وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي
تقوم الهيئة التحكيمية بمجموعة من المهام تتوزع بشكل عام بين كل من الإجراءات المسطرية والموضوعية كي يتم أداؤها في أحسن الأحوال ، ولعل من شأن التنظيم القانوني الجديد للهيئة التحكيمية أن يساهم في النهوض بميدان التحكيم بالمغرب بشكل أكثر ، وهذا ما ذهب إليه المشرع المغربي في ظل قانون 05-08 الجديد مبرزا ذلك من خلال إحاطتها بالكفاية القانونية اللازمة لعملها وسلطاتها الواسعة الى جانب صلاحيتها في البت في النزاع وإصدارها لحكم تحكيمي سواء في ما يخص تعيين مكان التحكيم (الفقرة الأولى) ثم صلاحيتها بالنظر في اختصاصها (الفقرة الثانية) وإصدار مقرر تحكيمي تكميلي ( الفقرة الثالثة) مرورا بصلاحيات هذه الهيئة بعد صدورها للمقرر التكميلي (الفقرة الرابعة) ليذهب المشرع إلى التوسيع من نطاق صلاحيات الهيئة التحكيمية إلى إنهاء مسطرة التحكيم (الفقرة الخامسة) .
الفقرة الأولى : سلطة الهيئة التحكيمية في تعيين مكان التحكيم
غالبا ما تترك التشريعات المقارنة صلاحية تعيين مكان إجراء التحكيم للأطراف نزولا عند إرادتهم الحرة ، إلا أنهم قد يتقاعسوا عن هذا التحديد ، وفي هذه الحالة فإن الهيئة التحكيمية تكون ملزمة بتحديده [1] وهو امتياز يساعد على حسن أداء الهيئة التحكيمية إذ أن تعيين الهيئة التحكيمية لمكان التحكيم سيساعد فيما بعد على تحديد طبيعة هذا التحكيم إذا ما كان وطنياً أم دولياً([2]) ، ولقد تدارك المشرع المغربي صلاحية الهيئة التحكيمية في تعيين مكان اجراء التحكيم في قانون 05-08 أمام الإغفال الكبير الذي كان في قانون ق.م.م القديم ، فقد تطرق الى هذا الموضوع من خلال الفقرة الثانية من الفصل 10-327 والتي تقضي بما يلي :
” … ولطرفي التحكيم الإتفاق على مكان التحكيم في المملكة المغربية أو خارجها ، فإذا لم يوجد إتفاق عينت هيئة التحكيم هيئة التحكيم مكانا ملائما للتحكيم مع مراعات ظروف الدعوى ومحل لإقامة الأطراف ، ولا يحول ذلك دون أن تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك … ”
بهذا يكون المشرع قد أعطى هذه الصلاحية كلما أغفل الأطراف تنظيمهم لهذه المسألة ([3]) ، وتشمل صلاحيتها هذه كل من التحكيم الداخلي والدولي طالما لم يفرق المشرع بينهما لما عالج هذا الموضوع
الفقرة الثانية : سلطة الهيئة التحكيمية بالنظر في اختصاصها
لقد أقر المشرع هذه الصلاحية لهيئة التحكيم في الفصل 09-327 من ق.م.م على سلطتها في النظر باختصاصها وهو مبدأ يطلق عيله الفقهاء ” الإختصاص بالإختصاص ” والذي ظهر لأول مرة في القانون الألماني([4]) وقد نص الفصل أعلاه على أن للهيئة التحكيمية قبل النظر في الموضوع أن تبت إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف ، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن ، إلا وفق نفس شروط النظر في الموضوع وفي نفس الوقت … ”
الفقرة الثالثة : صلاحية الهيئة التحكيمية في إصدار مقرر تحكيمي تكميلي
أجاز المشرع للأطراف العودة إلى الهيئة التحكيمية المصدرة للمقرر التحكيمي من أجل الفصل في الطلبات التي أغفلتها ، ما دام أنها تدخل في نطاق اتفاق التحكيم ([5]) ويتم عادة إخضاع المقرر التحكيمي التكميلي إلى نفس المقتضيات القانونية الواجبة التطبيق على المقرر التحكيمي الأصلي ، لذلك فإن المشرع المغربي قد سهر على تنظيم هذه الصلاحية وذلك في الفصل 28-327 من ق.م.م إذ جاء بالفقرة السادسة منه مايلي :
” … ج- إصدار حكم تكميلي بشأن طلب وقع إغفال البت فيه ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك …”
من خلال هذا الفقرة إذا فقد جعل المشرع صلاحية هيئة التحكيم متوقفة على إرادة الأطراف فإذا لم يوافقوا عليها امتنع عليها النظر في الطلب([6])
الفقرة الرابعة : صلاحيات الهيئة التحكيمي بعد صدور المقرر التحكيمي
الى جانب الصلاحيات المذكورة سلفا فقد منح المشرع المغربي صلاحيات أخرى تتمتع بها الهيئة التحكيمي ، وتتمثل هده الصلاحيات في إصلاح الأخطاء المادية لمقرراتها التحكيمية (أولاً) وصلاحية تفسيرها (ثانياً) .
أولاً : صلاحية الهيئة التحكيمية في إصلاح الأخطاء المادية
أصبحت للهيئة التحكيمة بمقتضى الفصل 28-327 من ق.م.م الصلاحية التامة لإصلاح الأخطاء المادية المتسربة لمقرراتها التحكيمية سواء كانت في الكتابة ، أو الحساب أو غيرها من الأخطاء ، بل وأهم من ذلك أنها تستطيع مباشرة هذه المسطرة من تلقاء نفسها دون التوقف على طلب يقدمه أحد الأطراف ،إلا أن هذه الصلاحية تبقى مع ذلك مقيدة في الزمان إذ يجب مباشرتها داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ صدور المقرر التحكيمي([7]) ([8])
ثانياً : صلاحية الهيئة التحكيمية في تفسير مقرراتها التحكيمية .
من الصلاحيات الجديدة التي أصبحت تتمتع بها الهيئة التحكيمية صلاحية تفسير المقررات التحكيمية الصادرة عنها وذلك إما بشكل جزئي أو كلي من خلال إزالة أي غموض يحيط بالمقرر من شأنه أن يفسر بشكل خاطئ([9]) وبعبارة أخرى فإنها تقوم بتوضيح الغموض العالق بهذا المقرر دون المساس بما قضى به ، وبذلك فلا يجوز أن يتضمن هذا التفسير تعديلا للمقرر التحكيمي ، أو معاودة النظر فيه ، وكلما تعرض لمثل هذه التغييرات إلا وأصبح مهددا بعدم التنفيذ( )
الفقرة الخامسة : صلاحية الهيئة التحكيمية لإنهاء مسطرة التحكيم
لقد أفرد القانون الجديد للتحكيم 05-08 فصلا خاصا يقضي بمنح هيئة التحكيم صلاحية إنهاء مسطرة التحكيم وهذا ما نص عليه الفصل 19-327 الذي جاء فيه ” تنهي الهيئة التحكيمية مسطرة التحكيم إذا اتفق الأطراف خلالها على حل النزاع وديا . ” وأهم ما يمكن إبداءه في هذا الموضوع برأينا المتواضع هو أن للأطراف الإتفاق على حل نزاعاتهم بشكل ودي دون الإسترسال في مسطرة التحكيم وذلك احتراما لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ، وهذا ما يجعل هيئة التحكيم ملزمة بالإعلان عن انتهاء مسطرة التحكيم الجارية أمامها . وتوقف الهيئة التحكيمية مسطرة التحكيم بواسطة إقرارها بحكم تحكيمي حسب الفقرة الثانية من الفصل أعلاه([10]) ، كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد أجبر الهيئة التحكيمية على إنهاء مسطرة التحكيم كلما أصبحت هذه الأخيرة غير مجدية أو غير ممكنة ، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 19-327 ، بينما قضت بعض التشريعات المقارنة بإخضاع هذا الأمر إلى السلطة التقديرية للهيئة التحكيمية وهذا ما سار عليه المشرع المصري في الفقرة الأولى من المادة 48 : ” تنتهي إجراءات التحكيم … بصدور قرار من هيئة التحكيم بانتهاء الإجراءات في الأحوال الآتية :
ج- إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخر عدم جدوى استمرار إجرارت التحكيم أو استحالة”()[11] .
المطلب الثاني : ضمانات الأطراف في مواجهة الهيئة التحكيمية و مسؤولية تصرفاتها التحكيمية .
لما أقر المشرع المغربي بسلطات الهيئة التحكيمية الواسعة كما أشرنا إليها فهذا لا يعني أنها مطلقة ولها أن تتعسف بهذه السلطات على الأطراف بل كفل المشرع ضمانات وآليات لمواجهة هذه الهيئة لضمان حقوق الأطراف المتنازعة وذلك من خلال حق الأطراف بتجريح المحكمين (الفقرة الأولى) وضمانة إقالة الهيئة التحكيمية (الفقرة الثانية) وقيام المسؤولية القانونية لهذه الهيئة (الفقرة الثالثة) .
الفقرة الأولى : ضمانة تجريح المحكمين .
تعد إمكانية تجريح الهيئة التحكيمية إحدى الضمانات الأساسية المخولة للخصوم من أجل تفادي تجاوزاتها المحتملة ، فلا يجوز افتراض تنازل المحتكمين عنها ، ويقصد بتجريح هذه الهيئة ، أن يعبر أحد الأطراف في خصومة التحكيم عن إرادته في عدم الإمتثال أمام محكم معين وذلك لتوفر إحدى أسباب التجريح التي ذكرها القانون ، وبعض الإجراءات التي حددها المشرع في الفصول 322 و 323 و 7-327 و 8-327 .
وإذا كانت التشريعات المقارنة لم تتوسع في النص على أسباب تجريح المحكمين ، فإن المشرع المغربي بالمقابل قد تعامل مع مسطرة تجريحهم في فصول كثيرة وذلك ما نص عليه في الفصل 323 من أسباب واجراءات صارمة لتجريح المحكم حيث جاء فيها على النحو الآتي :
” يمكن تجريح المحكم إذا :
1 – صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أحد الأفعال المبينة في الفصل 320 أعلاه
2 – كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع
3 – كانت قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو زوجه وبين أحد الأطراف إلى درجة أبناء العمومة الأشقاء
4 – كانت هناك دعوى جارية أو دعوى منتهية في أقل من سنتين بين أحد الأطراف والمحكم أو زوجه أو أحد الأصول أو الفروع ،
5 – كان المحكم دائنا أو مدينا لأحد الأطراف ،
6 – سبق أن خاصم أو مثل غيره أو حضر كشاهد في النزاع
7 – تصرف بوصفه الممثل الشرعي لأحد الأطراف
8 – كانت توجد علاقة تبعية بين المحكم وزوجة أو أصوله أو فروعه وبين أحد الأطراف أو زوجه أو أصوله أو فروعه
9 – كانت صداقة أو عداوة بادية بينه وبين أحد الأطراف … ”
ونعتقد أن هذه الحالات قد جاءت على سبيل الحصر بدليل أن هذا الفصل قد استهل بعبارة ” يمكن تجريح المحكم إذا …” ( ) ، وذلك تعزيزا لفرض نجاح مسطرة التحكيم وإضعاف لكل المحاولات الكيدية التي من شأنها تهديد وزعزعة عمل الهيئة التحكيمية ، كما نجد أن المشرع كان حكيما حينما صرح في الفصل 8-327 من الفانون 05-08 على أن طلب تجريح أحد المحكمين يجب أن يوازيه وقف مسطرة التحكيم إلى حين البت في الطلب ، وإلى جانب هذه الضمانة التي كفلها المشرع للأطراف بتجريح المحكم سنتعرض إلى ضمانة قانونية أخرى في الفقرة الموالية .
الفقرة الثانية : ضمانة إقالة الهيئة التحكيمية .
تكمن أهمية هذه الضمانة في إمكانية إبعاد الأطراف لكل محكم ظهر أنه لم تستجمع في الشروط أو المعايير التي سبق اتفاقهم عليها ، وتتم مباشرة هذا الإبعاد خلال سلوك مسطرة الإقالة La révocation بعد موافقة الأطراف جميعاً ، وجدير بالذكر أن المشرع المغربي قد نظم مسطرة لإقالة هيئة التحكيم في ظل قانون 05-08 ، احتراما منه للطابع الإرادي الذي يتميز به التحكيم ، هذا ما كرسه المشرع المغربي في الفصل 324 من ق.م.م الذي نص على المقتضيات التالية :
” لا يجوز عزل محكم ما إلا بموافقة الأطراف مع مراعات الفصل 320 أعلاه ، وتنتهي بالعزل المذكور مهمة المحكم بمجرد إعلامه بالأمر ” ، هذا ما ذهب إليه المشرع الفرنسي أيضا حيث أجاز عزل المحكم بعد موافقة الأطراف ([12])، ورغم أهمية هذه الضمانة للأطراف خلال خضوعهم للتحكيم فإن المشرع تناول هذه المسألة في فصل واحد فقط ، كذلك من جهتن نرى بأن المشرع قد أغفل عن نوع هذه الموافقة حيث يجب أن تكون كتابة ومحررة بشكل رسمي([13]) والجدير بالذكر كذلك أنه بعد اتفاق الأطراف بعزل المحكم يحد نهائيا لوظيفة وسلطة المحكم ، وكل حكم صدر بعد ذلك يقع باطلا سواء بلغ أو أخطر المحكمون بالعزل أم لا.
الفقرة الثالثة : مسؤولية الهيئة التحكيمية
على خلاف التيارات الفقهية التي ذهبت بعدم قيام المسؤولية القانونية إلا أن لهذه الهيئة مسؤولية مدنية وأخرى جنائية حسب جانب آخر من جمهور الفقهاء ، باعتبارها آلية لضمانة الأطراف من تعسف هذه الهيئة، لذلك سنتعرض للمسؤولية المدنية للهيئة التحكيمية (أولاً) ثم بعدها لمسؤوليتها الجنائية في (ثانياً).
أولاً : المسؤولية المدنية للهيئة التحكيمية
ينقسم الإلتزام بعمل الى نوعان ، أولهما التزام بتحقيق نتيجة أو غاية وثانيهما التزام ببذل عناية فقط[14] وإذا ما نظرنا الى الالتزام الملقى على عاتق الهيئة التحكيمية فسنجده في الأصل التزام بتحقيق نتيجة ينصب في وجوب تسوية النزاع القائم بين الخصوم داخل أجل محدد ، لكنه يصبح التزام ببذل عناية إذا ما نظرنا من زاوية مباشرتها لمسطرة التحكيم وإلا فتصبح مقصرة في أداء المهام الملقاة عليها لأصول وقواعد مهنة التحكيم ، لذالك فإن المسؤولية المدنية للهيئة التحكيمية تتأرجح تارةً عقدية وأخرى تقصيرية ، وذلك كلما ارتكبت خطأً مهنياً يمس بالقواعد التقنية لمهمتها ، أو لجهلها الفادح بأصول القانون ومسلماته أو لانسحابها الغير المبرر من الإجراءات أو إخلالها بالتزامها اتجاه الأطراف أو لتأخرها في المواعيد القانونية والإتفاقية وأي ضرر قد ينتج عن هذه الأفعال المخالفة لما اتفق عليه الأطراف ، وقد نص المشرع المغربي في هذا الصدد في الفصل 6-327 من ق.م.م على إمكانية مساءلة الهيئة التحكيمية ، وذلك تحت طائلة تعويضها للأطراف عن الأضرار اللاحقة بهم ، حيث ورد في الفقرة الثالثة من الفصل أعلاه ما يلي :
” … يجب على كل محكم أن يستمر في القيام بمهمته إلى نهايتها ولا يجوز لها تحت طائلة دفع تعويضات أن يتخلى عنها دون سبب مشروع بعد قبولها وذلك بعد إرساله إشعار يذكر فيه أسباب تخليه . ”
وعليه فإن المسؤولية المدنية للمحكمين تقوم فور إلحاق ضرر بالأطراف وفور قبول المهمة الموكولة إليهم ، كما تتجلى المسؤولية المدنية للهيئة بتجاوز حدود سلطاتها التي تتمتع بها والمشار إليها سلفا([15]) ، ويرجع أساس السلطات التي تتمتع بها الهيئة التحكيمية إلى اتفاق التحكيم ، لذا فإن كل خروج عن نطاق هذا الإتفاق يعرض هذه الهيئة إلى المساءلة القانونية المدنية ، كما لو أغفلت أو تغافلت الفصل في جزء من النزاع ، أو امتنعت عن القيام بإجراء من الإجراءات الضرورية ، وهذا بحد ذاته قد يلحق بالأطراف أضرار مادية ومعنوية وجب التعويض عنها حسب الفصل 77 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي([16]) بحيث أنه لا يتم التفريق في ذلك بين الالتزامات بالقيام بعمل أو الإمتناع عن القيام بعمل طالما قد ألحقت ضرر بالطرف الآخر([17])
ثانياً : المسؤولية الجنائية للهيئة التحكيمية
إن أداء الهيئة التحكيمية لمهامها يقضي إخضاع تصرفاتها لأحكام المسؤولية الجنائية ، وتدافع لذلك كبح كل محاولة من شأنها المس بحقوق الأطراف المحمية جنائيا ، وبفعل الأخطار المحتملة التي تهدد مصالح الأطراف ، أخضع المشرع المغربي الهيئة التحكيمية إلى إمكانية المساءلة الجنائية كلما اقترفت جرما في حق الخصوم أضر بسمعتهم ، ويظهر هذا الاهتمام التشريعي على الخصوص في الحماية الجنائية لأسرار الأطراف في مقتضيات الفصل 326 من ق.م.م والتي نصت على ك ” يلزم المحكمون بكتمان السر المهني طبقا لما هو منصوص عليه في القانون الجنائي “([18])، وهكذا نرى أن الهيئة التحكيمية تخضع هي الأخرى إلى ضوابط كثمان السر المهني ، مثلها مثل باقي المهن الأخرى التي تأتمن على أسرار الأشخاص([19]) ، من جهة أخرى يُسأل المحكم أيضاً عن ارتكابه لجريمة الرشوة طبقا لمقتضيات الفصل 248 من القانون الجنائي ، والذي ينص على :
” يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من ألفي درهم إلى خمسين ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو عدا أو تسلم هبة أو أية فائدة أخرى من أجل
1 – ………………
2 – إصدار فرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده وذلك بصفة حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف … ”
ويهدف هذا التجريم إلى الحفاظ على دعائم النزاهة والحياد والتي يجب أن تتحلى بها الهيئة التحكيمية طوال مسطرة التحكيم([20]) .
خاتمة تركيبية
لقد قمنا بسرد مجموعة من المحاور المتسلسة فيما بينها شكلا ومضمونا أملا في أن أكون قد قدمت نبذة عن صلاحيات الهيئة التحكيمية وسبل المواجهة القانونية المتاحة أمام الأطراف ثم قيام مسؤويلية هذه الهيئة التي قد تنشىء عن بعض الإخلالات فتكون جنائية أو عن تقصيرها فتكون مدنية .
ناصر بلعيد ” وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي “، هامش الصفحة 101 _ [1]
2_فإذا أخذنا مثال التحكيم الذي ينعقد بالمغرب ويصدر مقرره داخله أيضا ، فإنه يعد تحكيما وطنيا مغربيا ، أما في حالة إنعقاده بالخارج وكان موضوعه يرتبط بأكثر من دولة بما فيها المغرب وصدر مقرره بالخارج أيضا ، فإنه يعد أنذاك تحكيما دولياً
– محمد بقالي ، المفيد في التحكيم وفق القانون المغربي ، مرجع سابق صفحة [3] [4] _ANTOINIDS DIMOLITSA, ”autonomie et Kompetenz –Kempetenz” , Rev arb année 1998 N° Avril –Juin , p 321
ناصر بلعيد ” وضعية الهيئة التحكيمية في التشريع المغربي ” مرجع سابق ص 100 _ [5]
أنظر في هذا الصدد أنواع الحكم التحكيمي في الصفحة 3 وما يليها من بحثنا حول التحكيم الداخلي ” المنشور في الموقعالرسمي للتحكيم الوطني والدولي في المغرب ، تاريخ النشر 1 ماي 2015.marocarbitrage.com/index.php/droite-2 _[6]
الفقرة الثانية من الفصل 28-327 من ق. م.م [7]
هذا ما ذهبت هذا ما ذهبت إليه المادة 38 من قواعد الأونسيترال للتحكيم في فقرتها الثانية حيث جاء فيها :
” يجوز لهيئة التحكيم أن تجري تلك التصحيحات من تلقاء نفسها في غضون 30 يوما من تاريخ ارسال قرار التحكيم ” [8]
9 _تتفق أغلب التشريعات في هذا الصدد بما في ذلك نورد هنا المادة 792 من قانون أصول المحاكمات اللبناني حيث نصت على فيا :
” بصدور الحكم التحكيمي تخرج القضية عن يد المحكم ، ومع ذلك تبقى للمحكم صلاحية تفسير القرار وتصحيح ما يقع فيه من سهو أو أغلاط وإكماله في حالة إغفاله … ”
حيث جاء فيها : ” … تثبت الهيئة التحكيمية انتهاء المسطرة بواسطة حكم تحكيمي … _[10]
وقد نصت الفقرة الثانية من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي على نفس المقتضيات . _ [11]
– حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 1462 من قانون المرافعات الفرنسي والذي ينص على ما يلي :
« Un arbitre ne peut être révoqué que de consentement unanime des parties »[12]
13 حسب إجتهادنا فإننا نرى بأن المشرع قد احترام مبدأ رضائية الأطراف وجعلها سامية على وجود الكتابة من عدمها طالما كان الأطراف متفقين برضاهم عن عزل هذا المحكم[13]
د . جمال الطاهري ، النظرية العامة للالتزامات ، ص 25
أنظر ما وردنا بخصوص هذه الصلاحيات .. [15]
16 _ ينص الفصل 77 من ق.ل.ل على : ” كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ، ومن غير أن يسمح به القانون ، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر … ”
17- للتعمق أكثر في المسؤولية المدنية الناجمة عن التصرفات التعاقدية راجع د. عبد القادر العرعاري ، ” المسؤولية المدنية ” ، طبعة 2014 صفحة 35 وما بعدها
قد حدد الفصل 446 من القانون الجنائي الأشخاص الأمناء على الأسرار كما نص على العقوبات المقررة ضدهم في حالة إفشائهم لها [18]
مثل الأطباء والصيادلة والمحامين … [19]
مثل الأطباء والصيادلة والمحامين … [20]
إعداد: ذ /محمد بلكناش_طالب جامعي باحث في العلوم القانونية مسلك قانون خاص بجامعة محمد الأول الكلية المتعددة التخصصات بالناضور