محاضرات:تاريخ الفكر السياسي


_ الفكر السياسي هو كل ما يصدر عن العقل الإنساني من أفكار وآراء ونظريات ووجهات نظر تتعلق بعالم السياسة وظواهره وقضاياه.

_ الفكر السياسي نوعان :

1_ فكر سياسي عشوائي : أي لا يلتزم صاحبه بصدده أي منهج من مناهج المعرفة (فلسفي أو اختباري أو علمي …إلخ). مثال للفكر السياسي العشوائي مقولات الفلاح الفصيح في الفكر الفرعوني

2_ فكر سياسي منهجي (أي منظم): وهو الذي يلتزم صاحبه بصدده منهجا من مناهج المعرفة، سواء أكان منهجا علميا، أم فلسفيا، أم اختباريا أم قانونيا إلخ.

وسوف تقتصر دراستنا على الفكر السياسي المنهجي بدءا بالفكر السياسي اليوناني.

الفكر السياسي اليوناني

إن أي فكر إنساني بما في ذلك الفكر السياسي هو نتاج طبيعي لبيئته ، بمعنى أن بيئة المفكر (زمانا ومكانا وثقافة ) لها تأثير حتمي على فكره ، لذلك لابد لنا قبل التطرق إلي دراسة الفكر اليوناني أن نعرف بإيجاز بالبيئة التي أفرزت ذلك الفكر.

بيئة الفكر اليوناني (الإغريقي)

كانت بلاد اليونان القديمة (أي بلاد الإغريق) مقسمة إلي مدن حرة تمثل كل منها دولة مستقلة ، حيث كانت الوحدة السياسية القائمة وقتذاك تعرف بدولة-المدينة ومن أمثلة هذه الدول كل من أثينا ومقدونيا و إستجيرو و أرجوس وغيرها. كما كانت هذه الدول تتبادل البعثات الدبلوماسية كدول مستقلة تماما كما كان أبناء كل مدينة يعاملون في المدن الأخرى كأجانب . و كانت كل دولة عبارة عن مدينة رئيسية (هي العاصمة والتي تستمد دولة المدينة اسمها منها فيقال دولة أثينا ودولة مقدونيا وهكذا) ، وميناء ، ومنطقة زراعية.

أما البناء الاجتماعي (أو الطبقي) للمدينة فكانت كل مدينة تتكون من ثلاث طبقات هي:

(1) المواطنون : وكان يشترط في المواطن شرطان : الأول أن يولد لأبوين ينتميان إلي المدينة (أي يحملان جنسية المدينة)، والثاني أن يبلغ سن الثامنة عشرة (أو العشرين في بعض المدن). وتتمتع طبقة المواطنين دون غيرها بالحق في ممارسة كافة الحقوق المدنية والسياسية.

(2) الأجانب : وهم كل من يعيش في المدينة بصفة دائمة أو مؤقتة من الأحرار و لا يحمل جنسيتها. (أي أبناء المدن الأخرى الموجودين بالمدينة). ولم تكن لهذه الفئة أية حقوق سياسية بطبيعة الحال.

(3) الأرقاء : أو العبيد وكانوا يمثلون الفئة الأضخم عددا والقائمة على العملية الإنتاجية فكان منهم الأطباء والمدرسون والموسيقيون وخدم المنازل والحرفيون إلخ ، وبرغم ذلك لم يكونوا من الأحرار كما لم تكن لهم أية حقوق سياسية ولا مدنية . وهذا يشكك في مقولة أن اليونان القديمة كانت تطبق الديمقراطية المباشرة (حكم الشعب) ، إذ أن الحقوق السياسية كانت قاصرة على فئة المواطنين دون غيرهم.

تجدر الإشارة إلي أن كثيرا من اللفظات (المصطلحات) السياسية التي نستخدمها حتى يومنا هذا هي لفظات ذات أصل يوناني مثل لفظة ديموقراطية التي تنقسم إلي ديمو أي الشعب و قراطي بمعنى حكم وبالتالي فالديموقراطية تعني حكم الشعب. أو كما يقولون حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه.

و أما عن البناء السياسي للمدينة فهذا موضوع المحاضرة القادمة إن شاء الله.
بيئة الفكر السياسي اليوناني :

البناء السياسي لدولة المدينة الإغريقية :

تألف البناء السياسي للمدينة الإغريقية من ثلاثة عناصر هي :

(1) الجمعية :
وكانت تضم جميع المواطنين ، تعقد جلساتها بالساحة الكبرى في المدينة ، وكان لها دور في كل ما يتعلق بالوظائف التشريعية والتنفيذية ، كما كان لها دور رقابي على مجلس الخمسمائة.
(2) مجلس الخمسمائة :
وكان يضم خمسمائة عضو تنتخبهم الجمعية من بين مواطني القبائل المختلفة في المدينة البالغين ثلاثين عاما فما فوقها (على سبيل المثال كان مجلس الخمسمائة بأثينا يتكون من خلال انتخاب خمسين عضوا من كل قبيلة من قبائل أثينا العشر) ، وكان هذا المجلس هو القائم فعليا على الوظيفتين التشريعية والتنفيذية (أي كان الحاكم الفعلي للمدينة).
(3) المحاكم :
وهي بمثابة الجهاز القضائي للمدينة وكانت تتألف من قرابة الستة آلاف عضو ينتخبون لمدة عام وكان لهم دور رقابي على مجلس الخمسمائة.

وهكذا نكون قد انتهينا من التعريف ببيئة الفكر السياسي اليوناني وفيما يلي من محاضرات نشرع في التعريف بنماذج لهذا لفكر بدءا بأفلاطون.

أفلاطون (427 :347 ق.م)

بيئته ونشأته
هو فيلسوف يوناني ولد في 427 ق . م بمدينة أثينا لأسرة أرستقراطية ، فكان بحكم مولده هذا شديد التطلع إلي الحكم ، وقد مارس محاولات عديدة في هذا الصدد باءت كلها بالفشل فصدم في الواقع ، ثم كانت صدمته الثانية عندما قامت حكومة أثينا بإعدام سقراط الذي كان يمثل بالنسبة إلى أفلاطون أستاذه ومثله الأعلى وأرجح الرجال عقلا في زمنه ، ونظرا لهذه الصدمات وغيرها راح أفلاطون ينصرف عن الواقع ويتجه بفكره إلي عالم الروح ( عالم الميتافيزيقا أو عالم ما وراء الطبيعة) ، فيقول : ” لا حقيقة في العالم المادي المحسوس (عالم الواقع) وإنما الحقيقة هي من شأن عالم الروح السابق على عالم المادة(الميتافيزيقا)” ، وقد زار أفلاطون ما يعرف الآن بمنطقة الشام حيث ازدهرت الحضارة الفينيقية في زمنه ، وانتشرت ديانة التوحيد ( اليهودية وقتذاك)، حيث تأثر أفلاطون بهذه السياسة لذلك ينقل عنه أنه قال برغم أنه إبن لحضارة وثنية “إن ثمة إلها واحدا أبدع الكون وخلق البشر وألهمهم القيم . هكذا كان لبيئته، ونشأته الأثر البالغ في منهجه، وفكره السياسي ، كما سنوضح فيما يلي :

منهجه
يعتبر أفلاطون رائد المنهج الفلسفي المثالي ، ويمثل فكره نموذجا لمنهج فلسفي مثالي (استنباطي) يبدأ عملية المعرفة من مقدمات ميتافيزيقية ، ثم يدخل عليها سلسلة من عمليات الاستنباط (أو التدليل العقلي) ، مستهدفا الكشف عما يجب أن يكون عليه المجتمع (الواقع) حتى يكون مثاليا فاضلا .

فكره السياسي
قدم أفلاطون ثلاث محاورات (كتب) في مجال الفكر السياسي ومن خلال مدرسته المعروفة بالأكاديمية ، وتتمثل هذه المحاورات في : الجمهورية ،والسياسي، والقوانين .

محاورة الجمهورية
وقدم فيها صلب فكره السياسي المعروف بنظرية المثل ولعل أهم أفكاره في هذه المحاورة فكرة المدينة الفاضلة والتي نعرض لها فيما يلي :

أسس أفلاطون مدينته الفاضلة ارتباطا بمسلمتين (فرضيتين) هما :

(أ‌) الفضيلة هي المعرفة .
(ب‌) تقسيم العمل هو أنسب السبل لنجاح الحياة الاجتماعية ( للرجل الواحد وظيفة واحدة).
وبنى المدينة هذه على منوال جسم الإنسان معتبرا أن هذا الجسم هو خلق مثالي لأن الله هو الذي خلقه ، وبالتالي فقد خلقه على فضيلة ومثالية ، والإنسان في تصور أفلاطون هو ذكاء وطاقة وأعضاء ، وبناء عليه فإن المدينة الفاضلة يجب في رأيه أن تتكون من ثلاث طبقات هي :
الفلاسفة ( وتقابل الذكاء في جسم الإنسان) 
المحاربون ( وتقابل الطاقة في جسم الإنسان) 
الحرفيون ( وتقابل الأعضاء في جسم الإنسان) .

ثم يقسم أفلاطون العمل بين الطبقات الثلاث كالتالي :
أما الحرفيون فوظيفتهم هي القيام بعملية الإنتاج لمد أفراد المدينة بما يلزم من غذاء وملبس…إلخ.
وأما المحاربون فتنحصر وظيفتهم في الدفاع عن أرض المدينة (أي الحرب) ، ولا يحق لهم التدخل في أمور السياسة والحكم ( ما نسميه اليوم الاحتراف العسكري) .
أما الفلاسفة (ونظرا لأن الفضيلة هي المعرفة) فوظيفتهم الحكم ، لأنهم هم الحكماء القادرون بعقولهم الراجحة على الوصول بسفينة المدينة إلى بر الأمان ، فيقول :

“على الفلاسفة أن يكونوا ملوكا ، وعلى الملوك أن يكونوا فلاسفة ” ، ويقول كذلك : ” لن ترى المدن (أي الدول) خيرا ما لم يصبح الفلاسفة ملوكا أو يتشبع ملوك هذه الدنيا بروح الفلسفة” ، وعلى ذلك فإن أمثل أشكال الحكومات عند أفلاطون هي “حكومة الفلاسفة” ، وهي حكومة مطلقة لا تتقيد بأي قانون ، لأن تقييد الفلاسفة بقانون يعني وضع قيود على إبداعهم وعبقريتهم وعقولهم المستنيرة ، وبالتالي الحد من قدراتهم الفذة على الحكم . فالقانون في رأي أفلاطون هو” كالرجل الأحمق الذي لا يغير رأيه مطلقا مهما كان خاطئا” .
وبالنسبة للكيانين الاقتصادي والاجتماعي للمدينة ظهر في محاورة الجمهورية ما يعرف بشيوعية أفلاطون حيث رفض أفلاطون نظام الملكية الخاصة لأنها تصرف الناس عن الاهتمام بالصالح العام فلا يهتمون إلا بممتلكاتهم . كما رفض أفلاطون نظام الأسرة لأنه سيشغل الناس بأبنائهم وزوجاتهم عن الآخرين من أبناء المدينة .

وهكذا جاءت أفكار أفلاطون في محاورة الجمهورية بعيدة عن الواقع محلقة في عالم الخيال.

محاورة السياسي
يعتبر أهم ما قدمه أفلاطون في هذه المحاورة من فكر سياسي هو قوله بأن للسياسة علم وفن ، بالإضافة إلي تعريف للسياسي ، أما علم السياسة فيعرفه بأنه : القدرة على العودة إلى عالم الروح واستلهام حقائق الحكم منه .(لاحظ أن كافة الحقائق في رأي أفلاطون هي في عالم الروح ) .
وبناء عليه فالسياسي هو القادر على العودة إلى عالم الروح واستلهام حقائق الحكم منه .
أما فن السياسة عند أفلاطون فهو : حكم الناس عن غير طريق الإكراه ، أي حكم الناس برضاهم ( لاحظ المثالية).

محاورة القوانين 
قدم أفلاطون محاورته هذه في أواخر حياته وبعد فشل محاولات عديدة لتطبيق فكره في بعض المناطق ، لذلك نجده قد تخلى عن بعض مثاليته في هذه المحاورة ، فمثلا قال بأنه يمكن أن يحكم الفلاسفة استنادا إلى قوانين ولكنه اشترط أن تضع هذه القوانين جمهرة الفلاسفة ، وبالنسبة للكيانين الاقتصادي والاجتماعي للمدينة تراجع عن الشيوعية وقال بأن الواقع يفرض ضرورة الأخذ بنظام الملكية الخاصة ، ونظام الأسرة ، وهكذا جاءت أفكار أفلاطون في محاورته الأخيرة متصالحة إلى حد ما مع الواقع الذي كان يرفضه تماما في محاورته الأولى (الجمهورية).

الفكرالسياسي اليوناني

أرسطو(أرسطوطاليس) 384 : 322 ق.م

بيئته ونشأته
ولد في إستاجيرا اليونانية عام 384 ق.م وتوفي في عام 322ق.م ، وكان أبوه طبيبا في البلاط المقدوني ، وبالتالي فقد اطلع أرسطو منذ نعومة أظفاره على كتب الطب وتأثر بمنهجها (الأمر الذي انعكس بالموضوعية على منهجه) ، كذلك فقد عاش حياته في أثينا كأجنبي وبالتالي فلم تكن له حقوق سياسية ، ولم يطمح في الحكم (وهذا أمر آخر أكد للموضوعية في منهجه) ، ثم إنه تتلمذ على يد أفلاطون وبالتالي تأثر بنظرية المثل (أكد هذا العامل للمثالية في منهج أرسطو ، وهكذا كان لهذه العوامل الثلاثة أثرها البالغ في منهج أرسطو وفكره السياسي على نحو ما سنوضح فيما يلي :

إضافة : أرسطو هو أستاذ الإسكندر الأكبر ( المقدوني )، وكان يلقب بالمعلم الأول

منهجه :
هو منهج فلسفي مثالي ولكن بمقدمات واقعية ، حيث إنه بدأ عملية المعرفة من الواقع مستهدفا الكشف عما يجب أن يكون (أي الأمثل) ولكن في ثنايا الواقع ، إذن فهو بدأ واقعيا وانتهى مثاليا ، بدأ علميا وانتهى فيلسوفا ، انسلخ عن مقدما أستاذه أفلاطون (الميتافيزيقية) ثم عاد وارتبط به في الهدف ( الكشف عن الأمثل).

تأثر بمناهج العلوم الطبيعية (الطب) في المقدمات ، وتأثر بأستاذه في الهدف (المثالية) .

وقد عبر أفلاطون عن خروج أرسطو عن الميتافيزيقا بقوله :”لقد رفسنا أرسطو كما يرفس المهر أمه “

إضافة : افتتح أرسطو مدرسة علمية عرفت بالليسيوم.

• المجتمع وأصل الدولة :
قدم أرسطو فكرة الغائية في تفسيره لأصل المجتمع ، ومؤدى هذه الفكرة :

“إن لكل مخلوق غاية وغايته تحدد طبيعته” ، وغاية الإنسان هي إشباع سائر حاجاته (مأكل ، وملبس وخلافه) ، ولكنه مخلوق ناقص لا يستطيع أن يشبع كافة حاجاته بمفرده ، وبالتالي فلابد له من التعاون مع بشر آخرين ، وبناء عليه فهو كائن اجتماعي بطبعه لا يعيش إلا في مجتمع.
ولقد كانت الأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع وقد استهدف الإنسان بها سائر الحاجات الإنسانية ، ثم إن رغبة الإنسان في تحقيق حياة أسمى دفعته إلى التجمع أكثر فتجمعت الأسر معاً لتشكل القرية ، ثم أراد الإنسان الأفضل ، فتجمعت عدة قرى ونشأت المدينة -الدولة . فالدولة أسمى من الفرد والعائلة والمدينة لأنها تمثل الكل والكل أسمى من الجزء.

الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة
رفض أرسطو شيوعية أفلاطون وقال بأن إلغاء الملكية الخاصة يقضي على الحافز لدى المتفوقين من الناس فالناس عادة لا يهتمون إلا بما يملكون ، كذلك فإن أرسطو (المتزوج والأب) رفض فكرة أفلاطون القائلة بإلغاء نظام الأسرة .
كذلك فقد طالب أرسطو بتحقيق العدل الاجتماعي بهدف تلافي المنازعات الداخلية.

وبالنسبة للطبقات قال بأن طبقة المواطنين هي التي تمتاز بالتشريف السياسي وهى القادرة على الحكم .
أما الطبقات العاملة والحرفية فهي غير مؤهلة للاشتراك في الحكم حيث إن الطبيعة قد أهلتها فقط لتلقي الأوامر.

وظائف الدولة
يتمثل هدف الدولة الرئيسي في ترقية مواطنيها وبالتالي فواجبها الأساسي هو التعليم الذي من شأنه تحويل الأفراد إلى مواطنين صالحين من خلال رفع مستواهم الثقافي والخلقي وتعليمهم العادات الحسنة .

تصنيفه للحكومات
_ ميز بين الدولة ( جموع المواطنين ) والحكومة ( من يتولون إصدار الأوامر )
_ الدستور هو المنظم لجميع الوظائف بالدولة وخصوصا السياسية.
_ قسم السلطات إلى ثلاث سلطات رئيسية ( تشريعية وتنفيذية وقضائية )،كما

نادى بفصل السلطات
أنواع الحكومات
(تصنيف الحكومات عند أرسطو)

استند أرسطو في تصنيفه للحكومات إلي معيارين أحدهما كمي والآخر كيفي :
حسب المعيار الكمي قسم الحكومات إلي حكومات فرد وحكومات قلة وحكومات كثرة ،ثم وضع ثلاثة معايير كيفية للحكم على الحكومات من حيث صلاحها وهي :

الالتزام بالقانون وتحقيق العدالة واستهداف الصالح العام ، وطبقا لهذه المعايير صنف الحكومات ، فبالنسبة لحكومة الفرد إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف بالملكية ، أما إذا لم تلتزم بالقوانين ، وشاع الظلم في ظل حكمها ، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بحكومة الطغيان (أو الاستبداد).
وبالنسبة لحكومات القلة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف بالأرستقراطية ، أما إذا لم تلتزم بالقوانين ، وشاع الظلم في ظل حكمها ، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بحكومة الأوليجارشية .
وأما حكومات الكثرة إذا التزمت بالقوانين وحققت العدالة ، واستهدفت الصالح العام تكون حكومة صالحة وتعرف بالديمقراطية (أو الجمهورية)، أما إذا لم تلتزم بالقوانين ، وشاع الظلم في ظل حكمها ، واستهدفت مصالح شخصية تكون حكومة فاسدة وتعرف بالديماجوجية (الغوغائية أو الفوضوية). 

أمثل أشكال الحكومات
أمثل أشكال الحكومات عند أرسطو هي الحكومة الدستورية القائمة على سيادة القانون فهي أفضل من الحكومة المطلقة حتى لو كانت مستنيرة يقوم عليها الفلاسفة.
سلطة الحاكم الدستوري تخلق علاقة بين الحاكم و المحكوم أسمى من علاقة السيد والعبد.
نادى باشتراك جميع المواطنين في إصدار القوانين لأن الحكمة الجماعية للشعب أفضل من حكمة أعقل وأفضل المشرعين.
يرى أن القانون يتسم بالموضوعية لأنه العقل المجرد عن الهوى.

مزايا الحكومة الدستورية
تتميز الحكومة الدستورية بالتالي:

أ) استهداف الصالح العام وليس صالحاً فئوياً.
ب) قامت لهدف أخلاقي وهو الارتقاء بمواطنيها.
ج) تعبير عن شركاء يسعون معاً إلى حياة أفضل.
د) تعتمد على القانون (المستمد من عادات وأعراف الجماعة) لا على أوامر تحكمية .
هـ) تحفظ كرامة الأفراد وتستند إلى قناعتهم لا إجبارهم.

خصائص الفكر السياسي اليوناني
1) اعتمد على نظرية المعرفة والفضيلة و الأخلاقية في الحضارة اليونانية.
2) غاية هذا الفكر الوحيدة هي بناء المدينة الفاضلة التي تحقق السعادة للمواطنين.
3) مال الفكر اليوناني في معظم الأحيان إلى الخيال وقيم عالم الروح والابتعاد عن الواقع ودار حول ما يجب أن يكون لا ما هو كائن وبالتالي كان بعيدا عن الواقع.

الفكر السياسي الروماني

ظهرت روما كدولة مدينة لها حكومة ملكية ومجلس شيوخ (مجلس الطبقة الأرستقراطية) وجمعية عامة(كانت تمثل عامة الشعب) قبل الميلاد بقرون عديدة ، وبحلول عام500 قبل الميلاد قامت الجمهورية وانتهى عصر الملكية الأرستقراطية ،وتوسعت روما وأقامت إمبراطورية تقوم على الحكم الديكتاتوري ،وظهر قانون الشعوب الذي أعطى سكان الولايات صفة المواطن .

نماذج للفكر السياسي الروماني
تتعين الإشارة بداية إلى أن الرومان قد برعوا أكثر ما برعوا في صناعة القوانين (القانون الروماني) ، أما على صعيد الفكر السياسي فيمكن القول أنهم استمدوا أفكارهم من المفكرين اليونان وخصوصا أفلاطون وأرسطو ، وبالتالي فالفكر الروماني في مجمله لم يكن فكرا سياسيا أصيلا.

1- المدرسة الرواقية :
أنشأها زينون عام 300 ق.م وكان أهم أفكارها ما يلي :
_ إعلاء شأن العقل
ـ نادت بالدولة العالمية
ـ دعت إلي فكرة المواطن العالمي
ـ دعت إلى المساواة بين البشر وخصوصاً الرجل و المرأة
ـ أكدت على صيانة الأسرة والحفاظ عليها.

2- سيشرون (106 :43 ق.م )
ـ عاصر صراعات بين النبلاء ( مجلس الشيوخ ) والعامة ( الجمعيات العامة ) أي بين الجمهورية والأرستقراطية
ـ تأثر كثيراً بأفلاطون ودرس في بلاد اليونان
ـ أكد على قيمة العقل .

الدولة والحكومة :
قال بأن الدولة كالمؤسسة المساهمة لجميع مواطنيها حيث نشأت كتعبير عن غريزة البشر بهدف تحقيق مصالحهم المشتركة والحكم العادل , وأما الحكومة فتنوب عن الشعب في القيام بنشاطاته العامة(عملية الحكم).

أفضل أشكال الحكومات:
ـ طالب بنظام حكم مختلط يجمع بين مزايا كل من الملكية و الأرستقراطية والديمقراطية ، وضرورة التعديل الدوري للدستور (القوانين) استجابة لتجدد ظروف الحياة .

– فكرة القانون الطبيعي :
قال إن هناك قانوناَ طبيعياً عاماً يحكم العالم من صنع الحكمة الإلهية، وهو قائم على الحكمة والتفكير السليم وصالح لكل زمان ومكان ولا يجوز مخالفته بقوانين بشرية، وأن الخالق يحافظ على هذا القانون الذي لا يحتاج إلى مفسرين ، كما نادى بالمساواة بين البشر.

3- سينكا : 
ولد 4 ق.م وقد عاصر انهيارا وفسادا اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا شهدته الإمبراطورية الرومانية ، وسيطرت الروح التشاؤمية على أفكاره.

– نظرته للدولة والسياسة : 
دعا إلى الابتعاد عن شئون الدنيا والسياسة واللجوء إلى التأملات الروحية بعيداً عن شرور الجسد وآثامه ، وأكد أن الرجل الحكيم هو الذي يؤدي خدمات للإنسانية جمعاء حتى ولو لم يكن يمتلك سلطة سياسية 
– مجد عصر ما قبل الحضارة ورفض تمجيد الدولة .

الحكومة المثالية
يرى سينكا أن الحكومة الأفضل ربما تكون الحكم المطلق لأن حكم الجماهير يتصف بالفساد والشرور والفوضى ، حيث إن السياسة تفسد الإنسان الصالح .

أهم خصائص الفكر الروماني:
تميز الفكر الروماني بخاصتين رئيسيتين هما :

أ‌) الاهتمام بفكرة القانون وصياغته .
ب‌) الاهتمام بالجوانب التنظيمية والواقعية للسلطة وممارسة الحكم.
الفكر السياسي الإسلامي

السياسة في الفكر الإسلامي:
هي من التدبير ، وهى تعني القيام على أمر المجتمع بما يصلحه.
_الإسلام دين ودولة 
أن أنه ينطوي على جانب أيديولوجي ، بمعنى منظومة فكرية تستهدف تنظيم المجتمع في شتى قطاعاته السياسية ، والاقتصادية،والاجتماعية ، والثقافية …إلخ 
ـ والإسلام عقيدة وشريعة
حيث ينطوي على مجموعة من القوانين الملزمة للكافة من حاكمين ومحكومين ، وبناء عليه ففكرة العلمانية (بمعنى فصل الدين عن الدولة) لا تستقيم مع الإسلام.
ـ أما على صعيد النظام السياسي
فقد قدم الإسلام مبادئ عامة للسياسة وأصول الحكم صالحة لكل زمان ومكان بعيداً عن آليات الممارسة (حيث الآليات تتغير بتغير الزمان والمكان).

ويقوم نظام الحكم في المنظور الإسلامي على عديد من المبادئ أظهرها :
(1)السيادة أو الحاكمية لله ، بمعنى أن الشريعة الإسلامية هي مرجعية السلطة ، والدستور الإسلامي يتمثل في القرآن والسنة. يقول تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
إذن فالمصادر الرئيسية للتشريع الإسلامي هي القرآن والسنة ‘ كما أن هناك مصادر ثانوية مثل الإجماع – الاجتهاد – القياس – نهج الصحابة الأوائل رضي الله عنهم.
والحاكمية لله ترتبط بكون الناس عباد الله ‘ وهي عبادة قسرية لأنه سبحانه هو خالقنا ، وإرادية من حيث انقيادنا لشرائعه طلبا للسعادة في الدنيا والآخرة.
(2) العدالة : هي ركن ركين في الإسلام وتعني إعطاء كل ذي حق حقه وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين ، والعدالة هي من الشروط التي يتعين أن تتوافر في من يتولى أمر الأمة (الحاكم أو الإمام)
يقول تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
(3)الشورى : وتعني تقليب الآراء ووجهات النظر المطروحة واختبارها من أصحاب العقول والأفهام بهدف اختيار أصوبها وأحسنها لصالح الفرد والمجتمع. والشورى واجبة حيث يقول تعالى ( وشاورهم في الأمر ) وكذلك (وأمرهم شورى بينهم) 
ويلاحظ أن الشورى واجبة فيما لم يرد فيه نص فقط.
(4)المساواة المطلقة بغض النظر عن اللون أو الجنس أو اللغة أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات ‘ والمساواة أيضا قيمة عليا في الإسلام (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

الخلافة :
يقصد بها خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا من خلال حمل الناس على التزام الناس الشرع في أمورهم الدنيوية.
هناك إجماع بين العلماء على وجوب الخلافة كضرورة شرعية (أكد الإسلام على وجبها) ،وحتمية اجتماعية(لأنها أداة تحقيق الاستقرار والأمن داخل المجتمع).

أما بصدد أسلوب تولى الخلافة فهناك اختلاف البعض يراها بالوصية ويحصرها في أبناء سيدنا علي مثل الشيعة، ولكن الغالبية تري أن مسألة اختيار الإمام تركت للأمة ، بحيث وقت اختيار الإمام ينقسم الناس إلى فريقين :

أهل الإمامة
(أي المرشحون لتولي منصب الإمام أو الحاكم).

وأهل الحل والعقد
(أي المنوط بهم اختيار الإمام من بين المرشحين)

وقد اشترط الفقهاء في كلا الفريقين شروطا أهمها العلم والعدل والكفاية والحكمة ، كما اشترطوا في الإمام شروطا أخرى مثل سلامة الأعضاء ، اختلاف بين الفقهاء حول اشتراط القرشية في الإمام.
وسلطات الخليفة سلطات شمولية تشمل كل قطاعات الحياة .

العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
على الحاكم واجبات أهمها : 
الالتزام في حكمه بشرع الله ، والشورى.

وفي المقابل على المحكوم واجبات أهمها طاعة الحكم ونصرته ، فالأصل في الإسلام هو طاعة الحاكم ، حيث يقول تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ، ولكن الطاعة مرهونة بالتزام الحاكم بشرع الله وإلا فلا طاعة ولا نصرة (حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وتجب مقاومة الحاكم الجائر).

كما أن على كل من الحاكم والمحكوم واجب التعاون لإعلاء شريعة الله.

تابع الفكر السياسي الإسلامي

ابن خلدون(1332: 1405)

ولد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي في تونس عام 1332، وتوفي بالقاهرة عام 1406 ميلادية، وقد زار معظم الدول العربية ، و من أهم كتبه المقدمة
– عاصر حالة تخلف سياسي وحضاري في العالم العربي والإسلامي تميزت بالدسائس والمؤامرات بين ملوك الدويلات الإسلامية.

منهجه :
يعتبر ابن خلدون مؤسس المنهج العلمي التجريبي ، حيث اهتم بوصف الأحوال الاجتماعية والسياسية كما هي قائمة ولم يهتم بالدولة المثالية وقد تميز منهجه بما يلي:

(1) الاعتماد على الملاحظة للظواهر بمختلف جوانبها من اقتصادية وثقافية وعقيدية 
(2) استهداف الوصول إلى قوانين وقواعد عامة لتفسير تطور الظواهر والعلاقة فيما بينها ،ومثال ذلك قوانينه الخاصة بتطور الدول وأنظمة الحكم داخلها ومسببات هذا التطور من عوامل داخلية وخارجية.

نظرته للمجتمع ونشأة الدولة :
يرى أن الإنسان اجتماعي بطبعه , لا يستطيع أن يعيش منفرداَ ولابد له من التعاون مع آخرين من أجل إشباع سائر حاجاته ،ومن هنا نشأ المجتمع . ولكي تستقيم الحياة الاجتماعية كان لابد من وجود سلطة تجمع كلمة البشر وتصلح أحوالهم حيث إن الأصل فيهم هو الأنانية والميل للعدوان،إذن فدور السلطة السياسية هو ضبط سلوك البشر وتحقيق الاستقرار في ربوع المجتمع.

مراحل تطور الدول
في تطورها تمر الدولة بمراحل خمس هي:

1- طور النصر والاستيلاء على الحكم من أيدي حكم أو دولة سابقة.
2- طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك وفيه تسود الراحة والطمأنينة .
3- طور الاستبداد أو الانفراد بالسلطة والتنكر لأهل العصبة .
4- طور القناعة والمسالمة ويكون الحاكم خلاله قانعاً بما ورثه عن سابقيه.
5- طور انقراض الدولة وزوالها نتيجة الإسراف والتبذير.

وبناء عليه فإن حركة الحضارات الإنسانية والدول هي في استمرار وتواصل من صعود وهبوط.

نظم الحكم
يقسم ابن خلون الحكومات إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:

1- الحكومة الطبيعية برئاسة حاكم مستبد ،وتقوم على حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة.
2- حكومة الملك وهي تستند إلى العصبية وتقوم على حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار)
3- الخلافة وتعني حمل الكافة على مقتضى أحكام الشرع في كل مايتصل بمصالحهم الدنيوية والأخروية ،فهي خلافة صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا ،وهي قد تختلط بالعصبية والوازع فيها ذاتي قوامه الاقتناع .
الخلافة تتم بالاختيار الذي هو فرض كفاية على أهل الحل والعقد ويشترط في الإمام العدالة والعلم والحكمة وسلامة الحواس والأعضاء وأشار إلى الاختلاف حول النسب القرشي وقال بأن الخلافة قد تنقلب إلى ملك.

أهم خصائص فكر ابن خلدون 
1- قوله بأن الظاهرة السياسية تتفاعل مع غيرها من الظواهر الاجتماعية ( وهو يعتبر مؤسس علم الاجتماع السياسي).
2- تميز منهجه بالتجريبية ويلاحظ ذلك من خلال دراسته للتاريخ ومتابعة التطورات التي تعترى الدول والشعوب.
3- أنه مزج بين المعرفة العلمية التجريبية وما يقدمه الدين من أسس لممارسة السلطة

خصائص الفكر السياسي الإسلامي:
1- ارتكازه إلى القرآن والسنة.
2- يقوم على التوفيق والاعتدال والوسطية كالتوفيق بين الدين والفلسفة 
3- التركيز على فكرة الإمامة(الإمام العادل) في التحليل السياسي دون التركيز كثيراً على دور المحكومين .
4- يعتبر العدالة هي المبدأ الأصيل لأي نظام سياسي مثالي . 

مكيافيللي (1469 : 1527 )

بيئته ونشأته
ولد نيقولا مكيافيللي بفلورنسا الإيطالية عام 1469 ، حيث كانت إيطاليا وقتذاك مقسمة إلي خمس دويلات من ضمنها فلورنسا. وقد عني مكيافيللي منذ نعومة أظفاره بقراءة التاريخ حيث كان يجيد اللغة اللاتينية . وفي ظل أجواء سياسية فاسدة عاش مكيافيللي حياته ، حيث حالة من الحرب الدائمة بين الإمارات الإيطالية تقوم عليها عصابات من المرتزقة المأجورة التي لا تدين بالولاء إلا للمال ، كما سادت الإمارات المؤامرات والدسائس ، وانتشر الفساد الأخلاقي ، بحيث أصبح الإيمان والصدق والخير مجرد وساوس صبيانية لا يؤمن بها من يرى نفسه مستنيرا من البشر ، وأصبحت القوة الحيلة والخديعة هي مفاتيح النجاح ، غير أن هذه الحقبة كانت في ذات الوقت بداية ما يعرف بعصر النهضة في أوربا حيث بدأ العقل الأوربي يدير ظهره لمملكة السماء و يعطي وجهه لمملكة الأرض فيفصل بين الدين (الكنيسة) والدولة ( فكرة العلمانية) الأمر الذي أسهم دون شك في استشراء الانهيار الأخلاقي ، كما بدأ عصر الكشوفات الجغرافية كالأمريكتين ، كما اخترعت الطباعة ‘‘ 

وقد عمل مكيافيللي في شبابه أمينا لهيئة العشرة للحرية والسلام التي تمثلت وظيفتها في الاتصال بممثلي فلورنسا الدبلوماسيين في الخارج ، وقد هيأت هذه الوظيفة له أن يزور دولا أوربية موحدة عديدة حال إسبانيا وفرنسا وإنجلترا ، وأصبح حلم حياته أن يرى بلاده إيطاليا وقد توحدت في دولة واحدة. غير أنه بحلول عام 1512 وصلت إلى الحكم في فلورنسا أسرة من الصيارفة هي أسرة المديتشي بعد أن أطاحت بالجمهوريين ، وسرعان ما ألغت الحكومة الجديدة هيئة العشرة للحرية والسلام ففقد مكيافيللي وظيفته ، وجلس في بيته الريفي حزينا ، لكي يؤلف كتابه الشهير في عالم فن السياسة والحكم ألا وهو كتاب الأمير ، وهو الكتاب الذي تضمن مجموعة من قواعد فن الحكم والسياسة قدمها مكيافيللي للأمير الجديد على هيئة نصائح ، نصحه بالتزامها حتى يدوم سلطانه ويرسخ حكمه وتتوطد أركان عرشه ، ويكون قادرا على تحقيق حلم الإيطاليين في الوحدة . وهي نصائح كلها قامت على الفصل التام بين السياسة والأخلاق.

منهجه
هو المنهج الاختباري الصرف القائم على ملاحظة الواقع ، بهدف تقديم صورة للواقع كما هو دون تفسير أو تعميم ، حيث كل ما قام به مكيافيللي كما قلنا هو تقديم مجموعة من قواعد العمل السياسي المصورة من الواقع ، دونما تدخل من جانبه بالتفسير أو التعميم ، وبذلك فهو يعتبر رائدا لفن السياسية لا علم السياسة .

فكره السياسي

قدم مكيافيللي للأمير مجموعة من النصائح تتعلق بالسياسة الداخلية (أي سياسة الأمير لرعاياه) ، وأخرى تتعلق بالسياسة الخارجية (أي علاقة الأمير بأمراء الدول الأخرى) ، وهي كلها قائمة على الفصل بين السياسة والأخلاق ، ويرى مكيافيللي أن اتباع هذه النصائح (أو قواعد العمل السياسي) من شأنه أن يديم حكم الأمير ويرسخ سلطانه، ويوطد أركان عرشه ويجعله قادرا على توحيد إيطاليا ، حيث يبدأ كلامه للأمير مذكرا إياه بأن جموع الإيطاليين تتطلع إلي بيته كي يجمع شتاتهم في دولة واحدة .

السياسة الداخلية للأمير
نصحه مكيافيللي ألا يعبأ بالفضائل بل وأن يلجأ إلي الرذائل إن كان ذلك يحقق مصلحته ، فلا يجب على الأمير أن يكون كريما لأن الكرم يؤدي إلي الفقر وهو إن افتقر سيخسر هيبته لدى رعاياه ، وعليه أن لا يكون طيبا لأن ذلك يثير روح الثورة عليه في نفوس رعاياه ، أما القسوة فتقيم النظام وتمنع الفوضى وتحقق الوحدة وتقضي على الفتنة وهي في المهد ، كما أن رضا الرعايا متغير فلا تعتمد في استمرار حكمك على رضاهم ، بل اعتمد على قوتك فهي إن دامت سيدوم حكمك. ويضيف مكيافيللي : أنا لا ألوم الحاكم الروماني روميلوس الذي قتل أخاه وشريكه في الحكم لكي ينفرد بالسلطة ويوطد سلطانه ، ولا ألوم الروماني الآخر بروتس الذي حكم على أولاده الخمسة بالموت لكي يستمر عرشه ، فإذا كانت الواقعة (أي القتل) تتهمه فإن الغاية النبيلة (أي دوام سلطانه) تبرؤه. ويضيف ربما يكون هذا الكلام ليس طيبا لو أن الناس كانوا طيبا لكن الواقع أن الأصل في بني البشر أنهم كذابون منافقون غشاشون جشعون نهمون شريرون مراءون لا يتطلعون إلا إلى ما ليس في أيديهم ، كما أنهم ربما يسامحونك إن قتلت أباهم لكنهم أبدا لن يسامحوك إن سلبت أموالهم.

السياسة الخارجية للأمير

أما بصدد السياسة الخارجية أي علاقة الأمير بأمراء الدول الأخرى فقد بدأ بوصف العلاقات الدولية وكأنها غابة ، ونصحه بأن يجمع بين أسلوب الإنسان وأسلوب الحيوان ، فإن اختار أسلوب الحيوان فعليه أن يكون ثعلبا وأسدا في ذات الوقت ، أي يتبع أسلوب الثعلب القائم على الحيلة والمكر والخداع والمراوغة و النفاق والرياء ، وأسلوب الأسد القائم على القوة والعنف والبطش. (ذكاء الثعلب وقوة الأسد). فبالنسبة لأسلوب الثعلب على الأمير أن لا يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه للأمراء الآخرين إلا إذا كان في الوفاء بالعهد مصلحة له ،
وعلى الأمير أن يتزين أما العالم الخارجي بحلل زائفة من الصدق والسلام والعدل والوفاء (ذئب في جلد شاة) ، وأن يظهر أمراء الدول الأخرى بأنهم هم الكاذبون وخالفوا العهود ،إن الأمراء الذين أجادوا أساليب الثعالب وأفلحوا فيها فعرفوا كيف يحيكون الغش والخداع كان التوفيق حليفهم الدائم .

كذلك على الأمير أن يكون أسدا فيبني جيشه النظامي القوي الذي يدين بالولاء له ، فلا يجب أن يعتمد الحاكم على المرتزقة الأوغاد الذين لا يدينون بالولاء إلا للمال ، القوة ثم القوة فإن الأمير الذي لا يهتم ببناء قوته (جيشه) كمن يركض إلى هلاكه ، وويل للأمراء منزوعي السلاح.
إذن علي الأمير أن يكون ثعلبا وأسدا في ذات الوقت لأنه إن كان مجرد ثعلب عجز عن التعامل مع الذئاب والغابة الدولية مليئة بالذئاب ، وإن كان مجرد أسد عجز أن يتبين ما ينصب له من فخاخ والغابة الدولية مليئة بالفخاخ.
عليك أن تبدأ بأسلوب الثعلب فإن لم يفلح أسلوب الثعلب في خطف عنقود العنب فليسمع زئير الأسد ( أي إن لم تجد الدبلوماسية فلتدق طبول الحرب).

تقويم فكر مكيافيللي
اختلف المفكرون والساسة ورجال الدين حول أخلاقية هذا الفكر ، حيث مجده البعض على النحو التالي :

_ كتب أحد الأمراء الإيطاليين على نصب تذكاري أقامه على قبر مكيافيللي ( نم في سلام لا كلمات ترقى إلي شرف هذا الرجل).
_ المفكر الإنجليزي فرانسيس بيكون : كم نحن مدينون لهذا الرجل ، فهو الذي أرانا حقيقة عالم السياسة ،إذ علمنا الفارق بين براءة الحمامة ورياء الثعبان على نعومة ملمس كليهما.
_ نابليون الثالث كان لا يقرأ ليلة الحرب إلا كتاب واحد هو كتاب الأمير.
في المقابل اعتبرت الكنيسة أن مكيافيللي هو شيطان رهيب هبط على الإنسانية فارا من الجحيم ، وأن كتابه الأمير هو كتاب أودعته يد الشيطان.

فلاسفة العقد الاجتماعي

وهم توماس هوبز وجون لوك الإنجليزيان وجان جاك روسو الفرنسي ، والذين عاشوا في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، ويقولون بأن المجتمع السياسي (الدولة) نشأ من خلال عقد أبرمه الناس فيما بينهم ، هو (العقد الاجتماعي).

منهجهم
هو المنهج الفلسفي المثالي بمقدمات عقلية ، حيث تنطلق أفكارهم من فرضين عقليين هما :

(1) حالة الطبيعة :
ويعني أن الناس قد عاشوا في حالة من الطبيعة لا تعرف السلطة ولا المجتمع ولا السياسة قبل قيام المجتمع (أو الدولة).
(2) العقد الاجتماعي : 
ويعني أن الناس قد انتقلوا من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع من خلال عقد أبرموه فيما بينهم. 

وقد اتفق الفلاسفة الثلاثة على هذين الفرضين غير أنهم اختلفوا على مضامينهما (فحواهما أو محتواهما) ، لكي ينتهي كل منهم إلي صورة مختلفة عن الآخرين بصدد أمثل أشكال الحكومات ، وذلك على النحو التالي :

توماس هوبز (1588 : 1679)

نبذه عن بيئته ونشأته
ولد في إنجلترا عام 1588 وتوفي عام 1679 ، وكانت ولادته في غير موعدها الطبيعي حيث خرج إلى الدنيا قبل أن تكمل أمه شهور حمله التسعة ، وقد كان يرجع سيطرة الخوف عليه إلى مولده الشاذ هذا ، وكان يقول دائما (أنا والخوف توأمان) ،، ومع ذلك فقد كان الرجل يجمع بين جسد مخواف وروح مقدامة ، وكان من الأسباب الأخرى التي جعلت الخوف الدائم يسيطر عليه أنه عاش حياته في فترة عانت فيها إنجلترا من صراعات هائلة منها ما هو ديني (يتصل بالدين والكنيسة ) ومنها ما هو سياسي بين البرلمان والملك ، وعلى ذلك فقد كانت غاية فكره هي تحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع .

فكره السياسي
قدم هوبز أهم أفكاره السياسية في كتابه الشهير (لوفيثان) واللوفيثان هو وحش أسطوري ضخم ورد ذكره في العهد القديم ، ويشير هوبز باللوفيثان إلى الدولة كمجتمع إنساني ضخم ، وينطلق فكر هوبز (شأنه في ذلك شأن فكر كل من لوك وروسو) كما قلنا من فرضين عقليين هما : حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي الناقل للناس من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع (الدولة). أما فحوى الفرضين عنده فهو على النحو التالي :

(1)حالة الطبيعة :
هي حالة شر وتعدي ، حالة حرب دائمة بين الفرد والفرد، والكل والكل ،الإنسان فيها ذئب لأخيه الإنسان ، لا أحد يأمن على نفسه ولا على ممتلكاته ، ثم كان أن اجتمع الناس للخروج من هذه الحالة السيئة فأبرموا عقدا أنشأوا من خلاله المجتمع (الدولة). وهو :
(2)العقد الاجتماعي : 
وهو عند هوبز عقد أطرافه الناس جميعا من جهة، وفرد ليس طرفا في العقد( وبالتالي لا يتحمل بأية التزامات) من جهة أخرى ، وبمقتضى هذا العقد تنازل الناس عن كافة حقوقهم التي كانت لهم في حالة الطبيعة لذلك الشخص (الذي أصبح الملك) ، دون أية التزامات عليه (لأنه ليس طرفا في العقد) ، ولكن عليه واجب واحد فقط هو بناء قوته وصيانتها حتى يتمكن من تأمين ركب الجماعة ، وتحقيق الأمن والسلام في ربوع المجتمع . ولعل من المقولات البليغة المعبرة عن هذا العقد مقولة الدكتور محمد طه بدوي (رحمه الله) : إن مثل الموطن في دولة هوبز كمثل رجل اشترى بكل ماله خزانة وماله بعد شرائها من مال ليضعه في تلك الخزانة!!!
وبناء على ما تقدم فإن أمثل أشكال الحكومات عند هوبز هي الملكية المطلقة أي التي لا تتقيد بأية قيود دستورية أو غيرها ، معتبرا إياها القادرة على تحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع ، وهو ما كان هوبز يتمناه ويتحرق شوقا إليه،،
وماذا عن لو ور وسو ذلك هو موضوع المحاضرة القادمة إن شاء الله.
تابع فلاسفة العقد الاجتماعي.

جون لوك (1632 : 1704)

بيئته ونشأته
ولد في إنجلترا عام 1632 و توفي عام 1704 وقد عاصر صراعا على السلطة والسيادة بين التاج (الملك) والبرلمان ، وكان من أشد أعداء السلطة المطلقة للملك لذلك فقد ناصر حزب الهويج (المؤيد للبرلمان) في مواجهة حزب التوريز (المؤيد للملك) ،وقد جاء لوك بمبدأ سيادة الأمة حيث قال بأن السيادة ليست للملك ولا للبرلمان وإنما السيادة للأمة ، ولكن نظرا لأن الأمة هي كينونة اعتبارية فلابد من جهاز عضوي يمارس سيادة الأمة نيابة عن الأمة وهذا الجهاز هو البرلمان المنتخب من الأمة ، بمعنى أن البرلمان هو نائب عن الأمة في ممارسة السيادة ، وعلى ذلك فأي نظام يأخذ بمبدأ سيادة الأمة يعرف بأنه( نظام نيابي).

حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي عند لوك
(1) حالة الطبيعة : على عكس هوبز يرى لوك أن حالة الطبيعة كانت حالة طيبة ،الناس فيها أحرار سواسية يتمتعون بحقوق طبيعية ترتبت لهم باعتبارهم بشرا ، وأهم هذه الحقوق هي الحرية والملكية ، غير أن الناس أرادوا أن ينتقلوا من هذه الحالة الطيبة إلى حالة أفضل فاجتمعوا وأبرموا عقدا وهو :

(2) العقد الاجتماعي : وهو عند لوك عقد أطراف الناس جميعا من جهة ، وأحدهم (الذي سيصير ملكا) من جهة أخرى ، وبالتالي فهذا الشخص هو طرف في العقد وبالتالي يتحمل بالتزامات ، وبمقتضى هذا العقد تنازل الناس لحساب ذلك الشخص عن بعض حقوقهم الطبيعية فتولدت له بذلك السلطة عليهم في مقابل أن يلتزم (أي الملك) بصيانة ما تبقى للناس من حقوق وحريات طبيعية وإلا حقت لهم الثورة عليه وخلعه ، وبناء عليه فشرعية السلطة عند لوك مرهونة (مشروطة) بالتزام الحاكم بصيانة الحقوق والحريات الفردية وإلا فللناس(الشعب) حق الثورة عليه ، وإذن فأمثل أشكال الحكومات عند لوك هي الحكومة المقيدة ، أي التي لا تحكم بالهوى وإنما استنادا إلى قانون ، والتي تلتزم في ذات الوقت بصيانة الحقوق والحريات الفردية.

جان جاك روسو (1712 : 1778)
هو فيلسوف فرنسي عاش حياته في القرن الثامن عشر ، وأهم مؤلفاته كتاب العقد الاجتماعي ، وكان يرفض فكرة النيابة والنظم النيابية .

حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي عند روسو
(1)حالة الطبيعة : يراها روسو حالة طيبة الناس فيها أحرار ، وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة : يولد الإنسان حرا لكنه مكبل بالأغلال في كل مكان ،، كيف حدث هذا؟ ثم يقول بنشأة المجتمع من خلال العقد الاجتماعي على النحو التالي

(2) العقد الاجتماعي : وهو عند روسو عقد تنازل الناس بمقتضاه عن حقوقهم الطبيعية لصالح الكل أو الإرادة العامة ، والتي هي تتكون من مجموع إرادات الأفراد ، وإذن فالسيادة هي للشعب أو الإرادة العامة التي لن تكون جائرة لأنه لا يتصور من الفرد أن يجور على نفسه ، أما الحكومة أو البرلمان فهما ليسا صاحبي سيادة ، ولا حتى ينوبان عن الشعب أو الإرادة العامة وإنما هما مجرد مندوبين(خادمين) عند الشعب صاحب السيادة لأنه لا أحد ينوب عن الشعب صاحب السيادة ، وقد انتقد روسو فكرة النيابة وسخر منها قائلا : إن الشعب الإنجليزي يعتقد أنه حر ، غير أن الحقيقة أنه ليس حرا إلا أثناء عملية الانتخاب فإذا ما انتهت هذه العملية انقلب عبدا للبرلمان.

الأيديولوجية الليبرالية

يمكن تعريف الأيديولوجية بأنها :
منظومة من الأفكار المذهبية المتكاملة التي تستهدف تنظيم المجتمع في شتى قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، كما تقدم رؤية معينة للعالم.

الليبرالية تعني : 
التعددية ، ويتمثل أهم روادها في كل من جون لوك ومونتسكيو و جون ستيوارت ميل .
_ في المجال السياسي ترتبط الليبرالية بمقولة رئيسية قوامها : ( تعدد الآراء مشروع ، وتعدد المصالح مشروع ، وتعدد التنظيمات التي تعبر عن تلك الآراء والمصالح أيضا مشروع) . وبالتالي تقوم الليبرالية في المجال السياسي على حرية الرأي ، وحرية الفكر ، وحرية العقيدة (الدينية أو السياسية) ، وحرية التعبير (مثل حق التظاهر و الإضراب) ، وحرية التنظيم ( التعددية الحزبية والنقابية) ، والإعلام الحر (مرئي ومسموع ومكتوب ) .
_ في المجال الاقتصادي ترتبط الليبرالية بالرأسمالية ، وتقديس الملكية الخاصة ، والمنافسة الاقتصادية ، واقتصاديات السوق ( الاقتصاد الحر القائم على العرض والطلب) ، وفكرة الدولة حارسة الليل أي التي يقتصر دورها على توفير الأمن وإنفاذ القوانين والقيام بأعمال البنية الأساسية دون تدخل منها في النشاط الاقتصادي. وتنطلق الليبرالية من الشعار الشهير ( دعه يعمل دعه يمر) .
_ في المجال الاجتماعي ترتبط الليبرالية بالمجتمع الطبقي ، أي الذي يتألف من ثلاث طبقات (طبقة غنية ـ طبقة وسطى ـ طبقة فقيرة) .
_ في المجال الدولي تتصور الليبرالية العالم متعدد الدول بتعدد القوميات .

الأيديولوجية الماركسية

وأهم روادها كل من كارل ماركس الألماني ، وفريدريك إنجلز (رفيق ماركس في إصدار الإعلان الشيوعي المعروف بالمانيفستو عام 1847) ، ولينين قائد الثورة الشيوعية (البلشفية في روسيا عام 1917).

الماركسية فلسفة مادية تنطلق من مقولة أنه لا حقيقة إلا في المادة والعالم المادي المحسوس ، ولا تعترف بعالم الروح ، وبالتالي فهي أيضا فلسفة إلحادية.
_ يرى الماركسيون أن تاريخ البشرية هو تاريخ الصراع من أجل ملكية أدوات الإنتاج ، وهو صراع يدور في كل زمان ومكان بين الطبقات المستغِلة (الملاك) والطبقات المستغَلة (الكادحون) ، وأن السلطة السياسية (والدولة) هي ظاهرة عارضة مؤقتة أنشأتها الطبقة المستغِلة لقمع الطبقة الكادحة وحماية ملكيتها الخاصة منها ، وبالتالي فالسلطة السياسية هي ظاهرة عارضة مؤقتة ترتبط وجودا وعدما بالملكية الخاصة. 
_ وتوقع ماركس أن الصراع بين البرجوازية (الملاك) والبروليتاريا (الكادحون أو العمال والفلاحون ) ، سينتهي حتما بانتصار البروليتاريا وانتزاعها للسلطة من قبضة البرجوازية المستغِلة ، ثم إقامة ديكتاتورية البروليتاريا كمرحلة انتقالية يتم خلالها استخدام السلطة السياسية في تصفية الطبقات المستغَلة ، والوصول بالمجتمع إلى مرحلة الشيوعية ، حيث مجتمع الطبقة الواحدة (البروليتاريا) ، وحيث تختفي الملكية الخاصة وتحل محلها الملكية العامة ، وبالتالي تنتفي الحاجة إلي السلطة السياسية التي ستموت موتا تلقائيا تبعا لذلك.

التطبيق الماركسي 

كان أول تطبيق للماركسية في روسيا على إثر الثورة الشيوعية (البلشفية) بزعامة لينين عام 1917، ويشار إلى أن روسيا عرفت بالاتحاد السوفيتي منذ دستور عام ،1924 ثم عادت إلى اسمها القديم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. وقد قام التطبيق الماركسي على التمكين لهيمنة طبقة البروليتاريا وحزبها (الحزب الشيوعي) على شتى قطاعات المجتمع ،على النحو التالي: 
– في المجال السياسي قام النظام الماركسي على الفكر الواحد (الماركسية) والحزب الواحد (الحزب الشيوعي) والرجل الواحد (زعيم الحزب) ، والإعلام الموجه والتعبير الموجه والمهيمن عليه من قبل الحزب الشيوعي . 
– في المجال الاقتصادي ارتبط التطبيق بالشيوعية ، حيث الملكية العامة (ملكية الدولة) ، واحتكار الدولة لعملية إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ، وساد الشعار الماركسي الشهير (من كل على قدر طاقته ولكل في حدود حاجته) .
– في المجال الاجتماعي ترتبط الماركسية بالمجتمع اللاطبقي ، مجتمع الطبقة الواحدة (طبقة البروليتاريا) ، ويشار إلى أن الدستور السوفيتي كان ينص على أن الاتحاد السوفيتي هو دولة العمال والفلاحين . 
– في المجال الدولي تسعى الماركسية إلى إعمال فكرة الأممية البروليتاريا ، أي أن يصبح العالم دولة واحدة هي دولة العمال والفلاحين (الكادحين) ، تحت شعار ياعمال العالم اتحدوا.

نظرية الدولة

أولا : عناصر (مقومات) الدولة
تتألف الدولة من ثلاثة عناصر رئيسية هي :

(1) التجمع البشري (أي الشعب)
(2) الإقليم
(3) السلطة السياسية

ولكل عنصر من هذه العناصر الرئيسية ركنان أحدهما مادي والآخر معنوي على النحو التالي:

(1) التجمع البشري :
الركن المادي : هو مجرد التجمع الغريزي الفطري لجماعة من البشر ، حيث إن الإنسان كائن اجتماعي سياسي بطبعه
الركن المعنوي : يتمثل في وعي أعضاء التجمع ( الجماعة أو الشعب) بهدف تجمعهم وهو تحقيق المصلحة العليا للجماعة.

(2) الإقليم :
الركن المادي : وهو عبارة عن قطعة الأرض (المساحة الجغرافية) التي تسكنها الجماعة البشرية (الشعب).
الركن المعنوي : ويشير إلى ارتباط أفراد التجمع البشري (الشعب) بإقليمهم (أرض الدولة) باعتباره “الوطن” ، أرض الآباء والأجداد ، دار السلام وما عداه دار الحرب. لكي يظهر بذلك مفهوم “نحن” ليعبر به أفراد التجمع البشري عن أنفسهم ، ومفهوم “هم” ليعبروا به عن الشعوب الأخرى.

(3) السلطة السياسية :
الركن المادي : (القوة) ويشير إلى احتكار الحاكمين لأدوات الإكراه المادي في المجتمع .
الركن المعنوي : (الشرعية والخيرية) ويتمثل في تصور أفراد المجتمع لهذا الاحتكار على أنه شرعي وخير ، يستهدف تحقيق الأمن والاستقرار والسلام داخل المجتمع (أي تحقيق المجتمع الهادئ) .


ثانيا : الخصائص الكيفية (القيمية) للدولة

ونعني بها : (1) خضوع السلطة للقانون (أو الدستورية).
(2) التجانس القومي.
(3) السيادة. وفيما يلي نعرض لكل منها:

(1) خضوع السلطة للقانون (الدستورية) :
بمعني خضوع السلطة (عملية الحكم) لنظام قانوني مسبق (دستور) يلتزمه الحاكمون والمحكومون على قدم المساواة . بمعنى أن الجميع سواسية أمام القانون ، لا أحد فوق القانون ، سيادة القانون . وإذن فالحاكم ليس صاحب السلطة وإنما هو قائم عليها ، أما صاحب السلطة فهو الدولة ، ومن هنا يتعين التمييز بين مفهومي الدولة والحكومة :

_ الدولة هي شخصية اعتبارية ، مجرد رمز للحياة العليا للمجتمع ولكنها صاحبة السلطة.
_ أما الحكومة فهي جهاز عضوي يمارس السلطة ليس باعتباره صاحبها وإنما لحساب صاحبها الأصيل المتمثل في الدولة ، فالحاكم ليس صاحب السلطة وإنما هو قائم عليها يمارسها طبقا لقانون مسبق (دستور) ولا يحكم بالهوى.

الشخصية الاعتبارية للدولة
للدولة شخصية اعتبارية بمعنى أنها تتمتع بالحقوق وتتحمل بالالتزامات ، فمن حقوقها مثلا حق البقاء، وحق التملك ، وحق التقاضي ،كما أن لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الحاكم ، فأموال الدولة تختلف عن أموال الحاكم، وديونها تختلف عن ديونه الشخصية ، ومن التزاماتها عدم الاعتداء على سيادة الدول الأخرى ، والتزامها بتسديد ديونها ،، وهكذا . وارتباطا بكون الدولة شخصية اعتبارية مستقلة يظهر ما يسمى بمبدأ (الاستمرار) والذي يعني :

استمرار شخصية الدولة بما لها من حقوق وما عليها من التزامات بغض النظر عن أية تغييرات قد تطرأ على أي من عناصرها الثلاثة (أي الشعب والإقليم والسلطة السياسية) . بمعنى أن تغير الحكومات على سبيل المثال لا يؤثر على الحقوق والالتزامات القانونية للدولة كالديون مثلا.

علم السياسة ومفهوم السلطة
نظرا لأهمية السياسة في عالمنا المعاصر، وما تتميز بة من ديناميكية، عن سائر العلوم الاخرى ، وتمثل الشغل الشاغل للسياسيين ورجال الدولة وسائر طبقات المجتمع المختلفة. أرتأيت ان اطرح هذا الموضوع الحيوي ، من خلال ملخص للمحاضرة التي القاها الدكتور عبد الرضا الطعان استاذ مادة العلوم السياسية في جامعة البصرة ، لطلبة قسم الاقتصاد في عام 1969 لاعتقادي بأهية الموضوع من الناحية النظرية ، وللتعريف بهذا العلم الذي يمثل صفة الحداثة في نشوءة ، عن سائر العلوم الاجتماعية الاخرى .

“علم السياسة يمكن اعتبارة من العلوم الحديثة ، ويعبر عنة بعض المختصين في هذا الشان، على انة اخر مولود جاءت بة العلوم الاجتماعية . اختلفت اراء العلماء واساتذة السياسة لوضع مفهوم وتعريف دقيق لعلم السياسة ، فالبعض يوصفة على انة موضوع ( حكم المجتمعات ) الذي تنصب علية عناية علم السياسة . وفريق اخر وجد في التوزيع الالزامي للقيم داخل المجتمع موضوعا خاصا يتميز بة علم السياسة عن باقي العلوم الاجتماعية الاخرى . الا ان هناك موضوع استطاع ان يحضى نتاييد وثناء المختصين ، هذا الموضوع هو ( الدولة ) الذي يمكن ان يتميز بة علم السياسة … 

ويبين الاستاذ ( جان دابان Jean Dabin ) ويتسائل بنوع من الثقة ما الذي يمكن ان يكون موضوع علم يضفي على نفسة صفة السياسة اذا لم يكن هذا الموضوع هو الدولة ، اما ( روجر سولتو Roger Saltau ) فيعرف هو الاخر ، علم السياسة باعتبارة، الدراسة الخاصة بالدولة واهدافها ومؤسساتها التي تسمح بتحقيق وجودها الفعلي ، والعلاقات التي تنشا بينها وبين الافراد الخاصين بدول اخرى ، والافكار التي يضعها الناس عامة بخصوصها . من هنا نلاحظ ان ننظر الى الدولة بكليتها اي بجميع عناصرها وليس الى عنصر معين دون الاخر ، اي ان التأثير والاستجابة يعتمدان ، في وجودهما، اعتمادا متبادلا في احداث تلك النتائج الجديدة. ويمكن القول ان تلك الجهود ما هي الا تلك العلاقات بين الفرد وبين الجماعات لغرض المشاركة بالسلطة، او لغرض التأثير في توزيع السلطة . ، وان كل انسان يطمح في نيل او كسب السلطة، اما كوسيلة لتحقيق اغراضة الانانية والمثالية ، او يريد احتكارها لنفسة لغرض اشباع رغباتة وعاطفة الهبة التي تهيمن علية . ويؤكد المختصين في علم السياسة ومنهم الامريكي ( كاتلن Catlin ) ، حيث يرى بأن علم السياسة كدراسة تنصب على الانسان باعتبارة كائنا سياسيا يبحث عن السلطة ،تماما كما هو الحال بالنسبة للانسان الاقتصادي الذي يبحث عن الثروة . اذن يمكن لنا ان نجزم بان القوة هي العنصر الاساس في كل سلطة . اما ( هيلر E.T.Hiller ) فيرى ان السلطة تمثل نوعا من ( المنافسة غير العادلة ) القائمة على اساس من العنف وربما الغش احيانا، ولكن يجب علينا ان نميز بين القوة والسلطة، اذ ان القوة تبقى عنصرا من عناصر السلطة، ولكنها في جميع الاحوال لا يمكن ان تكون السلطة . حيث ان التمييز بين السلطة والقوة يفرض نفسة بشكل خاص عندما تواجة السلطة باعتبارها ظاهرة سيكولوجية. اذ ان القوة في مثل هذة الحالة تفقد رجاحتها في تفسير السلطة .

في حين يرى اخرون بان السلطة ما هي الا ، الكفاءة في التأثير على سير الاحداث، وفي تحديد سلوك الاخرين، اي ان التأثير يتحقق في الاحوال التي يكون فيها الفرد والجماعة على درجة من الكفاءة وفي ظرف نفسي ملائم، بحيث يستطيع من السهل تغيير سلوك فرد او جماعة بالشكل المرغوب . يضاف الى ذلك ان هذة السلطة يجب ان تتمتع بالسيادة ، اذن عند توفر شرط السلطة وشرط السيادة ، يمكننا ان نرى الدولة بمفهومها الذي يعبر عن اهدافها ومؤسساتها التي تسمح بتحقيق وجودها الفعلي ، والعلاقات التي تنشأ بينها وبين الافراد . اي ان السلطة التي تتمتع بكامل السيادة ، هي الهيئة العليا التي لا توجد سلطة اعلى منها . اي ان الدولة تتمتع بتنظيم سياسي متقن ، وهو التمييز بين الحاكمين والمحكومين ، حيث ان الحاكمون اكثر تنظيما وذلك من خلال وجود قوانين وانظمة عقاب منظم، وقوة مادية تستعملها في تنفيذ قراراتها وتحت تصرفها دوما . 

ويؤكد الاستاذ ( بردو Burdoau ) ان المحكومين او الجماعات الاجتماعية تهتم بأمر اتخاذ القرارات ، ولكن اتخاذ القرارات هو موضوع يتعلق بنشاط المؤسسات السياسية، اذ ان هذة المؤسسات هي التي تهتم بالصراع من اجل السلطة ، الذي هو جوهر الصراع من اجل اتخاذ القرارات . وان كل مجتمع سياسي توجد اعراف وتطبيقات وتقاليد خاصة بطريقة تعيين الحكام وطريقة اتخاذ القرارات، وان وضع دستور ثابت هو الذي يستجيب لمثل هذة الحاجات، وداخل هذة المؤسسات التي يتم ما بينها توزيع عمليات اتخاذ القرارات السياسية، يتكون ما يسمى بالنظام السياسي . ان معرفة عمليات اتخاذ القرارات هذة ، والعلاقة بينهما لا يمكن ان تتم الا بمعرفة النظام السياسي … اضافة الى ان عملية اصدار القرارات ستبقى عملية ذاتية تتحكم بها الاعتبارات الخاصة . فالشخص الذي يقوم باصدار قرارة يكون قد قام بعملية تقييم واسعة لجميع الاوضاع التي تحيط بة . فالانسان سيشعر بالارتياح عندما يكرس نفسة لقضية جماعية، ففي النشاط المشترك يحقق الانسان طموحة ، ويحقق رغباتة التي لا يستطيع ان يحققها خارج الجماعة . 

اضافة للاعتبارات الخاصة ، فأن الجماعات الاجتماعية تهتم بلاشك، بأمر اتخاذ القرارات ، لكن اتخاذ القرارات هو موضوع نشاط المؤسسات السياسية ، اذ ان هذة المؤسسات هي التي تهتم بالصراع من اجل السلطة ، الذي هو في الجوهر صراع من اجل اتخاذ القرارات . ان في كل مجتمع سياسي توجد اعراف وتطبيقات ، وتقاليد خاصة بطريقة تعيين الحكام، وطريقة اتخاذ القرارات ، مع ذلك يلاحظ انة كلما تقدمت الجماعة الاجتماعية تقدمت معها الحساسية لاعضائها وزاد الشعوربالحاجة لتثبيت هذة القواعد الخاصة بالنشاط السياسي بشكل موضوعي .

ان وضع دستور ثابت هو الذي يستجيب لمثل هذة الحاجات ،ان الدستور هو الذي يحدد المؤسسات السياسية ، وداخل هذة المؤسسات التي يتم ما بينها توزيع عمليات اتخاذ القرارات السياسية ، يتكون ما يسمى بالنظام السياسي . ان معرفة عمليات اتخاذ القرارات هذة ، والعلاقة بينهما لا يمكن ان تتم الا بمعرفة النظام السياسي . من هنا يعترف بعض اساتذة علم السياسة ، ان علم السياسة سوف لن يحل محل القانون الدستوري في دراسة النظام السياسي، انما مثل هذة المهمة ستبقى من اختصاص القانون الدستوري ، لانة هو الذي يعين اسلوب تكوين الهيئات التي تساهم في تحضير القرارات ، وبنياتها، وعملها . ان القانون الدستوري يبين لنا بمن يتعلق امر اتخاذ القرارات طبقا للنظم القانونية، ولكنة لا يبين لنا من يتخذ ، في الواقع ، مثل هذة القرارات ، ان المهمة الثانية يضطلع بها علم السياسة لانها تقتضي تحليل محتوى القرارات والعوامل التي ساعدت على اتخاذها . 

ويرى اخرون ان المنطلق القانوني لا يكشف لنا، عن محتوى اتخاذ القرارات، انما كل الذي يكشف عنة هو الشكل الذي يتم فية اتخاذ القرارات . ان عجز المنطلق القانوني عن الكشف عن المحتوى هو الذي دفع الى البحث عن منطلق بديل . وهذا المنطلق البديل هو المنطلق ( البسيكو اجتماعي ) … وهوالمنطلق الذي ادخل في التحليل السياسي ، نشاط الجماعات ، اي تحليل نشاط الجماعات المنظمة ، وما تصبو الية عن طريق ضغطها على النظام الحكومي ، بشكل مباشر او غير مباشر . وما يملكون من خاصية مشتركة او عدة خصائص مشتركة، والتي لها تأثير فعال في سير الحياة الاجتماعية، وهي التي تشكل المحفز الذي يدفع الى تكوين الجماعات المنظمة ان هذا المفهوم يعبر عن فكرة اساسية ، ملخصها ، ان سير السلطة يعتمد على تقابل قوى اجتماعية مختلفة ، ودخولها في صراع الغرض فرض مفاهيمها بكل الوسائل التي يمكن تصورها .

يبدو مما تقدم ، ان القرارات هي ثمرة الضغط التي تمارسة الجماعات الواحدة على الاخرى، او بالاحرى ثمرة عملية التقابل الذي يتم بين الجماعات ذات المصلحة ، بما فيها الهيئات الحكومية . ويرى السيد ( داهل Dahl ) انة يجب التمييز بين الاسهام في قرار والتاثير في اصدار قرار. ان الجماعات ، بلا شك تمارس دورا كبيرا في عملية اتخاذ القرارات، ولكن ينبغي ان نحدد على سبيل الدقة هذا الدور . وطالما ان القانون كان قد حدد الشخص الذي يملك حق اصدار القرارات ، فينبغي ان ندرك للتو ، ان دور الجماعات لا يتعدى حدود التاثير في اصدار القرارات . اما اصدار القرارت ذاتها فيبقى مناطا بالشخص الذي اوكل لة القانون مثل هذة المهمة . كما يجدر بنا ان نمييز بين المفهوم العام للسلطة والسلطة السياسية ، فبعد طرح الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للسياسة جانبا سنجد انفسنا متعلقين بالقضية التي تهيمن على كل القضايا ، هذة القضية هي ، ذات طبيعة سياسية . ان مذهب السلطة هو مذهب سياسي، وان علم السلطة هو علم السياسة . فالاستعمال الجاري لكلمة السلطة يميل نحو السلطة السياسية فكثير ما يقصد بالسلطة الرجل او الاقلية التي تقرر ، ان السلطة عند ذاك ستختلط مع تلك الاقلية المهيمنة في الدولة التي تاخذ على عاتقها مهمة التقرير ، وهكذا فان الوصول الى السلطة يعني تملك الحق في اصدار الاوامر .. واخيرا ان مفهوم السلطة يحيط بة نوع من الغموض ، وان للسلطة اشكال مختلفة . فالسلطة السياسية لا تكون الا شكلا من اشكال السلطة المتعددة .”

منقول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...