القانون الدولي الاقتصادي
يتضمن القانون الدولي الاقتصادي جميع المبادئ والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، والتي تحكم إقامة عناصر الإنتاج وتنقلاتها من أشخاص ورؤوس أموال وسلع وخدمات ونقود واستثمارات، وكذلك التبادلات التي تتم بين المجالات الاقتصادية الوطنية المختلفة وتمويل هذه النشاطات، تحقيقاً لمبادئ السيادة والتعاون والتكامل الاقتصادي والاجتماعي ورفاهية الأمم والشعوب.
1ـ الســمات العامـة: يتّصف القانون الدولي الاقتصادي بعدد من السمات العامة التي تميّزه بوضوح من غيره من العلوم الاجتماعية والقانونية بوجه عام، ومن فروع القانون الدولي الأخرى بوجه خاص. كما ترتبط مضامين القانون الدولي الاقتصادي وتطبيقاتها بمدى ثبات الظروف الدولية الاقتصادية وتغيراتها.
أ ـ أصـالـة النشأة: مما لا ريب فيه أن القانون الدولي الاقتصادي مفهوم معاصر وحديث، إلاّ أن جذوره ضاربة في غياهب التاريخ. وقد دلّت المكتشفات الآثارية على أن أول معاهدة في التاريخ أبرمها منذ آلاف السنين فرعون مصر، رمسيس الثاني، مع ملك الحثيين، خاتوسل، وذلك في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكانت تهدف إلى إقامة علاقات سلم وصداقة وتجارة. وقد جرت محاولة جادة في العصور القديمة لوضع تقنين يشتمل على قواعد اقتصادية ضمن ما كان يسمى “قانون الشعوب” الذي وضعه الرومان القدماء لتنظيم التجارة وغيرها من العلاقات المتبادلة مع الأمم الأخرى. كما يدّلنا التاريخ أيضاً على وجود علاقات دولية اقتصادية منذ وُجد طريق جلب العنبر من جزر البلطيق إلى حوض المتوسط، وطريق شراء الحرير من الصين عبر سورية، ثم إلى بقية أرجاء العالم العربي. وكثيراً ما كانت معاهدات حسن الجوار تتضمن مسائل تتعلق بتنظيم التجارة والملاحة بين الدول المتعاهدة. وقد اشتملت اتفاقيات التجارة التي كانت تربط المدن الإيطالية فيما بينها وتربطها كذلك بمعظم إمارات أوربا وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، على العديد من القواعد التي تقرُّ مبدأ حرية التجارة من دون تمييز أو احتكار، وكذلك اشتملت على السماح بتعيين قناصل في الخارج لتمثيل التجار الأجانب لدى الدول المعنية، وتأمين عدم خضوعهم للقوانين الداخلية، وخاصة تلك التي تتضمن أعباء مالية، كالرسوم والضرائب وغيرها. ومن الأمثلة على المعاهدات التي كانت تتناول شؤوناً اقتصادية اتفاقية التبادل التجاري التي عقدت عام 1154م بين الملك الإنكليزي هنري الثاني وكولونيا، وهنالك أيضاًً إعلان هنري الثالث لعام 1174م حول تنظيم الحقوق والالتزامات المالية الناجمة عن تحطم السفن. كما أدرك ملوك بريطانيا في العصور الوسطى، كغيرهم من أمراء البلدان الأخرى، أهمية التجارة الخارجية التي تجلب المعادن النفيسة من الذهب والفضة إلى ممالكهم، فاشترطوا في تشريعاتهم الداخلية ومعاهداتهم مبدأ حرية التجارة والمساواة في المعاملة وعدم التمييز بين التجار الأجانب والوطنيين. ومع بروز النظريات الرأسمالية التقليدية وسيطرتها على الحياة الاقتصادية منذ القرن السادس عشر الميلادي، اقتصر دور الدولة على ضمان الحد الأدنى لحماية التجارة الخارجية، ولم يمنع ذلك من الاستمرار في نهب ثروات الشعوب الخاضعة للاستعمار. ولكن ما لبثت أن انتشرت الأفكار الاشتراكية في أوربا بعد انتصار الثورة الشيوعية في روسيا القيصرية عام 1917م، وكذلك ازداد تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية في العديد من البلدان الرأسمالية في الفترة ما بين الحربين العالميتين. علماً بأن (المادة 23) من عهد عصبة الأمم، كانت قد نصّت على ضرورة منح معاملة عادلة لتجارة الدول الأعضاء. وقد استلهمت هذه المادة أحكامها من الفقرة الثالثة لتصريح الرئيس الأميركي ويدرو ويلسون لعام 1918م (مبادئ ويلسون الأربعة عشر) التي أشارت إلى ضرورة إزالة العوائق الاقتصادية وتهيئة الظروف العادلة فيما بين الأمم المحبة للسلام. من ناحيته، اكتفى ميثاق هيئة الأمم المتحدة في مادته الأولى والمادة (55) بالنص على ضرورة تمتين التعاون وحسن الجوار في العلاقات الاقتصادية بين الأمم. وبناءً عليه، تداعت الدول والهيئات الدولية إلى وضع أطر قانونية محدّدة لتنظيم العلاقات الاقتصادية فيما بينها، والتي تؤكد في معظمها على ما يبدو أفكار التحرر الاقتصادي. فنشأ النظام المالي والنقدي المعاصر بعد عقد اتفاقيات بريتون وودز لعام 1944م المؤسّسة لصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي للتعمير والتنمية (البنك الدولي)، وتولَّت الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (G.A.T.T) المعقودة عام 1947 قيادة النظام الدولي التجاري، وذلك لغاية عام 1995، إذ خلفتها منظمة التجارة العالمية. كما تمّ الإعلان عام 1974 عن النظام الاقتصادي الدولي الجديد وميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية. وتعززت قواعد القانون الدولي الاقتصادي ومبادئه من خلال عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والمتعددة الأطراف، والتي تناولت المسائل المختلفة للعلاقات الدولية الاقتصادية، كالتبادل التجاري وتسوية المدفوعات الدولية وتشجيع الاستثمارات وتنقل رؤوس الأموال والأشخاص والسلع وعناصر الإنتاج. كما أنشئ عدد من التكتلات الدولية الاقتصادية، كمناطق التجارة الحرة والأسواق المشتركة، وتأسّست منظمات دولية اقتصادية متخصّصة، كمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعض المنظمات الإقليمية والهيئات الأخرى لتسوية المنازعات الدولية ذات الطابع الاقتصادي. وأخيراً، برزت المفاهيم الاقتصادية المعاصرة، كالعولمة والشركات متعددة الجنسيات والخصخصة وغيرها من المصطلحات الدخيلة التي أسهمت جذرياً في تطبّع القانون الدولي الاقتصادي المعاصر بمذهب الحرية الاقتصادية، ولم يعد في وجوده أي شك.
ب ـ عالميـة الأهداف: يتضح من تعريف القانون الدولي الاقتصادي بأنه يهدف أساساً إلى تنظيم العلاقات الدولية الاقتصادية ووضع الضوابط اللازمة التي تحكم هذه العلاقات، بما يتوافق مع مبادئ القانون الدولي العام وقواعده، وما تضمنه ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وتتضمن قائمة الأهداف العامة للقانون الدولي الاقتصادي، والقابلة للتأقلم والتطور من حيث الكم والكيف وفق الظروف الدولية المتغيرة، ما يلي:
(1) ـ الإسهام في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتجنب الحروب والنزاعات الاقتصادية والبحث عن حلول عادلة وفعالة لها.
(2) ـ تعزيز الثقة والاعتماد المتبادل من الدول في علاقاتها الاقتصادية مما يُسهم في إنعاش التجارة الدولية وتحقيق رفاهية الأمم والشعوب.
(3) ـ إزالة جميع أشكال التفرقة وعدم استخدام وسائل الإكراه الاقتصادي للضغط السياسي على الشعوب المستضعفة وابتزازها.
(4) ـ إقرار أسس التعاون الدولي من أجل تسوية المشكلات الدولية الكبرى ورفع المستوى المعيشي والرخاء للدول وشعوبها.
(5) ـ تحرير التجارة الدولية وفق قواعد العدل والمساواة في المعاملة والمنفعة المتبادلة، وخاصة ما يتعلق بالدول النامية.
(6) ـ إقرار نظام نقدي عالمي يضمن الاستقرار والثبات في المعاملات المالية الدولية بما يتفق مع مصالح الدول كافة.
(7) ـ تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يضمن تضييق الهوة بين الدول والشعوب حول مستوى المعيشة والرفاهية.
( ـ تأمين التوازن بين مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة والمواد الأولية والغذاء وحماية البيئة من التلوث.
(9) ـ التنسيق بين السياسات الاقتصادية المختلفة للدول والمنظمات الدولية.
(10) ـ صياغة أسس عادلة ومنصفة لتسوية مسألة المديونية والقروض الدولية، وتقوية مؤسسات التمويل الدولية.
(11) ـ تشجيع الاستثمارات الدولية والمشروعات المشتركة ونقل التكنولوجيا والمعرفة.
(12) ـ الرقابة على الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الدولية، بما يضمن حقوق الدول وشعوبها وعدم نهب ثرواتها ومواردها الوطنية.
ج ـ فاعلية الجزاءات: تمتلك الجزاءات ضمن نطاق القانون الدولي الاقتصادي خصوصية مميّزة، ناجمة عن الطبيعة الخاصة لقواعد هذا القانون. فالنظام الدولي الاقتصادي ليس منغلقاً على نفسه ومكوناً فقط من دول ذات سيادة. بل على العكس تماماً، فهو نظام منفتح تتعايش فيه عدة أشخاص ذات أنظمة قانونية متباينة (دول ومنظمات دولية وتكتلات اقتصادية وشركات متعددة الجنسيات وهيئات غير حكومية وأفراد طبيعيون). لذلك لا يمكن للجزاءات الناجمة عن عدم التطبيق أن تُترك فقط لتدخل الدول ذات السيادة. كما تتميّز الجزاءات في القانون الدولي الاقتصادي بالليونة والسرعة في التطبيق والابتعاد عن الرسميات ونسبية الآثار والنتائج والتلاؤم أو التأقلم مع الأوضاع الاقتصادية السائدة، والمتغيّرة بصورة شبه دائمة، وهذا ما يؤمن الفاعلية بدلاً من المثالية في التطبيق، كما هو متعارف عليه فيما يتعلق باحترام قواعد القانون الدولي التقليدي. بالفعل، إن خرق التزام دولي ذي طبيعة اقتصادية يقتضي اللجوء إلى فرض جزاء دولي ذي طبيعة اقتصادية أيضاً. فالهدف من اللجوء إلى إجراءات كهذه لا يتمثّل بمعاقبة من يخالف القانون، وإنما بإعادة إدماجه ضمن إطار العلاقات الدولية الاقتصادية، حرصاً على ضمان التعاون الدولي الاقتصادي. ولهذا السبب يحظَّر حالياً في القانون الدولي اللجوء إلى جميع أشكال التدابير القسرية الانفرادية ذات الطابع الاقتصادي (حصار ومقاطعة اقتصادية، تقييد نشاط الأجانب وحجز أو مصـادرة ممتلكاتهم بدون حق…) والتي غالباً ما تستخدمها الدول أداةً للضغط والابتزاز السياسي. وقد عدَّها القانون الدولي الاقتصادي بمنزلة أدوات عائقة لتطوره وتتعارض مع أهدافه. كما لا يفوّت هذا القانون أي فرصة لإعادة هيكلة الوسائل التقليدية لتسوية النـزاعات، المنصوص عليها في القانون الدولي، كالمفاوضات والوساطة والمساعي الحميدة والتوفيق والقضاء والتحكيم، وذلك لكي تتلاءم مع خصوصية العلاقات الدولية الاقتصادية، وفي الوقت ذاته الذي يبتدع فيه آلية خاصة به لتسوية النـزاعات الدولية الاقتصادية والجزاءات المنبثقة عنها. ولذلك فمن النادر إخضاع مثل هذه النـزاعات لمحكمة العدل الدولية التي تتطلب عادةً إجراءات مطولة ومعقدة، إضافة إلى أن للدول فقط الحق في المثول أمام اختصاصها القضائي دون بقية أشخاص القانون الدولي. مع العلم بأن أشخاص القانون الدولي الاقتصادي الأخرى تؤدي أيضاً دوراً حاسماً في التأثير في العلاقات الدولية الاقتصادية، تماماً كالدول، وخاصة المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات. ولهذا السبب أيضاً يفضّل هؤلاء اللجوء إلى التحكيم بصفته وسيلةً مُثلى لتسوية النـزاعات التجارية أو المتعلقة بالاستثمارات الدولية والتي تتمازج فيها المصالح العامة مع المصالح الفردية الخاصة. على أي حال، تراوح الجزاءات الناجمة عن عدم تنفيذ واحترام قواعد القانون الدولي الاقتصادي، بين الحرمان من حق التصويت لعدم الوفاء ببعض الالتزامات المالية، ووقف تمثيل الدولة العضو في المنظمة أو عدم المشاركة في أعمالها، أو حرمانها من الاستفادة من مساعدات المنظمة وخدماتها (المادة 19 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، والمادة الخامسة من اتفاقية بريتون وودز لعام 1944 والتي تشكِّل النظام الأساسي لصندوق النقد الدولي). وقد يصل الأمر أحياناً إلى حد إيقاع عقوبات اقتصادية محددة. إن فكرة اللجوء إلى تطبيق مثل هذه الإجراءات قد يحقق فوائد متعددة فيما يتعلق باحترام القواعد الدولية الاقتصادية، كونها تهدف إلى تأمين الاستقرار القانوني والمادي للنص الواجب التطبيق، ويتطلب إقرارها توافق الإرادة السياسية وتوافر القوة اللازمة لتحقيق فاعليتها. لذلك لا يتم اللجوء إلى إقرارها وتطبيقها سوى نادراً وبصورة استثنائية، نظراً لروح التسامح التي تسود عادةً العلاقات الدولية الاقتصادية.
2ـ الطبيعـة القانونيــة: بغض النظر عن الجدل الفقهي الدائر حول استخدام تعابير مترادفة ومتقاربة أو متباعدة، كمصطلح القانون الدولي الاقتصادي أو القانون الاقتصادي الدولي أو قانون العلاقات الدولية الاقتصادية أو قانون الاقتصاد الدولي، فلا أحد ينازع حالياً على الرغم من هذا الجدل الذي لا طائل منه عملياً، في وجود فرع متخصص ومستقل ضمن الإطار العام للقانون الدولي، ألا وهو القانون الدولي الاقتصادي، أي التعبير الشائع حالياً في الأوساط الأكاديمية والفقهية.
أ ـ العلاقة بالقانون الدولي العام: يعود الفضل في ارتباط القانونين الدوليين، العام والاقتصادي، إلى وجود الدول المستقلة ذاتها إذ تشكل الحدود السياسية والجغرافية والثقافية عائقاً فعلياً أمام تطور العلاقات الدولية الاقتصادية. لكن الفارق البيّن بينهما يتمثّل في أن قواعد القانون الدولي العام ذات طبيعة حمائية بالدرجة الأولى ومستقرة بأكملها على فكرة ضمان استقلال وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. في حين يعدُّ القانون الدولي الاقتصادي ذا طبيعة شمولية ومستقراً على فكرة تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الدولي مهما كانت العوائق، المتوجب إزالتها وتعميق روح التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول. هذا التجاوز للحدود، أو ما يسمَّى بصورته المثالية: العولمة، يتجسَّد عملياً في التحرر القانوني على صعيد التبادلات الدولية الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية الخاصة، مما يُسهم في تطوير قواعد التجارة الدولية والتنمية المستدامة. من حيث النتيجة، من الصعوبة بمكان القول بوجود قانون دولي اقتصادي مستقل تماماً عن القانون الدولي العام، إذ يرتبطان بعلاقة كتلك التي تربط الابن بالأب، كما يعتمد كل منهما على الآخر، يدعمه ويغذيه ويتغذى منه. ولا يتعدى الأمر في القانون الدولي الاقتصادي احتواء وتنظيم القواعد التقليدية للقانون الدولي العام التي تتأثر بالعامل الاقتصادي. فالاتفاقيات الدولية للتعاون الاقتصادي والمالي والتجاري تشكِّل في الواقع جزءاً من القانون الدولي الاقتصادي، ولا يمكن عدِّها سوى تطبيق خاص لتلك المبادئ المتعارف عليها بين ثنايا القانون الدولي العام: “أمام هذه النتيجة، يمكن القول بوجود قواعد معينة ـ في إطار قواعد القانون الدولي العامة ـ تتميَّز ببعض الخصائص المتصلة بالتكوين والمضمون والتطبيق، بسبب اتصالها بالعامل الاقتصادي، وهي تأخذ من أساليب هذا القانون ما يتناسب مع ضرورة المواءمة مع الظروف الاقتصادية السائدة”.
ب ـ العلاقـة بالتشريعات الوطنية للدول: اختلف الفقهاء في تكييف العلاقة بين القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الاقتصادي، وبين القانون الداخلي للدولة. ويتلخَّص موضوع هذا الجدل التقليدي في أن فريقاً منهم يرى أن القانون الدولي يتمتع بنظام مستقل بذاته ومنفصل عن القانون الداخلي، في حين يرى الفريق الآخر أن كلا القانونين يشكِّلان وحدة لا تتجزأ ويجمعهما نظام واحد. ومع ذلك، يبدو أن الاتجاه السائد حالياً في العلاقات الدولية، يتمثّل بضرورة احترام الدول لالتزاماتها الدولية، وخاصة عبر إدماج قواعد القانون الدولي الاقتصادي ضمن نطاق التشريعات الداخلية للدول، سواء على نحو مسبق وعام، كما في (المادة 25) من الدستور الألماني لعام 1949 التي نصت على أن “القواعد العامة للقانون الدولي تعدُّ جزءاً من القانون الاتحادي”، أو بصورة لاحقة عندما تعمد غالبية الدول إلى إقرار قوانين ومراسيم وطنية تتضمن التصديق على الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وذلك لكي تتمتَّع نصوصها بقوة القوانين الداخلية، إضافة إلى صفتها الدولية. كما يهتم القانون الدولي الاقتصادي بتوحيد قواعد القوانين الوطنية التي يمكن تطبيقها على المستوى الدولي، ومن ثم إحداث نوع من التوازن القانوني فيما بينها. فقد أثبتت التطورات الهائلة والمتسارعة التي لا تزال تشهدها العلاقات الدولية الاقتصادية المعاصرة على صعيد تحرير التبادلات التجارية المالية والنقدية؛ وجود حالات تداخل بين أنظمة قانونية اقتصادية مختلفة ملزمة بالتعايش المشترك، مع أنها لا تتفق عادة فيما بينها، لاختلاف الأسس الأيديولوجية التي تستند إليها. وهذا ما قد يؤدي إلى نشوب عدد من النـزاعات القانونية الاقتصادية بين الدول، وبروز حالات تنازع قوانين وطنية بين دول ذات سيادة من جهة، وأفراد طبيعيين أو اعتباريين من جهة أخرى. لذلك لا بد للقانون الدولي الاقتصادي أن يتعرّض أحياناً إلى قواعد القانون الدولي الخاص، المتعلقة بالمسائل الوطنية الاقتصادية المختلفة، والتي قد تُحدث آثاراً ممتدة من المستوى الوطني إلى المستوى الدولي. فمن ناحية، يتلاقى القانون الدولي الاقتصادي مع القانون الدولي الخاص من حيث تطرقهما إلى مواضيع مشتركة، كالوضع القانوني الاقتصادي للأجنبي واستثماراته والشركات متعددة الجنسيات والعقود الدولية والتحكيم التجاري. ولكن من ناحية أخرى، يهدف القانون الدولي الاقتصادي أساساً إلى إيجاد قواعد موضوعية ومستقلة وموحَّدة تحكم تسوية النـزاعات الناجمة عن علاقة دولية اقتصادية، وهذا ما يميّزه من قواعد القانون الدولي الخاص، الذي يُعنى بصورة رئيسية بمجال تنازع القوانين، أي تعيين القانون الوطني واجب التطبيق.
ثانيا ـ مصادر القانون الدولي الاقتصادي
حددت (المادة 38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية المصادر الأصلية للقانون الدولي العام بالاتفاقيات والأعراف الدولية والمبادئ العامة للقانون. أما المصادر الاحتياطية فهي أحكام المحاكم والاجتهادات الفقهية، إضافة إلى مبادئ العدالة والإنصاف. ولكن القانون الدولي الاقتصادي لا تسعفه فقط هذه المصادر التقليدية، والتي ليس في مقدورها أن تقدم الإسهام الكافي في هذا الصدد. وهنا تأتي أهمية المصادر المستحدثة ضمن إطار القانون الدولي الاقتصادي، كقرارات المنظمات والمؤتمرات الدولية والتصرفات الانفرادية للدول ذات التأثير الحاسم في تنظيم العلاقات الدولية الاقتصادية، والعقود الدولية التي لا تزال تؤدي دوراً مهماً في نطاق التنمية الاقتصادية وتطور الاستثمارات الدولية، مع أنها من مصادر القانون الخاص.
1ـ المصـادر التقليديـة: وهي مصادر القانون الدولي العام، الأصلية والاحتياطية، التي حددتها (المادة 38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية كالتالي:
ـ الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة، والتي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من قبل الدول المتنازعة.
ـ الأعراف الدولية المعترف بها، كقانون دلّ عليه تواتر الاستعمال.
ـ المبادئ العامة للقانون التي أقرّتها الأمم المتمدّنة.
ـ أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين.
ـ مبادئ العدالة والإنصاف متى وافق الأطراف عليها صراحة.
أ ـ الاتفاقيـات الدوليـة: أسهمت المعاهدات والاتفاقيات الدولية في تكوين قواعد القانون الدولي الاقتصادي وتطوّرها، بل عزّزت العديد من مبادئ هذا القانون وأعرافه. ويأتي في قمة هذه الاتفاقيات، ميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي نصّ في (المادة 55) على الآتي: “رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية وودية بين الأمم، مؤسّسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على ما يلي:
أ ـ تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ب ـ تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصـادية والاجتمــاعية والصحيـة وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
ج ـ أن يُشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين”.
كما نصّت العهود الدولية حول الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 على عددٍ من القواعد والمبادئ القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان في العمل والعيش الكريم والتعليم والثقافة والصحة والبيئة السليمة والتنمية. هذه الحقوق الاتفاقية التي تؤكد أعرافاً دولية ملزمة، تمَّ تقنينها مسبقاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948. ويتواجد حالياً العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية الاقتصادية، التي تتميَّز بتنوعها وتعدد أشكالها، كونها تتناول مواضيع متعددة الاتجاهات والمضامين. فهنالك اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمساعدة المتبادلة والصداقة والتبادل التجاري وتنظيم التعرفة الجمركية والمؤسّسة للمنظمات والتكتلات الدولية الاقتصادية والاتفاقيات التي تنظم التجارة الدولية بسلع معينة، أو الهادفة إلى تجنب الازدواج الضريبي واتفاقيات الدفع والمقايضة، وما إلى ذلك من نصوص اتفاقية أخرى.
ب ـ الأعـراف الدوليـة: ثمة على المستوى الدولي أعراف ذات طبيعة اقتصادية وتجارية، شبيهة نوعاً ما بتلك التي يتم التعامل على أساسها ضمن نطاق الدولة الواحدة. طبعاً مع وجود اختلافات جذرية في مدى وكيفية التطبيق والأشخاص المعنيين بهذه الأعراف، وخاصة مع وجود العنصر الدولي فيها. ويُستدل على وجود العرف الدولي في إطار القانون الدولي الاقتصادي من تكرار الأعمال القانونية ذات الطابع الاقتصادي الصادرة عن السلطات الوطنية المختلفة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والتي تتناول مسائل دولية أو تؤثر في العلاقات الدولية الاقتصادية، وذلك إضافة إلى بنود المعاهدات والقرارات الدولية التي تعمل الدول على اتباعها بصفة مستمرة ودائمة وتشعر بإلزاميتها. ويشار هنا على سبيل المثال إلى أن نجاح أسلوب التحكيم وتكراره ورغبة الدول المستمرة في اللجوء إليه، قد حوّله إلى عرف ثابت في تسوية المنازعات الدولية الاقتصادية. كما استقر أيضاً العديد من المبادئ التي اكتسبت الصفة العرفية الملزمة نتيجة تكرارها المستمر في قرارات المنظمات الدولية، وخاصة ما يتعلق منها بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول النظام الاقتصادي الدولي الجديد، والتي كشفت عن مبادئ اقتصادية ذات طبيعة عرفية، كالسيادة الدائمة على المصادر الطبيعية واحترام حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية.
ج ـ المبـادئ العامة للقانـون: يحتوي القانون الدولي على العديد من المبادئ القانونية الداخلية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية. وهي تطبيقات خاصة للمبادئ العامة للقانون المستقرة في العلاقات الدولية التقليدية على أسس احترام استقلال الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وحق تقرير المصير والتسوية السلمية للنزاعات. وهنا لا بد من الإشارة إلى مدى إسهام الدول النامية وصراعها المستمر بمواجهة الدول المتقدِّمة من أجل تشكيل وإقرار مبادئ جديدة، تكون عادلة ومنصفة لطبيعة العلاقات الدولية الاقتصادية المعاصرة. هذه المبادئ تعبّر خصوصاً عن النظام الاقتصادي الدولي الجديد، وتتمحور حول رفض سياسة التبعية والهيمنة وعدم المساواة في العلاقات الاقتصادية وتنمية التعاون والتعايش السلمي بين الدول، على أُسس العدل والتكافؤ والمنفعة المتبادلة.
د ـ الاجتهادات القضائية والتحكيمية: بالنظر إلى عمومية نص (المادة 38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، التي تبحث في مصادر القانون الدولي العام، فإن المقصود بأحكام المحاكم، ليس فقط تلك الصادرة عن المحاكم الدولية، كمحكمة العدل الدولية الدائمة سابقاً ومحكمة العدل الدولية حالياً، والتي يمكنها إصدار اجتهادات بصورة أحكام قضائية ملزمة قانوناً أو آراء استشارية ملزمة أدبياً، وإنما يشمل ذلك أيضاً أحكام المحاكم الوطنية التي تستطيع إصدار أحكام مشابهة ومتماثلة في مسألة معينة ذات صفة دولية، مما يكسبها الأهمية اللازمة في تعريف قواعد القانون الدولي وتفسيرها وتطويرها. مع العلم بأن التعامل الدولي الاقتصادي قد استنبط العديد من قواعده القانونية من أحكام القضاء الوطني لدى مختلف الدول، إذ استقى منها ما هو صالح وقابل للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية. أما على الصعيد الدولي، فلم تؤدِّ للأسف محكمة العدل الدولية دوراً ملحوظاً في تحديد وتطوير قواعد القانون الدولي الاقتصادي، كما كسابقتها محكمة العدل الدولية الدائمة، التي أصدرت أحكاماً في تسع عشرة قضية فيما بين عامي 1922و1939 كان منها ثلاث عشرة قضية تتعلق بموضوعات دولية اقتصادية. ومن أشهر القضايا التي نظرت فيها هاتان المحكمتان وأصدرت بشأنها أحكاماً قضائية وآراء استشارية تتضمن اجتهادات قيّمة حول بعض المسائل المتعلقة بالقانون الدولي الاقتصادي؛ القضايا التي تتعلق بموضوعات التأميم والحماية الدبلوماسية للمستثمرين الأجانب. من جهتها، فقد أسهمت محكمة العدل الأوربية في اعتماد قانون أوربي اقتصادي بكل معنى الكلمة، سواء عبر إصدار اجتهاداتها المفسرة للنصوص والقضايا المستجدة لدى السوق الأوربية المشتركة سابقاً، ثم الاتحاد الأوربي حالياً، أم من خلال ممارستها دوراً رقابياً للنظام القانوني الأوربي وإزالة التعارض بين التشريعات الوطنية للدول الأعضاء. وأما فيما يتعلق بالتحكيم الدولي، فهو يمثّل أفضل وسيلة لتسوية النـزاعات الدولية الاقتصادية. إذ تتمتَّع أطراف النـزاع باختيار المحكّمين المعروفين لديهم وممن يتصفون بالخبرة في العمل الاقتصادي والتجاري والحيادية والاستقلالية، بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي الدولي الدائم. كما يتميَّز التحكيم بالمرونة في تحديد الإجراءات وسرعتها وتأمين السرية ومراعاة الاختصاص للنظر في القضية المعروضة. لذلك يُلاحظ أن معظم قرارات التحكيم الدولي تعرّضت للنـزاعات الناشبة ضمن إطار العلاقات الدولية الاقتصادية، وخاصة الجانب التجاري منها. وهذا ما استدعى عقد عددٍ من الاتفاقيات وإقرار بعض المواثيق الدولية التي تضع الضوابط والأسس التي تتعلَّق بالتحكيم الدولي والتنسيق بين التشريعات الوطنية فيما يتعلق بإجراءات التحكيم الوطني والقانون الواجب التطبيق، كاتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، والاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي لعام 1961 واتفاقية واشنطن لعام 1965 حول تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى، ومدونة السلوك حول التحكيم التجاري الدولي التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم/ 2205/ تاريخ 17/12/1966. كما أسهمت مراكز التحكيم الدولية بقراراتها المتلاحقة في تطوير قواعد القانون الدولي الاقتصادي، كتلك الصادرة عن غرفة التجارة الدولية في باريس ومركز تسوية منازعات الاستثمار وجمعية التحكيم الأمريكية ومحكمة لندن للتحكيم الدولي وغرفة ستوكهولم للتجارة ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي. وقد أسهمت هذه الأمثلة إضافة إلى العديد من الاجتهادات التحكيمية الأخرى في تحديد وتفسير قواعد القانون الدولي الاقتصادي ومبادئه العامة، وخاصة في مجالات العقود الدولية والتعويض عن إجراءات التأميم ومصادرة الاستثمارات الأجنبية وإبطال اتفاقيات الامتيازات النفطية.
هـ ـ الإسهامات الفقهية الدولية: تشكّل مذاهب كبار الفقهاء المصدر الاستدلالي الآخر للقانون الدولي العام بجميع فروعه، ومنها القانون الدولي الاقتصادي. ويسهم الفقه الدولي في تحديد القواعد القانونية وشرح مضمونها وتفسير الغامض منها وبيان تطورها التاريخي. ولكن يتوجب دائماً التحلي بالحذر اللازم عند العودة إلى آراء الفقهاء والمؤلفين، التي تتأثَّر غالباً بالنـزعات القومية أو الدوافع السياسية، مع أن آراء الكثير من الفقهاء تميل نحو الموضوعية والابتعاد عن التأثُّر بالنـزعات الخاصة. وقد تضاءل حالياً دور الفقه في تحديد وتفسير قواعد القانون الدولي بسبب ازدياد أهمية الاجتهادات القضائية، وتقنين معظم القواعد القانونية ضمن معاهدات وقرارات دولية، تتعرض لمعظم المسائل التي تهم المجتمع الدولي. وهنا تجدر الإشارة أن القانون الدولي الاقتصادي يدين بنشأته وتطوره العلمي لدراسات الكثير من فقهاء علم الاقتصاد، الذين بذلوا جهودهم لوضع نظام قانوني يحكم العلاقات الدولية الاقتصادية، ومن أشهرهم:
ـ الإغريقي أفلاطون (427ـ347ق.م) الذي تحدّث في كتابه “الجمهورية” عن المدينة الفاضلة، وحيث يعيش الجميع فيها شركاء لتلبية حاجاتهم المشتركة.
ـ اليوناني أرسطو (384ـ322ق.م ) الذي تطرّق في مؤلفاته حول “السياسة” و”الأخلاق” إلى مفهوم الدولة التي تسعى إلى إشباع الحاجات المادية لمواطنيها، وأهمية الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والقيمة الاستعمالية والتبادلية للسلع والنقود.
ـ الفيلسوف العربي ابن خلدون (1333ـ1406م) الذي بحث في كتابه الشهير “المقدمة” في الكثير من المسائل الاقتصادية، كتقسيم العمل والتعاون بين المنتجين ووظائف النقود ودور الدولة في تنشيط الإنتاج والتبادل وزيادة السكان وارتفاع مستوى المعيشة.
ـ المفكِّر الإنكليزي توماس مان (1571ـ1641م) الذي يُعدمن أهم ممثلي المدرسة التجارية، التي تهدف إلى تشجيع تجارة الترانزيت واستغلال الأراضي الزراعية والتخفيف من الاعتماد على استيراد البضائع الأجنبية.
ـ الفيلسوف الإنكليزي وليام بتي (1623ـ1687م) الذي كان يؤمن بوجود قوانين طبيعية تحكم العلاقات الاقتصادية.
ـ الطبيب الفرنسي فرانسوا كيناي، الذي نشر عدة مؤلفات أهمها “الجدول الاقتصادي” و”القانون الطبيعي”.
ـ الاقتصادي البريطاني آدم سميث (1723ـ1790م) ومن أشهر مؤلفاته “بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم” دافع من خلاله عن النظام الصناعي الرأسمالي وشرح مبادئ وقواعد اقتصاد السوق الحر وتقسيم العمل وتنقّل عناصر الإنتاج بحرية عبر الحدود الوطنية.
ـ البريطاني ديفيد ريكاردو (1772ـ1823م) الذي نشر كتابه حول “مبادئ الاقتصاد السياسي” مضمناً إياه مجموعة من النظريات الرأسمالية في القيمة والربح وريع الأرض والتداول والتوزيع والنقود والتجارة الدولية.
ـ القس البريطاني توماس روبرت مالتوس (1766ـ1834م) الذي أصدر كتابين بعنوان “بحث في مبادئ السكان” و”مبادئ الاقتصاد السياسي” تناول من خلالهما تأثير التكاثر السكاني في التنمية وتحقيق الرفاهية الاقتصادية الرأسمالية.
ـ الإنكليزي جون ستيوارت ميل (1806ـ1873م) الذي حاول في العديد من مؤلفاته التوفيق بين مبدأي الحرية وعدم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية، والمتطلبات والأعباء الاجتماعية، كتأمين التعليم ومساعدة الفقراء والمحتاجين والقيام بمشاريع الخدمات.
ـ الألماني كارل ماركس (1818ـ1883م) مؤسِّس الفكر الاشتراكي العلمي، ومن أهم مؤلفاته “رأس المال” و “بؤس الفلسفة” و”البيان الشيوعي”، فقد أسهم في وضع نظرية اقتصادية متكاملة لانتقاد مساوئ النظام الرأسمالي وتناقضاته، وإحلال نظام اشتراكي محله يقوم على منع الاستغلال وسيادة الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية.
ـ الألماني فريدريك آنجلز (1820ـ1895م) الذي أسهم أيضاً في تطوير الفكر الاقتصادي الاشتراكي، ضمن مؤلفاته “وضع الطبقة العاملة في إنكلترا” و”ملاحظات حول نقد الاقتصاد السياسي” و”نظام العمل المأجور”.
و ـ مبـادئ العدالة والإنصاف: والمقصود بها تلك المبادئ التي يعتبرها العقل الإنساني عادلة ومنصفة، وتعبّر عنها عادة حكمة التشريع وقواعد القانون الطبيعي. لكن العدالة كفكرة، يحيط بها الكثير من الغموض نظراً لارتباطها بقيم أدبية غير منظورة، متعددة المضمون، عامة ومجردة. فما يعده بعضهم عادلاً قد لا يراه الآخرون كذلك. وهذا ما قد يؤدي إلى نسبية النتائج والآثار واختلاف الحلول والتسويات المقترحة. على سبيل المثال لا الحصر، لا تزال الدول الاشتراكية سابقاً وبعض الدول النامية حالياً تشكِّك في الكثير من المبادئ المستقرة لدى الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية المختلفة، بل تعدها غير عادلة أو منصفة، مثل القواعد المتعلقة بالحقوق المكتسبة واحترام الملكية الخاصة للاستثمارات الأجنبية. ولهذه الأسباب، عدت (المادة 38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أنه لا يمكن للقاضي الدولي اللجوء إلى تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف، إلاّ إذا وافقت الأطراف المتنازعة على ذلك. وتعدّ مسألة التعويض عن إجراءات التأميم والمصادرة من أهم المسائل التي تلجأ إليها هيئات التحكيم الدولية لإعمال قواعد العدالة والإنصاف.
2ـ المصادر المستحدثة: شهد التعامل الدولي المعاصر ظهور مصادر أخرى للقانون الدولي، لم تلحظها أو تنصُّ عليها (المادة 38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. فقد أقرّ اجتهاد المحاكم والفقه الدوليان بوجود مصادر مستحدثه وغير تقليدية ضمن إطار القانون الدولي العام، برزت وتطورت بموازاة تطور العلاقات الدولية المعاصرة. وتستمد هذه المصادر قوتها القانونية من كونها تعبر عن الإرادة الصريحة لأشخاص القانون الدولي، بل تؤدي دوراً حيوياً ومهماً في تكوين قواعد القانون الدولي الاقتصادي والكشف عنها، وتتعلَّق خصوصاً بقرارات المنظمات الدولية والتصرفات الانفرادية للدول والعقود الدولية.
أ ـ قـرارات المنظمـات الدولية: مع أن المنظمات الدولية قد دأبت على إصدار العديد من القرارات الملزمة، والتي كثيراً ما تكون مجرد تطبيق للقواعد القانونية المنصوص عليها في الميثاق المنشئ للمنظمة، ومن ثم فهي لا تُنشئ بذاتها قواعد جديدة، إلاّ أن ثمة أمثلة لعدد من القرارات الشارعة، العامة والمجردة، تحرص الدول عادةً على مراعاتها كمصدر مستقل بحد ذاته للقاعدة القانونية. وهذا ما ينطبق على الأخص في مجال التعاون الفني والاقتصادي، عندما تتساهل الدول في منح المنظمات الدولية الاقتصادية اختصاص التشريع، بعكس ما هو حاصل لدى المنظمات الدولية الأخرى، إذ تتمسك هذه الدول بمفهومها التقليدي لسيادتها. أما ما يتعلق بالتوصيات أو الإعلانات أو التصريحات وغيرها من الصكوك الصادرة عن المنظمات الدولية، فهي لا تعدُّ ملزمة قانوناً من حيث المبدأ، إلا أن هذا لا يعني بالمقابل الامتناع عن تنفيذها أو تجريدها من أي قيمة قانونية، لكونها تعبّر غالباً عن إرادة معظم أعضاء المجتمع الدولي. وعندما تلتزم الدول باحترامها على نحو متكرر ومتَّسق، فقد تتحول إلى عرف دولي ملزم. بالفعل وبغض النظر عن الجدل الفقهي الدائر حول التكييف القانوني لقرارات المنظمات القانونية وإلزاميتها، إلا أن تكرار النصوص والأحكام التي اعتمدتها هذه القرارات لا يمكن تجاهله أو إنكاره في تحديد القواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية. وخاصة أن هذه القرارات نابعة من إرادة الدول وتُسهم غالباً في تكوين قواعد عرفيه دولية والكشف عنها. ضمن هذا المجال، لا بد من التذكير بقرارات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية منذ انعقاد مؤتمره الأول في جنيڤ عام 1964 وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادرة عام 1974 حول النظام الاقتصادي الدولي الجديد وميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية، وإعلان ليما لعام 1975 الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) والموجَّه أساساً نحو تضييق الهوة في التنمية الاقتصادية بين البلدان المتقدِّمة والدول النامية. إضافة إلى قرارات منظمة التجارة العالمية التي تهدف إلى تحرير التبادلات التجارية الدولية، وقرارات المؤسّسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية والبنوك الإقليمية للتنمية، والمتعلِّقة بتمويل المشاريع الاستثمارية والخدمية للدول النامية وتحقيق التوازن في سعر الصرف وميزان المدفوعات، والوثيقة الختامية لمؤتمر هلسنكي لعام 1975حول الأمن والتعاون في أوربا، وأخيراً قرارات الوكالات الدولية المتخصصة والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، كالاتحاد الأوربي.
ب ـ التصرفات الانفراديـة للدول: يستمد القانون الدولي الاقتصادي أحكامه أيضاً من التصرفات القانونية الصادرة بالإرادة المنفردة للدول والتي ترتب آثاراً قانونية معينة على الصعيد الدولي (تشريعات داخلية، قرارات إدارية، تصريحات أو إعلانات كتابية أو شفهية…) من ثم تكتسب هذه التصرفات مكانتها المتميّزة ضمن إطار تنظيم العلاقات الدولية الاقتصادية. وفي واقع الأمر، لا يخلو أي بلد من إقرار تشريعات وأنظمة وطنية تهدف إلى تنظيم النشاطات الاقتصادية للدولة في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك تنظيم الإنتاج والتسويق والتبادل التجاري والنقدي وأسواق المال وسعر الصرف وفرض الضرائب والرسوم الجمركية والأنظمة المصرفية والائتمانية ومعاملة الاستثمارات الأجنبية الخاصة. وقد تتضمَّن هذه الأحكام أيضاً تحديد استراتيجية التنمية والعلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى. ومن الثابت قانوناً، بل من المتعارف عليه أنه ليس للقانون الداخلي للدولة سلطان خارج حدودها الوطنية، احتراماً لمبادئ المساواة السيادية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ولكن إذا تكرّر النص على القاعدة الداخلية ذاتها في قوانين دول مختلفة، أصبح ذلك دليلاً واضحاً على اعتراف الدول بوجود القاعدة القانونية الدولية. وقد أصبحت هذه التصرفات سواء كان مصدرها السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية للدولة، تمارس تأثيراً مهماً على صعيد العلاقات الدولية الاقتصادية. على سبيل المثال، إن تعويم سعر الصرف من قبل دولة ما لعملتها الوطنية ورفع أو تخفيض قيمة هذه العملة، هو أمر لا ينازع أحد في أنه من صميم الاختصاص الوطني للدولة. ولكن لا يستطيع أحد أيضاً أن ينكر أن هذا التصرف الانفرادي السيادي، سيؤثّر حتماً في علاقات الدولة الاقتصادية بغيرها من الشركاء التجاريين، وخاصة في تدفق الاستثمارات والأموال الخارجية، وفيما يتعلق بمستوردات الدولة وصادراتها. كما أنّ وسائل تسوية النـزاعات الدولية الاقتصادية تستمد بعض أصولها أساساً من الأنظمة القانونية الوطنية، وخاصة فيما يتعلق باللجوء إلى التحكيم التجاري. وتتماثل الأعراف الدولية الاقتصادية مع تلك المعمول بها على الصعيد الوطني.
ج ـ العقـود الدوليـة: وتشكّل مصدراً مهماً يتميَّز به القانون الدولي الاقتصادي خصوصاًً، وذلك نظراً للدور الحاسم الذي تؤديه هذه العقود، لا ضمن إطار الاقتصاد الوطني فقط، وإنما أيضاً على صعيد تطور العلاقات الدولية الاقتصادية التي تتفاعل ويؤثر فيها أشخاص ذوو طبيعة قانونية مختلفة، من دول ومنظمات دولية وأفراد طبيعيين واعتباريين، وعلى الأخص الشركات متعددة الجنسيات. ويعبّر العقد عن توافق إرادتين أو أكثر بقصد إحداث أثر قانوني، يتمثّل في التزام شخص أو أكثر، بمواجهة شخص أو أكثر بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، مقابل تعويض مادي أو عيني. وينطبق أيضاً هذا التعريف على العقود الدولية التي تتميَّز بخصوصية عدم التكافؤ في المركز القانوني بين أطراف العقد وفي إمكانياتهم الفعلية. إذ تُبرم العقود الدولية بين الدولة بشخصيتها الاعتبارية المستقلة أو بواسطة إحدى هيئاتها العامة أو التي تعمل لحسابها، وبين شخص أجنبي، طبيعي أو اعتباري، وغالباً ما يكون شركة خاصة أو متعددة الجنسيات، بقصد القيام بعمل تجاري محدد يتعلق بالبيع والشراء والاستيراد والتصدير واستغلال ثروة طبيعية أو إنشاء مشروع استثماري، وذلك بمقابل يتم الاتفاق بشأنه بين الأطراف المتعاقدة، سواء كان مبلغاً من المال أو حصة من الثروة المستخرجة أو نسبة من الأرباح المتحصلة. وتستخدم عادة تعابير متعارف عليها في الأوساط الاقتصادية والتجارية لتحديد مصطلح الطرف في العقد الدولي، كالمستورد والمورَّد والمصدَّر والمستثمر والبائع والمشتري والمؤجَّر والمستأجر والمنتفع. وتبرز العقود الدولية بأشكال متنوعة، فهنالك عقود المبادلات، كالبيع والشراء، وعقود الاقتراض والتأمين، وكذلك عقود التنمية الاقتصادية، كعقود الاستثمارات والأشغال العامة والخدمات والتوريد والتعاون الصناعي والمساعدة الفنية والاستشارات والمشروعات المشتركة والمقاولات وعقود التنقيب عن البترول واستغلاله وتسويقه وبناء المصانع ونقل التكنولوجيا والمعرفة العلمية. وتتمَّيز العقود الدولية بطول مدة تنفيذها كونها تتعلق في معظم الحالات باستثمار الموارد الطبيعية، كما تمنح أحياناً الطرف الأجنبي الخاص بعض الحقوق والامتيازات، كحرية الاستيراد والتصدير والحصول على بعض المزايا الضريبية والجمركية. وتنحصر عادة خيارات الأطراف المتعاقدة في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي، سواء كان القانون الوطني للدولة المتعاقدة كما هو الحال في أغلب العقود الدولية، أو المبادئ العامة للقانون المطبقة في ميدان العلاقات الدولية الاقتصادية، أو بالعودة إلى قواعد القانون الدولي العام، أو حتى بإيجاد نظام قانوني مستقل يقوم العقد ذاته بتحديده في ضوء ما يسمى بنظرية العقد الطليق. وقد يرغب الأطراف في التزام الدقة في تحرير عقدهم وصوغه، فيلجؤون إلى إدراج الأحكام المنصوص عليها في قانون معين في صلب العقد المبرم، أو يتم الاكتفاء فقط بالإحالة إلى قواعد هذا القانون تلافياً لإثقال نصوص العقد. ولا يعني إدماج أحكام قانونية معينة في العقد أنها ستحكم المنازعة التي ستحصل لاحقاً، إذا لم يقصد الأطراف ذلك صراحة أو ضمناً. ومن ثم ينحصر دور القانون الواجب التطبيق مبدئياً في تحديد مضمون العقد. كما تخضع العقود الدولية إلى أحكام العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي تحكم بعض أنواع العقود الدولية ومواضيعها، والتي تسمو بنصوصها على أحكام القوانين الوطنية للدول المتعاقدة، تطبيقاً لما هو متعارف عليه في القانون الدولي. ويشار هنا على الخصوص إلى اتفاقيات لاهاي لأعوام 1955و1964حول البيوع الدولية للمنقولات المادية، واتفاقية لاهاي لعام 1977حول عقود التمثيل التجاري، واتفاقية ڤيينا لعام 1980حول البيوع التجارية الدولية، واتفاقية منظمة الدول الأمريكية لعام 1994حول العقود الدولية. إن إرادة الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي، تعدُّ إذاً قاعدة الإسناد الخاصة بتنازع القوانين في العقود الدولية. وفي حال تخلّف الإرادة الصريحة، ينبغي عندئذ البحث عن الإرادة الضمنية للأطراف المتعاقدة واستخلاصها من وقائع وظروف التعاقد وملابساته.
رد: القانون الدولي الاقتصادي
ثالثاً ـ مضمون القانون الدولي الاقتصادي
تطوَّر مضمون القانون الدولي الاقتصادي على نحو منهجي ملحوظ، حتى أن بعض مجالات تطبيقاته الأساسية، بدأت تشكِّل فروعاً مشتقة منه بتسميات مختلفة، يمكن إعادة تبويبها في ثلاثة فروع رئيسية: القانون الدولي التجاري والقانون الدولي المالي والقانون الدولي للتنمية.
1ـ القانون الدولي التجاري: وينظّم التعاملات التجارية الدولية كافة وما يلحق بها من مدفوعات مالية متبادلة بين أشخاص القانون الدولي الاقتصادي، كإبرام اتفاقيات التبادل والتعاون التجاري وإقامة التكتلات الاقتصادية ذات الطابع التجاري، مثل مناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة والتكاملات الاقتصادية، وكذلك تسوية المنازعات الدولية التجارية. وتشكّل الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (G.A.T.T) وحالياً منظمة التجارة العالمية، المحور الأساسي الذي ترتكز عليه معظم قواعد ومبادئ القانون الدولي التجاري.
أ ـ مذهب الحرية التجارية: تعود فكرة تحرير التجارة الدولية بجذورها التاريخية إلى العصور الغارقة في القدم. أي إلى عهد الدولة الراعية التي لا تتدخل مبدئياً في الشؤون الاقتصادية في علاقاتها بالدول الأخرى ولا تفرض قيوداً على تبادلاتها التجارية مع العالم الخارجي. ولم تكن تُفرض الرسوم الجمركية في ذاك الوقت سوى لزيادة حاصلات الدولة من الموارد المالية لمواجهة النفقات والأعباء العامة، من دون مراعاة أو اهتمام يُذكر لآثارها الحمائية. وقد أدى المذهب التجاري دوراً مهماً في تنشيط التبادل التجاري العابر للحدود. فالمسألة الرئيسية كانت تنحصر في تحقيق ميزان تجاري رابح، عبر تصدير سلع وطنية بأسعار مرتفعة وبقيمة تزيد على أسعار ما يتم استيراده من السلع الأجنبية. لكن الفكر التجاري كان نصيراً قوياً للتدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي، ضمن إطار تسهيل التجارة الدولية وتشجيعها. ثم ما لبثت أن سادت المدرسة الطبيعية مع بروز الظاهرة الاستعمارية منذ القرن السابع عشر، وقد استندت هذه المدرسة إلى مبدأ تشجيع المنافسة بين المنتجين وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية القائمة على القوانين الطبيعية، وهي قوانين مطلقة وضعها الله لتحقيق سعادة البشر. وفيما بعد، شهد القرن التاسع عشر فترة رواج وتدعيم لمذهب الحرية التجارية، مع تزايد نطاق الأسـواق وقيام الثورة الصناعيـة والإنتاج الآلي الكبير، وتطور وسائل المواصلات والاتصالات. واعتنق الكثيرون المذهب الرأسمالي التقليدي لآدم سميث وديفيد روكاردو وروبرت مالتوس حول سيادة الحرية الاقتصادية المطلقة وعدم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية للأفراد، والتي تتضمن خصوصاً حرية التملك والتعاقد والتجارة وممارسة المهنة حسب المصلحة الشخصية والقوانين الموضوعية للطبيعة، في حين تعمل الدولة على حماية الحريات والحقوق العامة والفردية تحقيقاً للمصلحة العامة. كما دافع الرأسماليون عن قاعدة حرية التجارة الدولية، وعدوا أن التقسيم الدولي للعمل والتخصص في الإنتاج هو المبدأ الأساسي للعلاقات الدولية الاقتصادية. أي أن تتخصص كل دولة في إنتاج سلع محددة تتمتَّع فيها بميّزة نسبية، وأن تستورد ما تحتاج إليه من سلع أخرى من بلاد تتمتَّع بإنتاجها بميّزة نسبية، مما سيؤدي حتماً إلى تنمية التبادل التجاري بين الدول وفق مبادئ المنافسة واقتصاد السوق الحر. وهذا ما اعتمدته منذ عام 1947 الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (G.A.T.T) وما تمّ الاتفاق بشأنه من خلال جولاتها المتلاحقة من المفاوضات التجارية، قبل وبعد توقيع ميثاق مراكش لعام 1994 المنشئ لمنظمة التجارة العالمية. وقد أثمرت هذه الجهود الدولية المكثّفة اعتماد نظام حرية التبادلات التجارية على الصعيد الدولي، من خلال التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية والقيود التعريفية والكمية على معظم السلع الزراعية والصناعية والخدمات المصرفية والتأمين وسوق المال والاتصالات والنقل والمقاولات والسياحة والخدمات المهنية والاستشارات الفنية والملكية الفكرية والاستثمارات ذات الأثر في التجارة الدولية. وتشكِّل حالياً قاعدة حرية التجارة الدولية المحور الأساسي الذي تحوم حوله جميع مبادئ وقواعد القانون الدولي الاقتصادي المعاصر. وفيما يلي أهم النقاط التي تحتويها قاعدة حرية التجارة الدولية والاستثناءات الواردة عليها، حسبما هو مستقر في التعامل الدولي التجاري الذي تقوده منظمة التجارة العالميـة:
1ـ تخفيض وإزالة جميع القيود والرسوم الجمركية وغيرها من العقبات المشابهة، كنظام الحصص والشكليات الإدارية المفروضة على الاستيراد والتصدير، التي تعيق حرية انسياب التجارة الدولية.
2ـ الالتزام باللجوء إلى فرض الرسوم الجمركية فقط لحماية الصناعات الوطنية الناشئة من المنافسة الأجنبية (مبدأ الشفافية).
3ـ الامتناع عن ممارسة سياسة الإغراق. أي إقدام دولة ما على تصدير منتجاتها بأسعار أقل من سعر هذه المنتجات في موطنها الأصلي، مما قد يُلحق ضرراً جسيماً بمصالح المنتجين الوطنيين للدولة المستوردة، أو قد يهدد بوقوع ضرر كهذا.
4ـ حظر دعم الصادرات لكي لا تُباع بأسعار أقل من أسعار مثيلاتها القادمة من دول أخرى. فقد تنال سياسة الدعم من المنافسة الشريفة وتؤدي إلى الاحتكار وإلحاق الضرر بالمنتجات المماثلة.
5ـ إجراء مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف لتبادل التنازلات الجمركية من حيث إعفاء أو خفض شرائح التعرفة المفروضة على السلع المتبادلة. وهذا ما سعت إليه ولا تزال منظمة التجارة العالمية، وكذلك سابقتها الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (G.A.T.T) بعدما تمّ عقد عدد من الجولات التفاوضية التجارية على الكثير من السلع المتداولة.
6ـ يجوز استثناءً تطبيق ما يسمى بـ”الإجراءات الرمادية” التي تتضمن فرض قيود كمية أو التقييد الاختياري للمستوردات بغية تلافي ومنع إغراق الأسواق بالبضائع المستوردة، والتي قد تؤدي إلى الإضرار بالإنتاج الوطني. كما يجوز أحياناً اللجوء إلى فرض إجراءات تجارية محددة على الاستيراد وتقييد المنافسة الأجنبية في حال حدوث أزمة في ميزان المدفوعات أو حصول تدفق مفاجئ وضخم من الواردات من سلع معينة، على نحو يُلحق ضرراً جسيماً بالمنتجين الوطنيين أو يهدد بوقوع مثل هذا الضرر، وهذا ما يسمى بـ”الشرط الوقائي”. ويحق للدول اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية أمنها القومي. علماً بأنه لا يجوز إقرار أو إنهاء العمل بهذه الإجراءات سوى بالاتفاق بين الأطراف المعنية. وكذلك تطبيقها في غضون مهلة محددة، تنتهي بزوال الظروف الاستثنائية التي اقتضت اعتمادها. ومن ثم العودة إلى الأصل في العلاقات الدولية الاقتصادية، أي حرية التجارة الدولية، المستندة إلى مبدأ عدم التمييز في التعامل التجاري الدولي.
ب ـ مذهب الحماية التجارية: يمكن القول إن قاعدة حرية التجارة الدولية قد أسهمت على نحو ملحوظ في تحقيق الرفاهية والتنمية الاقتصادية لدى عدد من دول العالم وفي اتساع نطاق السوق والتبادلات الدولية. لكن الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، شهدت اتجاهاً عاماً نحو فرض العديد من القيود الحمائية والاستثناءات على قاعدة حرية التجارة الدولية، وخاصة بعد ظهور دول جديدة على المسرح الدولي، كانت تحاول بذل قصارى جهدها للسيطرة على ثرواتها وتجارتها الخارجية، بما يتفق مع تحقيق التنمية الاقتصادية لمواردها. في حين اندفعت الدول الصناعية من جهتها نحو تطبيق سياسة الحماية التجارية كوسيلة فعالة لتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات لديها ولمواجهة المنافسة العالمية المتصاعدة. وهذا ما أدى إلى زعزعة القداسة التي كانت تتمتَّع بها النظرية الرأسمالية التقليدية في الاقتصاد وقاعدة حرية التجارة الدولية. ومنذ ذلك الوقت، والعالم يشهد إجراءات وقيوداً لا حصر لها بهدف التدخل في سير التجارة الدولية، وتستوي في ذلك الدول ذات الاقتصاد الحر والدول ذات الاقتصاد المخطط. بالفعل، تفرض الدول الكثير من الإجراءات التجارية ضمن نطاق العلاقات الدولية الاقتصادية، التي تهدف إلى التأثير المباشر أو غير المباشر في علاقات الدول التجارية مع الدول الأخرى. ويُطلق عادة على هذه الوسائل أو الإجراءات تعبير قيود أو أدوات الحماية التجارية. وقد لحظت منظمة التجارة العالمية، واتفاق الحماية الموقّع ضمن إطارها حقيقة وجود حالات محددة تقتضي اللجوء إلى فرض إجراءات الحماية التجارية. ولكن عند فرضها، يتوجب مراعاة شروط الجدية والشفافية وحسن النية وإبلاغ الأطراف المعنية ولجنة الرقابة لدى المنظمة بالإجراءات المتخذة ومدة سريان مفعولها وضرورة تحقيق التناسب بين الضرر وتدابير الحماية، وذلك للتوفيق بين هدف حرية التجارة الدولية ومراعاة مصالح الدول التي تتعرض لأوضاع معينة تتطلب فرض قيود الحماية التجارية. وتقسّم هذه القيود إلى فئتين: القيود التعريفية أو الرسوم الجمركية، والقيود غير التعريفية التي تشمل الإجراءات الحكومية الهادفة إلى معاملة الإنتاج من سلع وطنية معينة معاملة تمييزية مقارنة بالسلع المماثلة المستوردة، كنظام الحصص وتراخيص الاستيراد والدعم الحكومي.
2ـ القانون الدولي المالي: يهدف هذا الفرع الأساسي أيضاً من فروع القانون الدولي الاقتصادي إلى وضع أسس قانونية بقصد تنظيم ظاهرة المديونية الخارجية والقروض الدولية ودعم ميزان المدفوعات وتمويل المشاريع الاستثمارية، العامة والخاصة والمشتركة، وتنظيم أسعار الصرف والتبادلات الدولية النقدية، والتأمين الدولي لتنقلات الأشخاص ورؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات. وترتبط جميع هذه العمليات المالية والنقدية بشتى مناحي الحياة الاقتصادية المعاصرة، وخاصة في ظل عصر العولمة وانفتاح الأسواق العالمية وتخفيف القيود على الصرف الأجنبي، مما يسهم في تشجيع الاستثمارات والتبادلات التجارية الدولية.
أ ـ مفهوم الاستثمارات الأجنبية: يعدُّ الاستثمار الدولي من أهم النشاطات العابرة للحدود ضمن مجال العلاقات الدولية الاقتصادية، ويتعلّق خصوصاً بنقل الأموال الوطنية، العامة والخاصة، عبر توظيفها في مشروعات اقتصادية وتنموية خارج الحدود الوطنية، بقصد تحقيق الربح. لذلك يُستبعد من مفهوم الاستثمارات الدولية مجرد الانتقال العابر للأموال من دون توافر قصد توظيفها للاستثمار، كمصاريف النقل والسفر والسياحة وشراء العقارات للأغراض الشخصية، وما إلى ذلك من حركة تنقل الأموال لأهداف لا علاقة لها بالتجارة والاستثمار. وقد لجأت الكثير من الدول إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية بشكليها العام (المشروعات الدولية المشتركة) والخاص (الاستثمارات الأجنبية الخاصة) وتوفير المناخ المناسب والضمانات القانونية والسياسية الملائمة لها، وذلك على الرغم من أن معظم هذه البلدان قد دأبت على وصف الاستثمارات الخاصة بأنها أدوات إمبريالية لاستغلال الموارد الطبيعية للدول الفقيرة وتجاهلها لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول وتحويلها لتدفقات مالية ضخمة من الأرباح المتحققة، باتجاه الدول التي يتبع لها المستثمرون الأجانب، وهذا مايتعارض مع المصالح الوطنية للدول النامية. ويتطلّب نمو الاستثمارات الأجنبية، توافر العديد من المقومات الضرورية، كالأسواق المنفتحة والمواد الأولية والقدرات الشرائية والدخول العالية وقوى العمل المؤهلة، وعلى الأخص توفير المناخ الملائم لتكوين بيئة مشجعة ومواتية للاستثمار. لذلك تلجأ الدول إلى اعتماد سلسلة من الإجراءات الشاملة للعديد من الضمانات والحوافز لحماية رأس المال الأجنبي من المخاطر التي قد يتعرض لها، ولتحقيق معدل عال من الأرباح والتطور. كما تتعرّض الاستثمارات الدولية، كغيرها من المشروعات الاقتصادية أو التجارية، إلى عدد من المخاطر التجارية الناجمة عن حالات الخسارة والإفلاس وسوء الإدارة والانكماش والكساد والركود الاقتصادي. كما تواجه هذه الاستثمارات عدة مخاطر غير تجارية محتملة الوقوع في أقاليم الدول المضيفة لها (الاستملاك ونزع الملكية والمصادرة والتأميم…). ولهذا يسعى المجتمع الدولي كله إضافة إلى بعض الدول ـ منفردة أو مجتمعة ـ إلى إقرار بعض الضمانات القانونية الهادفة إلى حماية الاستثمارات الأجنبية من التعرض لمثل هذه المخاطر وتلافي آثارها الضارة أو التعويض عما تلحقه من خسائر بالمشروع والمستثمر، وذلك تشجيعاً لتنتقل رؤوس الأموال التي تشكل مصدراً مهماً للتمويل الدولي.
ب ـ النظـام النقـدي الدولي: ويتضَّمن مجموعة القواعد والآليات المرتبطة بتنظيم الأوضاع النقدية الدولية بما يكفل تمويل حركة التجارة وتنقل رؤوس الأموال وتسوية المدفوعات الدولية. إن أهم مايميّز ميدان العلاقات الدولية الاقتصادية هو عدم وجود وحدة نقدية مشتركة على الصعيد العالمي. ففي العالم عملات وطنية بعدد دوله. إذ تخضع التجارة الداخلية التي تتم ضمن إطار الدولة الواحدة إلى نظام نقدي وطني واحد، كون الدول لا تقبل عادة أن تتم التعاملات التجارية والنقدية الداخلية سوى بعملتها الوطنية التي تشكِّل رمزاً لسيادتها واستقلالها الوطني. في حين تتم تسوية المدفوعات الدولية للمصدرين والمستوردين للسلع والخدمات ورؤوس الأموال، بتحويل العملة الوطنية إلى عملة أجنبية أو بالعكس. والمقصود بالعملات الأجنبية النقود الورقية والودائع والاعتمادات المستندية والحوالات والشيكات والكمبيالات وبطاقات الائتمان. ويؤثّر سعر الصرف في نظام الأسعار وحجم التجارة الخارجية للدولة وفي وضع ميزان مدفوعاتها. فهو يخضع لتقلبات الانخفاض والارتفاع والثبات حسب عوامل العرض والطلب في سوق الصرف.
3ـ القانـون الدولي للتنميـة: وهو أحدث فروع القانون الدولي الاقتصادي، بعدما اتّسع مجال تداوله بين الأوساط الأكاديمية منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي. ثم ازدادت أهميته عندما بدأت قواعده تعبّر حقيقة عن تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الدولي المعاصر واحتياجاته التنموية. لذلك يمكن تعريف القانون الدولي للتنمية بأنه يتضمَّن: “مجموعة القواعد والمبادئ القانونية الهادفة إلى تأمين حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بهدف تضييق الهوة بين الدول المتقدِّمة والدول النامية، وبما يستجيب لتطلُّعات الشعوب في التضامن والسيادة والسلم والتنمية”. وكانت تتسم معظم قواعد القانون الدولي التقليدي، وبالأخص تلك التي يحتويها القانون الدولي الاقتصادي، بتعبيرها عن مصالح الدول الصناعية المتقدِّمة وحدها، والتي استأثرت بتكوين هذه القواعد وتحديد آليات تطبيقها. ولذلك فقد جسّدت هذه القواعد بمعظمها إرادة الدول المسيطرة على مقدَّرات الدول النامية وثرواتها، وخصوصاً خلال حقبة الاستعمار. ثم تداعت الدول النامية بعد نيلها الاستقلال الناجز وممارسة سيادتها على مواردها وثرواتها الوطنية في إعادة صياغة مبادئ وقواعد القانون الدولي التقليدي لكي يستجيب لتطلعاتها المشروعة في المشاركة في تحقيق عملية التنمية على قدم المساواة مع الدول المتقدِّمة. وهذا ما تسعى إليه بالفعل قواعد ومبادئ وآليات القانون الدولي للتنمية، التي استقرت في ضمير المجتمع الدولي بأسره. وقد بدأت ملامح النظام الاقتصادي المعاصر تتبلور بوضوح منذ بداية حقبة التسعينيات من القرن العشرين. إذ حصلت تحولات جذرية في أركان العلاقات الدولية الاقتصادية التي سادت نحو نصف قرن من الزمن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. كما برز عدد من الاتجاهات المستحدثة والمؤثرة في آليات عمل هذا النظام والفاعلين فيه. ففي شهر آذار لعام 1991، أي في خضم أزمة الخليج العربي الناجمة عن الاجتياح العراقي للأراضي الكويتية وانهيار المنظومة الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) ضرورة إرساء نظام عالمي جديد تسوده من الناحية الاقتصادية آليات اقتصاد السوق وانفتاح الأسواق بقيادة المعسكر الرأسمالي الغربي، الذي تتربَّع على قمَّته الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ ذلك الوقت اتصف النظام العالمي الاقتصادي المعاصر بالخصائص التالية:
(1) ـ سيادة مبادئ اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية.
(2) ـ الاعتماد الدولي الاقتصادي المتبادل.
(3) ـ الثورة العلمية في مجال الاتصالات والتكنولوجيا.
(4) ـ تعاظم دور المنظمات والتكتلات الدولية الاقتصادية.
وتشكِّل العولمة إحدى تجليَّات الحضارة الغربية التي فرضتها التطورات العالمية المعاصرة، وهي تنطوي على قدر كبير من المعطيات والمنعكسات لكونها تمثّل ظاهرة معقدة في بنيانها وملامحها. ولكن لم يتم تداولها على نحو واسع إلاَّ مع بداية حقبة التسعينيات من القرن العشرين بعد انهيار المعسكر الشيوعي وهيمنة النظام الرأسمالي على الساحة الدولية. ولا تزال مسألة تعريف العولمة تثير الكثير من الصعوبات نظراً لحداثة ظهورها ولغموض طبيعتها ومقوِّماتها وكيفية التعامل معها. وتأثرها الواضح بالاتجاهات الفكرية والإيديولوجية للمفكرين وبمواقفهم الإيجابية أو السلبية تجاهها. والعولمة في حقيقتها مفهوم فكري واقتصادي قبل كل شيء، يتجلَّى خصوصاً في سلسلة من الظواهر الاقتصادية المتعلِّقة بتحرير الأسواق الوطنية وانفتاحها على غيره بما يسمح بحرية تنقل الأفراد والأفكار والمعلومات ورؤوس الأموال والسلع والخدمات ووسائل التقنية والاتصالات الحديثة من دون حدود أو قيود، تمهيداً لدمجها في اقتصاد عالمي موحَّد، بعيداً عن التدخل الحكومي في النشاطات الاقتصادية، أي وفق مبادئ اقتصاد السوق الحر وبتأثير الثورة العلمية والتقنية والمعلوماتية المعاصرة. وتقود العولمة مجموعة من المصالح والمؤسّسات الدولية الفاعلة والمؤثرة، كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين والتكتلات الدولية الاقتصادية الكبرى والاحتكارات والشركات متعددة الجنسيات، التي تسيطر عليها القوى الصناعية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان. وتبقى السمة المميّزة لآليات العولمة الاقتصادية هي فرض النمط الرأسمالي الغربي وازدواجية المعايير في التطبيق من دون مراعاة الهوية والخصائص القومية والوطنية والمحلية للمجتمعات تمهيداً لإخضاعها وفرض الهيمنة عليها واقتلاعها من أصولها وثقافاتها.
مراجع للاستزادة:
————–
ـ إبراهيم مشورب، الاقتصاد السياسي (دار المنهل اللبناني، مكتبة رأس النبع، بيروت 2002م).
ـ حازم حسن جمعة، القانون الدولي الاقتصادي المعاصر (القاهرة 1999م).
ـ خالد سعد زغلول حلمي، مثلث قيادة الاقتصاد العالمي (مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، 2002م).
ـ خليل السحمراني، منظمة التجارة العالمية والدول النامية (دار النفائس، بيروت 2003م).
ـ رعد الصرن، أساسيات التجارة الدولية المعاصرة، سلسلة الرضا للمعلومات (دار الرضا للنشر، دمشق 2000م).
ـ زينب حسين عوض الله، الاقتصاد الدولي (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1998م).
ـ سميح مسعود، الموسوعة الاقتصادية (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 1997م).
ـ عادل أحمد حشيش ومجدي محمود شهاب، أساسيات الاقتصاد الدولي (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2002م).
ـ عبد الواحد محمد الفار، أحكام التعاون الدولي في مجال التنمية الاقتصادية (عالم الكتب، القاهرة 1990م).
ـ عرفان تقي الحسني، التمويل الدولي (دار مجدلاوي للنشر، عمـان، الأردن 2002م).
ـ عماد حبيب، القانون الاقتصادي الدولي (دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق 2001م).
ـ عمر إسماعيل سعد الله، القانون الدولي للتنمية: دراسة في النظرية والتطبيق (المؤسّسة الوطنية للكتاب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1990م).
ـ محمد خالد الحريري، العلاقات الاقتصادية الدولية (منشورات جامعة دمشق، 1999ـ2000م).