للسلطة، مادامت مقومات المفهوم الاصطلاحي غائبة أو مغيبة.
والسؤال الثاني ماذا يقصد بالمسؤول القضائي، ما دامت كتابة الضبط حسب المشروع عبارة عن هيأة موحدة، هل هو الرئيس / الرئيس الأول أم وكيل الملك / الوكيل العام، وماذا لو اختلفت أولوياتهما أو تعارضت توجيهاتهما لأي سلطة سنخضع .
على مستوى آخر، فإن هيكلة المحكمة في إطار المشروع عرفت ازدواجية بين تقسيم “قضائي” قوامه الأقسام والغرف التي تتكون من قضاة وكتابة الضبط، التي يرأسها قاض تعينه الجمعية العمومية يسهر على تسييره، وبين تقسيم “إداري” يمثله الكاتب العام ورؤساء المصالح.
هذا التقسيم الذي ميز بين تسيير المهام وجعلها تحت سلطة القاضي رئيس القسم والمسؤول القضائي، وبين الإشراف الإداري الذي جعله من نصيب الكاتب العام بمساعدة رؤساء المصالح، قد يحد من فعالية هذا الإشراف من جهة، إذ ليس للكاتب العام تقييم وتنقيط الموظف، إلا بالنظر إلى المهام الموكولة إليه ومدى إنجازها بالشكل المطلوب، ومن جهة أخرى فإن إسناد هذه المهمة للقاضي رئيس القسم سوف تبقى شكلية أمام جسامة المهام القضائية التي يقوم بها الأخير، وما يترتب عنها من عبء تهييء الملفات والتداول فيها وتحريرها.
وضعية كتابة الضبط ضمن هيكلة المحكمة.
لم يرد ذكر كتابة الضبط ضمن هيكلة المحاكم في المشروع، إلا بمناسبة سرد مكوناتها سواء محكمة أو هيأة قضائية، إذ نص المشروع عند الحديث على كل صنف من المحاكم سواء على الدرجة الأولى أو الثانية أو على مستوى محكمة النقض أنها تتكون من كاتب عام وهيأة كتابة الضبط.
وإذا كانت من مهام الكاتب العام الإشراف على كتابة الضبط ومصالحها، فما هو موقعه ضمن هياكل المحكمة ؟
باستقــــراء النصوص، فإن الكاتب العام للمحكمة :
– عضو ضمن لجنة بحث صعوبات سير المحكمة المحدثة بالمادة 19 بصفته مقررا .
– عضو لجنة التنسيق المحدثة بالمادة 21 .
– يحضر اجتماعات مكتب المحكمة بصفة استشارية– المادة 24 -25 لانجاز المحضر.
– يحضر الجمعية العامة بصفة استشارية– المادة 28- 30لانجاز المحضر .
وهو ما يعني التغييب التام لكتابة الضبط من الأجهزة التقريرية للمحكمة، فحضور الكاتب العام للمحكمة حسب اعتقادنا اقتضته ضرورة البحث عن شخص يحرر محضر الأشغال لا أقل ولا أكثر، رغم أن هذه الأجهزة هي التي تقوم بتحديد البرنامج العام السنوي الذي يهم كتابة الضبط في جزء كبير منه، خاصة في توزيع المهام وتحديد الحاجيات من الموارد البشرية والمادية، وتسطير البرنامج التواصلي والثقافي وحصر مواضيع التكوين المستمر .
وهنا نتساءل هل تسعف الكاتب العام صفته الاستشارية لاقتراح تعيين كتاب الضبط المكلفين بحضور الجلسات، وأن يعطي رأيه في برنامج تنظيم العمل السنوي، وأن يقترح برنامج تكوين كتاب الضبط؟، لا نعتقد ذلك ما دام أن اقتناعنا راسخ أن نية معدي المشروع هي إيجاد أداة لتحرير المحاضر لا أكثر .
والخلاصة أن اعتماد العنصر البشري كأداة رئيسية في الإصلاح ما زال الغائب الأكبر، فهل يعتقد معدو المشروع، بأن إعادة الحلول نفسها، التي أثبتت فشلها سيؤدي إلى نتائج مختلفة.
منقول