القانون والعولمة والتلقي التشريعي والتنظيمي
مقدمة عامة:
تشكل مادة المدخل لدراسة القانون أو المدخل في العلوم القانونية كما جاءت في
اإلصالح البيداغوجي الجديد نافذة يطل من خاللها طلبة السنة األولى على القانون ، حيث
تع رف هؤالء بالمبادئ والمفاهيم األساسية التي ستمكنهم من دراسة هذا العلم وفهمه.وعلم
القانون مثل غيره من العلوم يحتاج إلى التمهيد لدراسته ولواله لكان من الصعب فهم
القضايا والموضوعات التفصيلية التي يمكن دراستها ضمن هذا العلم. وال نجافي الحقيقة إذا
قلنا إن طالب الحقوق أشد حاجة لهذا التمهيد منه إلى دراسة أي تمهيد لعلم آخر؛ ذلك أن
الطالب يجد نفسه أمام موضوعات ال صلة لها مطلقا بما سبق دراسته في المراحل الدراسية
السابقة من التعليم باإلعدادي والثانوي .
أهمية المادة :
تبدو أهمية مادة المدخل لدراسة القانون أو المدخل للعلوم القانونية من كونها مادة
مشتركة بين كل المواد التي ندرسها في كليات الحقوق، وهو مادة مفتوحة ومرتبطة
بمختلف العلوم األخرى، لذلك يجب على من يدرسها أن يكون له إطالع بكل تلك العلوم
األخرى .
ومما يزيد من أهمية هذه المادة باإلضافة إلى كونها مشتركة بين كل المواد التي
مدخالا لباقي مواد ووحدات المسالك والتخصصات تدرس في كليات الحقوق،فهي تعتبر
األخرى؛ إذ تدرس لطلبة القانون الخاص والقانون العام واالقتصاد والتدبير.
وتأتي أهميتها كذلك، من مكانتها بين المواد األخرى، ففيها الدرس النظري واألشغال
التطبيقية أو األشغال التوجيهية .
ويبرهن الجانب البيداغوجي كذلك عن أهمية هذه المادة ، حيث يتم تلقينها في شكل
دروس نظرية، يحاول فيها األستاذ المشرف مع فريقه البيداغوجي المزج بين عرض
المفاهيم األساسية وشرحها مصحوبة بأمثلة توضيحية لتسهيل الفهم، ويستكمل هذا الجانب
النظري بأشغال تطبيقية أو توجيهية تكون مناسبة للوقوف على الجانب التطبيقي العملي
لمحاور الدرس النظري .
أهمية القانون :
تتجلى أهمية القانون في أنه يدخل في الحياة اليومية لإلنسان، ذلك أن كل تصرف يقوم به
اإلنسان في ليله ونهاره يدخل في إطار القانون، أو يحكمه القانون، أو منظم بالقانون،
الحاجة للقانون:
فاإلنسان في حاجة إلى القانون ، والقانون ضروري لحياة اإلنسان ،والحاجة إلى
القانون تجعلنا نقول إن له موضوعا ورجاال ولغة خاصة به ؛
أوالا بتحديد المقصود بالقانون وموضوعه لذلك ،تحتاج دراستنا للقانون أن نقوم
ورجاالته ولغته، ثم بعد ذلك نبين مختلف العلوم ذات الصلة بالقانون.
أوال-مفهوم القانون:
القانون بمعناه الواسع هو مجموع القواعد القانونية التي تنظم الحياة في المجتمع.أما
القانون بالمعنى الضيق والدقيق فيقصد به النص التشريعي )مهما كانت مرتبته ضمن تدرج
القواعد القانونية( الذي يصدر عن الجهات التي تضع القانون لتنظيم مسألة معينة أو نشاط
9
معين. فيقال القانون التجاري والقانون البحري والقانون العسكري ، والقانون الضريبي
والقانون الجنائي والقانون المالي.الخ ..،وله كذلك مدلول شكلي يتمثل في النص الذي يصدر
عن السلطة التشريعية ) البرلمان أو الملك أو الحكومة(.
فالقانون بهذه المعاني يهتم بدراسة جميع الظواهر القانونية واالقتصادية واالجتماعية
والسياسية.وفي هذا الصدد، فهو يوضع لحماية الفرد من أخيه وبني جنسه الفرد ومن غيره
ومن الدولة في تطوير المجتمع ويساير تطوره.
هذه التعاريف تقودنا إلى القول بأن للقانون موضوعاا ورجاالا ولغة خاصة به:
1.موضوع القانون : هو دراسة جميع الظواهر السياسية واالجتماعية واالقتصادية
والثقافية والبيئية، غايته األساسية هي تنظيم الحياة في المجتمع وحماية اإلنسان من نفسه
ومن بني جنسه وأخيه اإلنسان، ومن الدولة، كما أن القانون يحدد الحقوق والحريات،
ويساهم في تطوير المجتمع وتحضره، كما يساير تطوره.
2.رجل القانون : هو الشخص الذي تربطه عالقة بالقاعدة القانونية سواء كان من
واضعيها أو الساهرين على تطبيقها أو الدارسين لها:
– رجل القانون :هو المشرع الذي يقوم بوضع القاعدة القانونية؛
– رجل القانون: هو القاضي والشرطي ورجل اإلدارة الذي يطبقها عند النظر في
النوازل والقضايا التي تعرض عليه؛
– رجل القانون: هو المحامي الذي يدافع عن األفراد حتى تطبق القاعدة القانونية
تطبيقا سليما؛
– رجل القانون: هو الفقيه والباحث الجامعي ، الذين يعمالن على تفسير القانون
ودراسته، وإذا ما تبين لهما أن به عيبا أو نقصا أو غموضا قاما بتنبيه المشرع بذلك.فالفقيه
يعمل على تنبيهه إلى األخطاء ويوضحها له ، كما ينبه المحامي والقاضي ألخطائهم.
كل هؤالء األشخاص الذين تربطهم عالقة دائمة ومباشرة بالقانون ويهتمون به أكثر
من غيرهم، لهم صفات يتحلوا بها وهي:
1 -صفات رجل القانون :
-القدرة على اإلدراك؛
-سرعة البديهة؛
-الذكاء؛
-القدرة على التقويم والتقييم؛
-القدرة على التحصيل.
-القدرة على اإلفتاء.
2-لغة القانون:
فكما لكل علم مصطلحاته ومفاهيمه، فإن لعلم القانون كذلك مصطلحاته ومفاهيمه التي
تشكل ما يسمى “لغة القانون”، فهي تتميز بخصوصياتها الخاصة التي تجعلها مختلفة عن
لغات العلوم األخرى كالعلوم الرياضية والعلوم الطبيعية والعلوم الفيزيائية وغيرها… ؛ ومع
ذلك ، فالمصطلح القانوني دقيق كدقة مصطلح العلوم األخرى البحثة.
وحتى العالقة بين اللغة القانونية واللغة العادية تأخذ صورا متعددة؛ فقد يتطابق
المدلول اللغوي مع المدلول االصطالحي القانوني، وقد يكون المصطلح القانوني أوسع
10
مدلوال منه في االصطالح اللغوي. والعكس أنه ، قد يكون المصطلح القانوني أضيق مدلوال
منه في اللغة، كما هو الحال بالنسبة للفظ »التزوير« الذي يأخذ في القانون مدلوال أضيق
منه في اللغة. وقد يكون للمصطلح القانوني مدلول مغاير للمعنى اللغوي، كما هو الشأن
ذلك نجد هنالك علوماا بالنسبة للفظ القانوني »للعين«، ومعناه العقار. ل أخرى مساعدة تهتم
بنفس الظواهر.
ثانيا- العلوم المساعدة للقانون
اا انطالقا من التعاريف والخصوصيات التي ذكرناها ، يمكن القول إن هنالك علوم
متعددة تهتم بدراسة هذه الظواهر التي يهتم بها القانون، كعلم االجتماع وعلم األجناس وعلم
االقتصاد ، وغيرها . فهذه العلوم ليست من فروع القانون ، لكنها مرتبطة به .
فالظواهر القانونية تحظى باهتمام العديد من العلوم، منها ما هو أجنبي عن القانون
وليس من فروعه ، لكنه مرتبط به:
– كعلم االقتصاد؛
– وعلم السياسة؛
– وعلم اإلدارة وغيرها ،
وهناك علوم أخرى مساعدة له وفي خدمته:
– كتاريخ القانون، الذي يدرس تطور القانون والمؤسسات القانونية عبر الزمان؛
– والقانون المقارن، الذي يدرس المقارنة بين األنساق أو األنظمة القانونية كالنظام
الروماني الجرماني والنظام األنجلوسكسوني والنظام اإلسالمي؛
– وعلم االجتماع القانوني: الذي يدرس الظواهر القانونية في عالقتها بالمجتمع
الذي تتحرك داخله.
ثالثا- العلوم القانونية الصرفة
وهذه العلوم مهما كان مصدرها، سواء أكان عرفا أو تشريعا ، فهي ال تخرج عن
تقسمين كبيرين هما:
-القانون العام: ومن فروعه القانون العام الداخلي، والقانون الدولي العام.
أ- تصنيف فروع القانون إلى عام وخاصالقانون الخاص: ومن فروعه القانون الخاص الداخلي، والقانون الدولي الخاص.
يقسم الحقوقيون القانون إلى فرعين أو صنفين أساسيين: القانون العام والقانون
الخاص.
1 -القانون العام: هو مجموع القواعد القانونية التي تدرس تنظيم الدولة والهيئات
العامة، وبعبارة أخرى ، هو القانون الذي يدرس تنظم العالقات بين الدولة واألفراد ، كما
يدرس العالقات بين الدول ،بحيث تتدخل الدولة في هذه العالقات بصفتها صاحبة السلطة
والسيادة.
2 -القانون الخاص: هو مجموع القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين األشخاص
فيما بينهم أو في عالقتهم بالدولة، ال بصفتها صاحبة السيادة والسلطان، بل كشخص معنوي
عادي، وكطرف خاضع للقانون الخاص.
ب- معايير التمييز بين القانون العام والقانون الخاص:
11
هناك عدة معايير اهتدى إليها الفقهاء للتمييز بين القانون العام والقانون الخاص:
1 .معيار غاية القاعدة القانونية:
إذا كانت القاعدة القانونية، في نظر أصحاب هذا المعيار، تهدف إلى حماية مصلحة عامة،
نكون أمام قانون عام، أما إذا كانت تهدف إلى حماية مصلحة خاصة، نكون أمام قانون
خاص.
لكنه يعاب على هذا التصنيف عدم دقته لكون القانون العام أيضا يهدف إلى حماية المصالح
الخاصة، فقانون الحريات العامة مثل حرية التعبير من القوانين العامة، لكنه يهدف كذلك
إلى تحقيق مصالح خاصة ، وبالتالي فإن هذا المعيار ال يكفي للتمييز بين القانون العام
والقانون الخاص.
2 .معيار خصائص القاعدة القانونية:
إذا كانت القاعدة القانونية، في رأي أصحاب هذا المعيار، آمرة نكون أمام قانون عام،
أما إذا كانت مكملة أو مفسرة نكون أمام قانون خاص.
فالقاعدة اآلمرة : هي التي ال يمكن االتفاق على مخالفتها ،
أما القاعدة المكملة : فهي التي يمكن االتفاق على مخالفتها ،
إال أنه يمكن أن نجد في القانون الخاص قواعد آمرة ، كالسن القانونية للزوج مثال
المحدد في مدونة األسرة، وكذلك بطالن االتفاق على كراء مسكن قصد تخصيصه لممارسة
الدعارة، بحيث أن أي نزاع بين المكري والمكتري عرض على القضاء بهدف أداء السومة
الكرائية مثال يقضي فيه القاضي ببطالن العقد ألن األمر يتعلق بقاعدة آمرة تنص على عدم
إمكانية التعاقد على محل غير مشروع.
لذلك ، فإن المعيار المبني على خصائص القاعدة القانونية غير كافي كذلك، لكون أن
قواعد القانون العام أو الخاص ليست كلها آمرة، وليست كلها قواعد قانونية مكملة.
3 .معيار الجزاء:
ويستند على ثالثة مداخل أساسية،
– الحصول على الحق
– تنفيذ األحكام القضائية
– جهة التقاضي
-فالمدخل األول: يتمثل في أن الحصول على الحق في القانون الخاص ، ال يتم إال
بموجب حكم قضائي، حيث ي من ع على الفرد اقتضاء حقه بنفسه، أما في القانون العام فإن
اإلدارة يمكنها أن تقتضي حقها بنفسها باللجوء إلى التنفيذ المباشر والفوري ، ودون حاجة
إلى ط رق باب القضاء.
– المدخل الثاني: يتعلق بتنفيذ األحكام القضائية، حيث يتم هذا التنفيذ في القانون
الخاص بواسطة طرق التنفيذ، كحجز أموال المدين مثال، أما في القانون العام فال يمكن
1 إكراه الدولة على التنفيذ بالحجز على أموالها )
. )
(
1
( أنظر المادة 8 من مشروع قانون المالية لسنة 2015 ، على سبيل المثال.
12
المدخل الثالث: لهذا المعيار هو جهة التقاضي، حيث ترفع النزاعات المتعلقة بتطبيق
قواعد القانون الخاص أمام القضاء العادي )المحاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف والمجلس
األعلى)سابقا(، محكمة النقض حاليا(، أما النزاعات المتعلقة بتطبيق قواعد القانون العام ا
فتخضع للقضاء المتخصص أي القضاء اإلداري بمختلف درجاته.
مالحظة : إلى جانب هذين الصنفين من جهات التقاضي، نجد كذلك:
– القضاء المتخصص: أي القضاء التجاري وقضاء األسرة والقضاء اإلداري ؛ وهو
يخضع لنفس التنظيم الذي يخضع له القضاء العادي .
– القضاء االستثنائي: ال يتكون من محاكم من الدرجة األولى ومحاكم من الدرجة
، وقديما اكم الجماعات والمقاطعات ، والمحكمة ا الثانية، وال النقض، كالمحكمة العسكرية )مح
العليا التي كانت تنظر في الجرائم التي يرتكبها الوزراء قبل أن يتم إلغاؤها(.
خالصة: غير أن هذه المعايير الثالثة تبقى غير كافية لرسم معالم واضحة بين
للفوارق بين هذين الفرعين من القانون العام والقانون الخاص، بل نالحظ
اضمحالالا
القانون. وقد ظهرت آراء تعتبر أن هذه التفرقة إيديولوجية األصل ، ولم يعد لوجودها مبرر
في الوقت الراهن، ونادوا بتطور القوانين ووحدتها وعولمتها، وهدم التفرقة المتجاوزة،
سيما وأن هناك قوانين مختلطة، من بينها على سبيل المثال:
– القانون الجنائي: الذي يصنف ضمن القانون العام والخاص.
– القوانين اإلجرائية: كالمسطرة الجنائية والمسطرة المدنية، وهي قواعد منها ما يدخل
أيضا ا يدخل في ا في إطار القواعد اآلمرة، التي ال يجوز االتفاق على مخالفتها، ولكن منها م
إطار القواعد المكملة، التي يمكن االتفاق على مخالفتها .
– القانون الدولي الخاص: الذي يتضمن أحكام
ا مختلطة، منها قواعد ال يجوز االتفاق ا
على مخالفتها، لكن منها أيضاا ما يدخل في إطار القواعد المكملة، التي يمكن االتفاق على
مخالفتها .
وعموما، يمكن القول إن جهود الباحثين والمهتمين تسير نحو اعتبار الوحدة بين
1 القانون العام والقانون الخاص وهدم التفرقة بينهما. )
. )
بعد هذه المقدمة العامة، سنقوم بدراسة مختلف الموضوعات المتعلقة بالقاعدة القانونية
أو القانون، وذلك بتقسيمها إلى محورين، نخصص األول لبيان موضوع القاعدة القانونية
وأ سسها )او النظرية العامة للقانون ( ، على أن نتناول في المحور الثاني مصادر القاعدة
القانونية. ونختم هذا المختصر بمحور ثالث نستعرض فيه تطبيق القانون وتفسير القانون .
الفريق البيداغوجي :
األستاذ المشرف : ذ.الحبيب الدقاق
المساعدون : محمد