تقديم عام :
يشكل مبدأ الفصل بين سلطات الدولة في الحكم و التدبير أهم المرتكزات و المبادئ التي يجب احترامها في جميع الأنظمة السياسية الحديثة سواء بالنسبة للديمقراطيات العريقة أو حتى بالنسبة للدول التي مازالت تشق الطريق نحو تكريس الديمقراطية، و ذالك قصد الحيلولة دون انفراد سلطة معينة بأمور الحكم و التدبير وسيطرتها على إدارة الدولة وفق تصوراتها ومنهجها في التسيير دون اعتبار لبقية السلط، لذالك فإن احترام مبدأ الفصل بين السلطات يشكل صمام أمان يعمل على إلزام كل سلطة من السلطات الثلاث الأساسية في الدولة على احترام النطاق المحدد لها قانونا، كما يضمن التوازن في تشكيل البناء القانوني من خلال مراقبة متبادلة تقوم من خلالها كل سلطة من السلط بمراقبة السلطة الأخرى.
ويرتكز نظام الحكم في الدول الحديثة على ثلاث سلط أساسية متعارف عليها في جميع الأنظمة السياسية المعاصرة وهي السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية و مبدأ الفصل بين السلطات الذي أشرنا إليه لا يجب النظر إليه كمبدأ مطلق جامد يحول دون تعاون هذه السلط وتكاملها بل و ممارسة سلطة معينة لاختصاص يدخل في النطاق المخصص للسلطة الأخرى أحيانا، فالسلطة القضائية تحكم بموجب القوانين التي تسنها السلطة التشريعية، كما أن السلطة التنفيذية هي الموكول إليها العمل على تنفيذ هذه القوانين لما لها من سلطة على الإدارة.
لذالك فإن مبدأ الفصل بين السلطات يبقى مبدءا نسبيا بالنظر إلى حاجات التكامل و التعاون بين مختلف سلطات الدولة، كما أن تشعب الحياة اليومية و تعقدها و كثرة الأعباء الموكولة إلى كل سلطة من السلط أدى إلى مزاولة مجموعة من الاختصاصات التي قد تبدو من صلاحيات سلطة أخرى، فالسلطة القضائية قد تلجأ إلى إصدار قرارات ذات طبيعة إدارية من أجل تسيير مرافقها هي نفسها التي تستخدمها السلطة التنفيذية في التعبير عن إرادتها، كما أن السلطة التنفيذية قد تصدر عقوبات تأديبية في حق موظفي الإدارات التابعة لها بعد العرض على المجلس التأديبي و تمكينهم من حق الدفاع و ذالك في إطار مسطرة خاصة تشبه إلى حد كبير المحاكمة التي قد تنتهي بقرار تأديبي هو بمثابة حكم يشكل عقوبة مؤثرة في المركز القانوني للموظف المتابع على غرار الأحكام التي يصدرها القضاء، كما أن الأعمال الصادرة عن البرلمان لا تكتسي كلها الصبغة التشريعية، فقد تصدر عن المؤسسة قرارات ذات صبغة إدارية تأثر في المراكز القانونية للأفراد اللذين يحق لهم مخاصمة البرلمان بالطعن في هذه القرارات باعتبارها قرارات إدارية لا أعمالا تشريعية.
و تعد ممارسة السلطة التشريعية من طرف برلمان منتخب أحد أبرز المقومات التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية الحديثة بحيث تستمد هذه المؤسسة شرعيتها مباشرة من الشعب و بالتالي تعد المؤسسة الممثلة له و المعبرة عن إرادته بامتياز من خلال ما تسنه من نصوص قانونية تكتسي صفة الإلزام للجميع بحيث لا يسبقها مكانة في النظام القانوني للدولة إلى نصوص الدستور،غير أن المرونة التي أصبح يتميز بها مبدأ الفصل بين السلطات و ازدياد تكريس الأنظمة السياسية للعقلنة البرلمانية نتيجة التخوف من تغول سلطات البرلمان أدى إلى عدم استفراد هذا الأخير بهذا الاختصاص من خلال فتح المجال لمشاركة السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية لهذه الوظيفة تحت مجموعة من الذرائع تكرس بالتنصيص الفعلي لهذه المشاركة داخل الوثيقة الدستورية لمعظم الأنظمة السياسية لتتحول إلى حق مكفول بموجب الدستور تتمتع به السلطة التنفيذية.
عرض عام :
يشكل حق التشريع الذي تزاوله السلطة التنفيذية حالة استثنائية فريدة ترد على مبدأ الفصل بين السلطات فهو ليس حقا عارضا مقيدا بظروف استثنائية خاصة بل أصبح حقا أصيلا جعل البعض يذهب إلى أن سلطة التشريع الأصلية اليوم تمارسها السلطة التنفيذية بينما يبقى دور البرلمان مجرد مساعد في أداء هذه المهمة ويعد حق اقتراح القوانين من أهم الحقوق التي بموجبها يحق للسلطة التنفيذية المشاركة في العملية التشريعية.
و اقتراح القانون هو المرحلة الأولى التي يبدأ فيها سنه و التي تبدأ من تاريخ إعداد المشروع الأولي للقانون حتى تقديمه إلى السلطة المختصة بالتشريع لمناقشته و التصويت عليه، و تتجلى خطورة حق الاقتراح في كونه العامل الأساس في التشريع حيث قبل الاقتراح لا يكون للقانون أي وجود قانوني أما بعد الاقتراح فإنه يصبح معروضا أمام البرلمان و يجب على هذا الأخير أن يفحصه ليقره أو يعدله أو يرفضه.
و قد أعطت بعض الدساتير قديما هذا الحق للسلطة التشريعية وحدها دون السلطة التنفيذية تقيدا بمبدأ الفصل بين السلطات كما هو الشأن بالنسبة للدساتير الفرنسية لسنة 1791 و سنة 1793 و سنة 1795 و دستور الولايات المتحدة لسنة 1787، غير أن فكرة التعاون بين السلطات سرعان ما أضعفت هذا الرأي حيث أعطت مجموعة من الدساتير الحق لرئيس الدولة لتنبيه البرلمان إلى موضوع معين يستحق التشريع من خلال ما يعرف بحق التوصية التشريعية، كما أن السلطة التنفيذية باعتبارها المسؤولة عن تنزيل القوانين و تنفيذها تبقى الأقدر على معرفة المجالات التي تبقى في حاجة إلى التشريع، كما يظل التخوف من استغلال السلطة التنفيذية لهذا الحق غير مبرر مادامت مقترحات القوانين تبقى رهينة بمصادقة السلطة التشريعية عليها، كما أن حق اقتراح القوانين يعد أحد أهم الوسائل التي تستخدمها السلطة التنفيذية لتنفيذ السياسات العمومية التي تعمل على إعدادها و تنفيذها فحق اقتراح القوانين يمكن من توفير آلية مهمة لصنع هذه السياسات و كذالك توفير الحماية لها من خلال النصوص القانونية التي تعمل الحكومة على اقتراحها.
و قد أخذ الدستور الفرنسي و كذالك معظم الدساتير العربية و منها الدستور المغربي بالحق المشترك لاقتراح القوانين بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية، و رغم ما يظهر من خطورة في منح هذا الحق للسلطة التنفيذية فقد قلل الفقه من أهمية هذا الحق من خلال مناقشة طبيعته القانونية،فاقتراح القوانين هو العمل الذي يحرك الإجراءات التشريعية و يقدم للتشريع مادته إذ به تبدأ عملية التشريع لكن ذالك لا يمكننا من القول أن الاقتراح هو عمل تشريعي
فقد نفى فريق من الفقه الصبغة التشريعية على عملية الاقتراح و مبررهم في ذالك هو أن السلطة التشريعية هي التي تعمل على إضفاء الخصائص الآمرة للقانون على عمل ما أو إعطاء نص صفة القاعدة الإجبارية،فإذا جاز اعتبار جميع الإجراءات التي تساهم في إخراج القانون إلى حيز الوجود عملا تشريعيا بالمعنى الواسع فإنه بالمعنى الدقيق لا يمكن اعتبار عمل ما عملا تشريعيا إلا إذا كان يدخل في تكوين عنصر القرار الآمر الذي يتولد منه القانون حالا و مباشرة.
فلا يكفي لكي يعتبر العمل تشريعيا أن يقتصر دوره على تحريك السلطة التشريعية أو التمهيد لها لذالك فإن الاقتراح هو عمل من أعمال الإدارة يتلخص دوره في دور المحرك أو الدافع، لذالك فإن حق الاقتراح و إن كان يثير العملية التشريعية فهو ليس جزءا منها.
و إذا كانت الطبيعة القانونية لحق الاقتراح المخول للسلطة التنفيذية لا تسعفنا في القول بأن هذه السلطة تشارك في عملية التشريع من خلاله فإن ما طرأ على وظيفة الدولة من تطور و اتساع نشاطها في مختلف المجالات وتدخلها في العديد من أنشطة الأفراد المختلفة، دفع بعض الدول في دساتيرها إلى تخويل السلطة التنفيذية قدرا كبيرا من السلطات والامتيازات في مقابل السلطة التشريعية ساهمت في بروز دور السلطة التنفيذية وتقوية مركزها و هيمنتها على مقاليد الأمور في الدولة، كل هذه العوامل أدت إلى اهتزاز أسس نظرية الفصل بين السلطات، واختلال توازن العلاقة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية لصالح هذه الأخيرة إذ أثبتت الوقائع أن التشريعات تمر بمراحل معقدة حتى يتم التشريع بمراحله المختلفة ويظهر إلى الوجود ويدخل حيز التنفيذ، وهذا يجعل من السلطة التشريعية في موضع حرج خاصة في الأوقات غير الطبيعية والاستثنائية، حيث تحتاج هذه الفترات إلى وضع حلول استثنائية وغير طبيعية وسريعة، ولأن السلطة التنفيذية هي الأقدر على مواجهة هذه الظروف ولكونها الأقرب إلى معرفة الحاجات الحقيقية للجمهور وما تستلزمه من إجراءات، فقد دأبت الكثير من الدساتير على منح السلطة التنفيذية جزء من السلطة التشريعية من خلال منحها حق أو سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون، تتماثل فيها هذه القرارات مع التشريعات من حيث القوة القانونية على شرط أن يبقى الحق الأصيل للبرلمانات في مراقبة هذه القرارات وتقرير مصيرها لاحقا و محاسبة السلطة التنفيذية فيما إذا تجاوزت الحدود المرسومة لها.
والحاجة إلى منح السلطة التنفيذية جزء من الوظيفة التشريعية قد تكون في الظروف الاستثنائية حيث يكون البرلمان موجودا ومنعقدا كما يمكن أن تحدث هذه الظروف الاستثنائية والبرلمان في غير حالة الانعقاد وغير موجود لأسباب متعددة، وتعمل السلطة التنفيذية على ممارسة هذا الاختصاص عن طريق إصدار اللوائح، إما بناء على تفويض من البرلمان أو بدون تفويض منه، وخاصة في حالة غيبة البرلمان لمواجهة حالة الضرورة،فالتفويض التشريعي يمثل نوعا من أنواع التنازل الذي تقوم به السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية عن حق الأولى في وضع القانون في مجال معين و محدد وخلال مدة محددة، بحيث تصبح للسلطة التنفيذية سلطة التشريع ووضع القوانين في مجال معين وخلال مدة محددة.
و لم يحد المشرع المغربي عن هذا التوجه الذي أخذت به معظم الدساتير في العالم من خلال منحه للحكومة حق المساهمة في عملية التشريع فقد جاء في الفصل 70 من دستور 2011 ” للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها،غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها،ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما “.
كما نص الفصل 81 من دستور 2011 على حق الحكومة في ” أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين،يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية ويودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب “.
والحالة الأولى التي تحدث عنها الفصل 70 تعني البرلمان في حالة الوجود و ممارسة الاختصاصات أما الحالة الثانية المشار إليها في الفصل 81 فهي الفترة الفاصلة بين الدورات أي خلال عطلة البرلمان.
یشترط إذن لإصدار الأوامر التفویضیة أن تطلب الحكومة من البرلمان القائم الإذن لها بإصدار القرارات التفویضیة بموجب قانون لغاية معينة ،ویستوي في ذلك أن تكون هذه الغاية في الظروف العادیة أو في الظروف الاستثنائیة لأن نص الفصل 70 من الدستور المغربي لم یشترط وجود الظروف الاستثنائیة لحصول الحكومة على الإذن مما يفتح الباب لها للحصول على التفویض من البرلمان لسن القوانین بموجب مراسيم عدة مرات، كما لم يشترط المشرع المغربي استقالة الحكومة لإبطال قانون الإذن و اكتفى بشرط حل أحد مجلسي البرلمان أو أحدهما، كما أن مفهوم ” لغاية معينة ” الذي استخدمه المشرع في هذا الفصل يبقى مفتوحا على جميع غايات و أهداف الحكومة دون ضوابط محددة تعمل على تقييد استخدامها لهذا التفويض.
لذلك فقد اتفق الفقه في فرنسا ومصر على أن استخدام الحكومة للتفويض التشريعي يجب أن يستند على مبررات قویة تتمثل في وجود صعوبات أو أزمات خطیرة تمر بها الدولة وتعترض تنفیذ برنامجها،ویصعب التغلب علیها بواسطة البرلمان وحده نظرا لبطء المساطر،كالحاجة إلى الاستعجال في اتخاذ بعض الإجراءات أو عدم قدرة توصل الأغلبیة البرلمانیة على اتخاذها لأسباب سیاسیة، بحيث يتوجب توافر حالة الضرورة والظروف الاستثنائیة لجواز قیام السلطة التشريعية بعملیة التفویض التشریعي، فالضرورة وحدها لا تكفي لتخویل هذه السلطة والحرص من جانب المشرع الدستوري على أن یستعمل اصطلاحي الضرورة والظروف الاستثنائیة یؤكد على التشدد في تخویل هذه السلطة.
وبالنسبة لتقدير حالة الضرورة والظروف الاستثنائیة فقد حدث خلاف في التوجهات الفقهية حيث ذهب جانب من الفقه المصري إلى أن تقریر مدى توافر حالة الضرورة والظروف الاستثنائیة أمر متروك لتقدیر رئیس الجمهوریة وحده یباشره تحت رقابة البرلمان، في حین ذهب جانب أخر من الفقه إلى أن تقدیر الضرورة والظروف الظروف الاستثنائیة يدخل في نطاق الاختصاصات المخولة لرئیس الجمهوریة تحت رقابة البرلمان غير أن القضاء الدستوري له أن یمارس رقابته على سلطة رئیس الجمهوریة في هذا المجال، و هو ما استقر علیه قضاء المحكمة الدستوریة العلیا في مصر فقد ذهبت المحكمة إلى أن الدساتیر المصریة المتعاقبة تفصح جمیعها عن اعتناقها لنظریة الضرورة و الظروف الاستثنائية و قد عملت على تضمین هذا المبدأ في صلب أحكامها، و قد ذهبت إلى أن توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعیة التي لا تستقل السلطة التنفیذیة بتقدیرها هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة و إلیها تمتد الرقابة الدستوریة التي تباشرها المحكمة الدستوریة العلیا للتحقق من قیامها في الحدود التي رسمها الدستور ولضمان أن لا تتحول هذه الرخصة التشریعیة إلى سلطة تشریعیة كاملة ومطلقة.
و إذا كان التفويض التشريعي بشكله العام يشترط الإذن المخول من طرف البرلمان أو وجود حالة الضرورة المتمثلة في غياب البرلمان عن الانعقاد خلال الفترة الفاصلة بين الدورات كما في الحالة المغربية و يبقى رهينا بمصادقة السلطة التشريعية في آخر المطاف على هذه النصوص حتى تكتسب الصبغة القانونية فإن الأمر يختلف بالنسبة للوائح التنفيذية التي تنفرد السلطة التنفيذية بوضعها قصد تفصيل النصوص القانونية بغية تنزيلها و تطبيقها على أرض الواقع باعتبارها السلطة المكلفة بالتنفيذ و التي تملك القدرة على تهيئة هذه النصوص و شرحها قصد تسهيل تطبيقها و كذالك الأمر بالنسبة للمراسيم المستقلة التي تستمد مشروعيتها مباشرة من نص الفصل 72 من الدستور دون وساطة القانون و دون الحصول على الإذن من البرلمان أو الحاجة إلى مصادقته.
فالوظيفة التنفيذية التي تمارسها الحكومة تفرض جانبا من التلقائية بحيث يمكن لهذه الأخيرة أن تعمل على سن مقررات تنظيمية تطبيقية بشكل تلقائي دون وجود إذن من البرلمان و حتى عند عدم نص القانون ذاته على وجوب صدور مقرر تنظيمي تطبيقي و ذالك بشرط عدم الخروج عن روح القانون و مضمونه، كما تمتلك الحكومة سلطة تقديرية واسعة بالنسبة لطريقة تنفيذ القانون من خلال مقتضيات المقرر التنظيمي التطبيقي باعتبارها السلطة الأكثر إلماما بواقع تنفيذ القوانين، إضافة إلى الحرية التي تمتلكها بالنسبة لتقدير وقت إصدار المقرر التنظيمي التطبيقي مما يدفع إلى التساؤل حول إمكانية إثارة مسؤولية الحكومة في حالة الـتأخر بإصدار مقرر تنظيمي تطبيقي.
كما يمكن للحكومة العمل على إصدار مراسيم مستقلة دون أن تكون هذه الأخيرة مرتبطة بتنفيذ القانون و دون اشتراط مصادقة السلطة التشريعية كما هو الشأن بالنسبة بالنسبة للمرسوم المنصوص عليه في الفصل 65 من الدستور حيث يمكن للحكومة بموجب مقتضيات هذا الفصل إصدار مرسوم لختم الدورة البرلمانية إذا استمرت جلسات البرلمان أربعة أشهر على الأقل في كل دورة، و نفس الأمر بالنسبة للمرسوم المنصوص عليه بالفصل 66 من الدستور حيث يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية، إما بمرسوم، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
و بالنسبة لتصويت البرلمان على قانون المالية فقد أجاز الفصل 75 من الدستور للحكومة إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية،تطبيقا للفصل 132 من الدستور، أن تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية،والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة.
إشكالية البحث:
صلة بالنقاش الذي يثيره موضوع التفویض التشریعي المخول للسلطة التنفيذية يمكن استخلاص الإشكالية الرئيسية الآتية: إن ممارسة السلطة التنفيذية لمهام التشريع یجعل هذه الأخيرة تجمع بين وظيفتي التشریع والتنفیذ،ولذا فان هذه السلطة تستطیع الانحراف عن غايات التشريع من خلال إقرار نصوص قانونية تصب في مصلحة وظيفتها الأصلية كسلطة تنفيذية تعتبر النصوص القانونية بالنسبة لها إحدى أهم الآليات المعتمدة لصنع السياسات العمومية و تنزيلها، كما يمكنها أن تعمد إلى إلغاء وتعدیل القوانین النافذة عن طریق القرارات التفویضیة متى ظهر لها أن الأمر يمكن أن يسهل وظيفتها التنفيذية، وإن هذه الصلاحیة تشكل تهدیدا خطیرا لحقوق الأفراد وحریاتهم إذا ما تعسفت السلطة التنفیذیة في استخدام هذه السلطة و تقاطعت توجهاتها في التشريع مع هذه الحقوق و الحريات، مما يشكل مسا خطيرا بمبدأ الفصل بين السلطات كصمام أمان لضمان حقوق الأفراد من خلال قيام كل سلطة بدور الكابح للسلطة الأخرى و هو الأمر الذي یحتم إیجاد ضمانات تلزم السلطة التنفیذیة باحترام قواعد المشروعیة عند استخدامها للتفويض التشريعي.
و يمكن تقسيم هذه الإشكالية المركزية إلى ثلاث إشكاليات فرعية:
- الإشكالية الفرعية الأولى: من المعلوم أن نطاق التفويض التشريعي المخول للسلطة التنفيذية يتم تقييده من خلال عنصري الزمن و الغاية، فكيف يمكن إلزام السلطة التنفيذية باحترام هذا النطاق من خلال تخويل اختصاص مراقبة وجود هذين العنصرين لجهة محايدة مستقلة عن السلطة التنفيذية ؟
- الإشكالية الفرعية الثانية: لا تكتسب الأعمال الصادرة عن الحكومة بموجب التفويض التشريعي صفة الأعمال التشريعية إلى بعد مصادقة البرلمان عليها مما يجعلها تتمتع بطبيعة تندرج بين العمل الإداري والعمل التشريعي فكيف يمكن إخضاع هذا النوع من الأعمال لمبدأ المشروعية ؟ و ما هي الجهة المختصة بممارسة الرقابة عليها ؟
- الإشكالية الفرعية الثالثة: كيف يمكن للسلطة التشريعية العمل على خلق آليات خاصة تعمل على مراقبة التشريعات الصادرة عن الحكومة على غرار التجارب المقارنة قصد الحيلولة دون استئثار هذه السلطة بمهمة التشريع استنادا على جملة المبررات التي ذكرناها سابقا.
- الإشكالية الفرعية الرابعة: من المعلوم أن ممارسة السلطة التنفيذية لمهام التشريع يستند على مبررات قوية تجعل هذه الممارسة ضرورة حيوية في مجال التدبير،فكيف يمكن الموازنة بين تحقيق هذه الضرورة مع الحفاظ على الحق الأصيل للبرلمان كسلطة تشريعية؟
أهمية الموضوع :
تتمثل الخطورة التي تكتسيها الأعمال التشريعية الصادرة عن السلطة التنفيذية في غموض هذه الأعمال و عدم وضوح طبيعتها القانونية بالشكل الكافي فهي تعتبر أعمالا إدارية تبعا للمعيار الشكلي لكونها تصدر عن سلطة إدارية و هي أعمال تشريعية بالنظر إلى المعيار الموضوعي لكونها تحمل خصائص العمومية و التجريد التي تتميز بها القاعدة القانونية و هذا الغموض الذي ذكرناه يجعل من الصعوبة بما كان تحديد نوع الرقابة التي يمكن أن نخضع لها هذه الأعمال بين رقابة المحكمة الدستورية و رقابة المحكمة الإدارية، مما يجعل هذه الأعمال قابلة للانفلات من تطبيق مبدأ المشروعية عليها، و يزيد من هذه الصعوبة في المغرب غياب مؤسسة مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية إدارية تقوم بالإضافة إلى الوظيفة القضائية بوظيفة الإفتاء، إلى جانب مساعدة الحكومة في عملية وضع الصيغة المناسبة لمشاريع القوانين و المراسيم بحيث تعمل على جعل هذه النصوص مؤدية للغرض المقصود منها، بحيث تشكل من خلال وظيفة الإفتاء كأعلى هيئة قضائية إدارية مرجعا في تفسير قواعد القضاء الإداري و تكريس قواعد جديدة صيانة لحقوق الأفراد و تحصينا لحرياتهم مما يجعلها بمثابة حكم يتم اللجوء إليه في حالة الخلاف في مجال المنازعات الإدارية.
كما يزيد من أهمية البحث في الموضوع عدم تمييز المشرع المغربي بالنسبة للأعمال التشريعية الصادرة عن الحكومة و التي تعرف بمجال التنظيم بين المجال التنظيمي التطبيقي و المرتبط أساسا بالمراسيم الصادرة تنفيذا للقوانين و المراسيم المستقلة التي تستمد مشروعيتها مباشرة من الدستور دون وساطة للقانون، فنص الفصل 72 من الدستور المغربي بعد تحديد مجال القانون من خلال الفصل 71 و هو 30 مجال، ينص على اختصاص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون و ذالك دون تمييز بين المجال التنظيمي التطبيقي و المجال التنظيمي المستقل، هذا مع توفير الحماية اللازمة لمجال التنظيم من كل اعتداء محتمل من طرف البرلمان من خلال ما نص عليه الفصل 79 من الدستور حيث خول للحكومة إمكانية أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون كل خلاف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية، في أجل ثمانية أيام بطلب من أحد رئيسي المجلسين، أو من رئيس الحكومة.
لائحة أولية للمراجع :
- سليمان محمد الطماوي: النظرية العامة للقرارات الإدارية،دراسة مقارنة، طبعة 1957، دار الفكر العربي.
- عبد الغني امريدة، التأويل الدستوري في النظام السياسي المغربي،حالة القاضي الدستوري، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام،السنة الجامعية 2013/2014، جامعة سيدي محمد بن عبد الله،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بفاس.
- محمد الغالي،التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب {1984-2002}،سلسلة الدراسات السياسية،القانونية،الاجتماعية،الطبعة الأولى يناير 2006.
- الحبيب الدقاق،العمل التشريعي للبرلمان أية حكامة،دراسة نقدية في القانون البرلماني و الممارسة التشريعية بالمغرب،مطبعة الأمنية،الرباط،طبعة 2009.
- حسن طارق،الدستور و الديمقراطية،قراءة في التوترات المهيكلة لوثيقة 2011،منشورات سلسلة الحوار العمومي،الطبعة الأولى 2013.
- عمر بندورو،رقية المصدق،محمد مدني،الدستور المغربي على محك الممارسة،أعمال ندوة 18-19 أبريل 2013،مجموعة البحث في القانون الدستوري و علم السياسة،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية،السويسي،الرباط.
- حسن طارق، الربيع العربي و الدستورانية، قراءة في تجارب:المغرب،تونس و مصر،سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية،المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية،الطبعة الأولى 2014.
- خالد نونو حي، الجامع لمبادئ و قواعد القضاء الدستوري المغربي من خلال قرارات الغرفة الدستورية {1963-1994} و المجلس الدستوري {1994-2015}،مطبعة الأمنية،الرباط، طبعة 2015.
- عبد الإله سطي، صناعة القرار السياسي، بحث في المؤسسة و المؤسساتية بالنظام السياسي بالمغرب،سلسلة دراسات و أبحاث،دار نشر المعرفة،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط، طبعة 2017.
- مولاي هشام إدريسي،القانون و التنظيم في الدستور المغربي،دراسة تحليلية في المفهوم و الاختصاص، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 72/73 يناير،أبريل 2007.
- محمد أتركين،الدستور و الدستورانية، من دساتير فصل السلط إلى دساتير صك الحقوق، سلسلة الدراسات الدستورية {1}،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،الطبعة الأولى 2007.
- مصطفى قلوش،المبادئ العامة للقانون الدستوري،شركة الطباعة و النشر و التوزيع،بابل،الرباط، الطبعة الرابعة.
- رافي حيدر صلاح شبير،هند كامل عبد زيد، الأعمال التشريعية للسلطة التنفيذية في وجود البرلمان، مجلة المحقق المحلي للعلوم القانونية، العدد الأول السنة الخامسة.
- سيفان باكراد ميسروب، التفويض التشريعي الرابط
- بشار جاهم عجمي،ممارسة الوظيفة التشريعية من قبل السلطة التنفيذية {حالة التفويض التشريعي و لوائح الضرورة}. الرابط
- حسن البحري، دور السلطة التنفيذية في العملية التشريعية في النظام البرلماني البريطاني.الرابط
- محمد هلال الرفاعي، دور السلطة التنفيذية في العملية التشريعية في النظام الرئاسي الأمريكي،مجلة جامعة دمشق للعلوم القانونية و الاقتصادية، العدد الثاني 2010. الرابط
- منقول