قاضي تطبيق العقوبات _القانون والواقع
المقدمة
جاء إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات، ليشكل ترجمة عملية لرغبة حقوقية طالما راودت مهمتي الشأن الحقوقي والقانوني بالمغرب،حيث أقدم المشرع المغربي ،اقتباسا من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي،بإحداث هذه المؤسسة بموجب قانون رقم 1/22 بظهير 3 أكتوبر 2002. وقد عهد إليها بترسيخ الضمانات المطلوبة في الدعوى العمومية لفترة ما بعد صدور الحكم القضائي مرسخة بذلك استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد الحسم في القضية الزجرية وصدور الحكم بالعقوبة.
فهي من رموز استكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ولتحقيق الغاية من العقوبة التي هي الإدماج والإصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية وعليه فالهدف من إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات هو تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وهو شيء ايجابي لان صلة القضاء بالمحكوم عليه كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري ومن خلال تصفح المقتضيات القانونية المحددة لصلاحيات هذه المؤسسة في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي نجد أن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبة تنحصر في حدود مهام إدارية واقتراحيه فقط دون أية اختصاصات قضائية احتراما لمنهج التشريع التدريجي وذلك لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي .
فمهمة التنفيذ تعتبر المرحلة الحاسمة التي تتبلور فيها عصارة مجهودات الجهاز القضائي ووضعيته الحقيقية ، إذ يشكل عنق الزجاجة ويعتبر بالتالي معيارا وقياسا لهذا الجهاز ، وتنعكس من خلال وضعيته بصفة تلقائية على الجهاز القضائي ككل ، فهو إما أن يكون في حالة جيدة أو يكون في حالة اختناق وصعوبة وإذا كان جل المحللين والفقهاء اتفقوا على هذا الوصف ، و استنادا للمثل القائل إذا عرف الداء سهل الدواء ، فإنه يتعين للالتفاف إلى وضعية جهاز التنفيذ والاهتمام به من خلال محاولة إزالة الشوائب والعوائق التي تحول دون تواجده في حالته الطبيعية، حيث أن فالتنفيذ هو الاخ التوأم للحكم، لذا كان التركيز على مرحلة تنفيذ الجزاء المحكوم به من حيث الآليات التشريعية و الوسائل والأهذاف مسألة حظيت بالإهتمام مع المدارس الفلسفية والقانونية التي جعلت من الجريمة والمجرم موضوعا لها، خاصة في ظل السياسات الجنائية ذات الأهذاف الواضحة والمعالم الجليلة في مكافحة الجريمة وهي مرحلة متأخرة نسبيا في الفكر القانوني، ومن غير الدخول في جدلية من السابق ومن اللاحق، فإن أولوية الإشراف القضائي على تنفيذ الجزاءات ومنها طبعا العقوبات ، ظهرت مع ما نادت به المدرسة الوضعية من ضرورة مواصلة القاضي لعملية التفريد أثناء مرحلة تنفيذ الجزاء، وأملتها تشريعيا الرغبة في تعزيز توابث السياسة العقابية القائمة على حقوق الإنسان في شتى أبعادها بما فيها أنسنة نظام العقوبات
وفهاته البادرة وبالرغم من تأخرهاإلا أنها جاءت لترد على الذين كانو ينادون بتفعيلها لضمان احترام كرامة المعتقل وشخصيته كانسان يمكن اصلاحه وتهذيبه واعادة اذماجه إلا أن مهمة التنفيذ التي أوكلها المشرع لكتابة الضبط في شخص قسم التنفيذ ليست بالأمر الهين ، بل إنها تشكل أهم وأخطر مرحلة في مراحل التقاضي وذلك استنادا إلى تواجدها في آخر مراحله حيث أنها تمثل عصارة مسطرة التقاضي سيما بالنسبة لوجهة نظر المتقاضي خلال تواجده بهاته المرحلة حيث أن نفسيته تظل تواقة للوصول إلى نيل حقوقه واسترجاع ما أخد منه بغير وجه حق فهو تبعا لذلك لا يعرف قيمة وحجية الحكم المتوفر عليه إلا من خلال مرحلة التنفيذ ، الأمر الذي يجعل خلال هاته المرحلة يصطدم بمجموعة من الإشكاليات منها أن التنفيذ تقف أمامه مجموعة من العراقيل والإشكاليات القانونية والإجرائية والتي تنبثق أساسا من الغموض الذي يكتسبي بعض نصوص قانون المسطرة المدنية والجنائية ، الأمر الذي تترتب عنه وجود اختلافات في ميدان التطبيق العملي سواء على مستوى الفقه أو القضاء ،
فالمشرع المغربي لم يترك هاته المرحلة الهامة من دون حماية قضائية وقانونية، فالقضاء لا يعتبر قد انتهى من وضع يده على النازلة التي عرضت عليه من قبل بمجرد صدور حكم قضائي نهائي بل انها تستمر قانونيا إلى غاية مرحلة التنفيذ وتصفية الملف بصفة نهائية فهاته المرحلة خصص لها المشرع سواء في قانون المسطرة المدنية أو الجنائية أبوابا خاصة تتضمن القواعد المتعلقة بالتنفيذ والحلول البديلة للإشكاليات والصعوبات المثارة وهكذا يحق للمتقاضي مدنيا خلال مرحلة التنفيذ كلما أثيرت صعوبة قانونية أو واقعية ، اللجوء إلى القضاء استنادا لمقتضيات الفصول 149 – 436 – 440 – 442 – 461 – 463- 482- 483- 484 من قانون المسطرة المدنية ، أم إذا تعذر استرجاع الحق وفقا لقانون المسطرة المدنية بما في ذلك سلك جميع طرق التنفيذ المدني فإنه يحق للمتقاضي اللجوء إلى النيابة العامة للمطالبة بالتنفيذ الزجري بما في ذلك الإكراه البدني ويعزز طلبه هذا بالإدلاء بجميع الوثائق القانونية اللازمة بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات ، فالإكراه البدني وسيلة ضغط وإجبار المدين على تنفيذ ما التزم به وفقا للحكم النهائي الصادر في مواجهته
فالسياسة العقابية لم تعد مبنية على إنزال العقوبة والحبس لأجل ردع الجاني فحسب، بل أصبحت تهتم بشخصية الجاني ومحاولة إدماجه داخل المجتمع وذلك بتفريد العقوبة وتتبع مراحل احتجازه داخل المؤسسة السجنية بل وحتى خارجها تفاديا للعود وتطبيقا لتدابير وقائية سليمة تتماشى مع المواثيق الدولية الرامية إلى حماية السجناء ومراعاة لسياسة جنائية عادلة حتى بعد مرحلة النطق بالحكم.
ولابد أن نشير بالمجهودات القصوى التي واكبتها وزارة العدل مؤخرا في نطاق بادرة الإصلاح القضائي والتي تتمثل في الإشراف على الحملة الوطنية التي بوشر فيها ابتداءا من 21 ابريل 2003 لتنفيذ مائة وتسعة وعشرون ألفا وتسعة وثلاثين (129.039) حكما قضائيا ، وهي حصيلة الأحكام الغير المنفذة على صعيد مختلف المحاكم وبمختلف القضائيا إلى غاية مارس 2003 والتي تتضمن واحد وعشرون ألفا وأربع مائة وتسعة وخمسين (21.459) حكما تجاريا وثلاثة وخمسون ألفا ثمانمائة وتسعين (53.890) حكما يتعلق بقضايا شركات التأمين ، وعشرة آلاف وثمانمائة وعشرين (12.122) أوامر استعجالية ، وقد تم نشر هاته الإحصائيات مؤخرا بجريدة العلم عدد 19347 وتاريخ 09 مايو 2003.
وترجع عموما أسباب تفاقم ظاهرة عدم التنفيذ التي ترتب عنها هذا العدد الهائل من الملفات إلى مجموعة من الأسباب منها عدم وجود مواكبة صارمة لتتبع ملفات التنفيذ خلال تواجدها بين يدي أعوان التنفيذ وكذلك انتقال المنفذ عليهم لأماكن مختلفة مما يخلق إشكاليات تتعلق بتنفيذ الإنابات القضائية التي ترجع في غالب الأحيان .
وإن كان المشرع المغربي وإيمانا منه بأهمية هذه المؤسسة التشريعية قد سار على هدي من سبقه من التشريعات في إرساء دعائمها الهيكلية على المستوى التشريعي من خلال ما أورده من أحكام مرتبطة بتنفيذ المقررات القضائية في القسم الأول في كتابه الخامس من قانون المسطرة الجنائية، حيث حاول انطلاقا من بضعة فصول أن يزاوج بين اظهار البناء الهيكلي لهذه المؤسسة ورصد اختصاصاتها العملية ولارتباط وضعية التنفيذ بالمجال الواقعي والعملي إن على مستوى المجال المدني أو الجنائي ،ونظرا لما تكتسيه مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات من أهمية سواء من ترسيخ قواعد العدالة وحماية كرامة المعتقلين ونزلاء المؤسسات السجنية سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال مجموعة من الاشكاليات :
ماهو إذن مفهوم جهاز قاضي تنفيذ العقوبات في التشريع المغربي ؟ وما هي اختصاصاته ؟وماهي الإمكانيات المتاحة له في مسطرة التنفيذ العادي العادي والزجري؟ وماهو دور النيابة العامة في مسألة تنفيذ الأحكام الجنائية والمدنية؟ وما هي أنواع القرارات التي تصدر عنه؟ وماهي خصائصها؟وهل قرارات القاضي تتعرض للطعن بالاستئناف وكيف يكون ذلك,.؟
هذه الإشكاليات وغيرها ومسايرة مع المستجدات الجديدة التي أتي بها قانون المسطرة الجنائية وبصفة خاصة قاضي تطبيق العقوبات فإننا سنقسم موضوع البحث إلى فصلين :
الفصل الأول: مؤسسة قاضـــــــــي تطبيق العقوبات واختصاصــــــــــــــاته
الفصل الثاني :أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وخصائصها
راجية من المولى – عز وجل – أن يوفقنا في الإلمام بهذه العناصر و مايتعلق بها من خصوصيات , دون خلل أو تقصير , حتى يكون هذا البحث مفيدا لكل من يطلع عليه .
الفصل الأول : مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات واختصاصاته
من ضمن المكاسب القانونية التي عرفها المجال القانوني والقضائي وهو إحداث منصب جديد يتكلف به أحد أطر الجهاز القضائي لمراقبة تطبيق العقوبات الحبسية على الأشخاص المدانين سواء المتواجدين بالمؤسسات السجنية أو المقترحين لإذماجهم بهاته المؤسسة خصوصا فيما يتعلق بمسطرة الإكراه البدني ويقصد به ” قاضي تطبيق العقوبات” ، فتطبيق العقوبات هو من ضمن أهم التدابير الخطيرة البالغة الأهمية بإعتبارها تمس كرامة الأشخاص وحرياتهم لذا كان لزاما التعامل مع هذا المجال بحرص شديد التحكم في الإجراءات قبل المصادقة عليها ولإعطائها الصبغة التنفيذية.
المبحث الأول : مفهوم جهاز قاضي تطبيق العقوبات في التشريع المغربي
سيتم مناقشة هذا المبحث من خلال التطرق إلى التعريف بماهية مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الأول ), ثم الحديث عن نشأة قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الثاني ).وثم اعطاء نبذة عن طريقة تعيين قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الثالث )
المطلب الأول: ماهية مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات
إذا كان قانون المسطرة الجنائية قد جاء بآليات جديدة لمكافحة الجريمة وحماية الضحايا وأحاط المتهم بجملة من الضمانات وأدخل زخما إضافيا من النصوص القانونية الغاية منها ترسيخ وتعزيز مفهوم دولة الحق والقانون، فإنه على مستوى مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج، فقد سعى إلى تعزيز شروط المراقبة بالفضاء السجني من خلال إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة وضخ دماء جديدة على مستوى اللجنة الإقليمية لمراقبة المؤسسات السجنية. ،
فتطبيق العقوبات هو من أهم التدابير الخطيرة لأنها تمس كرامة الإنسان وحرياتهم ولذا كان لزاما التعامل مع الأمر بحرص شديد حماية لنفسية السجين والانتباه جيدا للإجراءات قبل المصادقة عليها وذلك من اجل إصباغها بالصبغة القضائية التنفيذية ، فمجرد تواجد أحد عناصر الجهاز القضائي أو مجموعة من القضاة على حسب تعدد القضايا المطروحة أمام جهاز تطبيق العقوبات من ضمن الأطر القضائية التابعة للمحكمة الابتدائية يعتبر لوحده مكسبا مهما بحيث أنه يعتبر صيانة وحماية لحقوق الأشخاص المدانين المتواجدين بالمؤسسات السجنية وضمانة في آن واحد لقانونية تطبيق مسطرة الإكراه البدني على الأشخاص المطالبين بتنفيذ هذه المسطرة ،
وإن إحداث جهاز قاضي تطبيق العقوبات مقرر بالمحاكم الابتدائية لوحدها فقط، باعتبار أن هذا المنصب يعين أحد قضاة المحكمة الابتدائية العاملين بجهاز الحكم، وهذا يعني انه لا يمكن بأي وجه كان تعيين أحد قضاة النيابة العامة، ومن جهة أخرى فإن هذا المنصب لا يمكن إقراره وتصور تواجده بمحكمة الاستئناف بالرغم من أن اختصاصات قاضي جل تطبيق العقوبات كما سنرى فيما بعد، تفرض نفسها بقوة داخل هاته المحكمة ومن ضمنها على سبيل المثال قضايا العفو وطلبات الإفراج المقيد
وهذا يعني أن مسطرة الإكراه البدني لا تباشر من طرف النيابة العامة ولا تعتبر من أعمالها القضائية بل سيبقى الأمر على هذا المنوال بالرغم من إقرار هذا المنصب الجديد المتمثل في قاضي تطبيق العقوبات ، فدور هذا الأخير لا يعتبر عمل إشرافا على عمل النيابة العامة في هذا المجال ولا يعتبر تقليلا من دورها في ممارسة مسطرة الإكراه البدني المراد تطبيقها في مواجهة شخص معين من حيث تواجد الإنذار الموجه من طرف طالب التنفيذ وتوصل الشخص المراد تنفيذه عليه وعدم رغبة هذا الأخير الأداء ضمن مرور مدة معينة بنص من القانون،
فبمجرد توقيع النيابة العامة على الأمر وتأشيرتها في تطبيق العقوبات عليه يوجه إلى القوة العمومية وينفذ حالا ويتم الزج بالمكره بالمؤسسة السجنية لذا كان من المتعين تخويل قاضي تطبيق العقوبات حق مراقبة قانونية مسطرة الإكراه البدني والتأكد من عدم وجود مانع قانوني كالإدلاء الشخص المراد تنفيذ الإكراه البدني عليه بشهادة الضعف وعدم أداء الضريبة وعدم إثارة صعوبات قانونية تقف حائلا دون تنفيذ مسطرة الإكراه البدني ،.
كما ان المشرع أعطي الأولوية لقاضي تطبيق العقوبات لتحرير التقرير الكتابي للزيارة وإحالته على وزير العدل ويجب أن يتضمن هذا التقرير ملاحظاته وارتساما ته وما يلاحظه من اخلالات وتجاوزات خصوصا ما يتعلق منها بوضعية نزلاء المؤسسات السجنية وطريقة عيشهم ونوعية التعامل معهم من طرف إدارة المؤسسة.
ولكي تنجح تجربة قاضي تطبيق قاضي العقوبات فهذا رهين بمجموعة من الإجراءات :
* إعداد الأضية الصالحة وإعادة النظر في البنية التحتية والوسائل الممنوحة لجهاز قاضي تطبيق العقوبات ومساعدته في إنجاح المهام الموكولة إليه وتمهيد الطريق له بإتخاد إجراءات التي من شانها التأثير على نوعية العقوبات المقررة واستبدال العقوبات الحبسية ببدائل للعقوبات كإقرار الخدمة لفائدة المرافق العامة وإقرار تدابير وقائية تكون نتيجتها العملية أكثر إنتاجية من العقوبة الحبسية
* لابد من إعداد الأطر العاملة بهذا الجهاز سواء القضاة المكلفون بالإشراف أو أطر كتابة الضبط. وذلك على أساس توفرهم على تجارب ومؤهلات قانونية وعملية ، فمجال التخصص والإستعانة بالتدريب والزيادة في صقل المعرفة والتجربة في ميدان المؤهل له
المطلب الثاني: نشأة مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات
يرجع نظام قضاء تطبيق العقوبات الى فرنسا من خلال البرنامج الإصلاحي العقابي سنة 1945، حيث تم ذلك بتشجيع من التيار الإجرامي لمدرسة الدفاع الاجتاعي ، حيث تم إنشاء قانون حقيقي لتنفيذ العقوبات، وشكلت لجنة يترأسها المحامي الفرنسي Paul Amoz وقد اتفقت اللجنة في بيانها الختامي على أربعة عشر بندا ، وكلها تؤكد على أن مرحلة التنفيذ يجب أن تكون تحت إشراف قضائي ضمانا للشرعية، فقضاء الحكم وقضاء التنفيذ يطبق كلاهما العقوبات والتدابير، كل على حسب طريقته، والتطبيق من الآن فصاعدا يضم التحقيق، فيشمل النطبق بها ( الحكم)، اعمالها في الحياة الواقعية ( التنفيذ)
ومنذ ذلك الوقت ، بقي الإلحاح سيد الموقف على اقرار هذه المؤسسة خصوصا في بداية الخمسينات إلى ان تم الاقرار رسميا في 23 دجنبر 1958 ، بجهاز قاضي تطبيق العقوبات والذي أوكل اليه مهمة متابعة العقوبات ، ورئاسة لجنة تطبيق العقوبات ،بحيث كان الهدف من اقرار هذا الجهاز هو لعب دور رائد في مجال تنفيذ العقوبات السالبة للحرية ، وقد مر هذا القانون بمراحل عديدة ، منذ انشاءه الي غاية القانون الحالي أي الى فاتح يناير 2005 مع تطبيق قانون رقم 204-2004 والذي جاء بنوع من التكييف القضائي لكي يتناسب مع التطور الاجرامي ، وجدير بالذكر هنا على أن بعض الفقه الفرنسي قد عرف قانون تطبيق العقوبات بأنه :
« Juge au tribunal de grande instance charge de suivre l’exéution des sanctions pénales, d’en aménager le régime et notamment de statuer sur les obligations imposées aux probationnaires »
كما أن تعديل تعيين قاضي تطبيق العقوبات وإذا تمعنا في النصوص القانونية المتعلقة بهذا الجهاز داخل الترسانة القانونية الحالية، نجده ملزما بالمطابقة بين العقوبة والاحتياجات للمحكوم عليه، اي استجابة لمتطلبات مبدأ شخصية العقوبة ومبدأ تفريد العقوبة ،كما ان التعيين لم يطرأ عليه أي تغيير بالنظر للفصل 709-1 من ق م ج الفرنسي القديم حيث أن المادة 712-2 من قانون المسطرة الجنائية تقول :
« Dans chaque tribunal de grande instance, un ou plusieurs magistrats du siège sont chargés des fonctions de juge de l’application des peines.Ces magistrats sont désignés par décret pris après avis du Conseil supérieur de la magistrature. Il peut être mis fin à leurs fonctions dans les mêmes formes.Si un juge de l’application des peines est temporairement empêché d’exercer ses fonctions, le président du tribunal de grande instance désigne un autre magistrat pour le remplacer »
أما قاضي الاشراف الايطالي لقد تم اقراره في الفصل 144،بموجب مرسوم 19 أكتوبر 1930، بحيث جاءت هذه المؤسسة كنقطة تلاقي بين الفن القانوني Technique juridique والأفكار الحديثة ( التدابير الاحترازية- الخطورة الإجرامية) ويتم اختيار قضاة الاشراف من بين قضاة المحاكم (القضاء الجالس) ، ويمارسون وظائفهم بالاشراف على تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية التي تنفذ في المؤسسات الكائنة في دائرة الاختصاص ويمارسونها ، ومن ناحية أخري اعاد المشرع قانون الاجراءات الجنائية المعدة في 18 ديسمبر سنة 1973 تنظيم وظيفة قاضي الاشراف، حيث يعين في المحاكم الهامة ،
وإذا ما قارنا أسلوب قضاء الاشراف الايطالي وبين قاضي تنفيذ العقوبات المغربي لا نجد اختلافا كبيرا فيما يتعلق بطريقة التعيين وحتى طريقة ممارسة الوظيفة والاشراف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية أو تدابير احترازية، يقع تنفيذها في المؤسسات السجنية الكائنة في دائرة اختصاص المحكمة التي يتبعونها وليس بالغريب لأن كل من التشريعي المغربي والايطالي ، قد أخدا من مرجعية واحدة وهي قاضي تطبيق العقوبات الفرنسي
اما بخصوص تواجد مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في بعض الدول العربية، فيلاحظ ندرة في تطبيق هذه المؤسسة في المنظومة التشريعية العربية لكن في الجزائر وفي تشريعها الخاص ، تبني اقرار مؤسسة قاضي ت ع مثلا اصلاح السجون في الجزائر ، فيشكل أهم ورشات اصلاح العدالة حيث عمل المشرع الجزائري على ادخال اصلاحات عبر المنظومة العقابية، شملت الجوانب القانونية والتنظيمية والهيكلية ، وفي مقدمة هذه الاصلاحات صدر قانون تنظيم السجون، واعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين الذي تم تكييف احكامه بما يضمن الشرعية في الوسط العقابي ويدعم حقوق المساجين ويولي اهتمام أكبر بالرعاية الصحة لهم ولاشك من ان هذا الإجراء شكل ضمانة كبيرة للمحكوم عليهم لما يتصف به القضاء من نزاهة وقدرة على معرفة أحوال المحكوم عليهم وظروفهم.
أما بالنسبة للقانون التونسي، فبموجب القانون الصادر بتاريخ 31-07-2000 ، فقد أخد بما يسمى بقاضي المراقبة والذي يشرف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية والتدابير الاحترازية ومراقبة المؤسسات السجنية تماشيا مع التوصيات المنبثقة عن الاجتماعات الدولية والداعية إلى الصلة الوثيقة بين حقوق الإنسان وإحداث مؤسسة قاضي تطبق العقوبات ، باعتبارها الساهرة على تحديد الظروف المثلى لمراقبة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية.
أما بالنسبة لبعض الدول كمصر والعراق، يبقي وجود هذه المؤسسة معلقا في رفوف مشاريع القوانين، بحيث أن المشرع المصري من خلال مشروع قانون لسنة 19 أبريل 1968 ، قد أدخل قاضي تطبيق العقوبات في المواد الجنائية وذلك ناتج بطبيعة الحال لسياسة التفريد التي تبناها مشروع قانون العقوبات الذي تضمن تدابير جنائية، وتدابير الدفاع الاجتماعي في نفس الوقت ، فبعض هذه التدابير غير محدد المدة مما سيلزم أن يعهد للقاضي بالبث في أمر إنهائها ، كما أن بعضها قد تطلب إعادة النظر فيها بتعديلها لما يطرأ على حالة المحكوم عليه ولا يجوز أن يترك هذا الأمر لسلطات السجون ،
وأما بالنسبة للمشرع العراقي ، فنظام الإشراف القضائي على التنفيذ، لم يكن معروفا من قبل إلى أن تم الأخد في مشروع قانون الإجراءات الجديدة وعهد به إلى محكمة أطلق عليها محكمة تنفيذ العقوبة والاعترافات المقدمة من المحكوم عليه، كالعقوبات الصادرة بحقهم داخل المؤسسة وغيرها،
. كما قام المشرع المغربي، وكما جاء في التقديم، بتبني هذه المؤسسة التي تعتبر من أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية الأخير الذي آل جلالة الملك الراحل على نفسه إعادة صياغة الترسانة القانونية المغربية انطلاقا من التزام المملكة المغربية بمبادئ حقوق الإنسان في القانون الأسمى للأمة ” كما هي متعارف عليها دوليا “، حيث يعتبر جهاز قاضي تنفيذ العقوبات مولودا جديدا أنجب من رحم المسطرة الجنائية بتاريخ 3 أكتوبر 2002 والداخل حيز التنفيذ بتاريخ 1/1/2003 ، وقد أتى احداث هذه المؤسسة كإستكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ، ولتحقيق هاته الغاية من العقوبة التي هي الادماج والاصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية ،
وقضاء التنفيذ يترجم قناعة المشرعين باعتبار التأهيل هو الغرض الأساسي للعقاب، وهو لا يتحقق إلا عن طريق التنفيذ الذي يقوم على اخضاع مرحلتي النطق بالعقوبة وتنفيذها للاشراف القضائي لكفالة استمرار ضمان احترام حقوق المحكوم عليه وصيانتها المعتبرة من صميم وظيفة القضاء.
المطلب الثالث: تعيين قاضي تطبيق العقوبات
نصت المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي :
1-يعين قاض أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي تطبيق العقوبات
2-يعين هؤلاء القضاة بقرار لوزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، و يعفون من مهامهم بنفس الكيفية
3-إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا
4- يعهد إلى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل
5-يتتبع مدى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل تطبيق القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب
6- يطلع على سجلات الاعتقال ويعد تقريرا عن كل زيارة يضمنه ملاحظاته و يوجهه إلى وزير العدل مع إحالة نسخة منه على النيابة العامة
7-يمكنه مسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم تتضمن بيانات حول هويتهم و رقم اعتقالهم والمقررات القضائية و التأديبية الصادرة في شأنهم و ملاحظات القاضي
8-يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط الرجوع إلى السفر. يمارس مهامه حسب هذا القانون و كذا بموجب أي نصوص أخرى ”
ونص كذلك الفصل 592 من قانون المسطرة الجنائية على مسطرة تعيين قاضي تطبيق العقوبات في فقرتيه الأولى والثانية وقرر على أنه يتم تعيين قاضي أو أكثر يقومون بمهام قاضي تطبيق العقوبات بقرار صادر عن وزير العدل لمدة ثلاثة سنوات قابلة لتجديد من ضمن قضاة المحكمة الابتدائية ويتم إعفاءهم من مهامهم بنفس الكيفية التي يتم تعيينهم بها وفي حالة حصول مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة الابتدائية قاضيا ينوب عنه بصفة مؤقتة ،
ويستخلص من هذا الفصل أن قاضي تطبيق العقوبات هو من ضمن مستحدثات قانون المسطرة الجنائية الجديد حيث يعمل علي تلبيةً تحقيق نوع من الضمان لحقوق نزلاء المؤسسات السجنية ومساعدة النيابة العامة في تحمل عبئ التواصل بين المؤسسات السجنية والنزلاء ،
وكما يستخلص من هذا الفصل أن قاضي تطبيق العقوبات مقرر أصلا بالمحاكم الابتدائية لوحده باعتبار هذا المنصب يعين له أحد قضاة المحكمة الابتدائية العاملين في جهاز الحكم وهذا يعني أنه لا يمكن بأي وجه تعيين أحد قضاة النيابة العامة لهذا المنصب حتي ولو على سبيل الاحتياط بصفة مؤقتة أما إذا حصل مانع مؤقت لقاضي تطبيق العقوبات فإنه يعوض من طرف أحد قضاة الحكم المعين من طرف رئيس المحكمة القضايا الجنائية وما تتضمنه هاته الأخيرة من تزايد متواتر في عدد نزلاء المؤسسات السجنية المرتبطين بها الامر الذي سيؤثر سلبيا على طريقة مسايرة هاته القضايا من طرف قاضي تطبيق العقوبات المتواجد بمقره بالمحكمة الإبتدائية والذي من شأنه خلق نوعين من الصعوبات:
صعوبة ميدانية باعتبار أن القضايا التي ينظر فيها قاضي تطبيق العقوبات ترتبط في غالب الأحيان بلفات معروضة على أنظار محكمة الاستئناف ، وأن مسطرة الإكراه البدني في جل الأحيان أمام محكمة الإستئناف ، إضافة الى جل نزلاء المؤسسات السجنية يرتبطون بملفات جنائية تدخل في نطاق محكمة الإستئناف
صعوبة علمية استنادا إلى بعد المسافة بين المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، هذا بالاضافة الى أن دائرة محكمة الإستئناف تتضمن في غالب الاحيان أكثر من ثلاث أو أربع محاكم إبتدائية وهذا ما يتعارض مع إجراءات قاضي تطبيق العقوبات الذي من سمته السرعة
المبحث الثاني : اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي
إن وظيفة قاضي تطبيق العقوبات تعد كوظيفة دخيلة على سلك القضاء، لابد أن تكون لها انعكاسات عملية ايجابية تساير منطق العدالة الجنائية التي تروم اشتراك القضاء إلى جانب السلطة التنفيذية في تنفيذ الأحكام والجزاءات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة ومراقبة مدى ملائمة العقوبة بالنسبة لشخصية الجاني ، وحيث ان الصلاحيات الممنوحة لقاضي تطبيق العقوبات الغاية منها تحقيق الهدف الاصلاحي للعقوبة وهي غاية لن تسعف الصلاحيات المسندة إليها، إلا بتعزيزها باختصاصات تساهم بالفعل في التدخل من أجل إعادة المحكوم عليهم في المجتمع والذي يستفاد منه من خلال التنصيب عليها في ديباجة قانون المسطرة الجنائية باعتباره مشعل ورمزا لحماية الكرامة الإنسانية و تكمن أهم صلاحيات القاضي الجنائي في مراقبة سلامة تطبيق القانون المتعلق بالمؤسسات السجنية وتسييرها ( المطلب الأول) و مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني( المطلب الثاني) وحق اقتراح العفو والإفراج المقيد بشروط ( المطلب الثالث)
المطلب الأول : مراقبة سلامة تطبيق القانون المتعلق بالمؤسسات السجنية وتسييرها
ضمن المشرع المغربي المهام المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في نفس الفصل المحدد لطريقة تعيينه مباشرة انطلاقا من الفقرة الثالثة من الفصل 596 من قانون المسطرة الجنائية في الباب الأول من القسم الأول من الكتاب السادس المخصص لتنفيذ المقررات القضائية ، وبالرجوع إلى الفصل المحدد لهاته الاختصاصات نجده يقرر حرفيا في فقرته الثالثة وما بعدها ما يلي :
*أوكل الفصل 596 إلى قاضي تطبيق العقوبات :
– زيارة المؤسسات السجنية التابعة لنفوذ المحكمة التي يعين بدائرتها مرة في الشهر
– تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال و حقوق السجناء و مراقبة سلامة إجراءات التأديب
– الاطلاع على سجلات الاعتقال و إعداد تقرير عن كل زيارة
بالنسبة لمسألة الزيارة، فان زيارة المؤسسات السجنية موكولة إلى وكيل الملك وقاضي التحقيق طبقا للفصل 660 من ق.م.ج و ذلك مرة كل ثلاثة أشهر، ولا تختلف زيارة قاضي تطبيق العقوبات إلا بالوثيرة الشهرية .
و أما عن تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب،فإن هذه المهام تعد خطيرة للغاية، وهي مهام ستمارس في مواجهة مدير السجن و العاملين به، ولذلك يلزم أن لا تحتد المواجهة في التنافس على المهام في غياب أية اختصاصات يمارسها قاضي تطبيق العقوبات داخل السجن كمرحلة أولى للاستئناس بوجوده داخل السجن كسلطة مساعدة فاعلة وفعالة وذلك بأن تسند له المهام الموكولة لرئيس المحكمة الابتدائية المتمثلة مثلا في التوقيع على سجل الاعتقال وترقيم صفحاته ( الفصل 13 من القانون رقم 23/98 ، و يكون هذا السجل وسيلة قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال لما يوضحه من تواريخ دخول وخروج المعتقلين ، والعمل على جعل إذن الإفراج المؤقت ورخصة الخروج الاستثنائية ( الفصل 19) من اختصاص قاضي تطبيق العقوبات إلزام مدير المؤسسة بإشعار قاضي تطبيق العقوبات عن الوضعية الجنائية لكل معتقل تبدو أنها غير قانونية (الفصل 21).
ويستفاد كذلك من خلال تنصيص المشرع في ديباجة قانون المسطرة الجنائية على أنه ” قد عهد لقاضي تطبيق العقوبات باختصاصات لتتبع تنفيذ العقوبة بكيفية تسمح بإعادة إذماج المحكوم عليه في المجتمع” وهو ما يكتشف غاية المشرع من إحداث هذه المؤسسة وهي تحقيق الهذف الاصلاحي للعقوبة و غاية المشرع لن تسعف الصلاحيات المسندة إليها حاليا في الوصول اليها، إلا بتعزيزها بإختصاصات تساهم بالفعل في التدخل من أجل إعادة إذماج المحكوم عليهم في المجتمع
و تعتبر مراقبة الفضاء السجني من أهم الصلاحيات التي يضطلع بها قاضي تطبيق العقوبات في جميع الأنظمة القانونية التي تبنت نظام الإشراف القضائي ,اد على مستوى الفضاء المذكور-الفضاء السجني- يتم تحقيق الوظيفة النفعية للعقوبة في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاحهم من خلال مراقبة مدى انضباط المعاملة العقابية لأحكام النظام السجني,وبذلك أصبح دور القضاء لا ينتهي بتقرير العقوبة الملائمة فقط , وإنما يمتد لتتبع وتقييم اثر العقوبة الصادرة في إصلاح المحكوم عليه عن طريق التدخل إن اقتضى الحال في تعديل العقوبة الصادرة,أو حتى استبدالها ,أو وضع حد لها، أو حتى استبدالها بأحد التدابير المقيدة للحرية كالوضع تحت الاختبار أو تحت المراقبة القضائية أو العمل من اجل المصلحة العامة…
و يتضح كذلك أن نطاق الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات على الفضاء السجني ينص على المسائل التالية :
أ – مراقبة قانونية الاعتقال
ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق الإنسان
ج – مراقبة سلامة إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية
أ – مراقبة قانونية الاعتقال
تعتبر الحريات الشخصية كحرية الاجتماع وحرية الرأ وحرية الصحافة احد الدعائم الأساسية لدولة الحق والقانون,والترجمة الفعلية لمفهوم المواطنة وكل مساس بهده الحريات في غير الحدود التي رسمها القانون يمثل انتهاكا للكرامة الإنسانية .ومن دلك الدستور المغربي الذي نص في فصله العاشر على انهلا يلقى القبض على احد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون
ولقد وضع المشرع عدة ضوابط قانونية لإلقاء القبض على الأشخاص أو اعتقالهم ,كما خول للمعتقل مجموعة من الضمانات الإجرائية والموضوعية .
وتستمد قانونية الاعتقال من مبدأين أساسيين يشكلان احد ثوابت النظام العقابي,وهما :
– أن يتم الاعتقال بناء على سند
– أن يتم الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل,باعتبارها المشرف على الجهاز العقابي في الدولة.وهدا ما نصت عليه المادة 608 من ق.م.ج، ولهذا فان صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال تستهدف التأكد من قانونية تواجد المعتقل بالمؤسسة السجنية ودلك من خلال :
+ تسجيل المعتقل بسجل الاعتقال
+ وجود سند مبرر للاعتقال وفق الشروط المحددة في القانون ولكي يتبث للسند القوة القانونية التي تجعل منه اساسا لعملية الاعتقال ، يجب أن تتوفر في المبرر القضائي الذي يبني عليه السند مجموعة من الشروط القانونية المنصوص عليها في المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية ومن بين هذه الشروط أن يكون المصرر صادر عن هيئة قضائية وأن يكون المقرر حائزا لقوة الشي ء المقضي به وان يكون المقرر القضائي متضمنا لعقوبة سالبة للحرية أو الإكراه البدني
ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء
من المبادئ المسلم بها في علم العقاب ,أن العقوبة لا تلقي كلية حقوق المحكوم عليه,وإنما تضع لها حدودا وقيود ، وقد تعززت حماية هده الحقوق أكثر مع إحداث المشرع المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات وجعله مختصا بمراقبة مدى مراعاة الإدارة العقابية لحقوق السجناء, ودلك من خلال زيارته للمؤسسات السجنية والوقوف على ظروف الاعتقال ,ومن تم معاينة ظروف الصحة والنظافة والتهوية والتغذية وظروف العمل العقابي,ومناهج التأهيل التربوي والمهني.هدا بالإضافة إلى الاستماع والإنصات لإفادات السجناء وانجاز تقارير أو محاضر تفتيش توجه إلى وزير العدل الذي ترجع له صلاحيات التدخل لتصحيح الأوضاع.
فالمعاملة العقابية للمحكوم عليه عرفت تطورا مهما واكب الفكر الجنائي الى دور العقوبة، من مجرد الإنتقام والايلام والردع ، إلى الرغبة في اصلاح المحكوم عليه واعادته الى حظيرة المجتمع فردا صالحا، وهو مالا يتحقق الا عن طريق حفظ الكرامة المتأصلة في الإنسان ولو كان سجينا حيث أنه اصبح هناك مجال أكثر لرد الفعل العلاجي في مواجهة السلوك الضار بالمجتمع بدل الإقتصار فقط على رد الفعل العقابي حيث يفترض في رد الفعل العلاجي أن لا ينبني على العداوة وألا يقوم على العاطفة بحيث لا يكون الألم إلا بالقدر اللازم لضبط عملية العلاج ، فلا يكون هذفا وانما فقط أمرا عرضيا تتطلبه العملية العلاجية ، وانتقل المركز القانوني للمحكوم عليه أو وضعه الحقوقي من مستوى التجريد الكامل من أي حق، أو ماكان من مستوى التجريد الكامل من أي حق إلى الإقرار بوجود حقوق شخصية للسجين حيث أصبحت المعاملة السجنية قائمة الآن على احترام كرامة المعتقل ،حيث أن كرامة السجين تعتبر شرط جوهري لنجاح المعاملة العقابية التي حيث تستهذف تأهيل المعتقل حيث يسعى المشرع على جعل المؤسسة السجنية مجالا للتأهيل وتسهيل الانذماج الاجتماعي للسجين بعد خروجه من السجن وبالتالي تقليص حالات العود الى الجريمة حيث اصبحت له حقوق عدة منها الحق في المراسلة والعناية الصحية والبدنية وفي الزيارة والحق في العمل حيث نص المشرع على جواز اشتغال المعتقلين لفائدة الخواص او لحساب هيئة خاصة وذلك بناء علي امتياز بموجب اتفاقية ادارية تحد على الخصوص شروط التشغيل والأجر المستحق ويحتفظ بجزء من الأجر في الحساب الرسمي الخاص بالسجين ويسلم اليه عند الافرج عنه ( المادة101 و 105 من الظهير ) أو يصرف منه لتعويض الخسائر التي تسب يها المعتقل (م550 من الظهير)
ج – إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية
يعتبر الانضباط وسيادة الأمن ضرورة أساسية لتخفيف شروط المعاملة التهذيبية والإصلاحية لهذا كان طبيعيا أن تخول القوانين المنظمة للمؤسسة العقابية صلاحية اعتماد بعض الأساليب التي يكون من شانها تدعيم النظام والهدوء .وفي مقدمة هده الأساليب توقيع الجزاءات التأديبية على المحكوم عليهم الدين يأتون أفعالا تهدد الانضباط المطلوب أما مهمة قاضي تطبيق العقوبات في هدا الصدد فتتحدد في التأكد من مدى مراعاة تطبيق هده المؤسسة للقانون .غير أن فعالية هده الرقابة رهين بحجم الوسائل المقررة قانونا لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة الفضاء ألسجني والمتمثلة في الصلاحيات التالية : زيارة المؤسسة السجنية* الإطلاع على سجل التدابير التاذبية* الاستماع إلى إفادات السجناء وشكاياتهم ، وبالتالي يقوم بحصر الخروقات التي يعاينها بخصوص إجراءات التأديب في تقرير يوجه إلى وزير العدل,ويحيل نسخة منه إلى وكيل الملك,وتبقى الصلاحية لوزير العدل لإحالة التقرير إلى مدير إدارة السجون الذي يملك الصلاحية القانونية لتصحيح ومراجعة الإخلال الملاحظ على مستوى الأحكام القانونية المتعلقة بإجراءات التأديب.وهدا ما نصت عليه المادة 60 من ظهير 23 غشت 1999 ، وهذا ما أعاد المشرع النص عليه في المادة الأولى والمادة 35 من المرسوم التطبيقي الصادر ب3 نونبر 2000
المطلب الثاني : مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني
يعرف الإكراه البدني عادة بكونه وسيلة لاجبار المدين المتعنت عن اداء مبلغ مالي محكوم بع في مواجهته وذلك عن طريق الزج به في السجن وبذلك فهو وسيلة للضغط على المدين القادر على الوفاء حيث أن وعاء الضمان يستغرق جسم المدين وماله : ” فمن لم يستطيع الاداء من ماله ، يؤدي من جلده ” وهذا سيؤدي لا محالة الى تعطيل نشاطه الاقتصادي وملاءته المالية وقدرته على الوفاء وباالتالي اهدارا للكرامة الإنسانية
من بين المهام الأساسية التي أسندها قانون المسطرة الجنائية الجديد لقاضي تطبيق العقوبات الموافقة المسبقة على تطبيق مسطرة الإكراه البدني قبل الشروع في إجراءاتها ,لأنه في ظل القانون القديم كانت النيابة العامة هي التي تقوم بهده الإجراءات وهدا ما نصت عليه المادة 640 من ق.م.ج.ج.ومن أهم الصلاحيات المنوطة بقاضي تطبيق العقوبات في إطار مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني وتحديد مدته في حق المدين المتضامن وذلك بمقتضى المادة 644 من ق.م.ج.وما يلاحظ على التعديلات الأخيرة لنظام الإكراه البدني في إطار قانون المسطرة الجنائية دلك الطابع الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني والتي تبرز ملامحه من خلال :
أ– تقييد مفعول مسطرة الإكراه البدني بالأحكام الباتة الغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن عاديا كان أو غير عادي، فقد نصت المادة 598 فق 2 من قانون المسطرة الجنائية على انه ’’ لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا اذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به’’ وهو ما أكدته أيضا الفقرة الأخيرة من المادة 415 من قانون المسطرة الجنائية.
ب – ربط مسطرة الإكراه البدني بمآل إجراءات التنفيذ على أموال المدين .وهدا ما يستنتج صراحة من خلال اشتراط المشرع في المادة 640 من ق.م.ج ضرورة إدلاء طالب الإكراه بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين تحت طائلة عدم الموافقة على طلب تطبيق الإكراه البدني .
ج – جعل إثبات العسر مانعا من تطبيق الإكراه البدني.نص المادم 635 من ق.م.ج
د – تخويل المدين فرصا اكبر لتفادي الخضوع لمسطرة الإكراه البدني , ودلك من خلال
/1 – اشتراط مدة أطول في الاندار الموجه للمدين بالوفاء,بحيث أصبحت أكثر من شهر واحد,بعدما كانت في القانون القديم لا تتجاوز عشرة أيام (المادة 640 من ق.م.ج )
2/ – تمتيع المدين بإمكانية إيقاف مفعول الإكراه البدني بالأداء الجزئي للدين ، مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد (المادة645 منق.م.ج)
3/ تأجيل تنفيذ الإكراه البدني في حق المرأة الحامل أو المرضعة,في حدود سنتين من تاريخ الولادة (المادة 637 من ق.م.ج والمادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية[18] )وهو ما يمثل بعدا إنسانيا مهما في إجراءات التنفيذ.
4 / عدم جواز إكراه المدين من اجل نفس الدين(المادة 647 من ق.م.ج)
5 / التخفيض من مدة الإكراه بحيث أصبحت لا تتجاوز 15 شهرا (المادة 638 من ق.م.ج )في حين كانت في القانون القديم تصل إلى حدود سنتين (المادة 678 من ق.م.ج الملغى )
6 / تخفيض سن الإعفاء من الإكراه البدني إلى 60 سنة بدل 65 في القانون الملغى(المادة 636 من ق.م.ج)ويمكن تحديد مدة الإكراه المعمول بها حاليا ،تطبيقا للمادة 638من ق.م.ج تبعا للجدول الآتي :
مدة الإكراه مبلغ الدين
من 6 أيام إلى 20 يوما أقل من 8000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 8000.00 درهم ويقل عن 20.000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 20.000.00 درهم ويقل عن 50.000.00 درهم
من 3 أشهر إلى 5 أشهر يعادل أو يفوق 50.000.00 ويقل عن 200.000.00 درهم
من 6 أشهر إلى 9 أشهر يعادل أو يفوق 500.000.00 درهم و يقل عن مليون درهم
من 10 أشهر إلى 15 شهرا يعادل أو يفوق مليون درهم
و تبقى صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني رهينا بنوعية الوثائق التي تكون منها ملف الإكراه المحال عليه ،لتدقيق النظر حول تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني حسب الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق.م.ج .
المطلب الثالث : حق إقتراح العفو والإفراج المقيد بشروط
يقوم قاضي تنفيذ العقوبات في إطار اختصاصاته الميدانية، بتقديم اقتراحاته بخصوص الإفراج الشرطي وفقا للشروط المحددة في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية،حيث ينظر على ضوء الملف المتعلق بالسجين في مدى توفرشروط السراح، بما فيها التحقق من أن السجين برهن من خلال سيرته، داخل السجن عن ارتداعه أو إذا ظهر سراحه مفيداً للمجتمع، إن إعطاء قاضي تطبيق العقوبة هذه المهمة لا يمكن فهمه إلا من خلال الوقوف على وظيفة العقوبة التي تعود بدورها الى البحث في مشروعية العقاب القائمة على أساس الموازنة بين مبدأي النفعية والأخلاقية فبين هذين الموقفين يقف قاضي تطبيق العقوبة موفقا بين الأمرين، فمتى اتضح له أن فكرة العدالة قد تحققت إلا وخوله المشرع تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط، غير أن هذا الاقتراح ينبغي أن ينسجم مع المقتضيات القانونية المنظمة للموضوع إذ فضلا عن تحسن سلوك المحكوم عليه وبرهنته على ذلك من خلال سيرته داخل المؤسسة التي ينفذ بها العقوبة، ينبغي أن تحترم باقي الشروط المنصوص عليها في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية، وان سلطة اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالإفراج الشرطي هي سلطة تقديرية، وهو ما يفرض بالضرورة عدم تجاوزها للنص القانوني من خلال ما يفرضه من شروط ، ومن المحددات القانونية لاقتراح العفو، ان العفو وسيلة من وسائل انقضاء العقوبة فهناك العفو الشامل تستقل باتخاذه السلطة التشريعية ،من أجل تعطيل النفاد القانوني لبعض النصوص الزجرية ،بخصوص يعض الجرائم التي ارتكبت في ظروف معينة أو فترة زمنية محددة ، وبالتالي وضع حد لسلطة المتابعة والحكم والتنفيذ في الجانب المرتبط بالحق العام، ودون المساس بحقوق الغير(الفصل 59 من ق.ج ،والمادة 596 من ق.م.ج)،اما العفو الخاص فيصدر عن جلالة الملك
اما المحددات القانونية لاقتراح الإفراج المقيد بشروط :
ان نظام الإفراج الشرطي أو الإفراج المقيد بشروط الذي عرفه القانون الجنائي المغربي في الفصل 59،والإفراج الشرطي كما يقول بعض الفقه،هو مرحلة وسط بين السلب الكامل للحرية ،والتمتع الكامل بالحرية ،ويعمل على الحد من خطورة الانتقال المفاجئ والسريع من السجن إلى الإفراج التام والنهائي الذي من شانه أن يؤدي بالمفرج عنه إلى تنكب الطريق والعودة إلى التجريم ،فهو بمثابة مرحلة إعداد للاندماج الصحي والسليم في الحياة الحرة.’’ .
أما بخصوص المحددات القانونية التي يتعين على قاضي تطبيق العقوبات،التأكد منها قبل تقديم اقتراحه بخصوص الإفراج المقيد بشروط ،فالملاحظ إن المشرع المغربي – وعلى غرار باقي التشريعات –وضع مجموعة من الشروط،والتي يمكن التمييز في إطارها بين شروط أو محددات موضوعية تتعلق بالوضع الجنائي للمحكوم عليه في الجانب المتعلق بالعقوبة الصادرة في حقه وباخل التجربة،المادة 622 من ق.م.ج ، ومحددات شخصية ترتبط بسلوك المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية حسب نفس المادة الفقرة الأولى من المادة 33 من مرسوم 3 نونبر 2000
جاء إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات، ليشكل ترجمة عملية لرغبة حقوقية طالما راودت مهمتي الشأن الحقوقي والقانوني بالمغرب،حيث أقدم المشرع المغربي ،اقتباسا من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي،بإحداث هذه المؤسسة بموجب قانون رقم 1/22 بظهير 3 أكتوبر 2002. وقد عهد إليها بترسيخ الضمانات المطلوبة في الدعوى العمومية لفترة ما بعد صدور الحكم القضائي مرسخة بذلك استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد الحسم في القضية الزجرية وصدور الحكم بالعقوبة.
فهي من رموز استكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ولتحقيق الغاية من العقوبة التي هي الإدماج والإصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية وعليه فالهدف من إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات هو تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وهو شيء ايجابي لان صلة القضاء بالمحكوم عليه كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري ومن خلال تصفح المقتضيات القانونية المحددة لصلاحيات هذه المؤسسة في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي نجد أن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبة تنحصر في حدود مهام إدارية واقتراحيه فقط دون أية اختصاصات قضائية احتراما لمنهج التشريع التدريجي وذلك لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي .
فمهمة التنفيذ تعتبر المرحلة الحاسمة التي تتبلور فيها عصارة مجهودات الجهاز القضائي ووضعيته الحقيقية ، إذ يشكل عنق الزجاجة ويعتبر بالتالي معيارا وقياسا لهذا الجهاز ، وتنعكس من خلال وضعيته بصفة تلقائية على الجهاز القضائي ككل ، فهو إما أن يكون في حالة جيدة أو يكون في حالة اختناق وصعوبة وإذا كان جل المحللين والفقهاء اتفقوا على هذا الوصف ، و استنادا للمثل القائل إذا عرف الداء سهل الدواء ، فإنه يتعين للالتفاف إلى وضعية جهاز التنفيذ والاهتمام به من خلال محاولة إزالة الشوائب والعوائق التي تحول دون تواجده في حالته الطبيعية، حيث أن فالتنفيذ هو الاخ التوأم للحكم، لذا كان التركيز على مرحلة تنفيذ الجزاء المحكوم به من حيث الآليات التشريعية و الوسائل والأهذاف مسألة حظيت بالإهتمام مع المدارس الفلسفية والقانونية التي جعلت من الجريمة والمجرم موضوعا لها، خاصة في ظل السياسات الجنائية ذات الأهذاف الواضحة والمعالم الجليلة في مكافحة الجريمة وهي مرحلة متأخرة نسبيا في الفكر القانوني، ومن غير الدخول في جدلية من السابق ومن اللاحق، فإن أولوية الإشراف القضائي على تنفيذ الجزاءات ومنها طبعا العقوبات ، ظهرت مع ما نادت به المدرسة الوضعية من ضرورة مواصلة القاضي لعملية التفريد أثناء مرحلة تنفيذ الجزاء، وأملتها تشريعيا الرغبة في تعزيز توابث السياسة العقابية القائمة على حقوق الإنسان في شتى أبعادها بما فيها أنسنة نظام العقوبات
وفهاته البادرة وبالرغم من تأخرهاإلا أنها جاءت لترد على الذين كانو ينادون بتفعيلها لضمان احترام كرامة المعتقل وشخصيته كانسان يمكن اصلاحه وتهذيبه واعادة اذماجه إلا أن مهمة التنفيذ التي أوكلها المشرع لكتابة الضبط في شخص قسم التنفيذ ليست بالأمر الهين ، بل إنها تشكل أهم وأخطر مرحلة في مراحل التقاضي وذلك استنادا إلى تواجدها في آخر مراحله حيث أنها تمثل عصارة مسطرة التقاضي سيما بالنسبة لوجهة نظر المتقاضي خلال تواجده بهاته المرحلة حيث أن نفسيته تظل تواقة للوصول إلى نيل حقوقه واسترجاع ما أخد منه بغير وجه حق فهو تبعا لذلك لا يعرف قيمة وحجية الحكم المتوفر عليه إلا من خلال مرحلة التنفيذ ، الأمر الذي يجعل خلال هاته المرحلة يصطدم بمجموعة من الإشكاليات منها أن التنفيذ تقف أمامه مجموعة من العراقيل والإشكاليات القانونية والإجرائية والتي تنبثق أساسا من الغموض الذي يكتسبي بعض نصوص قانون المسطرة المدنية والجنائية ، الأمر الذي تترتب عنه وجود اختلافات في ميدان التطبيق العملي سواء على مستوى الفقه أو القضاء ،
فالمشرع المغربي لم يترك هاته المرحلة الهامة من دون حماية قضائية وقانونية، فالقضاء لا يعتبر قد انتهى من وضع يده على النازلة التي عرضت عليه من قبل بمجرد صدور حكم قضائي نهائي بل انها تستمر قانونيا إلى غاية مرحلة التنفيذ وتصفية الملف بصفة نهائية فهاته المرحلة خصص لها المشرع سواء في قانون المسطرة المدنية أو الجنائية أبوابا خاصة تتضمن القواعد المتعلقة بالتنفيذ والحلول البديلة للإشكاليات والصعوبات المثارة وهكذا يحق للمتقاضي مدنيا خلال مرحلة التنفيذ كلما أثيرت صعوبة قانونية أو واقعية ، اللجوء إلى القضاء استنادا لمقتضيات الفصول 149 – 436 – 440 – 442 – 461 – 463- 482- 483- 484 من قانون المسطرة المدنية ، أم إذا تعذر استرجاع الحق وفقا لقانون المسطرة المدنية بما في ذلك سلك جميع طرق التنفيذ المدني فإنه يحق للمتقاضي اللجوء إلى النيابة العامة للمطالبة بالتنفيذ الزجري بما في ذلك الإكراه البدني ويعزز طلبه هذا بالإدلاء بجميع الوثائق القانونية اللازمة بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات ، فالإكراه البدني وسيلة ضغط وإجبار المدين على تنفيذ ما التزم به وفقا للحكم النهائي الصادر في مواجهته
فالسياسة العقابية لم تعد مبنية على إنزال العقوبة والحبس لأجل ردع الجاني فحسب، بل أصبحت تهتم بشخصية الجاني ومحاولة إدماجه داخل المجتمع وذلك بتفريد العقوبة وتتبع مراحل احتجازه داخل المؤسسة السجنية بل وحتى خارجها تفاديا للعود وتطبيقا لتدابير وقائية سليمة تتماشى مع المواثيق الدولية الرامية إلى حماية السجناء ومراعاة لسياسة جنائية عادلة حتى بعد مرحلة النطق بالحكم.
ولابد أن نشير بالمجهودات القصوى التي واكبتها وزارة العدل مؤخرا في نطاق بادرة الإصلاح القضائي والتي تتمثل في الإشراف على الحملة الوطنية التي بوشر فيها ابتداءا من 21 ابريل 2003 لتنفيذ مائة وتسعة وعشرون ألفا وتسعة وثلاثين (129.039) حكما قضائيا ، وهي حصيلة الأحكام الغير المنفذة على صعيد مختلف المحاكم وبمختلف القضائيا إلى غاية مارس 2003 والتي تتضمن واحد وعشرون ألفا وأربع مائة وتسعة وخمسين (21.459) حكما تجاريا وثلاثة وخمسون ألفا ثمانمائة وتسعين (53.890) حكما يتعلق بقضايا شركات التأمين ، وعشرة آلاف وثمانمائة وعشرين (12.122) أوامر استعجالية ، وقد تم نشر هاته الإحصائيات مؤخرا بجريدة العلم عدد 19347 وتاريخ 09 مايو 2003.
وترجع عموما أسباب تفاقم ظاهرة عدم التنفيذ التي ترتب عنها هذا العدد الهائل من الملفات إلى مجموعة من الأسباب منها عدم وجود مواكبة صارمة لتتبع ملفات التنفيذ خلال تواجدها بين يدي أعوان التنفيذ وكذلك انتقال المنفذ عليهم لأماكن مختلفة مما يخلق إشكاليات تتعلق بتنفيذ الإنابات القضائية التي ترجع في غالب الأحيان .
وإن كان المشرع المغربي وإيمانا منه بأهمية هذه المؤسسة التشريعية قد سار على هدي من سبقه من التشريعات في إرساء دعائمها الهيكلية على المستوى التشريعي من خلال ما أورده من أحكام مرتبطة بتنفيذ المقررات القضائية في القسم الأول في كتابه الخامس من قانون المسطرة الجنائية، حيث حاول انطلاقا من بضعة فصول أن يزاوج بين اظهار البناء الهيكلي لهذه المؤسسة ورصد اختصاصاتها العملية ولارتباط وضعية التنفيذ بالمجال الواقعي والعملي إن على مستوى المجال المدني أو الجنائي ،ونظرا لما تكتسيه مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات من أهمية سواء من ترسيخ قواعد العدالة وحماية كرامة المعتقلين ونزلاء المؤسسات السجنية سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال مجموعة من الاشكاليات :
ماهو إذن مفهوم جهاز قاضي تنفيذ العقوبات في التشريع المغربي ؟ وما هي اختصاصاته ؟وماهي الإمكانيات المتاحة له في مسطرة التنفيذ العادي العادي والزجري؟ وماهو دور النيابة العامة في مسألة تنفيذ الأحكام الجنائية والمدنية؟ وما هي أنواع القرارات التي تصدر عنه؟ وماهي خصائصها؟وهل قرارات القاضي تتعرض للطعن بالاستئناف وكيف يكون ذلك,.؟
هذه الإشكاليات وغيرها ومسايرة مع المستجدات الجديدة التي أتي بها قانون المسطرة الجنائية وبصفة خاصة قاضي تطبيق العقوبات فإننا سنقسم موضوع البحث إلى فصلين :
الفصل الأول: مؤسسة قاضـــــــــي تطبيق العقوبات واختصاصــــــــــــــاته
الفصل الثاني :أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات وخصائصها
راجية من المولى – عز وجل – أن يوفقنا في الإلمام بهذه العناصر و مايتعلق بها من خصوصيات , دون خلل أو تقصير , حتى يكون هذا البحث مفيدا لكل من يطلع عليه .
الفصل الأول : مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات واختصاصاته
من ضمن المكاسب القانونية التي عرفها المجال القانوني والقضائي وهو إحداث منصب جديد يتكلف به أحد أطر الجهاز القضائي لمراقبة تطبيق العقوبات الحبسية على الأشخاص المدانين سواء المتواجدين بالمؤسسات السجنية أو المقترحين لإذماجهم بهاته المؤسسة خصوصا فيما يتعلق بمسطرة الإكراه البدني ويقصد به ” قاضي تطبيق العقوبات” ، فتطبيق العقوبات هو من ضمن أهم التدابير الخطيرة البالغة الأهمية بإعتبارها تمس كرامة الأشخاص وحرياتهم لذا كان لزاما التعامل مع هذا المجال بحرص شديد التحكم في الإجراءات قبل المصادقة عليها ولإعطائها الصبغة التنفيذية.
المبحث الأول : مفهوم جهاز قاضي تطبيق العقوبات في التشريع المغربي
سيتم مناقشة هذا المبحث من خلال التطرق إلى التعريف بماهية مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الأول ), ثم الحديث عن نشأة قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الثاني ).وثم اعطاء نبذة عن طريقة تعيين قاضي تطبيق العقوبات (المطلب الثالث )
المطلب الأول: ماهية مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات
إذا كان قانون المسطرة الجنائية قد جاء بآليات جديدة لمكافحة الجريمة وحماية الضحايا وأحاط المتهم بجملة من الضمانات وأدخل زخما إضافيا من النصوص القانونية الغاية منها ترسيخ وتعزيز مفهوم دولة الحق والقانون، فإنه على مستوى مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج، فقد سعى إلى تعزيز شروط المراقبة بالفضاء السجني من خلال إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة وضخ دماء جديدة على مستوى اللجنة الإقليمية لمراقبة المؤسسات السجنية. ،
فتطبيق العقوبات هو من أهم التدابير الخطيرة لأنها تمس كرامة الإنسان وحرياتهم ولذا كان لزاما التعامل مع الأمر بحرص شديد حماية لنفسية السجين والانتباه جيدا للإجراءات قبل المصادقة عليها وذلك من اجل إصباغها بالصبغة القضائية التنفيذية ، فمجرد تواجد أحد عناصر الجهاز القضائي أو مجموعة من القضاة على حسب تعدد القضايا المطروحة أمام جهاز تطبيق العقوبات من ضمن الأطر القضائية التابعة للمحكمة الابتدائية يعتبر لوحده مكسبا مهما بحيث أنه يعتبر صيانة وحماية لحقوق الأشخاص المدانين المتواجدين بالمؤسسات السجنية وضمانة في آن واحد لقانونية تطبيق مسطرة الإكراه البدني على الأشخاص المطالبين بتنفيذ هذه المسطرة ،
وإن إحداث جهاز قاضي تطبيق العقوبات مقرر بالمحاكم الابتدائية لوحدها فقط، باعتبار أن هذا المنصب يعين أحد قضاة المحكمة الابتدائية العاملين بجهاز الحكم، وهذا يعني انه لا يمكن بأي وجه كان تعيين أحد قضاة النيابة العامة، ومن جهة أخرى فإن هذا المنصب لا يمكن إقراره وتصور تواجده بمحكمة الاستئناف بالرغم من أن اختصاصات قاضي جل تطبيق العقوبات كما سنرى فيما بعد، تفرض نفسها بقوة داخل هاته المحكمة ومن ضمنها على سبيل المثال قضايا العفو وطلبات الإفراج المقيد
وهذا يعني أن مسطرة الإكراه البدني لا تباشر من طرف النيابة العامة ولا تعتبر من أعمالها القضائية بل سيبقى الأمر على هذا المنوال بالرغم من إقرار هذا المنصب الجديد المتمثل في قاضي تطبيق العقوبات ، فدور هذا الأخير لا يعتبر عمل إشرافا على عمل النيابة العامة في هذا المجال ولا يعتبر تقليلا من دورها في ممارسة مسطرة الإكراه البدني المراد تطبيقها في مواجهة شخص معين من حيث تواجد الإنذار الموجه من طرف طالب التنفيذ وتوصل الشخص المراد تنفيذه عليه وعدم رغبة هذا الأخير الأداء ضمن مرور مدة معينة بنص من القانون،
فبمجرد توقيع النيابة العامة على الأمر وتأشيرتها في تطبيق العقوبات عليه يوجه إلى القوة العمومية وينفذ حالا ويتم الزج بالمكره بالمؤسسة السجنية لذا كان من المتعين تخويل قاضي تطبيق العقوبات حق مراقبة قانونية مسطرة الإكراه البدني والتأكد من عدم وجود مانع قانوني كالإدلاء الشخص المراد تنفيذ الإكراه البدني عليه بشهادة الضعف وعدم أداء الضريبة وعدم إثارة صعوبات قانونية تقف حائلا دون تنفيذ مسطرة الإكراه البدني ،.
كما ان المشرع أعطي الأولوية لقاضي تطبيق العقوبات لتحرير التقرير الكتابي للزيارة وإحالته على وزير العدل ويجب أن يتضمن هذا التقرير ملاحظاته وارتساما ته وما يلاحظه من اخلالات وتجاوزات خصوصا ما يتعلق منها بوضعية نزلاء المؤسسات السجنية وطريقة عيشهم ونوعية التعامل معهم من طرف إدارة المؤسسة.
ولكي تنجح تجربة قاضي تطبيق قاضي العقوبات فهذا رهين بمجموعة من الإجراءات :
* إعداد الأضية الصالحة وإعادة النظر في البنية التحتية والوسائل الممنوحة لجهاز قاضي تطبيق العقوبات ومساعدته في إنجاح المهام الموكولة إليه وتمهيد الطريق له بإتخاد إجراءات التي من شانها التأثير على نوعية العقوبات المقررة واستبدال العقوبات الحبسية ببدائل للعقوبات كإقرار الخدمة لفائدة المرافق العامة وإقرار تدابير وقائية تكون نتيجتها العملية أكثر إنتاجية من العقوبة الحبسية
* لابد من إعداد الأطر العاملة بهذا الجهاز سواء القضاة المكلفون بالإشراف أو أطر كتابة الضبط. وذلك على أساس توفرهم على تجارب ومؤهلات قانونية وعملية ، فمجال التخصص والإستعانة بالتدريب والزيادة في صقل المعرفة والتجربة في ميدان المؤهل له
المطلب الثاني: نشأة مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات
يرجع نظام قضاء تطبيق العقوبات الى فرنسا من خلال البرنامج الإصلاحي العقابي سنة 1945، حيث تم ذلك بتشجيع من التيار الإجرامي لمدرسة الدفاع الاجتاعي ، حيث تم إنشاء قانون حقيقي لتنفيذ العقوبات، وشكلت لجنة يترأسها المحامي الفرنسي Paul Amoz وقد اتفقت اللجنة في بيانها الختامي على أربعة عشر بندا ، وكلها تؤكد على أن مرحلة التنفيذ يجب أن تكون تحت إشراف قضائي ضمانا للشرعية، فقضاء الحكم وقضاء التنفيذ يطبق كلاهما العقوبات والتدابير، كل على حسب طريقته، والتطبيق من الآن فصاعدا يضم التحقيق، فيشمل النطبق بها ( الحكم)، اعمالها في الحياة الواقعية ( التنفيذ)
ومنذ ذلك الوقت ، بقي الإلحاح سيد الموقف على اقرار هذه المؤسسة خصوصا في بداية الخمسينات إلى ان تم الاقرار رسميا في 23 دجنبر 1958 ، بجهاز قاضي تطبيق العقوبات والذي أوكل اليه مهمة متابعة العقوبات ، ورئاسة لجنة تطبيق العقوبات ،بحيث كان الهدف من اقرار هذا الجهاز هو لعب دور رائد في مجال تنفيذ العقوبات السالبة للحرية ، وقد مر هذا القانون بمراحل عديدة ، منذ انشاءه الي غاية القانون الحالي أي الى فاتح يناير 2005 مع تطبيق قانون رقم 204-2004 والذي جاء بنوع من التكييف القضائي لكي يتناسب مع التطور الاجرامي ، وجدير بالذكر هنا على أن بعض الفقه الفرنسي قد عرف قانون تطبيق العقوبات بأنه :
« Juge au tribunal de grande instance charge de suivre l’exéution des sanctions pénales, d’en aménager le régime et notamment de statuer sur les obligations imposées aux probationnaires »
كما أن تعديل تعيين قاضي تطبيق العقوبات وإذا تمعنا في النصوص القانونية المتعلقة بهذا الجهاز داخل الترسانة القانونية الحالية، نجده ملزما بالمطابقة بين العقوبة والاحتياجات للمحكوم عليه، اي استجابة لمتطلبات مبدأ شخصية العقوبة ومبدأ تفريد العقوبة ،كما ان التعيين لم يطرأ عليه أي تغيير بالنظر للفصل 709-1 من ق م ج الفرنسي القديم حيث أن المادة 712-2 من قانون المسطرة الجنائية تقول :
« Dans chaque tribunal de grande instance, un ou plusieurs magistrats du siège sont chargés des fonctions de juge de l’application des peines.Ces magistrats sont désignés par décret pris après avis du Conseil supérieur de la magistrature. Il peut être mis fin à leurs fonctions dans les mêmes formes.Si un juge de l’application des peines est temporairement empêché d’exercer ses fonctions, le président du tribunal de grande instance désigne un autre magistrat pour le remplacer »
أما قاضي الاشراف الايطالي لقد تم اقراره في الفصل 144،بموجب مرسوم 19 أكتوبر 1930، بحيث جاءت هذه المؤسسة كنقطة تلاقي بين الفن القانوني Technique juridique والأفكار الحديثة ( التدابير الاحترازية- الخطورة الإجرامية) ويتم اختيار قضاة الاشراف من بين قضاة المحاكم (القضاء الجالس) ، ويمارسون وظائفهم بالاشراف على تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية التي تنفذ في المؤسسات الكائنة في دائرة الاختصاص ويمارسونها ، ومن ناحية أخري اعاد المشرع قانون الاجراءات الجنائية المعدة في 18 ديسمبر سنة 1973 تنظيم وظيفة قاضي الاشراف، حيث يعين في المحاكم الهامة ،
وإذا ما قارنا أسلوب قضاء الاشراف الايطالي وبين قاضي تنفيذ العقوبات المغربي لا نجد اختلافا كبيرا فيما يتعلق بطريقة التعيين وحتى طريقة ممارسة الوظيفة والاشراف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية أو تدابير احترازية، يقع تنفيذها في المؤسسات السجنية الكائنة في دائرة اختصاص المحكمة التي يتبعونها وليس بالغريب لأن كل من التشريعي المغربي والايطالي ، قد أخدا من مرجعية واحدة وهي قاضي تطبيق العقوبات الفرنسي
اما بخصوص تواجد مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في بعض الدول العربية، فيلاحظ ندرة في تطبيق هذه المؤسسة في المنظومة التشريعية العربية لكن في الجزائر وفي تشريعها الخاص ، تبني اقرار مؤسسة قاضي ت ع مثلا اصلاح السجون في الجزائر ، فيشكل أهم ورشات اصلاح العدالة حيث عمل المشرع الجزائري على ادخال اصلاحات عبر المنظومة العقابية، شملت الجوانب القانونية والتنظيمية والهيكلية ، وفي مقدمة هذه الاصلاحات صدر قانون تنظيم السجون، واعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين الذي تم تكييف احكامه بما يضمن الشرعية في الوسط العقابي ويدعم حقوق المساجين ويولي اهتمام أكبر بالرعاية الصحة لهم ولاشك من ان هذا الإجراء شكل ضمانة كبيرة للمحكوم عليهم لما يتصف به القضاء من نزاهة وقدرة على معرفة أحوال المحكوم عليهم وظروفهم.
أما بالنسبة للقانون التونسي، فبموجب القانون الصادر بتاريخ 31-07-2000 ، فقد أخد بما يسمى بقاضي المراقبة والذي يشرف على تنفيذ العقوبات السالبة للحرية والتدابير الاحترازية ومراقبة المؤسسات السجنية تماشيا مع التوصيات المنبثقة عن الاجتماعات الدولية والداعية إلى الصلة الوثيقة بين حقوق الإنسان وإحداث مؤسسة قاضي تطبق العقوبات ، باعتبارها الساهرة على تحديد الظروف المثلى لمراقبة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية.
أما بالنسبة لبعض الدول كمصر والعراق، يبقي وجود هذه المؤسسة معلقا في رفوف مشاريع القوانين، بحيث أن المشرع المصري من خلال مشروع قانون لسنة 19 أبريل 1968 ، قد أدخل قاضي تطبيق العقوبات في المواد الجنائية وذلك ناتج بطبيعة الحال لسياسة التفريد التي تبناها مشروع قانون العقوبات الذي تضمن تدابير جنائية، وتدابير الدفاع الاجتماعي في نفس الوقت ، فبعض هذه التدابير غير محدد المدة مما سيلزم أن يعهد للقاضي بالبث في أمر إنهائها ، كما أن بعضها قد تطلب إعادة النظر فيها بتعديلها لما يطرأ على حالة المحكوم عليه ولا يجوز أن يترك هذا الأمر لسلطات السجون ،
وأما بالنسبة للمشرع العراقي ، فنظام الإشراف القضائي على التنفيذ، لم يكن معروفا من قبل إلى أن تم الأخد في مشروع قانون الإجراءات الجديدة وعهد به إلى محكمة أطلق عليها محكمة تنفيذ العقوبة والاعترافات المقدمة من المحكوم عليه، كالعقوبات الصادرة بحقهم داخل المؤسسة وغيرها،
. كما قام المشرع المغربي، وكما جاء في التقديم، بتبني هذه المؤسسة التي تعتبر من أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية الأخير الذي آل جلالة الملك الراحل على نفسه إعادة صياغة الترسانة القانونية المغربية انطلاقا من التزام المملكة المغربية بمبادئ حقوق الإنسان في القانون الأسمى للأمة ” كما هي متعارف عليها دوليا “، حيث يعتبر جهاز قاضي تنفيذ العقوبات مولودا جديدا أنجب من رحم المسطرة الجنائية بتاريخ 3 أكتوبر 2002 والداخل حيز التنفيذ بتاريخ 1/1/2003 ، وقد أتى احداث هذه المؤسسة كإستكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ، ولتحقيق هاته الغاية من العقوبة التي هي الادماج والاصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية ،
وقضاء التنفيذ يترجم قناعة المشرعين باعتبار التأهيل هو الغرض الأساسي للعقاب، وهو لا يتحقق إلا عن طريق التنفيذ الذي يقوم على اخضاع مرحلتي النطق بالعقوبة وتنفيذها للاشراف القضائي لكفالة استمرار ضمان احترام حقوق المحكوم عليه وصيانتها المعتبرة من صميم وظيفة القضاء.
المطلب الثالث: تعيين قاضي تطبيق العقوبات
نصت المادة 596 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي :
1-يعين قاض أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي تطبيق العقوبات
2-يعين هؤلاء القضاة بقرار لوزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، و يعفون من مهامهم بنفس الكيفية
3-إذا حدث مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة قاضيا للنيابة عنه مؤقتا
4- يعهد إلى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل
5-يتتبع مدى قاضي تطبيق العقوبات بزيارة المؤسسات السجنية التابعة لدائرة المحكمة الابتدائية التي ينتمي إليها مرة كل شهر على الأقل تطبيق القانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب
6- يطلع على سجلات الاعتقال ويعد تقريرا عن كل زيارة يضمنه ملاحظاته و يوجهه إلى وزير العدل مع إحالة نسخة منه على النيابة العامة
7-يمكنه مسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم تتضمن بيانات حول هويتهم و رقم اعتقالهم والمقررات القضائية و التأديبية الصادرة في شأنهم و ملاحظات القاضي
8-يمكنه تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط الرجوع إلى السفر. يمارس مهامه حسب هذا القانون و كذا بموجب أي نصوص أخرى ”
ونص كذلك الفصل 592 من قانون المسطرة الجنائية على مسطرة تعيين قاضي تطبيق العقوبات في فقرتيه الأولى والثانية وقرر على أنه يتم تعيين قاضي أو أكثر يقومون بمهام قاضي تطبيق العقوبات بقرار صادر عن وزير العدل لمدة ثلاثة سنوات قابلة لتجديد من ضمن قضاة المحكمة الابتدائية ويتم إعفاءهم من مهامهم بنفس الكيفية التي يتم تعيينهم بها وفي حالة حصول مانع لقاضي تطبيق العقوبات حال دون قيامه بمهامه يعين رئيس المحكمة الابتدائية قاضيا ينوب عنه بصفة مؤقتة ،
ويستخلص من هذا الفصل أن قاضي تطبيق العقوبات هو من ضمن مستحدثات قانون المسطرة الجنائية الجديد حيث يعمل علي تلبيةً تحقيق نوع من الضمان لحقوق نزلاء المؤسسات السجنية ومساعدة النيابة العامة في تحمل عبئ التواصل بين المؤسسات السجنية والنزلاء ،
وكما يستخلص من هذا الفصل أن قاضي تطبيق العقوبات مقرر أصلا بالمحاكم الابتدائية لوحده باعتبار هذا المنصب يعين له أحد قضاة المحكمة الابتدائية العاملين في جهاز الحكم وهذا يعني أنه لا يمكن بأي وجه تعيين أحد قضاة النيابة العامة لهذا المنصب حتي ولو على سبيل الاحتياط بصفة مؤقتة أما إذا حصل مانع مؤقت لقاضي تطبيق العقوبات فإنه يعوض من طرف أحد قضاة الحكم المعين من طرف رئيس المحكمة القضايا الجنائية وما تتضمنه هاته الأخيرة من تزايد متواتر في عدد نزلاء المؤسسات السجنية المرتبطين بها الامر الذي سيؤثر سلبيا على طريقة مسايرة هاته القضايا من طرف قاضي تطبيق العقوبات المتواجد بمقره بالمحكمة الإبتدائية والذي من شأنه خلق نوعين من الصعوبات:
صعوبة ميدانية باعتبار أن القضايا التي ينظر فيها قاضي تطبيق العقوبات ترتبط في غالب الأحيان بلفات معروضة على أنظار محكمة الاستئناف ، وأن مسطرة الإكراه البدني في جل الأحيان أمام محكمة الإستئناف ، إضافة الى جل نزلاء المؤسسات السجنية يرتبطون بملفات جنائية تدخل في نطاق محكمة الإستئناف
صعوبة علمية استنادا إلى بعد المسافة بين المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، هذا بالاضافة الى أن دائرة محكمة الإستئناف تتضمن في غالب الاحيان أكثر من ثلاث أو أربع محاكم إبتدائية وهذا ما يتعارض مع إجراءات قاضي تطبيق العقوبات الذي من سمته السرعة
المبحث الثاني : اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي
إن وظيفة قاضي تطبيق العقوبات تعد كوظيفة دخيلة على سلك القضاء، لابد أن تكون لها انعكاسات عملية ايجابية تساير منطق العدالة الجنائية التي تروم اشتراك القضاء إلى جانب السلطة التنفيذية في تنفيذ الأحكام والجزاءات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة ومراقبة مدى ملائمة العقوبة بالنسبة لشخصية الجاني ، وحيث ان الصلاحيات الممنوحة لقاضي تطبيق العقوبات الغاية منها تحقيق الهدف الاصلاحي للعقوبة وهي غاية لن تسعف الصلاحيات المسندة إليها، إلا بتعزيزها باختصاصات تساهم بالفعل في التدخل من أجل إعادة المحكوم عليهم في المجتمع والذي يستفاد منه من خلال التنصيب عليها في ديباجة قانون المسطرة الجنائية باعتباره مشعل ورمزا لحماية الكرامة الإنسانية و تكمن أهم صلاحيات القاضي الجنائي في مراقبة سلامة تطبيق القانون المتعلق بالمؤسسات السجنية وتسييرها ( المطلب الأول) و مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني( المطلب الثاني) وحق اقتراح العفو والإفراج المقيد بشروط ( المطلب الثالث)
المطلب الأول : مراقبة سلامة تطبيق القانون المتعلق بالمؤسسات السجنية وتسييرها
ضمن المشرع المغربي المهام المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في نفس الفصل المحدد لطريقة تعيينه مباشرة انطلاقا من الفقرة الثالثة من الفصل 596 من قانون المسطرة الجنائية في الباب الأول من القسم الأول من الكتاب السادس المخصص لتنفيذ المقررات القضائية ، وبالرجوع إلى الفصل المحدد لهاته الاختصاصات نجده يقرر حرفيا في فقرته الثالثة وما بعدها ما يلي :
*أوكل الفصل 596 إلى قاضي تطبيق العقوبات :
– زيارة المؤسسات السجنية التابعة لنفوذ المحكمة التي يعين بدائرتها مرة في الشهر
– تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال و حقوق السجناء و مراقبة سلامة إجراءات التأديب
– الاطلاع على سجلات الاعتقال و إعداد تقرير عن كل زيارة
بالنسبة لمسألة الزيارة، فان زيارة المؤسسات السجنية موكولة إلى وكيل الملك وقاضي التحقيق طبقا للفصل 660 من ق.م.ج و ذلك مرة كل ثلاثة أشهر، ولا تختلف زيارة قاضي تطبيق العقوبات إلا بالوثيرة الشهرية .
و أما عن تتبع مدى تطبيق القانون المنظم للسجون في شأن قانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب،فإن هذه المهام تعد خطيرة للغاية، وهي مهام ستمارس في مواجهة مدير السجن و العاملين به، ولذلك يلزم أن لا تحتد المواجهة في التنافس على المهام في غياب أية اختصاصات يمارسها قاضي تطبيق العقوبات داخل السجن كمرحلة أولى للاستئناس بوجوده داخل السجن كسلطة مساعدة فاعلة وفعالة وذلك بأن تسند له المهام الموكولة لرئيس المحكمة الابتدائية المتمثلة مثلا في التوقيع على سجل الاعتقال وترقيم صفحاته ( الفصل 13 من القانون رقم 23/98 ، و يكون هذا السجل وسيلة قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال لما يوضحه من تواريخ دخول وخروج المعتقلين ، والعمل على جعل إذن الإفراج المؤقت ورخصة الخروج الاستثنائية ( الفصل 19) من اختصاص قاضي تطبيق العقوبات إلزام مدير المؤسسة بإشعار قاضي تطبيق العقوبات عن الوضعية الجنائية لكل معتقل تبدو أنها غير قانونية (الفصل 21).
ويستفاد كذلك من خلال تنصيص المشرع في ديباجة قانون المسطرة الجنائية على أنه ” قد عهد لقاضي تطبيق العقوبات باختصاصات لتتبع تنفيذ العقوبة بكيفية تسمح بإعادة إذماج المحكوم عليه في المجتمع” وهو ما يكتشف غاية المشرع من إحداث هذه المؤسسة وهي تحقيق الهذف الاصلاحي للعقوبة و غاية المشرع لن تسعف الصلاحيات المسندة إليها حاليا في الوصول اليها، إلا بتعزيزها بإختصاصات تساهم بالفعل في التدخل من أجل إعادة إذماج المحكوم عليهم في المجتمع
و تعتبر مراقبة الفضاء السجني من أهم الصلاحيات التي يضطلع بها قاضي تطبيق العقوبات في جميع الأنظمة القانونية التي تبنت نظام الإشراف القضائي ,اد على مستوى الفضاء المذكور-الفضاء السجني- يتم تحقيق الوظيفة النفعية للعقوبة في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاحهم من خلال مراقبة مدى انضباط المعاملة العقابية لأحكام النظام السجني,وبذلك أصبح دور القضاء لا ينتهي بتقرير العقوبة الملائمة فقط , وإنما يمتد لتتبع وتقييم اثر العقوبة الصادرة في إصلاح المحكوم عليه عن طريق التدخل إن اقتضى الحال في تعديل العقوبة الصادرة,أو حتى استبدالها ,أو وضع حد لها، أو حتى استبدالها بأحد التدابير المقيدة للحرية كالوضع تحت الاختبار أو تحت المراقبة القضائية أو العمل من اجل المصلحة العامة…
و يتضح كذلك أن نطاق الرقابة المخولة لقاضي تطبيق العقوبات على الفضاء السجني ينص على المسائل التالية :
أ – مراقبة قانونية الاعتقال
ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق الإنسان
ج – مراقبة سلامة إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية
أ – مراقبة قانونية الاعتقال
تعتبر الحريات الشخصية كحرية الاجتماع وحرية الرأ وحرية الصحافة احد الدعائم الأساسية لدولة الحق والقانون,والترجمة الفعلية لمفهوم المواطنة وكل مساس بهده الحريات في غير الحدود التي رسمها القانون يمثل انتهاكا للكرامة الإنسانية .ومن دلك الدستور المغربي الذي نص في فصله العاشر على انهلا يلقى القبض على احد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون
ولقد وضع المشرع عدة ضوابط قانونية لإلقاء القبض على الأشخاص أو اعتقالهم ,كما خول للمعتقل مجموعة من الضمانات الإجرائية والموضوعية .
وتستمد قانونية الاعتقال من مبدأين أساسيين يشكلان احد ثوابت النظام العقابي,وهما :
– أن يتم الاعتقال بناء على سند
– أن يتم الاعتقال بمؤسسة سجنية تابعة لوزارة العدل,باعتبارها المشرف على الجهاز العقابي في الدولة.وهدا ما نصت عليه المادة 608 من ق.م.ج، ولهذا فان صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة قانونية الاعتقال تستهدف التأكد من قانونية تواجد المعتقل بالمؤسسة السجنية ودلك من خلال :
+ تسجيل المعتقل بسجل الاعتقال
+ وجود سند مبرر للاعتقال وفق الشروط المحددة في القانون ولكي يتبث للسند القوة القانونية التي تجعل منه اساسا لعملية الاعتقال ، يجب أن تتوفر في المبرر القضائي الذي يبني عليه السند مجموعة من الشروط القانونية المنصوص عليها في المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية ومن بين هذه الشروط أن يكون المصرر صادر عن هيئة قضائية وأن يكون المقرر حائزا لقوة الشي ء المقضي به وان يكون المقرر القضائي متضمنا لعقوبة سالبة للحرية أو الإكراه البدني
ب – مراقبة مدى مراعاة حقوق السجناء
من المبادئ المسلم بها في علم العقاب ,أن العقوبة لا تلقي كلية حقوق المحكوم عليه,وإنما تضع لها حدودا وقيود ، وقد تعززت حماية هده الحقوق أكثر مع إحداث المشرع المغربي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات وجعله مختصا بمراقبة مدى مراعاة الإدارة العقابية لحقوق السجناء, ودلك من خلال زيارته للمؤسسات السجنية والوقوف على ظروف الاعتقال ,ومن تم معاينة ظروف الصحة والنظافة والتهوية والتغذية وظروف العمل العقابي,ومناهج التأهيل التربوي والمهني.هدا بالإضافة إلى الاستماع والإنصات لإفادات السجناء وانجاز تقارير أو محاضر تفتيش توجه إلى وزير العدل الذي ترجع له صلاحيات التدخل لتصحيح الأوضاع.
فالمعاملة العقابية للمحكوم عليه عرفت تطورا مهما واكب الفكر الجنائي الى دور العقوبة، من مجرد الإنتقام والايلام والردع ، إلى الرغبة في اصلاح المحكوم عليه واعادته الى حظيرة المجتمع فردا صالحا، وهو مالا يتحقق الا عن طريق حفظ الكرامة المتأصلة في الإنسان ولو كان سجينا حيث أنه اصبح هناك مجال أكثر لرد الفعل العلاجي في مواجهة السلوك الضار بالمجتمع بدل الإقتصار فقط على رد الفعل العقابي حيث يفترض في رد الفعل العلاجي أن لا ينبني على العداوة وألا يقوم على العاطفة بحيث لا يكون الألم إلا بالقدر اللازم لضبط عملية العلاج ، فلا يكون هذفا وانما فقط أمرا عرضيا تتطلبه العملية العلاجية ، وانتقل المركز القانوني للمحكوم عليه أو وضعه الحقوقي من مستوى التجريد الكامل من أي حق، أو ماكان من مستوى التجريد الكامل من أي حق إلى الإقرار بوجود حقوق شخصية للسجين حيث أصبحت المعاملة السجنية قائمة الآن على احترام كرامة المعتقل ،حيث أن كرامة السجين تعتبر شرط جوهري لنجاح المعاملة العقابية التي حيث تستهذف تأهيل المعتقل حيث يسعى المشرع على جعل المؤسسة السجنية مجالا للتأهيل وتسهيل الانذماج الاجتماعي للسجين بعد خروجه من السجن وبالتالي تقليص حالات العود الى الجريمة حيث اصبحت له حقوق عدة منها الحق في المراسلة والعناية الصحية والبدنية وفي الزيارة والحق في العمل حيث نص المشرع على جواز اشتغال المعتقلين لفائدة الخواص او لحساب هيئة خاصة وذلك بناء علي امتياز بموجب اتفاقية ادارية تحد على الخصوص شروط التشغيل والأجر المستحق ويحتفظ بجزء من الأجر في الحساب الرسمي الخاص بالسجين ويسلم اليه عند الافرج عنه ( المادة101 و 105 من الظهير ) أو يصرف منه لتعويض الخسائر التي تسب يها المعتقل (م550 من الظهير)
ج – إجراءات التأديب داخل المؤسسة السجنية
يعتبر الانضباط وسيادة الأمن ضرورة أساسية لتخفيف شروط المعاملة التهذيبية والإصلاحية لهذا كان طبيعيا أن تخول القوانين المنظمة للمؤسسة العقابية صلاحية اعتماد بعض الأساليب التي يكون من شانها تدعيم النظام والهدوء .وفي مقدمة هده الأساليب توقيع الجزاءات التأديبية على المحكوم عليهم الدين يأتون أفعالا تهدد الانضباط المطلوب أما مهمة قاضي تطبيق العقوبات في هدا الصدد فتتحدد في التأكد من مدى مراعاة تطبيق هده المؤسسة للقانون .غير أن فعالية هده الرقابة رهين بحجم الوسائل المقررة قانونا لقاضي تطبيق العقوبات في مراقبة الفضاء ألسجني والمتمثلة في الصلاحيات التالية : زيارة المؤسسة السجنية* الإطلاع على سجل التدابير التاذبية* الاستماع إلى إفادات السجناء وشكاياتهم ، وبالتالي يقوم بحصر الخروقات التي يعاينها بخصوص إجراءات التأديب في تقرير يوجه إلى وزير العدل,ويحيل نسخة منه إلى وكيل الملك,وتبقى الصلاحية لوزير العدل لإحالة التقرير إلى مدير إدارة السجون الذي يملك الصلاحية القانونية لتصحيح ومراجعة الإخلال الملاحظ على مستوى الأحكام القانونية المتعلقة بإجراءات التأديب.وهدا ما نصت عليه المادة 60 من ظهير 23 غشت 1999 ، وهذا ما أعاد المشرع النص عليه في المادة الأولى والمادة 35 من المرسوم التطبيقي الصادر ب3 نونبر 2000
المطلب الثاني : مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني
يعرف الإكراه البدني عادة بكونه وسيلة لاجبار المدين المتعنت عن اداء مبلغ مالي محكوم بع في مواجهته وذلك عن طريق الزج به في السجن وبذلك فهو وسيلة للضغط على المدين القادر على الوفاء حيث أن وعاء الضمان يستغرق جسم المدين وماله : ” فمن لم يستطيع الاداء من ماله ، يؤدي من جلده ” وهذا سيؤدي لا محالة الى تعطيل نشاطه الاقتصادي وملاءته المالية وقدرته على الوفاء وباالتالي اهدارا للكرامة الإنسانية
من بين المهام الأساسية التي أسندها قانون المسطرة الجنائية الجديد لقاضي تطبيق العقوبات الموافقة المسبقة على تطبيق مسطرة الإكراه البدني قبل الشروع في إجراءاتها ,لأنه في ظل القانون القديم كانت النيابة العامة هي التي تقوم بهده الإجراءات وهدا ما نصت عليه المادة 640 من ق.م.ج.ج.ومن أهم الصلاحيات المنوطة بقاضي تطبيق العقوبات في إطار مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني وتحديد مدته في حق المدين المتضامن وذلك بمقتضى المادة 644 من ق.م.ج.وما يلاحظ على التعديلات الأخيرة لنظام الإكراه البدني في إطار قانون المسطرة الجنائية دلك الطابع الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني والتي تبرز ملامحه من خلال :
أ– تقييد مفعول مسطرة الإكراه البدني بالأحكام الباتة الغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن عاديا كان أو غير عادي، فقد نصت المادة 598 فق 2 من قانون المسطرة الجنائية على انه ’’ لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا اذا اكتسب المقرر المذكور قوة الشيء المقضي به’’ وهو ما أكدته أيضا الفقرة الأخيرة من المادة 415 من قانون المسطرة الجنائية.
ب – ربط مسطرة الإكراه البدني بمآل إجراءات التنفيذ على أموال المدين .وهدا ما يستنتج صراحة من خلال اشتراط المشرع في المادة 640 من ق.م.ج ضرورة إدلاء طالب الإكراه بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين تحت طائلة عدم الموافقة على طلب تطبيق الإكراه البدني .
ج – جعل إثبات العسر مانعا من تطبيق الإكراه البدني.نص المادم 635 من ق.م.ج
د – تخويل المدين فرصا اكبر لتفادي الخضوع لمسطرة الإكراه البدني , ودلك من خلال
/1 – اشتراط مدة أطول في الاندار الموجه للمدين بالوفاء,بحيث أصبحت أكثر من شهر واحد,بعدما كانت في القانون القديم لا تتجاوز عشرة أيام (المادة 640 من ق.م.ج )
2/ – تمتيع المدين بإمكانية إيقاف مفعول الإكراه البدني بالأداء الجزئي للدين ، مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد (المادة645 منق.م.ج)
3/ تأجيل تنفيذ الإكراه البدني في حق المرأة الحامل أو المرضعة,في حدود سنتين من تاريخ الولادة (المادة 637 من ق.م.ج والمادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية[18] )وهو ما يمثل بعدا إنسانيا مهما في إجراءات التنفيذ.
4 / عدم جواز إكراه المدين من اجل نفس الدين(المادة 647 من ق.م.ج)
5 / التخفيض من مدة الإكراه بحيث أصبحت لا تتجاوز 15 شهرا (المادة 638 من ق.م.ج )في حين كانت في القانون القديم تصل إلى حدود سنتين (المادة 678 من ق.م.ج الملغى )
6 / تخفيض سن الإعفاء من الإكراه البدني إلى 60 سنة بدل 65 في القانون الملغى(المادة 636 من ق.م.ج)ويمكن تحديد مدة الإكراه المعمول بها حاليا ،تطبيقا للمادة 638من ق.م.ج تبعا للجدول الآتي :
مدة الإكراه مبلغ الدين
من 6 أيام إلى 20 يوما أقل من 8000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 8000.00 درهم ويقل عن 20.000.00 درهم
من شهر إلى شهرين يعادل أو يفوق 20.000.00 درهم ويقل عن 50.000.00 درهم
من 3 أشهر إلى 5 أشهر يعادل أو يفوق 50.000.00 ويقل عن 200.000.00 درهم
من 6 أشهر إلى 9 أشهر يعادل أو يفوق 500.000.00 درهم و يقل عن مليون درهم
من 10 أشهر إلى 15 شهرا يعادل أو يفوق مليون درهم
و تبقى صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدني رهينا بنوعية الوثائق التي تكون منها ملف الإكراه المحال عليه ،لتدقيق النظر حول تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني حسب الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق.م.ج .
المطلب الثالث : حق إقتراح العفو والإفراج المقيد بشروط
يقوم قاضي تنفيذ العقوبات في إطار اختصاصاته الميدانية، بتقديم اقتراحاته بخصوص الإفراج الشرطي وفقا للشروط المحددة في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية،حيث ينظر على ضوء الملف المتعلق بالسجين في مدى توفرشروط السراح، بما فيها التحقق من أن السجين برهن من خلال سيرته، داخل السجن عن ارتداعه أو إذا ظهر سراحه مفيداً للمجتمع، إن إعطاء قاضي تطبيق العقوبة هذه المهمة لا يمكن فهمه إلا من خلال الوقوف على وظيفة العقوبة التي تعود بدورها الى البحث في مشروعية العقاب القائمة على أساس الموازنة بين مبدأي النفعية والأخلاقية فبين هذين الموقفين يقف قاضي تطبيق العقوبة موفقا بين الأمرين، فمتى اتضح له أن فكرة العدالة قد تحققت إلا وخوله المشرع تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط، غير أن هذا الاقتراح ينبغي أن ينسجم مع المقتضيات القانونية المنظمة للموضوع إذ فضلا عن تحسن سلوك المحكوم عليه وبرهنته على ذلك من خلال سيرته داخل المؤسسة التي ينفذ بها العقوبة، ينبغي أن تحترم باقي الشروط المنصوص عليها في الفصل 622 من قانون المسطرة الجنائية، وان سلطة اقتراح تمتيع المحكوم عليه بالإفراج الشرطي هي سلطة تقديرية، وهو ما يفرض بالضرورة عدم تجاوزها للنص القانوني من خلال ما يفرضه من شروط ، ومن المحددات القانونية لاقتراح العفو، ان العفو وسيلة من وسائل انقضاء العقوبة فهناك العفو الشامل تستقل باتخاذه السلطة التشريعية ،من أجل تعطيل النفاد القانوني لبعض النصوص الزجرية ،بخصوص يعض الجرائم التي ارتكبت في ظروف معينة أو فترة زمنية محددة ، وبالتالي وضع حد لسلطة المتابعة والحكم والتنفيذ في الجانب المرتبط بالحق العام، ودون المساس بحقوق الغير(الفصل 59 من ق.ج ،والمادة 596 من ق.م.ج)،اما العفو الخاص فيصدر عن جلالة الملك
اما المحددات القانونية لاقتراح الإفراج المقيد بشروط :
ان نظام الإفراج الشرطي أو الإفراج المقيد بشروط الذي عرفه القانون الجنائي المغربي في الفصل 59،والإفراج الشرطي كما يقول بعض الفقه،هو مرحلة وسط بين السلب الكامل للحرية ،والتمتع الكامل بالحرية ،ويعمل على الحد من خطورة الانتقال المفاجئ والسريع من السجن إلى الإفراج التام والنهائي الذي من شانه أن يؤدي بالمفرج عنه إلى تنكب الطريق والعودة إلى التجريم ،فهو بمثابة مرحلة إعداد للاندماج الصحي والسليم في الحياة الحرة.’’ .
أما بخصوص المحددات القانونية التي يتعين على قاضي تطبيق العقوبات،التأكد منها قبل تقديم اقتراحه بخصوص الإفراج المقيد بشروط ،فالملاحظ إن المشرع المغربي – وعلى غرار باقي التشريعات –وضع مجموعة من الشروط،والتي يمكن التمييز في إطارها بين شروط أو محددات موضوعية تتعلق بالوضع الجنائي للمحكوم عليه في الجانب المتعلق بالعقوبة الصادرة في حقه وباخل التجربة،المادة 622 من ق.م.ج ، ومحددات شخصية ترتبط بسلوك المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية حسب نفس المادة الفقرة الأولى من المادة 33 من مرسوم 3 نونبر 2000
أنظر تتمة الموضوع
—
الفصل الثاني :أنواع القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات وخصائصها
المبحث الأول : أنواع القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات ،قرار بتطبيق الإكراه البدني في (فقرة أولى ) وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة في (فقرة ثانية،)وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني في (فقرة ثالثة ).
المطلب الأولى : القرار بتطبيق الإكراه البدني
نصت المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على أنه: « لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال، ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك : 1 – توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل به 2 – تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن 3 – الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إذ لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده . وهكذا يبدو أن المشرع حاول إحاطة نظام الإكراه البدني بسياج عتيد، كما حاول الانسجام مع باقي الأنظمة القانونية المغربية المنظمة له،ويصدر قاضي تطبيق العقوبات قراره بتطبيق الإكراه البدني بعدما يتأكد من استيفاء الملف للإحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا،فهدا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني وإنما يقتضي فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه البدني للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.
المطلب التاني : القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة
يصدر هدا القرار في نطاق المادة 644 من ق.م.ج،التي تنص على انه ’’ يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه،في حالة الحكم بتضامن المدينين وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين’’وتثار بخصوص هذا القرار ثلاث مسائل على جانب كبير من الأهمية :
أ – الضوابط القانونية لتدخل ق.ت .ع ،في تحديد مدة الإكراه البدني ،طبقا لمقتضيات المادة 644 من ق.م.الجنائية .
ب – القانون الذي يتعين الاعتداد به في تحديد مدة الإكراه البدني
ج – إمكانية تقديم طلب مستقل إلى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني.
ـ الأولى: الضوابط القانونية لتدخل ق.ت .ع ،في تحديد مدة الإكراه البدني ،طبقا لمقتضيات المادة 644 من ق.م.الجنائية .
إن التدقيق في مقتضيات المادة 644 من ق.م.ج يسعف في استخلاص ثلاثة شروط منها
• أن يكون المدين المراد تحديد مدة الإكراه في حقه موضوع طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات
• أن يكون التضامن مقررا بمقتضي حكم قضائي
• أن يتعلق الأمر بأحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين
ويمكن بيان هذه الشروط في المادة 644 من ق .م.ج من خلال الصياغة التالية :
” يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه ( الشرط الأول)، وفي حالة الحكم بتضامن المدينين ( الشرط الثاني)، وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر( الشرط الثالث) من الدين”
وإن المناقشة التي يثيرها الشرط الثالث الوارد أعلاه، وهل هو اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة “المدين المعني بالأمر”؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟
إن الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه ، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول ، إلا أن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطرة الجنائية السابق ، حيت كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة ، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الإكراه غير محددة، أوهناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين
المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه ، وإعمالا لقاعدة أنه (لا تضامن في الإكراه البدني)، نرى أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين ، حيت يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين ، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيت يتعدد الكفلاء وتختلف المبالغ موضوع الكفالة …
ومن ثم توجب أن يقترن التضامن في الإلزام بأداء مالي والإجبار على تنفيذه في نفس الحكم القضائي، فضلا عن تأسيس التضامن على الحكم القضائي يعطي للمراكز القانونية للمدينين المتضامنين وضعا تابثا غير متنازع فيه، لا فيما يخص سند التضامن سواء كان اتفاقيا أو بقوة القانون أو كان نتيجة حتمية لطبيعة المعاملة أو فيما يتعلق بحصية المدين من الدين
فالتضامن إذن هي في المسؤولية عن الفعل الضار يعتبر من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على استبعاده، ويترتب على ذلك أن التضامن في هده الحالة يقوم بحكم القانون ودون حاجة الإشارة اليه في الحكم
الثانية : القانون الذي يتعين الاعتداد به في تحديد مدة الإكراه البدني :
وهي أن عددا كبيرا من المقررات القضائية التي يؤسس عليها طلب الإكراه البدني، في حق أحد المدينين المتضامنين ، حازت قوة الشيء المقتضى به قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ، بالتالي فهي تتضمن مدد إكراه أطول من المدد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول ، وذلك إما صراحة بتحديد مدة الإكراه ، وإما ضمنيا بتحديدها في الأدنى، ففي هذه الحالة، هل يراعى قاضي تطبيق العقوبات في تحديده لمدة الإكراه في حق المد ين المتضامن ء المد ة التي كانت سارية في ظل القانون الذي صدرت فيه المقررات القضائية المطلوب على ضوئها الإكراه ، أم يأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة في القانون النافذ المفعول عند إصداره لقراره ؟
إن التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين ، يقتضي تطبيق المدد المنصوص عليها في القانون القديم، والذي صدرت المقررات القضائية وحازت قوة الشيء المقضي به في ظله، والقول بغير هذا سيفرغ المبدأ المذكور من مدلوله القانوني، وسيؤول إلى تعديل جميع المقررات القضائية الباتة المحددة لمدة الإكراه البدني، والحال أن من القواعد المسلم بها في أحكام التنفيذ، أن القوة التنفيذية للأحكام القضائية لا يجوز تعديلها أو تغييرها إلا عبر طرق الطعن الممكنة قانونا، أومن خلال العفو بنوعيه الخاص والشامل .
وينبني على هذا التحليل :
ـ أنه لا مجال للتمسك بمبدأ الأثر الفوري للمقتضيات القانونية الإجرائية ، لأن الأثر الفوري إنما يشمل فقط القضايا التي لازالت رائجة ، والمراكز القانونية التي لم تنته بعد، ولا أثر له على الأوضاع التي نشأت وانتهت في ظل القانون القديم، كما أنه من المعلوم كذلك أن التطبيق الفوري للمقتضيات المسطرية الجديدة مشروط كذلك بعدم الإضرار بالحقوق المكتسبة للأطراف في ظل القانون القديم ، ولعل هذا ما يفسر ما جاء في المادة 754. من ق م .ج . من أنه تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها”، والفقرة الثانية من المادة 755 من ق م .ج . من أن “المقررات الصادرة قبل تاريخ دخوله (أي ق .م .ج ) حيز التطبيق تظل خاضعة من حيت الطعون وآجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة.
ـ أنه لا محل لتطبيق مقتضيات المادة 6 من القانون الجنائي بخصوص القانون الأصلح للمتهم ، والتي تنص على أنه “في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم” ، لكون المادة المذكورة إنما تهم العقوبة والحال أن الإكراه البدني ليس عقوبة ، وإنما وسيلة من وسائل الإجبار على التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الغرامة التهديدية ، كما تهم المتهم والحال أن المكره بدنيا ليس متهما ، كما تشترط وجود قانونين موضوعيين ساريي المفعول، في حين أننا أمام قانون واحد ساري المفعول ،…
الثالث : إمكانية تقديم طلب مستقل إلى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني
إن الجواب بالنفي على هذا التساؤل يفرض نفسه لعلة جوهرية واضحة، وهي تلك المنصوص عليها في المادة 644 من ق.م.ج والتي تستلزم لاختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني أن يكون المدين موضوع طلب لتطبيق الإكراه البدني، وكذلك لاعتبارات أخرى نجملها في مايلي :
• انه تنتفي لفائدة العلمية من تحصيل قرار بتحديد المدة على فرض الإستجابة للطلب ولا يكون من شانه إلا تضخيم الإجراءات مادام أن المعول عليه في تطبيق مسطرة الإكراه البدني هو صدور قرار بتطبيق الاكراه البدني
• أن احالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات من طرف النيابة العامة لم يجيزه المشرع إلا في حالة واحدة، وهي من اجل الموافقة على تطبيق الإكراه البدني
• أن المشرع حدد الطريقة التي يضع بها قاضي تطبيق العقوبات يده على القضية، وهي الإحالة من طرف السيد وكيل الملك، وبالتالي يمتنع على الأطراف تقديم طلب مباشر بتحديد المدة امام قاضي تطبيق العقوبات، كما أن وكيل الملك لا يحيل الملف إلا من اجل المطالبة بتطبيق الإكراه البدني مما يبقي معه الطلب مفتقرا إلى الوسيلة المسطرية الممكن سلوكها قانونا
• وحيث أنه فضلا عما ذكر، فإن الطلب المقدم بهذا الخصوص لم يراع الشروط المقررة بمقتضي المادة 644من ق . م . ج ، والمحددة لاختصاص قاضي تطبيق العقوبات في تحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين المتضامن ، والمتمثلة فيما يلي :
1/ أن يكون المدين المراد تحديد مدة الإكراه في حقه موضوع طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات ، وفقا لما أوضحناه سابقا
2/ أن يكون التضامن مقررا بمقتضي حكم قضائي ، وهو مالا يتم الإدلاء به،
3/ أن يتعلق الأمر بأحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين.
المطلب الثالث :القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني
إن إقرار مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في النظام القانوني المغربي , يعتبر خطوة مهمة في سبيل تدعيم الرقابة القضائية على التنفيذ الجنائي , اعتبارا لما يرتبط بهذا الأخير من حقوق و حريات محمية دستوريا , و من أهداف و غايات و إجراءات يجب أن تنضبط لها المعاملة العقابية داخل المؤسسة السجنية و حتى خارجها في نطاق الرعاية اللاحقة للمفرج عنه .و بذلك فإن الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي , يقوم على توخي هدفين اثنين :
أولهما : الحرص على ضمان حقوق المحكوم عليهم في مرحلة التنفيذ الجنائي
.و ثانيهما : وهو تحقيق التفريد الحركي للعقوبة عن طريق تفعيل بدائل العقوبة السالبة للحرية ،و ذلك متى استنفذت هذه الأخيرة وظيفتها الردعية و النفعية , عن طريق التدخل في تعديل المقرر القضائي المتضمن للعقوبة , كإيقاف تنفيذ العقوبة أو تأجيلها أو تجزيئها ،غير أن الوقوف عند الصلاحيات المقررة قانونا لفائدة قاضي تطبيق العقوبات , تبعث على القول بقصور تلك الصلاحيات عن تحقيق الهدفين المشار إليهما , خاصة مع عدم إقرار المشرع بعد لبدائل العقوبات السالبة للحرية مما يبقى معه دور الإشراف القضائي منحصرا في مجرد الرقابة و التفتيش فقط .و عموما , فإن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي تتحدد في الاختصاصات التالية
:1- تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية و تسييرها , عن طريق مراقبة المسائل المتعلقة بقانونية الاعتقال و حقوق السجناء و سلامة إجراءات التأديب
.2- التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني
.3- تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط و العفو .و في إطار هذه الصلاحيات فإن قاضي تطبيق العقوبات لا يملك سلطة اتخاذ قرارات ملزمة بشأن تصحيح الإخلالات التي يقف عليها عند مراقبته للفضاء السجني , و هو الأمر الذي أثار نقاشا واسعا حول الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات , و هل تعتبر قرارات قضائية تخضع لطرق الطعن الخاصة بالقرارات القضائية , أم هي مجرد قرارات إدارية يرجع الاختصاص بشأن الطعون الموجهة ضدها إلى المحاكم الإدارية ؟ و لقد صدر في هذا الصدد قرار مهم عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 مارس 1998 أكد فيه على عدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات قاضي تطبيق العقوبات المتعلقة بالتخفيض من العقوبة , تأسيسا على كون القرارات المذكورة لا تعتبر شكلا من أشكال المعاملة العقابية و إنما تعتبر إجراء يعدل العقوبة الصادرة , و مما جاء في القرار المذكور أنه و القرار المذكور راعى توجه المشرع الفرنسي الذي اعتبر قرارات قاضي تطبيق العقوبات بمثابة إجراءات للإدراة القضائية , و حدد بدقة أوجه الطعن الممكن ممارستها بشأنه , و كذا القرارات القابلة للطعن و الجهة التي تملك الطعن , كما حدد آجالا قصيرة للطعن و كذا للبت في الطعن , غير أن الطعن الذي أقره المشرع الفرنسي لا يعتبر طعنا بالاستئناف و إنما هو طعن بالإلغاء أو الإبطال يعيد النظر في مدى شرعية القرار , فهو بتعبير الفقرة الثانية من المادة 733-1 طعن بخرق القانون و رغم النص التشريعي على طرق الطعن المتاحة في القرارات المذكورة فقد استمر الجدل الفقهي بخصوص طبيعتها القانونية , مما حدا بالمشرع الفرنسي مؤخرا إلى إحداث محاكم خاصة للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات قاضي تطبيق العقوبات وهي محاكم تطبيق العقوبات, و كذا غرف استئنافية لتطبيق العقوبات , بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 9 مارس 2004 محدثا بذلك لنوع من القضاء المتخصص في مجال التنفيذ الزجري .فإسناد سلطة اتخاذ القرار لقاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة الإكراه البدن في القانون المعربيي , يثير نقاشا مماثلا بخصوص الطبيعة القانونية لتلك القرارات , و التي تتوزع بين ثلاث قرارات أساسية :
– القرار بتطبيق الإكراه البدني
.- القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد مدة الإكراه في حالة التضامن .
– و القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني .و خاصة فيما يتعلق بهذا القرار الأخير , مادام أن القرارين الأوليين لا يشكلان إضافة إجرائية مهمة لمسطرة الإكراه البدني ,حيث يقتصر دور قاضي تطبيق العقوبات على التصريح بتوفر الشروط الموضوعية و الشكلية لمسطرة الإكراه البدني , نظرا لكون القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني يتمحور أساسا حول عنصر التعليل المتمثل المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني , و الذي قد لا يقتنع طالب الإكراه بموضوعيته , فهل يجوز الطعن فيه بأحد طرق الطعن القانونية ؟ (1).
الملاحظ أن المشرع لم يتعرض لهذه المسألة بأي نص صريح, و هو الأمر الذي يشكل خللا تشريعيا يتوجب تداركه , و نحن لا نتفق في هذا الصدد مع ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بمراكش , من قبول الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات و ذلك بمقتضى القرار عدد 4504 الصادر بتاريخ 19-04-2004 في الملف الجنحي عدد 7/04 (2) بعلة أن “الأمر المستأنف حكم قضائي صادر باسم جلالة الملك , و جميع الأحكام تقبل الطعن إلا ما استثني بنص خاص” وذلك لاعتبار أساسي وهوأنه لا طعن إلا بنص , و تبرز الحاجة إلى التنصيص التشريعي على طرق الطعن اعتبارا لما يرتبط بممارسة الطعون من آجال و تحديد لولاية وسلطات جهة الطعن و كذا طبيعة و حجية المقررات الصادرة عنها , أن القبول بالتوجه الذي سارت فيه محكمة الاستئناف بمراكش يضعنا أمام تعقيدات إجرائية في بالغ الحرج , تنتج كلها عن الإسقاط التعسفي لصفة الحكم الجنحي على القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبـــــــات , و من ذلك مثلا
:1) أجل الطعن , و تاريخ بدء سريانه , ما دام أن قرارات قاضي تطبيق العقوبات تصدر في إطار مسطرة غير تواجهية , بحيث يحال عليه الملف من طرف وكيل الملك ليتخذ في شأنه القرار المناسب ثم يرجع إلى النيابة العامة إما لتنفيذ مقتضياته أو وضعه رهن إشارة الدائن إذا كان القرار صادرا بعدم تطبيق الإكراه البدني , و بالتالي ليس هناك إعلاما بالقرار أو تبليغا بمضمونه كما يشترط ذلك المشرع بالنسبة لحساب أجل الطعن بالاستئناف
.2) الصفة في الطعن : و يثار التساؤل بالخصوص حول صفة النيابة العامة في الطعن , ما دام أن طالب الإكراه و المطلوب ضده الإكراه صفتهما في الطعن واضحة –بالنسبة لمن يجيزون الطعن- , و ذلك لأن النيابة العامة لا تعتبر لا دائنا و لا مدينا و لا طرفا في مسطرة الإكراه البدني , سواء تعلق الأمر بدين عمومي حيث تثبت الصفة في تقديم طلب تطبيق الإكراه البدني – و الطعن بالنسبة لمن يجيز هذا الطعن- فقط بالنسبة لمأمورو كتابات الضبط و الموظفين المكلفين بالتحصيل وفقا لما نصت عليه الفقرة الأولى و الثانية من المادة 633 من ق.م.ج ,أو بدين خصوصي حيث ترتبط الصفة في الطلب أو الطعن بتحقق صفة الدائنية المستمدة غالبا من وضعية المدعي أو المطالب بالحق المدني , فالطعن بالاستئناف لا يثبت إلا لمن كان طرفا في الحكم المستأنف , فهل النيابة العامةتعتبر طرفا في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ؟ أعتقد أن الجواب بالنفي يفرض نفسه , لأن مهمة النيابة العامة في إطار مسطرة الإكراه البدني عموما , لا تخرج عن دورين أساسيين :
أولهمـا : و هو إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات , بعد التوصل بالطلب و الوثائق المرفقة به من طرف الدائن.(الفقرة الأولى من المادة 640 من ق.م.ج) .
و ثانيهما : وهو السهر على تنفيذ الأمر الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني (الفقرة الأخيرة من المادة 640 من ق.م.ج) , و ذلك مراعاة لعموم اختصاصها في تنفيذ المقررات القضائية كما أن ممارسة الطعن بالنقض لفائدة القانون ضد القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات , سواء بمبادرة من الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى أو بأوامر من وزير العدل (المواد من 558 إلى 562 من ق.م.ج) , تبقى محل نظر , اعتبارا لتعلق الطعن المذكور بالأحكام الفاصلة في الموضوع و القابلة أصلا للطعن , لكن لم تمارس بشأنها طرق الطعن … , و ليس بالقرارات الولائية التي لا يوجد نص صريح يجيز الطعن فيها (1)
.3) آثار ممارسة الطعن : من المعلوم أن للاستئناف و لأجل الاستئناف أثر موقف للتنفيذ , عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 398 من ق.م.ج التي تنص على أنه “يوقف تنفيذ الحكم أثناء سريان آجال الاستئناف و أثناء جريان المسطرة في مرحلة الاستئناف …” ,
.4) ولاية جهة الطعن : من أهم الآثار التي يرتبها الطعن بالاستئناف , الأثر الناشر (المادة 408 من ق.م.ج) بمعنى أن جهة الطعن تمتلك الصلاحية لإعادة مناقشة القضية المعروضة عليها من جديد , من الناحيتين الواقعية و القانونية , و تصدر مقررها القضائي إما بتأييد الحكم المطعون فيه كليا أو جزئيا أو بإلغائه أو تصرح بعدم اختصاصها للبت في الطعن … من الدين”
.5) حجية المقرر الصادر من جهة الطعن : من الأحكام القانونية المعروفة أن القرارات الصادرة من محكمة الاستئناف في المادة الجنحية , لا تحوز قوة الشيء المقضي به , و بالتالي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد استنفاد مسطرة الطعن بالنقض أو فوات أجل النقض , و بتطبيق المقتضى المذكور بالنسبة لحجية المقرر الصادر من محكمة الاستئناف , فإنه يتوجب عدم المبادرة إلى تطبيق مسطرة الإكراه البدني إلا بعد الإدلاء بشهادة بعدم النقض أو بمآل الطعن بالنقض في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف سواء كان بتأييد القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني, أو بإلغاء القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بعدم تطبيق الإكراه البدني و التصدي عن طريق الأمر بتطبيق الإكراه البدني
المبحث الأول : أنواع القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
يصدر قاضي تطبيق العقوبات ثلاثة أنواع من القرارات ،قرار بتطبيق الإكراه البدني في (فقرة أولى ) وقرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة في (فقرة ثانية،)وقرار بعدم تطبيق الإكراه البدني في (فقرة ثالثة ).
المطلب الأولى : القرار بتطبيق الإكراه البدني
نصت المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على أنه: « لا يمكن تطبيق الإكراه البدني، في جميع الأحوال، ولو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك : 1 – توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه، دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل به 2 – تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن 3 – الإدلاء بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين إذ لا يأمر وكيل الملك أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك عن قاضي تطبيق العقوبات مع مراعاة مقتضيات المادة 641 بعده . وهكذا يبدو أن المشرع حاول إحاطة نظام الإكراه البدني بسياج عتيد، كما حاول الانسجام مع باقي الأنظمة القانونية المغربية المنظمة له،ويصدر قاضي تطبيق العقوبات قراره بتطبيق الإكراه البدني بعدما يتأكد من استيفاء الملف للإحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني وانتفاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا،فهدا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني وإنما يقتضي فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتخذة من قبل طالب الإكراه البدني للمقتضيات المنصوص عليها قانونا.
المطلب التاني : القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة
يصدر هدا القرار في نطاق المادة 644 من ق.م.ج،التي تنص على انه ’’ يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه،في حالة الحكم بتضامن المدينين وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين’’وتثار بخصوص هذا القرار ثلاث مسائل على جانب كبير من الأهمية :
أ – الضوابط القانونية لتدخل ق.ت .ع ،في تحديد مدة الإكراه البدني ،طبقا لمقتضيات المادة 644 من ق.م.الجنائية .
ب – القانون الذي يتعين الاعتداد به في تحديد مدة الإكراه البدني
ج – إمكانية تقديم طلب مستقل إلى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني.
ـ الأولى: الضوابط القانونية لتدخل ق.ت .ع ،في تحديد مدة الإكراه البدني ،طبقا لمقتضيات المادة 644 من ق.م.الجنائية .
إن التدقيق في مقتضيات المادة 644 من ق.م.ج يسعف في استخلاص ثلاثة شروط منها
• أن يكون المدين المراد تحديد مدة الإكراه في حقه موضوع طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات
• أن يكون التضامن مقررا بمقتضي حكم قضائي
• أن يتعلق الأمر بأحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين
ويمكن بيان هذه الشروط في المادة 644 من ق .م.ج من خلال الصياغة التالية :
” يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه ( الشرط الأول)، وفي حالة الحكم بتضامن المدينين ( الشرط الثاني)، وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر( الشرط الثالث) من الدين”
وإن المناقشة التي يثيرها الشرط الثالث الوارد أعلاه، وهل هو اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المدينين المتضامنين دون الباقي كما قد يفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة “المدين المعني بالأمر”؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني يهم كل المدينين المتضامنين؟
إن الارتباط بالمعنى الحرفي لنص المادة 644 أعلاه ، يسعف في ترجيح الاحتمال الأول ، إلا أن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا للمشاكل التي كان يطرحها الفراغ التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطرة الجنائية السابق ، حيت كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة ، لكون المحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الإكراه غير محددة، أوهناك منازعة في هذا التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين
المحددة في حقهم جميعا مدة الإكراه ، وإعمالا لقاعدة أنه (لا تضامن في الإكراه البدني)، نرى أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين ، حيت يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدين اعتبارا لحصته من الدين ، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيت يتعدد الكفلاء وتختلف المبالغ موضوع الكفالة …
ومن ثم توجب أن يقترن التضامن في الإلزام بأداء مالي والإجبار على تنفيذه في نفس الحكم القضائي، فضلا عن تأسيس التضامن على الحكم القضائي يعطي للمراكز القانونية للمدينين المتضامنين وضعا تابثا غير متنازع فيه، لا فيما يخص سند التضامن سواء كان اتفاقيا أو بقوة القانون أو كان نتيجة حتمية لطبيعة المعاملة أو فيما يتعلق بحصية المدين من الدين
فالتضامن إذن هي في المسؤولية عن الفعل الضار يعتبر من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على استبعاده، ويترتب على ذلك أن التضامن في هده الحالة يقوم بحكم القانون ودون حاجة الإشارة اليه في الحكم
الثانية : القانون الذي يتعين الاعتداد به في تحديد مدة الإكراه البدني :
وهي أن عددا كبيرا من المقررات القضائية التي يؤسس عليها طلب الإكراه البدني، في حق أحد المدينين المتضامنين ، حازت قوة الشيء المقتضى به قبل دخول قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ، بالتالي فهي تتضمن مدد إكراه أطول من المدد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية الساري المفعول ، وذلك إما صراحة بتحديد مدة الإكراه ، وإما ضمنيا بتحديدها في الأدنى، ففي هذه الحالة، هل يراعى قاضي تطبيق العقوبات في تحديده لمدة الإكراه في حق المد ين المتضامن ء المد ة التي كانت سارية في ظل القانون الذي صدرت فيه المقررات القضائية المطلوب على ضوئها الإكراه ، أم يأخذ بعين الاعتبار المدة المحددة في القانون النافذ المفعول عند إصداره لقراره ؟
إن التقيد بمبدأ عدم رجعية القوانين ، يقتضي تطبيق المدد المنصوص عليها في القانون القديم، والذي صدرت المقررات القضائية وحازت قوة الشيء المقضي به في ظله، والقول بغير هذا سيفرغ المبدأ المذكور من مدلوله القانوني، وسيؤول إلى تعديل جميع المقررات القضائية الباتة المحددة لمدة الإكراه البدني، والحال أن من القواعد المسلم بها في أحكام التنفيذ، أن القوة التنفيذية للأحكام القضائية لا يجوز تعديلها أو تغييرها إلا عبر طرق الطعن الممكنة قانونا، أومن خلال العفو بنوعيه الخاص والشامل .
وينبني على هذا التحليل :
ـ أنه لا مجال للتمسك بمبدأ الأثر الفوري للمقتضيات القانونية الإجرائية ، لأن الأثر الفوري إنما يشمل فقط القضايا التي لازالت رائجة ، والمراكز القانونية التي لم تنته بعد، ولا أثر له على الأوضاع التي نشأت وانتهت في ظل القانون القديم، كما أنه من المعلوم كذلك أن التطبيق الفوري للمقتضيات المسطرية الجديدة مشروط كذلك بعدم الإضرار بالحقوق المكتسبة للأطراف في ظل القانون القديم ، ولعل هذا ما يفسر ما جاء في المادة 754. من ق م .ج . من أنه تبقى إجراءات المسطرة التي أنجزت قبل تاريخ تطبيق هذا القانون صحيحة ولا داعي لإعادتها”، والفقرة الثانية من المادة 755 من ق م .ج . من أن “المقررات الصادرة قبل تاريخ دخوله (أي ق .م .ج ) حيز التطبيق تظل خاضعة من حيت الطعون وآجالها للمقتضيات المضمنة في القوانين المنسوخة.
ـ أنه لا محل لتطبيق مقتضيات المادة 6 من القانون الجنائي بخصوص القانون الأصلح للمتهم ، والتي تنص على أنه “في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم” ، لكون المادة المذكورة إنما تهم العقوبة والحال أن الإكراه البدني ليس عقوبة ، وإنما وسيلة من وسائل الإجبار على التنفيذ، شأنه في ذلك شأن الغرامة التهديدية ، كما تهم المتهم والحال أن المكره بدنيا ليس متهما ، كما تشترط وجود قانونين موضوعيين ساريي المفعول، في حين أننا أمام قانون واحد ساري المفعول ،…
الثالث : إمكانية تقديم طلب مستقل إلى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني
إن الجواب بالنفي على هذا التساؤل يفرض نفسه لعلة جوهرية واضحة، وهي تلك المنصوص عليها في المادة 644 من ق.م.ج والتي تستلزم لاختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني أن يكون المدين موضوع طلب لتطبيق الإكراه البدني، وكذلك لاعتبارات أخرى نجملها في مايلي :
• انه تنتفي لفائدة العلمية من تحصيل قرار بتحديد المدة على فرض الإستجابة للطلب ولا يكون من شانه إلا تضخيم الإجراءات مادام أن المعول عليه في تطبيق مسطرة الإكراه البدني هو صدور قرار بتطبيق الاكراه البدني
• أن احالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات من طرف النيابة العامة لم يجيزه المشرع إلا في حالة واحدة، وهي من اجل الموافقة على تطبيق الإكراه البدني
• أن المشرع حدد الطريقة التي يضع بها قاضي تطبيق العقوبات يده على القضية، وهي الإحالة من طرف السيد وكيل الملك، وبالتالي يمتنع على الأطراف تقديم طلب مباشر بتحديد المدة امام قاضي تطبيق العقوبات، كما أن وكيل الملك لا يحيل الملف إلا من اجل المطالبة بتطبيق الإكراه البدني مما يبقي معه الطلب مفتقرا إلى الوسيلة المسطرية الممكن سلوكها قانونا
• وحيث أنه فضلا عما ذكر، فإن الطلب المقدم بهذا الخصوص لم يراع الشروط المقررة بمقتضي المادة 644من ق . م . ج ، والمحددة لاختصاص قاضي تطبيق العقوبات في تحديد مدة الإكراه البدني في حق المدين المتضامن ، والمتمثلة فيما يلي :
1/ أن يكون المدين المراد تحديد مدة الإكراه في حقه موضوع طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات ، وفقا لما أوضحناه سابقا
2/ أن يكون التضامن مقررا بمقتضي حكم قضائي ، وهو مالا يتم الإدلاء به،
3/ أن يتعلق الأمر بأحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين.
المطلب الثالث :القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني
إن إقرار مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في النظام القانوني المغربي , يعتبر خطوة مهمة في سبيل تدعيم الرقابة القضائية على التنفيذ الجنائي , اعتبارا لما يرتبط بهذا الأخير من حقوق و حريات محمية دستوريا , و من أهداف و غايات و إجراءات يجب أن تنضبط لها المعاملة العقابية داخل المؤسسة السجنية و حتى خارجها في نطاق الرعاية اللاحقة للمفرج عنه .و بذلك فإن الإشراف القضائي على التنفيذ الجنائي , يقوم على توخي هدفين اثنين :
أولهما : الحرص على ضمان حقوق المحكوم عليهم في مرحلة التنفيذ الجنائي
.و ثانيهما : وهو تحقيق التفريد الحركي للعقوبة عن طريق تفعيل بدائل العقوبة السالبة للحرية ،و ذلك متى استنفذت هذه الأخيرة وظيفتها الردعية و النفعية , عن طريق التدخل في تعديل المقرر القضائي المتضمن للعقوبة , كإيقاف تنفيذ العقوبة أو تأجيلها أو تجزيئها ،غير أن الوقوف عند الصلاحيات المقررة قانونا لفائدة قاضي تطبيق العقوبات , تبعث على القول بقصور تلك الصلاحيات عن تحقيق الهدفين المشار إليهما , خاصة مع عدم إقرار المشرع بعد لبدائل العقوبات السالبة للحرية مما يبقى معه دور الإشراف القضائي منحصرا في مجرد الرقابة و التفتيش فقط .و عموما , فإن صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي تتحدد في الاختصاصات التالية
:1- تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية و تسييرها , عن طريق مراقبة المسائل المتعلقة بقانونية الاعتقال و حقوق السجناء و سلامة إجراءات التأديب
.2- التأكد من سلامة الإجراءات المتعلقة بالإكراه البدني
.3- تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط و العفو .و في إطار هذه الصلاحيات فإن قاضي تطبيق العقوبات لا يملك سلطة اتخاذ قرارات ملزمة بشأن تصحيح الإخلالات التي يقف عليها عند مراقبته للفضاء السجني , و هو الأمر الذي أثار نقاشا واسعا حول الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات , و هل تعتبر قرارات قضائية تخضع لطرق الطعن الخاصة بالقرارات القضائية , أم هي مجرد قرارات إدارية يرجع الاختصاص بشأن الطعون الموجهة ضدها إلى المحاكم الإدارية ؟ و لقد صدر في هذا الصدد قرار مهم عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 18 مارس 1998 أكد فيه على عدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات قاضي تطبيق العقوبات المتعلقة بالتخفيض من العقوبة , تأسيسا على كون القرارات المذكورة لا تعتبر شكلا من أشكال المعاملة العقابية و إنما تعتبر إجراء يعدل العقوبة الصادرة , و مما جاء في القرار المذكور أنه و القرار المذكور راعى توجه المشرع الفرنسي الذي اعتبر قرارات قاضي تطبيق العقوبات بمثابة إجراءات للإدراة القضائية , و حدد بدقة أوجه الطعن الممكن ممارستها بشأنه , و كذا القرارات القابلة للطعن و الجهة التي تملك الطعن , كما حدد آجالا قصيرة للطعن و كذا للبت في الطعن , غير أن الطعن الذي أقره المشرع الفرنسي لا يعتبر طعنا بالاستئناف و إنما هو طعن بالإلغاء أو الإبطال يعيد النظر في مدى شرعية القرار , فهو بتعبير الفقرة الثانية من المادة 733-1 طعن بخرق القانون و رغم النص التشريعي على طرق الطعن المتاحة في القرارات المذكورة فقد استمر الجدل الفقهي بخصوص طبيعتها القانونية , مما حدا بالمشرع الفرنسي مؤخرا إلى إحداث محاكم خاصة للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات قاضي تطبيق العقوبات وهي محاكم تطبيق العقوبات, و كذا غرف استئنافية لتطبيق العقوبات , بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 9 مارس 2004 محدثا بذلك لنوع من القضاء المتخصص في مجال التنفيذ الزجري .فإسناد سلطة اتخاذ القرار لقاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطرة الإكراه البدن في القانون المعربيي , يثير نقاشا مماثلا بخصوص الطبيعة القانونية لتلك القرارات , و التي تتوزع بين ثلاث قرارات أساسية :
– القرار بتطبيق الإكراه البدني
.- القرار بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد مدة الإكراه في حالة التضامن .
– و القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني .و خاصة فيما يتعلق بهذا القرار الأخير , مادام أن القرارين الأوليين لا يشكلان إضافة إجرائية مهمة لمسطرة الإكراه البدني ,حيث يقتصر دور قاضي تطبيق العقوبات على التصريح بتوفر الشروط الموضوعية و الشكلية لمسطرة الإكراه البدني , نظرا لكون القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني يتمحور أساسا حول عنصر التعليل المتمثل المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني , و الذي قد لا يقتنع طالب الإكراه بموضوعيته , فهل يجوز الطعن فيه بأحد طرق الطعن القانونية ؟ (1).
الملاحظ أن المشرع لم يتعرض لهذه المسألة بأي نص صريح, و هو الأمر الذي يشكل خللا تشريعيا يتوجب تداركه , و نحن لا نتفق في هذا الصدد مع ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بمراكش , من قبول الطعن بالاستئناف في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات و ذلك بمقتضى القرار عدد 4504 الصادر بتاريخ 19-04-2004 في الملف الجنحي عدد 7/04 (2) بعلة أن “الأمر المستأنف حكم قضائي صادر باسم جلالة الملك , و جميع الأحكام تقبل الطعن إلا ما استثني بنص خاص” وذلك لاعتبار أساسي وهوأنه لا طعن إلا بنص , و تبرز الحاجة إلى التنصيص التشريعي على طرق الطعن اعتبارا لما يرتبط بممارسة الطعون من آجال و تحديد لولاية وسلطات جهة الطعن و كذا طبيعة و حجية المقررات الصادرة عنها , أن القبول بالتوجه الذي سارت فيه محكمة الاستئناف بمراكش يضعنا أمام تعقيدات إجرائية في بالغ الحرج , تنتج كلها عن الإسقاط التعسفي لصفة الحكم الجنحي على القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبـــــــات , و من ذلك مثلا
:1) أجل الطعن , و تاريخ بدء سريانه , ما دام أن قرارات قاضي تطبيق العقوبات تصدر في إطار مسطرة غير تواجهية , بحيث يحال عليه الملف من طرف وكيل الملك ليتخذ في شأنه القرار المناسب ثم يرجع إلى النيابة العامة إما لتنفيذ مقتضياته أو وضعه رهن إشارة الدائن إذا كان القرار صادرا بعدم تطبيق الإكراه البدني , و بالتالي ليس هناك إعلاما بالقرار أو تبليغا بمضمونه كما يشترط ذلك المشرع بالنسبة لحساب أجل الطعن بالاستئناف
.2) الصفة في الطعن : و يثار التساؤل بالخصوص حول صفة النيابة العامة في الطعن , ما دام أن طالب الإكراه و المطلوب ضده الإكراه صفتهما في الطعن واضحة –بالنسبة لمن يجيزون الطعن- , و ذلك لأن النيابة العامة لا تعتبر لا دائنا و لا مدينا و لا طرفا في مسطرة الإكراه البدني , سواء تعلق الأمر بدين عمومي حيث تثبت الصفة في تقديم طلب تطبيق الإكراه البدني – و الطعن بالنسبة لمن يجيز هذا الطعن- فقط بالنسبة لمأمورو كتابات الضبط و الموظفين المكلفين بالتحصيل وفقا لما نصت عليه الفقرة الأولى و الثانية من المادة 633 من ق.م.ج ,أو بدين خصوصي حيث ترتبط الصفة في الطلب أو الطعن بتحقق صفة الدائنية المستمدة غالبا من وضعية المدعي أو المطالب بالحق المدني , فالطعن بالاستئناف لا يثبت إلا لمن كان طرفا في الحكم المستأنف , فهل النيابة العامةتعتبر طرفا في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ؟ أعتقد أن الجواب بالنفي يفرض نفسه , لأن مهمة النيابة العامة في إطار مسطرة الإكراه البدني عموما , لا تخرج عن دورين أساسيين :
أولهمـا : و هو إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات , بعد التوصل بالطلب و الوثائق المرفقة به من طرف الدائن.(الفقرة الأولى من المادة 640 من ق.م.ج) .
و ثانيهما : وهو السهر على تنفيذ الأمر الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني (الفقرة الأخيرة من المادة 640 من ق.م.ج) , و ذلك مراعاة لعموم اختصاصها في تنفيذ المقررات القضائية كما أن ممارسة الطعن بالنقض لفائدة القانون ضد القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات , سواء بمبادرة من الوكيل العام للملك بالمجلس الأعلى أو بأوامر من وزير العدل (المواد من 558 إلى 562 من ق.م.ج) , تبقى محل نظر , اعتبارا لتعلق الطعن المذكور بالأحكام الفاصلة في الموضوع و القابلة أصلا للطعن , لكن لم تمارس بشأنها طرق الطعن … , و ليس بالقرارات الولائية التي لا يوجد نص صريح يجيز الطعن فيها (1)
.3) آثار ممارسة الطعن : من المعلوم أن للاستئناف و لأجل الاستئناف أثر موقف للتنفيذ , عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 398 من ق.م.ج التي تنص على أنه “يوقف تنفيذ الحكم أثناء سريان آجال الاستئناف و أثناء جريان المسطرة في مرحلة الاستئناف …” ,
.4) ولاية جهة الطعن : من أهم الآثار التي يرتبها الطعن بالاستئناف , الأثر الناشر (المادة 408 من ق.م.ج) بمعنى أن جهة الطعن تمتلك الصلاحية لإعادة مناقشة القضية المعروضة عليها من جديد , من الناحيتين الواقعية و القانونية , و تصدر مقررها القضائي إما بتأييد الحكم المطعون فيه كليا أو جزئيا أو بإلغائه أو تصرح بعدم اختصاصها للبت في الطعن … من الدين”
.5) حجية المقرر الصادر من جهة الطعن : من الأحكام القانونية المعروفة أن القرارات الصادرة من محكمة الاستئناف في المادة الجنحية , لا تحوز قوة الشيء المقضي به , و بالتالي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد استنفاد مسطرة الطعن بالنقض أو فوات أجل النقض , و بتطبيق المقتضى المذكور بالنسبة لحجية المقرر الصادر من محكمة الاستئناف , فإنه يتوجب عدم المبادرة إلى تطبيق مسطرة الإكراه البدني إلا بعد الإدلاء بشهادة بعدم النقض أو بمآل الطعن بالنقض في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف سواء كان بتأييد القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني, أو بإلغاء القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بعدم تطبيق الإكراه البدني و التصدي عن طريق الأمر بتطبيق الإكراه البدني
إعداد:ذ/عبد الغفور أقشيشو