العلاقات الإنسانية و العامة داخل الادارة


العلاقات الإنسانية و العامة داخل الادارة

مقدمة:
لقد فرضت التطورات المتلاحقة في هذا العصر على المستوى التكنولوجي (الثورة الرقمية) والاقتصادي والاجتماعي، متغيرات جديدة على المنظمات العامة (الإدارات) ومنظمات الأعمال (القطاع الخاص)لكي تبحث لذاتها صيغا تجعلها تنال رضى جمهور المرتفقين بأدائها لخدماتها بفعالية وتمييز في مختلف الميادين الإدارية، الاقتصادية، الصناعية والتجارية اقتضتها ضرورة تلبية الحاجيات المتزايدة للمجتمع، مما يجعل المنظمة لا تبقى حبيسة المقترب القانوني الجامد في التسيير، إذ أصبحت ملزمة باعتماد المقترب العلمي الواقعي لضمان قدر أكبر من الفعالية لتحقيق أهدافها، بالاهتمام بالبعد الإنساني للعاملين بها ومقاربة واقعية للعلاقة التي تربط بعضهم ببعض من جهة وعلاقتهم بالجمهور من جهة أخرى في إطار محيط عام يؤطر عمل المنظمة ويؤثر فيها سلبيا وإيجابيا، هكذا برزت عدة مفاهيم في سياق دراسة الظاهرة الإدارية، تتمثل في العلاقات الإنسانية والعلاقات العامة ومحيط المنظمة، فما المقصود بهذه المفاهيم؟
وباستقراء مجموعة من تعاريف لباحثين ومتخصصين نخلص إلى تحديد لهذه المفاهيم كالتالي:
– العلاقات الإنسانية هو ذلك التنظيم غير الرسمي للقوى البشرية العامة داخل المنظمة التي من شأنها تزكية الرضى بالعمل، وقد ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية مع “ألتون مايو”
– العلاقات العامة: هي مهمة التنشيط المستمر للعمليات الاتصالية بين بين أعضاء المنظمة لتعزيز الثقة بينهم وبين الجمهور.
– وقد تم تعريفها في قاموس أكسفورد على أنها” الفن القائم على أسس علمية لبحث أنسب طرق التعامل الناجحة المتبادلة بين المنظمة وجمهورها الداخلي والخارجي لتحقيق أهدافها مع مراعاة القيم والمعايير الاجتماعية والقوانين والأخلاق العامة بالمجتمع بعدما تم تحديد المفاهيم أعلاه، وإن بشكل مختصر ومبسط، تبقى الإشكالية المحورية للموضوع هي كيف تؤثر العوامل المذكورة في العاملين بالمنظمة وكيف ينعكس ذلك على عملها وعلاقتها بالجمهور مع الاسترشاد بواقع المنظمة بالمغرب.
إن أهمية دراسة هذه الإشكالية تنبع من الاعتبار المتزايد للمقترب العلمي الواقعي في مقابل المقترب القانوني لدراسة الظاهرة الإدارية، سيما وأن جمهور المرتفقين يعبر بين الفينة والأخرى عند عدم الرضى عن الخدمات المقدمة من طرف الإدارة.
ولدراسة هذه الإشكالية يتعين التطرق لدور العلاقات الإنسانية في عمل المنظمة في المبحث الأول من هذا العرض، ثم نتناول في المبحث الثاني تأثير العلاقات العامة والمحيط الخارجي من عمل المنظمة، من خلال تحديد المرتكزات للعلاقات العامة ودورها في عمل المنظمة.

المبحث الأول: العلاقات الإنسانية داخل الإدارة
إن كلمة العلاقات تعني الروابط التي تنسج بين أفراد المنظمة وكلمة الإنسانية تعني جميع الصفات والمشاعر النفسية الداخلية التي تميز الإنسان كصفات العدل والتسامح والتكبر والظلم والاحترام والانفتاح والانغلاق… وغيرها وبذلك تكون العلاقات الإنسانية جملة من التفاعلات ما بين الأفراد وفي مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، كذلك فالعلاقات الإنسانية داخل الإدارة بهذا المعنى هي مجال من مجالات الإدارة وتعني اندماج الأفراد في موقف العمل بطريقة تحفزهم إلى الاشتغال معا لتحقيق أكبر إنتاجية مع تحقيق التعاون بينهم وإشباع حاجاتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية .
نستخلص من هنا أن العامل الإنساني هو الأساس الجوهري الذي تقوم عليه الإدارة السليمة للقوة العاملة – المستخدمين والموظفين- وكذا العمال فالعاملون بشر وليسو آلات تحركها الإدارة إذ أنه لهم عواطف وقيم ومشاعر واحتياجات، لكن اهتمام الإنسان والدارسين على وجه الخصوص لم يبدأ إلا مع الثورة الصناعية وتطور وسائل الإنتاج وما واكب ذلك من تطور على مختلف المجالات.
وهكذا بدأ علم الإدارة يأخذ مكانه من بين العلوم الأخرى، ومن هنا برزت مجموعة من المدارس حاولت وضع أسس هذا العلم رغبة في إيجاد مخرج للتسيير العشوائي للإدارة الذي طبع المراحل السابقة وهذه المدارس اختلفت نتطرق لأفكار مدرستين هما مدرسة الإدارة العلمية وكذا مدرسة العلاقات الإنسانية على اعتبار أن المدرسة الأولى لعبت دورا كبيرا في تطور علم الإدارة وهو الإطار الذي يندرج فيه موضوع هذا البحث، أما مدرسة العلاقات الإنسانية فتقع في صلب الموضوع وبالتالي يتعين معرفة هذه المدارس وأفكارها المؤسسة.
المطلب الأول: المدارس والأفكار المؤسسة
سنتطرق لأفكار مدرسة الإدارة العلمية ثم بعد ذلك نتناول ما طرحته مدرسة العلاقات الإنسانية
أولا: مدرسة الإدارة العلمية
أهم روادها “فرديرك تايلور” (1956-1915) الذي يرى أن الهدف الأساسي للإدارة هو الحصول على أكبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل مصحوبة بأكبر قدر من الرفاهية الممكنة للعامل ويكون ذلك عن طريق الزيادة في إنتاجية الأفراد وترتكز مفاهيم تايلور للإدارة العلمية على ما يلي:
– إدخال الأساليب العلمية على الأساليب القديمة
– استخدام الطرق العلمية لتدريب العمال
– إيجاد وتنمية نوع من الصداقة بين الإدارة والعمال
وما يهمنا هنا هو جانب العلاقات الإنسانية في نظرية تايلور الذي اهتم بجميع جوانب العملية الإدارية حيث حاول وضع أسس علمية للإدارة بدل العشوائية وقد لقيت نظريته هذه معارضة شديدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة من النقابات العمالية حيث استند هجومهم على أنه تعامل مع العامل كما يتعامل مع الآلة وتجاهل بشكل كبير الجانب الإنساني وقد اعتبر تايلور أن زيادة الأجر هي المحرك الأساسي لعجلة الإنتاج وتجاهل التقدير الشخصي والمهارات الفردية وكذا سرعة اتخاذ القرارات حيث ركزت على الجانب العلمي للإدارة مهلة كون هذه الإدارة علما وفنا في نفس الوقت.
اهتم المنظر الفرنسي “هنري فايول” (1811-1925) بعلم الإدارة هو الأخر في إطار ما يمسى بمدرسة الإدارة العلمية ويرفعه الكثيرون إلى مصاف الأب الحقيقي للإدارة الحديثة، إذ وضع 14 مبدأ للإدارة الحقيقية والفعالة وسنحاول سرد بعض هذه المبادئ:
– تقسيم العمل: الذي يستهدف الحصول على أكبر قدر من الإنتاج
– وحدة الأوامر: الموظف يجب أن يتلقى تعليماته من رئيس واحد
– المساواة بين الأفراد وتحقيق العدالة فيما بينهم
– الترتيب: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب
– المبادرة: إعطاء الموظف الفرصة لممارسة قدرته على التصرف وتنميته روح الخلق والابتكار.
وهذه المبادئ التي جاء بها فايول هي مبادئ مثالية يمكن تحقيقها في الواقع لكن مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية اللازمة لتحقيقها منها: تدبير الموارد البشرية التي تعتبر أهم عنصر من عناصر النشاط الإداري.
وقد وجهت لهذه المدرسة كذلك مجموعة من الانتقادات ومن بينها التركيز على التنظيم أكثر من الجانب الإنساني الذي لم تهمله ولكن لم تعطه حجمه الحقيقي كعامل مؤثر في المنظمة ونجاحها.
ثانيا: مدرسة العلاقات الإنسانية
بدأت دراسات هذه الحركة بالتجارب التي أجراها “إلتون مايو” (1980-1949) بمصانع الهورتون بشركة ويسترن إليكتروني عامي (1924-1932) والهدف من هذه التجارب كان هو قياس الآثار المترتبة على تغيير الظروف المادية للعمل كالإضاءة والتهوية والرطوبة والضوضاء على إنتاجية العمال.
وقد توصلت هذه الدراسات إلى نتائج مهمة يمكن إجماله فيما يلي:
– السلوك الإنساني أحد أهم العوامل الأساسية للزيادة في الإنتاج.
– الحوافز المعنوية للأفراد التي تشبع حاجاتهم النفسية والاجتماعية تعتبر أكثر أهمية من الحوافز المادية في الزيادة في معنويات العمال وتحقيق الكفاءة الإنتاجية.
– التنظيمات والاتصالات غير الرسمية في العمل لها تأثيرها الفعال في اتجاهات الأفراد نحو العمل فهي بذلك تمارس نوعا من الرقابة الاجتماعية.
– مشاركة العاملين في الإدارة هو الأسلوب الكفيل بتحقيق أهداف المشروع
وهكذا نلاحظ أن حركة الإدارة العلمية شأنها في ذلك شأن حركة العلاقات الإنسانية حاولت التوصل إلى أحسن طريقة لأداء العمل والزيادة في الإنتاج إذ ركزت حركة الإدارة العلمية على الجانب المادي والفني وقد تصور رواد الحركة العلمية أن التنظيم البيروقراطي بمثابة بناء تنظيمي نموذجي تسوده الانضباطية من جهة والضبط والمراقبة من جهة أخرى وتغيب فيه كل أشكال التفاعل الإنساني.
وعلى النقيض من ذلك ركزت حركة العلاقات الإنسانية على أن الإدارة الديمقراطية تعتمد في تدبيرها لطريقة العمل بالإضافة إلى الحوافز المادية على الحوافز المعنوية التي لها تأثير واضح على العاملين.
المطلب الثاني: أسس وأهداف العلاقات الإنسانية
تؤدي العلاقات داخل الإدارة أو المنظمة أدوارا مهمة في تحفيز المواطنين “مازالت الاتجاهات الحديثة في إدارة الأفراد ترتكز على العلاقات الإنسانية والاستفادة من نتائج البحوث في علم النفس والاجتماع والانتروبولوجيا”
هكذا فإن طبيعة العلاقات الإنسانية السائدة داخل المجتمع الصغير تلعب دورا أساسيا في التخفيف من وطأة الآلية المفرطة في العمل وكذا في كسر الروتين الإداري والنمطية التي تجعل العمل ثقيلا ومملا، إلا أن هذه العلاقات يجب أن تبقى في الحدود المعقولة ويجب الأخذ بها من طرف الرئيس أو المشرف إلى جانب اعتبارات أخرى، إذ أن العلاقات الإنسانية لا تكفي لنجاح العمل بل لا بد من المحافظة على هيبة التنظيم بمعنى أنه لا يسمح بالمحاباة والمجاملات على حساب العمل حتى لا تؤدي دبلوماسية العلاقات الإنسانية داخل الإدارة إلى مجاملات شخصية تحقيق لأغراض لا تمت بصلة إلى الزيادة في الإنتاجية.
ويمكن القول أن العلاقات الإنسانية تضمن العاملين داخل المنظمة الرضا الوظيفي، كما أنها تحثهم على التفاني في العمل والزيادة فيه، ومن شأن جودة هذه العلاقات إبعاد أجواء الاضطرابات النفسية والتشاحن والعقد، كما أنها تعزز الانتماء الإداري من قبل جميع العاملين ويمكن إجمال أسس وأهداف العلاقات الإنسانية فيما يلي:
– استخدام خبرة الفرد وتقديره الصحيح للأمور لإقامة علاقات إنسانية جيدة وتطبق العلوم الإنسانية ومبادئها في هذا المضمار كعلم النفس والاجتماع والانتروبولوجيا.
– إشراك العاملين في اتخاذ القرارات لجعلهم يحسون بقيمتهم كأفراد.
– الاتصال والتواصل عنصر أساسي في فهم طبيعة العاملين وتقدير احتياجاتهم وميولاتهم ورغباتهم.
– العدل في المعاملة ومساواة العاملين أمام القانون:بقصد هنا المساواة المعنوية وليس المساواة الحسابية.
– تقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية حتى لا تتحول دبلوماسية العلاقات الإنسانية إلى نوع من المجاملة على حساب العمل.
– إتاحة مبدأ تكافؤ الفرص أمام العاملين.
– مساعدتهم على التغلب على الصعوبات سواء داخل الإدارة أو خارجها.
– مساعدة الموظفين الجدد على الاندماج داخل التنظيم وعدم عزلهم حتى يساهموا في الإنتاج بشكل اكبر.
– إن الإدارة المحفزة يجب أن تسود فيها علاقات سلبية مفعمة بالتعاون والإخاء والاحترام المتبادل بين الموظفين سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين وذلك في ظل القانون والانضباط والمسؤولية.
المطلب الثالث:العلاقات والإنسانية والإدارة المغربية.
“يلاحظ أن الإدارة المغربية عرفت فتورا متزايدا في الآونة الأخيرة حيث أصبحت حلبة للصراع وتصفية الحسابات بين الأحلاف/الأحلاف المضادة،هكذا تضيع العملية الإدارية وتشتت الجهود ويضيع الوقت وتسود اللامبالاة،والعدوانية وتطغى العلاقات الشخصية والصراع العدواني بدل التآزر الذي يعني تظافر الجهود لتحقيق المصلحة العامة.”
يتجلى لنا من هذه العبارات السابقة واقع حال الإدارة المغربية وما يسود فيها من طغيان للأنانية وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة كما يسود الفساد الإداري المحسوبية والرشوة ،لكن هذا جعل الروح المعنوية للموظفين تتدنى إلى مستويات قياسية ،وقتلت روح الخلق والإبداع لدى العاملين فيها باعتبار جملة من العلاقات المشبوهة بين الرؤساء والمرؤوسين في غالب الأحيان.كذلك فان إهمال الجوانب الاجتماعية والنفسية للموظفين باعث مستقبلها في إطار نظام السلف الذي أطلقته مجموعة من الشركات الخاصة خلال15سنة الأخيرة والتي أصبحت تعيش ظروفا مأساوية حيث أصبح العمل الإداري لهذه الفئة لا يطاق.
لهذه الاعتبارات أصبحت البيروقراطية بمفهومها السلبي تطغى على كل جوانب الإدارة المغربية مع عما يصاحب ذلك من روتين إداري ونمطية وكذا تطبيق حرفي للوائح يجعلها تنصرف في غالب الأحيان عن روحها ومضمونها ولنا إن تسوق مثال مجموعة من المؤسسات العمومية التي تم تحويلها إلى قطاع الخاص بعد إن كانت مفلسة وأصبحت تحقق إنتاجية عالية بسبب التسيير الجديد.

المبحث ثاني: العلاقات العامة والمحيط الخارجي في عمل المنظمة
يعتبر نشاط العلاقات العامة من بين أهم الوظائف المحددة لنشاط المنظمة سواء على المستوى الداخلي أو في علاقتها مع الجمهور، هذه المنظمة التي تبقى بدورها محط تأثير من المحيط الخارجين فما هي المرتكزات الأساسية للعلاقات العامة وكيفية تأثيرها في المنظمة (مطلب أول)، وما مدى تأثر هذه الأخيرة بمحيطها الخارجي (مطلب ثان).
المطلب أول: المرتكزات الأساسية للعلاقات العامة ودورها في المنظمة
لقد كانت نشأة العلاقات العامة للتحولات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية كان لها الأثر العميق على دور المنظمات سواء منظمات الأعمال أو المنظمات العامة، فقد ساهمت الثورة الالكترونية في تسريع الاتصال ونقل المعلومة وانتشارها بمختلف وسائل النشر والإعلام مما أدى تزايد الوعي الجماهيري، مما جعل المنظمة في مواجهة مجموعة من التحديات اعتبار لتزايد الطلب على خدماتها، مما فرض عليها اعتماد العلاقات العامة كأسلوب للتواصل مع الجمهور في سبيل تحقيق مهامها، هدا الأسلوب الذي يعتمد توجهين داخلي وخارجي، فعلى المستوى الداخلي للمنظمة ترمي العلاقات العامة إلى تأسيس جسر التواصل بين العاملين بها بالأخذ بعين الاعتبار اهتماماتهم وآرائهم عند اتخاذ القرار وتسهيل تحقيق الأهداف المرسومة عبر التخطيط والبرمجة والتنسيق والتنظيم بوسائل مختلفة كالاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات، وعلى المستوى الخارجي يربط الصلة الوصل بين الجمهور والمنظمة باستطلاع آرائه واتخاذ القرارات المناسبة والسريعة لتلبيات حاجاته وإقناعه بتفهم الإكراهات عند الأزمات خدمة للصالح العام، وبذلك يمكن تلخيص مهام وأهداف العلاقات العامة في:
– التعريف بنشاط المنظمة لأجل اطلاع الجمهور على خدماتها وكيفية الحصول عليها، للتأثير على الرأي العام لكسب رضاه، وبالنسبة للإدارة المغربية فإن ضعف الأداء على مستوى التعريف الدقيق للاختصاصات يخلق اضطرابا لدى المرتفق في التوجه للمصالح المختصة لقضاء خدمته ففي مجال التعمير يصعب الفصل بين اختصاص الوكالات الحضرية والمجلس الجماعي وأقسام التعمير في العمالات، مما يفسر انغلاق الوزارات على نفسها وانغلاق المصالح في نفس الوزارة على نفسها وهو ما يؤدي إلى تضارب القرارات حتى على مستوى نفس المصلحة.
– البحث وجمع المعلومات عن طريق القيام باستطلاعات للرأي حول خدمة المنظمة، وعن خدمات المنظمات المماثلة وإعداد الخطط للوقاية من الأزمات ولعلاج الأزمات الحالة.
التفاعل مع رغبات الجمهور ومسايرة اهتماماتهم وفقا للأنظمة والقوانين الجاري بها العمل ففي فرنسا تم إنجاز دراسة حول كيفية الاستقبالات في الإدارة وتبين أنها تعتمد وسائل تقليدية تجعل المواطن ينتظر لأكثر من 15 دقيقة من وقته فتقرر تطوير وتحديث عملية الاستقبال لتقليص مدة الانتظار ل5 دقائق، لكنه إذا تم إسقاط نفس المثال على بعض الإدارات المغربية فإن عملية الانتظار تصل إلى الساعات بدل الدقائق والذي يرجع لغياب عملية التسهيم ووضع رسوم تشير إلى المصالح وغياب أسلوب اللياقة والتخليق المطلوب توفره في موظف الاستقبال إذا كان موجودا أصلا.
تنسيق التواصل بين أفراد المنظمة بشكل يدعم التكامل بينهم في أداء مهامهم واطلاعهم على المعطيات والمعلومات، فلم يعد للبيروقراطية السائدة بين الرئيس والمرؤوس والمؤسسة على نظام عمودي مكان في الإدارة الحديثة التي لم تعد تقتصر على تسهيل عملية التواصل والاتصال وإنما الانفتاح على الكفاءات والتشاور خدمة للصالح العام.
– تقييم عمل المنظمة وإعداد البرامج المتوقعة لعمل المنظمة، ففي بريطانيا ونيوزيلندا عمل إشراك المجتمع المدني لخدمات المنظمات الحكومية عبر الحملات الإعلامية والنقاشات، دورا أساسيا في تحسين جودة الخدمات إذا أصبح ينظر للمرتفقين كزبناء.
– هكذا يمكن للمنظمة تنمية روح العمل بين العاملين بها بتنمية المجهود الجماعي المنتج وتحقيق جودة المقدم للجمهور.
– وإذا كانت العلاقات العامة للمنظمات تتشابه إلى حد ما فيما بينها، فإن التنظيم الإداري للعلاقات العامة يختلف باختلاف الهياكل الإدارية للمنظمات، فهي تأتي على قائمة المصالح الإدارية في منظمات الأعمال كالأبناك والشركات الكبرى التي يكتسي فيها التواصل أهمية بالغة باعتبارها ترمي إلى المنافسة وتحقيق الربح، لكن أهمية العلاقات العامة قد لا تكون لها نفس الأهمية غي الإدارات العامة الحكومية، فإذا كانت لها بالغ الأهمية في الوزارات التي تقدم خدمات ذات بعد اقتصادي أو اجتماعي للجمهور كوزارة الاقتصاد ووزارة الصحة، فإن دورها يبقى محدودا في الإدارات ذات الطابع العسكري والأمني الذي تطبعه الهرمية الجامدة في التسلسل الإداري وتعتمد السر المهني في تدبير شؤونها.
وإذا كانت العلاقات العامة تؤثر في عمل المنظمة إن على مستوى الداخلي أو في علاقتها بالجمهور، فما هي العوامل الأخرى المؤثرة في المنظمة؟
المطلب ثاني: تأثير المحيط الخارجي في المنظمة
– تلعب المؤثرات الخارجية المحيطة بالمنظمة دورا أساسيا في طبيعة عمل المنظمة وفي علاقتها بمرتفيقها، فهي تعكس إن بصورة أو بأخرى طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد في الدولة وهو ما نتناوله في النقط التالية:
1- المنظمة والنظام السياسي: إن التوجه السياسي للدولة يعتبر الموجه الرئيسي لعمل المنظمات العاملة في كنفه، فعمل المنظمات في الأنظمة البيروقراطية يعكس الطابع الشمولي لهذه الدول، إذ تتركز القرارات في يد سلطة مركزية وتغيب الشفافية والتواصل وينعدم الابتكار والإبداع الحر وتسود الروتينية فعلى مستوى جهاز القضاء في نظام فرانكو في إسبانيا كانت تحال القضايا الماسة بالنظام الحاكم على محاكم استثنائية خاضعة للرقابة السياسية مما ينعكس على أحكامها وينتفي الحياد القضائي، وهو نفس النظام السائد في مصر بالنسبة للجرائم السياسية التي تخضع للقضاء العسكري في حين أن القضايا غير السياسية تخضع لنظام قضائي يعتبر من الأجهزة القضائية الأكثر نزاهة واستقلالية، في حين أن سيادة الديمقراطية في نظام سياسي معين يعطي للمنظمات حرية أكبر في تسيير شؤونها وإشراك العاملين بها في اتخاذ القرار، وحتى مساهمة الجمهور في إعداد لأنظمتها لتحسين خدماتها.
كما أن شكل الدولة فيدرالية أم بسيطة يؤثر في طريقة المنظمات، ففي الدول الفيدرالية كألمانيا تتمتع المنظمات الجهوية المنتخبة بهامش كبير من الحرية في اتخاذ القرار والتواصل مع الجمهور، في حين تبقى المجالس المنتخبة في المغرب كدولة بسيطة خاضعة لسيف الوصاية الإدارية من طرف السلطة المركزية الوصية في شخص وزارة الداخلية مما يضعف أدائها ويجعلها أكثر تحفظا في اتخاذ قراراتها.
كما أن نقص سيادة الدولة بالاستعمار أو الانتداب يؤثر جذريا في عمل المنظمة إذ بانعدام سيادة الدولة تنعدم حرية اتخاذ القرار بالنسبة للمنظمة التي تكون حبيسة أوامر وتوجيهات خارجية، فإسرائيل كسلطة احتلال قامت بطرد القائم بالأعمال الفينزويلي لدى السلطة الفلسطينية بعدما قامت فنزويلا بطرد السفير الإسرائيلي من بلادها على خلفية الحرب على غزة رغم أنه من المفروض أن السلطة الفلسطينية هي ذات الحق في اتخاذ مثل هذا القرار.
2- المنظمة والبيئة الاقتصادية: للمتغيرات الاقتصادية بالغ الأهمية على دور المنظمة، فدور هذه الأخيرة في مجتمع رأسمالي تحدده الحرية والمنافسة وتحقيق الربح، ويكون دور الدولة هامشيا يقتصر على الوظائف التقليدية للدولة كالأمن والقضاء والدفاع الوطني، واستثناءا التدخل لفرض بعد القواعد أو مساعدة منظمات الأعمال الخاصة على تجاوز أزماتها حفاظا على المصلحة العامة بتحديد الأسعار ومراقبة جودة الخدمات، كما حدث بالولايات المتحدة إذ قدمت الدولة في عهد الرئيس باراك أوباما حوالي 900 مليار دولار لمساعدة المؤسسات المالية والشركات الكبرى لتجاوز آثار الأزمة المالية العالمية.
وفي مقابل فالمنظمات العاملة في مناخ اشتراكي، فإن الهدف المبدئي لها هو تحقيق الرفاهية وإشباع الحاجيات وتعبئة الفائض وتوزيعه بشكل من المساواة باعتماد نظام التوجيه والتخطيط وهو ما يقلص من هامش الحرية والابتكار لديها في مقابل تغلغل السلطة المركزية في جميع أعمال المنظمة ولها يرجع اتخاذ القرار النهائي.
كما أن التقدم الاقتصادي يحاول إيجاد منظمات متقدمة شفافة وتواصلية تواكب هذا التقدم، ففي اليابان على أهمية درجة التقدم العالية يتوفر على إدارة غاية في التبسيط الإداري وخالية من التعقيد، في حين تروم المنظمات في الدول المتخلفة على التعقيد وضبابية الأهداف وتدمر الجمهور من طبيعة خدماتها، ففي المغرب بالرغم من قلة ساكنته وصغر مساحته مقارنة مع اليابان فإن الأنظمة الهيكلية للوزارات مبالغ فيها بشكل يؤدي إلى تداخل الاختصاصات وتعقد المساطر المتعددة بتعدد المديريات والأقسام بنفس الوزارة.
3- المنظمة والبيئة الاجتماعية: تعتبر المنظمة وحدة من وحدات النظام الاجتماعي فهي جزء منه وتهدف إلى تحقيق غاياته، فهي دائمة التأثير والتأثر بالبيئة الاجتماعية، فالمجتمع الذي تسود فيه الأمية والفقر الإشاعات واللامبالاة جعل من مهمة المنظمات في التواصل معه أكثر صعوبة، إذ تسود فيه الرشوة والاتكالية وعدم الثقة والتفاعل بين المنظمة والمجتمع، إذ تتأسس أعمال المنظمات على علاقة الزبونية والقرابة والعوامل الشخصية بدل الموضوعية والكفاءة والشفافية، ففي مجتمع تسود فيه شهادة الزور وحب الانتقام يصعب على جهاز العدالة إصدار حكم نزيه، كما أن البيئة الاجتماعية للقاضي تؤثر في العمل في حين أنه بتمثل القاضي للبنية الاجتماعية في تطبيق القانون على النازلة.
في حين انه في المجتمعات المتحضرة يسود نوع من الثقة بين المنظمة والمرتفقين في جو يطبعه التواصل والشفافية والنزاهة والمواطنة وشيوع ثقافة حقوق الإنسان، ففي مملكة الدانمرك تعمل المنظمات الحكومية والغير الحكومية في تحديد النظام التعليمي بإشراك التلاميذ وأولياء الأمور، كما أن السجن كمنظمة حكومية يوفر من الحقوق السياسية والصحية والاجتماعية ما لا توفره الدول غير الديمقراطية لمواطنيها الطلقاء.

خاتمة
يتضح من خلال الموضوع محط الدرس أن المنظمة سواء كانت منظمة أعمال أو منظمة عامة، تبقى مجالا لمجموعة من التقاطعات الداخلية والخارجية تؤثر على عملها، بشكل يخالف باختلاف النسق السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بالمنظمة، في مقابل الحاجة المستمرة من قبل المرتفقين لخدماتها، مما يقتضي توفير المناخ الملائم للمنظمات لأداء عملها باعتبارها الخلايا الأساسية لتطور المجتمعات.
كما لا يتعين الاستفادة من التجارب المقارنة في البلدان المتحضرة وملائمتها للحاجيات والخصوصيات الوطنية، باعتماد أسلوب يراعي الظروف الاجتماعي للعاملين بالمنظمة ونهج التواصل والتشارك مع المرتفقين مع الاستغلال الأمثل لتكنولوجيات الحديثة وللبحوث والتوصيات الصادرة عن الهيئات الجامعية لضمان حكامة جيدة وتجاوز الأزمات الطارئة.
إعداد كل من:ذ/الظاهري محمد وذ/قاشي مولاي الكبير

 


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...