ملخص موجز لقانون المسطرة المدنية
بقلم ذ ليلى المريني
تــقــديــم :
يعتبر القضاء من وظائف الدولة الأساسية باعتبارها وحدها مكلفة بإقامة العدل وضمان حقوق المواطنين والفصل في النزاعات القائمة بينهم؛ حتى يطمئنوا على أنفسهم؛ وحرياتهم؛ وأموالهم؛ ولأجل تحقيق هذه الأغراض وضعت القوانين المختلفة لتحديد الحقوق؛ وأنشأت المحاكم؛ ووضعت القوانين التي تحدد اختصاصها؛ وتبين للمتقاضين الإجراءات؛ والمساطير؛ الواجب سلوكها عند الإلتجاء إلى القضاء؛ ووسائل الدفاع؛ وكيفية الفصل في الدعاوي؛ وإصدار الأحكام؛ وطرق تنفيذها.
وقانون المسطرة المدنية هو مجموعة من القواعد التي تنظم سير العدالة؛ من أجل ضمان حقوق الأفراد؛ وهو بذلك يشمل ثلاثة أنواع من القوانين:
– قوانين التنظيم القضائي : وهي مجموعة من القوانين التي تنظم السلطة القضائية وتبين أنواع المحاكم وتشكيلها وتحدد شروط تعيين القضاء؛ وكل ما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم؛ وينظم عمل المساعدين القضائيين.
– قوانين الاختصاص: وهي التي تحدد اختصاص المحاكم المختلفة وتبين للمتقاضين نوع المحكمة المختصة بالفصل في النزاع المتعلق بهم؛ هل هي المحكمة الابتدائية أم حاكم الجماعات أو المقاطعات أو محكمة الاستئناف؛ وهو ما يسمى بالاختصاص النوعي.
وموقع المحكمة التي يرفع أمامها هذا النزاع؛ وهو ما يسمى بالاختصاص المحلي أو المكان.
– القوانين المسطرية : وتشتمل على الإجراءات؛ والمساطير؛ التي يجب احترامها عند إقامة الدعوى؛ وكيفية الفصل فيها؛ وإصدار الأحكام المتعلقة بها؛ وطرق الطعن في هذه الأحكام؛ و كيفية تنفيذها.
ويعرف الفقه الدعوى بأنها سلطة الالتجاء إلى القضاء للحصول على إقرار حق أو لحمايته ولذلك فهي:
أولا: وسيلة قانونية لحماية الحقوق عن طريق اللجوء إلى المحاكم.
ثانيا: إمكانية منحها القانون للأشخاص للدفاع عن حقوقهم؛ بعد أن حرمهم من اقتضاء هذه الحقوق بأنفسهم.
ثالثا: ممارستها أمر اختياري متروك لإرادة صاحب الحق؛ الذي له مطلق الحرية في الالتجاء على القضاء للمطالبة بحقه؛ أو التنازل عن هذه المطالبة.
وقد حدد الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية الشروط الواجب توفرها لقبول الدعوى وهي:
الصفة – المصلحة – الأهلية.
أولا: الصفة:
وهو أن تكون للمدعى صفة في رفع الدعوى وأن تكون للمدعى عليه صفة في مواجهته بهذه الدعوى؛ أي أن يكون المدعى هو صاحب الحق المطلوب حمايته؛ أو من يقوم مقامه؛ كالوكيل بالنسبة للموكل؛ وكالوصي أو الوالي بالنسبة للقاصر.
وقد حدد الفصل 33 من ق.م.م. الأشخاص الذين لهم حق تمثيل الأطراف أمام القضاء؛ وهم الزوج؛ والقريب؛ والصهر؛ من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية .
ويجب إثبات هذه النيابة بسند رسمي؛ أو عرفي مصادق على صحة توقيعه بصفة قانونية؛ أو بتصريح شفوي يدلي به الطرف شخصيا أمام القاضي بمحضر وكيله.
كما حدد الفصل 35 من ق.م.م. الأشخاص الذين لا يمكن أن يكونوا وكلاء للأطراف وهم:
1. الشخص المحروم من أداء الشهادة أمام القضاء.
2. المحكوم عليه حكما غير قابل لأي طعن بسبب جناية أو جنحة الزور أو السرقة أو خيانة الأمانة أو النصب؛ أو التفالس البسيط أو بالتدليس؛ أو انتزاع الأموال أو محاولة انتزاعها.
3. الوكيل الذي وقع حرمانه من تمثيل الأطراف بمقتضى إجراء تأديبي.
4. العدول والموثقون المعزولون.
هذا بالنسبة للأشخاص الطبيعيين؛ أما بالنسبة للأشخاص المعنويين فقد حدد الفصل 515 من ق.م.م الأشخاص الذين لهم صفة تمثيلهم أمام القضاء.
وهكذا تمثل الدولة من طرف السيد الوزير الأول. وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء.
وتمثل الخزينة في شخص الخازن العام.
والجماعات المحلية في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم؛ وفي شخص؛ رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات والمؤسسات العمومية في شخص ممثلها القانوني.
ثانيا: الأهلية:
وهي أن يكون المدعى متمتعا بالأهلية القانونية لممارسة حقوقه؛ أي أن يكون بالغا سن الرشد القانوني وهي عشرون سنة شمسية كاملة؛ وتوفر الأهلية القانونية شرط أساسي لقبول الدعوى أو المدعى عليه.
ثالثا: المصلحة:
ويعتبر هذا الشرط ركنا أساسيا لقبول الدعوى؛ لأنه لا دعوى بدون مصلحة؛ يعني أن تكون لرافع الدعوى مصلحة في إقامتها.
والمصلحة التي يعتد بها هي المصلحة القانونية ويشترط فيها أن تكون مصلحة شخصية؛ ومباشرة؛ وقائمة.
ويثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو المصلحة؛ أو الأهلية؛ أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا؛ وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده وإذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة وإلا صرح القاضي بعدم قبولها.
إضافة إلى هذه الشروط الواجب توافرها لقبول الدعوى هناك شرطان آخران لا بد من احترامهما وإلا كانت الدعوى غير مقبولة وهما:
1- ألا يكون سبق الحكم في موضوع الدعوى تطبيقا لقاعدة عدم المساس بحجية الشيء
المقضي له.
2- أن تقام الدعوى في الميعاد الذي حدده القانون لها بالنسبة للدعاوي التي يحدد القانون أجلا معينا لإقامتها؛ كدعوى المصالحة ودعوى الطعن في الإنذار ودعوى استحقاق الشفعة.
وباعتبار الدعوى وسيلة لحماية الحقوق؛ فقد حدد المشرع شكليات إقامتها والإجراءات المتعلقة بها إلى حين صدور الحكم بشأنها
والمحكمة تضع يدها على الدعوى بإحدى الطريقتين:
– إما بواسطة المسطرة العادية
– أو بواسطة المسطرة الإداري
أولا: وضع المحكمة يدها على الدعوى بواسطة المسطرة العادية .
تقدم الدعوى في هذه الحالة بمقال مكتوب يسمى بالمقال الافتتاحي موقع عليه من طرف المدعى أو وكيله تؤدى عنه الرسوم القضائية بصندوق المحكمة.
أو بتصريح شفوي يدلي به المدعى أو يشار فيه إلى عدم إمكانية توقيع المدعى على هذا المحضر( الفصل 31 من ق.م.م.).
ويجب أن يتضمن سواء المقال الافتتاحي؛ أو التصريح المدلى به؛ الأسماء الشخصية والعائلية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة كل من المدعى والمدعى عليه. وإذا كان الأطراف شركة يجب الإشارة إلى إسمها ونوعها ومركزها.
وتنص مقتضيات الفصل 519 من ق.م.م. على أنه يكون موطن كل شخص ذاتي هو محل سكناه العادي ومركز أعماله ومصالحه.
وإذا كان للشخص موطن بمحل ومركز أعماله بمحل آخر؛ اعتبر مستوطنا بالنسبة لحقوقه العائلية وأمواله الشخصية بمحل سكناه العادي وبالنسبة لحقوقه الراجعة لنشاطه المهني بالمحل الذي يوجد به مركز أعماله ومصالحه دون أن يتعرض للبطلان أي إجراء سلم لهذا العنوان أو ذلك.
ومحل الإقامة هو المحل الذي يوجد به الشخص فعلا في وقت معين الفصل 520 من ق.م.م.
وبالنسبة للموظف العمومي فموطنه القانوني هو المحل الذي يمارس فيه وظيفـته
( الفصل 521 من ق.م.م.)
أما الشركات فموطنها هو المحل الذي يوجد به مركزها الاجتماعي ما لم تكن هناك مقتضيات قانونية تنص على خلاف ( الفصل 522 من ق.م.م.)
كما يجب أن يتضمن المقال أو المحضر وقائع وموضوع الدعوى؛ والوسائل المثارة؛ وأن يرفق بالوثائق والمستندات والحجج التي ينوي المدعى استعمالها؛ ويمكن للقاضي المكلف بالقضية عند الاقتضاء أن يطلب تحديد البيانات الغير التامة أو التي وقع إغفالها.
وفي حالة تقديم دعوى بواسطة وكيل يجب أن يكون لهذا الأخير موطنا بدائرة نفوذ المحكمة.
ثانيا: وضع المحكمة يدها على الدعوى بواسطة المسطرة الإدارية.
حدد المشرع هذه الحالة في النزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري فالمحافظ العقاري إن كان له حق تلقي التعرضات على طلبات التحفيظ فإن هذه التعرضات لا تبث فيها المحاكم الابتدائية؛ غير أن رفع النزاع إلى هذه المحاكم جعله المشرع من اختصاص المحافظ العقاري الذي يعمد انصرام الآجال القانونية للتعرض إلى إحالته على المحكمة المختصة ( الفصل 32 من ظهير 12 غشت 1913).
ويتم ذلك دون أن يقدم التعرض على شكل مقال افتتاحي ودون أن يتضمن البيانات الضرورية التي ينص عليها الفصل 32 من ق.م.م. كما أن الرسوم المستوفاة عن التعرض لا تستخلص بصندوق المحكمة الابتدائية من طرف المتعرض بل يؤديها هذا للمحافظ العقاري الذي يقوم بدفعها لمكتب تسجيل الإجراءات القضائية التابع له مقر إقامته.
وقد أشار الظهير المذكور إلى أن مقتضياته في النازلة هي الواجبة التطبيق دون مقتضيات المسطرة المدنية أو قانون المحاماة.
وبمجرد تقديم المقال الافتتاحي يفتح له ملف ويعطى له رقما ترتيبيا معين. يعين بعد ذلك رئيس المحكمة القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية ويحيل الملف عليه.
يعين القاضي الملف في جلسة يحدد تاريخها ويستدعي المدعي والمدعى عليه بواسطة استدعاء يجب أن يتضمن:
1- الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه.
2- موضوع الطلب.
3- المحكمة التي يجب أن تبث فيه.
4- يوم وساعة الحضور.
5- تنبيه إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء؛ ويوجه الاستدعاء إما بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو عن طريق البريد بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريق الإداري.
وإذا كان المرسل إليه يسكن خارج المغرب فإن الاستدعاء يوجه إليه بواسطة السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقيات الدولية تقضي بغير ذلك.
– التبليغ بالطرق الإداري:
منصوص عليه في ظهير 22 نونبر 1913 الذي يعطي للقاضي صلاحية إعطاء الأمر بالتبليغ لأعوان وموظفين تابعين للجهاز الإداري.
التطبيق العملي لهذا النوع من التبليغ يتمثل في حالة تواجد المدعى عليه خارج المغرب حيث توجه الاستدعاءات إليه عن طريق وزارة الخارجية.
– التبليغ عن طريق البريد المضمون:
في حالة تعذر التبليغ بالطريق العادي لعدم العثور على الطرف المعني يمكن توجيه الاستدعاء إليه عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
– التبليغ بواسطة القيم:
يلجأ هذا النوع من التبليغ في الحالة التي لا يكون فيها للمدعى عليه موطن أو محل إقامة غير معروف؛ ويكون مجهول العنوان؛ حيث يعين القاضي عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه الاستدعاء؛ وتكون مهمته البحث عن المدعى عليه بمساعدة النيابة العامة والسلطات الإدارية.
– كيفية وقوع التبليغ:
يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا للشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه؛ أو خدمة؛ أو لأي شخص آخر؛ يسكن معه.
ويجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم؛ لا يحمل إلا الاسم الشخصي، والعائلي؛ وعنوان سكنى الطرف؛ وتاريخ التبليغ؛ مضاف إليه توقيع العون؛ وطابع المحكمة.
ترفق بالاستدعاء شهادة التسليم يبين فيها اسم الشخص الذي توصل بالاستدعاء وتاريخ هذا التوصل.
ويجب أن توقع من الطرف الذي تسلم الاستدعاء؛ وإذا عجز عن التوقيع؛ أو رفض؛ أشار إلى ذلك العون المكلف بالتبليغ؛ أو السلطة؛ وتوقع هذه الشهادة من طرف الجهة المكلفة بالتبليغ وترسل على كتابة الضبط.
أما إذا رفض الطرف الذي له الصفة في التوصل بالاستدعاء؛ أشير إلى ذلك في شهادة التسليم؛ ويعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ الرفض.
ويمكن للقاضي حسب ظروف الأحوال تمديد الآجال المذكورة وتجديد الاستدعاء.
وتعتبر مجموع هذه البيانات أساسية يجب توافرها في شهادة التسليم وإلا كان التبليغ باطلا.
ويجب أن ينصرف بين تاريخ تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد لحضور الجلسة خمسة أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها.
ومدة خمسة عشر يوما إذا كان في أي محل آخر من تراب المملكة تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا.
أما إذا لم يكن للطرف الذي يجب استدعاءه لا موطن ولا محل إقامة عي دوائر نفوذ محاكم المملكة فإن أجل الحضور يحدد فيما يلي:
– إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوروبية: شهران
– إذا كان يسكن بدولة إفريقية أخرى أو آسيا أو أمريكا: ثلاثة أشهر
– إذا كان يسكن بالاقيانوس: أربعة أشهر.
وغاية المشرع من امتداد هذه الآجال هي تمكين المبلغ إليه من اتخاذ جميع الاحتياطات وإعداد دفاعه للجواب عن مقال الدعوى. أما بالنسبة للأشخاص الاعتباريين فإن الفصل 516 من ق.م.م. ينص على أن التبليغ لهؤلاء الأشخاص يوجه إلى ممثليهم القانونيين بصفتهم هذه ويتم في موطن الشركة الذي بها مركزها الاجتماعي ويمكن عقد الجلسات جميع الأيام؛ عدا السبت و الأحد؛ والعطل؛ وتكون الجلسات علنية إلا إذا قرر القانون خلاف ذلك حيث تكون المناقشات سرية إذا استوجب ذلك النظام العام أو الأخلاق الحميدة.
وعلنية الجلسات تعني أن تتم إجراءات تحقيق الدعوى والمرافعة فيها والنطق بالأحكام المتعلقة بها في جلسة علنية يحق لكل شخص الحضور فيها. وهذه العلنية هي التي تبعت الاطمئنان في نفوس المتقاضين وتحت القضاة على الاهتمام والعناية بأعمالهم.
وتطبق أمام المحكمة الابتدائية قواعد المسطرة الكتابية غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:
– القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا.
– قضايا النفقة.
– القضايا الاجتماعية.
– قضايا استيفاء ومراجعة السومة الكرامية.
– قضايا الحالة المدنية.
ويمكن للقاضي قبل البث في موضوع النزاع المعروض عليه؛ أن يأمر بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا بإجراء من إجراءات التحقيق التي تساعد على الوصول إلى الحقيقة للفصل في هذا النزاع؛ وتتمثل هذه الإجراءات في الأمر بإجراء خبرة أو وقوع على عين المكان؛ أو بحث أو تحقيق الخطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق.
وقد تستوجب بعض إجراءات التحقيق مثل الخبرة أو الخبرة أو الوقوف على عين المكان أداء بعض المصاريف؛ فإن القاضي يأمر الطرف الذي طلب القيام بهذا الإجراء إيداع مبلغ مسبق بصندوق كتابة الضبط؛ لتسديد صوائر الإجراء المأمور به؛ عدا إذا كان هذا الطرف يستفيد من المساعدة القضائية.
ويجب أن يتم هذا الإيداع في الأجل الذي يحدده القاضي وإلا صرف النظر عن الإجراء المطلوب ويبث في الدعوى على حالتها.
– الخبرة:
تعتبر الخبرة من أهم إجراءات التحقيق؛ تكلف بها المحكمة شخصا يسمى الخبير؛ يتوفر على مؤهلات عملية؛ وكفاءات تقنية خاصة؛ تمكنه من معاينة الوقائع موضوع النزاع؛ وتحديد وبيان النقط المبهمة فيها؛ وتوضيحها؛ وذلك للاستعانة برأي في هذه المسائل التي يحتاج حلها إلى دراية تقنية؛ وفنية خاصة؛ يصعب على القاضي الإلمام والإحاطة بها لبعد علاقتها بإطار تكوينه العام.
والحكم القاضي بإجراء خبرة يسمى حكما تمهيديا؛ يحدد فيه القاضي النقط موضوع الخبرة؛ على أساس أن تكون هذه النقط تقنية؛ لا علاقة لها مطلقا بالقانون؛ كما يحدد الأجل الذي يجب فيه على الخبير إيداع الخبرة في كتابة الضبط.
وإذا تعذر على الخبير القيام بالمهمة المسندة إليه؛ أو امتنع عن القيام بها؛ يستبدل بخبير آخر بمقتضى أمر قضائي مع ضرورة إشعار الأطراف بهذا التغيير.
كما يمكن للطرف الذي يتوفر على وسائل لتجريح الخبير المعين أن يتقدم بهذا التجريح؛ داخل أجل خمسة أيام؛ من تبليغه بتعيين الخبير مبينا أسباب التجريح.
يستدعي الخبير الأطراف برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يخبرهم فيها بيوم وساعة إجراء الخبرة.
يحرر الخبير تقريرا يجب أن يتضمن البيانات المتعلقة بتاريخ توصل؛ الأطراف باستدعاء لحضور عمليات الخبرة. وحضور هؤلاء الأطراف أو تغيبهم؛ وتصريحات الأطراف وملاحظاتهم؛ ونتيجة محاولة الصلح؛ والإجابة عن جميع النقط المحددة له في الحكم التمهيدي.
– معاينة الأماكن:
يقصد بها انتقال القاضي أو المحكمة إلى المحل موضوع النزاع لمعاينته لتمكين القاضي من المعرفة الشخصية لواقعة النزاع.
وقانون المسطرة المدنية اقتصر على تنظيم نوع واحد من المعاينة وهو معاينة الأماكن.
وإذا كان موضوع المعاينة يستلزم معلومات لا يتوفر عليها القاضي يمكنه تعيين خبير لمصاحبته أثناء المعاينة وإعطاء رأيه؛ وتأمر المحكمة بالمعاينة إما تلقائيا؛ أو بناء على طلب الأطراف؛ وفي هذه الحالة تكون غير ملزمة بالأمر بالمعاينة إذا اعتبرت أنها تتوفر على العناصر الكافية للبث في النزاع المعروض عليها.
وتأمر المحكمة بالمعاينة بمقتضى حكم تمهيدي تحدد فيه تاريخ وساعة إجراء المعاينة يبلغ للأطراف ويتم استدعاءهم لحضور هذه المعاينة.
ويتم إجراء المعاينة إما من طرف جميع أعضاء الهيئة الحاكمة أو من طرف القاضي المكلف بالقضية؛ إلا أنه في كلتا الحالتين يستلزم القيام بالمعاينة صحبة كاتب الضبط.
يحرر محضر الانتقال على عين المكان؛ ويوقع حسب الأحوال من طرف رئيس الهيئة؛ وكاتب الضبط أو من طرف القاضي المقرر أو المكلف بالقضية؛ وكاتب الضبط ويوضع هذا المحضر رهن إشارة الأطراف في كتابة الضبط ويجب أن يتضمن هذا المحضر كل ما عاينه القاضي وما قام به من عمليات مع الإشارة فيه إلى أقوال الأطراف وملاحظاتهم.
– الأبحاث:
يمكن للمحكمة أن تأمر إما تلقائيا؛ أو بناء على طلب الأطراف بإجراء بحث بشأن موضوع النزاع المعروض عليها؛ وقد حدد الفصل 71 من ق.م.م. الشروط الواجب توافرها للأمر بإجراء البحث وهي:
– أن تكون الوقائع المراد إثباتها مفيدة في تحقيق الدعوى.
– أن يسمح القانون بإثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود؛ كإثبات وقائع مادية؛ أو تصرفات قانونية قيمتها 250 درهما؛ في جميع المواد التجارية باستثناء الحالات التي ينص القانون فيها على خلاف ذلك .
ويأمر بالبحث بمقتضى حكم تمهيدي؛ يبين فيه الوقائع التي سيجرى البحث بشأنها؛ وكذلك يوم؛ وساعة؛ إجراء البحث؛ ويشير فيه إلى استدعاء الأطراف للحضور وتقديم شهودهم.
ويستمع إلى الشهود؛ على انفراد سواء بمحضر الأطراف؛ أو في غيابهم؛ ويصرح كل شاهد قبل سماع شهادته؛ باسمه العائلي؛ والشخصي؛ وحرفته؛ وسنه؛ وموطنه؛ وإذا كانت تربطه علاقة قرابة؛ أو مصاهرة؛ مع أحد الأطراف؛ وإذا كان خادما؛ وإذا كان خادما؛ أو عاملا عنده.
ويقسم الشاهد تحت طائلة البطلان؛ على قول الحقيقة؛ لولا تقبل شهادة الأشخاص الذين نص القانون؛ أو أمر قضائي؛ بأنهم عديمو الأهلية لتأدية الشهادة في كل الإجراءات وأمام القضاء.
ويحرر كاتب الضبط في المحضر؛ شهادة الشهود؛ ويسجل تصريحاتهم؛ حسب سماعه لها ويوقع هذا المحضر القاضي؛ وكاتب الضبط؛ وكل شاهد على مضمن شهادته؛ ويمكن للأطراف ومحاميهم الاطلاع على هذا المحضر.
– اليمين:
إجراء من إجراءات التحقيق التي تنظمها الفصول من 85 إلى 88 من ق.م.م وهي نوعان:
– يمين حاسمة
– يمين متممة
اليمين الحاسمة:
هي اليمين التي يوجهها الخصم إلى خصمه لإثبات الادعاء موضوع النزاع؛ وذلك لحسم هذا النزاع نهائيا.
واليمين الحاسمة لا يمكن للقاضي أن يوجهها عن تلقاء نفسه؛ بل يتعين تقديم طلب توجيهها من طرف أحد الخصوم؛ وموضوع اليمين يتعلق بالوقائع القانونية؛ ويشترط أن تكون هذه الوقائع متعلقة بالدعوى ومحل نزاع؛ وأن يجيز القانون قبولها؛ وأن يجيز القانون قبولها؛ وأن يجوز التصرف فيها.
وصيغة اليمين ومضمونها يحددها الخصم الذي يطلب تقديم هذه اليمين؛ ويجب أن تسبق صيغة اليمين العبارة الآتية: “أقسم بالله العظيم” ويمكن طلب توجيه اليمين في سائر أطوار المسطرة؛ ولو لأول مرة أما محكمة الاستئناف.
ويحدد القاضي يوم وساعة؛ أداء اليمين؛ وتؤدي اليمين في الجلسة؛ غير أنه يمكن للقاضي بمساعدة كاتب الضبط؛ أن ينتقل إلى مكان تواجد الخصم الذي وجهت إليه اليمين الحاسمة؛ إذا ما علق هذا الخصم مانع مشروع يمنعه من الحضور بالجلسة.
وإذا كان الطرف الذي وجهت إليه اليمين؛ أو ردت؛ يسكن في مكان بعيد أمكن للمحكمة أو تأمر بأن نؤدي اليمين أمام المحكمة الابتدائية لمحل موطنه، على أن تسجل له تأديته لهذه اليمين.
ويحرر كاتب الضبط محضر أداء اليمين؛ ويشير فيه إلى حضور الأطراف؛ أو تغيبهم؛ وأداء اليمين أو ردها؛ أو النكول عن أدائها؛ ويوقع المحضر من طرف القاضي المختص؛ وكاتب الضبط.
اليمين المتممة:
هي اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه؛ لأحد أطراف النزاع؛ ليكمل بها اقتناعه؛ إذا كانت الحجة الدليل الذي قدمه الخصم الموجهة له اليمين غير كاف لإثبات ادعاءه.
واليمين المتممة هي وسيلة لتكملة الدليل الناقص؛ للقاضي وحده حق توجيهها.
ويشترط لتوجيه اليمين المتممة:
1. أن يكون هناك بداية حجة.
2. ألا تكون في الدعوة حجة كاملة.
وتخضع اليمين المتممة لنفس إجراءات اليمين الحاسمة من حيث طريقة أداءها.
تحقيق الخطوط والزور الفرعي:
تحقيق الخطوط إجراء من إجراءات التحقيق؛ نظمه القانون لإثبات صحة المحررات العرفية التي يتم إنكارها من طرف الخصم.
يشترط لإقامة دعوة تحقيق الخطوط الفرعية؛ أن يتم إنكار ورقة عرفية؛ وأن يكون الإنكار صريحا؛ وأن يتوقف على هذه الورقة الفصل في النزاع.
ودعوى تحقيق الخطوط خاصة بالأوراق العرفية؛ ولا تتعلق بالأوراق الرسمية.
والمستندات التي يمكن قبولها للمقارنة هي بصفة خاصة:
– التوقيعات على سندات رسمية
– الكتابة أو التوقيعات التي سبق الإقرار بها
– القسم من السند الذي لم ينكر من المستند موضوع التحقيق
الزور الفرعي
الزور هو تغيير الحقيقة في محرر.
ودعوى الزور الفرعي هي دعوى عارضة؛ أثناء سريان دعوى أصلية؛ عندما يدلي أحد الخصوم بمحرر؛ عرفي؛ أو رسمي؛ لإثبات ادعاءاته فيقوم الخصم الآخر بالطعن فيه بالزور.
وإذا رفعت أمام المحكمة الزجرية دعوى أصلية؛ بالزور مستقلة عن دعوى الزور الفرعي؛ فإن المحكمة المدنية توقف البث في القضية على أن يصدر حكم نهائي من المحكمة الزجرية.
الفرق بين دعوى الزور وتحقيق الخطوط:
إن كان الهدف من إقامة دعوى الزور؛ وتحقيق الخطوط هو إثبات صحة؛ أو عدم صحة؛ السند المدلي به؛ فإن هناك بعض الاختلاف في الإجراءات المتعلقة بهما.
1. تحقيق الخطوط يتعلق بالمحررات العرفية؛ دون الرسمية؛ بخلاف دعوى الزور ترد على المحررات العرفية؛ والرسمية.
2. عبء الإثبات عند انكار الخط؛ أو التوقيع؛ الوارد على الورقة العرفية؛ لا يقع على المنكر؛ وإنما على المتمسك بهذه الورقة أن يثبت أنها صادرة عن خصمه المنكر؛ في حين أن عبء الإثبات في الادعاء بالزور في الورقة العرفية أو الرسمية؛ يقع على عاتق من يدعي عدم صحة هذه الورقة لا على الطرف الذي يتمسك بها.
3. إذا ثبت من تحقيق الخطوط أن السند المحرر موقع ممن أنكره يمكن الحكم عليه بغرامة مالية من 100 إلى 300 درهم دون المساس بالتعويضات والمصاريف؛ في حين إذا رفض طلب مدعي الزور؛ يحكم عليه بغرامة تتراوح ما بين 500 و 1500 درهم دون المساس بالتعويضات والمتابعات الجنائية.
الأحكام:
الحكم هو القرار الصادر عن محكمة مختصة طبقا للقانون؛ في نزاع عرض عليها؛ وفق الشكليات المحددة في قانون المسطرة المدنية وفي إطار القوانين المتعلقة بموضوع النزاع.
والقاضي عند إصداره لأي حكم؛ يكون ملزما باختيار القاعدة القانونية الواجب تطبيقها؛ على النزاع المعروض عليه؛ ومقيدا بوسائل الإثبات المحددة قانونا حتى يتمكن من إظهار الحقوق وتحديد الواجبات بصورة واضحة وجلية.
ويشترط لصحة الحكم:
1- أن يكون صادرا عن المحكمة بما لها من سلطة قضائية؛ ومشكلة تشكيلا صحيحا.
2- أن يصدر بناء على خصومة أو نزاع رفعت عنه قضية بين خصمين.
3- أن يصدر الحكم وفقا لقواعد المسطرة المدنية.
4- أن يكون الحكم مكتوبا وفق الشكل المقرر قانونا.
واستثناء من القاعدة التي تنص على أن الأحكام هي القرارات الصادرة عن المحاكم بما لها من سلطة قضائية؛ فإن حكم المحكمين يعتبر حكما بكل معنى الكلمة رغم صدوره عن أشخاص ليس لهم في الأصل ولاية القضاء. ذلك أن المشرع أقر نظام التحكيم احتراما لإرادة الأطراف؛ شريطة احترام هذه الإرادة للنصوص القانونية التي تنظم مسطرة التحكيم.
وتنقسم الأحكام من حيث صدورها إلى أحكام حضرية؛ وأحكام غيابية.
ومن حيث قابليتها للطعن فيها أحكام ابتدائية – أحكام انتهائية – أحكام حائزة لقوة الشيء المحكوم به؛ أحكام باتة.
ـ الأحكام الابتدائية: هي الأحكام التي تصدر عن المحاكم الابتدائية وتكون قابلة للطعن فيها بالاستئناف.
ـ الأحكام الانتهائية: هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بالاستئناف سواء كانت صادرة عن محاكم الدرجة الأولى في حدود نصابها الانتهائي أم كانت صادرة عن محاكم الدرجة الثانية.
ويعتبر الحكم انتهائيا ما دام الطعن فيه بالاستئناف غير جائز ولو كان غيابيا قابلا للطعن فيه عن طريق التعرض.
ـ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم به: هي الأحكام التي لا تقبل الطعن بطرق الطعن العادية؛ وهي إعادة التعرض؛ والاستئناف وإنما تقبل الطعن بطرق الغير العادية وهي إعادة النظر؛ تعرض الغير الخارج عن الخصومة – النقض.
ـ الأحكام البابة:
وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن سواء عادية أو غير عادية.
– من حيث قابليتها للطعن المباشر إلى أحكام قطعية وأحكام غير قطعية.
ـ الحكم القطعي:
هو الذي يفصل في موضوع النزاع ولو كان غيابيا قابلا للتعرض أو ابتدائيا قابلا للاستئناف.
ـ الحكم غير القطعي:
فهو الذي لا يفصل في موضوع الخصومة وإنما يتعلق بسير الدعوى؛ ويتضمن اتخاذ إجراءات معينة؛ تساعد على الفصل في موضوع النزاع ومن الأمثلة على ذلك الحكم القاضي بضم دعوتين لبعضهما للارتباط؛ أو لاتخاذ الموضوع؛ والحكم القاضي بإجراء خبرة؛ أو المعاينة أو أي إجراء من إجراءات التحقيق.
————————-
منقول