البناء الهيكلي التنظيمي لكتابة الضبط
تحدد المصالح الخارجية لوزارة العدل وقف تنظيمها الحالي في الوحدات الإدارية اللاممركزة على صعيد الدوائر القضائية للمملكة والتي نعني بها محاكم المملكة سواء منها المحاكم الابتدائية بما فيها مراكز القضاة المقيمين (المراكز القضائية في ظل مشروع قانون التنظيم القضائي) أو محاكم الاستئناف، وسواء منها المحاكم العادية أو المحاكم المتخصصة كالمحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية، وسواء منها المحاكم العادية أو المحاكم المصنفة كتجربة المحاكم المصنفة بالدار البيضاء (المحكمة المدنية والمحكمة الاجتماعية والمحكمة الزجرية).كما نعني بها المديريات الفرعية الإقليمية على صعيد الدوائر القضائية للمملكة، ومراكز الحفظ الجهوي، وأخيرا المديريات الجهوية المرتقب إخراجها إلى حيز الوجود مراعاة للتقسيم الجهوي الترابي للمملكة.
معلوم أن التنظيم الهيكلي للمصالح الخارجية لوزارة العدل، خاصة منها المحاكم يقوم على إطار قانوني هش مبني في مرجعيته التشريعية على قرارات ومناشير وزارية لم ترق إلى قوانين مؤطرة ومهيكلة صادرة عن المؤسسة التشريعية، بل وحتى إلى مراسيم تنظيمية صادرة عن الحكومة.
ورغم هذا البناء التشريعي الهش، فإن التأطير القانوني لهيكلة كتابات الضبط بالمحاكم يمتاز بعدم انسجامه وتضاربه في بعض الأحيان بين ما هو مسطر بالمناشير والقرارات المؤطرة وبين ما هو معتمد واقعيا داخل هذه الوحدات الإدارية الخارجية، والذي يرجع السبب الأول والأخير فيه إلى عدم انسجام النص ومواكبته لواقع التدبير الإداري والمالي داخل هذه الوحدات.
وكمثال على ذلك، فإنه إذا كان التنظيم الهيكلي لكتابة الضبط المؤطر بمنشور 858 بتاريخ 22 ماي 1979 قد قسم هيكلة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف إلى تنظيم هيكلي لكتابة الضبط وتنظيم هيكلي لكتابة النيابة العامة بالمستويين معا، فإن هذا المنشور لم يعد يسعف في مواكبة التطور الحاصل على مستوى التدبير بالمحاكم لأنه أولا عمر أكثر من 38 سنة، وثانيا لأنه لم يواكب التغييرات والتعديلات التي عرفها التنظيم القضائي بإحداث المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية والأقسام المتخصصة، ولم يعد يساير من جهة ثالثة الطفرة النوعية التي عرفتها المحاكم من حيث الموارد البشرية ومن حيث نوعية القضايا وتشعب مساطرها وتعقدها، وأخيرا لم يعد قادرا على تقديم إضافة نوعية للتدبير الإداري والمالي الحديث للمحاكم الذي أصبح مبنيا على التحديث ورقمنة الإجراءات والمساطر في أفق إحداث المحكمة الرقمية.
لقد شكل الإصلاح الإداري والمالي للمحاكم حاليا التحدي الأكبر من أجل استكمال مسلسل الإصلاحات، التي ما فتئت تقوم بها وزارة العدل، والتي دشنتها باستقلال السلطة القضائية، وبعدها استقلال مؤسسة النيابة العامة.
ويجد هذا الإصلاح سنده في الوضعية الحالية للتنظيم الهيكلي لكتابة الضبط، والتي لم تعد تواكب التطور الحاصل على صعيد المحاكم، ولن تستطيع الصمود مستقبلا أمام المتغيرات التي من المنتظر أن يعرفها التدبير الإداري والمالي الحديث لهذه الوحدات اللاممركزة، وما يقتضيه الأمر من فك الارتباط بين العمل القضائي والعمل الإداري والمالي وعصرنة أساليب تدبير المحاكم وهياكلها، عبر دعم أسلوب اللاتمركز الإداري والمالي خيارا إستراتيجيا للدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك، فإن تصور الهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل لهيكلة حديثة للمحاكم يجب أن يستجيب للطلب المتزايد والملح على الخدمة القضائية والإدارية والمالية، سينطلق من تشخيص دقيق للهيكلة الحالية سواء من حيث السند القانوني أو من حيث البناء الهيكلي التنظيمي، أو من حيث سوء توزيع الموارد البشرية، وانعكاس ذلك على أداء هذه المرافق ودرجة رضا المتقاضين والمرتفقين عن مستوى هذا الأداء، ليصل إلى تقديم المقترحات الكفيلة بتجاوز هذا القصور وتحقيق النجاعة القضائية والإدارية والمالية في بعدها الشمولي، وينتهي بتقديم تصور بنيوي لإدارة قضائية حديثة وموحدة مجسدة للتوجهات الملكية السامية في الموضوع، ومفعلة للأهداف المشار إليه في ميثاق إصلاح منظومة العدالة خاصة منه الهدف الرئيسي السادس المعنون ب :” تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها”.
على أنه لابد لنا ونحن بصدد إعادة النظر في البناء الهيكلي لكتابة الضبط بالمحاكم من استحضار التجارب المقارنة في الموضوع، سواء منها الوطنية بالنسبة لباقي القطاعات الوزارية التي استطاعت تجاوز معضلة تمركز القرارات بيد الإدارة المركزية، أو الأجنبية بالنسبة للتجارب المقارنة، خاصة منها التجربة النمساوية والتجربة الهولندية والتجربة الفرنسية والتجربة الاسبانية.
وسوف يبنى تصور الهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل لهذه الهيكلة كذلك على مبدأ التفريع وتقسيم وتحديد المهام والمسؤوليات داخل المحكمة على الوحدات الفاعلة داخلها على أساس احترام مبدأ التخصص، وتوزيع المسؤوليات على رأس كل هذه الوحدات على رؤساء مصالح مسؤولين عن تدبيرها وفق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وجعل كل وحدة مطالبة بتحقيق النجاعة في تدبير فريقها، وخلق انسجام وتنافس شريف بين الوحدات يهم تطوير العمل والرقي بالأداء المهني والوظيفي.
وهكذا، فإن دور الكاتب العام للمحكمة سيحدد في التنسيق والإشراف على هذه الوحدات وتوحيد عملها بما يتماشى مع تنزيل مخططات الوزارة على صعيد المحكمة، وبما يحقق النجاعة في التدبير الإداري والمالي.
واعتبارا للدور المنوط بها تجاه مديري ورؤساء أقسام ومصالح وزارة العدل سواء منهم المركزيين أو الممارسين بالمصالح الخارجية اللاممركزة لوزارة العدل، فإن الهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل بصفتها جمعية وطنية تساهم قوة اقتراحية في كل ما له صلة بتطوير عمل المسؤول الإداري والإدارة القضائية وبما يمكن من توسيع صلاحياته وفق أحكام الدستور وما يتماشى مع تكريس مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وباعتبارها كذلك تسعى للمساهمة في تحقيق فعالية المرافق الإدارية التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل بما يدعم الخيار الديمقراطي ودولة الحق والقانون وترسيخ الجهوية المتقدمة، خاصة منها تمكين المسؤولين الإداريين من الصلاحيات اللازمة لتقريب الخدمات القضائية من المواطنين وفق ما جاء في البرنامج الحكومي المغربي 2016-2021، واستثمارا لما راكمه المسؤولون الإداريون من تجارب ومعرفة بخبايا الأداء الإداري والمالي والإجرائي بالمصالح المركزية والخارجية لوزارة العدل، فإن هذه الهيأة قد أعدت مذكرة تأطيرية لهيكلة كتابات الضبط بمحاكم المملكة تنطلق من اعتماد مقاربة واقعية لهذه الهيكلة تبنى على استثمار الممارسات الفضلى للسادة المسؤولين الإداريين بها، قصد تسهيل ولوج هذه الوحدات وإحداث الانسجام والتقارب بين المصالح الإدارية الداخلية لكل وحدة إدارية، ومواكبة الظفرة النوعية التي عرفتها هذه الوحدات الخارجية على مستوى التحديث والرقمنة والحكامة المالية والإدارية في تدبيرها، واستحضار الآليات الحديثة لتدبير المرافق الإدارية من تسطير أهداف وتحديد مؤشرات للوصول إلى الأهداف، وتنمية القدرة التواصلية داخل الوحدة الإدارية والقدرة على المراقبة والتقييم الذاتي.
assabah.ma