الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة


الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة

مقدمة: سيرا على نهج الخطب الملكية نفسه باعتبارها خطبا من الجيل الجديد، كان الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان، خطابا قويا معلنا في طياته عن “ثورة إصلاحية كبرى ” على مستوى إحدى أهم القطاعات الإستراتيجية المعول عليها للوصول إلى مدارج الدول الصاعدة، ألا وهو القطاع الإداري، والذي ما فتئت منظومته تعاني من اختلالات جمة، جعلته قطاعا “معطوبا” ومهددا بالسكتة القلبية في كل وقت وحين، بالنظر إلى كونها اختلالات عميقة تقف عقبة كأداء أمام التنمية في شتى تجلياتها وتمس في الصميم صدق نوايا الإجراءات التحديثية للبنيات الإدارية القائمة؛ مما استوجب بالضرورة لتجاوزها القيام باصلاحات جوهرية وهيكلية. وذلك من منظورـ كما يؤكد الخطاب الملكي ـ “أن النجاعة الإدارية معيار لتقدم الأمم “، الشيء الذي يفرض التفكير الملي في تبني نمط جديد للتدبير الإداري، نمط يجعل من الإدارة رافعة حقيقية للتنمية الشاملة والمستدامة، وإلا فإن عكس ذلك سيشكل في المستقبل كابحا موضوعيا أمام طموح المغرب في الارتقاء الإيجابي إلى مصاف الدول السائرة بثبات نحو الصعود “الإداري” على وجه الخصوص. حيث يشير الخطاب نفسه في هذا الصدد إلى أنه “ما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن؛ فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان سيبقى ضمن دول العالم الثالث؛ إن لم أقل الرابع أو الخامس”. وبذلك فإن جوهر هذا الخطاب الملكي التاريخي هو الدعوة الصريحة إلى بناء صرح الحكامة الإدارية وضمان انتقالها السلس من حكامة إدارية “سيئة” إلى حكامة إدارية “جيدة”.
كثيرا ما يرتبط مصطلح الحكامة بالإدارة. فالحكامة الجيدة هي الإدارة الجيدة والتدبير الجيد، كما أن المؤسسـات الدولية كثيرا ما تستعمل مبدأ الحكامة الجيدة من أجل تحديد سمات وخصائص “الإدارة العمومية الجيدة”، التـي يمكن للدولة تبنيها للقيام بإصلاحات مرتبطة بعلاقتها بالمجتمع وما يكتنف في دواخله من عوالم. وعلى ضوء هذا الاستعمال تبرز الصلة الوطيدة بين الحكامة الإدارية والتنمية البشرية. فهذا النمط من الحكامة جزء أساسي لا محيد عنه من خطط التنميـة الحديثة، وإستراتيجية الحكامة الإدارية التي لا بد من الرفع بمبادئها، ما هي سوى إستراتيجية جزئية حتمية مـن إستراتيجية أعم وأشمل هي الإستراتيجية التنموية المستدامة بكل جوانبها الاقتصادية والثقافيــة والاجتماعية والإدارية والعلمية.. . حيث تشكل هذه الجوانب المتنوعة والمتعددة كلا متكاملا تتداخـل عناصره وتترابط محاوره وتتشابك مكوناته في علاقات متبادلة منسجمة وتفاعلية.
هكذا يبدو أن أبرز تجلٍ لقيام علاقة وطيدة بين الحكامة الإدارية والتنمية الشاملة ما حققتـه دول كثيرة لا تملك موارد -أو على الأقل تتسم على مستواها بالندرة – بيد أنها بفضل إدارتها الواعية والمتمكنة والمتسمة بالنجاعة والكفاية حققت نتائج ايجابية في نموها، ومن ثم ارتقت إلى درجات عالية من سلم التطور الحضاري (اليابان، ماليزيا، كوريا الجنوبية…).
إن المجتمع “الحي” و”النابض” يتطور بحاجاته وتكيفه مع البيئة التي ما فتئت تتبدل، وهذا يحتم بالضرورة على المؤسسات أن تتطور أيضـا، وأن تعمل جاهدة على تطوير نجاعة أداءاتها بحيث يلزمها الأخذ بممارسات سلوكية فضلى، تسنح لها بمواكبة التغير والتأقلم مع ما يحدث والاستجابة للمتطلبات الطارئة والملحة والمتجددة لشريحة عريضة من الأفراد داخل المجتمعات التي تقوم فيها ويتوطد عليها بنيانها.
وبشكل عام يمكن التأكيد أن كل سياسة جديدة ومرحلة جديدة تظل في أمس الحاجة ـ وفق رؤية متجددة ـ إلى رؤى إدارية جديدة ومتطورة وموارد بشريـة كفؤة ومتمكنة.
وقد حرصت سياسات الإصلاح الإداري في سائر بلدان المعمور على تلبية هذا الطموح وتغذيته بشكل ايجابي. فانطلاقا من الأهمية المتزايدة التي أصبحت تمثلها الإدارة العمومية؛ ونظرا للتحديات التي تواجهها في إطار تيار العولمة الجارف الذي أدى إلـى توجيه الإدارات العمومية نحو تقنيات جديدة للتدبير والتنظيم؛ أصبح الوعي الشامل بالحاجة الكبــرى للإصلاح الإداري من لدن أغلبية الدول مصحوبا بضرورة العمل العميق على تمتين عمـل الإدارة للتقدم من أجل مواكبة العولمة والشمولية والتنافسية(1). هذه المواكبة تعد بالنسبة للمغرب بمثابة منطلق فلسفة الإصلاح الإداري، والتي ينبغي أن ينظر إليها في إطار كلي. فنظرا لارتباط إصلاح الإدارة بإصلاح الدولة في ظل ما يسمى بالتحديث الإداري، لم يعد من الممكن الحديث عن إصلاح للإدارة في غياب إصلاح شامل يستوعب الدولة نفسه(2).
إن الإصلاح الإداري بالمغرب ليس مطمحا وليد اليوم؛ بل إن المغرب نهج سياسة الإصلاح الإداري منذ استرجاعه لاستقلاله؛ في محاولة حثيثة منه لتجاوز سلبيات وأعطاب الإدارة الاستعمارية والرفع من النجاعة والمردودية، عن طريق القيام بمجموعة من الإصلاحات على هذا الصعيد. هكذا أولت واهتمت مختلف مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب بالإصلاح الإداري كآلية سياسية لتحديث وعصرنة الإدارة المغربية، حيث أعطت أولوية خاصة لتحسين ظروف العمل الإداري ووسائله، ولكل ما يتعلق بأخلاقيات الوظيفة العمومية والاتصال المباشــر بالجمهور والإعلام، كما اهتمت بالجانب المسطري من خلال بعدين اثنين حاسمين، يتعلق الأول بتبسيط المساطر الإدارية والتخفيف من الإجراءات، فيما يهدف الثاني إلى تحسين العلاقة بيـن الإدارة والجمهور(3). كل ذلك يخلق نوعا من النمذجة “المثالية” بين تيمتي “الحكامة” و”الإصلاح الإداري”، باعتبارهما معا نتاجا خالصا للمسارات الإصلاحية المؤسساتية، أي أن للإصـلاح الإداري أدوارا تاريخية وتفاعلية ومؤسساتية تؤسس لإدارة الحكامة كإدارة “مواطنة” وكإدارة للتنمية البشريــة المستدامة، تتسم بكل خصائص التدبير الجيد من تخليق وشفافية وترشيد وعقلنة وانفتاح وتواصل وتبسيط وتحفيز… وغيرها من مميزات من شأنها أن ترتقي بالإدارة وتجعلها حقا مرفقا في خدمة المواطن وضمانُ احتياجاته وتلبية مطالبه، إدارة الحكامة الجيدة وما ينجم عنها من توفير سبل التطور وأسباب التقدم… في هذا السياق، يرى الخطاب الملكي أمام البرلمان في 14 اكتوبر2016 أنه وبعد انتهاء “الولاية التشريعية الأولى بعد إقرار دستور 2011؛ والتي كانت ولاية تأسيسية؛ لما ميزها من مصادقة على القوانين المتعلقة بإقامة المؤسسات؛
فإن المرحلة المقبلة هي “أكثر أهمية من سابقاتها، فهي تقتضي الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين، والدفع قدما بعمل المرافق الإدارية، وتحسين الخدمات التي تقدمها”. إنها المرحلة التي تموقع المواطن في صلب سائر الصيرورات التنموية وتجعله محور جل السياسات العمومية، خاصة تلك التي تجمع في كل واحد المواطن بالمرفق العمومي. فـ” الهدف -كما يؤكد الخطاب الملكي- الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة فإنها تبقى عديمة الجدوى؛ بل لا مبرر لوجودها أصلا”. وهنا ينبثق موضوع العلاقة الوثيقة التي ينبغي أن تجمع المواطن بالإدارة كموضوع بالغ الأهمية، كما تبرز ضرورة تحسين هذه العلاقة باعتبارها جوهر عمل المؤسسات. ويوضح الخطاب الملكي مختلف المرافق المعنية بهذه العلاقة كما يلي: “وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة، سواء أتعلق الأمر بالمصالح المركزية والإدارة الترابية، أم المجالس المنتخبة والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية. كما أقصد أيضا مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات، وحتى قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن كيفما كان نوعها، فالغاية منها واحدة، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه”. إن من شأن كل ذلك أن يؤسس بالفعل لصرح دولة الثقة التي تعطي لكل مواطن الحق في الاستفادة المنصفة والعادلة من خدماتها، وأن يرسخ الفكرة القائلة بأن الجهود المبذولة من مؤسسات الدولة المركزية واللامركزية واللاممركزة، هي اعتراف صريح وقوي بمحورية وكينونة المواطن وتموقعه الريادي في المصاف الأولى لكل سياسة عمومية “محوكمة”، ترفع شعار: “خدمة المواطن، هي جوهر التنمية المستدامة والشاملة”. وذلك كله من أجل ربح الرهان الذي يرنو إليه مغرب الحكامة بكل عزم وثبات، ألا وهو رهان الالتحاق بنادي الدول الصاعدة. أولا اختلالات منظومة الحكامة الإدارية:
ما فتئت منظومة الحكامة الإدارية بالمغرب توصف بكونها منظومة “مأزقية”، تحفها مخاطر الاختلالات من كل صـوب وحدب، كما تهيكلها اختلالات من نوع بنيوي، تجعل آلية التنميـة الإدارية آلية “معطوبة” والتصور الاستراتيجي لأنماط الحكامة الإدارية تصورا محدود الأفق.
إنه وعلى الرغم من أن الاختلال البنيوي كثيرا ما يرتبط بالأدبيات الاقتصادية كاختلال في نمط الاقتصاد الأجري (4) أو الاختلال البنيوي للسوق (5) لدى الاقتصاديين الكلاسيكيين(6)، فهو قد يمس أيضا مجمل القطاعات بما فيها الإداري. هنا تبرز الاختلالات كتيمات خاضعة للملاحظة، وكإبراز للتباعدات القائمة بين التصور المطلوب والواقع المُتسم بالتعقد(7). وعموما، فالانتكاسة من الناحية البنيوية هـي مرادفة للاختلال الذي يحيل على بنية تتسم بوقوف الحركة وتعثر الميكانيزمات(8). ويتمظهر ذلك بالنسبة للمغرب من خلال الاختلالات الإدارية التي ما فتئ يعاني منها، والتي تستدعي حوارا عميقا ونقاشا شفافا بين مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، من أجل صياغة ميثاق إداري تعاقدي يضمن نموا مستداما ويحقق التوازن بين المتطلبات الآنية وبين الأهداف المستقبلية، وهذا يمكن أن يتم عبر بلورة استراتيجية إدارية طموحة قد يستغرق تنفيذها سنوات، بيد أن نجاعتها ذات آثار ايجابية وعميقة على المدى البعيد. هكذا تظل الحكامة الإدارية تشكو من نقائص كبيرة وأعطاب كثيرة، وذلك على الرغم من بعض التطورات الظرفية والمحدودة، وهو مافتئ يتجلى أساسا في تفشي وتكريس مجموعة من الممارسات المسيئة للفعل الإداري الناجع وللإدارة كمرفق حيوي بالنسبة للمواطن، ومنها الرشوة والمحسوبية والزبونية… وذلك على الرغم من الإجراءات والتدابير والإستراتيجيات المتخذة، ومن بينها الإعلان عن ميثاق حسن التدبير وشفافية إجراء الصفقات العمومية، وإدخال قواعد متراصة في مجال حكامة الموارد البشرية، من قبيل المساواة والنزاهة والكفاءة والمردودية… والشروع في إصلاح القضاء وخاصة إنشاء المحاكم الإدارية والتجاريـة والمالية، واللجوء المتواتر والمتواصل إلى الافتحاصات والتدقيقات الضرورية في كل وقت وحين.
إن اختلال نمط الحكامة الإدارية بالمغرب برز عبر مساره التاريخي من خلال نزوع الإدارة نحو البيروقراطية ومراكمتها لجملة من الاختلالات والمعوقات، حيث يُجمع أغلب الباحثين على أن الإدارة المغربية ما فتئت تعمل بشكل سيئ، وبدل أن تكون قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أضحت تجسد عقبة كأداء أمامها، وهو ما استوجب بالضرورة العمل على إعادة النظر في طرق اشتغالها وإواليات سيرها، مع القيام بالإصلاحات الضرورية للرفع من قدراتها ونجاعتها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية حتى تستطيع مجابهة التحديات الراهنة ومواكبة الأحداث المتسارعة والإجابة على الإشكاليات المطروحة. ويرتبط بذلك الاختلالات المرتبطة ببعض الأنماط الإدارية من قبيل غياب البعد الاستراتيجي الخاص بالربط بين اللاتمركـز واللامركزية كدعامتين لترسيخ أسس تنمية محلية وبشرية مستدامة، وكذا الاختلال الجهوي وما ينجم عنـه من تنمية معطوبة، لها انعكاسات سلبية خطيرة على بلادنا(9). هكذا سنجد أنه إذا أرادت السلطات العمومية تبني سياسة واضحة لعدم التمركز، فإن ذلك يفرض التفكير جديا في إعداد استراتيجية موضوعية وهادفة، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين، وتؤدي أيضا إلى تنظيم إداري على المستوى المركزي والترابي من أجل تحقيق فعالية الإدارة، وبالتالي تحسين جودة المرفق العمومي(10)، خاصة إذا نظرنا إلى مستقبل اللامركزية كإطار للتنمية المحلية رهين بطبيعة تدخل الفاعلين المحليين، غير أنها تظل مع ذلك مطالبة بالتوفر على محاورين أكفاء على مستوى المصالح غير الممركزة من أجل ممارسة مهامها بطريقة عقلانية والقيام باختصاصاتها بشكل كامل. فلا يمكن لللامركزية ولا لللاتمركز أن ينجحا منفصلين أحدهما عن الآخر(11).
وإذا كانت الإدارة المغربية تعرف عددا من المشاكل والمعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية المنشودة، فإنه من خلال التقرير الذي أعده البنك الدولي في 15 شتنبر 1995 (12)، تم الوقوف بجدية على هذه المشاكل، حيث قال الملك الراحل الحسن الثاني في هذا الصدد: “… قرأت هذا التقرير، فوجدت فيه فصاحـة موجعة وأرقاما مؤلمة تجعل كل ذي ضمير حي لا ينام…”
وهذا التقرير وقف في الحقيقة على مجموعة من المشاكل التي تعاني منها الإدارة المغربية، -والتي مازال بعضها مستمرا في واقع الإدارة الحالية- ومن أهمها:
– وجود أنظمة عمل متقادمة ومتخلفة.
– بطء مسلسل اتخاذ القرار.
أ-تقادم الإدارة: هذا التقادم الذي حال دون تكيفها مع المهام الموكول إليها القيام بها، والمتمثلة على الخصوص في ضبط الأنشطة الاقتصادية ووضع علاقات جديدة مع القطاع الخاص ومع المواطنين من أجل تطبيق القرارات، بدل التدبير المباشر لهذه الأنشطة. ولقد حدد البنك مواصفات التقادم بالإدارة المغربية في:
-عقم طرق التسيير داخل الإدارة المغربية: فالوظيفة العمومية ـ حسب التقريرـ تتميز بوجود فائض في عدد الموظفين، إضافة إلى انعدام فعالية الجهاز الإداري في توزيع مناصب الشغل، وهذا الفائض مرده إلـى أن الوظيفة العمومية استُخدمت لمكافأة المناضلين من أجل الاستقلال، وكذا امتصاص جزء من البطالة.
وهكذا سنجد أن توزيع الأعوان بين القطاعات والوزارات المركزية وإدارتها المحلية لا يتبع تطـور الحاجيات، وهذا ما خلق نقصا وظيفيا في بعض القطاعات. وإضافة إلى ما سبق هناك مشاكل أخـرى تتعلق بـ:
– نقص الشفافية فيما يخص أجور الموظفين.
– هبوط المعنويات بسبب غياب المشاركة في ميكانيزمات وضع القرار.
– تفشي ظاهرة الرشوة.
– عدم وجود نظام تشجيعي للأجور والترقيات.
-المساطر المالية جامدة وغير شفافة: وهذا الجمود والانعدام في الشفافية حدده التقرير فيما يلي:
– إن مسطرة صرف الميزانية جد معقدة وبطيئة.
– المراقبة اللاحقة تعاني من الضعف ولا تؤدي دورها في القيام بتقييم للسياسات العمومية.
– الارتجال في اختيارات الاستثمار.
– انعدام روح المبادرة بسبب الرغبة في تجنب عمليات المراقبة.
ومن ثم سنجد أن العنصر البشري في الإدارة يعاني من عدة صعوبات، مما يحول دون تحقيق التنمية البشرية المطلوبة(13).
وتجدر الإشارة في ختام الحديث عن مظاهر التقادم في الإدارة المغربية إلى ملاحظة تتعلق بالشكوى التي عبر عنها المستثمرون تجاه العراقيل البيروقراطية.
ب-ضعف مسلسل اتخاذ القرار: أما بطء مسلسل اتخاذ القرار في الإدارة المغربية فيمكن استنتاجه من خلال:
-كون الإدارة المغربية تعاني من مركزية مفرطة:
وذلك يتضح من خلال ما يلي:
– تجمع سلطة اتخاذ القرار والقيام بالمهام بين أيدي بعض الوزارات، مما يؤدي إلى غلبة توجيهات موظفيها على موظفي باقي الوزارات، وهذا يسحـب المسؤوليات من يد الوزارات الأخرى.
– تعدد المتدخلين على مستوى اتخاذ القرار وضعف التنسيق(14)، ومن ثم تشتتهم.
– مركزية داخلية بالوزارات، وهذا ناتج عن انحسار عملية تفويض التوقيع.
– مركزية بين الدولة والجماعات المحلية، وذلك بسبب عدم قدرة الجماعات المحلية على السيطرة علـى مواردها من جهة، وضعف القدرة المؤسساتية للجماعات من جهة أخرى.
-كون هياكل الوزارات في حاجة إلى مراجعة:
حيث إن هذه الوزارات تعاني بشكل كبير من تضخم الهياكل والبنيات، ومن ثم ضرورة تحديد المسؤوليات بين الوزارات بخصوص مستويات الاختلالات المطروحة، وكذا ضرورة مراجعة الهياكل الإدارية بهدف إقصاء الزوائد والاكتفاء فقط بما هو ضروري(15). والملاحظ أن عملية إصلاح الهياكل الإدارية في المغرب غالبا ما تتم بدون تخطيط عام مسبق دقيق ومنتظم، بل تتم في أغلب الأحيان كرد فعل لمواجهة بعض المشاكل الظرفية الطارئة، ومن لدن مبادرات فردية لبعض الوزراء، مما يفتح المجال أمام تشكيل إدارات متداخلة، وهو ما يبين بوضوح الطابع المتشابك والمعقد لهذه الهياكـل، وازدواجية المهام التي تضطلع بها، حيث نجد بعض الوزارات والأجهزة مسؤولة عن القطاع نفسه، وبمقابل ذلك نجد فراغا في بعض المسؤوليات(16). من جهة أخرى تم تشييد النظام الإداري المغربي وفق نظرة موحدة وممركزة، وهي خاصية مميزة للنظام البيروقراطي. وبهذا الصدد فإن الانتقادات الموجهة ضد الإدارة كثيرة: فهي منغلقة على نفسها، معقدة، بطيئة، ولها زيادةً على ذلك نزوع طبيعي للمراقبة عوض التجديد والابتكار. وهكذا أصبحت صورة الإدارة والموظف لدى العموم سلبية بشكل عام، وقد تمت صياغة هذا الحكم على قاعدة مجموعة من التصورات المعيشة والمرصودة، حيث إن الأدبيات الصحافية والمواقع الإلكترونية الإخبارية ومنتديات التواصل الاجتماعي غزيرة في الموضوع وتنقل يوميا -أحيانا بالصوت والصورة- مشاهد إدارية للصعوبات التي يصادفها المواطنون في علاقتهم مع الإدارة.
إن كل هذه المؤاخذات على الإدارة المغربية عجلت بضرورة تبني سياسة للإصلاحات الإداريـة، إلا أنها لم تكن عامة وشاملة، بل إن منهجيتها تميزت بالنظرة الجزئية القطاعية، حيث تم إجراء بعـض الإصلاحات المحدودة، كالتصحيحات الهيكلية، وما يرتبط بها من توزيع للصلاحيات والمسؤوليات، وتصنيف وتقييم الوظائف وتحديد مهامها، ووضع حوافز موضوعية ووسائل للمحاسبة والمراقبة، وتحسين طرق الاختيار والترقية والتكوين، يظل إصلاحا إداريا محدودا، وكل هذا يوضح ضآلة النتائج المحصل عليها. ناهيك، على أن محاولات الإصلاح الإداري في كثير منها، كانت كرد فعل لمواجهة بعض المشاكل والمآزق والاختناقات الإدارية، وكثيرا ما يتمحور هدفها حول تبسيط الإجراءات، دون أن تتطرق إلى أهمية إحداث تغيير في السلوك الإداري، وبطبيعة الحال فإن إحداث تغيير في السلوك الإداري مرتبط ببرنامج أوسع يتناول تغيير السلوك على الصعيد المجتمعي(17).
وعموما، فإن تلك الإصلاحات – الإدارية – لم تكن مبنية على دراسات وأبحاث علمية مضبوطة ومحبوكة، على اعتبار أن هاجس السلطة السياسية، كان بالأساس هو إرساء بنيات إدارية وإصدار نصوص قانونية جديدة وإصلاح القديم منها، دون التفكير في استراتيجية وطنية لتحديث الإدارة العمومية(18).
وباختصار، فالعلاقات بين الإدارة العمومية والمواطنين قد عرفت اختلالات وسوء تفاهم، على الرغم من أوجه التقدم الملموس في مجال تبسيط المساطر وحرية التعبير السياسي(19). إن ما سلف ذكره، على مستوى سوء الحكامة الإدارية واختلالاتها سيبلوره في إطار تشخيصي ونقدي الخطاب الملكي في 14 أكتوبر2016 كما يلي: ضعف في الأداء وفي جودة الخدمات، التضخم، قلة الكفاءة، غياب روح المسؤولية لدى الكثير من الموظفين، سيادة الثقافة القديمة، غياب المردودية، ضعف حس المسؤولية في القيام بواجب خدمة المواطن والحرص على مساعدته، عدم تفاعل الإدارة مع شكايات وتساؤلات الناس، عدم تبرير وتعليل القرارات، تعقد قضايا نزع الملكية والتعويضات المرتبطة بها، طول وتعقيد المساطر القضائية، عدم تنفيذ الأحكام وخاصة في مواجهة الإدارة، عدم تسديد الإدارة ما بذمتها من ديون للمقاولات الصغرى والمتوسطة، غياب دعم وتشجيع هذه المقاولات، الشطط في استعمال السلطة والنفوذ ، تعقيد المساطر، طول آجال منح بعض الوثائق الإدارية، عدم إخبار المواطنين بالأخطاء، التي تقع في الوثائق، بسبب غياب آلية لمتابعة الملفات، التعقيدات الإدارية التي يتطلبها تصحيح أي خطأ، غياب التنسيق بين الإدارات المعنية، مما يعطل عملية تسليم الوثائق، مشاكل تطبيق مدونة الأسرة، تعقيد الأمور على المستثمرين وتكبيلهم بسلسلة من القيود والعراقيل، عدم جدوى ونجاعة الشباك الوحيد الخاص بالمراكز الجهوية للاستثمار… ويمكن إجمال مختلف هذه الاختلالات والأعطاب الإدارية في كون العلاقة بين الإدارة والمواطن – كما يؤكد الخطاب الملكي دائما- “أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب”.
هكذا عمل الخطاب الملكي في مرحلة أولى على تشخيص دقيق للأمراض الكثيرة التي تنخر جسد الإدارة المغربية، ولينتقل في مرحلة ثانية إلى اقتراح الوصفة الدوائية الناجعة والقمينة بتقديم العلاج المناسب لمجمل هذه الأمراض الفتاكة.
ثانيا، علاجات منظومة الحكامة الادارية وبناء دولة الثقة :
‎ يخص المفهوم الجديد للسلطة قضية ميدانية تتجلى في تصحيح العلاقة بين المواطن والسلطة، وذلك ما تأكد في جل الخطابات الملكية بخصوص المفهوم الجديد الذي يرمي إلى “مصالحة المواطن مع السلطة والجهاز الإداري”(20). فلو أمعنا النظر جليا في السلطة والجهاز الإداري لوجدنا أنهما يشكلان أكبر جزء من المشاكل التي يواجهها المواطنون، والدليل على ذلك هو الشعور بالغربة والابتعاد الذي يحس به الكثير من المواطنين تجاه تلك الإدارات، والشعور كذلك بعدم الثقة ووجود العواقب الخانقة التي يفرضها السلوك البيروقراطي(21).
إن هذه الملاحظة كثيرا ما ارتبطت بتطور الجهاز الإداري المغربي، والذي ما فتئ يقوم – حسب تقرير الخمسينية- بدور متذبذب من خلال مساره الكرونولوجي، فقد لعبت الإدارة المغربية على مدى الخمسين سنة ما بعد الاستقلال دورا ملحوظا، فقد أثبتت فعاليتها في ميادين كثيرة، وظلت لمدة طويلة الفاعل الأساسي الوحيد في التنمية، كما ظلت في منأى عن التوترات السياسية، مما سمح بالاستمرارية فـي ورش التنمية وبناء اقتصاد البلاد، ومع ذلك لم تنشغل الآلة الإدارية بالفقراء، على الرغم من أنها كانت الفاعل الوحيد في التنمية البشرية، وإن كانت قد أبانت عن قدرتها على تشييد السدود والطرق والقناطر والطرق السيارة والمطارات وغيرها من المنجزات المختلفة، فإنها قد قصرت على مستوى الإنصات والحـوار والقرب وتفويض المسؤولية والمبادرة، وهذه المهام أكثر تعقُدا وتشعبا بطبيعتها وتتطلب تعديل القرارات حسب الأوضاع الخاصة للمجالات التي تعيشها الساكنة، كما تستدعي ملاءمة السياسات العمومية مــع المحيط المحلي أو مع انتظارات مختلف المستفيدين، وكذا تشجيع الساكنة المعنية على اتخاذ المبادرة بدل التقوقع في مجموعة من القواعد والمساطر المتصلبة(22). إن كل ذلك يفرض توفير العلاقة بين الدولـة والمواطن للمزيد من الثقة، باعتبار هذه العلاقة ما تزال مشوبة بالغموض، فعلى الرغم من التقدم الهائل منـذ بداية التسعينيات من القرن السابق فيما يتعلق بحقوق الإنسان وإحداث هياكل استشارية مرتبطة بها، وعلى الرغم من مسلسـل المصالحة الذي أطلقته هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى الرغم من الانتهاج الفعلي لمفهوم جديد للسلطة، فإن المواطن ما زال يشعر ببعض التحفظ إزاء المرافق العمومية، كما أن المواطن لم يضع دوما ثقته فـي الدولة، وهذا الواقع يعرف بعض التغيير اليوم. وبهذا الصدد، يتحمل ضعف نجاعة الإدارة جزء مـن المسؤولية، إلا أن الثقة المحدودة في مفعول المبادرة العمومية نتيجة تردد الاختيارات الحكومية هـي المقصود بالفعل، وهكذا فقد تعب المواطن – كما يرى ذلك تقرير الخمسينية – من كثرة المشاريع غيــر المنجزة ومن البرامج الكبرى، التي ظلت حبيسة الرفوف، ولقد تغذى تشكك المواطنين بالهوة الملاحظة في الميدان بين جودة القوانين الصادرة وبين محدودية تنفيذها، بالإضافة إلى اللجوء المتواتر إلى تأثـير الإعلانات المعبر عنها. إن كثرة الوعود العمومية أدت على ما يبدو إلى إضعاف العمل العمومي(23).

أنظر تتمة الموضوع

Admin
Admin
عدد المساهمات : 2680
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة Empty 

مُساهمة  Admin في الأربعاء أكتوبر 04, 2017 4:10 pm

إن هذا التشخيص لواقع الإدارة المغربية من خلال مساراتها، يبرز مدى حرصها على الاتسـام بطابع النجاعة، وبالتالي التبلور كإدارة ثقة في علاقاتها بالمواطنين. ولن يتجسد ذلك إلا بالحرص علـى تكريس خصائص الحكامة الإدارية وأخلاقيات المرفق العمومي وتبني استراتيجية لنشر الثقة، من أبرز سمـاتها:
أ-الترشيد والعقلنــة:
إن عملية الترشيد والعقلنة لها أهمية بالغة في جميع المجالات من حيث القيام بإجراءات متكاملة وشاملة(24). في هذا الصدد تمثل هذه العملية مكانة رائدة في الحكامة الإدارية لمواجهة ندرة الموارد وازدياد الحاجيات، فالإدارة مدعوة فيما يخصها إلى التفاؤل وعقلنة التدبير العمومي، هذه العقلنة تأتي كحلقة في مسار الإصلاح الإداري باعتبارها محورا أساسيا من محاور هذا الإصلاح الذي تعرفه المنظومة الإدارية، وكذا كمعيار لقياس الجهود الواجب بذلها للوصول إلى تدبير عمومي جيد(25). ويأتي على رأس هذه الجهود تثمين الموارد البشرية، من منطلق أن المسار التحديثي للإدارة المغربية سيبقى رهينا ووثيق الصلة بمستوى النهوض بمنظومة المـوارد البشرية، من خلال تعزيز كفاءاتها والرفع من مستوى أدائها وتدعيم قدراتها على التدبير والابتكار، وعلى أساس هذا الوعي بما يجب أن تحظى به مسألة تنمية الطاقات البشرية للإدارة العمومية مـن عناية كاملة، وبما ينبغي أن يحتله تأهيل العنصر البشري في مسار الإصلاح والتحديث من مكانة متقدمة، فقد جعلت الحكومة(26) في نطاق برنامج عملها من تثمين الموارد البشرية مرتكزا أساسيا للحكامة الجيدة، وهو البرنامج الذي يسعى إلى إحداث تغييرات جوهرية في طريقة تناول القضايا التي تهتم بها الإدارة وفي أنماط وآليات التدبير التي تتبعها في نطاق اضطلاعها بما هو موكول إليها من مهام، وذلك في أفق تأهيل الإدارة تأهيلا كاملا يجعل منها إدارة مواطنة، فعالة وشفافة ومسؤولة وقريبة من انشغالات المواطنين ومقدمة لخدماتها بأحسن جودة وبأقل تكلفة(27)، الشيء الذي يجعلها تضمـن أسس الترشيد المعقلن لتدبير الموارد البشرية، وكذا ترسيخ كفايتها وفعاليتها، خصوصا أن رصيد الإدارة يكمن بالأساس في جودة وكفاءة مواردها البشرية، وتأهيل هذه الموارد وتحفيزها، وكذا عقلنة تسييرها. وهنا يأتي أبرز مجال من مجالات الحكامة الإدارية وهو التأثير على الموارد البشرية، وذلك عن طريق إعادة النظر في وظيفة وتنشيط وتسيير وإدارة الموارد البشرية، والتي تختم بإجراءات ما قبل التعيين وسياسات التعيين، وحتى التقاعد، مرورا بالتكوين والإعداد والتأهيل والتحفيز والتقييم. وتهدف عملية التأثير على الموارد البشرية التأثير في العادات والقيم من أجل زيادة الكفاءة أساسا، (28) وهي الكفاءة التي تتبلور في عمل الإدارة اليومي بكل طاقاتها التي تشكل ضمانة أساسية لفاعلية المرافق العمومية.
هذا، ويبدو أن سياسات تدبير الموارد البشرية ظلت في مجملها متفككة وغير متكيفة مع واقع الحـال والمتطلبات. فعلى مستوى الأهداف يجب وضع استراتيجية حقيقية لتحفيز الطاقة البشرية العاملة بالإدارة، لأجل هذا يتعين وضع تدبير توقعي جيد وفاعل وعصري داخل الإدارة، سواء أبالنسبة للوظائف أو لمُدد العمـل يضمن الالتحام والتماسك بين تطور مهام الإدارة وتأهيل الموظفين وحركيتهم، وفضلا عن ذلك فـإن التكوين المستمر وتحسين تأهيل الموظفين يجب أن يلعب دورا رئيسا كأداة مفضلة لتحفيز الموارد البشرية وضمان إنتاجيتها من أجل تحقيق النتائج المرجو الوصول إليها. وهكذا يمكن تحديد الأولويات والأهداف في كل إدارة عمومية انطلاقا من تصور تطور المهام والوظائف وتحليل للحاجيات المعبر عنها من لدن المواطنين والموظفين العاملين بها. زيادة على أن التكوين الميداني يتعين أن يوجه نحو الأهداف التطبيقية، والتحولات الملموسة لأوضاع العمل، والتي يجب تنميتها موازاة مع ازدياد الحاجيات.
من جهة أخرى، فإن أي سياسة واقعية لتقييم مردودية الموارد البشرية لا تأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحفيز حقيقي مناسب لتلك الموارد على أساس خطة متماسكة وعقلانية، الهدف منها دعم المهنية إضافة إلى أجر عادل ومشاركة في مسلسل اتخاذ القرار في نظام كامل يقضي بتفويض الاختصاصات، وتحـمل المسؤوليات، لن تحقق النتائج المرجوة منها(29).
وفي تقييمنا لسياسة الحكامة الإدارية بالمغرب وتمظهراتها الكثيرة نجد أنفسنا أمام سياسة توقعيـة، ذات رؤية إستراتيجية، تجعل من الموارد البشرية وعقلنة تدبيرها منطلقا لها. في هذا الصدد أتت تجربـة المغادرة الطوعية لتجسد بالملموس الرؤية الإصلاحية في هذا المستوى التنظيمي. فما مدى مساهمة هذه التجربة في بلورة عقلنة التدبير العمومي وترشيد اختياراته؟
فَوَعْيا من الحكومة بالأهمية التي يمكن أن تترتب عن معالجة تضخم أعداد الموظفين وتصحيح سوء توزيعهم الجغرافي والقطاعي قررت اعتماد منظور جديد لعملية “المغادرة الطوعية من الوظيفـة العمومية”، وتشكل هذه العملية التي اصطلح على تسميتها “انطلاقة” بداية لأوراش تحديث الإدارة(30).
وقد تم تدبير هذه العملية من خلال مرجعية قانونية تمثلت في عدة نصوص قانونية(31). فأثناء الإعداد للعملية تم اعتماد خمس قواعد مبدئية جسدت الخصائص التالية: الطابع الإرادي والاختياري للمرشح، والطابع الاستثنائي(32).
إن المغادرة الطوعية هي عملية تقاعد مبكر عن العمل لموظفي الدولة المدنيين، الذين لم يبلغوا السن القانوني للتقاعد، المنخرطين في نظام المعاشات المدنية. وتندرج في إطار البرنامج الحكومي المتعلق بتحديث الإدارة العمومية، والرامي إلى تطبيق سياسة جديدة لعقلنة تدبير الموارد البشرية والتحكم في كتلة الأجور والرفع من مردودية القطاعات العامة(33).
إن عملية المغادرة الطوعية حدث اقتصادي هام في مسار الإصلاح الإداري نتج عن ترجمته على أرض الواقع تحقيق بعض الأهداف المسطرة تجلى أهمها في تقليص تكاليف التسيير كنتيجة لخفض نسبة الأجور، تقليص الفائض المسجل على مستوى الجهات، وأيضا على مستوى بعض الأسلاك والقطاعات، وهو ما ساعد على إعادة هيكلة بعض القطاعات بهدف تجميع أو حذف بعض الوحدات الإدارية، وبالــتالي إعادة تنظيم الإدارة بصفة عامة(34).
وعموما فأهداف عملية المغادرة الطوعية قد تم بلوغها، ولم تُخِلَّ بتوازن الوظيفة العمومية بل كانت لها آثار إيجابية على هيكلة الموارد البشرية وعلى تدبير أعداد موظفي الإدارة، نظرا لكون العملية فـي تصورها قد تركت للإدارات كامل الصلاحية في الموافقة على الطلبات المقدمة أو رفضها (35)، كما أن العملية ـ وكإجراء تقني ـ ساهمت في تحقيق دورة النخب الإدارية عبر السماح لفعاليات إدارية أخرى شابّة للظهور والتعبير عن آرائها وطموحاتها في التسيير الإداري(36)، وذلك على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي سايرت أوتبعت هذه العملية.
وبخصوص التكلفة المالية الإيجابية لهذه العملية، فقد وصل الربح المالي المحين لها حوالي 17.000 مليون درهم، مع أخذ الانعكاسات المالية على الصندوق المغربي للتقاعد وعلى المحاصيل الضريبية بعين الاعتبار، كما تم التحكم في كتلة الأجور وفي النفقات العمومية وضبط تطورها في مستويات معقولة تنسجم مع الإمكانيات المالية.
إن الإدارة اليوم في وضعية تمكنها من الاستفادة بشكل أفضل من الديناميكية الجديدة التي خلقتها عملية المغادرة الطوعية، والتي تعتبر مدخلا لمختلف الإصلاحات التي ينبغي إنجازها، ونقطة انطلاقـة لبرنامج التحديث ولمقاربة إشكاليات تدبير الموارد البشرية داخل الإدارة(37).
وهكذا فغائية عملية “انطلاقة” هي تبني نظام عقلاني ومتوازن لتوزيع الموارد البشرية في الإدارات العمومية على المستويات الجغرافية والقطاعية والتراتبية الإدارية.
وقد جسدت عملية المغادرة الطوعية هذه الغائية، على الرغم من بعض السلبيات التي شابت هذه العملية، (38) حيث إن هذه هذه العملية ـ وككل إصلاح ـ قد عرفت بالطبع بعض النقائص، التي ترجع إلى حجمها وتعقيداتها، وتتعلق بتدبير حالات قليلة جدا في بعض القطاعات(39).
هكذا يبرز تأهيل الموارد البشرية كالتزام في إطار المبادئ الكبرى لميثاق حسن التدبير، وكاستراتيجية حكومية شاملة للرفع من قدرات هذه الموارد وتدبيرها والحرص أيضا على ملاءمة بيــن المهام والكفاءات وتدبير الحياة الإدارية للموظفين تدبيرا أحسن وتحفيزهم. من هذا المنظور حرصت الحكومة في إطار الاستراتيجيات المتبناة من لدن وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، على التوسل ببرنامج عمل يرمي إلى إنجاز عدد من المشاريع والاجراءات الهامة، ومنها أساسا “إدخال إصلاحات هيكلية وشاملة وعميقة على منظومة الموارد البشرية من خلال تقوية الإطار المؤسساتي واعتماد مناهج حديثة في التدبير تأخذ بعين الاعتبار مفاهيم الوظائف والكفاءات وتقييم الأداء وتثمين التكوين المستمر واعتماد الكفاءة والاستحقاق والشفافية في ولوج الوظائف العمومية ومناصب المسؤولية” – كما يوضح ذلك تقرير صادر عن أهم المنجزات والإصلاحات لوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، خلال الفترة الممتدة من 2014 الى 2016 – وكل ذلك سيترسخ عبر تثمين الموارد البشرية لمبدأ ترشيد وعقلنة التدبير العمومي. هذا الأخير لا يمكن أن يتم دون إعادة النظر في حجم وتنظيم الإدارات المركزية والمصالح الخارجية من أجل التخفيف من الحضور الكثيف لهياكلها المعقدة، وذلك بغية ملاءمة عملية تنظيم الإدارات مع حاجياتها الحقيقية والاحتفاظ بالمصالح والوحدات الضرورية لممارسة مهام الدولة وتنظيم شؤونها، وكذا تسهيل وتبسيط المساطر الإدارية التي تعتبر مرتكزا أساسيا لأجل تحديث التغيير داخل الإدارة وتجديد بنياتها، وشرطا أوليا لا محيد عنه لتحسين علاقاتها بالمجتمع وتطويرها على المدى البعيد.
إن أي إصلاح إداري لا يأخذ بعين الاعتبار مختلف أبعاد وعناصر العملية الإدارية، مآله أن يصبح مجرد حبر على ورق. وهذا يَصدق على ميثاق حسن التدبير، والذي نجده يلتزم بعقلنة وتدبـير الموارد البشرية، إذ للعنصر البشري التأثير نفسه على العملية الإدارية مثل باقي عناصر الإدارة الأخرى كالعنصر المالي والقانوني والتنظيمي… وبدَهي أن الاهتمام بهذا الجانب ضمن ميثاق حسن التدبير لم يكن وليد اللحظة؛ بل ثمرة مسلسل طويل عرف فيه هذا الاهتمام تطورا تصاعديا. هذا الاهتمام يعززه قدرة العنصر البشري على التأثير سلبا وإيجابا في نتائج العمل الإداري، ومن ثم تحقيق الإدارة لأهدافها أو عدمه.
ولتحقيق أغراض عقلنة الموارد البشرية ينبغي إحداث مصلحة للرقابة داخلية داخل الإدارة العمومية تتولى عملية تقييم الأداء ومراقبة الاختلالات، مما سيؤدي الى الحماية والحفاظ على المال العام وتحسين مساطر التسيير وسير المعلومات داخل الإدارة(40). في هذا السياق يرى الخطاب الملكي أمام البرلمان لـ14 أكتوبر2016 ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم لحكامة الموارد البشرية، “فالوضع الحالي يتطلب إعطاء عناية خاصة لتكوين وتأهيل الموظفين، الحلقة الأساسية في علاقة المواطن بالإدارة، وتمكينهم من فضاء ملائم للعمل، مع استعمال آليات التحفيز والمحاسبة والعقاب”.
إن تثمين الموارد البشرية يعتبر جزءا من منظومة عقلنة التدبير العمومي وترشيده، إلا أنه لوحده لا يكفي في إنجاح صيرورة الإصلاح، إذ ينبغي القيام بخطوات أخرى لتحقيق ذلك، من قبيل:
– ترشيد النفقات والمصاريف: عبر تخفيض الاعتمادات المرصودة للعتاد، وبناء الأماكن الإدارية، ومصاريف الاستقبال والمهام بالخارج وغيرها، واتخاذ تدابير هيكلية تهدف إلى التحكم بصورة دائمة في النفقات العمومية.
– تنمية عمليات تدقيق الحسابات المبرمجة والتحليل المؤسساتي من أجل إعادة هيكلة الإدارة (1).
إن كل خطوات العقلنة والترشيد تصبو لإبراز نـوع من الولاء الإداريune fidélité administrative، وهنا توجد الإدارة في وضعية تتجاوز الولاء الشعوريune fidélité sentimentale ، ولتصبح غائيتها الانشغال بتحقيق المصلحة العامة(42)، وهي الغائية التي تظل في أولويات سياسة الإصلاح الإداري، والتي يجب على المجهودات المبذولة لتحقيقها، ألا تقتصر على تطوير وعقلنة بنيات الإدارة وتحسين مناهجها وطرق عملها وإواليات اشتغالها( من قبيل، المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مَأسسة الأدوات الحديثة لتدبير الموارد البشرية بما فيها التكوين والتقييم والتوظيف حسب الاستحقاق، التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، إرساء الإطار التنظيمي للحركية ونقل الموظفين المنتمين إلى الهيئات المشتركة بين الوزارات، تبني التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، ضبط التعيين في المناصب العليا، إلغاء التوظيف المباشر واعتماد التوظيف بالمباراة، إرساء قواعد الاستحقاق والمساواة والشفافية في الولوج للوظيفة العمومية والتعيين في مناصب المسؤولية، إصلاح نظام المعاشات المدنية، مناهضة ظاهرة التغيب غير المشروع عن العمل…) وإنما ينبغي أيضا توخي إدماج الإدارة العمومية في دواخل وسطها الاجتماعي كشرط ضروري لخلق بيئة مواتية للاستثمار والتنمية الاقتصادية الشاملة والمندمجة.
ب- إيلاء أهمية قصوى لمبدأ التواصل: فالتواصل كمعيار من معايير الإدارة المواطنة، هو الحلقة المفقودة في النشاط اليومي للإدارة، على الرغم من أنه أهم نشاط تمارسه يوميا. ويتأكد هذا التواصل سواء أداخل الإدارة أم مع محيطها الخارجي. وعلى صعيد الإدارة، فيقصد بالتواصل تجميع البيانات والمعلومات الضرورية لاستمرار العملية الإدارية ونقل تلك المعلومات وتبادلها أو نشرها، بحيث يتأتى لشخص أو مجموعـة أشخاص إحاطة الغير بقضايا معينة أو إطلاعهم على أخبار أو معلومات جديدة أو التأثير في سلوكهم، وإن اقتضى الأمر الوصول إلى تغيير وتعديل في هذا السلوك(43).
وبالنسبة للتجربة المغربية، فإن أغلب المصالح الإدارية لا تجيد التواصل مع المواطنين أو المقاولات، ولا تخصهم بالتالي باستقبال يليق بهم كمتعاملين معها، يعتبرون أساس وجود هذه المصالح، وهكذا تكون علاقة الإدارة بالمواطنين علاقة يطبعها النفور وانعدام الثقة(44).
ولتجاوز ذلك، ونظرا لأهمية التواصل بهدف خدمة المصلحة العامة وتلبية حاجيات المواطن وإعادة ثقته في الإدارة، نجد ميثاق حسن التدبير يجعل من التزام الإدارة بالتواصل مع محيطها والتشاور مع المتعاملين معها والانفتاح عليهم(45)، أحد منطلقاته التوجيهية وركيزة صلدة من ركائزه الأساسية. كما أن الحديث عن انغلاق الجهاز الإداري لا يعني بالضرورة كون الإدارة منقطعة تماما عن محيطها الاجتماعي وغياب أي اتصال، فالإدارة لا يمكنها أن تعيش دون أدنى علاقة وارتباط بالخارج(46). لعل من أبرز محاور الإصلاح الإداري تحسين علاقات الإدارة بالمقاولات والمواطنين، أي بناء جسر الثقة بين أبعاد هذه العلاقة الثلاثية الهرمية، ولن يتم ذلك إلا عبر تفعيل أساليب التواصل وانفتـاح الإدارة على محيطها الداخلي والخارجي.
من هذا المنطلق، فتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطنين والمقاولات، هو الشرط الضروري لخلـق بيئة مناسبة للاستثمار والنمو، كما يشكل جزءا أساسيا من التوجهات الاستراتيجية التي حددها ميثاق حسن التدبير، والتي تسمح بضمان مستوى أكثر توافقا لتطبيق جيد لمبدأ القرب(47). ولتكريس ذلك؛ يجعل ميثاق حسن التدبير من التزام الإدارة بالتواصل مع محيطها والتشاور مع المتعاملين معها والانفتاح عليها أهم المبادئ التي ينبغي نهجها للرفع من قدراتها التمكينية، وذلك باعتبار المرتفق صاحب حق في الوصول إلى المعلومات من منطلق أن مواطنته أساس الحكم في المجتمعات الديمقراطية(48). في هذا الإطار أتى مشروع قانون عدده 31.13، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات – والذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 20 يوليوز2016 – والذي يندرج في إطار تنزيل مقتضيات الفصل 27 من الدستور الجديد، والذي ينص على أن “للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. كما أضاف أنه لا يمكن تقييد الحق في المعلومات إلا بمقتضى القانون بهدف حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، الحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”. ومن شأن هذا القانون تحقيق جملة من الأهداف –كما يرى ذلك تقرير صادر عن أهم المنجزات والإصلاحات لوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2016- من قبيل تعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، دعم قواعد الشفافية وانفتاح الإدارة على المواطنين، تقوية مبادئ الحكامة الجيدة والمساءلة ومحاربة الفساد، وترسيخ المكتسبات الديمقراطية المهمة التي أخذت تتقوى يوما عن يوم ثقافةً وممارسةً.

أنظر تتمة الموضوع

Admin
Admin
عدد المساهمات : 2680
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة Empty 

مُساهمة  Admin في الأربعاء أكتوبر 04, 2017 4:12 pm

إن أهم الانتقادات الموجهة للإدارة غالبا ما يكون مصدرها انكماش الإدارة على نفسها وعجزهـا عن التواصل مع محيطها والإنصات لانشغالات المتعاملين معها.
وقد يؤدي هذا الوضع إلى استفحال ظواهر سلبية، تتمثل على الخصوص في اللامبالاة إزاء مصالـح المواطنين وسوء استقبالهم وإرشادهم. وفي أفق تجاوز هذه السلبيات ورغبة في إرساء العلاقات بين الإدارة ومحيطها، فإن الميثاق يؤكد على ما يلي:
* اعتبار التواصل ركنا أساسيا في عمل الإدارة، وذلك بإشاعة ثقافة الإرشاد والحوار والتشاور على نطاق واسع داخل الجهاز الإداري، مما يتيح للإدارة تحسين علاقاتها مع محيطها ويوفر لها شروطا أفضل لاتخاذ قراراتها وتطبيقها.
* جعل حسن استقبال المواطنين وإرشادهم وتوجيههم من الانشغالات المركزية للمصالح الإدارية، والحرص على تقيد كافة العاملين بالإدارة بهذا التوجه.
* إقرار مبدأ التشارك والانفتاح على مشاكل وتطلعات الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين للمقاولة في مجال التواصل.
* تبني مبدأ الشفافية في عمل الإدارة بغية تعزيز روابط الثقة بينها وبين المجتمع(49).
ويعتبر تبني مبدأ الشفافية هنا بمثابة إبراز لوظيفة الحكامة الإدارية الأولى، وهي وظيفة الرفــع، خاصة الرفع من قدرات الفاعلين الذي يتجسد أكثر على المستوى المحلي(50). فصيرورة الارتقاء بالحكامة، يجب أن تصاحَب بتقوية الأدوات الجديدة التي تمكن هؤلاء الفاعلين من تقنيات تقييم النتــائج، أي القدرة على امتلاك أدوات تفاعلية توظف لصالح المواطنين تسمح أساسا بالولوج إلى “المعلومة العمومية” وتقييم السياسات الجديدة الملتزم بها(51). ومن ثم يترسخ مفهوم الانفتاح كإحدى المفاهيم التي ينبغي أن تميز سلوكيات الإدارة، وهنا ينبغي على الأعوان العموميين التزام الشفافية أكثر ما يمكن فيما يخــص القرارات والأعمال التي يقومون بها، وألا يكتموا المعلومات إلا عندما تستوجب ذلك المصلحة العامة أو الحياة الخاصة للأفراد وتقديمها(52). وفي هذا المستوى تفهم الشفافية كشرط للحوار والتشاور، وكـذا وسيلة للاندماج الاجتماعي وتعلم مراقبة عمل المرافق العمومية، كما تتطلب تغييرا في العقليات وإعادة النظر في علاقات الإدارة بالمستعملين، من خلال توسيع مبدأ المشاركة في النشاط الإداري في محاولة لتقريب الإدارة من الموظفين وإشراكهم فعليا في تسيير دواليبها(53).
وهنا تبرز الانطباعات الإيجابية حول الحكامة الجيدة في المؤسسات العمومية والمرافــق العمومية -والتي تتحدد في ثلاث نقط- أولها أن المرفق العمومي يضمن التواصل الداخلي مع الموظفين بواسطة دوريات ومذكرات داخلية وتنظيم اجتماعات إخبارية، ثانيها أن من المرافق التي تنزع نحـو الانفتاح الخارجي أملا في تحقيق التواصل مع المرافق والمجاورة وتعمل على ضمان التنسيق المستمر وتوحيد رؤى في أحسن الأحوال أو التشاور حول بعض القضايا على الأقل، وثالثها أن تصادف في المرافق – بشكل استثنائي- خلية خاصة للتداول في اتخاذ القرار والتتبع (54). إن الشفافية بهذا المفهوم المتطور جعلت الإدارة المغربية تتمكن من تطوير خبرة عالية في معالجة حاجيات السكان والاستجابة لها، كما مكنتها من مراعاة وتطوير ثقافة التفوق والامتياز في مجالي التنظيم والتدبير الإداريين(55).
وعموما تشكل الحكامة الإدارية أحد الرهانات داخل نسيج الإدارة، وذلك في ترسيخ صورة إيجابية عن الإدارة سواء أعلى المستوى الداخلي، أي لدى الموظفين العاملين بالجهاز الإداري أم على المستوى الخارجي، أي لدى المرتفقين. وأمام بروز أشكال محددة لما يمكن تسميته بأزمة التواصل، كان لزاما على الإدارة المغربية العمل على تحديث وعصرنة بنياتها وهياكلها لمعالجة هذه الأزمة، وذلك عبر النهوض بالمجال التواصلي وما يحمل في طياته من مفاهيم وقيم ومقاربات جديدة لتحليل وتمييز شؤونها العامة وتمكين جميع الفاعلين الإداريين من رفع الفعالية الاجتماعية للإدارة(56).
ت- تعزيز جسور الثقة من خلال ضمان حسن الاستقبال:
إن حسن الاستقبال أو تحسين علاقــة الإدارة بالمواطنين-كمبدأ مرتبط بالتواصل-، يتم عبر انتقال الإدارة من إدارة آمرة إلى إدارة مواطنة، موجهة وخدوم، ويبدأ حسـن الاستقبال أو بعبارة أوسع تحسين علاقة الإدارة بالمواطن بوضع قوانين وضوابط تساهم في تأهيله لتقديم خدمات سريعة ذات جودة عالية وقريبة من المواطنين(57)، وجعل حسن استقبال المواطنين وإرشادهم وتوجيههم من الانشغالات المركزية للمصالح الإدارية، والحرص على تقيد كافة العاملين بالإدارة بهذا التوجـه(58). إن الاستقبال هو أول اتصال بين الإدارة والمرتفِق، وبموجبه يُكوّن هذا الأخير أحكامه الأولية عـن الإدارة، وفكرته عنها التي تبقى مسجلة في ذاكرته طيلة فترات تعامله معها، لذلك يجب أن تحرص الإدارات العمومية على تخصيص استقبال إنساني لمرتفقيها، من خلال الحوار الجاد والشفاف بواسطـة خلايا مكلفة بإرشاد ومساعدة المواطنين، تتوفر عناصرها على شروط الكفاءة والديناميكية المهنية وسعــة الصدر، وغير ذلك من الخصال الكفيلة بجعل المرفق العمومي أكثر إنسانية وأكثر فعالية، غير أن عدم اهتمام المسؤولين في أغلب الإدارات العمومية بوظيفة الاستقبال وقلةَ اهتمامهم بجدواها يحد من كفاية هذه الوظيفة، ويؤدي بالتالي إلى خلق أزمة اتصال بين الإدارة ومرتفقيها، تبرز أهم تجلياتها في الضعف البين المرصود على مستوى الفضاءات المخصصة للاستقبال، وكذا ظروفه غير اللائقة.
فالملاحظة الأساسية بالنسبة للوضعية الراهنة هي غياب رؤية شمولية للاستقبال والإرشاد على الرغم من وجود بعض الإجراءات المتخذة بصفة انفرادية من لدن بعض القطاعات الإدارية، لذلك وجب وضع خطـة إعلامية واسعة النطاق للاستقبال وتكثيف تنظيم الأيام الدراسية بهدف تحسيس مختلف القطاعات الإداريـة بأهمية الاستقبال وإحداث شباك موحد لاستقبال وإرشاد المستثمرين، وغير ذلك من الإجراءات التي تمكـن المتعاملين مع الإدارة من الاستفادة من خدماتها في ظروف جيدة، وفي ظرف وجيز، وكذا ترسيخ ثقافـة العلاقات العامة وقيم المرفق العام وإرساء وتوثيق روابط الثقة بين الإدارة والمتعاملين معها وتغيير السلوكات السلبية.
إن مسألة حسن الاستقبال تبدو في الوهلة الأولى مسألة في البساطة، إلا أنه مع مرور الوقت تبــرز كأكبر هوة بين الإدارة والمتعاملين معها. وقد كان حسن الاستقبال محل اهتمام في السنوات الأخيرة من لدن السلطات العمومية حسب المفهوم السائد لدور الدولة، وهو دور المساعدة بدل التدخل المباشر فــي عملية الإنتاج.
وعموما يتمثل حسن الاستقبال فيما يلي:
* ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في كل الأماكن والمصالح، كيفما كان عملها، والتي تستوجب حق المواطن في الإعلام والحصول على المعلومات والوثائق الإدارية.
* تغيير دور المواطن من مرتفِق إلى “زبون”.
* إحداث مكاتب للاستقبال والإرشاد بكل إدارة يتكلف بها موظفون أكفاء.
* إرشاد المواطنين والمتعاملين مع الإدارة وتزويدهم بالمعلومات والبيانات الضرورية التي تهمهم.
* وضع رؤية شمولية بخصوص الاستقبال والإرشاد، بحيث لا ينظر إلى هذا الموضوع من زاوية تقليدية حيث يخصص مكان للانتظار تنعدم فيه الوسائل والأطر الكفأة، ويبقى المواطن حبيسه ساعات بل أياما.
* تفادي امتناع المسؤولين عن استقبال المواطنين الراغبين في عرض قضاياهم وانطوائهم داخل مكاتبهم.
* إعداد مطبوعات ومطويات تتعلق بالهياكل التنظيمية الداخلية للإدارة واختصاص المصالح التي تتكون منها، والمساطر والإجراءات الإدارية والتي تهم الزبناء والمقاولات.
* تغيير نظرة الإدارة إلى المتعاملين معها، بحيث يعامل المواطن كزبون يطلب خدمة، له حقوق هي قضاء مآربه وحصوله على المعلومات والبيانات التي يحتاجها مع احترام كرامته وعدم ضياع وقته، سيما وأنه يؤدي الضرائب المفروضة عليه ويتحمل أيضا الالتزامات الواجبة عليه.
* إحداث وُلوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة، حتى يتمكنوا من ولوج الإدارة لقضاء مآربهم(59).
ولتكريس تحسين وتجويد فعل الاستقبال بالمرفق العمومي، حرصت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة على إعداد ميثاق الاستقبال بالإدارة العمومية ووضع الإطار المرجعي الموحد الخاص بالاستقبال( انطلاق مشروع اعتماد نظام للاستقبال والارشاد، تنظيم المداومات خارج أوقات العمل…) مما شكل لبنة أخرى من لبنات توطيد صرح الإدارة المواطنة والخدوم. ث- إرساء نظام للشكايات والتظلمـات:
أشار منشور للوزير الأول (60) 99/13 المؤرخ بـ 3 صفر 1420 الموافـق لـ 19ماي 1999م إلى ضرورة إحداث خلية للتواصل على صعيد الوزارات والإدارات والمؤسسات العموميـة، مهمتها استلام شكايات المواطنين ومراسلاتهم، ودراستها، ثم توجيهها إلى المصلحة ذات الاختصـاص، بهدف تنمية روح النقد لدى المرتفق والقضاء على الأنماط التقليدية للإدارة المبنية على الإكراه، وخلــق قناعة لدى المواطنين بإمكانية الاحتجاج على قرارات الإدارة، وكذا بهدف القضاء على الإحساس بالضعـف الذي يحس به المرتفق أمام الموظف العمومي. ويمكن القول إن أهم تمظهر للحكامة الإدارية على هذا المستوى هو اتخاذ مبدأ وقانون تعليل القرارات الإدارية، والذي فتح إمكانية حداثية لتكريس دولة الحـق والقانون في عهد الملك محمد السادس.
وهكذا يندرج هذا التحديث في سياق تطوير الممارسة أو العمل الإداري. فتعليل القرار الإداري هو ضمانة قانونية منحها المشرع للمواطن والموظف في مواجهة الإدارة، وهي فرصة وإمكانية بالنسبة للمتضرر لحل الإشكال على المستوى الإداري قبل اللجوء إلـى المرحلة القضائية(61)، أي هناك إمكانية مراجعة الإدارة للأخطاء التي يمكن أن تقع فيها وتداركها قبــل اللجوء إلى القضاء.
وعموما فمجمل هذه الأهداف التي ببلوغها تكون الإدارة المغربية قد أرست نظاما ناجحا للشكايات والتظلمات، هو الذي يضمن النجاح في رهان التواصل وانفتاح الإدارة على مرتفقيها. في السياق نفسه يدخل إحداث مؤسسة ديوان المظالـم. فتجسيدا للإرادة الملكية في توطيد المكتسبات ورعاية مصالح المواطن وصون حقوقه والتواصـل معه، واستجابة كذلك لما يتوخاه المواطنون من إنصاف في مواجهتهم للإجراءات الإدارية التي ما فتئت تعرف تعقيدات مستمرة وتعاملات متشابكة، فقد أحدث الملك محمد السادس ديوان المظالم في 9 دجنبر 2001 كمؤسسة وطنية مستقلة، ضمن نسيج المؤسسات الهادفة إلى تعزيز بناء دولة عصرية حديثة وديمقراطية قائمة على مبادئ وقيم المساواة والعدل والإنصاف(62). وتتجلى أهم الأهداف التي من أجلها تم إحداث المؤسسة فيما يلي:
* التفعيل الأمثل للمفهوم الجديد للسلطة، بما يضمن الحقوق ويصون الحريات على مستوى التشريعات والممارسات الفعلية للسلطات.
* تدعيم المسيرة الحقوقية التي انخرط فيها المغرب.
*تمكين المواطنين أفرادا وجماعات من وسيلة غير قضائية للمطالبة برفع ما قد تلحقه بهم الإدارات أو أي هيئة تمارس صلاحيات السلطة العمومية من ظلم أو تعسف، وحثها على الالتزام بسيادة القانون والإنصاف.
وتجدر الإشارة إلى أن تسمية ديوان المظالم بما تتضمنه من حمولة رمزية ودلالة تاريخية، تعكس عمق وأصالة مؤسسة ديوان المظالم في تاريخ المغرب، مما يعتبر مكسبا وطنيا هاما، فقد درج مـلوك وسلاطين الدولة العلوية طوال هذا التاريخ في معالجتهم لشكاوى وتظلمات المواطنين على تعيين والٍ للمظالم كان يحمل اسم وزير الشكايات للنظر في هذه الشكاوى والتظلمات، وذلك من أجل إحقاق الحقوق ورفع المظالم ودفاعا عن العدالة والإنصاف في مواجهة أي شطط أو تجاوز أو اعتداء من قبل أي شخص يتولى منصبا من مناصب السلطة العامة تابع لنفوذ السلطان وتحت إمرته.
واليوم يتم إحياء هذه المؤسسة التاريخية العريقة، في إطار التنظيم الحديث للدولة، ووفق مبدأ فصل السلط، لتعمل على تنمية التواصل بين المواطنين والإدارة من أجل مصالحة حقيقية قائمة على احـترام ضوابط سيادة القانون والتقيد بمبادئ العدل والإنصاف(63).
وقد حدد الظهير الشريف ذو العدد 1.01.298 المحدث لديوان المظالم(64) مجال اختصاصاته والمتمثلة في النظر في الشكايات والتظلمات المقدمة له من لدن المواطنين ضد قرار أو عمل يتنافى مع مبـادئ سيادة القانون والإنصاف، وذلك بغية إحقاق الحقوق وتحسين فعالية الإدارات وتصحيح الاختلالات والنقائص التي قد تعتري سير المرافق الإدارية، والتحيين المستمر والمتواصل للنصوص القانونية المنظمة لها.
ويمكن لوالي المظالم تقديم اقتراحاته بشأن التدابير الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، كما يطلع الـوزير الأول(رئيس الحكومة في التسمية الحالية) ـ عند الاقتضاء ـ على امتناع الإدارة المعنية عن الاستجابة لتوصياته. وقد ألزم الظهير الشريف رؤساء الإدارات وغيرها من المؤسسات العمومية تقديم الدعم له من الإحاطة بكافة جوانب النزاع، وذلـك بأمر الموظفين والأعوان والأجهزة المراقبة الموجودة تحت سلطتهم بتسهيل مأمورية والي المظالم أو مندوبيه بما يقومون به من تحريات، كما يجوز لهم الحصول على الوثائق المتعلقة بالتظلم موضوع التحقيق، ما عدا إذا كانت مشمولة بأسرار الدولة.
وقد عرفت هذه المؤسسة نقلة نوعية بتاريخ 18 مارس 2011 بتحويلها من ديوان المظالم إلى مؤسسة الوسيط، وتعيين السيد عبد العزيز بنزاكور على رأسها(65)، وقد أوضح بيان الديوان الملكي أن هذه المؤسسة ستتميز بإحداث مندوبين جهويين يدعون “الوسيط الجهوي” للنهوض عن قرب بحماية حقوق المرتفقين، من خلال إنصاف المشتكين المتضررين من أي تصرف إداري متسم بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، وذلك في نطاق سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف وصيانة كرامـة المواطنين. وفي هذا الصدد تم تخويل “مؤسسة الوسيط” صلاحيات البحث والتحري والقيام بمساعــي الوساطة والتوفيق واقتراح المتابعة التأديبية، أو إحالة الأمر على النيابة العامة، طبقا للمقتضيات القانونية، وإمكانية إصدار توصيات بتقديم المساعدة القضائية، لا سيما للأشخاص الأكثر خصاصة وهشاشة، كما تمت الإشارة إلى جعلها ذات قوة اقتراحية لترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية وقيم الشفافــية والتخليق، وتحسين أداء الإدارة وتحديثها.
وعموما يمكن إبراز أهمية هذه المؤسسة من خلال الحرص على دسترتها، حيث ينص الفصـل 162 من دستور فاتح يوليوز 2011 على ما يلي: “الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة، مهمتها الدفاع عــن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”. علاوة على كل ما سلف، وفي سياق ترسيخ المزيد من النجاعة على مستوى تدبير شكايات المرتفقين وتظلماتهم، تم إعداد مشروع مرسوم بشأن تلقي وتتبع ومعالجة الشكايات من لدن وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، بتعاون مع الإدارات الأكثر تعاملا مع المواطنين. وهو المشروع الذي يتوخى وضع إطار تنظيمي محكم وشمولي وتجميعي لتدبير الشكايات، إطار ملزم لجميع الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. وذلك كله بغية سد الفراغ الناجم عن غياب رؤية استشرافية ومندمجة ناجعة وفعالة في تدبير الشكايات.
Admin
Admin
عدد المساهمات : 2680
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة Empty 

مُساهمة  Admin في الأربعاء أكتوبر 04, 2017 4:15 pm

ج- التأسيس للإدارة الإلكترونية: في هذا السياق يأتي الحديث عن مفهوم الإدارة الإلكترونية حيث تمثل تكنولوجيا المعلومات والاتصال TIC (66)رافعة أساسيـة لتحديث القطاع العمومي(67)، فهي أداة مستجدة للقضاء على البيروقراطية وتبسيط العمليات الإدارية والتقليص من تكلفـة المعاملات(68).
لقد أدخلت الأهمية المتزايدة لمجتمع الإعلام تغييرات على تطلعات المواطنين والبنيات والثقافات ومناهج العمل، وقصد الإبقاء على الاستجابة الضرورية لاحتياجات المواطنين، أصبح لزاما على الإدارة مسايرة الإيقاع المتسارع لمجتمع الإعلام(69).
أمام محيط يعرف تحولات متواصلة وإكراهات مختلفة تجد الإدارة نفسها ـ بكل مكوناتها ـ مدعوة إلى التلاؤم مع هذا السياق وإلى تبسيط المساطر لإنجاح مشروع التغيير الذي تحدثه الوسائل التكنولوجية فـي أفق إقرار إدارة إلكترونية، كما أن إدراج هذه الوسائل قد ساهم في إحداث تغييرات إيجابية عن العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها(70).
إن تعريف الإدارة الإلكترونية حسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية هو”استعمال تكنولوجيات الإعلام والتواصل وخصوصا الأنترنيت كأدوات للوصول إلى إدارة جيدة”.
وفي هذا الصدد فأثر الإدارة الجيدة يبرز على وجه الخصوص فيما يتم تحقيقه عبر هذه الأدوات من نتائج إيجابية وتقديم خدمات ذات جودة رفيعة، والتزام صارم مع المواطنين والقيام بتحسين القطاعـات الأساسية(71). إن الاستعمال الناجع لهذه الأدواتTIC رهين بإشراك المواطنين في أنشطة السلطات العمومية(72)، وهو الإشراك القمين بإدراك الحكامة الإدارية كنظام للرفع من السياسات(73)، وجعلها تحقق المبتغى المرجو منها كسياسات غائية الأهداف.
وبالنسبة للإدارة الإلكترونية من حيث حرصها على الرفع من الإيجابيات، نجد ذلك يترسخ أكثر في الأدوار الطلائعية التي يمكن أن تقوم بها من قبيل: تحسين الفعالية، تحسين الخدمات، المساعدة علــى الحصول على نتائج محددة، المساهمة في إنجاز الأهداف الاقتصادية، التبلور كأداة مهمة للإصلاح، التأسيس للثقة بين الإدارة والمواطن(74). إن كل ذلك يشهد على الاندماج الإيجابي للتبسيط الإداري والإدارة الإلكترونية(75).
وبالنسبة للمغرب فان تبسيط المساطر والإدارة الإلكترونية يشكلان مجموعة متكاملة غير قابلة للتجزؤ، حيث تم اتخاذ عدد من المبادرات من أجل تنفيذ برنامج متكامل لتطوير الإدارة بالمغرب(76)، وذلك عبر تبني مناهج للتدبير الإلكتروني بغية تسهيل ولوج المرتفقين للخدمات العمومية وتخفيف تكاليف الإدارة. وفي هذا الإطار تم تفعيل “اللجنة الوطنية للإدارة الإلكترونية” سنة 2004 برئاسة وزارة تحديث القطاعات العامة. وقد تكللت أشغال هذه اللجنة في الفترة الممتدة ما بين 2004 و2005 بوضع البرنامج الوطني للإدارة الإلكترونية المسمى “إدارتي”، كما تم إعداد خطة العمل للفترة الممتدة ما بين 2005 و2008(77).
إن كل ذلك ساهم في انبثاق عدد من الخدمات ومنها: نظام بدر الذي يسمح للفاعلين الاقتصاديين بالقيام بالإجراءات الجمركية من أي موقع جغرافي يتواجدون فيه، وكذا النظام الخاص بتدبيـر الجـوازات البيوميترية وبوابة الخدمات العمومية وبوابة الخدمات الضريبية عن بعد وبوابة الصفقات العمومية(78). هذا دون إغفال الجهود المبذولة من لدن وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، في إطار تطوير منظومة الاستقبال الإلكتروني “إدارتي”) إنجاز التطبيق الجوالIDARATI MAP، مواصلة العمل بمركز الاتصال والتوجيه الإداري، إطلاق مشروع تعاضد نظام تدبير المراسلات” إرسال”…) وكذا تحفيز الإدارات العمومية على تطوير خدماتها العمومية وتقريبها من المرتفقين من خلال الجائزة الوطنية للإدارة الإلكترونية “امتياز”.
إن للإدارة الإلكترونية ـ على ضوء ذلك ـ آثارا إيجابية تتمثل بالأساس في تدعيم جودة الخدمات المقدمة من لدن الإدارة وتطوير مناهج التدبير الداخلي(79). وعموما تشكل الإدارة الإلكترونية المنطلق التحديثي لإدارة القرب أو الإدارة المواطنة، باعتبارهــا إدارة تواصل بامتياز.
‎ إن هذا المنظور التحديثي، الذي يروم المتح من الإيجابيات الكثيرة للتكنولوجيات المعاصرة، وتمكين الإدارة المغربية من ميكانيزماتها في أفق نقلها من إدارة “ورقية” إلى إدارة “رقمية”، هو المنظور المشار إليه في الخطاب الملكي أمام البرلمان في14من أكتوبر2016، وفق ما يلي: “كما يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق، فتوظيف التكنولوجيات الحديثة، يساهم في تسهيل حصول المواطن على الخدمات في أقرب الآجال، دون الحاجة إلى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة، الذي يعد السبب الرئيس لانتشار ظاهرة الرشوة واستغلال النفوذ. وهو ما سبق أن أكدنا على ضرورة محاربته في مفهومنا للسلطة”.
ح -ترسيخ مبادئ وسلوكيات المرفق العام:
إن إعادة الاعتبار للسلوكيات يضع تحديا قويا أمام الإدارة، التي عليها أن تعمل على ضرورة التطابق مع مبادئ السلوك التي يتعين على المصالح العمومية تطبيقها، وهي كالتالـي:
– الشفافية: حيث ينبغي تبني مبدأ الشفافية في عمل الإدارة بغية تعزيز روابط الثقة بينها وبين المجتمع. فالمفهوم الجديد للسلطة يسعى إلى مصالحة المواطن مع الإدارة وضمان علاقة تعاون مثمر ومسؤول بين الجانبين، مبني على الإنصات وعلى إشراك المواطن ومكونات المجتمع المدني في اتخـاذ القرارات الإدارية(80). إن الشفافية تهدف إلى تحويل الإدارة إلى منزل زجاجي من جهة وبالتحمل الحقيقي لمسؤولية الشأن العام من جهة أخرى، وذلك من خلال إقرار مبدأ التشارك والانفتاح على مشاكل المواطنين(81). فتبني هذا المبدأ على مستوى عمل الإدارة يتوخى توطيد روابط الثقة بينها وبيـن المجتمع لبلورة التغيير فيما يخص حكامة تدبير الشأن العام. إن أكبر رهان ينطوي عليه كل إصلاح مؤسساتي هو رهان التخليق وإشاعة ثقافة الفضيلة في تدبير الشأن العام على مختلف المستويات.
فلقد أصبحت الرؤية أو المقاربة الجديدة في ميدان التدبير العمومي في معظم دول العالم تولي أهمية قصوى للقيم والمبادئ المثلى والشفافية، كما أن ضرورة اشتغال أو سير إدارة معينة حسب مبادئ دولة الحق والقانون تعتبر شرطا أوليا وأساسيا للفعالية والمسؤولية والجودة.
إن منطلق الحكامة الإدارية يظل في الأساس منطلقا أخلاقيا يتسم بغياب مظاهر الغش والرشوة(82) وكل مظاهر الفساد، خاصة أن من مؤشرات أزمة الإدارة المعاصرة ضعف أخلاقيات المرفـق العمومي(83)، وفشل البنيات الإدارية التقليدية بمختلف الأمراض التي خلفتها وعلى رأسها انعدام الشفافية(84). إن مؤشرات هذه الأزمة المرتبطة بالإدارة ما فتئت تتجسد بشكل جلي في تاريـخ الإدارة المغربية والتي أصبح مفروضا عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى تصويب الخلل الذي يشوب علاقتها بالمرتفقين والمتعاملين معها، خاصة وأن المغرب أصبحت تواجهه عدة تحديات: العولمة، سيادة مفاهيم دولة الحق والقانون، واحترام حقوق الإنسان.. وكلها تحديات تفرض على المغرب ضرورة التوفر على إدارة شفافة ذات علاقات “مواطنة” بالمرتفقين، حتى يكون قادرا على مواكبة التحولات المتلاحقة والتطورات المتسارعة التي يعيش على إيقاعها العالم في الوقت الراهن، خاصة مع انبثاق حركات التغيير في إطار ما يسمى بالربيع العربي والتي رفعت شعارات محاربة الفساد في شتى تجلياته ومنه الفساد الإداري الذي ظل عائقا أمام مسـارات الإصلاح في دول العالم الثالث عموما ودول العالم العربي خصوصا، ومنها المغرب الذي جعل من تخليق المرفق العمومي ضرورة تمليها العواقب الوخيمة لمظاهر الفساد على الأداء الحكومي وعرقلته لسير التنمية الشاملة، كما تفرضه إكراهات الظرفية الراهنة على المستوى العالمي وضغوط المؤسسـات السياسية والمالية الدولية التي أصبحت تنصبّ على التحلي بالأخلاق مقياسا يتم الاحتكام إليه فـي الكثير من القرارات(85)، ومنها القرارات المرتبطة بمنح القروض المدعمة لمشاريع التنمية.
إن تنمية ثقافة أخلاقية سليمة ترتكز على القيم والمبادئ المثلى لا يمكن أن تتم، إلا من خلال دعـم مختلف المبادرات التخليقية الهادفة إلى تأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن العام وتهذيب الحياة الإدارية، عبر قيم النزاهة والشفافية والاستقامة، ومن خلال مقاربة شمولية مع مراعاة مجموعة من الشروط الموضوعية المتعلقة بتداعيات هذه المسألة على مستوى التنظيم الإداري والبنيان التشريعي، مما يجعـل الطروحات العلاجية غير متعالية على حيثيات الواقع ويمنحها بالتالي القابلية العملية للتطبيق(86).
إن البعد التخليقي للإدارة المغربية عرف مساره الأول مع انبثاق حكومة التناوب سنة 1998، والتي اتبعت سياسة التأهيل العام للإدارة المغربية كي تلعب هذه الأخيرة دور المحرك في نهضة وازدهــار الأمة، ورفعت مجموعة من التحديات التي تفرض على المسؤولين فهما جيدا بكون النجاح يمر أولا وقبل كل شيء عن طريق تأهيل الموظف المغربي، لأن إصلاح إدارة المستقبل يكمن بالدرجة الأولى في تأهيل وتثمين رأسمالها، وهو ما ترسخ أيضا من خلال تبني ميثاق حسن التدبير.
وقد حددت وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري هذا الميثاق عبر مجموعة من القيم الواجب احترامها في التدبير العمومي تماشيا مع مبدأ التخليق الذي يجب أن يقود سير المرفق العام، وهي: النزاهة، التجرد، الاستقامة، المسؤولية، الانفتاح، الشفافية، الشرف والالتزام(87).
هكذا يعد التخليق مدخلا رئيسا لميثاق حسن التدبير، إذ جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلـى المشاركين في الندوة المنظمة سنة 1999 حول دعم الأخلاقيات في المرفق العام “هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها”.
وبالفعل قد تمت بلورة أهداف هذا الميثاق في عدة مبادرات بدأت بوادرها تتجسد على أرض الواقع، خاصة في محاولة أولية لتطويق بؤر الفساد، وتحريك مسطرة المتابعة في حق الكثير من المتورطين في سوء تدبير الشأن العام.
من جهة أخرى تجسدت الجهود الحكومية في هذا المجال في عدة مبادرات وقائية ترمي إلى إرساء الآليات القانونية الضرورية للحيلولة دون تفشي السلوكات المشينة في مرافق الدولة، ومنها تبني ميثاق حسن سلوك الموظف كجزء لا يتجزأ من الإصلاحات الكبرى، يتكامل مع مقتضيـات قانون الوظيفة العمومية ومع مبادئ وأهداف ميثاق حسن التدبير الذي يعد دعامة متينة لكـل إصلاح إداري ناجع. إن تبني هذه الخطوة الإيجابية في مسار الإصلاح الإداري كان ولا زال من بين التزامات المغرب المستمرة، جهويا ودوليا، وهو ما أكدته مثلا توصيات المنتدى الإفريقي السابع حول تحديث المرافق العمومية ومؤسسات الدولة(88)، والتي ألحت على ما يلي:
– تعزيز آليات الوقاية من الفساد بالتأكيد على نزاهة الموظفين العموميين من خلال تفعيل الميـثاق الإفريقي للوظيفة العمومية، وإقرار مدونات سلوك الموظفين، ومكافحة تضارب المصالح، وإجبـارية التصريح بالممتلكات.
– تعزيز سيادة القانون مع التركيز بشكل خاص على مبدأ المساءلة ومكافحة الإفلات من العقبات عن طريق سن قوانين واضحة ونظم قضائية فعالة.
– تحسين الشفافية ومكافحة جميع أشكال السلوك الرامية لمنع أو تغيير نوعية مجالات الخدمات المتصلة مباشرة بالاحتياجات السياسية للمواطنين كالماء والصحة والتعليم والكهرباء.
– تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (89) بحلول سنة 2015 وفق ما التزم به قادة العالم، وفيهم القادة الأفارقة في إعلان الألفية لسنة 2000، من خلال صياغة وتنفيذ برامج إصلاحية في مجال مكافحة الفساد لتحقيق الأهداف ذات الأولوية بالنسبة لكل دولة، مع الاستفادة من المبادئ التوجيهية المنظمة في إطار تسريع التقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
– تنفيذ القدرات الضرورية لصياغة وتنفيذ مشاريع محددة لتعزيز الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد في الدول الإفريقية(90).
وتشكل هذه التوصيات آليات ناجعة وفعالة في سبيل تخليق المرفق العام، تتداخل كليتها من أجل تكريس أسس الحكامة الإدارية الجيدة، ولعل من أبرز هذه الآليات ما تم ضبطه تشريعيا لإيقاف نزيـف نهب المال العام وتخليق الحياة العامة والقطع مع كل أشكال الفساد، آلية تبني قانون التصريح الإجبـاري بالممتلكات، من لدن أعضاء الحكومة والنواب والقضاة والموظفين السامين ورؤساء مجالس الجهات والأقاليم والجماعات(91). فماهي أهمية هذه الآلية؟
يحتل المستوى الوقائي في تخليق المرفق العام جانبا مهما للحد من انتشار مظاهر الفسـاد الإداري والانحرافات في الوظيفة العمومية. وفي هذا الإطار قامت وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ببلورة رؤية قانونية تتوخى ترسيخ الشفافية ودمقرطة الإدارة من خلال سن بعض النصوص القانونيـة وتفعيل المتواجد منها مثل قانون 92/25 بتاريخ 7 دجنبر 1992 المتعلق بإقرار موظفي الدولـة والجماعات المحلية، والمؤسسات الحكومية وأعضاء مجلس النواب ومجالس الجماعات المحلية والغرف المهنية بالممتلكات العقارية والقيم المنقولة التي يملكونها أو يملكها أولادهم القاصرون.
وهكذا نص القانون على ضرورة تصريح الموظفين السامين والعموميين بممتلكاتهم مباشرة بعد تعيينهم أو تنصيبهم، حتى تكتشف الدولة تطور غناهم وتعرف مصادر ثرواتهم(92). وكل ذلك من أجل ترسيخ الجانب الوقائي لمفهوم التخليق بحيث ـ كما يؤكد ذلك الملك محمد السادس في رسالته الموجهـة للمناظرة حول دعم الأخلاقيات في المرفق العام(93)ـ إنه “لابد لبلوغ هذا المرمى الأساسي- التخليق في المرفق العام- من تفعيل قانون الإقرار بالممتلكات حتى يستجيب للآمال المنوطة به لوقايــة الصرح الإداري من كل ما يخل بالسلوك المرغوب فيه”.
ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى الخطوة الإيجابية الكبرى التي تم التأكيد عليها في الدستور الجديد في إطار ضمان حكامة إدارية جيدة، وهي التكريس الدستوري لهذا التصريح، فحسب الفصل 158 “يجب على كل شخص منتخب أو معين، يمارس مسؤولية عمومية أن يقدم ـ طبقا للكيفيات المحددة في القانون ـ تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمجرد تسلّمه لمهامه وخلال ممارستها وعند انتهائها”.
وعلى الرغم من أهمية هذه الآلية، فهي مع ذلك غير قادرة على المساهمة لوحدها في تخليق الحياة العامـة، فالتخليق يتطلب إعداد سياسة شاملة لمحاربة الرشوة في مختلف المرافق العمومية والمصالح المرتبطة بها وظاهرة استغلال النفوذ والإفلات من العقاب، فمطالب المجتمع المدني وبالخصوص الجمعيات الحقوقية والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة(ترانسبارانسي بالمغرب) لا تقتصر فقط على المطالبة بهذه القوانين، ولكن تنادي بإعداد سياسة حقيقية للقضاء على الرشوة بكل أشكالها، وذلك عبر عدة قنوات ليس فقط قانونية، ولكن كذلك تربوية وتحسيسية وقضائية(94). وهنا يأتي إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة كخطوة في مسار تخليق الحياة الإدارية، وهذه المؤسسة محدثة لدى الوزير الأول ويناط بها مهمة تنسيق سياسات الوقاية من الرشوة والإشراف عليها والسهر على تتبع تنفيذها وجمع ونشر المعلومات في هذا المجـال، وتوجيه توصيات إلى الإدارات والهيئات العمومية والمقاولات الخاصة، وإلى كل متدخل في سياسة الوقاية من الرشوة، كما تبدي إلى السلطات بعض الآراء حول التدابير الممكن اتخاذها للوقاية من الرشوة.
فالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وإن كان عملها غير تقريري ولا يهدف إلى تحديد المسؤوليات والعقوبات، فإن من شأن إحداث هذه المؤسسة تطوير الممارسة الإدارية في اتجاه أخلاقي بعيدا عن الانحرافات السلوكية التي تشكل سدا منيعا أمام المبادرات التنموية الملكية الهادفة إلى حفظ كرامة وقدسية العمل الإداري الطامح إلى تقديم خدماته بكل نزاهة وشفافية ووضوح. إن تأسيس هذه الهيئة يعتبـر استجابة لسياق المناخ الديمقراطي المبني على انفتاح النظام المغربي على مجموع فعاليات المجتمع المدني والسياسي لتدبير الشأن العام الوطني، وفي إطار المرجعية الملكية لتحديث الإدارة والتي ما فتئت تبلور عبر الخطب والرسائل والتوجيهات الملكية التي يستعرض فيها واقع الإدارة العمومية والحلول التي يراها مناسبة لحل إشكالية التدبير العمومي وعلى وجه الخصوص التدبير الإداري، وفي هذا الصدد جاء فـي خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش لسنة 2005 ما يلي(95):
” كما يجب الإسراع بتحديث الإدارة بما يكفل فعاليتها، حتى نجعل من خدمة الصالح العام ومن القـرب من المواطن شغلها الشاغل، وبموازاة ذلك نؤكد على وجوب تخليق الحياة العامة، بمحاربة كل أشكـال الرشوة، ونهب ثروات البلاد والمال العام. وإننا لنعتبر أي استغلال للنفوذ والسلطة إجراما في حـق المواطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته. وفي هذا الشأن نؤكد على الالتزام بروح المسؤولية والشفافية والمراقبة والمحاسبة والتقويم، في ظل سيادة القانون وسلطة القضاء”.
إن كل هذه الخطوات الهادفة إلى ترسيخ أسس التخليق والشفافية في الإدارة المغربية، والساعية إلى المساهمة في تحديث هذه الإدارة وجعلها إدارة القرب وإدارة الحكامة، توجت مؤخرا بالتكريس الدستوري لهذا النمط من الحكامة ولخاصية الشفافية وعنصر التخليق كأساس لبناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة(96).
وهو ما تم تأكيده من خلال الفقرة الثانية من الفصل 154 من الدستور الجديد “تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيــم الديمقراطية التي أقرها الدستور”. وكذا الفصل 155: “يمارس أعوان المرافق العمومة وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة”. إنها قيم الحكامة الإدارية الجيدة التي تبشر بمفهوم جديد لإدارة “مواطنة” تجعل خدمة المواطن على رأس أولوياتها وتجعل نفسها فـي منأى عن كل سلوك قد ينقص من قيمتها الاعتبارية كلبنة من لبنات بناء الصرح الديمقراطي.
– النزاهة والصدق والاستقامة: فمن حيث النزاهة يجب على أعوان الإدارة اتخاذ قراراتهم غير آخذيــن بالاعتبار سوى المصلحة العامة، وألا يحصلوا على أي استفادة شخصية سواء ألهم أم لأقاربهم. أما من حيث الصدق والاستقامة فعلى أعوان الإدارة التصريح بكل استفادة شخصية يمكن التأثير عليها من خلال قراراتهم، كما عليهم أن يكونوا على استعداد دائم لحل النزاعات حماية للمصلحة العامة، وأن لا يخضعوا للضغوطات سواء الداخلية منها أو الخارجية، والتي يمكن أن تؤثر في مهامهم، والعمل على أن تسير المصالح العمومية بكل موضوعية فيما يخص التعيينات ومنح العقود وتوزيع المنح والترقيات وإسنـاد المسؤوليات.. وكل اختيار يجب أن يتم على أساس الاستحقاق سواء منه المهني، الثقافي، الكفاءة، النزاهة، الاستقامـة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك معايير أخرى كالقدرة والمسؤولية والثقة وجودة الخدمات والمبادرة وعدم التعاطي للرشوة، وهي مكملة للمعايير السابقة، وهي باختصار ترفع من قيمة الإدارة والعاملين بها وتقرب المسافة بينها وبين المواطنين وتستحق إطلاق صفة الإدارة المواطنة أو الخدوم عليها(97).
وعموما ونظرا لأهمية موقع الإدارة في الدولة، عليها ـ وتحقيقا لأنسنتها ـ أن تكون أكثر تشبثا بالأخلاق التي ينبغي أن تسود علاقاتها ومعاملاتها. ولهذا صار من الضروري إعادة الاعتبار للأخلاقيات داخل المرافق العمومية ودعوة كافة العاملين بالإدارة إلى مراعاة ضوابط السلوك المستقيم في عملهـم اليومي لإعطاء صورة مشرقة ومغايرة عن المصالح العمومية. ويقتضي الأمر إشاعة ثقافة بديلة داخـل الإدارة قوامها التمسك بالقيم والمبادئ الأخلاقية، مما يساعد على تهييء المناخ لبلورة إصلاحات عميقـة تستهدف الرفع من أداء الجهاز الإداري(98). وبذلك فإن تدبير الشأن العام يتطلب إعطاء أهمية كبرى للقيم الأخلاقية، ويجب أن يشكل تعميقا باستمرار أولوية لكل تغيير منشود داخل الإدارة، حيث يوجد تطابق تــام حول ضرورة تطبيق حكامة رشيدة تعم الأجهزة الإدارية والقيم الأخلاقية داخلها(99). وهنا، تتبلور بشكل عام مجهودات الإصلاح الإداري التي لا يمكن أن تؤدي مفعولها، إلا إذا تم اتباع سياسة قائمة على أساس دعم الشفافية من خلال تعليل القرارات الإدارية ودعم مبادرات تخليق تدبير الشأن العام وتهذيب الحياة الإدارية عبر إشاعة ثقافة القيم والمبادئ المثلى في الإدارة(100). وهو ما تم تأكيده من خلال إعداد استراتيجية وطنية مندمجة لمكافحة الفساد، والتي انبنت أساسا على رؤية تتمثل في توطيد النزاهة والحد من الفساد بشكل ملموس في أفق 2025. وهي الاستراتيجية التي تشرف عليها لجنة وطنية برئاسة رئيس الحكومة، ومكونة من القطاعات الوزارية ومؤسسات المجتمع المدني ومكونات القطاع الخاص، متوخية تحقيق هدفين رئيسين: أولا، جعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس ومستمر، وتعزيز ثقة المواطنين. ثانيا، تحسين نزاهة المعاملات وتموقع بلادنا دوليا”. وقد توجت هذه الاستراتيجية – التي تتضمن 237 مشروعا على مدى عشر سنوات، موزعة على 17 قطاعا، بتكلفة مالية تقدر بـ 1.8 مليار درهم – في مرحلة أولى بمجموعة من التنزيلات من قبيل إعادة تنظيم وتحديد اختصاصات اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة… ومن ثم يبرز مدى حرص المغرب من خلال تبني إواليات هذه الاستراتيجية، على الانخراط الإيجابي والفعال في المجهودات الدولية لمكافحة الفساد.
خ-التبسيط والتحفيز المسطري:
لقد ظلت إرادة تبسيط العلاقات الإدارية انشغالا دائما للسلطات العمومية، وذلك لكون أهمية تبسيط الإجراءات والمساطر تبرز في مساهمته على مستوى تسريع وتيرة النشاط الإداري(101). إن التبسيط الإداري للخدمات – مع مراعاة التقويم العملياتي المرتبط به – أضحى في الوقت الحالي مسارا إلزاميا للتفكير في التحديث الاستراتيجي للمرافق العمومية(102).
بالنسبة للمغرب، يمكن الوقوف على إجراءات هذا التبسيط الإداري من خلال معطيين اثنين، يتمثل المعطى الأول في تبسيط المساطر الإدارية، بينما يشكل خيار اللاتمركز واللامركزية معطى ثانيا.
-تبسيط المساطر الإدارية: يشكل تبسيط المساطر الإدارية بالإضافة إلى تعزيز الشفافية ودعم الإدارة الإلكترونية الركائـز الأساسية لتحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين(103).
ولقد شكل تبسيط المساطر الإدارية منذ نهاية التسعينيات أحد أولويات عمل الحكومة المغربية ضمن برامج عملها في مجال تحديث الإدارة، ويحظى اليوم بأهمية استراتيجية في مجال تطوير جودة الخدمات العمومية ودعم شفافية العلاقة بين الإدارة والمرتفقين وتحسين مناخ الأعمال، باعتبار هذا التبسيط هو من الإجراءات المشجعة والمحفزة للاستثمار ببلادنا(104).
ويقصد بـ”تبسيط المساطر الإدارية” مجموع الإجراءات العملية والبراغماتية التي من شأنهـا تطوير العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، ويتعلق الأمر على الخصوص بـ:
– وضع جرد شامل للمساطر الإدارية والإجراءات الإدارية.
– تدوين هذه المساطر ودراستها من خلال مراجعة مكونات المسطرة أي الوثائق المطلوبة، المتدخلين في المسطرة، تحديث المصالح المعنية فيما يخص إيداع الطلب أو الوثائق وتسلم الخدمة، رسوم المسطـرة، والآجال المعقولة للحصول على الخدمة والسند القانوني للمسطرة، وأخيرا ملاءمة المساطر مع السند القانوني المحدث لها.
– وضع هذه المساطر ضمن سجل مركزي يمكّن المرتفقين من الولوج إليها والتعرف على مجمل الإجراءات المرتبطة بالخصوص بالخدمات العمومية.
* الإطار المرجعـي:
لقد تضمن منشور الوزير الأول 99/31 الصادر في 23 نونبر 1999 حول تبسيط المساطـر والإجراءات الإدارية تحديدا للإطار المؤسساتي لتبسيط المساطر الإدارية الذي يتمثل في مستويين أحدهما أفقي والآخر قطاعي.
1)اللجنة المكلفة بتبسيط المساطر الإدارية:
تترأس هذه اللجنةَ وزارةُ تحديث القطاعات العامة، وتتولى:
– دراسة وتبسيط المساطر الإدارية الأفقية والمصادقة على المساطر الإدارية العمومية التي تحال عليها من لدن اللجان القطاعية للتبسيط.
– إعداد التقارير التركيبية بخصوص برامج التبسيط المنجزة واقتراح بعض الحلول التبسيطية.
2)اللجان القطاعية لتبسيط المساطر الإدارية:
لقد أُحدثت لجنة قطاعية على صعيد كل وزارة عهد لها بـ:
– جرد المساطر الإدارية العمومية على الصعيد القطاعي وتصنيفها إلى مساطر عمودية وأفقية.
– دراسة وتبسيط المساطر الإدارية العمودية وعرضها لمصادقة اللجنة المكلفة بتبسيط المساطر الإدارية.
– تعبئة النموذج، الأرقام الهاتفية والعناوين المتعلقة بالمصالح الإدارية المعنية، آجال البت والجهات التي يمكن اللجوء إليها في الحالة التي تطلب فيها الإدارة بيانات أو معلومات أو وثائق، خلافا لما هو مطلوب بالنماذج الإدارية المصادق عليها.
– لائحة بالوثائق المطلوبة مرفقة بالنصوص القانونية التي تقنن طلبها من المرتفقين.
– وصل بالإيداع يتم تسليمه للمرتفق يتضمن تاريخ الإيداع والوثائق المطلوبة والمراجع الخاصة بالمصالح الإدارية المعنية.
وستشكل هذه النماذج الصيغة الرسمية لكل مسطرة يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الإدارة في حالـة مخالفتها من لدن هذه الأخيرة، مما يكون له انعكاس إيجابي عن حياة المرتفق، وسيمكن من تمهيـد الطريق أمام كل الجهود فيما يخص التبسيط الإداري، وكذا فيما يخص تقديم الخدمات بطريقة إلكترونية.
*الحصيلة المنجـزة:
تتمثل الحصيلة المنجزة فيما يلي:
– قاعدة معطيات للمساطر الإدارية الأكثر تداولا تتضمن ما يزيد عن 860 مسطرة إدارية.
– دراسة وتبسيط أكثر من 630 مسطرة إدارية تهم عموم المرتفقين بمن فيهم المقاولة، ثم إدراجها ببوابة الخدمات العمومية(105).
– خدمة للتوجيه والإرشاد فيما يخص المساطر والإجراءات الإدارية التي تمكن من الولوج إلى الخدمات العمومية من خلال مركز الاتصال والمراسلات الإلكترونية.
-تكوين للموارد البشرية في مجال تقنيات تدوين وتبسيط المساطر الإدارية، وكذا فيما يخص تقنيات إعداد الدلائل، وقد استفاد من هذا التكوين موظفو القطاعات الوزارية وبعض المؤسسات العمومية، بغايـة استثمار هذه التقنيات فيما يخص تنفيذ ورش التبسيط على الصعيد القطاعي.
-تنظيم لقاءات تواصلية في مجال التبسيط تم خلالها تقديم عروض من لدن خبراء دوليين حول مختلف المقاربات المعتمدة في مجال تبسيط المساطر الإدارية ومشاركة ممثلين عن مختلف القطاعات الوزاريــة والمؤسسات العمومية المنخرطة في ورش التبسيط (106). من جهة أخرى، يجسد البرنامج الوطني لتبسيط المساطر الإدارية المبادئ المتضمنة في الدستور الجديد، ولا سيما الباب الثاني عشر منه، وكذا تنفيذ البرنامج الحكومي 2012-2016 في المحور المتعلق بإعادة الثقة بين الإدارة والمواطن والمقاولة (في هذا السياق تم تدوين وتبسيط 60 مسطرة بالنسبة للمواطن، فيما يخص مجالات : الضرائب ،النقل، الجمارك والضرائب غير المباشرة، الضمان الاجتماعي والوثائق الشخصية و44 مسطرة بالنسبة للمقاولة فيما يتعلق بمجالات: انشاء المقاولة، التجهيز، والنقل واللوجستيك، الضرائب، الجمارك والضرائب غير المباشرة والضمان الاجتماعي).
-تبني خيار اللاتمركز واللامركزية: يشكل تنظيم المجال الترابي في بلورة وتوجيه السياسات العمومية عنصرا مفتاحيا في تحـول دور الدولة وصياغة السياسات المندمجة الراسخة والتشاركية، كما أنه يعد عنصرا مفتاحيا لحكامة التنميــة البشرية وإرساء ثقافة الديمقراطية المحلية(107) وتعميق أوراش الإصلاح الإداري وعلى رأسها تبسيط المساطر وجعل الإدارة إدارة خدوما ومواطنة، وهنا يأتي تبني المغرب عبر مساره في التنظيـم الإداري لخياري اللاتمركز واللامركزية.
فاللاتمركز أو عدم التمركز La déconcentration يعتبر أسلوبا إداريا مطبقا في بلاد كثيـرة، حيث يعرف إعادة لتوزيع سلطات القرار والمسؤوليات المالية والتدبير، وهو بكل بساطة يقضي بنقــل مسؤوليات الإدارة المركزية إلى الموظفين العاملين على مستوى الجهات والأقاليم والعمالات والسلطـات المحليـة. وأيضا وفي إطار عدم التمركز، تحول الدولة جزءا من وظائفها إلى المصالح المحلية، أما المسؤولية التقريرية فتعود إلى الوزراء على الصعيد المركزي(108).
إن جوهر هذا التوجه الإداري سيترسخ في المغرب من خلال تبني الجهوية المتقدمــة. فمن شأن إقرار ميثاق لعدم التمركز، والذي ما فتئت تنادي به العديد من الفعاليات السياسية خاصة في اللحظة الانتخابية، كما هو الشأن في انتخابات 25 نونبر 2011، وكذا الانتخابات الجماعية والجهوية لـ 5 شتنبر 2015 والانتخابات التشريعية الأخيرة، أن يقوي الجهوية المتقدمة ويجعل الإدارة أكثر قربا من المواطنين.
إن تطوير اللاتمركز الإداري، يتم عبر العمل على تشكيل أقطاب إدارية جهوية من خلال تجميع المصالح الخارجية للوزارات، بما يحقق التكامل والاندماج بين مختلف القطاعات الحكومية، ويقوي فعالية وانسجام السياسات العمومية على الصعيدين الجهوي والمحلي.
وعموما فتفعيل ورش الإصلاح الإداري يركز على تعبئة المواطنين والمرتفقين حول أهداف اللاتمركز. وهو الأمر الذي جعل الخطاب الملكي في 14 أكتوبر2016 يشدد “على ضرورة بلورة وإخراج ميثاق متقدم لللاتمركز الإداري، يستجيب لمتطلبات المرحلة”. وهو الميثاق الذي من شأنه إعداد تصور استراتيجي جديد للإدارة اللاممركزة يروم تحقيق الأهداف الحيوية التالية: تمتين فاعلية الإدارة، تطوير الخدمات الإدارية، مواكبة مشروع الجهوية المتقدمة، ضمان ايجاد مخاطبين أمام المنتخبين والسلطات المحلية، عقلنة وترشيد الهياكل الإدارية لتفادي تداخل الاختصاصات، التركيز على تنظيم المصالح الإدارية لفائدة تدعيم احداث المصالح اللاممركزة، لا سيما على المستوى الجهوي لمصاحبة ورش الجهوية المتقدمة. . .
هذا على مستوى خيار اللاتمركز، أما على مستوى خيار اللامركزيةLa décentralisation ، فقد تزايد الاهتمام به في علاقة مستمرة مع خيار الديمقراطية. إذ تم الدعوة إلى تبنيهما على المستوى الدولي منذ السنوات الأخيرة من القرن الماضي، باعتبارهما الحل الأمثل لمواجهة ضعف مستوى التنمية ودعم الاستقرار السياسي في مناطق متعددة من العالم، وكثير من الدول اختارت السير في طريق اللامركزية.
غير أنه لا يوجد نموذج عام موحد لهذا الأسلوب يمكن تطبيقه والأخذ به بكيفية مطلقة، بل على العكس فإن تطوره وإجراءات تطبيقه تختلف حسب الأهداف المحددة والوسائل المتبعة من جهة، وبتنسيق عمل مختلف المؤسسات وأدوات التنفيذ من جهة أخرى.
إن تعبير اللامركزية يجمع بين مفاهيم ومدلولات متنوعة. وبصفة عامة اللامركزية تعني نقـل الاختصاصات والمسؤوليات من الإدارة المركزية إلى أشخاص معنوية عامة على الصعيد الجهوي أو الإقليمي أو المحلي، أو تحويل مسؤولية وظائف عمومية من الإدارة المركزية إلى مصالح جهوية تابعة بها أو مستقلة تقريبا عنها أو نحو القطاع الخاص.
إن اختيار نظام اللامركزية هو اختيار استراتيجي من أجل تفعيل الديمقراطية المحلية، وإشراك المواطنين في تدبير الشأن العام المحلي والإقليمي(109). على هذا الأساس الاستراتيجي نهج المغرب المستقل في وقت مبكر، لامركزية تدريجية، وإطارا تشريعيا وتنظيميا يمكن من تطبيق اللامركزيـة، توجت باعتماد عدة قوانين في هذا الشأن.
وإذا كان نجاح اللامركزية وتعميم الحكامة الديمقراطية الترابية يتوقف على التحكم الجيد فــي المسالك المنبثقة على مستوى المصداقية وتنمية قدرات الهيئات المحلية؛ فإنه لا يمكن الفوز التام بهذا الرهان دون نهج تصور جهوي متجدد ودون ضمان تكامل ومواكبة لأي لامركزية إدارية حقة.
إن الإدارة العمومية يجب أن تكون إدارة قرب، حتى يشعر المواطن بأن المرافق العمومية قريبة منه فعلا، ويمكن الولوج إليها بسهولة. وللوصول إلى هذا الهدف التزمت السلطة العمومية بتطبيق نظامي عدم التمركز واللامركزية(110). هكذا تعني إدارة القرب وجود هياكل إدارية ومرافق عمومية منبثة بين التجمعات والمناطق الآهلة بالسكان، سواء أفي المدن التي يجب عليها “اعتماد الحكامة الجيدة وسياسة القرب محققة بذلك رفاهية وطمأنينة ساكنتها”(111) أم في كل جماعة قروية، بل وحتى القرى النائية، حتى يتأتى للسكان الحصول على الخدمات التي يحتاجون إليها، إذ كلما كانت الإدارة قريبة من المواطنين، كلما كانت خدماتها في متناول الراغبين فيها والحصول عليها أسهل وأيسر، ولتحقيق إدارة القرب يتعين القيام بالتدابير التالية:
*تركيز نظامي عدم التمركز واللامركزية بإحداث وحدات تغطي مختلف التجمعات السكانية، سواء أكانت تابعة لنظام عدم التمركز أم لنظام اللامركزية لإعطاء فرصة للسكان المحليين لتدبير شؤونهم بأنفسهم بواسطة ممثليهم(112). فتبني المغرب لـ”سياسة القرب” عبر إيلاء مهام الإدارة المركزية للسلطات المحلية والجهوية طبقا لأهم الممارسات المعتمدة في ميدان الحكامة؛ يرسم معالم انتقال يشجع على ظهور مغرب ديمقراطي يسوده الحكم الصالح، وقادر على الاستجابة لحاجيات المواطنين بشكل أفضل(113).
* منح صلاحيات واختصاصات اتخاذ القرارات للمسؤولين المحليين في كلا النظامين تسمح باتخاذ قرارات نابعة من الواقع المحلي(114) وحريصة على تحقيق سبل تنمية محلية مستدامة، وذلك عبر إطلاق دينامية لمشاريع تنموية كبرى “تضع المواطن في جوهر عملية التنمية وتقوم على سياسة تعاقدية وتشاركية تنهض فيها الجماعات المحلية بدور أساسي”، وتجعل من الكيانات الإدارية الكبرى تبحث على توازن قائم بين إدارة القرب والتدبير المحلي الفعال(115) بشكل يجعل من أداء المرفق العمومي الترابي أداءً عموميا للقرب(116).
* تعزيز النظامين بتقسيم ترابي يراعي خصوصية وطبيعة كل منطقة، سواء أمن النواحي الاقتصادية أم الاجتماعية أم الثقافية أم التقاليد والأعراف المحلية.
* دعم النظامين بالموارد المالية والبشرية لتمكينهما من تقديم خدماتهما على الوجه المطلوب، وتلبية حاجيات السكان والمقاولات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية بأسرع وقت وفي المكان عينه (117). في هذا الصدد، نجد المخطط الاستراتيجي الذي وضعته وزارة الداخلية على مستوى اللامركزية واللاتمركز، والذي ركز على الانتقال التدريجي بدور الدولة من الوصاية إلى المواكبة وإرساء قواعد إدارية محلية ناجعة مدعمة بكفاءات عالية وموارد مالية كافية، وذلك تجسيدا لديمقراطية القرب وجعل الجماعات المحلية شريكا أساسيا في تحقيق التماسك الاجتماعي وتنشيط الاقتصاد المحلي(118).
* وجود أنظمة للمعلوميات تساعد القائمين في النظامين على إنجاز مهامهما بالسهولة والسرعة المطلوبتين، (119) وكذا ترسخ مفاهيم الحكامة من الشفافية والتزود بالمعلومات وحقوق وواجبات ومسؤوليات المسيرين، وهي آليات تسمح ببلورة إدارة حديثة ومواطنة(120).
* وأخيرا توفر النظامين على قوانين ومساطر لإنجاز الأعمال المطلوبة منهما(121).
إن تجسيد إدارة القرب وفق منظور هذين النظامين قد يتبلور من خلال بعض الآليات كتحفيز الاستثمار، والذي لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع إلا عبر تحويل عملية اتخاذ القرار الاقتصادي من العاصمة إلى المستوى الجهوي والمحلي في إطار تقوية اللامركزية وعدم التمركز قصد صياغة سياسات محلية متوازنة ومن خلالها تنمية وطنية شاملة. وقد جعلت آلية التدبير اللامتمركز للاستثمار- والتي وقف الخطاب الملكي عند محدوديتها – والمتبلورة منذ 2002 من الدولة، ذلك الكيان الذي يقوم بدور المسير للعملية الاستثمارية عن طريق تبسيط المساطر والسرعة في معالجة المعطيات بهدف عقلنة اتخاذ القرار وتحقيق الفعالية المنشودة، وهذا ما يميز مفهوم صناعة القرار الذي يتخذ صبغة تشاركية عن المفهوم الذي يتسم باحتكار مركز القرار(122).

أنظر تتمة الموضوع

Admin
Admin
عدد المساهمات : 2680
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة Empty خاتمة

مُساهمة  Admin في الأربعاء أكتوبر 04, 2017 4:16 pm

إن من شأن الخطاب الملكي أمام البرلمان يوم الجمعة 14 أكتوبر2016، حث الحكومة المقبلة – والمكلف بتشكيلها السيد عبد الإله بنكيران – على الإعلان في البرنامج الحكومي المرتقب، عن مواصلة ورش تعزيز الإدارة المواطنة والإدارة الخدوم القادرة على إعادة الثقة بينها وبين المواطن، عبر خلق نظام لمرفق عمومي “محوكم”. عموما وحتى تضمن الفعالية والنجاعة الإدارية يبدو من الضروري القيام بمجموعة من الإجراءات التي تبرز ارتباطها بغائية المصلحة العامة. هاته الأخيرة، التي يتم بلوغها عبر سياسات ممنهجة تتخذها الحكومات لترسيخ البعد الأدائي لهاته الأجهزة التنفيذية، والتي تعتبر الإدارة أداة موضوعية تحت تصرفها، كما ينص على ذلك الفصل 89 من الدستور الجديد ، وبالتالي تشكل المرافق العمومية حجر الزاوية في البرامج الحكومية سواء أعبر إنشائها أو تطويرها أو إصلاحها. في هذا الصدد تأتي أهمية السياسات الحكومية التي تجعل من المرافق العمومية الأساسية منطلقا لقياس درجة قربها من تطلعات المواطنين وطموحاتهم المشروعة في التوفر على مرافق عمومية تتسم بسياسة “القربpolitique de proximité ” وتعزيز الحكامة الجيدة، وهو ما أكدت عليه حكومة عبد الإله بن كيران الأولى في التصريح الحكومي لـ 19 يناير 2012، والذي أصر على كون إصلاح الإدارة ضروريا بهدف الرفع من الأداء والارتقاء بالمرفق العمومي إلى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية العالية للقيام بواجباته في خدمة المواطنين، وليؤكد أن تحقيق هذه الأهداف والغايات سيتم بـ “محاور أساسية تروم إعادة الثقة بين المواطن والإدارة والحكامة الجيدة في التدبير العمومي”، وليعلن البرنامج الحكومي في الأخير على مستوى ترسيخ أسس الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العمومي على اتخاذ عدة إجراءات تأتي كلها في إطار التنزيل المتواصل للمقتضيات الدستورية المكونة لصرح دستور 2011 “وفي مقدمتها إصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى والأجهزة العمومية، كما يشير إلى ذلك الفصل 157 من الدستور”، ويشمل هذا الميثاق التزامات الإدارة وأعوانها وقواعد تنظيمها وتدبيرها، والقواعد المنظمة لعلاقة الإدارة بالمرفق، وسن قواعد التدقيق الدوري وتعليل القرارات الإدارية ونشرها وقياس الأداء والجودة وعقلنة وترشيد الهياكل الإدارية لتفادي تداخل الاختصاصات وتضخم المصالح الإدارية بناء على إنجاز عمليات تدقيق تنظيمي بصفة مستمرة .وينبغي لهذا الميثاق حتى يتبلور فعليا أن يستلهم أسسه وركائزه من المبادئ والمعايير الدستورية المرتبطة بالمرفق العمومي ومنها تكريس المساواة والإنصاف، ضمان الجودة والاستمرارية، تدعيم الشفافية، ربط المسؤولية بالمحاسبة، تكريس القيم الديمقراطية، تعزيز سيادة واحترام القانون، التأكيد على القابلية للتغيير والملاءمة، تيسير الولوج إلى المعلومة وإلى الخدمات العمومية، بلورة دعائم الحياد والنزاهة، بث روح المصلحة العامة، بلورة توجهات الاقتراح، إخضاع الأجهزة الإدارية للمراقبة والتقييم وتدعيم المشاركة المواطنة، أي كل ماهو متعلق بمبادئ الحكامة الجيدة، مما سيجعل إصدار هذا الميثاق طفرة نوعية وقفزة ايجابية تعزز المكاسب الدستورية وتجعل من مسألة التنزيل السليم للدستور على هذا الصعيد مسألة تخرج مقتضياته من “القوة” إلى “الفعل” وفق الفهم الفلسفي العميق.
إن المسألة المرتبطة بمدى قدرة الفاعل الحكومي على تجاوز اختلالات نمط الحكامة الإدارية بالمغرب؛ توجد على المحك بالنظر إلى أن الحكومة المشكلة لن تستطيع حل كل المشاكل(124)، بما فيها المرتبطة بالمرفق العمومي، الذي ما زال في حاجة إلى المزيد من الجهـد والعمل في أفق تحسين نظام حكامته، وذلك عبر القيام بتغيير جذري لبنية السلطة وإدخالها في منـوال التوزيع العمودي/ الأفقي بين مختلف الفاعلين الدولتيين، وتغيير جذري يحكم اشتغال النسق الاقتصادي وإخضاع مخرجاته في خدمة مختلف الفئات الاجتماعية (125) وإصلاح عميق للبنية الإدارية ووظيفتها، أي كوسيلة فعالة لخدمة غاية ناجعة، مع ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقات الاجتماعية وتحقيق نوع من العدالة وإقرار قواعد الإنصاف وتعزيز حس المسؤولية التي كانت وما زالت أكبر هم يطوق به المرء لأداء عمله الوظيفي في الدولة بشكل سليم ودقيق، دون رعونة ولا شطط، لما لمفهوم المسؤولية من أهمية قصوى وخطورة في حياة الإنسان، (126)عندئذ سنعبُر بالمغرب إلى بر الأمان وسنحقق الاستثناء والخصوصية بمضمونها ومنطوقها الذي يخدم الشعب المغربي ويحقق من جهة أخرى كل سبل التنمية المستدامة، باعتبارها الحل الأمثل لتجاوز كل معيقات التنمية المعطوبة. إنه – كما يؤكد الخطاب الملكي أمام البرلمان يوم الجمعة 14 أكتوبر2016 و”على الرغم من السلبيات والنقائص التي تعاني منها بعض المرافق العمومية، فهذا لا يعني أن الوضع أسود، وأن الإدارة لا تقوم بواجبها، بل إنها تتوفر على مؤهلات مهنية وتقنية عالية، وتعرف تحسنا ملحوظا. وخير دليل على ذلك الأوراش الكبرى التي يتم إنجازها والسياسات القطاعية والوطنية الناجحة التي غيرت وجه المغرب وكان لها دور كبير في تحقيق تقدم ملموس في مختلف المجالات. ولكن طموحنا أكبر وتطلعات المواطن تفوق ما تقدمه الإدارة. كما أن التطور الذي يعرفه المغرب، يقتضي الرفع من مردوديتها. إننا نؤمن بأن النجاعة الإدارية تساهم في النهوض بالتنمية، وفي جلب الاستثمار الوطني والأجنبي، وتعزيز الثقة التي يحظى بها المغرب. لذا ندعو الجميع حكومة وبرلمانا، أحزابا ونقابات، جمعيات وموظفين، للتحلي بروح الوطنية والمسؤولية، من أجل بلورة حلول حقيقية للارتقاء بعمل المرافق الإدارية، والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين. إن إصلاح الإدارة يتطلب تغيير السلوكات والعقليات، وجودة التشريعات، من أجل مرفق إداري عمومي فعال، في خدمة المواطن. فعلى الجميع مواكبة التطور، والانخراط في الدينامية المؤسسية والتنموية، التي نقودها ببلادنا. والكل مسؤول على نجاعة الإدارة العمومية والرفع من جودتها، باعتبارها عماد أي إصلاح وجوهر تحقيق التنمية والتقدم . . .” على هذا الأساس الإصلاحي/التجديدي سترسم الحكامة الإدارية ملامح إدارة متطورة حداثية، تتسم بكل عناصر الفعالية والكفاية، وقادرة على تعزيز الثقة لدى المرتفق وجعله يؤمن بأن الإدارة الجيدة القائمة على الحكامة الجيدة هي الإدارة التي توصف بأنها في خدمة المواطن. وتعتبر الجهوية المتقدمة التي أصبحت واقعا ملموسا حجر الزاوية الذي يجب أن ترتكز عليه الإدارة في تقريب المواطن من الخدمات والمرافق، ومن مركز القرار. ومن ثم وضع لبنة من لبنات إرساء دولة الثقة ، دولة الحكامة.
Admin
Admin
عدد المساهمات : 2680
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
https://alhoriyatmaroc.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكامة الإدارية بالمغرب وبناء دولة الثقة Empty الإحالات

مُساهمة  Admin في الأربعاء أكتوبر 04, 2017 4:19 pm

(1)علي سدجاري “تصورات من أجل مشروع حداثي لإحداث الإدارة بالمغرب: تأهيل الإدارة للعولمة” (منشورات بحث في المجال والتراب. طبعة 2000)، ص:8
(2)عبد الحافظ أدمينو “نظام البيروقراطية الإدارية بالمغرب” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط 2001/2002، ص:317.
(3) Robert Bernier « Réalités nationales et mondialisation (Presse de l’université du Québec 2006). P 315.
(4) Elie Sadigh « La théorie économique dominante ;un siècle d’imposture » (L’Harmattan 1998). P 31.
(5)ويقصد به فرض ثمن الاحتكار على العموم وتصبح الأسعار مرتفعة في حين تقل جودة الخدمات المقدمة للمستهلك.
(6) Conseil de l’Europe « Société de Marché, Démocrate,Citoyenneté et Solidarité : un espace de confrontation ? Conference Parlementaires. ONG. Strasbourg 31 Mai 1er Juin 1999. Edition. Conseil d’Europe 1999. P108
(7) J.Igalens.C.Loignon « Prévenir les conflits et accompagner les changements. L’observation sociale au service des entreprises et des administrations » (Editions Maxima. Paris 1997). P 96.
(8) Dr.Y.Elie Ouedraogo « Développement et gouvernance en Afrique : Impertinences structurelles. Le cas de la communication politique au Burkina Faso » Cahiers de cultures Africaines.N’IAVS Mars 2010. P 3
(9)رضوان زهرو، “من أجل مشروع وطني للحكامة” مجلة مسالك، العدد الثامن، 2008 ، ص:4.
(10)محمد لحموشي، “المفهوم الجديد للسلطة بالمغرب من أجل حكامة جيدة في مجالات الديمقراطية والتنمية”، مطبعة اقرأ، الناظور، الطبعة الأولى2007 ص: 169.
(11)وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، قطاع إعداد التراب والتعمير “مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2000/2004” اللجنة الموضوعاتية. إعداد التراب والتنمية المستدامة. التقرير النهائي. ص:62
(12)حيث طلبت الحكومة المغربية من هذه المؤسسة المالية القيام بتقرير شامل عن الاقتصاد المغربي واقتراح استراتيجية يمكن أن يلجأ إليها للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.
(13)محمد بن سلمان “الوظيفة العمومية الجماعية بالمغرب ورهانات اللامركزية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، 2005، ص:104.
(14)مليكة وكاس، “الحكامة المحلية على ضوء الميثاق الجماعي الجديد” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء 2003/2004، ص:78.
(15)تقرير البنك الدولي: “القضايا المرتبطة بالإدارة المغربية 1995 “المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد: 1996 ص: 388.
(16) Michel Rousset « L’administration Marocaine »1970, PP185-186.
(17)أسامة عبد الرحمان “تنمية التخلف وإدارة التنمية “سلسلة الثقافة القومية، العدد 32، (مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، يونيو 1997) ص: 19.
(18)عبد الغني اعبيزة، “تحديث الإدارة العمومية بالمغرب، عشر سنوات من الإصلاح والتحديث الإداري” المجلة المغربية للسياسات العموميةREMAPP العدد4، ربيع 2009، ص:218.
(19) المغرب الممكن: إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك، تقرير الخمسينية، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء. 2006، ص236 .
(20)من الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش بتاريخ: 30 يوليوز 2000.
(21)ياسر العدوان “دور الإدارة في تحديد نمط علاقتها مع المواطنين وأثرها على الاستجابة الإدارية”، مجلة الشؤون الإدارية، العدد السابع. 1987 ص:21.
(22)المغرب الممكن، مرجع سابق، ص88 .
(23)المرجع السابق نفسه، ص89 .
(24)الحاج شكرة “التوظيف في النظم الإدارية الحديثة وفي الفكر الإداري الإسلامي” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، الرباط، 1999/ 2000 ص:250.
(25)عبد العزيز أشرقي، “الحكامة الجيدة: الدولة – الوطنية الجماعية ومتطلبات الإدارة المواطنة”، مكتبة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى 2009، ص:192.
(26)نتحدث هنا عن برنامج حكومة عباس الفاسي. أما بخصوص البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في 19يناير2012، فقد تم التأكيد في هذا الصعيد على أن من المحاور الأساسية التي تروم إعادة الثقة بين المواطن والإدارة والحكامة الجيدة في التدبير العمومي؛ سنجد اعتماد سياسة شجاعة وطموح في تدبير الموارد البشرية، حيث أكد البرنامج الحكومي اعتماد سياسة تدبيرية، تجعل من الموارد البشرية قطب الرحى في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، وذلك من خلال اعتماد عدة إجراءات تشمل مواصلة الإصلاحات الهيكلية الشاملة والعميقة لمنظومة تدبير الموارد البشرية، باعتماد مناهج حديثة تأخذ بعين الاعتبار الوظائف والكفاءات، وتقييم الأداء، وتثمين التكوين المستمر، واعتماد الكفاءة والاستحقاق والشفافية في ولوج الوظائف العمومية وتولي مناصب المسؤولية. وتشمل هذه الإجراءات كذلك إقرار منظومة جديدة للأجور، محفزة ومنصفة وشفافة، ترتكز على الاستحقاق والمردودية والفعالية والإنجاز الفعلي للعمل، مع إقرار نظام جديد يشجع على إعادة انتشار الموظفين لتحفيزهم على العمل بالمناطق الصعبة والنائية، مع العمل على الرفع التدريجي من الحد الأدنى للأجور وتحسين الأوضاع الاجتماعية للموظفين والمستخدمين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ،وخاصة في ما يتعلق بتنظيم وتوسيع الأعمال الاجتماعية، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وبمعالجة الإشكاليات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وطب الشغل والوقاية من الأخطار المهنية.كما تشمل هذه الإجراءات الأخذ بعين الاعتبار مبدأ المناصفة في الوصول إلى تمثيلية منصفة للمرأة في مناصب المسؤولية وإرساء نظام التدبير على أساس النتائج في الإدارة العمومية، مع العمل على تفعيل حركية المسؤولين في الإدارات العمومية وإرساء ممرات وقواعد واضحة وتحفيزية لإعادة الانتشار داخلها وفي ما بينها وكذا بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية، وإصدار القانون التنظيمي المنصوص عليه في المادتين 49 و92 من الدستور، والمتعلق بتحديد مبادئ ومعايير التعيين في الوظائف العليا، لا سيما منها مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية. إلى ذلك تتضمن هذه الإجراءات تقييم سياسة التكوين الإداري، في أفق إعادة النظر في التكوين الموجه إلى الإدارة العليا، وكذا تفعيل الدور الأساسي الذي تضطلع به الإدارة الترابية، من خلال مواصلة الجهود الرامية لتحديث هذه الإدارة وتأهيلها وتعزيزها بالوسائل المادية والبشرية الضرورية، ودعم قدراتها التدبيرية لخدمة المواطن ورفع تحديات الأمن والتنمية.
(27)انظر موقع وزارة تحديث القطاعات العامة www.mmsp.gov.me=44.
(28)محفوظ قيطوني، “لا تنمية بدون حكامة إدارية”، انظر موقع www.hrdiscussion.com/hr254/html. منشور بتاريخ 20 غشت 2008.
(29)عبد العزيز أشرقي، مرجع سابق، ص189.
(30)دليل “انطلاقة، نتائج وتحليل عملية المغادرة الطوعية. إلى غاية 30 أكتوبر 2005”. وزارة تحديث القطاعات العامة، نونبر 2005، ص5.
(31)من بين النصوص القانونية المنظمة لهذه العملية:
المرسوم رقم 2.04.811 المؤرخ في 23 دجنبر 2004 يحدث بصفة استثنائية تعويضا عن المغادرة الطوعية لموظفي الدولة المدنيين.
منشور السيد الوزير الأول رقم 2004/21 بتاريخ 27 دجنبر 2004.
منشور السيد الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة رقم 1 بتاريخ: 7 فبراير 2005.
(32)انطلاقة: دراسة تتعلق بتقييم عملية المغادرة الطوعية للوظيفة العمومية “ملخص لتقرير الدراسة 2006 موقعww.mmsp.gov. maw
(33)عبد الغني اعبيزة، مرجع سابق، ص: 225.
(34) انطلاقة.”نتائج وتحليل عملية المغادرة الطوعية” ، ص: 7. (35) نفس المرجع السابق، ص:7
(36)عبد الغني اعبيزة ، مرجع سابق، ص: 225.
(37)انطلاقة “نتائج وتحليل عملية المغادرة الطوعية” ، مرجع سابق ، ص:13.
(38)عبد الغني اعبيزة ، مرجع سابق، ص: 225.
(39)انطلاقة “نتائج وتحليل..” ، مرجع سابق، ص: 7.
(40) M. Harakat « L’audit dans le secteur public au Maroc » (Edition Bable 1994). P 109.
(41)عبد العزيز أشرقي، مرجع سابق، ص: 192.
(42) Yoes Luchaire « collectivités territoriales et gouvernance contractuelle » (L’Harmattan 2006) , P 149
(43) عبد العزيز أشرقي، مرجع سابق، ص: 187 .
(44)محمد بنيحي ” المفهوم الجديد للسلطة، الدلالة والأبعاد” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. العدد 25. 2001 ، ص: 22
(45)البند الثالث من ميثاق حسن التدبير ضمن الوثائق المنشورة في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 25، ص: 68
(46)جميلة دعموش، “الإصلاح الإداري بالمغرب في الفترة ما بين 1990 و1998 المحددات والتوجهات” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام كلية الحقوق الرباط 1998/ 1999 ص:34.
(47)عبد العزيز أشرقي ،مرجع سابق، ص: 198.
(48)بشرى الزعيم “دور الحكامة الجيدة في مكافحة غسل الأموال بدول المغرب العربي: حالة المغرب، الجزائر، تونس “بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس السويسي، الرباط ، ماي 2008، ص:153.
(49)ميثاق حسن التدبير. المملكة المغربية وزارة الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري، 1999، ص: 14
(50) Soungalo Duattara « Gouvernance et libertés pour une renaissance de l’Afrique » (Editions KARTHALA 2007). P 209
(51) Séverine Bellina , Hrvé Magro et Violaine de Villemeur « La gouvernance démocratique un nouveau Pradigme pour le développement » (Editions Karthala 2008). P 114.
(52)عبد العزيز أشرقي ، مرجع سابق، ص: 196.
(53)علي سد جاري،مرجع سابق، ص: 137. (54) لحسن ايت الفقيه، “الحكامة الجيدة ودورها في تحسين أداء المؤسسات الاجتماعية” الحوار المتمدن العدد: 2355 بتاريخ: 27 يوليوز 2008.
(55)المغرب الممكن . مرجع سابق ص: 230.
(56)خالد سالم “الحكامة الادارية” منتدى التواصل موقع:www.kashada.com
(57)عبد العزيز أشرقي، مرجع سابق، ص: 208.
(58)محمد بنيحي ، مرجع سابق، ص: 22 .
(59)عبد العزيز أشرقي ، مرجع سابق ، ص: 209.
(60)”الإجراءات المتخذة في إطار تحسين التدبير العمومي” مطبوع صادر عن وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، يونيو 2000، ص: 59.
(61)عبد الغني اعبيزة ، مرجع سابق، ص: 229.
(62)سمير والقاضي “عشر سنوات في المحاكم الإدارية بالمغرب 1994/ 2004” أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس السويسي ، الرباط 2009/2010، ص:363.
(63)أنظر موقع: الحكومة المغربية www.maroc.ma
(64) تم احداث ديوان المظالم بظهير شريف رقم: 1.01.298 الصادر في 23 رمضان 1422 الموافق 9 دجنبر 2001 (الجريدة الرسمية عدد 4963 بتاريخ:24 دجنبر 2001 ص: 4281) وقد تمت المصادقة على النظام الداخلي لديوان المظالم عن طريق الظهير الشريف رقم: 1.03.240 الصادر في 9 شوال 1424 الموافق 4 دجنبر 2003 (الجريدة الرسمية عدد:5171 بتاريخ:22دجنبر 2003. ص: 4291، كما أنه تم تعيين والي المظالم عن طريق الظهير الشريف رقم:1.02.337 الصادر في 23 رمضان 1423 الموافق 12 دجنبر 2002 (الجريدة الرسمية عدد:5065 بتاريخ:16 دجنبر 2002 ص: 3686).
(65)موقع الجزيرة الالكتروني بتاريخ: 19 مارس 2011.
(66) TIC : Technologies de l’information et de la communication.
(67) www.mmsp.gov.mr.art=58
(68) OECD « surmenter les obstacles à la mise en œuvre des stratégies de simplification administrative. Orientations destinées aux décideurs » (OECD 2009) P 25
(69)OCDE « Etudes de l’OCDE sur l’administration électronique : l’administration électronique, un impératif » (OCDE 2004), P 1.
(70)موقع وزارة تحديث القطاعات العامة، مقال حول الادارة الالكترونية، أنظر موقع www.mmsp.org.m.art58
(71) OCDE « Etudes.. » op. cit , PP 11-14
(72)OECD « surmenter… » op. cit, P 25
(73) Aboubacar Yenikye Ismail « Gouvernance et gouvernométrie » (L’Harmattan 2007) P 36.
(74) OCDE « Etudes.. » op cit P 11
(75)OCDE « Eliminer la paperasserie ; pourquoi la simplification administrative est elle si compliquée ? Perspectives audelà de 2010 OCDE 2011. P 63.
(76) www.mmsp.org.ma.art58.
(77) عبد الغني اعبيزة. مرجع سابق، ص: 221 .
(78)www.mmsp.org.ma.art=58.op cit
(79)أسامة المنير “الإدارة الالكترونية ومتطلبات الجودة، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة نموذجا” بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة محمد الخامس السويسي الرباط فبراير 2008 ص:38.
(80)محمد بنيحي، مرجع سابق، ص: 22.
(81) Ahmed Bouachek « Redéfinition du role de l’état et nouveau concept de l’autorité » REMALD N° 25. 2001, P 49.
(82) Emmanuel Okomba « La gouvernance. Une affaire de société ; analyse mythivmétrique de la performance » (L’Harmattan 2010). P 31.
(83)خالد سالم “الحكامة الإدارية” مرجع سابق.
(84)محمد الهيني “دور هيئات النوظمة في ضمان حكامة إدارية واقتصادية فعالة” بحث مقدم إلى الملتقى الدولي حول الإبداع والتغيير التنظيمي في المنظمات الحديثة، دراسة وتحليل تجارب وطنية ودولية، المقام في جامعة سعد حلب البليدة. 18-19 ماي2003.
أنظر موقع:iefpedia.com/arab/?p27369
(85) “دعم الأخلاقيات بالمرفق العمومي” مطبوع صادر عن وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، يونيو 2000، ص: 1.
(86)عرض السيد وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين حول المشروع ميزانية الوزارة برسم السنة المالية 1999/2000 ص: 32
(87) « Le réforme administrative au Maroc.Vision stratégique ;plan d’action » .Publication du ministère de la fonction publique et de la réforme administrative 2001, P 51.
(88)هذا المنتدى المنعقد بمدينة الرباط يومي 27 و 28 يونيو 2011 حول موضوع مكافحة الفساد وتعزيز الحكامة الجيدة بغية الحد من الفقر وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بإفريقيا، يندرج في إطار التحضير لتنظيم الدورة الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بمدينة مراكش خلال الفترة الممتدة من 24 إلى 28 أكتوبر 2011.
(89)في شتنبر 2000، اجتمع قادة العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لاعتماد إعلان الأمم المتحدة للألفية الذي التزمت بموجبه دولهم بشراكة عالمية جديدة للحد من الفقر المدقع والذي حدد سلسلة من الأهداف التي تم تحديد فترة زمنية لتحقيقها تنتهي عام 2015 والتي أصبحت معروفة باسم الأهداف الإنمائية للألفية وهي: 1 استئصال الفقر المدقع والجوع . 2 تحقيق التعليم الابتدائي للجميع. 3 النهوض بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. 4 الحد من وفيات الأطفال. 5 تحسين الصحة النفاسية. 6 مكافحة فيروس نقص:المناعة البشرية الايدز والملاريا وغيرها من الأمراض. 7 كفالة الاستدامة البيئية. 8 إقامة شراكة عالمية للتنمية.
(90) أنظر موقع وزارة تحديث القطاعات العامة. www.mmsp.gov.ma
(91)عبد العزيز أشرقي، مرجع سابق، ص: 216.
(92)عبد العزيز الرماني “هل نترحم على قانون التصريح بالممتلكات؟” أنظر موقع Romaziz.maktooblog.com منشور بتاريخ: 15 مارس 2006.
(93)وهي المناظرة المنعقدة بالرباط بتاريخ: 28 أكتوبر 1999.
(94)عمر بندورو في حوار مع أسبوعية المشعل المغربية، منشور في الموقع الالكتروني الحوار المتمدن العدد 1839 بتاريخ 27 فبراير 2007. أنظر موقع:www.ahewar.org
(95)عبد الغني اعبيزة ، مرجع سابق، ص: 223.
(96)”الحكامة في حلة جديدة” مقال بجريدة التجديد بتاريخ: 21/06/2011.

إعداد:الدكتور محمد البكوري


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...