الحجز التحفظي والحجز التنفيذي
إن مؤسسة الحجز ليس بالحديثة العهد، ذلك أن حق الدائن في توقيع الحجز على أموال مدينة من الحقوق القديمة، حيث يسعى الدائن من وراء ذلك إلى المحافظة على الضمان العام الأموال مدينة خشية أن يتصرف فيها هذا الأخير تصرفا يضر بمصلحة الدائن. وقد نظم المشرع هذه المؤسسة متناولا كلا من الحجز التحفظي والحجز التنفيذي والحجز لدى الغير والحجز الارتهاني والحجز ألاستحقاقي.
في دراسة بموقع «المفوض القضائي المغربي» أعدها: عبدا لعزيز عبيدوش،منير الخطري و فاطمة نازي، تم التركيز على الحجز التحفظي والتنفيذي، وتعميما للفائدة ننشر بتصرف ما جاء فيها:
يحتل الحجز التحفظي أهمية كبيرة وتأتي هذه الأهمية من الغاية التي يشرع لأجلها، فإذا كان بإمكان المدين أن يستعمل كافة الوسائل لإعساره، وتبديد ضمانة العام، فإن الدائن بدوره يتحتم عليه أن يفكر في وسيلة قانونية يستطيع من خلالها أن يمنع المدين من التمادي والاستمرار في هذه التصرفات، وتبقى أهم وسيلة تتجسد في مؤسسة الحجز التحفظي. إذن فما هي هاته المؤسسة وما هي الإجراءات المتطلبة في هذا النوع من الحجوز، وما هي الآثار المترتبة عنها…؟
الحجز التحفظي ومسطرته
للحجز التحفظي أهمية قصوى في حماية الدائن، لذلك يعتبر من أكثر الطلبات المعروضة على المحاكم بالنظر لطابعه التحفظي، من ثمة نتساءل عن المقصود به وشروطه ثم المسطرة المتبعة فيه.
نظم المشرع المغربي الحجز التحفظي في الفصول من 452 إلى 458 من قانون المسطرة المدنية، كما نظمه في إطار الفصول من 203 إلى 213 من القسم الثالث عشر من ظهير 2 يوليوز 1913 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة وكذا قانون الالتزامات العقود في المادتين 126 و 138. وقد تعددت التعريفات التي أعطيت لهذه المؤسسة إلا أن جميعها لا تخرج عن التعريف الذي أعطاه المشرع في الفصل 453 من ق.م.م»… وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه…»
…فالحجز التحفظي وسيلة عاجلة للحماية القضائية موضوعة رهن إشارة الدائن الذي لجأ إليها كلما بد له أن هناك خوف حقيقي لفقدان ضمان دينه…
ويجب التذكير أنه يثبت الحجز التحفظي للدائن ولو لم يكن بيده سند تنفيذي، أي ولو لم يكن له الحق في التنفيذ الجبري، لكن العدالة تحتم على المشرع أن يحيط هذه المؤسسة بشروط تضمن عدم اللجوء إلى الحجوز التعسفية انسجاما مع القاعدة الفقهية «لا ضرر ولا ضرار» وحتى لا تكون أمام تعسف في استعمال الحق.
ويشترط أن يكون الدين محدد المقدار ولو على وجه التقريب وهو ما ينص عليه الفصل 452 من ق.م.م. وفي هذا الصدد ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها بتاريخ 1998 إلى ما يلي « إن ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية في حيثياتها عندما اشترطت لإجراء حجز تحفظي أن يكون الدين ثابتا ومحققا وخاليا من أي نزاع يخالف روح الفصل 452 من ق.م.م وما جرى عليه العمل القضائي الذي يسير على أن السند المبرر للحجز التحفظي يقتضي أن يكون الدين ثابتا في مبدئه …»
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المحاكم تعرف تضاربا واختلافا بخصوص هذه النقطة حيث وقع الاختلاف بين محكمتين الدرجة الأولى والثانية بوجدة بخصوص نازلة واحدة وهكذا اشترط الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة بتاريخ 5 دجنبر 1994 ضرورة وجود سند يتبث الدين ونظرا لعدم وجود ذلك السند، رفض طلب العجز التحفظي على عقار لعدم ثبوت المديونية.
أما محكمة الاستئناف فقد أصدرت بتاريخ 1995قرارها قضت فيه بإلغاء الأمر الأول والحكم من جديد بإيقاع حجز تحفظي واستندت على التعليل التالي «الإجراء المطلوب لإ يعدو أن يكون إجراء وقتيا الغاية منه المحافظة على الحق إلى حين انتهاء النزاع خاصة وأن هناك دعوة جارية في الموضوع من أجل المطالبة بأداء مبلغ مالي وهذا ما يوجب بالضرورة إيقاع تدبيرا احترازي على أموال المدعى عليه».
…أما الشروط المتعلقة بأطراف الحجز التحفظي ،ونقصد هنا الحاجز والمحجوز عليه باعتبارهما الطرفين الرئيسين في مسار مسطرة الحجز التحفظي.فالحاجز وهو يبادر بطلب إجراء حجز تحفظي في مواجهة المدين/ المحجوز عليه يجب عليه مراعاة بعض الشروط المتمثلة في الأهلية والصفة والمصلحة كما أنه في حالة وجود خلف للدائن سواء كان خاصا او عاما فإنه بإمكانه القيام بالحجز نيابة عن الدائن الأصلي نفسه على أن يقوم بإحضار المدين بصفته هاته .
إن المشرع المغربي ذهب عكس القانون الفرنسي والمصري، بحيث أورد الحجز التحفظي في الفرع الأول من الباب الرابع بعنوان حجر المنقولات والعقارات، وحسنا فعل ذلك إذ أن العقار وإن كان لا يمكن تهريبه ماديا، ففي الإمكان تهذيبه قانونيا بالتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو غيرها وإخراجه بذلك من ضمان الدائن. ومراعاة لأغراض إنسانية نص المشرع في المادة 458 من ق.م.م على أموال لا تقبل الحجز كما أن صفة المنفعة العامة الواردة في بعض الأموال تكون حائلا دون إمكانية إيقاع الحجز التحفظي عليها حيث أن الحجز على أموال الدولة قد يؤدي إلى المساس بهيبتها وزعزعة الثقة بمؤسساتها…
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 138 ق.ل.ع نستشف أن المشرع المغربي لا يتطلب أن يكون الأداء حالا بحيث يجوز للدائن بدين مقترن بأجل أن يتخذ ولو قبل حلول الأجل كل الإجراءات التحفظية إذا كانت له مبررات معتبرة تجعله يخشى إعسار المدين أو فراره.
مسطرة الحجز التحفظي
إذا كانت إجراءات الحجز التحفظي تخضع أصولها للمبادئ العامة للتقاضي، فإن الطبيعة الخاصة لهذا النوع من الحجوز قد جعلته يستقل بذاته في العديد من الأمور التي تنسجم مع الغاية التي توخاها المشرع من إحداث هذا النظام القانوني، ألا وهي الحفاظ على حقوق الحاجز بصفة مؤقتة.
أ-الأمر بالحجز التحفظي
لاشك أن تقديم طلب لإيقاع حجز تحفظي ضرورة تقتضي مراعاة مجموعة من الإجراءات بداء باحترام قواعد الاختصاص وصولا إلى تقديم طلب مستوف لكافة الشروط المنصوص عليها في ق.م.م
ب- شكل مضمون الأمر بالعجز التحفظي
استنادا إلى المقتضيات العامة ل: ق.م.م يمكن القول أن المقال الرامي إلى إجراء حجز تحفظي هو مقال يجب أن يستجمع كافة الشروط (من اسم كل من المدعي والمدعى عليه الشخصي والعائلي وصفته وموطنه أو محل مخابرة كل منهما… إلخ) وبيان موضوع الطلب…
أما مضمونه فهو الحصول على أمر و وقتي تنفيذه بصورة استعجالية مخافة ضياع حق الدائن بسبب تصرف المدين في أمواله تصرفا يضر بحقوق الدائنين ويضعف من الذمة المالية للمدين ويتضمن الأمر بالعجز التحفظي بدوره مجموعة من الشكليات.
آثار الحجز التحفظي وسبل الحد منها
بالنظر إلى الغاية التي توخاها المشرع من الحجز التحفظي فهو يحتل أهمية قصوى هذه الغاية المتمثلة في المحافظة على المال محل الحجز من الضياع والتبديد ،وهذه الغاية هي التي جعلته يترتب مجموعة من الآثار الهامة إلا أنه وعلى اعتبار أهمية هذه الآثار فقد أوجد المشرع أيضا وسائل تمكن من الحد منه خاصة إذا تبث وجود تعسف من طرف طالبه.
وتتراوح أثار الحجز التحفظي بين ثلاثة أثار أساسية
أ- التقادم
بالإطلاع على مقتضى الفصل 381 من ق.ل.ع نجده ينص في فقرته الثالثة على أنه «يقطع التقادم بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على إذن من مباشرة هذه الإجراءات».
وبالتالي يتضح أن الحجز التحفظي هو من بين إجراءات التنفيذ التي ينقطع بها التقادم حيث يقضي على المدة السابقة ويجعلها كأن لم تكن.
ب- تقييد سلطة المحجوز عليه في استعمال واستغلال المال المحجوز.
إن الأمر بإجراء الحجز التحفظي لا يحول دون انتفاع المحجوز عليه بالمال المحجوز ما لم يقض بخلاف ذلك وما لم يعين حارسا قضائيا وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 454 من ق.م.م، حيث يعتبر في الحالة الأخيرة حارسا قضائيا كما يمكنه نتيجة الانتفاع به تملك الثمار دون أن يكون له الحق في كرائها إلا بإذن القضاء ومع ذلك فإن حق استعماله لا يجب أن يؤدي إلى تلفه لما في ذلك من إضرار بمصلحة الدائنين والالتزام هنا هو التزام ببذل عناية وليس التزام بتحقيق نتيجة بمعنى يكون ملزما ببذل جهده في العناية فقط ولا يسأل عن غير ذلك.
إلا أنه وبالعودة إلى مقتضيات الفصل 822 ق.ل.ع نجد أن المشرع أجاز إمكانية تفويت المال المحجوز إذا كان ذلك ضروريا للحفاظ عليه وذلك شريطة استصدار إذن من طرف القاضي بتفويته حيث تقع الحراسة في هذه الحالة على الثمن. كما تبقى الإشارة ضرورية إلى أنه إضافة للمسؤولية المدنية فقد اعتبر المشرع تبديد الأشياء المحجوزة جريمة معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي الفصل 524 من ق.ج) وتجد الجريمة أساسها القانوني في إخلال المدين بالتزامه الأساسي المتمثل في ضرورة رد المال المحجوز وفقا لمقتضيات الفصل 824 ق.ل.ع.
ج- عدم نفاذ التصرف في المال المحجوز
يؤدي الحجز التحفظي إلى تجميد الأموال التي وقع الحجز عليها من خلال وضع القضاء يده عليه وبالتالي منع المدعين من التصرف فيها استنادا لمقتضيات الفل 353 ق.م.م، ورغم ذلك فإن المحجوز عليه يضل مالكا لماله المحجوز، لان الحجز لا يؤدي إلى فقد ملكية المال المحجوز حيث يمكنه تبعا لذلك أن يستعمله إما للسكن أو غير ذلك حسب المال وأن يقوم بكل ما هو ضروري للمحافظة عليه كرفع دعاوى الحيازة. غير أن هذه القاعدة ترد عليها، استثناءات وهو ما يستنتج من خلال مقتضيات الفصل 454 ق.م.م». يمكن نتيجة ذلك أن ينتفع بها انتفاع الشخص الحريص على شؤون نفسه وأن يمتلك الثمار دون أن يكون له حق كرائها إلا بإذن من القضاء…» وبالتالي يمكن للمدين أن يتصرف في المال موضوع الحجز بالكراء مثلا لكن بعد استصدار إذن قضائي بذلك مما يدل على محاولة المشرع التعامل بنوع من المرونة من خلال خلق بعض التوازن في التعامل بين طرفي العلاقة خصوصا وأن هذا النوع من الحجوز يظل إجراءا وقتيا إلى غاية الفصل في الدعوى أمام قضاء الموضوع. أو بالالتزام (سداد الدين).
مقتطف من موقع bayanealyaoume.press.ma