زواج المغاربة من الأجانب.. تعقيدات المجتمع وصعوبة الإجراءات
الزواج حرية شخصية، وكذلك اختيار الشريك أو الشريكة التي يرغب كل شخص في قضاء الحياة معاً، لكن هذه الحرية قد تضيق أحياناً خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشريك أجنبي إذ يجد المغربي أو المغربية نفسه وسط دوامة من الإجراءات القانونية التي ينبغي القيام بها قبل الاستقرار رفقة الشريك تحت سقف بيت واحد.
هذه الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الشريك أو الشريكة الأجنبيين يعتبرها كثيرٌ من المغاربة معقدة إلى حدٍّ ما، خصوصاً في ظل بطء المسطرة القانونية.
يلزم القانون المغربي مواطن البلد بوضع ملف يشتمل على عشرات الوثائق الخاصة به وبالشخص الذي يرغب في الزواج منه لدى مصالح كتابة الضبط في قسم قضاء الأسرة.
ومن أهم ما تتضمنه هذه الوثائق شهادة طبية وشهادة الأهلية للزواج وشهادة الجنسية ونسخة من السجل العدلي أو شهادة السوابق.
وتختلف المدة التي يقتضيها استكمال هذه الإجراءات من حالة إلى أخرى، لكن في حال تعذر القيام بها يمكن اللجوء إلى مؤسسة الوسيط (مؤسسة وطنية مستقلة تتولى، في نطاق العلاقة بين الإدارة والمواطنين، مهمة الدفاع عن الحقوق) بدل المحكمة.
الدّين الواحد أهم الشروط
من أهم الشروط التي يقتضيها توثيق الزواج من أجنبي في المغرب أن يقدم المغربي الراغب في الزواج من أجنبية والتي يشترط أن تكون كتابية (أي معتنقة لأحد هذه الأديان: الإسلام، المسيحية أو اليهودية) تصريحاً بالديانة التي تعتنقها خطيبته أو نسخة من عقد اعتناقها للإسلام.
هذا الإجراء يتم التشديد فيه بالنسبة للمغربية الراغبة في الزواج من أجنبي إذ عليها تقديم نسخة من عقد اعتناق خطيبها للإسلام أو ما يفيد إسلامه إن كان من دولة مسلمة، ولا يسمح بتوثيق زواجها من أجنبي إلا في حال اعتناقه لديانتها الإسلام.
كما حدث مع زهيرة التي تبلغ 36 عاماً، والتي عقدت قرانها قبل شهر على أميركي أسلم منذ أربع سنوات، إذ اضطر زوجها إلى العودة إلى المدينة التي يقطن بها في ولاية كاليفورنيا ليحضر شهادة تفيد اعتناقه الإسلام من أجل عقد قرانه على زوجته المغربية.
وتقول زهيرة في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي”، “إنه على الرغم من كون زوجي يذهب إلى المسجد وصام معنا جزءاً من رمضان الماضي إلا أن المحكمة طلبت شهادة بإسلامه تسلم له من الجهة المعنية في بلاده لتسمح بتوثيق زواجنا”.
دين الزوجين نقطة أشارت إليها “مدونة الأسرة” وهي القانون الذي ينظم أحوال الأسرة في المغرب، وقد جاء في المدونة أنه من موانع الزواج المؤقتة زواج المسلمة بغير المسلم وزواج المسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية.
ولأن نفس المدونة سمحت للمغاربة المهاجرين الراغبين في الزواج من أجانب بتوثيق زواجهم لدى قنصليات المغرب في بلد الإقامة شريطة توفر جميع الوثائق، فإن عدداً من المغاربة لجأوا إلى القنصليات من أجل توثيق الزواج وهذا ما فعله كريم وهو مغربي ينحدر من مدينة الخميسات ويعيش في فرنسا عندما أراد الزواج بفرنسية من أصول جزائرية، إذ توجها إلى قنصلية المغرب في مونبولييه وهناك وثقا زواجهما بعدما جهزا الوثائق المطلوبة.
هل الزواج المختلط مهدد بالمشاكل في الغالب؟
يرى جواد أوشن، المحامي بهيئة الدار البيضاء أن المسطرة القانونية التي ينبغي اتباعها لتوثيق الزواج من أجنبية أو أجنبي يسيرة جداً ويؤكد أنه لم يسبق له أن واجه أي إشكالات خلال متابعته لمساطر موكليه الراغبين في توثيق الزواج من أجنبية أو أجنبي، لكنه يعتبر في نفس الوقت أن الوثائق المطلوبة تبقى كثيرة إلى حدٍّ ما.
ويشير المتحدث في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي” إلى أن ما من شأنه تأخير إعداد هذه المسطرة هو قيام الشرطة بإجراء بحث حول الطرف الأجنبي تحت إشراف النيابة العامة.
من جهة أخرى يسجل المحامون وخبراء القانون في حالات كثيرة تعثر الزواج أو فشله خصوصاً بين الزوجات المغربيات والأزواج من جنسيات عربية.
ويقول المحامي أوشن، إنه في حال نشوء أي نزاع بين الطرفين أو عبر الطرف المغربي الذي هو في الغالب الزوجة عن رغبته في الطلاق يتعذر تبليغ الطرف الأجنبي بالدعوى، بالنظر إلى صعوبة تبليغه في دولته ولكون العناوين التي يتم الإدلاء بها تكون في الغالب غير مضبوطة، وهو ما يجعل مصير الطرف المغربي غامضاً ومعلقاً.
ويؤكد المتحدث أنه سجلت حالات كثيرة لأزواج أجانب تركوا زوجاتهم المغربيات واختفوا بعد أسابيع قليلة من الزواج.
وعلى النقيض من ذلك، تعتبر نادية وهي مغربية متزوجة بلبناني منذ سنوات أن زواجهما مثالي جداً، وتقول إن كونها وزوجها ينتميان إلى بلدين منفتحين على عدة ثقافات ساعدهما ذلك على إنجاح علاقتهما.
ولا تخفي نادية سعادتها بما تعتبره امتيازاً في حالتها وهو إقرار القانون المغربي حصول أبناء المغربية المتزوجة من أجنبي على جنسية أمهما، أيضاً مع الحق بالاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية المكتسبة من والدهم، فيما هناك قانون جديد ينص على أنه يحق لكل أجنبي متزوج من مغربية ومقيم في المغرب لمدة خمس سنوات أن يتقدم بطلب الحصول على الجنسية المغربية مع الاحتفاظ بجنسيته الأصلية.
الزوجان بين رغبات العائلة وصعوبة الاندماج
رغبة كثير من العائلات المغربية في الحفاظ على الهوية العرقية والدينية لأبنائها تجعلها ترفض اقترانهم بأجانب، وتعتبر أن الزواج المختلط بمثابة تهديد لهويتها وهو ما حدث مع زهيرة التي رفضت عائلتها في البداية اقترانها بأيمركي بدعوى أنه شخص غريب عن الثقافة المغربية قبل أن تغير رأيها عندما زار المغرب لخطبتها وبقي لفترة من أجل أن تتعرف عليه عائلتها أكثر.
هذا التخوف لم يكن لدى عائلة كريم على الرغم من أن والدته كانت تتمنى زواجه بقريبة لها، لكن في المقابل يظهر تخوف آخر لدى عائلته ويهم كيفية تربية أطفاله بشكل يسهل اندماجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه مع الحفاظ على ثقافتهم المغربية وهو ما يرد عليه كريم بالقول إن أبناءه محظوظون لأنهم سينهلون من ثقافات متعددة.
وعلى العكس لا ترى نادية في زواجها من أجنبي، هو شخص من جنسية لبنانية، أي عائق تربوي أو اجتماعي أمام أطفالها، وتقول إن “الاختلاف بين العادات والتقاليد ليس كبيراً، وإن كان سيكسبهم انفتاحاً على ثقافتين مختلفتين”. .alyaoum24.com