منهجية تحليل نص قانوني


                                                                               منهجية تحليل نص قانوني

         يستعمل بعض الفقهاء عبارة تحليل، بينما يستعمل البعض الآخر عبارة تعليق على نص قانوني. وتحليل النص يعني تفكيكه إلى العناصر التي يتألف منها، ومن ثم التعرف إلى أجزائه ومكوناته، بينما التعليق على النص هو عبارة عن محاولة تفسير وتوضيح، إضافة إلى تقييم ونقد هذا النص بقدر من الحرية، وبأسلوب شخصي.

لكن الوضع يختلف إذا كان الموضوع يقتصرعلى تحليل نص قانوني. إذ علينا أن نقوم بتحليل النص من خلال تفكيكه ومعرفة أجزائه ومكوناته في مرحلة أولى، ومن ثم نقوم بمناقشة النص وتقويمه ونقده وإبراز رأينا الشخصي فيه في مرحلة ثانية. هنا يتشابه التحليل والتعليق فيعتمد بعض الفقهاء عبارة تحليل نص قانوني أو التعليق على نص قانوني والمقصود في الحالتين دراسة النص القانوني وتوضيحه وإظهار إيجابياته وسلبياته إذا وجدت.

أولا: المرحلة التحضيرية ( التعرف إلى النص)

المقصود بهذه المرحلة القيام بالتعرف إلى هذا النص ومعرفة عوامله الأولية ومضمونه أو موضوعه. وبالطبع مثلما يتم في حال التعرف على إنسان، بهويته ومكان إقامته وتاريخ ومحل ولادته ورقم السجل، كذلك التعرف على النص القانوني، فأول شيء نقوم به هو تحديد موقعه ومواصفاته الشكلية وطبيعتها وبنيته اللغوية وغاياته.

أ- التحليل الشكلي:

مهما كان النص القانوني موضوع التعليق ؛ قاعدة ؛ أو مجموعة قواعد؛ أو مادة أو بعض مواد من قانون أو من مرسوم ؛

، فأول شيء يجب القيام به هو معرفة هوية هذا النص ابتداءً من مصدره إلى رتبته وتاريخه، ثم يتم تبيان مضمونه وتحليله، للتمكن من تحديد الإشكالية و وضع خطة المعالجة.

1- هوية النص:

نبدأ بتبيان هوية النص بشكل دقيق؛ فهل هو نص دستوري أو نص معاهدة دولية أو مادة من مواد القانون الوطني، أو مادة أو أكثر من مرسوم، أو جزء من قرار إداري، مثال : يقع هذا النص )المادة…( في قانون … المعدل ب:…. وقد جاء في الكتاب…. منه عنوانه …، من الباب… وعنوانه … في الفصل وعنوانه…. من القسم الأول تحت عنوان…

ولكن هذا لا يكفي، فعلينا ذكر تاريخه فنقول مثلا: القانون المدني  الصادر بموجب الأمر رقم 75 – 58 مؤرخ في 26 سبتمبر سنة 1975 ، معدل و متمم بالقانون قانون 05-10 المؤرخ في 20 جوان 2005.

ثم لا بد لنا من تحديد موضوع النص، فأي قانون هو عبارة عن مجموعة قواعد قانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وبالتالي فهو يتناول تنظيم جانب معين من جوانب الحياة الاجتماعية .فقانون العقوبات يبين ما هي الأفعال التي تعتبر جرائم، وما هي العقوبات التي توضع مقابل هذه الجرائم.

2- طبيعة النص:

يجدر بنا الإشارة إلى طبيعة النص والأمور التي يعالجها، مثلا: المادة 89 من قانون الإجراءات الجزائية: القسم الرابع ) سماع الشهود ( من  الفصل الأول (قاضي التحقيق) باب جهات التحقيق .

ويرى البعض أنه في هذه الفقرة نتناول المعلومات والدراسات العلمية التي تتناول الموضوع والكلمات التي يجب الإشارة إليها.

3- البحث في بنية النص :

يتم البحث في بنية النص من الناحيتين، الطبوغرافية واللغوية:

  • البنية الطبوغرافية )البناء المطبعي: (هل هو مقسم إلى فقرات أو مواد ، مثلاً:

تتألف المادة 85 من الدستور الجزائري من 3 فقرات… يتألف النص من …. فقرة… الفقرة الأولى: تبدأ من ” “…” وتنتهي عند “…”الفقرة الثانية تبدأ من “….” وتنتهي عند “….” الفقرة ال…. تبدأ من “….” وتنتهي عند “….”

  • البنية اللغوية )البناء اللغوي والنحوي(: البناء المنطقي:

كيفية صياغة المادة؟ وبأي كلمة بدأت وانتهت؟، وما هو الأسلوب المعتمد؟، وما هو المنطق الذي بنيت عليه؟ والأسلوب الذي اعتمدته: مثلاً: حددت الفقرة الثانية من المادة85 من الدستور الجزائري، النصاب القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية بشكل صريح

4- غايات النص ) فائدة النص : (

لا يصدر عادة نص قانوني دون أن يكون هناك غاية منه أو فائدة يسعى المشرع لتحقيقها، والأسباب الموجبة للقانون تبين عادة الغاية من وضعه، وبالتالي فإن المشرع عندما يسن قانوناً ما، تكون لديه قناعة بأن القواعد القانونية التي يتضمنها هي حلول لمسائل قانونية مثارة في الحياة اليومية .

ب- التحليل الموضوعي )تحليل مضمون النص(:

قلنا إن تحليل أي نص أو قاعدة يتم عن طريق تفكيك الفرضيات التي تضمنها إلى عناصرها الأولية. و إذا كان النص يتضمن قاعدة قانونية واحدة، فإن التحليل ينصب على هذه القاعدة بتبيان فرضيات القاعدة؛ أي الحالات المفترضة أو التي تشملها، والحكم الذي تقرره القاعدة لتلك الفرضيات، ثم تتناول هذا الحكم بالتحليل. وإذا كان النص يتضمن أكثر من قاعدة قانونية فيتناول التحليل كل قاعدة من تلك القواعد وبنفس الطريقة السابقة أعلاه، أي بتبيان فرضيات كل قاعدة، والحكم الذي تقرره القاعدة لتلك الفرضيات، ثم نتناول كلاً منها بالتحليل تباعاً.

1- فهم وتحديد القاعدة القانونية:

لفهم القاعدة فإن أول شيء نقوم به هو قراءة النص عدة مرات، مع دراسة كل كلمة وردت فيه ، لأنه لا يمكننا التعليق على غير مفهوم. ففي القراءة الأولى يتم التعرف على نص القاعدة وتكوين فكرة أولية أو رؤية شاملة لها، ونبدأ في القراءة الثانية نقوم باستخراج الجمل الرئيسية وعزلها عن بعضها البعض، بوضع خط تحت أدوات الربط بينها، وذلك للبدء بتحديد المكونات الأساسية للنص.

أما في القراءة الثالثة فيتم البحث عن الحالات الواقعية المشمولة بالقاعدة، وتبيان الحكم الذي تقرره القاعدة عند توفر شروط تطبيقها، أي توفر أي حالة واقعية مشمولة بفرضيات القاعدة. والحكم الذي تقرره القاعدة هو بالنهاية الحل القانوني.

2- تحديد الإشكالية:

إذا كانت القاعدة القانونية ثابتة فإن الواقع متغير بجزئياته وتفاصيله، كما أن القواعد القانونية قد تتميز بالاقتضاب والإيجاز، وقد يشوبها الغموض أو يرد بها بعض الألفاظ التي تحتاج إلى بيان أو إلى ضبط المراد منها، عدا عن تعارضها أو تناقضها أحياناً مع قواعد قانونية أخرى في القانون نفسه أو في نصوص قانونية أخرى.

لهذا فإن تحليل أي نص قانوني ينتهي بإثارة العديد من التساؤلات؛ أي الإشكالية، التي ستكون محل المناقشة والشرح الأساسي وهي محور المعالجة القانونية.

3- خطة المناقشة:

بعد الفهم الكامل للنص وتحديد القاعدة القانونية أو القواعد التي تتضمنها النص، وبعد تحديد الإشكالية التي يثيرها، يمكننا البدء بوضع مخطط المناقشة والشرح الذي يشبه الدراسة أو البحث، حيث يتألف من مقدمة ومن أقسام وخاتمة ويشكل إجابة معمقة لما طرح في الإشكالية، وأحسن خطة هي التي تحوي مبحثين لكل منهما مطلبان.

لكن تحكمنا هنا عدد القواعد، فإذا كان هناك قاعدتان نعتمد التقسيم إلى قسمين، أما إذا كان هناك ثلاث قواعد فنعمد إلى تقسيم التعليق إلى ثلاثة أقسام متوازية نوعاً ما. ومهما كان عدد الأقسام فيجب أن نضع عنواناً مختصرا ووافياً لكل منها،مراعين مبدأ تفرع العناوين في البحث، حيث يجب أن يكون هناك تسلسل منطقي يربط سائر الأقسام، لأن هذه العناوين يجب أن تشكل الخيط الرفيع الذي يربط بين سائر أقسام أو فروع التحليل.

ثانيا: مناقشة النص وتقويمه

بعد أن نحدد هوية النص ونبين مضمونه ونحلله ونحدد الإشكالية وخطة المعالجة، يبقى علينا أن نقوم بتقييم النص، أي معرفة المنطق القانوني الذي يرتكز عليه ونقوم بمناقشته، أو بالأحرى نقوم بالإجابة على الإشكالية.

1- تقييم النص من الوجهة القانونية:

هي عملية تحديد علاقة النص، موضوع التحليل، بغيره من النصوص القانونية الأخرى ومدى انسجامه مع المبادئ القانونية العامة المعمول بها في زمان ومكان محددين، وخاصة تلك المبادئ العامة والمستقرة، وتوضيح ما إذا كان النص يعتبر متوافقاً أو منسجماً مع تلك المبادئ أو القواعد العامة، أم أنه يشكل خروجاً عليها ؟

2- تقييم النص من الوجهات غير القانونية

من المعروف أنه تتحكم في وضع أية قاعدة قانونية مجموعة اعتبارات يحاول المشرع م ا رعاتها عند وضعه للقاعدة. ويبرز بين الاعتبارات التي تحكم وضع القواعد القانونية اعتباران رئيسيان: الاعتبار الأول هو مراعاة القاعدة لمبادئ العدالة والإنصاف.

أما الاعتبار الثاني فهو اعتبار الاستقرار الاجتماعي حيث يضحي أحياناً باعتبارات العدالة لمصلحة الاستقرار الاجتماعي، فيجد المشرع أن المصلحة العامة تنشأ من مراعاة لبعض الاعتبارات الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية أحياناً، مثلا : العفو العام، الذي يصدر أحياناً أو في فترات معينة، فهو يمس بمبدأ العدالة ويراعي الاعتبارات الأخرى.

لهذا علينا في التحليل أن نبرز وأن نتحدث عن تلك الاعتبارات التي راعاها المشرع عند وضعه للنص، وعن الحلول التي يحتملها هذا النص، ولو جاءت بعيداً عن الاعتبارات القانونية.

وإذا ما كان النص يحتمل أكثر من حل، فعلينا أن نبين الحلول المحتملة، والإشارة إلى الحل الذي نراه الأفضل من بينها، أما إذا كان النص لا يحتمل إلا حلاً واحداً، فنشير إلى هذا الحل ونقوم بمناقشته، إما مؤيدين وإما معارضين. و في الحالتين علينا أن ندعم رأينا بآراء الفقه و الاجتهاد .

وهنا يبرز رأينا الشخصي بوضوح أثناء مناقشة أي حل أو الحلول من الوجهة الاقتصادية أو الاجتماعية.

3- الخاتمة:

نختم تحليل النص بلمحة عامة تتضمن الإجابة على الإشكالية التي طرحناها، ووفقاً لنفس المنهجية التي شرحناها أثناء الحديث عن خاتمة البحث القانوني، لأن تحليل النص يعني بالنهاية إجراء بحث قانوني حوله.


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...