مستقبل العدالة الإجتماعية في ظل النظام الديمقراطي


مستقبل العدالة الإجتماعية في ظل النظام الديمقراطي

ان عملية التغير في الواقع الاجتماعي لا يمكن ان يتحقق الا من خلال سيادة القانون وقيم العدالة والمساواة لارساء القواعد الاساسية لعمليات التغيير ولتثوير فعاليات التنمية النهضوية الشاملة.

ان ارساء اسس ومعايير الحقوق والحريات والمسؤوليات وفق قواعد قانونية عادلة ومنصفة تؤمن للمواطنين الضمانات الاساسية لمستقبلهم وامنهم واستقرار حياتهم لابد من ان تتوفر السيادة للقانون لا سلطان عليه لغير القانون ,وان يطبق على الجميع دون تمييز(الناس سواسية امام القانون ) بالعدل والانصاف لتحقيق السلم والامن الاجتماعي في كافة نواحي الحياة الاجتماعية .

يمثل القانون القاعدة الاساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية , كما يمثل مظهراساسي لسيادة الدولة وعنوان تقدمها وهيبتها في المحافل الدولية وفي الشان الوطني الداخلي , كما يمثل سيادة القانون دليلا ساطعا على العمق الحضاري والتقدمي والانساني الذي يتميز به المجتمع ونظام الدولة العام معا.

يعتبر القانون ركنا اساسيا لبناء وتقدم حياة المجتمع حيث تنظم الشؤون الحياتية العامة لابناء المجتمع وفق الاسس والقواعد القانونية في الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والامنية وغيرها من الامور المهمة في حياتهم , كما يمثل القانون القاعدة الاساسية لنظام الدولة العام, يلزم سلطات ومؤسسات الدولة والافراد والجماعات كافة على احترام سيادته والالتزام بقواعده واحكامه القانونية .

ومن ابرز مظاهر سيادة القانون هو مدى تطبيق مبدئ العدالة بين الناس .في الحقوق والحريات وفي الثواب والعقاب ,وان ياخذ كل ذي حق حقه المشروع ويحفظ للانسان كرامته وحريته وامنه ,(العدل اساس الملك ) وقال الله تعالى (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )(يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهدا ء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قوم على الاتعدلوا فاعدلوا هو اقرب للتقوى).

وقيل ان العدالة الاجتماعية , هي نظام اقتصادي يهدف الى ازالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع من خلال اعادة توزيع الدخل القومي وفق قاعدة المساواة بين الجميع من غير تمييز , وتسمى احيانا بالعدالة المدنية . وهي تؤمن للجميع فرص متكافئة للتطور الاجتماعي والشخصي.

وقيل انها فكرة فلسفية لا سياسية ,تشكل حقوق الانسان والمساواة اهم دعائم العدالة الاجتماعية .

ان العدالة قي مفهومها العام هي الحلقة المفقودة في مجمل مسيرة حياة الشعب منذ عقود عديدة وفي ظل انظمة رجعية واستبدادية التي تتعارض من طبيعة سياستها مع قيم ومبادئ العدالة الانسانية بل تجاوزت في كثير من اعمالها على ابسط الحقوق الانسانية ,حلت محلها قيم الظلم والجور والتهميش والتمييز وقيم التسلط والاستبداد لخدمة منافعها ومصالحها الخاصة على حساب مصلحة الشعب والوطن .

يتطلع ابناء الشعب الى حياة تسودها القيم الانسانية والعدالة الاجتماعية في مجمل الحياة الاجتماعية قائمة على مبدئ المساواة بين الجميع وفق منهج تنموي شامل تكون الهوية الوطنية القاعدة الاساسية لاستحقاق كل مواطن كامل حقوقه الانسانية المشروعة قانونا وعرفا والمقرة في كل الشرائع والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان .كما في (الاعلان العالمي لحقوق الانسان ).

يشكل النظام الديمقراطي التعددي اللامركزي النظام الانسب لتحقيق العدالة الاجنماعية بين افراد المجتمع العراقي الذي يتميز بتنوع فئاته وشرائحه الاجتماعية من مذهبية وقومية ودينية الذي القى هذا التميز بثقله على تنوع القوى السياسية والمجتمعية المدنية من احزاب وتكتلات وقوى مجتمعية متنوعة في الاهداف والغايات والمناهج والبرامج المختلفة في اطار منهج النظام الديمقراطي.

ان تحقيق العدالة الاجتماعية وفق منهج النظام الديمقراطي لابد من اجراء نمط جديد من العلاقات في حياة المجتمع وفق اسس العدالة والمساواة في الدرجة الاساسية ان تبدء السلطات الحاكمة كل حسب اختصاصاتها (المنتخبة من قبل الشعب) بتامين الحقوق والحريات الاساسية لابناء الشعب والعيش الكريم والامن والسلم الاجتماعي . لذلك من الضروري ان تتوفرلابناء للشعب مستلزمات واجواء من الحرية لكي يختاروا ممثليهم بوعي وادراك وفق الاسس الديمقراطية السليمة .لإختيار من يصلح لتمثيلهم عبر وسائل الاقتراع المباشر ليمارسوا اعمالهم باسم المواطنين في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لاحكام الدستورباخلاص ونزاهة وامانة , وتمارس السلطات الثلاثة واجباتها وفق قاعدة الفصل بين السلطات وعدم التداخل بين صلاحياتها عند ممارسة واجباتها الاساسية الخاصة بها .

وما يتميز به النظام الديمقراطي, هو التاكيد على استقلال السلطة القضائية عن السلطات الا خرى والحفاظ على حيادتها بينها ,لتوفير قدر اكبر من العدالة في اعمال القضاء وادارة شؤونه الخاصة .مما تؤمن الديمقراطية الضمانات للمواطن من اسباب العيش الكريم ومن الحرية والمشاركة في العملية السياسية بارادة حرة ومن الامن والامان لحياته في مجتمعه .

لايمكن التحدث عن الديمقراطية من دون وجود حقيقي على ارض الواقع الميداني مفهوم وقيم العدالة والمساواة بابعادها الانسانية والقانونية ولا يمكن القول بوجود حرية الراي والتعبير والمعتقد من دون وجود ارادة حرة مستقلة للمواطن للتعبير عن خياراته من غير اكراه او ضغط او املاء.

حيث يشكل الفرد وفق مفهوم الديمقراطية المحور الاساسس في العملية السياسية والاصلاح الاجتماعي والاقتصادي ,لتاكيدها على حرية الفرد الذي يقول عنه (جان جاك روسو- انه بطبيعته طيب وحر) , مما يوجب عدم تدخل الدولة في شؤونه وتركه يعمل وفق ارادته وتحفظ الفرد من الذوبان في الجماعة لان ذلك يقضي على حريته.كما تعتبر الديمقراطية الوسيلة الانسب لتمكين افرادالشعب من المطالبة بحقوقهم المشروعة ونيلها بطرق سلمية وحضارية ,ويمارسواحقوقهم السياسية لاصلاح البيئة الاجتماعية المتكاملة والشاملة بنواحيها الاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية ومن خلال مشاركة كافة القوى الوطنية من قوى سياسية ومنظمات المجتمع المدنية من جميع طوائفه والوانه المجتمعية في عملية دفع الاصلاح بالمشاركة مع هيئات الدولة المختلفة لتحقيق العدالة الاجتماعية المقصودة تضمن التوزيع العادل لثروات الدخل القومي ووفق تخطيط علمي ممنهج يستفيد منه كافة ابناء المجتمع على حد سواء

ان مفهوم العدالة الاجتماعية ذات معنى انساني عميق في غاياتها واهدافها كيف يمكن ان تتحقق في مجمل الحياة الاجتماعية للمجتمع في نمط علاقاته المجتمعية وفي تنظيم شؤونه الحياتية الانسانية , وفي ما يتعلق بممارسة سلطات الدولة صلاحياتها لخدمة مصالح الشعب ومصلحة الوطن العليا وفقا لاحكام الدستور( القانون الاعلى) في الدولة الديمقراطية اللامركزية .

ولكن بقي تطبيق هذا المبدئ مسالة نسبية تبعا لطرق ومستلزمات التنفيذ الفعلي على ارض الواقع الميداني في كل ما يتعلق بحياة الشعب وطموحاته ومستقبل حياته الامنية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والسياسية وما يتعلق بمعتقدات مكوناته الخاصة , حيث يتوقف ذلك على:-

اولا- حجم الايمان بمضامين مبدئ المسا واة الانسانية ومدى الحرص على الالتزام بتطبيق الاجراءات القانونية والانسانية والاخلاقية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين مكونات الشعب كافة , من قبل الافراد والجماعات المختلفة وسلطات ومؤسسات الدولة الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني .قال الله تعالى (ومن عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها ثم الى ربكم ترجعون ) .وقال تعالى (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ بما نوى)

ثانيا- الدولة القانونية ليست وحدها تتحمل مسؤولية تطبيق العدالة الاجتماعية انما هي مسؤولية جميع ابناء الشعب كافة كل فرد حسب مركزه الاجتماعي والسياسي والفكري ومستوى امكاناته العلمية وقدراته الخاصة ومسؤولية كافة فئات الشعب على اختلاف مشاربها واطيافها والوانها وانواعها ومعتقداتها . (لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ).

حينما تترسخ هذه المفاهيم في عقول وقلوب ونفوس ابناء المجتمع عامة ويلتزموا باداء واجباتهم الوطنية وفي علاقاتهم ومسؤولياتهم الاجتماعية على كافة المستويات والمسؤوليات كما ينبغي , في داخل الاسرة الواحدة وفي المدرسة وفي المعمل وفي الوظيفة وفي الاعمال المهنية الحرة وفي كل ما يتعلق بطبيعة عمل الفرد في اي مركز اجتماعي او وظيفي كان , ووفق الطرق والاساليب المشروعة والانسانية طبقا للقانون والاعراف والمواثيق الانسانية , مجسدين عمليا العدالة والاستقامة والامانة في حياتهم العملية , بذلك يستطيعوا ان ينظموا حياتهم في اطار العلاقات الانسانية السليمة المستقرة وفي اطار سيادة القانون واحترام مؤسسات وسلطات الدولة المختلفة , وان يحققوا بالشراكة الوطنية المسقبل الزاهر الحافل باسس العدالة الاجتماعية وبالامن والامان والاستقرار , وبناء مجتمع تتحقق فيه المساواة عمليا وملومسا على ارض الواقع.

ثالثا- لابد من تعزيز وعي الافراد وتوسيع مداركهم باهمية وضرورة وفاعلية مبدئ المساواة والعدالة وذلك من خلال تعزيز ثقافتهم بمضامين هذا المبدى الانساني ودوره الفاعل لتحقيق الحياة الامنة والمستقرة لهم , لكي يتعرفوا جيدا ما هية حقوقهم المشروعة قانونا كواقع انساني محترم في كافة دساتير ومواثيق الدول المتحضرة والمتقدمة ,وكيفية التمتع بها وفقا للقانون والاعراف والمواثيق الانسانية , ولكي يعرف المواطن جيدا كيف يدافع عنها , وكيف يطالب بها في حالة شعوره بالظلم والتهميش والحرمان , ولكي يصبح متمكنا للدفاع عنها بالطرق القانونية  بنفسه وبثقته بقدراته وبحقوقه المشروعة .

ان تحقيق العدالة الاجتماعية ليس في سن القوانين والتشريعات اللازمة بخصوصها وتعدد التشكيلات والهيئات القانونية والتنفيذية الرسمية وغير الرسمية والحقوقية الانسانية فحسب ,انما يتطلب بالدرجة الاساسية الوعي والادراك الكامل بمضامين ومعاني قيم اسس العدالة الاجتماعية عامة من قبل كافة افراد المجتمع حينها يتفهموا جيدا وبايمان راسخ في قلوبهم وعميق في نفوسهم , انها طريق الهدى والنجاة من كل المكاره والافات المرضية انها طريق الحق ودفع المنكر والظلم والجور و وانها طريق الخير والاحسان والعطاء و انها اساس الرحمة والمودة والشفقة , انها منبر الصدق والصراحة والشجاعة والاخلاص والتضحية ونكران الذات , هي وثاق المؤمن الوطني المخلص الغيور على مصلحة شعبه ووطنه .

حينما تترسخ هذه المفاهيم في عقول وقلوب ونفوس ابناء المجتمع عامة ويلتزموا باداء واجباتهم الوطنية وفي علاقاتهم ومسؤولياتهم الاجتماعية على كافة المستويات والمسؤوليات كما ينبغي , في داخل الاسرة الواحدة وفي المدرسة وفي المعمل وفي الوظيفة وفي الاعمال المهنية الحرة وفي كل ما يتعلق بطبيعة عمل الفرد في اي مركز اجتماعي او وظيفي كان , ووفق الطرق والاساليب المشروعة والانسانية طبقا للقانون والاعراف والمواثيق الانسانية , مجسدين عمليا العدالة والاستقامة والامانة في حياتهم العملية , بذلك يستطيعوا ان ينظموا حياتهم في اطار العلاقات الانسانية السليمة المستقرة وفي اطار سيادة القانون واحترام مؤسسات وسلطات الدولة المختلفة , وان يحققوا بالشراكة الوطنية المسقبل الزاهر الحافل باسس العدالة الاجتماعية وبالامن والامان والاستقرار , وبناء مجتمع تتحقق فيه المساواة عمليا على ارض الواقع.

إعداد:ذ/المستشار فاروق العجاج_العراق


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...