تعيين الحارس القضائي و مسؤولياته
لقد عرفت المادة 818 من ق. ل.ع. الحراسة القضائية بأنه إيداع شيء متنازع عليه بين يدي أحد من الغير و أنه يجوز أن ترد المنقولات أو العقارات.
و بينت المادة 819 من نفس القانون أنه يجوز الأمر بالحراسة من القاضي في الأحوال التي يحددها قانون المسطرة.
إذن فمن خلال هاتين المادتين نستخلص تعريفا للحراسة القضائية و هو أنها إجراء تحفظي مؤقت لا يمس جوهر الحق يتمثل في “الإيداع المادي للشيء محل النزاع بين يدي الغير”.
و هذا الإجراء يأمر به القضاء بناء على طلب واحد أو أكثر من ذوي الشأن في حالة قيام نزاع بينهم على ملكية أو حيازة منقول أو عقار.
و قد عرف الفقه الحراسة القضائية :
بأنها “نيابة يوليها القضاء بإجراء مستعجل و وقتي يأمر به القاضي استنادا إلى نص في القانون بناء على طلب صاحب المصلحة إذا رأى القاضي أنها إجراء ضروري للمحافظة على حقوق أصحاب الشأن و مصالحهم، و يعهد القاضي للحارس بموجب هذا الإجراء بمنقول أو عقار أو مجموع من المال لحفظه و إدارته ليرده مع غلته المقبوضة لمن يثبت حقه فيه.
و قد يعهد القاضي إلى الحارس تصفية المال و توزيع ما ينتج منه على أصحاب الحق فيـــه.
و عرف البعض الأخر الحراسة القضائية بأنها :
“إجراء تأمر به المحكمة على عقار أو شيء منقول تكون ملكيته أو حيازته محل نزاع بين شخصين أو أكثر و ذلك بصورة مؤقتة و محافظة على حقوق الأطراف إلى حين صدور الحكم النهائي.
و لقد ظهرت أهمية الحراسة القضائية في أوائل القرن 20 بعدما أخذ النشاط الاقتصادي يتطور. إذ كانت الحراسة الاتفاقية في السابق أكثر انتشارا، حيث كان تضارب المصالح بين الأفراد محدودا نتيجة بساطة النشاط الاقتصادي، مما يسمح للأفراد بالتوصل إلى اتفاق لوضع المال المتنازع عليه بين يدي أمين يثقون في أمانته و عدله.
و لم يكن من الصعب العثور على هذا الحارس الذي قد لا يكون في غالب الأحيان غريبا عنهم بل قد يكون أحد أطراف النزاع.
و أمام تطور المجتمعات أصبح من الصعب اتفاق الأطراف في نزاع ما على وضع مال معين تحت الحراسة، نظرا من جهة لأهمية هذا المال الذي لم يعد يقتصر على عقار محدود القيمة بل تعدى ذلك إلى شركات و أصول تجارية و مؤسسات صناعية و منقولات غالية الثمن، و نظرا من جهة أخرى صعوبة العثور على حارس يرضي الطرفين لفقدان الثقة و الائتمان نتيجة تعقد الحياة الاقتصادية من ناحية و تزايد إقبال الأفراد على القضاء حتى في أبسط النزاعات التي تنشأ بينهم.
و نتيجة لذلك تخلت الحراسة الاتفاقية عن مكانتها لتحتلها الحراسة القضائية التي ازدادت أهميتها بازدياد التطور الاقتصادي، و هكذا أصبح الأطراف في نزاع ما يفضلون طرق باب القضاء لتعيين حارس على الأموال التي يدعون حقوقا عليها (..) لأن القضاء هو وحده الذي يمكن أن يضمن سير إجراءات الحراسة على وجهها الصحيح و يراقب أعمال الحارس القضائي، خاصة إذا علمنا أن الأموال التي توضع تحت الحراسة هي من الأهمية بمكان حيث تحتاج إلى صيانة جيدة و إدارة محكمة، و هذا لا يقع عادة إلا إذا تم بإشراف القضاء.
فالحراسة القضائية يمكن اعتبارها و بدون تردد أهم إجراء تأمر به المحكمة و أخطرها لأنه يعتبر سيفا ذو حدين إما أن تحسن المحكمة استعماله فيعود بالنفع على أطرافه المباشرة بصفة خاصة و الاقتصاد و الوطني بصفة عامة.
أو أن تسيء هذا الاستعمال فيرجع ذلك خسارة على الجميع ذلك أن آثار الحراسة القضائية لا تنسحب فقط على الأشخاص الذين تنفذ على أموالهم بل تتعداهم لتؤثر على النشاط الاقتصادي.
و لبحث موضوع الحراسة القضائية ككل لابد من دراسة الشروط التي تؤدي إلى قيام هذا الإجراء إذ بدونها لا تقوم للحراسة القضائية قائمة و هذه الشروط تتمثل في جود نزاع مقترن بالجدية و استعجال ظاهر و خطر محدق و ضرورة بالغة.
حيث بدون الحراسة القضائية لا يمكن المحافظة على المال و أخيرا إمكانية الأمر بهذا الإجراء أي قابلية الشيء للوضع تحت الحراسة القضائية.
إلا أننا في هذا العرض سوف لن نتطرق إلى هاته الشروط التي تؤدي إلى قيام الحراسة القضائية، لأن هذه الأخيرة تخضع في قيامها و في تطبيقها لإجراءات مسطرية تنظمها و ترسم دائرتها القانونية سواء من حيث الجهة التي يعود لها الاختصاص بالأمر بالحراسة أو من حيث المراحل التي تمر بها إلى أن يتم تنفيذها.
بمعنى آخر أن النقط المتعلقة بشروط قيام الحراسة القضائية لا تهمنا في هذا العرض بقدر ما تهمنا الآثار التي تنتج عند قيام الحراسة و هذه الآثار مختلفة تبدأ بتعيين الحارس القضائي و تنتهي بإنهاء الحراسة وعلى هذا الأساس سنعالج هذا الموضوع خلال محورين أساسيين :
– نتطرق في الأول، إلى كيفية تعيين الحارس القضائي.
– و في الثاني مسؤولية الحارس القضائي.
– لنختم أخيرا بانتهاء الحراسة القضائية.
المحــور الأول : كيفية تعيين الحارس القضائي :
سنتطرق من خلال هذا المحور إلى نقطتين تتعلق الأولى بتعيين الحارس القضائي باتفاق الأطراف، و الثانية تعيين الحارس القضائي من طرف القضاء.
I – تعيين الحارس القضائي باتفاق الأطراف :
تجيز المادة 819 من ق. ل. ع للأطراف المعنية تعيين الحارس القضائي باتفاقهم جميعا كما تجيز للقضاء الاستعجالي القيام بتعيين الحارس القضائي إذا لم يحصل اتفاق الأطراف على ذلك. إذ اتفاق الأطراف على تعيين حارس لا يعتبر أصلا في الحراسة الاتفاقية فقط و إنما يعتبر كذلك في الحراسة القضائية.
و يأتي دور القاضي بالنسبة لهذه الأخيرة في تعيين الحارس إذا لم يحصل اتفاق بيـن الأطـراف.
فمتى اتفق أطراف النزاع على مبدأ الحراسة – الحراسة الاتفاقية – أو أمر بها القضاء – الحراسة القضائية.
فان أمر تعيين الحارس يترك في كل الحالتين للمتنازعين إذا أمكنهم الإجماع على ذلك. فان لم يحصل الاتفاق تدخل قاضي المستعجلات لتعيين الحارس القضائي بدلا من الأطراف اللذين فشلوا في ذلك.
غير أن اتفاق جميع الأطراف على تعيين شخص ما حارسا قضائيا لا يعني أن الحراسة القضائية تتحول إلى حراسة اتفاقية، لأن العبرة في كون الحراسة اتفاقية أو قضائية تسند للجهة التي فرضت الحراسة في ذاتها، إما جهة الأطراف باتفاقهم عليها أو جهة القضاء بالأمر بها، أما و أن مبدأ الحراسة قد تقرر من طرف إحدى الجهتين فان تعيين الحارس لا يعني أن يكون تابعا لذلك المبدأ، و عليه إذا كانت الحراسة اتفاقية فان طبيعتها لا تتغير و ان تم تعيين الحارس من طرف القضاء.
و إذا كانت الحراسة قضائية فان طبيعتها أيضا لا تتغير و إن كان الأطراف هم اللذين اتفقوا على تعيين الحارس، و توضيحا لذلك فان وقوع أي نزاع بين الشركاء في مال مشترك، و طلب بعضهم من القضاء وضعه تحت الحراسة ثم حصل اتفاق بين أغلبتهم على شخص الحارس القضائي فان القاضي المختص الذي أمر بوضع هذا المال تحت الحراسة القضائية يأخذ برأي هذه الأغلبية و يعين الحارس المتفــق عليــه.
غير أنه يشترط في ذلك ألا يوجه أحد من أصحاب الأقلية أو كلهم أي مطعن ضد الحارس القضائي المعين من طرف الأغلبية من شأنه إضعاف الثقة به، إذ في هذه الحالة إذا تبين لقاضي المستعجلات جدية ذلك المطعن فانه يرفض تعيين ذلك الحارس و يختار أخرا، لأن رأي الأغلبية يلزم الأقلية في حدود ما نصت عليه المادة 917 من ق. ل. ع فهو لا يلزم قاضي المستعجلات ذلك أن مجال تطبيق أحكام إدارة المال الشائع الوارد في المادة 971 و 972 من ق. ع. ل يختلف عن مجال تطبيق أحكام الحراسة على منقول أو عقار قام بشأنه نزاع و كانت تجمعت لدى صاحب المصلحة فيه من الأسباب المعقولة ما يخشى منه خطرا عاجلا من بقاء المال تحت يد حائزه، فان البث بخصوص هذا النزاع يدخل فيما نصت عليه المواد 819 و ما بعدها من ق. ل. ع المنظمة للحراسة و يكون تعيين الحارس القضائي باتفاق ذوي الشأن جميعا فاذا لم يتفقوا تولى القاضي تعيينه وفقا للمادة 819 من ق. ل. ع و عليه إذا فرضت الحراسة القضائية على مال شائع تعين على القضاء تطبيق أحكام الحراسة في شأن هذا النزاع.
و هكذا إذا اتفق ذوي الشأن جميعا على تعيين شخص يكون حارسا قضائيا وجب على القضاء تعيين هذا الشخص. أما إذا لم يحصل هذا الإجماع على تعيين شخص الحارس القضائي فللقاضي السلطة المطلقة بتعيينه، و قد يعين شخصا تتفق عليه أغلبية الشركاء في مال شائع و قد لا يعنيه إذا قدمت الأقلية أدلة تثبت عدم كفاءة الشخص المقترح من طرف الأغلبية لتقلد هذه المحكمة.
و قد ذهب بعض الفقه أنه يعترف للقاضي بإمكانية الاستئناس في تعيين الحارس القضائي برأي من يرى الاستئناس برأيه من ذوي الشأن أغلبية كانوا أو أقلية دون أن يكون ملزما بهذا الرأي.
II – تعيين الحارس القضائي من طرف قاضي المستعجلات .
لقد أجازت المادة 819 من ق. ل. ع في فقرتها الثانية كما أسلفنا للقضاء المستعجل بتعيين الحارس القضائي إذا لم يحصل اتفاق على ذلك، و هكذا و انطلاقا من روح المادة المذكورة يتعين على قاضي الأمور المستعجلة عند إصداره لأمر بحراسة قضائية أن يضمن منطوق هذا الأمر تعيين الشخص الذي تسند إليه تلك الحراسة، و له سلطة مطلقة في تعيين ذلك الشخص الذي قد يكون أحد الأطراف أو أحدا من غير الأطراف أو أحد كتاب ضبط المحكمة أو أحد المنتدبين القضائيين حسب الأحوال و هاتان الحالتان هما الغالبتان كما سنرى.
و هذا التعيين بشخص الحارس القضائي يلزم أطراف النزاع سواء رضوا أو رفضوا ذلك مع حق من لم يرض بذلك التعيين سلوك مساطر الطعن المخولة له قانونا أو في رفع دعوى أمام قاضي المستعجلات الذي قام بتعيين شخص الحارس القضائي يبين فيها أسباب عدم اقتناعه و عدم رضاه بذلك التعيين حتى إذا تبين لذلك القاضي جدية تلك الأسباب أعاد النظر في ذلك التعيين.
و اذ الشخص الذي يعين حارسا قضائيا ليس واحدا في جميع الحالات، و قد يعين حارسا قضائيا أحد الطرفين في النزاع.
و قد يعين حارسا قضائيا أحد من الغير و يكون أجنبيا عن الطرفين.
و كما يمكن تعيين شخص واحد حارسا قضائيا يمكن تعيين أكثر من شخص واحد لهذه المهمة.
و لقد أجاز المشرع المغربي تعيين أحد الطرفين حارسا قضائيا، حيث أجاز الفصل 170 من ق. م. م المغربي إسناد الحراسة لأحد الطرفين.
كما أنه لا يتأتى في بعض الحالات لقاضي المستعجلات تعيين أحد الطرفين حارسا قضائيا كما لو كانت مصالح الطرفين متضاربة و بينهما من المنازعات و الخصومات ما يشكك في نزاهة كل منهما الشيء الذي يصعب معه الاطمئنان إلى أمانة و صدق و ثقة أي منهما، في هذه الحالة يلجأ القاضي إلى تعيين أجنبي لتولــي المهمــة.
و هذا الأجنبي قد يكون شخصا عاديا إذا لمس فيه القاضي النزاهة و الأمانة أو الخبرة و الكفاءة و يعنيه حارسا قضائيا سواء عارض الطرف الآخر أو لم يعارض.
و قد يكون هذا الأجنبي أحد كتاب ضبط المحكمة الابتدائية و هذه الحالة هي الغالبة في مجال تعيين الحراس القضائيين.
و على هذا الأساس يكون أحد موظفي المحكمة المختصين الذي تناط به مهمة الحراسة القضائية هو المسؤول عن هاته الحراسة سواء باشر عمل الحراسة بمفرده أو اتخذ له مساعدا يساعده لإتمام ما لا تستطيع القيام به.
كما يجوز لقاضي المستعجلات أن يعهد لحراسة الشيء موضوع الحراسة القضائية إلى أكثر من حارس إذا وجد ضرورة لذلك و يكلف الحراس القضائيون المعينون في هذه الحالة بأداء المأمورية مجتمعين على النحو المبين في الأمر الصادر بالحراسة القضائية فلا يجوز لأحد الانفراد بإبرام أي عمل قانوني إلا بموافقة الباقين ولكن ليس معنى ذلك أنه يجب أن يجتمعوا عند إبرام العمل القانوني في وقت واحد بل معناه أنه يجب موافقة الجميع، فقد يتعاقد أحدهم مع الغير في وقت معين ثم تصدر موافقة الباقين في وقت لاحق و لو كان ذلك بصورة ضمنية.
و كيفما كان الحال فان الحارس القضائي قد يتمكن من المحافظة على تلك الأموال و تسييرها على الوجه المنشود نظرا لما له من تجربة و حنكة و ما يتصف به من تبصر و تقدير للمسؤولية، و قد لا يتوفر فيه ذلك إذ الحارس القضائي بشر و البشر معرض للخطأ.
المحــور الثانــي : مسؤولية الحارس القضائي .
قد يرتكب الحارس القضائي و هو يقوم بأعمال الحفظ و إدارة الأموال الموضوعة تحت الحراسة القضائية أخطاء عفوية أو مقصودة كما يرتكب تقصيرا و إهمالا، فتتعرض بسبب تلك الأخطاء ونتيجة ذلك التقصير أموال كثيرة و مصالح ذات أهمية لأضرار جسام.
و مما لا شك فيه أن الحارس القضائي، و الحالة هذه يكون مسؤولا عما يقع منه من خطأ، و تكون مسؤوليته إما مدنية فيتحمل بتعويض من يصيبهم ضرر نتيجة أعماله و أخطائه. و إما جنائية فيتعرض للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
لذلك فان هذا المحور يستوجب دراسته من خلال نقطتين :
– الأولى تتعلق بمسؤولية الحارس القضائي المدنية .
– و الثانية بمسؤوليته الجنائية.
I – مسؤولية الحارس القضائي المدنية :
سنعالج في هذه النقطة المتعلقة بمسؤولية الحارس القضائي المدنية طبيعة هذه المسؤولية و أركانها.
و انطلاقا من الفصل 826 من ق. ل. ع يخضع الحارس القضائي في مسؤوليته للأحكام المنظمة لمسؤولية كل من الوكيل و الوديع، و بالتالي فلا يسأل عن خطأه الجسيم إن كان غير مأجور أما إن كان مأجورا فسيسأل عن أخطائه سواء كانت جسيمة أو يسيرة.
إلا أن الفقه اختلف حول بيان طبيعة مسؤولية الحارس القضائي سواء كان مأجورا أو غير مأجور، فذهب رأي إلى أن مسؤولية الحارس القضائي لا تعتبر مسؤولية عقدية ذلك أن الحراسة القضائية في نظر أصحاب هذا الرأي ليست وديعة كما أنها ليست وكالة، بل هي ليست بعقد إطلاقا و إنما هي نيابة قانونية و قضائية، و التزامات الحارس القضائي مصدرها القانون و أمر القضاء لا العقد.
إلا أن الرأي الغالب يذهب إلى أن الحارس القضائي يعتبر مسؤولا مسؤولية عقدية و يفرق بالتالي بين الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير تبعا لما إذا كان الحارس القضائي متبرعا أو مأجورا. (و قد تبنى هذا الرأي أغلب الفقهاء و صدر في أحكام قضائية سيما فرنسا و مصر).
و في الواقع أنه يتعين القول بأن مسؤولية الحارس القضائي مسؤولية عقدية ذلك أن الحراسة القضائية و إذا كانت لا تعتبر عقدا كالوكالة، إذ قمنا بالمقارنة بينهما، و إنما هي نيابة قانونية و قضائية. إلا أن هذا لا يعني أن الحراسة القضائية لا تخضع لبعض أحكام عقد الوكالة ذلك أن الحارس القضائي إذا كان يعتبر نائبا فان الوكيل بدوره يعتبر نائبا، و لهذا فان الحارس القضائي يشبه الوكيل في كثير من الأحكام و من ضمنها المسؤولية نظرا لأنهما يتصفان بصفة نائب و ينتج عن ذلك أن مسؤولية الحارس القضائي تخضع مبدئيا لنفس القواعد التي تخضع لها مسؤولية الوكيل بالتبعية لتلك التي تخضع لها مسؤولية الوديع، و تعتبر بالتالي مسؤولية عقدية، إذ الحراسة القضائية كما عبر عنها بعض الفقه ليست إلا وديعة مقترنة بتوكيل الحارس في إدارة المال الموضوع تحت الحراسة.
و هذا التعليل لاعتبار مسؤولية الحارس القضائي مسؤولية عقدية يعتبر في الواقع تعليلا إضافيا ليس إلا، ما دام المشرع قد عبر عن كون مسؤولية الحارس القضائي مسؤولية عقدية حين أحال بالنسبة لقواعدها على القواعد المقررة في الوكالة و التي أحالت بدورها في بعض قواعدها على القواعد المقررة في الوديعة.
و في كل الأحوال فان مسؤولية الحارس القضائي لا تتحقق إلا إذا وقع منه خطأ فأحدث ضررا نشأ عن هذا الخطأ.
و يقصد بالخطأ في المسؤولية بصفة عامة التقصير الحاصل في سلك الإنسان لا يقع من شخص لا يقع من شخص يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالمسؤول، أما الخطأ في المسؤولية العقدية فيقصد به عدم قيام الشخص بتنفيذ التزامه التعاقدي عن عمد و إهمال، و يعتبر الخطأ أهم ركن في المسؤولية بما في ذلك مسؤولية الحارس القضائي.
و الخطأ الذي يرتب المسؤولية على الحارس القضائي يتجلى في عدة حالات.
و هكذا يكون الحارس القضائي مسؤولا عن عدم تنفيذه للمهمة المحددة له في القرار القاضي بتعيينه أو عند عدم اتخاذه ما يقتضيه العرف في المعاملات.
كما لو أهمل إجراء التأمين إذا كان ضروريا.
أو تصرف في الشيء محل الحراسة دون أن يكون له سبب يبرر ذلك أو تجاوز الحدود المرسومة له في التصرف.
كما يسأل الحارس القضائي عن الغش الذي يصدر منه كأن يعهد إليه ببيع الشيء فيتواطأ مع المشتري على تخفيض الثمن أو أن يكلف بإدارة أرض زراعية فقام بتأجيرها بأجرة بخسة و متواطئا في ذلك مع المستأجر، أو إذا أهمل دفع الضريبة فحجز على الشيء لإستيفاءها إلى غير ذلك من أنواع الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الحارس القضائي و هو يمارس مهامه.
إلا أن مسؤولية الحارس القضائي عن الخطأ الذي يصدر منه تختلف بين ما إذا كان هذا الحارس مأجورا أو غير مأجور.
فاذا كان مأجورا فانه يسأل عن كل خطأ يرتكبه في أداء مهمته سواء كان خطأ يسيرا أو جسيما.
أما الحارس القضائي غير المأجور فانه يسأل فقط عن الخطأ الجسيم.
و عموما إذا كان الحارس القضائي مسؤولا في أداء مهمته مسؤولية قانونية فان هذه المسؤولية لا تتحقق إلا إذا كان هناك ضرر أصاب صاحب الشأن من جراء عدم تنفيذ الحارس القضائي لالتزامه فاذا لم يوجد الضرر فلا محل للمسؤولية و الضرر كركن من أركان المسؤولية إنما يخضع للقواعد العامة في المسؤولية.
فاذا عين الحارس القضائي لأداء مهمة خاصة يجب عليه أداؤها بدون تأخير و إلا كان مسؤولا عن تعويض الضرر الذي يصيب صاحب الشأن من جراء تأخره في القيام بهمته. فإذا عين حارس قضائي مثلا لبيع محصول زراعي وجب عليه بيعه حالا، فاذا تأخر في بيعه و ترتب عن هذا التأخير ضرر متمثل في انخفاض سعر ذلك المحصول أن يبيع فيه المحصول و الوقت الذي تم فيه البيع فعلا.
لا يكفي أن يكون هناك خطأ في جانب الحارس القضائي أثناء القيام بمهمته و لا يكفي أن يكون إلى جانب الخطأ ضرر حدث لصاحب أو أصحاب الشأن بل يجب أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ و الضرر بمعنى يجب أن يكون الضرر ناتجا عن الخطأ فقد يكون هناك خطأ من الحارس القضائي كما قد يكون هناك ضرر بصاحب الشأن دون أن يكون ذلك الخطأ هو السبب في هذا الضرر، مثلا :
كما لو أثبت الحارس القضائي أن الضرر إنما وقع نتيجة لخطأ صاحب الشأن أو بقوة قاهرة أو حادث فجائي.
و جدير بالذكر في ختام هذه النقطة إلى أنه قد تترتب عن مسؤولية الحارس القضائي المعين من بين كتاب الضبط مسؤولية الدولة نفسها و ذلك نتيجة الأضرار التي قد تنشأ مباشرة عن تسيير مصلحة كتابة الضبط أو نتيجة الأخطاء المصلحية التي يرتكبها الحراس القضائيون.
II – مسؤولية الحارس القضائي الجنائية :
ان مسؤولية الحارس القضائي لا تقتصر على الجانب المدني فقط بل قد يسأل مسؤولية جنائية أيضا، ذلك أن الحارس القضائي يفترض فيه أن يكون شخصا أمينا يتولى حفظ الشيء الموضوع بين يديه بأمانة و يديره بسلام.
إلا أن الحارس القضائي قد لا يكون من هذا النوع دائما حيث يقوم بما من شأنه أن يخل بصفته كأمين و يسيء إلى مكانته كراع لأمانة الأشياء الموضوعة بين يديه لحراستها، مخلا بقواعد العدالة و مخالفا لنصوص القانون و إدارة المشرع و بالجملة يكون خائنا للأمانة مما يوجب في حقه العقاب.
و قد تعرض المشرع المغربي في المواد المنظمة لجريمة خيانة الأمانة إلى العقاب الذي يتعرض له الحارس القضائي لأنه من أهم الأشخاص الذين يمكن أن تصدر منهم هذه الجريمة نظرا لأن المال الذي يتولون حفظه و إدارته قد وضع بين أيديهم كوديعة و أمانة.
غير أنه يشترط لقيام جريمة الخيانة أن يختلس الحارس القضائي أو يبدد بسوء نية المال الموضوع تحت حراسته بمعنى أن يصدر منه عمل إيجابي هو الاختلاس أو التبديد و بطبيعة الحال لا يتصور الاختلاس و التبديد إلا إذا تسلم الحارس القضائي الشيء، و لهذا فان المشرع يقول في المادة 547 من القانون الجنائي : “أشياء” كانت قد سلمت إليه على أن يردها”.
كما يشترط لقيام جريمة خيانة الأمانة أن يكون الاختلاس أو التبديد الصادر من الحارس القضائي قد أوقع إضرارا بالمالك أو واضع اليد أو الحائز و يكمن الضرر في الواقع في عملية الاختلاس أو التبديد، و مع ذلك قد يحدث الاختلاس أو التبديد دون أن يسبب في ضرر كأن يبدد الحارس القضائي الشيء الموضوع تحت حراسته و لكنه تمكن من استعادته قبل أن يحين الوقت الذي يلزم فيه برد ذلك الشيء. فالحارس القضائي في هذه الحالة لا يعاقب على ما استقر عليه الفقه – لأن المشرع اشترط وجود الضرر و هو موجود في هذه الحالة.
و يشترط أيضا لاعتبار الحارس القضائي خائنا للأمانة أن يكون لديه القصد و النية في ارتكاب تلك الجريمة أي أن يعلم أنه يختلس أو يبدد شيئا مملوكا للغير و أنه دخل في حيازته مؤقتا مع التزامه برده و بمعنى آخر أنه يعلم أن تصرفه هذا غير مشروع.
أما إذا كان الحارس القضائي لازال في طور المحاولة لارتكاب جريمة خيانة الأمانة فانه لا يعاقب لأن هذه الجريمة تعتبر جنحة، و المحاولة في الجنح لا تعاقب إلا بنص صريح (المادة 115 من ق .ج). ذلك أن الشيء الموضوع تحت الحراسة القضائية يكون في هذه الحالة بين يدي الحارس القضائي أصلا فهو غير محتاج إلى انتزاعه من مالكه أو حائزه، و لذلك لا تعاقب إلا الجريمة التامة، و تتمثل في كل فعل يدل على أن الحارس القضائي اعتبر المال الذي ائتمن عليه مملوكا له يتصرف فيه تصرف المالك.
و لما كان إجراء الحراسة القضائية إجراء مهما و خطيرا في نفس الوقت حيث يحظى هذا الإجراء بثقة الجمهور و تعقل بمقتضاه أموال مهمة و مصالح حيوية، فان وظيفة الحارس القضائي تعتبر تبعا لذلك وظيفة مهمة و خطيرة أيضا مما حدا بالمشرع أن يشدد العقوبة التي يستحقها الحارس القضائي عندما يرتكب جريمة خيانة الأمانة.
و هكذا نصت المادة 547 من قانون الجنائي على أنه من اختلس أو بدد بسوء نية إضرارا بالمالك أو واضع أو الحائز، أمتعة أو نقودا أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراقا من أي نوع تتضمن أو تنشأ التزاما أو إيراد كانت سلمت إليه على أن يردها أو سلمت إليه لاستعمالها أو استخدامها لغرض معين يعد خائنا للأمانة و يعاقب بالحبس من ستة إلى 03 سنوات و غرامة من 120 درهم إلى 2000 درهـــم.
و إذا كان الضرر الناتج عن الجريمة قليل القيمة كانت عقوبة الحبس من شهر إلى سنتين و الغرامة من 120درهم إلى 250 درهما مع عدم الإخلال بتطبيق الظروف المشددة المقرر في الفصلين 549 و 550.
خاتمـــة :
لقد سبق في مقدمة هذا العرض أن أوضحنا بأن الحراسة القضائية هي إجراء تحفظي مؤقت يستمد وجوده و بقاءه من قيام خطر عاجل يتهدد المال محل الحراسة القضائية فاذا زال هذا الخطر المقرون بالاستعجال تصبح الحراسة القضائية إجراء غير ذي فائدة يفقد سبب وجوده بحيث يقوم هناك استعجال في ضرورة إنهائهـــا.
إذا كان المشرع المغربي لم يتعرض بنص صريح لحالات انتهاء الحراسة القضائية .
فان ذلك يمكن أن يستخلص من نص المادة 824 من ق. ل. ع التي تقتضي بأن “على الحارس أن يرد الشيء بدون أجل لمن يعينه الخصوم أو القضاء و يتحمل بشأن هذا الرد بنفس الالتزامات التي يتحمل بها المودع عنده المأجور”.
فمن خلال هذه المادة و تطبيقا للقواعد العامة تعتبر الحراسة القضائية منتهية إذا اتفق ذووا الشأن على إنهائها، دون أن يتطلب ذلك صدور أمر بانتهاء الحراسة القضائية من طرف القضاء المستعجل كما هو الشأن عند الأمر بقيامها.
و في حالة إذا لم يجمع ذووا الشأن على إنهاء الحراسة القضائية فان للقضاء الحق إذا وجد ما يبرر إنهائها أن يأمر بذلك و تنتهي الحراسة إما بحسم النزاع في الموضوع و ثبوت الحق لأحد الطرفين، لأن الحراسة القضائية تدبير مؤقت و التدبير المؤقت يزول بصدور حكم يقطع النزاع في جوهره أو إما قبل حسم النزاع في الموضوع إذا طلب ذلك أحد الطرفين أو الغير ممن له مصلحة في ذلك بما فيه الحارس القضائي انما لابد في الحالتين من مراجعة القضاء المستعجل حتى يكون لانتهاء الحراسة القضائية مؤيد قانوني.
إعداد ذ/ ميمون بوجمعاوي _ منتدب قضائي إقليمي