“صدفة ” عنوان قصة قصيرة من ابداع حسنى الاطرسي
بينما هو تائه وسط زحمة القطار يحاول إيجاد رقم مقعده المكتوب على ظهر التذكرة
هي تتناول أطراف الحديث مع قريبتها وتصف لها مدى سخطها عن السفر ،رفعت
رأسها ببطئ في محاولة منها رؤية من يقتحم عليهم المقصورة سمعت لهجة
ليست مغربية .
مرحبا هل هنا يوجد رقم 86 ؟
إلتفتت إلى المقعد المجاور لها وهزت رأسها و أشارت اليه بصوت خافت
هذا هو مقعدك رتب حقيبته في المكان المحدد لهم وإتجه نحو مقعده قاطعه
رجل طويل القامة اسمر اللون ذو كرش بارزة فأخد مكانه ، لم يستغرب
هو لانه سرعان ما أدرك انه لا يحب ان يجلس رجل غريب بجانب زوجته
جلس و أخد نفسا عميق ثم خاطب كل من في المقصورة،هل انتم من المغرب ؟
رد الرجل الغيور لا انا من الجارة الجزائر وهذة زوجتي جئنا للاستكشاف فقط
ركزت هي عينيها فيه وسألته مباشرة وانت أردني الجنسية ؟
رد مسرعا لا انا من سوريا ، رسمت إبتسامة منكسرة على وجهها تعبر فيها عن
مدى حزنها على شعب سوريا الذي بين عشية وضحاها اصبح مشتت ، لاجئ ،
مدمر، بالإضافة الى الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل مطالبتهم بأبسط حقوقهم
في الاول كان الحوار جديا ولكن بعد التعارف على الاسماء والمدن المنتمين اليها
اصبح الجو في المقصورة مرح ومألوف وخاصة لما عرفا أن إسمه عبد القادر
لانه إسم مغاربي محض إذا ما قلنا انه اسم جزائري بإمتياز عمّ الصمت قليل
او بالاحرى هي من سكتت كانت قريبتها بين الحين والاخر تشير إليها بعينيها
لكي لا تصمت وتدخل في الحوار مع عبد القادر ذلك الشاب السوري ذو الوجه
البشوش و الشعر الناعم مع ابتسامة ساحرة وكلام راقي ومؤدب الا انه تغلب عليه
الجدية ربما هذا إنطباع أول لقاء …
بعد التعارف والاسئلة المباشرة أخد الكلام منحى مغاير عم كان عليه من قبل …
لان بعد الاخد و الرد تبين ان سلمى و عبد القادر بينهم نقط كثيرة مشتركة
وأهمها أنهم لديهم نفس الحالة الاجتماعية “الطلاق” مع فرق بسيط هو بدون
اولاد وهي العكس فبدأ كل منهم يحكي عن تجربته التي مر منها إحتفظت
سلمى بالاسباب الا ان عبد القادر كان متصالحا مع نفسه و أفصح عن الاسباب
طئطئ رسه ثم رفعه بثقة ” طلقت بسبب الخيانة”
سلمى : بدهشة ،ماذا خيانة؟
وكأن صوتا بداخلها يكلمها ورد على دهشتها في محاولة منه ان يجيب على
كم الاسئلة التي تراودها.
حياة : وانت يا سلمى ما سبب الطلاق
سلمى : هزت رأسها و واغمضت عينيها بمعنى لا يمكن ان اقول
لان هناك من تسمع حديثها ،حسناء حريصة جدا على ان تبقى صورة طليقها
جيد في عيناي إبنها وأن تسمع عنه كل خير ، وكذلك حفاظا على مشاعره ونفسيته
انقطع الكلام وخيم السكوت على من في المقصورة بعد فترة عاد الكلام من جديد ،
وهذه المرة من طرفها .
سلمى: بعفوية تحكي عن تجربتها بعد الطلاق حيث دخلت في حالة اكتئاب وانعزلت
عن المحيط الخارجي و رمت بنفسها داخلة قوقعة لا تعرفها الا هي ، فعلا الانعزال
مرض وقد يؤدي بصاحبه في فقدان حلاوة الحياة اذا ما لم نقل الحياة أيضا،ولكن
الوضع معها كان مختلافا و مفيدا بحيث في ذلك الانعزال إكتشفت ذاتها وأشياء
دفينة كانت تجهلها او تحاول تهميشها فصارت صديقة للقلم و الكتاب لدرجة
انها لا تفارقهم اخرجت كل ألم ينهشها صرخت … بكيت … انهارت … تمردت
افرغت كل طاقتها السلبية و اكتسبت اخرى إيجابية اعطت لنفسها فرصة ،
أن تخلوا بينها وبين أفكارها رمت بسلمى الضعيف مهزومة الشخصية وابدلتها
واحدة أخرى، قوية … محاربة … مسؤولة … مقاتلة… ونوعا ما جافة او تتظاهر بذلك !
عبد القادر : بإعجاب شديد كتبتِ رواية ؟؟
سلمى : نعم
عبد القادر : جيد جدا ، هل تعرفين حتى انا لدي نفس الميول أحب القراءة والكتابة
هل يمكن لي ان أخد ” الايميل” و ترسلين لي الرواية فيما بعد ؟
سلمى : نعم وبكل فرح يسرني ان يزيد قارئ لكتاباتي …
تدرج الحديث من السلام الى التعارف مرورا بالنقط المشتركة التي بينهم دون
علم منهم ثم انطلقت سلمى تحكي عن الاشياء تتقنها هي تتكلم و هو فقط
يراقب ربما كان في حوار داخلي مع نفسه … ربما أعجب بعزيمتها او بتحويل
طاقتها السلبية الى إبداع مرت ثلاث ساعات ونصف بسرعة البرق وحان موعد
النزول بدأت المقصورة ترجع الى حالتها العادية الفارغة الباردة خرجوا واحد تلوى الاخر …
ودع عبد القادر سلمى من بعيد و بإشارة من يده حتى أنه لم يتكلف عناء الشكر ثم فرّ مسرعا نحو طريقه …
بينما أشارت بيديها إليه تبادله نفس الوداع ، و بدأت تتسأل
_أحقا ما كان في القطار هو فعلا شعور اعجاب متبادل ؟
_أم انه كان فقط كلام للتسلية او لكسر روتين السفر؟
وهل فعلا هذه النهاية أم ان وراء كل نهاية بداية ؟