ضمانات التنفيذ الجبري… الحجز بين يدي الغير
أدرج المشرع بالقسم التاسع المتعلق بطرق التنفيذ الجبري، عدة مساطر من أجل ضمان تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم، وبالتالي تكريس وتوطيد الحق في الأمن القانوني والقضائي، ونظرا لأن الإنسان اجتماعي بطبعه وله، متطلبات وحاجيات متنوعة ومختلفة داخل محيطه الاجتماعي والاقتصادي والتجاري فانه يلجأ لتحقيق هاته الحاجيات إلى إبرام عقود وتحمل التزامات، انطلاقا من أن الأصل براءة الذمة وملاءتها إلى أن يتبث العكس فإنه قد يحدث أن يتماطل في أداء ديونه المستحقة ما قد يلحق ضررا بدائنيه، وحفاظا على حقوق الدائنين نص المشرع في المادة 1241 من ق ل ع، على مبدأ مهم وهو أموال المدين ضمان عام لدائنيه، فكيف تم تكريس هذا المبدأ في العمل القضائي هذا ما سنتطرق إليه من خلال المحور الأول، على أن نأخذ الحجز بين يدي الغير كإحدى النمادج القانونية والمسطرية، التي تجسد فكرة الضمان في مجال التنفيذ الجبري في المحور الثاني.
المبحث الأول: أموال المدين ضمان عام لدائنيه
كما سبقت الإشارة، فإن كان المبدأ هو براءة الذمة وملاءتها، فإنه قد يحدث أن يتماطل المدين في أداء ما بذمته من ديون مما يلحق أضرارا بدائنيه، وحفاظا على التوازنات التعاقدية بين طرفي العقد وضمانا لحقوق الدائنين في استيفاء ما بذمة مدينهم من ديون، نص المشرع المغربي في المادة 1241 من قانون التزامات والعقود، على مبدأ عام، جوهره أموال المدين ضمان عام لدائنيه وفي السياق نفسه أورد استثناء على المادة 228 ق ل ع يقضي بعدم انصراف أثار العقد إلى الغير، إلا في حدود معينة، وذلك لاعتبارات تفرضها ضرورة استقرار المعاملات وتكريسا للأمن الاجتماعي والاقتصادي والتعاقدي، وتقوية وتحقيقا لمبدأ سيادة العدالة التي هي في الأخير مطلب مجتمعي، لذلك فالضمانات التي خولها المشرع للدائن متعددة الأشكال والصيغ، وموزعة بين عدة نصوص قانونية مختلفة في الشكل والموضوع، وهذه الضمانات في سياقها العام، تتقاطع في عدة نقط أهمها-1-الحفاظ على حقوق الدائنين بشكل عام.-2- إمكانية إلزام الملزمين بهاته الضمانات ولو بالتنفيذ القسري في مواجهتهم عند الضرورة، وهذا الأمر هو الذي يشكل الرابط القوي بينها وبين إجراءات التنفيذ الجبري المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية ويبقى السؤال المطروح هو كيفية تفعيل هاته الضمانات في حالة الإخلال بها ؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن لنا أن نضع فرضيتين أولا هما، أن يقوم المدين بتفويت أمواله للغير دون أن تكون لديه نية الإضرار بدائنيه، والثانية أن يكون القصد من التفويت الإضرار بالدائنين وتفويت الفرصة عليهم في استخلاص واستيفاء ديونهم، وإضعاف الذمة المالية ليجعل أمر التنفيذ عليه مستحيلا، فبالنسبة إلى المشرع المغربي لم يحسم الجواب على هاتين الفرضيتين بنص صريح وواضح، كما فعل المشرع الفرنسي من خلال مقتضيات المواد 1166 و1167 من القانون المدني، بواسطة إقامة دعوى غير مباشرة.
إلا أن مضمون المادة 22 من ق-ل-ع، في علاقتها بالمادة1241 من القانون نفسه، تسمح للدائن الذي هو خلف خاص للمدين، بأن يتشبت بعدم الاحتجاج في مواجهته بالاتفاقات السرية المعارضة او غيرها من التصريحات المكتوبة ، إذا لم يكن له علم بها وهذا ما سار عليه أيضا الاجتهاد القضائي المغربي من خلال القرار رقم 1105 و1106/2001الصادر بتاريخ15/5/2001 الملف 2/2001/1157و10/2000/1921 الذي جاء فيه «إن أموال المدين ضمان عام لدائنيه إن الغير، الذي يتضرر من الاتفاقات المبرمة من طرف مدينه قصد تفويت أمواله، للإضرار بحقوق الدائن، يكون من حقه الطعن عن طريق القضاء، في تلك الاتفاقات بالصورية وليس من الضرورة لإبطال عقد الهبة أن يكون الدين مستحق الأداء –). وهذا يعني إمكانية قيام الدائن بجميع الاجراءات القانونية والمسطرية للحفاظ على حقوقه، سواء كان سبب تصرف المدين هو ناتج عن إهمال أو عن قصد، بما فيها مساطر الحجز على الأموال التي تم تفويتها إعمالا بنقيض قصده.
وتبعا لذلك فان الاتجاه الذي سارت عليه محكمة النقض هو أن الفصل 1241 ق-ل-ع، وإن لم ينص صراحة على إبطال التصرفات المؤدية لإضعاف الذمة المالية للمدين، فإن مؤداه هو إمكانية المطالبة بإبطال هاته التصرفات إذا اثبت الدائن صوريتها، على اعتبار أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، وهذا قريب من الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي، من خلال مقتضيات المادة 1167 من القانون المدني، إذ اشترط لممارسة الدائن لدعواه أن يتعمد المدين عن طريق الغش تفويت أمواله ليتحقق إعساره وبالتالي عدم إمكانية التنفيذ عليه، وهذا كرسه أيضا القضاء المغربي من خلال الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء عين الشق تحت عدد805 بتاريخ21/3/2000ملف مدني رقم181/2000 .
وإن كنا نرى بأنه يحق للدائن أن يمارس الطعن بإبطال كل التصرفات، التي من شأنها أن تضعف الضمان العام المنصوص عليه في القانون دون اشتراط إثبات الصورية من طرف الدائن، على اعتبار أن كل تفويت يمكن أن يضعف الذمة المالية للمدين، إذا كان سيء التدبير.
وعلى المدين أن يثبت عكس ذلك بمعنى أصح أن تقوم مسؤولية المدين على خطأ مفترض، قابل لإثبات العكس أي قرينة بسيطة –مفادها أن المدين يعلم مسبقا بعلاقة المديونية التي تربطه بالدائن، كافية في حد ذاتها لمنعه من أي تصرف كان، من شانه المس بهذا الضمان القانوني، الذي أقره المشرع.
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد1681 والصادر بتاريخ 04/06/2003/ملف مدني رقم3060/1/2/2001، والذي جاء فيه» لما كانت مقتضيات الفصل 1241 من «ق ل ع» تقرر أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه فان ما قام به المطلوب في النقض، من تفويت أملاكه ، هو إضعاف لذمته المالية، التي اعتبرها القانون ضمانا لدائنيه، ويشكل بالتالي إضرارا بهؤلاء الدائنين…..»وان كان اجتهاد قضائي آخر يميل إلى الأخذ بالاتجاه الأول، الوارد في الحكم القضائي عدد 805 المشار إليه سابقا والذي يسمح مبدئيا للمدين في التصرف في أمواله إلا إذا تم الإعلان، عن إعساره، أو كان عقاره مقيد برهن.
أنظر تتمة الموضوع
—
رغم حرص الاجتهاد القضائي على تفعيل حماية حقوق الدائن من خلال التنصيص الصريح على «تعتبر أموال المدين ضمانا عاما لدائنيه، كما أن المادة 228 ق-ل-ع تمنع إبرام العقود إضرارا بالغير»، قرار صادر عن المجلس الأعلى -محكمة النقض حاليا-عدد814بتاريخ02/06/2011 الغرفة التجارية القسم الثالث ملف تجاري عدد1212-3-2009، وانطلاقا مما سبق بسطه يمكن تفعيل مبدأ الضمان و سلوك أحد السبيلين، إما اللجوء إلى القضاء قصد إبطال التصرفات التي يبرمها المدين بعد إثبات صوريتها أو بعد الإعلان عن إفلاسه، كما كرسه الاجتهاد القضائي، أو إعمال الخيار الثاني الذي يسمح للدائن باستصدار أوامر قضائية بإيقاع حجوزات ذات طبيعة تحفظية، كإجراء احترازي واستباقي أو إثقال عقار المدين بحقوق عينية تحفظ حقه عند الضرورة.
فهاته الحجوزات تسمح للقضاء بوضع يده على أموال المدين ومنعه من التصرف فيها، وهذا الأمر هو ضمان للدائن، وهذا ما جاء في القرار عدد573ملف 2007/1021 الصادر بتاريخ08/05/2008 قضايا استعجالية، إذ اعتبر أن الحجز التحفظي هو إجراء وقتي يتم اللجوء إليه، حتى لا يفقد الدائن حقه في الضمان العام الوارد في المادة 1241 ق-ل-ع متى توفرت شروط هذا الحجز، ويقصد بالحجز التحفظي كل الحجوزات التي تتسم بالطابع الاحترازي والوقتي وليس لها طابع تنفيذي، كالحجز بين يدي الغير، الذي هو إجراء مسطري تحفظي يهدف من خلاله المشرع تجسيد المبدأ القانوني الذي ينص على أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه، وهذا ما سنحاول معالجته من خلال التطرق لماهية الحجز بين يدي الغير وطبيعته شروطه وأركانه والآثار القانونية الناجمة عن إيقاعه.
المبحث الثاني: الحجز بين يدي الغير ماهيته وطبيعته
لم يعمل المشرع المغربي على التعريف بماهية الحجز بين يدي الغير، إلا أنه من خلال قراءة المواد المنظمة له يمكن الإلمام بماهيته وطبيعته، وان تضاربت الآراء الفقهية حول ذلك واختلفت الاجتهادات القضائية بشأن تطبيقاتها، فإن كان الحجز بين يدي الغير كإجراء مسطري يعقل بمقتضاه مال المدين الموجود بين يدي الغير ومنع التصرف فيه، ووضعه بين يدي القضاء قصد استيفاء الدائن حقوقه من المدين، إعمالا لمبدأ أموال المدين ضمان عام لدائنيه والذين يسمح لهم القانون بتتبعه أينما وجد. لذلك فإن الحجز بين يدي الغير ومن خلال قراءة المادة488 من ق-م-م، هو قيام الدائن الذي يتوفر على دين ثابت بعقل مبالغ مالية ومستندات بين يدي مدين مدينه، باعتباره غيرا والتعرض على تسليمها له في حين نجد ذ/عبدالله الشرقاوي، يعرفه «بأنه إجراء يستطيع بواسطته الدائن أن يتعرض بين يدي مدين مدينه، على كل المبالغ والمنقولات التي يمسكها هذا الأخير لحساب المدين، وأن يستوفي دينه من تلك المبالغ أو ثمن تلك المنقولات بعد بيعها». وعرفه ذ/محمد العربي المجبود، بأنه»مسطرة يمنع بواسطتها المحجوز لديه، والذي هو مدين مدينه من أن يدفع لهذا الأخير بعض المبالغ وبعض الأشياء التي هو مدين له بها، ثم يطلب من المحكمة من أن يسدد دينه من تلك المبالغ أو ثمن تلك الأشياء»، ويستخلص من هاته التعاريف الفقهية، إمكانية إجراء الحجز بين يدي الغير على منقولات المدين الموجودة بين يدي مدينه، وبيعها قصد استخلاص مبلغ الدين لفائدة الدائن-(ذ/ يونس الزهري الحجز بين يدي الغير في القانون المغربي ص35)، وهذا الاتجاه هو مخالف لما تم التنصيص عليه في المادة488 ق-م-م التي حصرت موضوع الحجز في المبالغ المالية والمستندات، ولم ينص بشكل صريح على المنقولات لأن مسطرة الحجز على المنقولات بين يدي الغير هي مسطرة الحجز التحفظي، وفق مقتضيات المادة 456 ق-م-م والتي يمكن اللجوء إليها وفق الشروط التي ينص عليها القانون، فإذا كانت مسألة حجز المبالغ المالية واضحة الدلالة والمعنى فماذا يقصد المشرع من كلمة» المستندات» الواردة في المادة488 ق-م-م. فبالرجوع إلى النص المحرر باللغة الفرنسية نجده، يشير إلى مصطلح»effets «والتي تعني الأوراق التجارية والمحددة في مدونة التجارة في الكمبيالة –الشيك- السند لأمر، ويمكن إضافة أيضا الصكوك المالية والقيم المنقولة ، هذا بالنسبة لتحديد ماهية الحجز بين يدي الغير في إطار اختلاف التعاريف بكل تعليلاتها وباختلاف مراجعها، دون أن نقفز عن تحديد الجهة المختصة نوعيا في إصدار الأمر بإيقاع هذا النوع من الحجوزات. فبالرجوع إلى المادة491 من ق-م-م والذي يشير إلى أن الحجز بين يدي الغير يتم بناء على سند تنفيذي، أو بناء على أمر من رئيس المحكمة، وفي الحالة الأخيرة بأي صفة يصدر الرئيس الأمر بإيقاع الحجز بين يدي الغير، هل بصفته قاضيا للمستعجلات أم بصفته الولائية في إطار المادة 148 من ق-مم ؟ أم كمشرف على مؤسسة قاضي التنفيذ كقاض للموضوع، وإن كان المنطق القانوني الصرف يقضي بأن قاضي التنفيذ في إطار مزاولة مهامه وما يقتضيه اختصاصه النوعي، أن يصدر أوامره وفق ما تتطلبه التفريعات الثلاثة المذكورة على اعتبار أن مؤسسة قاضي التنفيذ مختلفة عن مؤسسة الرئاسة، ولا ينبغي أن تتداخل الاختصاصات فيما بينهما، وذلك ضمانا لمبدأ الحكامة الجيدة لمرفق القضاء وتكريسا لقوة المؤسسات وفعاليتها.
وإن كان واقع الممارسة القضائية يشير إلى أن رئيس المحكمة ما زال يجمع بين الصفتين صفة قاضي المستعجلات والأوامر، رئيسا للمحكمة، وصفته مشرفا على مؤسسة قاضي التنفيذ، وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي من خلال الأمر عدد1021 ملف عدد314/06س الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط –منشور بمجلة المعيار العدد40 دجنبر 2008 ص317 ، إذ جاء فيه «يختص رئيس المحكمة بصفته هاته، بالمصادقة على الحجز لدى الغير، وليس بصفته قاضيا للمستعجلات، باعتبار أن الحجز والتصديق عليه مما يدخل في مسطرة التنفيذ التي تشرف عليها مؤسسة الرئيس»، وأن هذا التداخل كما سبق أن أشرنا إليه، يحدث لبسا في تحديد الاختصاصات بين المؤسستين، وهذا مرجعه غياب مؤسسة قاضي التنفيذ كما هو متعارف عليه في القانون المقارن خاصة القانون الفرنسي. وبالتالي فان الإشكال ينحصر في هذا الإطار وليس فيما تتضمنه المواد 148-149- 491 من قانون المسطرة المدنية، على اعتبار أن اللجوء إلى هاته المساطر يبقى مرتبطا بالشروط التي تحددها هاته المواد نفسها ، وهذا ماحذا بالمشرع في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، إلى التنصيص على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ واختصاصاته، ومن بينها الأوامر المتعلقة بالتنفيذ والإشراف على إجراءات التنفيذ.
أنظر تتمة الموضوع
—
إن المساطر المتعلقة بكافة أنواع الحجوزات تبقى من اختصاص قاضي التنفيذ، وليس رئيس المحكمة بصفته هاته، وإن كان الفصل التام بين المؤسستين لم يتحقق بعد ولو في ظل مسودة مشروع «ق .م .م» فالمؤمل أن يأتي المشرع بمؤسسة لقضاء التنفيذ كجهة مختصة، موضوعيا واستعجاليا وولائيا، للبت في منازعات التنفيذ وإلى حين خروجها إلى حيز التنفيذ، فإن مثل هاته الإشكالات ستبقى قائمة، فإن كان ما تطرقنا إليه يتعلق بالجهة المختصة بإصدار الأوامر المتعلقة بإيقاع الحجز بين يدي الغير، وما تثيره من جدل قانوني وفقهي فماذا عن شروط وأركان هذا الحجز؟ هذا ما سنعمل على بسطه جهد الإمكان في النقطة التالية.
*شروط وأركان الحجز بين يدي الغير
يتبين من خلال قراءة المادة488 ق-م-م، أنها اشترطت لإجراء حجز بين يدي الغير أن يكون الدين ثابتا، والأكيد أن الأمر يتعلق بحالة استصدار أمر قضائي بإيقاعه، وليس في الحالة التي يتم فيها بناء على سند تنفيذي بشكل مباشر. فماذا يقصد المشرع «بالدين الثابت» هل يعني ثبوت الدين بحجة ودليل وخلوه من كل نزاع جدي؟ أم أن يكون الدين حال الأداء أيضا، فبالرجوع إلى الاجتهادات القضائية، نجد أن الدين يكون ثابتا متى أقام الدائن الحاجز دليلا وبرهانا على قيام الدين كالشيكات والكمبيالات،السند لأمر، والاعتراف بالدين والأحكام القضائية ، حيث جاء في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بمراكش»حيث إن السندات لأمر تعتبر كافية في نطاق الفصل 488 من ق م م، لإجراء حجز لدى الغير»، والدليل هو ما تم تحديده من قبل المشرع في المادة 417 ق ل ع، حيث جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 1947 المؤرخ في 26/ 09/ 2006 ملف مدني عدد 310/3/2/00 « إن الفصل 417 ق ل ع ينص على أن الدليل الكتابي ينتج عن ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج عن المرسلات والفواتير المقبولة…….». كما أن هناك من الناحية الفقهية من يرى بأن المقصود بثبوت الدين أن يكون موجودا ومستحقا، واتجاه آخر شدد على أن يكون الدين حالا، أي أن لا يكون معلقا على شرط أو أجل، خاليا من النزاع الجدي في حين لم يشترط المشرع من خلال المادة 488 ق-م-م، خلو الدين من النزاع، وذلك حتى تتمكن الأطراف من مراجعة القضاء في مسألة المديونية، ومن جهة أخرى أن طبيعة هذا النوع من الحجوزات في رأينا تبقى تحفظية إلى حين صدور حكم نهائي بالمصادقة. فعندما اشترط المشرع قيام دليل على وجود الدين وثبوته فهذا الشرط كاف في حد ذاته، للاستجابة لطلب إيقاع الحجز، فليس هناك مبرر لاشتراط خلوه من النزاع، فلو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة لأنه من شأن ذلك عرقلة تفعيل مبدأ الضمان، كإجراء وقائي يحقق الأمن والتوازن التعاقدي والتعليل نفسه، نتبناه بالنسبة إلى الشرط القائل بضرورة حلول الدين.
خلاصة القول، إنه وفي السياق نفسه لا يمكن الحديث عن شروط الحجز لدى الغير بمعزل عن فهم أركانه، فالشرط والركن متلازمان في تحديد نطاق تطبيقه وضبط ماهيته وبالتالي فإن مجال هذا الأخير يتحدد من خلال علاقة ثلاثية تجمع بين الدائن «الحاجز» والمدين «المحجوز عليه» والغير «المحجوز بين يديه»، وهو مدين المدين، حيث يمكن لكل شخص دائن سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، له دين ثابت في مواجهة مدينه وبناء على المادة 491 ق-م-م، أن يستصدر أمرا قضائيا أو تأسيسا على سند تنفيدي، أن يجري حجزا بين يدي الغير ضمانا لذلك الدين ويمكن أن يحل محل الدائن، كل من خلفه الخاص أو العام أو من له الحق بمقتضى عقد الحوالة وفق مقتضيات المادة 195 من ق- ل-ع، وهذه العلاقة الثلاثية هي التي تشكل الجوانب الأساسية في إجراءات الحجز بين يدي الغير، وبناء عليه فإن الدائن الحاجز غير ملزم بإثبات علاقة المديونية التي تربط مدينه المحجوز عليه ومدينه المحجوز بين يديه، ولا يمكنه أيضا إقامة دعوى غير مباشرة باستثناء ما ورد في الفصول 672و780 ق ل ع، إلا إذا حل محل مدينه ، كما ينص عليه القانون. وهذا الاتجاه هو الأقرب إلى الصواب، على اعتبار أن الحجز بين يدي الغير مبني على علاقة ثلاثية، واضحة ومحددة في شروطها وأركانها بشكل نسبي، وان كانت هناك مجموعة من النقط بشأن هذا الحجز ما زالت موضوع نقاش واجتهاد فقهي وقضائي، بالإضافة إلى غياب نص تشريعي صريح يسمح للدائن بسلوك مسطرة الدعوى غير المباشرة، وهذا الطرح يواجه به دائن الدائن الذي يرغب في إيقاع حجز بين يدي مدين مدينه، بصفته غيرا (سواء كان مدينا أو حائزا)، فمن هو هذا الغير ؟ جوابا على هذا السؤال يمكن القول انه إذا كان الأصل في الأحكام بصفة عامة والعقود أنها لا تلزم إلا من كان طرفا فيها، فان هذا المبدأ يرد عليه الاستثناء وهو ما يعرف بمبدأ النسبية، والذي يسمح بسريان آثارها في مواجهة من لم يكن طرفا في هاته الأحكام والعقود في حدود وشروط معينة ووفق مساطر منصوص عليها في القانون ، وبالنسبة إلى الحجز بين يدي الغير يجب أن يكون هذا الغير مستقلا أي لا تربطه بالمدين علاقة تبعية كما كرسته الاجتهادات القضائية والفقهية. فالتابع لا يعتبر غيرا بينما يمكن الجزم بأن المتبوع يعتبر كذلك. بعد التطرق لشروط و أركان هذا النوع من الحجوزات بشكل موجز، ومن أجل استكمال قراءة الإطار التشريعي لهذه الضمانة لابد من معرفة طبيعة الحجز بين يدي الغير والاطلاع على مسطرة المصادقة والإشكالات المتعلقة بها.
خلاصة القول أن الحجز بين يدي الغير من جهة يعتبر ضمانة من الضمانات الممنوحة للدائن في مواجهة مدينه تجد مرجعيتها في المادة 1241 من ق ل ع، انطلاقا من أن أموال المدين ضمان عام لمدينه، ومن جهة أخرى هو سبيل من سبل التنفيذ الجبري المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية، وهذا ما كرسه العمل القضائي من خلال عدة أحكام.
إعداد:ذ/محمد القوص_مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس