وجهة نظر بشأن قرار المحكمة الدستورية رقـم 89/19 حول مطابقة القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للدستور
وجهة نظر بشأن قرار المحكمة الدستورية رقـم 89/19 حول مطابقة القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للدستور
بتاريخ 14 يونيو 2019
تقديم:
يندرج قرار المحكمة الدستورية رقـم 89/19 بشأن مطابقة القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي[1] للدستور في إطار تطبيق الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور[2] الذي ينص على إحالة القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور، من قبل الملك، أو من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين.[3]
وفي هذا الإطار تمت إحالة القانون من قبل رئيس الحكومة، إلى المحكمة الدستورية بتاريخ في 16 يناير 2019، للبت في مطابقته للدستور.
ويدخل القانون رقم 38.15 يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة في إطار استكمال الترسانة القانونية لتنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة، ويهدف إلى ضبط العلاقة بين السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والوزارة المكلفة بالعدل داخل المحاكم، وتحديد اختصاصات الوزارة في مجال تدبير الإدارة القضائية.
ويتكون القانون المشار إليه أعلاه، من 120 مادة موزعة على أربعة أقسام، يتضمنالقسم الأول يتعلق بمبادئ وقواعد التنظيم القضائي وحقوق المتقاضين (المواد 1- 43)، القسم الثاني يتعلق بتأليف المحاكم وتنظيمها واختصاصها (المواد 44- 99)، القسم الثالث يتعلق بالتفتيش والإشراف القضائي على المحاكم (المواد 100- 115)، القسم الرابيتعلق بأحكام انتقالية ومختلفة (المواد 116- 120)
وتضمن قرار المحكمة الدستورية رقـم 89/19 أعلاه، ما يلي:
أولا: مراقبة المحكمة الدستورية لإحالة القانون رقم 38.15 من الناحية الشكلية
جاء في قرار المحكمة الدستورية المذكور أن مراقبة الدستورية تنصرف إلى مراقبة الإحالة شكلا وموضوعا، مع ما يستتبع ذلك من وجوب التحقق، أولا، من مدى احترام القانون، موضوع الإحالة، للأحكام الدستورية المتعلقة بالتداول فيه بمجلس الحكومة، وبإيداعه بالأسبقية لدى مكتب المجلس المعني، والتداول فيه بين مجلسي البرلمان ومناقشته وتعديله ومِسطرة التصويت عليه، وكل ذلك قبل البت في جوهره.
1- مدى احترام القانون، موضوع الإحالة، للأحكام الدستورية المتعلقة بالتداول فيه بمجلس الحكومة وبإيداعه بالأسبقية لدى مكتب المجلس المعني:
اعتبرت المحكمة الدستورية أن القانون المُحال عليها، تَداول فيه مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 18 فبراير 2016، طبقا للفصل 92 من الدستور، وأُودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بتاريخ 3 مارس 2016، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور.
2- التداول فيه بين مجلسي البرلمان ومناقشته وتعديله ومِسطرة التصويت عليه:
وافق مجلس النواب عليه على القانون موضوع الإحالة ، بعد تعديله، في جلسته العامة المنعقدة في 7 يونيو 2016، وأحيل إلى مجلس المستشارين للتداول فيه، ووافق عليه، بعد إدخال تعديلات على الصيغة المحالة عليه، في جلسته العامة المنعقدة في 24 يوليو 2018، الأمر الذي تَطلب إحالته، للقراءة الثانية، إلى مجلس النواب الذي صوت عليه نهائيا في جلسته المنعقدة في 18 ديسمبر 2018.
بخصوص التعديلات التي أُدخلت على المواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107، من قبل مجلس النواب، في إطار القراءة الثانية، اعتبرت المحكمة الدستورية أن تلك التعديلات غَيرت من صيغة النص كما وافق عليه مجلس المستشارين، وأن هذه تلك التعديلات لم تُرجع صيغة المواد إلى ما كانت عليه في الصيغة التي وافق عليها مجلس النواب في قراءته الأولى وأحالها إلى مجلس المستشارين؛ وأن مجلس المستشارين لم تُحل عليه الصيغة الجديدة للنص، بعد إعمال القراءة الثانية لمجلس النواب، قصد مناقشتها ثُم التصويت عليها؛ وقد خلصت المحكمة الدستورية إلى أن عدم إحالة النص من جديد على مجلس المستشارين ينافي قواعد التداول بين مجلسي البرلمان ويكون، تبعا لذلك، غير مطابق للفصل 84 من الدستور.
ثانيا: مراقبة المحكمة الدستورية للقانون رقم 38.15 من الناحية الموضوعية
1- بتت المحكمة الدستورية في المواد المثارة في “مذكرة رئيس الحكومة بشأن الإحالة”، وهي المواد 7 (الفقرة الأولى) و19 (الفقرتين الأولى والثانية) و23 (الفقرتين الثالثة والرابعة)، والمواد 27 (الفقرة الأولى) و28 (الفقرة الأولى) و93 والمواد من 102 إلى 109. وقضت بأن المادة 19 (الفقرة الأولى) في عدم مراعاتها لطبيعة عمل النيابة العامة في تنظيم كتابة الضبط في هيئة واحدة، والمادة 23 (الفقرة الثالثة) فيما نصت عليه من تخويل الكاتب العام أداء مهام كتابة الضبط، والمواد 27 (الفقرة الأولى) و28 (الفقرة الأولى) و93، فيما خولته من صلاحيات تقريرية للكاتب العام في أشغال مكتب المحكمة المتعلقة بالشأن القضائي، غير مطابقة للدستور؛ وبأن المواد من 102 إلى 109 تكتسي طابعا تنظيميا، وأن مضمونها ليس فيه ما يخالف الدستور مع مراعاة التفسيرات المقدمة بشأنها، وبأن باقي مواد القانون ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة التفسيرات المقدمة بشأن المواد 7 (الفقرة الأولى) و19 (الفقرة الثانية) و23 (الفقرة الرابعة)، وكذا المواد المرتبطة بها، منه؛
2- بتت المحكمة الدستورية في المواد المثارة تلقائيا من قبل المحكمة الدستورية، في شأن المواد 27 (الفقرة الثانية) و28 (الفقرة الثانية) و60 و78، في شأن المواد 32 (الفقرة الأخيرة) و35 و96 (الفقرة الرابعة)، في شأن المادتين 49 (الفقرة الأخيرة) و72 (الفقرة الأخيرة)، في شأن المادة 52.
وقضت بأن المواد 27 (الفقرة الثانية) و28 (الفقرة الثانية) و60 و78، فيما نصت عليه من تعيين وكيل الملك والوكيل العام للملك ممثلين لهم للقيام بمهام النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، والمواد 32 (الفقرة الأخيرة) و35 و96 (الفقرة الثالثة) فيما أغفلته على التوالي من تحديد المسطرة المتبعة في حالة عدم تمكن الجمعية العامة من عقد اجتماعها بسبب عدم حضور ثلث الأعضاء، وحالة عدم مصادقة الجمعية العامة خلال اجتماعها الثاني على مشروع برنامج عمل المحكمة، والمادتين 49 (الفقرة الأخيرة) و72 (الفقرة الأخيرة) فيما أسندتاه من صلاحية للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتعيين قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، والقضاة المكلفين بالتوثيق، والقضاة المكلفين بشؤون القاصرين، والقضاة المكلفين بالتحقيق، وقضاة الأحداث، وقضاة تطبيق العقوبات، بالنسبة للمحاكم الابتدائية، والمستشارون المكلفين بالأحداث والقضاة المكلفين بالتحقيق لدى محاكم الاستئناف، والمادة 52 فيما أوكلته من مهام قضائية لمكتب المساعدة الاجتماعية، غير مطابقة للدستور.
وبعد الاطلاع على فحوى قرار المحكمة الدستورية بشأن القانون رقم38.15، نستعرض قراءة متواضعة للقرار المذكور من الناحيتين الشكلية والموضوعية، لنخلص بعد ذلك إلى جملة من الاستنتاجات والخلاصات تروم الإسهام في تطوير العمل التشريعي ببلادنا.
وفي هذا الإطار سوف نناقش موقف المحكمة الدستورية من مسطرة تداول مجلسي البرلمان بشأن القانون رقم 38.15 (المحور الأول) وموقفها من وحدة كتابة الضبط، وأداء الكاتب العام للمحكمة لمهام كتابة الضبط ومهامه داخل مكتب المحكمة (المحور الثاني)، وكذا موقف المحكمة الدستورية من النيابة العامة بالمحاكم التجارية، ومن الجمعية العامة بالمحاكم ومن مكتب المساعدة الاجتماعية بها (المحور الثالث).