الإثراء بلا سبب
الإثراء بلا سبب enrichissement sans cause هو حصول أي شخص ولو كان غير مميّز على كسب بلا سبب مشروع على حساب شخص آخر. لذا يلتزم، في حدود ما كسبه تعويض من لحقه ضرر بسبب هذا الكسب، ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال كسبه فيما بعد. وعلى هذا، فالإثراء بلا سبب يعدُّ واقعة قانونية تشكل مصدراً من مصادر الالتزام، وهو من مصادره الأولى التي ظهرت في فجر التاريخ.
في الشريعة الإسلامية، يقول بعض الفقهاء إن الشريعة لم تعتد بهذه القاعدة إلا في حدود ضيقة، ويرى آخرون بأن الكسب بدون سبب تعرفه الشريعة الإسلامية مبدأ عاماً وقاعدة كلية، فهي تقضي بأنه «لا ضرر ولا ضرار» و«الغنم بالغرم». ويذكر الإمام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» الآية ]ولاتأكُلوا أموالَكُم بَيْنَكُم بالباطِلِ[. وجاء في خطبة الرسول (ص) يوم النحر قوله «على اليد ما أخذت حتى ترده».
أركان الإثراء بلا سبب
للإثراء بلا سبب ثلاثة أركان:
إثراء المدين: ويقصد به عادة الزيادة في الجانب الإيجابي لذمة المدين بغير حق. وهذا هو مصدر التزامه بالرد. فلو وفى شخصٌ ديناً عن ذمة شخص آخر، ثم تبين أن هذا الدين سبق الوفاء به فلا يكون المدين قد أثرى بهذا الوفاء، ولو كان الشخص الموفي قد افتقر بما دفعه من ماله، وإنما من أثرى هنا هو الذي قبض المال مرتين.
افتقار الدائن: وهو ما يقابل إثراء المدين. فلو تحقق الإثراء في جانب ولم يقابله افتقار في الجانب الآخر، فليس هناك مجال لتطبيق قاعدة الإثراء بلا سبب: كمن يبني حديقة ترفع قيمة بناء جاره، فالجار هنا قد أثرى، ولكن صاحب الحديقة لم يفتقر. بتعبير آخر، يجب أن يكون الافتقار هو السبب المنتج للإثراء. وإذا ما تعددت أسباب الإثراء فيؤخذ بالسبب الرئيسي الفعال.
انعدام السبب القانوني: لكي تقوم قاعدة الإثراء بلا سبب، يجب أن يتجرد الإثراء عن سبب يسوّغه، لأن وجود سبب قانوني للإثراء ينفي قاعدة الإثراء بلا سبب والمقصود بالسبب هنا المصدر القانوني للإثراء. وهذا المصدر قد يكون عقداً من العقود، يمتنع عليه أن يرجع على الطرف الآخر استناداً لأحكام الإثراء بلا سبب، لأن إثراء الأخير مصدره العقد المبرم بينه وبين الطرف الأول. وكذلك من كسب حقاً بنص قانوني فإنه لا يلزم بالرد.
الآثار القانونية للإثراء بلا سبب:
تنشئ واقعة الإثراء التي نجمت عن الافتقار حقاً للمفتقر بإقامة دعوى التعويض، فالتعويض هو جزاء الإثراء بلا سبب. ولهذه الدعوى طرفان:
المدعي: وهو الدائن أي المفتقر الذي يحق له إقامة الدعوى للمطالبة بالتعويض ولا يشترط فيه أن يكون صاحب أهلية.
والمدعى عليه: وهو المدين أي المثري، ولا يشترط فيه أيضاً توافر الأهلية. وباستطاعته أن يدفع هذه الدعوى بأحد أمرين: إما إنكار الدعوى ذاتها لفقد أحد أركانها مثلاً، وإما لأن التزامه قد انقضى بالوفاء مثلاً أو بالتقادم. وتتقادم دعوى التعويض عن الإثراء بلا سبب بإحدى حالتين: إما بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه أن المفتقر بحقه في التعويض أو بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم نشوء الحق بالتعويض.
ويجب ألا يزيد مبلغ التعويض على المبلغ الذي افتقرت به ذمة المدعي الدائن. كما يجب ألا يزيد على المبلغ الذي أثرت به ذمة المدعى عليه المدين.
والرأي على أن يقدر مبلغ الإثراء بوقت حدوثه ومبلغ الافتقار بوقت صدور الحكم.
تطبيقات الإثراء بلا سبب
لقاعدة الإثراء بلا سبب تطبيقات كثيرة. وأهم هذه التطبيقات: الفُضالة، ودفع غير المستحق.
الفُضالة: وهي كما عرفها القانون المدني أن يتولى شخص عن غير قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر من دون أن يكون ملتزماً ذلك. وهي عند الفقهاء المسلمين: القيام بعمل ما لشخص من دون إذن شرعي منه أو وكالة للفضولي عنه.
ويستخلص من النصوص المتعلقة بالفضالة أنها تقوم على الأركان الثلاثة التالية:
الركن المادي: وهو أن يقوم الفضولي بشأن عاجل لحساب شخص آخر، سواء تم ذلك في شكل تصرف قانوني كأن يؤجر الفضولي عقاراً لصالح رب العمل، أو عمل مادي كأن يرمّم الفضولي منزل شخص آخر مهدد بالانهيار. ولا يكفي لعمل الفضولي مجرد تحقيق الفائدة لرب العمل بل لابدّ من أن يكون العمل ضرورياً وعاجلاً بحيث ما كان لرب العمل أن يتوانى عن القيام به لو وُجد في الموقف نفسه، الذي قام فيه الفضولي بهذا العمل: كبيع المحصولات التي يسرع إليها التلف مثلاً.
الركن المعنوي: وهو أن يقصد الفضولي إسداء خدمة لمصلحة رب العمل وليس لمصلحته بالذات. وبغير هذه النية لا تتحقق الفضالة.
الركن القانوني: ويتمثل بألا يكون الفضولي ملزماً بالعمل الذي قام به أو موكولاً إليه، أو ممنوعاً عنه. فالحارس الذي يعمل على إدارة العين التي يتولى حراستها لا يكون فضولياً بل إنه ينفذ التزاماً مترتباً عليه. وإذا كان رب العمل قد دعا شخصاً للقيام بعمل لحسابه، فهذا الشخص يعدّ وكيلاً وليس فضولياً. وكذلك الأمر لو نهى رب العمل شخصاً عن عمل، وقام به رغم النهي، فالشخص المذكور قد ارتكب خطأ يوجب مسؤوليته.
وللفضالة أحكام: فهي مصدر التزامات على الفضولي وأخرى على رب العمل.
فالتزامات الفضولي هي أن يستمر في العمل الذي بدأه، وأن يبذل العناية الكافية به حتى يتمكن رب العمل من مباشرته، كما يجب عليه إخطار رب العمل وتقديم حساب له عما قام به. أما التزامات رب العمل فتتلخص بتنفيذ التعهدات التي باشرها الفضولي نيابة عنه، والتعويض عليه ورد النفقات الضرورية والنافعة التي دفعها.
دفع غير المستحق: يتم دفع غير المستحق في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى: الوفاء بدين غير مستحق، كأن يقوم شخص بوفاء دين لم يكن مترتباً بذمته بالأصل، أو أن يكون موجوداً لكنه غير مستحق، أو أن يكون مستحقاً لكنه انقضى قبل الوفاء به، أو أن يكون قد قام بالوفاء عن غلط أو إكراه أو نقص في الأهلية.
الحالة الثانية: الوفاء بدين كان مستحقاً عند الوفاء، لكنه أصبح غير مستحق بعد ذلك، كالذي يدفع الدين ثم يبطل العقد الذي تم الوفاء على أساسه.
ويترتب دفع غير المستحق التزاماً في ذمة الموفى له بأن يرد ما أخذه بدون حق إلى الموفي.
الإرادة المنفردة
الإرادة المنفردة la volonté unilatérale عمل قانوني صادر من جانب واحد ينتج آثار قانونية معينة، فهو على هذا الأساس، يتم بإرادة واحدة، ولا يمثل إلا مصلحة طرف واحد. فأما كونه يتم بإرادة واحدة، فهذا يعني أنه يتم بتعبير واحد عن الإرادة، ولا يتوقف في إنتاج آثاره إلا على إرادة من صدر منه التعبير. وأما كونه يمثل مصلحة طرف واحد، فهذا يعني أن المتصرف بالإرادة المنفردة لا يستهدف من تصرفه إلا مصلحته هو من دون أن تدخل مصلحة الغير في حسبانه.
وقد عَدّت معظم القوانين العربية الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام في حالات محددة، أي أنها مصدر استثنائي له، إلى جانب العقد [ر] الذي يعدّ هو المصدر العام للالتزام.
وإذا كان التصرف بالإرادة المنفردة ينشأ بإرادة المتصرف وحده، فإنه ينقضي أيضاً بإرادته، أما مصلحة الغير الذي كان مقصوداً بآثار التصرف بالإرادة المنفردة، فيحميها القانون حين يجعل هذا التصرف نهائياً لا يجوز الرجوع عنه إلا من المتصرف نفسه وفي شروط معينة.
وقد وردت في القوانين الوضعية العربية صور تطبيقية متفرقة للإرادة المنفردة بوصفها مصدراً للالتزام، ومن هذه الصور، الوقف [ر] والوصية [ر] والإقرار [ر] والوعد بجائزة.
تسري على تصرف الإرادة المنفردة الأحكام الخاصة بالعقد عدا ما تعلق منها بوجود إرادتين والذي تأباه طبيعة التصرف الأحادي. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوافر في التصرف الذي تنشئه الإرادة المنفردة الشرائط التالية:
ـ أن يصدر تصرف الإرادة المنفردة عن إرادة جدية ترمي إلى إنشاء الالتزام.
ـ أن يكون لالتزام المتصرف سبب، وأن يكون الدافع إلى التصرف مشروعاً، كما يجب أن يكون له محل.
ـ أن يكون المتصرف بإرادته المنفردة، متمتعاً بالأهلية اللازمة لذلك، فلا تُعَدُّ تصرفات المجنون جنوناً مطبقاً صحيحة لفقدانه أهلية التصرف.
كما يجب أن تكون إرادته خالية من أي عيب من العيوب التي تعتريها أحياناً، كالإكراه والغلط والتدليس والغبن الاستغلالي فلا يعدّ صحيحاً تصرف الإرادة المنفردة الصادر تحت وطأة الإكراه مثلاً.
وللإرادة المنفردة بوصفها مصدراً استثنائياً للالتزام، حالات تطبيقية مختلفة في القانون، ذكرت على سبيل الحصر كالإيجاب الملزم والوصية والوقف، إذ ليس للإرادة المنفردة أي سلطان في خلق تصرفات وحيدة الطرف لم يذكرها القانون، بل يقتصر دورها على تحديد مضمون التصرف القانوني الأحادي الذي أجازه القانون، ولعل أهم تطبيق لنظرية الإرادة المنفردة في القانون المدني السوري والقوانين العربية الأخرى، هو الوعد بجائزة.
الوعد بجائزة هو تخصيص أجر لشخص لن يتعين إلا بتنفيذ الأداء الذي حدده الواعد. كأن يعلن شخص عن جائزة لمن يصنع دواء لمعالجة مرض مستعص، أو لمن يعثر على أشياء مفقودة أو لمن يخترع آلة لغرض معين. فمن قام بكشف الدواء أو من عثر على الأشياء المفقودة أو من نجح في اختراع الآلة، استحق الجائزة التي أعلن عنها الواعد. والوعد بالجائزة معروف في الفقه الإسلامي، وقد عالجه الفقهاء تحت عنوان الجعالة. والجعالة، هي أن يجعل أحد شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً كما لو قال صاحب حاجة فقدت منه، من ردها إليّ فله جائزة قدرها كذا.
ولكي يكون الوعد بجائزة منشئاً للالتزام، يجب أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
ـ أن يكون الوعد بجائزة وعداً جاداً صادراً عن شخص ذي أهلية وعن إرادة خالية من العيوب.
ـ أن يكون الوعد موجهاً إلى الجمهور لا إلى شخص معين، فإذا وجه إلى شخص معين أو فئة معينة خرج عن كونه وعداً وأصبح إيجابياً لا ينشئ التزاماً إلا إذا اقترن بقبول، فيكون مصدر الالتزام هو العقد لا الإرادة المنفردة.
ـ أن يوجه الوعد إلى الجمهور بصورة علنية، كالإعلان في الصحف أو في إحدى طرق النشر المعروفة كالإذاعة والتلفاز أو بتوزيع النشرات وتثبيت الملصقات على ألواح الإعلان المخصصة لذلك في الطرق العامة والشوارع.
ـ أن تكون ثمة جائزة مادية أو أدبية يلتزمها الواعد، أي أن يتضمن الإعلان المنشور تحديداً بيّناً للجائزة التي يلتزم الواعد إعطاءها من جهة، والعمل المطلوب القيام به لاستحقاق الجائزة من جهة أخرى.
وللواعد إضافة إلى ذلك أن يشترط ما يشاء من الشروط لاستحقاق الجائزة، كأن يحدد أوصاف الآلة التي يجب اختراعها، أو الدواء الذي يجب صنعه، وله ألاّ يشترط أية شروط.
أما آثار الالتزام الناشئ عن الوعد بجائزة فهي:
1ـ إذا حدد الواعد مدة لإنجاز العمل فإنه لا يجوزله أن يرجع عن وعده في المدة التي حددها، وإذا قام أحد بالعمل في المدة المحددة، يصبح دائناً للواعد بالجائزة ولو لم يكن يعلم بالوعد. أما إذا انقضت المدة المحددة ولم يقم أحد بالعمل المطلوب، فإن التزام الواعد ينقضي.
وإذا قام شخص بعد ذلك بالعمل، فلا يلتزم الواعد أداء الجائزة ولا يسأل عنها.
2 ـ أما إذا لم يحدد الواعد مدة لإنجاز العمل، فله أن يرجع عن وعده قبل أن يتم أحد العمل المطلوب، ويتحلل بذلك من التزامه، على أن يتم رجوعه بالوسائل نفسها التي تم بوساطتها الإعلان عن الوعد للجمهور. ولكن إذا كان هناك من بدأ العمل قبل أن يعلن الواعد الرجوع عن وعده ولم يتمه بعد، أو أتمه بعد الرجوع، فإنه لا يستحق الجائزة ولكن على الواعد أن يرد عليه ما أنفقه بتعويض مناسب.
وعندما ينجز المستفيد العمل المطلوب القيام به، يستحق الجائزة من الواعد وتدخل في ذمته المالية، كما تؤول إلى ورثته بوفاته حتى لو كانت الوفاة قبل علمه بالوعد.
وتتقادم دعوى المطالبة بالجائزة بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم إنجاز العمل سواء أكان الواعد قد حدد مدة لذلك أم لم يحدد. أما إذا رجع الواعد عن وعده، وكان المستفيد قد أتم العمل قبل إعلان الرجوع، فإن للمستفيد أن يطالب بالجائزة في غضون ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع على الجمهور. وهذه المدة مدة سقوط لا مدة تقادم، أراد بها الشارع أن يمنع كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول.
الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير la stipulation pour autrui يعني تعاقد شخص باسمه، يسمى المشترط، مع آخر يسمى المتعهد، على تحقيق التزام لمصلحة شخص ثالث أجنبي عن العقد، يسمّى المستفيد.
والأصل في العقود، أنّ آثارها تتناول عاقديها وتؤول إليهم، لا تتعداهم أو تجاوزهم إلى الغير، فلا يفيد من العقد ولا يضارّ به أحد سوى العاقدين اللذين إليهما وحدهما الحقوق والالتزامات المتولدة عنه، وهذا هو الأثر النسبي للعقد.
ولقد أخذت التشريعات القديمة بهذا المبدأ، منذ عهد الرومان. وأخذت به أيضاً التشريعات الإسلامية، واستقرّ الأمر لهذا المبدأ في مختلف النظم القانونية منذ ذلك الحين. واستمر العمل به حقبة طويلة من الزمان، حتى بدا لفقهاء رومة ضرورة التخفيف منه والتحلل من بعض آثاره، فأجازوا منذ القرن الأول للميلاد المشارطة للغير.
وكذلك كان الشأن في فرنسة، قبل مجموعة نابليون، حتى إذا صدر التقنين المدني فيها عام 1804، أورد المشرّع فيه استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، وأجاز الاشتراط لمصلحة الغير في المادة 1121 صراحة، متى توافرت للمشترط مصلحة مادية أو أدبية من اشتراطه.
ولقد أجيز الاشتراط لمصلحة الغير بعد ذلك في الشريعة الإسلامية، كما أخذت به حديثاً التشريعات الوضعية العربية في حالات وشروط محددة وذلك استجابة لتطور حاجات التعامل بين الأفراد. فلقد نصت المادة 155 من القانون المدني السوري مثلاً على أنه: «1 ـ يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية، مادية أو معنوية، ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قِبَل المتعهد بتنفيذ الاشتراط».
خصائصه
في الاشتراط لمصلحة الغير أشخاص ثلاثة، اثنان هما: طرفا العقد الأصلي، أي العاقدان، أحدهما هو المشترط والثاني هو المتعهد.
أما الشخص الثالث في المشارطة، فهو المستفيد أو المنتفع، وهو شخص أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، ولكنه المستفيد من محله، وفاقاً لما قرّره المشترط والتزم به المتعهد.
والخاصّة المميّزة للاشتراط لمصلحة الغير، عن العقود أو الاتفاقات القريبة منه، أو المشابهة له، هي أن العاقد المشترط ليس في عقده مع المتعهد نائباً عن المستفيد المنتفع، كما أنّه ليس فضولياً عنه تحكم اتفاقه النصوص المتعلقة بالفضالة[ر] ثمّ إنّ المشارطة ليست من قبيل حوالة الحق[ر]، وإنّما هي نسيج مستقل تماماً عن ذلك كلّه، ركناها الأساسيان: انصراف إرادة المشترط، لإنشاء التزام لمصلحة الغير في ذمّة المتعهد، وبقاء المنتفع أجنبياً عن العقد المبرم بين عاقديه: المشترط والمتعهد.
شروط انعقاده
يخضع العقد الأصلي الذي يبرمه العاقدان أي المشترط والمتعهد والمتضمن «الاشتراط لمصلحة الغير»، لجميع شرائط الصحة والانعقاد التي ينبغي توافرها في العقود عامّة، في الشكل والموضوع، فيجب أن تتوافر في العقد أركانه من أهلية العاقدين، ورضاهما، ومشروعية السبب والمحل، فضلاً عن الشكل الواجب في العقود الرسمية. ويستثنى من ذلك كون المشارطة تبرعاً لا معاوضة، فلا يخضع لشرط الرسمية، على ماسوف يتبين عند البحث في آثار الاشتراط.
هذا عن الشروط العامة للعقد الأصلي. أما المشارطة فيتعين، إضافة إلى ذلك أن تتوافر فيها الشرائط التالية:
مصلحة المشترط: يجب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون للعاقد مصلحة من المشارطة، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية، أو أدبية. ويغلب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون الباعث عليه مصلحة أدبية للمشترط كما في عقود التأمين على الحياة، إذ يؤول بدل التأمين بوفاة المشترط إلى الغير الذي يمكن ألاّ تربطه بالمشترط غير صلة ودّ.
ولكن يمكن أن تكون للمشترط مصلحة مادية صرفة، كما في التأمين الذي يعقده الناقل لضمان الأضرار التي تصيب المنقول، أو التأمين الذي يبرمه ربّ العمل لضمان الإصابات التي تلحق بعمّاله.
تعيين المنتفع: ويجب في الاشتراط لمصلحة الغير، توافر شرط آخر، هو تعيين المنتفع.
ويمكن تعيين المنتفع بشخص مسمى، كما يمكن أن يكون المنتفع شخصاً غير معيّن بالاسم شريطة إمكان تعيينه بحسب شروط العقد، كما أجاز القانون أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً، متى كان وجوده قابلاً للتحقق في المستقبل. ومثال ذلك الناقل في عقود النقل، إذ يتعاقد بوصفه مشترطاً مع شركة للتأمين وصفتها متعهدة، تلتزم بتأمين الغير، وهو هنا الشخص المنقول الذي لم يتعاقد مع المتعهد أصلاً، ولم يكن طرفاً في العقد الأصلي، وإنما يظلّ منتفعاً ـ مع كونه أجنبياً عن ذلك العقد الأصلي ـ استناداً لمفهوم «الاشتراط لمصلحة الغير».
وفي ذلك توكيد لما قرّره القانون، من أنّ المشترط يتعاقد باسمه شخصياً لا باسم المنتفع. فلا يدخل الأخير طرفاً في العقد الأصلي، ولا يكون المشترط فيه نائباً عن المنتفع ولا فضولياً عنه.
حق المنتفع المباشر: وينبغي أن تنصرف إرادة العاقدين أي المشترط والمتعهد إلى إنشاء «حقّ مباشر» في ذمّة المستفيد، فيكتسب الأخير الحقّ بمجرّد اتفاقهما، من دون أن يمرّ هذا الحق بذمّة أحد منهما، وبذلك لا تنطبق أحكام «الاشتراط لمصلحة الغير» إذا كان المتعاقد اشترط الحق لنفسه، ثمّ أحاله للمستفيد، بمعنى أن الحقّ الذي يكسبه المستفيد لا ينشأ من عقد بينه وبين المشترط، ولا من عقد بينه وبين المتعهد، ولا من حوالة صدرت عن المشترط، ولامن عقد مثل فيه بنائب عنه، أو بفضولي، وإنّما نشأ هذا الحقّ مباشرة من العقد الذي تمّ بين المشترط وبين المتعهد، من دون أن يشارك المستفيد أو يمثّل فيه بأية صورة.
آثار الاشتراط للغير وأحكامه
تتولد عن الاشتراط لمصلحة الغير، علاقات ثلاث، ينظمها القانون، أولاها بين العاقدين، والثانية بين العاقد المتعهد والمستفيد المنتفع، والثالثة الأخيرة بين المستفيد والعاقد المشترط.
العلاقة بين العاقدين: العاقدان أصلاً، المشترط والمتعهد، هما طرفا العقد، وتحكم علاقتهما نصوص العقد، وإليهما تنصرف آثاره، وفقاً للقواعد العامة، فيما عدا الحقّ المشروط لمصلحة الغير، ويترتب على ذلك، أن تخلّفَ أحد العاقدين عن الوفاء بالتزاماته، يخوّل المتعاقد الآخر إلزامه بالتنفيذ، أو الفسخ مع التعويض.
على أنّ المشترط لا يُعدُّ دائناً بالحقّ المشروط، ولذا فهو لا يملك المطالبة به لنفسه، وإنّما يبقى له حق الرقابة على تنفيذ المتعهد لالتزامه، وله مطالبته بذلك، تحقيقاً لمصلحته الشخصية من الاشتراط، وهذا ما صرّح به المشرّع في المادة 155/3 من القانون المدني السوري.
وتجري المطالبة بدعوى مباشرة، يرفعها المشترط باسمه شخصياً لا باسم المستفيد.
العلاقة بين المنتفع والمتعهد: بمجرّد إبرام العقد، ومن دون حاجة لإشراك المستفيد فيه، أو لقبوله به، ينشأ عن «الاشتراط لمصلحة الغير» حق ذاتي للمنتفع، وهو حقّ فوري ومباشر لا يمرّ بذمّة المشترط، وتضحي للمنتفع دعوى مباشرة يحق له بمقتضاها مخاصمة المتعهد، ومطالبته بالوفاء بالتزامه، ما لم ينصّ العقد على خلاف ذلك. ويتبع ذلك، أنّ الحق المشروط للمنتفع، يدخل في ذمّته المالية، ويقع في الضمان العامّ لدائنيه، وينتقل من بعده لورثته.
وينشأ حقّ المنتفع، بمجرّد العقد، لنشوء الالتزام منذ ذلك الوقت في ذمّة المتعهد.
وينتج عن ذلك آثار مهمة، منها أنه إذا فقد المتعهد أهليته بعد العقد، ولو كان ذلك قبل إعلان المنتفع القبول بالاشتراط لمصلحته، فإنّ ذلك لا يؤثر في صحة المشارطة، ولا في قيام حقّ المستفيد، ولو لم يكن الأخير موجوداً، أو معيناً في ذلك الوقت مادام قابلاً للتعيين أو ممكن الوجود في المستقبل.
العلاقة بين المستفيد والمشترط: في المشارطة لمصلحة الغير، وإلى أن يعلن بها المستفيد، يبقى للمشترط الحقّ بنقض المشارطة، وتعديلها، واستبدال شخص المستفيد بغيره، أو رد الانتفاع بها لنفسه. وينقضي حق المشترط بذلك، بمجرد إعلان المستفيد بالمشارطة، فإذا رفضها المستفيد ارتدّ حق النقض والتعديل للمشترط. وهذا ما قرّره القانون المدني السوري صراحة، حين نصّ في المادة 156/3 منه أنّه: «يجوز للمشترط، دون دائنيه أو ورثته، أن ينقض المشارطة قبل أن يصرّح المنتفع إلى المتعهد أو المشترط برغبته في الاستفادة منها، مالم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد».
وحقّ النقض هذا، بحسب نصّ القانون هو حقّ شخصي للمشترط، ليس لدائنيه استعماله، وينقضي بوفاة المشترط فلا ينتقل لورثته. ولا يترتب على نقض المشارطة، براءة ذمة المتعهد قبل المشترط، إلا إذا اتُّفق على خلاف ذلك. أمّا المستفيد فله ردّ المشارطة ورفضها، فينزل بذلك عن الحقّ الذي نشأ له بمقتضى العقد، غير أنّ حق المستفيد بالرفض، ليس حقاً شخصياً خالصاً له، بل يملك دائنوه الطعن في تصرفه متى كان صدوره إضراراً بمصالحهم، كما يملك ورثة المستفيد ذلك أيضاً بعد وفاته.
والعلاقة بين المشترط والمستفيد قد تكون تبرّعاً وقد تكون معاوضة، فإن كانت من قبيل التبرع، فهي تغني عن العقد الرسمي الواجب لانعقاد الهبة. وإذا كانت معاوضة، فلا يرتّب نقضها من قبل المشترط، أو رفضها من جانب المستفيد انقضاء الحق الذي كان للأخير قبل المشارطة.
التطبيقات العملية للاشتراط لمصلحة الغير
جاءت الأحكام المستحدثة، الناظمة «للاشتراط لمصلحة الغير»، تلبية للحاجات العملية التي اقتضاها تطور المعاملات والعلاقات في المجتمع. ولعل الحاجة الأولى الملحة لوضع تلك الأحكام، كانت من خلال عقود التأمين التي لم تكن معروفة في التشريع القديم، ففي عقد التأمين [رٍ] يؤمن شخص ما حياته، بمقابل بدل ما، يصرف عند وفاته لشخص ثالث أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، وقد لا يكون وارثاً للمؤمن له. ثمّ وجد هذا التنظيم القانوني، طريقه للتطبيق في عقود النقل [ر] حين يؤمن الناقل على الأشخاص أو البضائع المنقولة لمصلحة الغير، وفي عقود التبرّع المشروطة التي تتضمن اشتراط منفعة ما أو مرتب دائم للغير ويلتزم المتبرع له بها، وفي عقود الأشغال إذ يؤمن المتعهد على الأشغال وإصابات العمل، وفي عقود أخرى لا مجال لحصرها.
الأجـــل
الأجل le delai هو أمر مستقبل محقق الوقوع، يُجعَل حلوله موعداً لنفاذ التزام [ر] أو انقضائه. وقد يكون الأجل اتفاقياً، أي مصدره إرادة المتعاقدين، كأن يتفق المشتري مع البائع على تأجيل دفع الثمن، أو دفعه على أقساط معينة في آجال محددة. وقد يكون الأجل قانونياً، أي مصدره القانون، ومثاله ما قضى به المشرع فيما يخص حقّ الانتفاع حين جعله ينقضي بوفاة المنتفع، وكذلك ما تفعله الدولة في الحروب أو في الأزمات الاقتصادية من تأجيل المطالبة بالديون إلى أجل معين تحدده، مراعية في ذلك المصلحة العامة. كما قد يكون الأجل قضائياً، إذا منح القاضي المدين المعسر نظرة الميسرة، استناداً إلى السلطة الاستثنائية التي منحه إياها القانون بإضافة تنفيذ الالتزام إلى حين يستطيع المدين ذلك، وعلى القاضي عند اللزوم أن يحدد ميعاداً مناسباً لحلول الأجل الذي تُعدُّ فيه المقدرة متوافرة.
والأجل نوعان: مُوقف وفاسخ.
فالأجل الموقف هو الذي يترتب على حدوثه نفاذ الالتزام. فلو اشترى شخص شيئاً ودفع جزءاً من الثمن، وتعهد بدفع الثمن بعد سنة من تاريخ البيع، فإن الالتزام في هذه الحالة يضاف إلى أجل مُوقف، فإذا انقضى هذا الأجل نفذ الالتزام، ويكون على المشتري أن يدفع عندئذ باقي الثمن.
أما الأجل الفاسخ، فهو الأجل الذي يترتب على انقضائه انقضاء الالتزام النافذ قبله، كأن يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في مدة الإيجار، فإن انقضاء هذه المدة يعني انقضاء التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة.
ويشترط في الأجل أن تتوافر فيه صفتان: الأولى أن يكون الأجل أمراً مستقبلاً، فإذا كان غير ذلك، كأن يكون قد تم في الماضي أو في الحاضر، أصبح الالتزام منجزاً ومستحقاً الأداء فوراً، فلو جعل موت شخص أجلاً لتنفيذ التزام، ثم تبين أنه ميت منذ زمن، فإن الالتزام يكون منجزاً مستحقاً الأداء منذ البداية. أما الثانية فأن يكون الأمر محقق الوقوع، أي أن يكون وقوعه مؤكداً أو ضمنياً. فلو تعهد شخص بالإشراف على تعليم فتى بدءاً من تاريخ وفاة والده، فالتزام المتعهد هنا معلق على أجل هو موت والد الفتى، وموت الوالد أمر محقق الوقوع، لكن لا يمكن تحديده مسبقاً.
الآثار القانونية التي تترتب على إضافة الالتزام إلى أجل
إذا أضيف الالتزام إلى أجل فإن الآثار التي تترتب قبل حلول الأجل تختلف عن الآثار التي تترتب عند انقضائه.
آثار الأجل قبل حلوله: تختلف هذه الآثار بحسب ما إذا كان الأجل موقفاً أو فاسخاً.
في الأجل الموقف: عندما يشتري شخص شيئاً ويتعهد بدفع الثمن بعد سنة من تاريخ البيع، يكون للبائع قبل انقضاء الأجل حق مؤكد الوجود في الثمن المؤجل، ولكنه غير مستحق الأداء، لأن الأجل المضروب هو أجل موقف، فالأجل الموقف يوقف الالتزام.
ويترتب على كون حق الدائن مؤكد الوجود النتائج التالية:
ـ ينتقل حق الدائن بالثمن المؤجل إلى الورثة، فإذا مات الدائن قبل انقضاء الأجل، انتقل الحق بالثمن إلى الورثة.
ـ وللدائن أن يتصرف في حقه إلى الغير بأية وسيلة من وسائل انتقال الحقوق، كالوصية والبيع والهبة والرهن.
ـ وله أن يتخذ الإجراءات الاحتياطية والوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على حقه كوضع الأختام وقيد الرهن. كما له أن يستعمل حقوق مدينه بطريق الدعوى غير المباشرة لدرء الضرر الذي يمكن أن يعود عليه، كما له أن يطالب بتأمين إذا خشي إفلاس المدين أو إعساره، واستند في ذلك إلى سبب معقول.
ويترتب على كون حق الدائن غير نافذ قبل انقضاء الأجل النتائج التالية:
ـ لا يجوز للدائن أن يجبر مدينه على الوفاء بالالتزام قبل حلول الأجل. فإذا قام المدين بالوفاء وهو غير عالم بقيام الأجل، أو أنه كان معتقداً أن الأجل قد انقضى كان له أن يسترد ما أداه استناداً لقاعدة دفع غير المستحق، على أن للدائن أن يحتفظ بأصل الأداء الواقع قبل انقضاء الأجل، لأن حقه في الأداء مؤكد الوجود، ويقتصر ما يرده للمدين بسبب الوفاء المعجل على ما استفاده بسبب هذا الوفاء في حدود ما لحق بالمدين من ضرر لقاعدة الإثراء بلا سبب [ر].
أما إذا كان الوفاء المعجل نقوداً، التزم الدائن رد الفائدة إلى المدين عن المدة الباقية لحلول الأجل بالسعر الاتفاقي، فإذا لم يكن بينهما اتفاق رد الفائدة بالسعر القانوني.
في الأجل الفاسخ: الحقّ المقترن بأجل فاسخ، حق موجود ونافذ، أي مستحق الأداء، لكنه مؤكد الزوال عند حلول الأجل.
ويترتب على كون حق الدائن مستحق الأداء النتائج التالية:
ـ يجوز للدائن أن يطالب بالوفاء منذ نشوء الحق، وله في سبيل ذلك أن يتخذ الاحتياطات اللازمة للوصول إلى حقه، وأن يقتضي حقه من المدين بالتنفيذ الجبري، كما له أن يوقع الحجز على ما للمدين لدى الغير وأن يستعمل الدعوى «البوليصية» ، (وهي الدعوى التي يرفعها الدائن على مدينه السيء النية بعدم نفاذ تصرفات المدين في حق دائنه)، لأن حقه مستحق الأداء.
ويترتب على كون الحق المقترن بأجل فاسخ ومؤكد الزوال عند حلول الأجل عدم جواز المقاصة القانونية بينه وبين حق مطلق. لأن الأول موقوت ومحقق الزوال بحلول الأجل، والثاني غير ذلك.
انقضاء الأجل والآثار المترتبة عليه: لانقضاء الأجل أسباب وتترتب عليه آثار:
أسباب انقضاء الأجل: انقضاء الأجل يعني انتهاء المهلة التي يملكها المدين من أجل الوفاء بالتزامه، وحلول الموعد الذي يصبح فيه الالتزام مستحق الأداء. وينقضي الأجل إذا تحقق سبب من الأسباب التالية:
ـ حلول الموعد المضروب لاستحقاق الأداء، وهو السبب العادي لانقضاء الأجل، فإذا حدد يوم معين، كأول الشهر مثلاً موعداً ليفي المدين بالتزامه، فإن الأجل ينقضي بانقضاء هذا اليوم.
ـ التنازل الإرادي عن الأجل: ويكون ممن له مصلحة في ذلك، فإذا كان الأجل قد تقرر لمصلحة المدين، كما في القرض بلا فائدة، فإن للمدين أن يرد مبلغ القرض قبل الموعد المتفق عليه بالوفاء. وإذا كان لمصلحة الدائن، كما في الوديعة غير المأجورة، فإن للدائن أن يطالب برد الوديعة قبل الموعد. أما إذا كان الأجل قد تقرر لمصلحة الطرفين، كما في القرض بفائدة، فلا يجوز النزول عنه إلاّ باتفاق الطرفين على ذلك.
ـ سقوط الأجل بنص قانوني: وينقضي الأجل إذا كان هناك نص يقضي بسقوطه. وقد بينت المادة 273 من القانون المدني السوري ثلاثة أسباب يسقط فيها الأجل.
ـ شهر إفلاس المدين أو إعساره.
ـ إضعاف المدين تأمينات الدين المؤجل.
ـ تخلف المدين عن تقديم ما وعد به من تأمينات.
الآثار التي تترتب على الأجل بعد انقضائه: تختلف الآثار التي تترتب على الأجل بعد انقضائه بحسب ما يكون موقفاً أو فاسخاً.
ـ فإذا انقضى الأجل الموقف، بحلوله أو بالتنازل عنه أو بسقوطه قانوناً، ترتبت النتائج التالية:
- يجب على المدين أن يقوم بتنفيذ ما التزم به، وللدائن أن يطالبه بالوفاء بعد إعذاره، وأن يجبره على التنفيذ.
- وللدائن أن يطعن بتصرفات مدينه بدعوى عدم نفاذ تصرفات المدين على دائنه، وهي الدعوى المسماة بالدعوى «البوليصية» .
- كما يترتب على انقضاء الأجل بحلوله جواز المقاصَّة بين هذا الحق وأي حق آخر منجز. فإذا كان الحق هو ثمن سيارة اشتراها المدين من دائنه ومنحه أجلاً للوفاء، ثم اقترض بائع السيارة من مشتريها قرضاً يعادل قيمة السيارة، وانقضى الأجل بحلول موعد دفع ثمن السيارة، جازت المقاصة في هذه الحالة بين هذا الحق والحق الآخر الذي نشأ منجزاً.
- ويترتب أيضاً على انقضاء الأجل الموقف، أن يصبح الالتزام نافذاً من تاريخه لا من تاريخ نشوء الالتزام، أي لا يكون له أثر رجعي.
ـ أما الأجل الفاسخ فيترتب على انقضائه زوال الالتزام الذي كان مقترناً به. فإذا التزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مدة الإيجار، وانقضت هذه المدة، وجب على المستأجر أن يرد العين المؤجرة. وإذا انتقل الحق المقترن بأجل فاسخ إلى الغير، فإن الالتزام الناشئ عنه يزول بانقضاء الأجل الفاسخ، لأن هذه الحق إنما ينتقل بصفة كونه موقوتاً بمدة معينة يزول بانقضائها. فإذا أجر المستأجر العين التي استأجرها إلى شخص من الباطن، فإن انقضاء مدة الإيجار ينقضي معها التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ويتعين على المستأجر من الباطن رد العين، لأن حقه بالانتفاع بالعين موقوت بهذا الأجل.
ويترتب على انقضاء الأجل الفاسخ زوال الالتزام من دون أن يكون لهذا الزوال أثر رجعي.
نظرية السبب
من المعلوم أن للعقد بصفة عامة ثلاثة أركان هي التراضي والمحل والسبب، بالإضافة إلى ركن الشكلية في بعض العقود ، بيد أن حديثنا سيقتصر على السبب نظرا لما له من أهمية في معرض دراسة النظرية العامة للألتزام
فنظرية السبب من أهم النظريات الحقوقية التي كانت عرضة للنقاش والخلاف والجدل ، والتي لم يتفق فيها الفقهاء على رأي موحد وسنتناولها بشيء من الإيجاز من خلال المحاور التالية:
1 – نظرية السبب التقليدية
في كل عقد هنالك غرض مباشر يرمي المتعاقد إلى الوصول إليه من عقده وغرض أو أغراض بعيدة تدفعه إلى التعاقد، فالغرض المباشر هو ما يسمى بالسبب القصدي والغرض البعيد هو ما يسمى بالباعث الدافع، ففي عقد البيع مثلا نجد الغرض المباشر الذي يبغي البائع الوصول إليه من العقد والذي كان سببا لالتزامه بتسليم المبيع إلى المشتري هو الحصول على الثمن ، أما الباعث الدافع إلى التعاقد فيختلف من بائع إلى آخر، فقد تكون الرغبة في بيع المنزل مثلا هو الاتجار بثمنه أو أنفاقه على القمار أو غير ذلك.
والنظرية التقليدية وهي التي سادت في القانون المدني الفرنسي تأخذ السبب القصدي ـ أي بالغرض المباشر الذي يقصد إليه المتعاقد ـ وتعتبر أنه هو سبب الإلتزام في العقد ، وهي تعتبر أن هذا السبب داخلي أي أنه موجود في العقد نفسه بخلاف الباعث الدافع الذي يعتبر أمرا خارجا عن العقد (مثلا الحصول على الثمن الذي يقصد البائع الوصول إليه من عقده يتضمنه عقد البيع نفسه أما الرغبة في الاتجار بهذا الثمن أو إنفاقه على القمار أوغير ذلك فهو خارج عن نطاق العقد وموجود في نية صاحبه) ، كما تعتبر أيضا أن هذا السبب موضوعي أي أنه واحد لا يتغير في جميع العقود التي تكون من نوع واحد ، بينما نجد أن الباعث الدافع شخصي ويتغير من شخص لآخر في النوع الواحد من العقود ( مثلا في كل عقد بيع نجد أن السبب القصدي للبائع هو الحصول على الثمن بينما يختلف الباعث الدافع من بائع لآخر )
وما دام السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقلليدية لا يتغير في النوع الواحد من العقود وإنما يختلف من نوع إلى نوع ، فهي تحدد الأنواع التي تقسم إليها العقود بحسب اختلاف السبب فيها وتبين السبب في كل منها ، ومن أهم هذه الأنواع العقود الملزمة لجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد كعقود التبرع .
ففي العقود الملزمة للجانبين تعتبر النظرية التقليدية أن سبب التزام كل متعاقد هو التزام المتعاقد الآخر . ففي عقد البيع مثلا سبب التزام البائع بإعطاء المبيع هو التزام المشتري بدفع الثمن ، وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بإعطاء المبيع، وهكذا
وفي عقود التبرع سبب التزام المتبرع ـ بحسب النظرية التقليدية ـ هو نية التبرع كما في الهبة ( سبب التزام الواهب هو نية التبرع للموهوب له ) ، أو نية إسداء خدمة كما في عقد الوكالة بغير أجر ( سبب التزام الوكيل هو رغبته في إسداء خدمة للموكل
والإلتزام ـ بحسب نظرية السبب التقليدية ـ يكون باطلا إذا لم يكن له سبب لأن السبب ركن في الالتزام لا يقوم بدونه ، أو إذا كان سببا غير مشروع لآن السبب غير المشروع لا اعتبار له في نظر القانون .
وتأتي نظرية الإلتزام بأمثلة عديدة عن الالتزام الذي يكون باطلا لعدم وجود سبب له ، من أبرزها أن يتصالح وارث مثلا مع الموصى له عن الوصية لقاء مبلغ من المال ثم يظهر أن هذه الوصية قد عدل عنها الموصي وألغاها قبل وفاته ، فالتزام الوارث بأداء مبلغ من المال إلى هذا الشخص الذي تعاقد معه يكون باطلا في هذه الحالة لعدم وجود سبب له
كما تاتي النظرية التقليدية ايضا بعدد من الأمثلة عن الالتزام الذي يكون باطلا لأن السبب فيه غير مشروع من أبرزها : أن يتعاقد شخص مع آخر على اراتكاب جريمة لقاء مبلغ من المال ، فهي تعتبر أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لأن محله غير مشروع ( ارتكاب الجريمة ) أما من يتعهد بدفع المال فمحل التزامه مشروع ( دفع مبلغ من المال ) ولكن التزامه باطل مع ذلك لآن سببه وهو التزام الطرف الآخر بارتكاب الجريمة سبب غير مشروع .
هذه لمحة سريعة عن نظرية السبب التقليدية في خطوطها العريضة ، ويلاحظ مما تقدم أن هذه النظرية لا تحفل ابدا بالباعث الدافع إلى التعاقد و لاتهتم بمشروعيته لأنها تعتبره أمرا خارجا عن نطاق العقد وموجود فقط في نية صاحبه ، وهي لا تريد أن تتغلغل في نفو س المتعاقدين وتبحث عن نواياهم وأغراضهم البعيدة حرصا منها على استقرار العقود والمعاملات .
- نقد نظرية السبب التقليدية :
هوجمت هذه النظرية هجوما عنيفا ووجهت إليها انتقادات هامة من قبل عدد من كبار الفقهاء أطلق عليهم اسم ” اللاسببيين ” كما أن أنصارها الذين أطلق عليهم اسم ” السببيين ” قاموا بمحاولات للدفاع عنها والرد على الانتقادات التي وجهت إليها ، ولكن محاولاتهم هذه لم تستطع في كثير من المواضع الصمود أمام قوة تلك الانتقادات؛ ومن هذه الانتقادات أن نظرية السبب التقليدية تبدو في بعض مظاهرها نظرية فاسدة أو خاطئة ، فقد حاول اللاسببيون أن يظهروا أن مفهوم السبب الذي تأخذ به هذه النظرية في كل نوع من أنواع العقود مفهوم مضطرب ومصطنع، ونذكر على سبيل المثال انتقادهم لمفهوم السبب في عقود التبرع حيث تعتبر النظرية التقليدية ، كما سبق ذكره، أنه نية التبرع ( أو نية إسداء الخدمة ) ، بينما يرى اللاسببيون أن نية التبرع ما هي في الواقع سوى عنصر في التراضي الذي يؤدي إلى إنشاء العقد ، فعقد التبرع الذي لا تتوافر فيه نية التبرع يكون باطلا لانعدام التراضي الذي يبنى عليه لا لانعدام سببه ، وهكذا يبدو من هذا المثال أن ركن السبب ـ بحسب النظرية التقليدية ـ يختلط بالنسبة لعقود التبرع مع ركن التراضي .
كما انتقدت النظرية التقليدية أيضا من حيث أنها غير مفيدة ومن الممكن الاستغناء عنها ، فبينما يرى السببيون أن كثيرا من النتائج الحقوقية والأحكام المقررة في نظرية الالتزام العامة لا يمكن تعليلها بالاستناد إلى فكرة السبب بالمعنى الذي تأخذ به النظرية التقليدية ، يحاول اللاسببيون أن يثبتوا عكس ذلك و أن من الممكن تعليل تلك النتائج و الأحكام مع الاستغناء عن هذه النظرية .
فالبنسبة لعقود ةالتبرع مثلا لاحاجة لنظرية السبب التقليدية ، بل يغني عنها ركن التراضي كما سبقت الإشارة إليه
وبالنسبة للعقود الملزمة لجانبين لا حاجة أيضا لهذه النظرية إذ أن انهيار أحد الالتزامين بانهيار الالتزام الآخر المقابل له يمكن أن يبنى على فكرة الترابط بين هذين الالتزامين بحيث لا يمكن أن يظل أحدهما قائما مع زوال الآخر ، ويرد السبيون على ذلك بأن فكرة الترابط نفسها مبنية على نظرية السبب التقليدية فهي لا توجد إلا لأن كلا من هذين الالتزامين المتقابلين هو سبب للالتزام الآخر ، ولكن اللاسببيين يجيبونهم بأن فكرة الترابط بين الالتزامات المتقابلة يمكن تصورها دون اللجوء إلى افتراض نظرية السبب التقليدية إذ أنها تستند إلى العقد مباشرة ، فالعقد الملزم لجانبين حين ينشئء التزامات متقابلة بربط بينها في نفس الوقت .
ويحاول اللاسببيون أن يفندوا الأمثلة العديدة التي يأتي بها أنصار النظرية التقليدية وأن يثبتوا أنه من الممكن الوصول إلى نفس النتائج التي يصل إلبها السببيون دون الاستناد إلى نظريتهم هذه ، ونكتفي من ذلك بالمثال التالي
ـ راينا أن النظرية التقليدية تعتبر بالنسبة للتعاقد على ارتكاب جريمة لقاء مبلغ من المال أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لعدم مشروعية محله ، وأن التزام من يتعهد بمبلغ من المال باطل أيضا لعدم مشروعية سببه الذي هو التزام الطرف الآخر بارتكاب الجريمة .
أما خصوم هذه النظرية أي اللاسببيون فيفسرون الأمر تفسيرا آخر إذ يعتبرون أن التزام من يتعهد بارتكاب الجريمة باطل لعدم مشروعية محله طبعا ، وبما أن أن المحل غير مشروع فالعقد نفسه باطل ( لأن العقد ـ كما هو معلوم ـ يكون باطلا إذا كان محله غير مشروع) ، وبطلان العقد بالتالي يؤدي إلى بطلان التزام من يتعهد بدفع المال ( لآن هذا الالتزام ليس مستقلا وإنما يستند إلى العقد الذي أنشأه و لا يمكن أن يستمر ويظل قائما إذا زال هذا العقد ) ، وبذلك يستغني اللاسببيون عن مفهوم السبب الذي تأخذ به النظرية التقليدية لتعليل بطلان الالتزام بدفع المال في هذا المثال
هذا ولعل أهم انتقاد وجه إلى النظرية التقليدية هو أن هذه النظرية عاجزة عن إيجاد رقابة فعالة على العقود التي تمس النظام العام ( أو الآداب ) بما تهدف إليه من غايات غير مشروعة ، وهذا الانتقاد هو الذي دفع القضاء الفرنسي إلى أخذ الباعث الدافع بعين الاعتبار بالإضافة إلى السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية
- موقف القضاء الفرنسي من نظرية السبب التقليدية وتكملته إياها بنظرية الباعث :
من العسير، لا شك، بحسب النظرية التقليدية ـ التي تأخذ بمفهوم السبب القصدي و لاتهتم بمفهوم الباعث الدافع إلى التعاقد ولو كان غير مشروع ، الحكم ببطلان الكثير من العقود التي تمس النظام العام أو الآداب .
فلو استأجر شخص مثلا دارا ليتخذها ناديا للقمار أو مقرا لعصابة إجرامية ، فإن عقده هذا يكون معتبرا في رأي النظرية التقليدية ، إذ أن التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة والتزام المستأجر بدفع الأجرة الذين يعتبر كل منهما سببا للالتزام الآخر هما التزامان مشروعان ، أما غير المشروع فهو الباعث الدافع للمستأجر إلى التعاقد ، وهذا لاتهتم به النظرية التقليدية .
وكذلك لوتبرع شخص لخليلته بمبلغ من المال يغية الاستمرار معها في علاقاته غير المشروعة فإن عقده يكون معتبرا أيضا لآن نية التبرع التي تعتبرها النظرية التقليدية سببا لالتزامه هي نية مشروعة ، ولا يهم بعد ذلك بالنسبة لهذه النظرية أن يكون الباعث الدافع إلى التعاقد غير مشروع .
وقد شعر القضاء في فرنسا بضرورة الحكم ببظلان مثل هذه العقود التي تمس النظام العام والاداب بصورة مباشرة ، كما شعر بعدم كفاية النظرية التقليدية لتحقيق هذا الغرض ، فأضاف إلى السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية مفهوم الباعث الدافع ، وقضى بأن العقود يجب أن تعتبر باطلة إذا كان الباعث الدافع إليها غير مشروع
وهكذا توسع القضاء الفرنسي في معنى السبب ، فحافظ على مفهوم السبب القصدي الذي تأخذ به النظرية التقليدية والذي ينسجم مع اتجاه القانون المدني الفرنسي ، وأضاف إلى هذا السبب القصدي مفهوم الباعث الدافع الذي ترفض النظرية التقليدية الأخذ به واعتباره ، فمعنى السبب إذن بالنسبة للقضاء الفرنسي هو تارة السبب القصدي وتارة الباعث الدافع.
والباعث الدافع الذي ينظر إليه لدى المتعاقد هو الباعث الرئيسي من بين بواعثه وأغراضه المختلفة التي يرمي إليها من عقده والذي يدفعه للتعاقد ، أما بقية بواعثه التي لم تكن هي الدافعة له إلى التعاقد فلا عبرة بها، كما أن هذا الباعث الدافع حين يكون غير مشروع لدى أحد المتعاقدين ، لا يمكن أن يؤدي إلى الحكم ببطلان العقد إلا إذا كان المتعاقد الآخر على علم به .أما إذا كان هذا المتعاقد الآخر لا يعلم بالباعث غير المشروع الذي دفع زميله إلى التعاقد فلا يبطل العقد حرصا على استقرار العقود والمعاملات
ويلاحظ أن الباعث الدافع لا يبحث عن وجوده أو عدمه في العقد ، وإنما يبحث فقط عن مشروعيته أو عدمها ، فالباعث الدافع موجود دوما لأن الانسان لا يقدم على التعاقد بدون باعث يدفعه إليه ، ولكن هذا الباعث الدافع قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع ، وهذا هو الأمر الذي ينظر إليه فيه فقط ، وذلك بخلاف السبب القصدي الذي يبحث عن وجوده وعن مشروعيته معا كما رأينا ، فإذا كان غير موجود أو غير مشروع اعتبر العقد باطلا .
الاجل انواعه وآثاره
الأجل هو أمر مستقبل محقق الوقوع، يُجعَل حلوله موعداً لنفاذ التزام أو انقضائه. وقد يكون الأجل اتفاقياً، أي مصدره إرادة المتعاقدين، كأن يتفق المشتري مع البائع على تأجيل دفع الثمن، أو دفعه على أقساط معينة في آجال محددة. وقد يكون الأجل قانونياً، أي مصدره القانون، ومثاله ما قضى به المشرع فيما يخص حقّ الانتفاع حين جعله ينقضي بوفاة المنتفع، وكذلك ما تفعله الدولة في الحروب أو في الأزمات الاقتصادية من تأجيل المطالبة بالديون إلى أجل معين تحدده، مراعية في ذلك المصلحة العامة. كما قد يكون الأجل قضائياً، إذا منح القاضي المدين المعسر نظرة الميسرة، استناداً إلى السلطة الاستثنائية التي منحه إياها القانون بإضافة تنفيذ الالتزام إلى حين يستطيع المدين ذلك، وعلى القاضي عند اللزوم أن يحدد ميعاداً مناسباً لحلول الأجل الذي تُعدُّ فيه المقدرة متوافرة.
والأجل نوعان: مُوقف وفاسخ
فالأجل الموقف: هو الذي يترتب على حدوثه نفاذ الالتزام. فلو اشترى شخص شيئاً ودفع جزءاً من الثمن، وتعهد بدفع الثمن بعد سنة من تاريخ البيع، فإن الالتزام في هذه الحالة يضاف إلى أجل مُوقف، فإذا انقضى هذا الأجل نفذ الالتزام، ويكون على المشتري أن يدفع عندئذ باقي الثمن.
أما الأجل الفاسخ:فهو الأجل الذي يترتب على انقضائه انقضاء الالتزام النافذ قبله، كأن يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة في مدة الإيجار، فإن انقضاء هذه المدة يعني انقضاء التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة.
ويشترط في الأجل أن تتوافر فيه صفتان: الأولى أن يكون الأجل أمراً مستقبلاً، فإذا كان غير ذلك، كأن يكون قد تم في الماضي أو في الحاضر، أصبح الالتزام منجزاً ومستحقاً الأداء فوراً، فلو جعل موت شخص أجلاً لتنفيذ التزام، ثم تبين أنه ميت منذ زمن، فإن الالتزام يكون منجزاً مستحقاً الأداء منذ البداية. أما الثانية فأن يكون الأمر محقق الوقوع، أي أن يكون وقوعه مؤكداً أو ضمنياً. فلو تعهد شخص بالإشراف على تعليم فتى بدءاً من تاريخ وفاة والده، فالتزام المتعهد هنا معلق على أجل هو موت والد الفتى، وموت الوالد أمر محقق الوقوع، لكن لا يمكن تحديده مسبقاً.
الآثار القانونية التي تترتب على إضافة الالتزام إلى أجل:
إذا أضيف الالتزام إلى أجل فإن الآثار التي تترتب قبل حلول الأجل تختلف عن الآثار التي تترتب عند انقضائه.
آثار الأجل قبل حلوله: تختلف هذه الآثار بحسب ما إذا كان الأجل موقفاً أو فاسخاً.
في الأجل الموقف: عندما يشتري شخص شيئاً ويتعهد بدفع الثمن بعد سنة من تاريخ البيع، يكون للبائع قبل انقضاء الأجل حق مؤكد الوجود في الثمن المؤجل، ولكنه غير مستحق الأداء، لأن الأجل المضروب هو أجل موقف، فالأجل الموقف يوقف الالتزام.
ويترتب على كون حق الدائن مؤكد الوجود النتائج التالية:
ـ ينتقل حق الدائن بالثمن المؤجل إلى الورثة، فإذا مات الدائن قبل انقضاء الأجل، انتقل الحق بالثمن إلى الورثة.
ـ وللدائن أن يتصرف في حقه إلى الغير بأية وسيلة من وسائل انتقال الحقوق، كالوصية والبيع والهبة والرهن.
– ولـه أن يتخذ الإجراءات الاحتياطية والوسائل التحفظية اللازمة للمحافظة على حقه كوضع الأختام وقيد الرهن. كما له أن يستعمل حقوق مدينه بطريق الدعوى غير المباشرة لدرء الضرر الذي يمكن أن يعود عليه، كما له أن يطالب بتأمين إذا خشي إفلاس المدين أو إعساره، واستند في ذلك إلى سبب معقول.
ويترتب على كون حق الدائن غير نافذ قبل انقضاء الأجل النتائج التالية:
ـ لا يجوز للدائن أن يجبر مدينه على الوفاء بالالتزام قبل حلول الأجل. فإذا قام المدين بالوفاء وهو غير عالم بقيام الأجل، أو أنه كان معتقداً أن الأجل قد انقضى كان له أن يسترد ما أداه استناداً لقاعدة دفع غير المستحق، على أن للدائن أن يحتفظ بأصل الأداء الواقع قبل انقضاء الأجل، لأن حقه في الأداء مؤكد الوجود، ويقتصر ما يرده للمدين بسبب الوفاء المعجل على ما استفاده بسبب هذا الوفاء في حدود ما لحق بالمدين من ضرر لقاعدة الإثراء بلا سبب.
أما إذا كان الوفاء المعجل نقوداً، التزم الدائن رد الفائدة إلى المدين عن المدة الباقية لحلول الأجل بالسعر الاتفاقي، فإذا لم يكن بينهما اتفاق رد الفائدة بالسعر القانوني.
في الأجل الفاسخ: الحقّ المقترن بأجل فاسخ، حق موجود ونافذ، أي مستحق الأداء، لكنه مؤكد الزوال عند حلول الأجل.
ويترتب على كون حق الدائن مستحق الأداء النتائج التالية:
ـ يجوز للدائن أن يطالب بالوفاء منذ نشوء الحق، وله في سبيل ذلك أن يتخذ الاحتياطات اللازمة للوصول إلى حقه، وأن يقتضي حقه من المدين بالتنفيذ الجبري، كما له أن يوقع الحجز على ما للمدين لدى الغير وأن يستعمل الدعوى «البوليصية» ، (وهي الدعوى التي يرفعها الدائن على مدينه السيء النية بعدم نفاذ تصرفات المدين في حق دائنه)، لأن حقه مستحق الأداء.
ويترتب على كون الحق المقترن بأجل فاسخ ومؤكد الزوال عند حلول الأجل عدم جواز المقاصة القانونية بينه وبين حق مطلق. لأن الأول موقوت ومحقق الزوال بحلول الأجل، والثاني غير ذلك.
انقضاء الأجل والآثار المترتبة عليه: لانقضاء الأجل أسباب وتترتب عليه آثار:
أسباب انقضاء الأجل: انقضاء الأجل يعني انتهاء المهلة التي يملكها المدين من أجل الوفاء بالتزامه، وحلول الموعد الذي يصبح فيه الالتزام مستحق الأداء. وينقضي الأجل إذا تحقق سبب من الأسباب التالية:
ـ حلول الموعد المضروب لاستحقاق الأداء، وهو السبب العادي لانقضاء الأجل، فإذا حدد يوم معين، كأول الشهر مثلاً موعداً ليفي المدين بالتزامه، فإن الأجل ينقضي بانقضاء هذا اليوم.
ـ التنازل الإرادي عن الأجل: ويكون ممن له مصلحة في ذلك، فإذا كان الأجل قد تقرر لمصلحة المدين، كما في القرض بلا فائدة، فإن للمدين أن يرد مبلغ القرض قبل الموعد المتفق عليه بالوفاء.
إذا كان لمصلحة الدائن، كما في الوديعة غير المأجورة، فإن للدائن أن يطالب برد الوديعة قبل الموعد.
أما إذا كان الأجل قد تقرر لمصلحة الطرفين، كما في القرض بفائدة، فلا يجوز النزول عنه إلاّ باتفاق الطرفين على ذلك.
ـ سقوط الأجل بنص قانوني: وينقضي الأجل إذا كان هناك نص يقضي بسقوطه. وقد بينت المادة 273 من القانون المدني السوري ثلاثة أسباب يسقط فيها الأجل.
ـ شهر إفلاس المدين أو إعساره.
ـ إضعاف المدين تأمينات الدين المؤجل.
ـ تخلف المدين عن تقديم ما وعد به من تأمينات.
الآثار التي تترتب على الأجل بعد انقضائه: تختلف الآثار التي تترتب على الأجل بعد انقضائه بحسب ما يكون موقفاً أو فاسخاً.
ـ فإذا انقضى الأجل الموقف، بحلوله أو بالتنازل عنه أو بسقوطه قانوناً، ترتبت النتائج التالية:
- يجب على المدين أن يقوم بتنفيذ ما التزم به، وللدائن أن يطالبه بالوفاء بعد إعذاره، وأن يجبره على التنفيذ.
- وللدائن أن يطعن بتصرفات مدينه بدعوى عدم نفاذ تصرفات المدين على دائنه، وهي الدعوى المسماة بالدعوى «البوليصية» .
3 كما يترتب على انقضاء الأجل بحلوله جواز المقاصَّة بين هذا الحق وأي حق آخر منجز. فإذا كان الحق هو ثمن سيارة اشتراها المدين من دائنه ومنحه أجلاً للوفاء، ثم اقترض بائع السيارة من مشتريها قرضاً يعادل قيمة السيارة، وانقضى الأجل بحلول موعد دفع ثمن السيارة، جازت المقاصة في هذه الحالة بين هذا الحق والحق الآخر الذي نشأ منجزاً.
- ويترتب أيضاً على انقضاء الأجل الموقف، أن يصبح الالتزام نافذاً من تاريخه لا من تاريخ نشوء الالتزام، أي لا يكون له أثر رجعي.
ـ أما الأجل الفاسخ فيترتب على انقضائه زوال الالتزام الذي كان مقترناً به. فإذا التزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مدة الإيجار، وانقضت هذه المدة، وجب على المستأجر أن يرد العين المؤجرة. وإذا انتقل الحق المقترن بأجل فاسخ إلى الغير، فإن الالتزام الناشئ عنه يزول بانقضاء الأجل الفاسخ، لأن هذه الحق إنما ينتقل بصفة كونه موقوتاً بمدة معينة يزول بانقضائها. فإذا أجر المستأجر العين التي استأجرها إلى شخص من الباطن، فإن انقضاء مدة الإيجار ينقضي معها التزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ويتعين على المستأجر من الباطن رد العين، لأن حقه بالانتفاع بالعين موقوت بهذا الأجل ويترتب على انقضاء الأجل الفاسخ زوال الالتزام من دون أن يكون لهذا الزوال أثر رجعي.
محمود جلال حمزة.الموسوعة العربية -منقول للفائدة –
الاشتراط لمصلحة الغير
الاشتراط لمصلحة الغير يعني تعاقد شخص باسمه، يسمى المشترط، مع آخر يسمى المتعهد، على تحقيق التزام لمصلحة شخص ثالث أجنبي عن العقد، يسمّى المستفيد.
والأصل في العقود، أنّ آثارها تتناول عاقديها وتؤول إليهم، لا تتعداهم أو تجاوزهم إلى الغير، فلا يفيد من العقد ولا يضارّ به أحد سوى العاقدين اللذين إليهما وحدهما الحقوق والالتزامات المتولدة عنه، وهذا هو الأثر النسبي للعقد.
ولقد أخذت التشريعات القديمة بهذا المبدأ، منذ عهد الرومان. وأخذت به أيضاً التشريعات الإسلامية، واستقرّ الأمر لهذا المبدأ في مختلف النظم القانونية منذ ذلك الحين. واستمر العمل به حقبة طويلة من الزمان، حتى بدا لفقهاء رومة ضرورة التخفيف منه والتحلل من بعض آثاره، فأجازوا منذ القرن الأول للميلاد المشارطة للغير.
وكذلك كان الشأن في فرنسة، قبل مجموعة نابليون، حتى إذا صدر التقنين المدني فيها عام 1804، أورد المشرّع فيه استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، وأجاز الاشتراط لمصلحة الغير في المادة 1121 صراحة، متى توافرت للمشترط مصلحة مادية أو أدبية من اشتراطه.
ولقد أجيز الاشتراط لمصلحة الغير بعد ذلك في الشريعة الإسلامية، كما أخذت به حديثاً التشريعات الوضعية العربية في حالات وشروط محددة وذلك استجابة لتطور حاجات التعامل بين الأفراد. فلقد نصت المادة 155 من القانون المدني السوري مثلاً على أنه: «1 ـ يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية، مادية أو معنوية، ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قِبَل المتعهد بتنفيذ الاشتراط».
خصائصه
في الاشتراط لمصلحة الغير أشخاص ثلاثة، اثنان هما: طرفا العقد الأصلي، أي العاقدان، أحدهما هو المشترط والثاني هو المتعهد.
أما الشخص الثالث في المشارطة، فهو المستفيد أو المنتفع، وهو شخص أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، ولكنه المستفيد من محله، وفاقاً لما قرّره المشترط والتزم به المتعهد.
والخاصّة المميّزة للاشتراط لمصلحة الغير، عن العقود أو الاتفاقات القريبة منه، أو المشابهة له، هي أن العاقد المشترط ليس في عقده مع المتعهد نائباً عن المستفيد المنتفع، كما أنّه ليس فضولياً عنه تحكم اتفاقه النصوص المتعلقة بالفضالة ثمّ إنّ المشارطة ليست من قبيل حوالة الحق، وإنّما هي نسيج مستقل تماماً عن ذلك كلّه، ركناها الأساسيان: انصراف إرادة المشترط، لإنشاء التزام لمصلحة الغير في ذمّة المتعهد، وبقاء المنتفع أجنبياً عن العقد المبرم بين عاقديه: المشترط والمتعهد.
شروط انعقاده
يخضع العقد الأصلي الذي يبرمه العاقدان أي المشترط والمتعهد والمتضمن «الاشتراط لمصلحة الغير»، لجميع شرائط الصحة والانعقاد التي ينبغي توافرها في العقود عامّة، في الشكل والموضوع، فيجب أن تتوافر في العقد أركانه من أهلية العاقدين، ورضاهما، ومشروعية السبب والمحل، فضلاً عن الشكل الواجب في العقود الرسمية. ويستثنى من ذلك كون المشارطة تبرعاً لا معاوضة، فلا يخضع لشرط الرسمية، على ماسوف يتبين عند البحث في آثار الاشتراط.
هذا عن الشروط العامة للعقد الأصلي. أما المشارطة فيتعين، إضافة إلى ذلك أن تتوافر فيها الشرائط التالية:
مصلحة المشترط: يجب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون للعاقد مصلحة من المشارطة، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية، أو أدبية. ويغلب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون الباعث عليه مصلحة أدبية للمشترط كما في عقود التأمين على الحياة، إذ يؤول بدل التأمين بوفاة المشترط إلى الغير الذي يمكن ألاّ تربطه بالمشترط غير صلة ودّ.
ولكن يمكن أن تكون للمشترط مصلحة مادية صرفة، كما في التأمين الذي يعقده الناقل لضمان الأضرار التي تصيب المنقول، أو التأمين الذي يبرمه ربّ العمل لضمان الإصابات التي تلحق بعمّاله.
تعيين المنتفع: ويجب في الاشتراط لمصلحة الغير، توافر شرط آخر، هو تعيين المنتفع.
ويمكن تعيين المنتفع بشخص مسمى، كما يمكن أن يكون المنتفع شخصاً غير معيّن بالاسم شريطة إمكان تعيينه بحسب شروط العقد، كما أجاز القانون أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً، متى كان وجوده قابلاً للتحقق في المستقبل. ومثال ذلك الناقل في عقود النقل، إذ يتعاقد بوصفه مشترطاً مع شركة للتأمين وصفتها متعهدة، تلتزم بتأمين الغير، وهو هنا الشخص المنقول الذي لم يتعاقد مع المتعهد أصلاً، ولم يكن طرفاً في العقد الأصلي، وإنما يظلّ منتفعاً ـ مع كونه أجنبياً عن ذلك العقد الأصلي ـ استناداً لمفهوم «الاشتراط لمصلحة الغير».
وفي ذلك توكيد لما قرّره القانون، من أنّ المشترط يتعاقد باسمه شخصياً لا باسم المنتفع. فلا يدخل الأخير طرفاً في العقد الأصلي، ولا يكون المشترط فيه نائباً عن المنتفع ولا فضولياً عنه.
حق المنتفع المباشر: وينبغي أن تنصرف إرادة العاقدين أي المشترط والمتعهد إلى إنشاء «حقّ مباشر» في ذمّة المستفيد، فيكتسب الأخير الحقّ بمجرّد اتفاقهما، من دون أن يمرّ هذا الحق بذمّة أحد منهما، وبذلك لا تنطبق أحكام «الاشتراط لمصلحة الغير» إذا كان المتعاقد اشترط الحق لنفسه، ثمّ أحاله للمستفيد، بمعنى أن الحقّ الذي يكسبه المستفيد لا ينشأ من عقد بينه وبين المشترط، ولا من عقد بينه وبين المتعهد، ولا من حوالة صدرت عن المشترط، ولامن عقد مثل فيه بنائب عنه، أو بفضولي، وإنّما نشأ هذا الحقّ مباشرة من العقد الذي تمّ بين المشترط وبين المتعهد، من دون أن يشارك المستفيد أو يمثّل فيه بأية صورة.
آثار الاشتراط للغير وأحكامه
تتولد عن الاشتراط لمصلحة الغير، علاقات ثلاث، ينظمها القانون، أولاها بين العاقدين، والثانية بين العاقد المتعهد والمستفيد المنتفع، والثالثة الأخيرة بين المستفيد والعاقد المشترط.
العلاقة بين العاقدين: العاقدان أصلاً، المشترط والمتعهد، هما طرفا العقد، وتحكم علاقتهما نصوص العقد، وإليهما تنصرف آثاره، وفقاً للقواعد العامة، فيما عدا الحقّ المشروط لمصلحة الغير، ويترتب على ذلك، أن تخلّفَ أحد العاقدين عن الوفاء بالتزاماته، يخوّل المتعاقد الآخر إلزامه بالتنفيذ، أو الفسخ مع التعويض.
على أنّ المشترط لا يُعدُّ دائناً بالحقّ المشروط، ولذا فهو لا يملك المطالبة به لنفسه، وإنّما يبقى له حق الرقابة على تنفيذ المتعهد لالتزامه، وله مطالبته بذلك، تحقيقاً لمصلحته الشخصية من الاشتراط، وهذا ما صرّح به المشرّع في المادة 155/3 من القانون المدني السوري.
وتجري المطالبة بدعوى مباشرة، يرفعها المشترط باسمه شخصياً لا باسم المستفيد.
العلاقة بين المنتفع والمتعهد: بمجرّد إبرام العقد، ومن دون حاجة لإشراك المستفيد فيه، أو لقبوله به، ينشأ عن «الاشتراط لمصلحة الغير» حق ذاتي للمنتفع، وهو حقّ فوري ومباشر لا يمرّ بذمّة المشترط، وتضحي للمنتفع دعوى مباشرة يحق له بمقتضاها مخاصمة المتعهد، ومطالبته بالوفاء بالتزامه، ما لم ينصّ العقد على خلاف ذلك. ويتبع ذلك، أنّ الحق المشروط للمنتفع، يدخل في ذمّته المالية، ويقع في الضمان العامّ لدائنيه، وينتقل من بعده لورثته. وينشأ حقّ المنتفع، بمجرّد العقد، لنشوء الالتزام منذ ذلك الوقت في ذمّة المتعهد.
وينتج عن ذلك آثار مهمة، منها أنه إذا فقد المتعهد أهليته بعد العقد، ولو كان ذلك قبل إعلان المنتفع القبول بالاشتراط لمصلحته، فإنّ ذلك لا يؤثر في صحة المشارطة، ولا في قيام حقّ المستفيد، ولو لم يكن الأخير موجوداً، أو معيناً في ذلك الوقت مادام قابلاً للتعيين أو ممكن الوجود في المستقبل.
العلاقة بين المستفيد والمشترط: في المشارطة لمصلحة الغير، وإلى أن يعلن بها المستفيد، يبقى للمشترط الحقّ بنقض المشارطة، وتعديلها، واستبدال شخص المستفيد بغيره، أو رد الانتفاع بها لنفسه. وينقضي حق المشترط بذلك، بمجرد إعلان المستفيد بالمشارطة، فإذا رفضها المستفيد ارتدّ حق النقض والتعديل للمشترط.
وهذا ما قرّره القانون المدني السوري صراحة، حين نصّ في المادة 156/3 منه أنّه: «يجوز للمشترط، دون دائنيه أو ورثته، أن ينقض المشارطة قبل أن يصرّح المنتفع إلى المتعهد أو المشترط برغبته في الاستفادة منها، مالم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد».
وحقّ النقض هذا، بحسب نصّ القانون هو حقّ شخصي للمشترط، ليس لدائنيه استعماله، وينقضي بوفاة المشترط فلا ينتقل لورثته.
ولا يترتب على نقض المشارطة، براءة ذمة المتعهد قبل المشترط، إلا إذا اتُّفق على خلاف ذلك. أمّا المستفيد فله ردّ المشارطة ورفضها، فينزل بذلك عن الحقّ الذي نشأ له بمقتضى العقد، غير أنّ حق المستفيد بالرفض، ليس حقاً شخصياً خالصاً له، بل يملك دائنوه الطعن في تصرفه متى كان صدوره إضراراً بمصالحهم، كما يملك ورثة المستفيد ذلك أيضاً بعد وفاته.
والعلاقة بين المشترط والمستفيد قد تكون تبرّعاً وقد تكون معاوضة، فإن كانت من قبيل التبرع، فهي تغني عن العقد الرسمي الواجب لانعقاد الهبة. وإذا كانت معاوضة، فلا يرتّب نقضها من قبل المشترط، أو رفضها من جانب المستفيد انقضاء الحق الذي كان للأخير قبل المشارطة.
التطبيقات العملية للاشتراط لمصلحة الغير
جاءت الأحكام المستحدثة، الناظمة «للاشتراط لمصلحة الغير»، تلبية للحاجات العملية التي اقتضاها تطور المعاملات والعلاقات في المجتمع.
ولعل الحاجة الأولى الملحة لوضع تلك الأحكام، كانت من خلال عقود التأمين التي لم تكن معروفة في التشريع القديم، ففي عقد التأمين يؤمن شخص ما حياته، بمقابل بدل ما، يصرف عند وفاته لشخص ثالث أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، وقد لا يكون وارثاً للمؤمن له.
ثمّ وجد هذا التنظيم القانوني، طريقه للتطبيق في عقود النقل حين يؤمن الناقل على الأشخاص أو البضائع المنقولة لمصلحة الغير، وفي عقود التبرّع المشروطة التي تتضمن اشتراط منفعة ما أو مرتب دائم للغير ويلتزم المتبرع له بها، وفي عقود الأشغال إذ يؤمن المتعهد على الأشغال وإصابات العمل، وفي عقود أخرى لا مجال لحصرها.نزار بقدونس