هيئة كتابة الضبط وسؤال التأهيل
أضحى تأهيل هيئة كتابة الضبط مسألة ضرورية إذا ما نظرنا إلى التطور الحاصل في الإدارة القضائية ككل، فعملية التأهيل ليست بالأمر الهين إذ تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الإمكانيات لبلوغه،نظرا لكون هذا الجهاز مرفق مهما وحيويا في البنية القضائية والإدارية الوطنية.
فالاهتمام به وتلبية متطلبات تدبيره يعتبر أولوية مهمة لا يمكن تجاوزها أو تخطيها في مسلسل الإصلاح الذي أخذته الوزارة الوصية على عاتقها.
فكما هو معلوم لدى المهتمين بالشأن القضائي وملف إصلاح العدالة في المغرب ،ظلت هيئة كتابة الضبط لعقود جهاز ثانوي خاضع لوصاية القضاة في أدائه للمهام داخل المحاكم ومرد دلك يعود لطبيعية البنية التي تشكل منها الجهاز طوال تلك الحقبة والتي كانت في مجملها لا تتوفر على تكوين قانوني ولا معرفة علمية بهذا الجانب أضف إلى هذا غياب التأطير النقابي في المرفق حيث كان محذورا لسنوات ,هدا الوضع استمر لعقود وكرس واقع وضيع في نظر كل الأطراف المتدخلة في العملية القضائية , غير انه في العقود الأخيرة بدأت المطالبة بالتغير تطفو على السطح وتدعو إلى تحسين الوضع بما يليق وكرامة الأطر والموظفين بهيئة كتابة الضبط ،حيث زكى هذا الوضع ولوج أطر ذات تكوين قانوني وحاملة لشواهد عليا إلى هدا الجهاز بالتزامن مع صدور النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط , ورغم هذه التغيرات إلا أنها تظل محتشمة إذا ما قورنت بحجم المطالب الأخرى والتي تكتسي أولوية قصوى خصوصا في جانب التكوين والتواصل داخل الإدارة القضائية علما أن هاذين المحددين يعدان من الدعامات الأساسية في تأهيل هيئة كتابة الضبط ،إذ لا يعقل أن يتم الشروع في الإصلاح دون الوقوف على هذا الجانب بما يكفي .
إن الإصلاح مرهون بتبني منظومة شمولية تعتمد على التكوين كقاعدة بارزة بالإضافة إلى سن وبلورة آليات للتواصل داخل المحاكم بمختلف اتجاهاته، ففي غياب هذه الوسائل تظل تلك المطالب مجردة ولا تلبي متطلبات المرحلة.
وهذه الأمور والحيثيات، تجعلنا نطرح مجموعة تساؤلات تشكل الإجابة عليها فرصة لتبين بعض المعطيات، وذلك من قبيل:
ما هي ابرز المشاكل التي تعيق عملية التأهيل خصوصا في جانب التكوين والتواصل ؟وما هي السبل الكفيلة لحل هذا الإشكال ؟؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات سنعتمد التقسيم التالي:
– المحور الأول :هو عبارة عن رصد لبعض المشاكل في مجال التكوين والتواصل .
– المحور الثاني :سندلى ببعض التوجيهات والمقترحات بخصوص الموضوع.
1- واقع التأهيل بهيئة كتابة الضبط على ضوء إستراتيجية وزارة العدل والحريات:
لا يمكن المراهنة على التأهيل دون الاستناد أساسا على التكوين فهو ليس بالعملية السهلة بل يتطلب بعد استراتيجي محكم و معقلن ومدروس لتفعيله,فكما لا يخفى على المطلعين بالميدان،أن النمط المعتمد في التكوين إبان الوقت الراهن لا يعتمد إطلاقا على أي إستراتيجية واضحة فغالبا ما يتم اعتماد برامج موحدة وسطحية لا تفرق ما بين التخصصات ولا تراعي فلسفة التكوين كليا, فالجمع ما بين التخصصات ووحدة البرامج والمقررات وانعدام الكفاءات في التلقين هي السمة البارزة في كل البرامج المعتمدة على الإطلاق هذا مع ذكر الحيز الزمني الذي يظل قصيرا جدا فاغلب الأفواج من المتخرجين الجدد من الموظفين لم يتجاوزوا خلال فترة التكوين النظري أكثر من شهر في الأقصى دون أن ننسى عدم استفادة بعض الأفواج ولو حصة واحدة من الدروس النظرية . كذلك يوزع المتدربون على المحاكم لإجراء تدريب ميداني لا يتجاوز 60 يوما , فهذه الطريقة هي المعتمدة من طرف الإدارة المركزية بخصوص هيئة كتابة الضبط فالمهام الموكولة إليهم للقيام بها غاية في الجسامة والمسؤولية لدى يقتضي إعادة النظر في نمط التكوين ,
فالنظر إلى هيئة كتابة الضبط على انه جهاز ثانوي وغير ذي جدوى مسالة مرفوضة قطعا ولا يمكن القبول بها كيفما كان الوضع.
وفي نفس المنحى يبقى التكوين المستمر آفة أخرى إذا ما تم التدخل لتصحيحه وتقويمه سيظل مفروغا من محتواه ولا يلبي متطلبات المرحلة ففي الغالب ما يتم تنظيم حصص نظرية على مستوى المحاكم يتم إسناد مهمة تأطيرها إلى اطر المحكمة نفسها فيكتفون بتنشيط الحصص استنادا إلى معارفهم الذاتية والتلقينية التي تغيب فيها كل لأسس المنهجية القانونية والفقهية والتي هي المطلوب اعتمادها في التكوين أضف إلى هذا الأمد الزمني الذي لا يتجاوز 5 حصص في السنة في الأقصى مع الاقتصار على فئة من الموظفين دون الأخرى .
إن هذه الإستراتيجية المنتهجة من طرف الوزارة قاصرة ولا تلبي متطلبات وحجم انتظارات هيئة كتابة الضبط ،فالكم الوفير من الأطر والكفاءات التي يزخر به الجهاز حيث يفوق أكثر من 11000 موظف موزعة على طول الخريطة القضائية ومن مختلف التخصصات تحتل فيها نسبة الموظفين المرتبين في السلالم 7 فما فوق أكثر من 70في المائة وهدا يعني أن الموظفين المؤهلين يشكلون نسبة مهمة مما يعني أن الوزارة ملزمة ببدل عناية كافية لهده الفئة من خلا تكوين منسجم وكافي يتماشى وحجم تطلعاته, فالطريقة المتبعة تفتقد إلى الرؤية البعيدة ولا توازي التطور الحاصل في الإدارة القضائية ككل, فتسطير البرامج بشكل سطحي وغير مضبوط بخصوص التكوين النظري يعتمد في مجمله على أفراد لايتوفرون على ثقافة قانونية ولا على تأهيل أكاديمي وعلمي رصين ناهيك عن حصص التكوين المستمر والتي تعد حصص وصفية للإجراءات والمساطر المتبعة تعتمد على التلقين ليس إلا.
أما فيما يخص جانب التواصل داخل المحاكم فبالكاد ينعدم في المجمل نظرا لانعدام هذه الثقافة سواء تعلق الأمر بالتواصل الداخلي أو الخارجي فاغلب المحاكم لم يتسنى للمسؤولين القضائيين أو الإداريين أن يجتمعوا بالموظفين لتدارس المشاكل وأوضاع المحاكم من مختلف المناحي ورصد نقط الضعف ومكامن القوة لحل جل الإشكالات التي تعيق السير العادي للمحاكم فهدا النمط مغيب للغاية ولا يولى له ادني اهتمام أضف إلى هدا غلبة النمط القديم من التدبير والدي يطبعه العنجهية والتجدر في إعطاء الأوامر في ضرب كلي للتواصل المعقلن والسلس الذي يشجع على العطاء والابتكار مما ينعكس على المر دودية
2- دور التكوين والتواصل في تأهيل هيئة كتابة الضبط:
سطر ميثاق الإصلاح مجموعة من البنود انصبت في جانب منها على التكوين خصوصا بالنسبة لهيئة كتابة الضبط ودلك من خلال تحديد مجموعة من التدابير اعتبرت ضرورية لتأهيل هدا الجهاز ورقيه للعب أدواره في العملية القضائية وقد حددت هذه التدابير في نقط عدة بداية من إحداث مدرسة وطنية لكتابة الضبط ستكون نهاية مشروع انجازها نهاية سنة 2016 .
ومن جهة أخرى، تجلت أهداف المشروع في تكوين اطر جهاز كتابة الضبط في الجانب العلمي النظري بما يرتبط ومهامهم بشكل عصري ومتطور, غير انه ولحدود الوقت الحالي لم يخرج المشروع إلى حيز الوجود فهدا التلكؤ في انجاز هكذا المشاريع يفرغ الميثاق من المحتوى الذي سن من اجله , كما تناول الميثاق بند أخر لا يقل أهمية عن سابقه ودلك بوضع نظام التكوين الأساسي والتكوين المستمر والمتخصص لموظفي هيئة كتابة الضبط وتكوين المتكونين وإعداد رؤساء كتابة الضبط والتكوين على مدونة قيم وسلوك موظفي هيئة كتابة الضبط. هدا المقتضى لم يتم الالتفاتة إليه ولو في جزء بسيط رغم الحيز الزمني الذي قطعه الميثاق مند تاريخ صدوره .
كما تجدر الإشارة إلى أن الميثاق لم يقف عند التكوين بشكل مفصل لبسط الطرق والكيفيات والوسائط التي ستعتمد في عملية التكوين وكذا الأمد الزمني والشروط المعتمدة للولوج وهو ما يعكس التمييز الذي تلقاه هيئة كتابة الضبط والحيف , فعلى سبيل المقارنة تبنى الميثاق تدابير عدة وجد مفصلة بخصوص التكوين المخصص للقضاة لا من ناحية مدة التكوين والتخصص والمؤهل العلمي والوسائط ,فهدا الاهتمام البالغ ليس هناك ما يفسره سوى النظرة الدنيا التي ينظر بها إلى هيئة كتابة الضبط و تغييب دورها الحيوي والبارز في الإدارة القضائية.
إن هذه المقتضيات لها من الأهمية البالغة الشيء الكثير في عملية التأهيل غير أن الجهة الوصية على القطاع لا زالت تبارح مكانها من اجل بلورة وتنزيل هذه المقتضيات على أرض الواقع والتعجيل بمباشرة هذه الأوراش لأهميتها القصوى .
أما فيما يخص التكوين المستمر فالميثاق شدد على ضرورته في تأهيل الموظفين في الإدارة القضائية لما له من حسنات شتى بيد أن المنهجية المعتمدة لتفعيله لا تلبي متطلبات المرحلة ودلك من جانبين أولهما ماد ي فهدا المشروع يتطلب رصد غلاف مالي معقول لتغطية كل المصاريف التي يتطلبها التأطير سواء من جانب المعدات والوسائل والتجهيزات و مصاريف المؤطريين أما الجانب الثاني فهو مرتبط بطبيعة المكونين والذي يتطلب أن يكونوا من ذوي كفاءات والتكوين الأكاديمي الكافي للقيام بهذه المهمة وليس بمنح هذه المهمة لبعض الموظفين الدين تنعدم فيهم كل الشروط والمحددات المطلوبة سوى انتمائهم النقابي آو المحاباة فهذا الأسلوب مرفوض كليا لما له من اثر سلبي وهدر للطاقات والإمكانيات ،ناهيك عن إسهامه بشكل مباشر في تردي مستوى هيئة كتابة الضبط .
ولعل الضرورة تقتضي لفت الانتباه إلى كون التكوين مسألة ضرورية ،فبعض الدول أولت لهذا الجانب أهمية قصوى ففي الدانمارك مثلا يجتاز الموظف تكوينا لمدة 3 سنوات موزعة ما بين الدروس النظرية في المعهد المخصص لهده الغاية والتداريب الميدانية بالمحاكم ، أضف إليها التكوين المستمر ما بعد التخرج أما في فرنسا فالتكوين بالمعهد يمتد لـ 18 شهرا و التكوين المستمر إلزامي لمدة 5 سنوات الأولى بعد التخرج ويضم التكوين برامج متعددة تجمع ما بين الدروس النظرية والورشات المهنية تعتمد أساليب متطورة مع مراعات التخصص في كل جوانب التكوين .
وعلى مستوى التواصل ، وجبت الإشارة إلى أن هذا الجانب يشكل الحلقة المغيبة في كل برامج الإصلاح،ذلك انه حتى على ارض الواقع ليس هناك أية قنوات لتفعيله سواء في العلاقة بالمسؤولين القضائيين ،ذلك أن الطابع البارز هو صد الأبواب وتغيب الانفتاح ،فاغلب المحاكم -إلا في حالات معزولة- لا تعقد أي اجتماعات أو لقاءات مع الموظفين لتدارس المشاكل ورصد الحلول الكفيلة للإحاطة بالمشاكل بل العكس هو السائد هذا دون أن ننسى طبيعة تصريف المهام بين الرؤساء المباشرين وباقي الموظفين فتتميز بالجمود في إعطاء التعليمات والتعجرف في انعدام كلي لثقافة الانفتاح والسلاسة وتجنب الاصطدمات.
إن هذه الأساليب وغيرها، ينبغي القطع معها و إدراك تأثيرات هذه السلوكيات في عرقلة وتعثر السير العادي للعمل والعمل على التأسيس لقيم التواصل البناء وتقبل الآراء والمقترحات والإشراك وكل ذلك لخدمة العدالة في سمو قيمها ونبل رسالتها.
إعداد:ذ/احمد اولاد عيسى_منتدب قضائي ابتدائية الناظور