الحوز في التبرعات


          الحوز في التبرعات

   اقتضت حكمة الله في الارض تداول الاموال والمنافع بين بني البشر والذين هم مستخلفين فيه بوسائل شتى، ومن هذه الوسائل ما هو بمقابل، ومنها ما هو غير ذلك، فهو على سبيل التبرع.

  غير انه وكسائر العقود، يلزم لقيام التبرع وصحتها شروط يجب اتباعها فعلى الرغم من ان الاصل في العقود في الفقه الإسلامي رائيتها، غير أن بعض التصرفات اما بطبيعتها كالرهن، او لتعلق حق الغير بها كما هو الحال في موضوعنا، اقترنت صحتها كما سبقت الاشارة الى ذلك بشروط اخرى. وهكذا فالتبرعات تلزم بالقبول عندنا في المذهب وتصح بالحوز شريطة ان يتم ذلك قبل حدوث مانع من موت او احاطة دين بالمال…..

    وباشتراط الحوز هذا صارت هذه العقود اشبه بالعقود العينية التي لا تتم الا بالقبض كالرهن، على أن الفقهاء ميزوا على المستوى الاصلاحي بين النوعين، اذ نعتوا الرهن بالقبض وفي العطايا والتبرعات بالحوز، وذلك لان القبض في الاول ركن فيه اما الثاني فهو شرط نفاذ لا يلزم ان يكون فوريا عند الاشهاد، بل يمكن ان يقع في أي وقت بعد العقد شريطة ان يتم قبل حدوث المانع. والحوز هذا يعني  في التعريف الاصطلاحي ودون الدخول في تفصيل التعاريف- هو وضع اليد على الشيء او الحق بطريقة شرعية إما أصالة او نيابة– فهو شرعي حيث يتميز عن وضع آخر  غير شرعي كما هو الشان بالنسبة للسرقة او الغصب، وتدل عبارة وضع اليد عن ذلك الوضع الحسي المعبر عن خروج الشيء او الحق من يد الى يد او انه انتقل من حرز الى حرز واخيرا فهو اما ان يكون بالأصالة، حيث يحوز المرء لنفسه، واما بالنيابة، وذلك حين حيازة المرء عن منوبه، كالوكيل عن موكله، او الاب عن ولده القاصر.

  بعد ما ذكر قد يتساءل المرء عن الحكمة من وراء اشتراط الحوز؟؟ الاصل في هذه الحكمة، ما ورد في كتاب الموطا- حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن عائشة رضي الله عنها  قالت: ان ابا بكر كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال: و الله يا بنية ما من الناس احد أحب إلى غني بعدي منك ولا اعز على فقرا بعدي منك واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وما هو اليوم مال وارث، وانما هما اخواك واختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة: فقلت يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر ذو بطن بنت خارجة، ارها جارية-.

  وكذا ما ورد عن عمر بن الخطاب: – ما بال رجال ينحلون ابنائهم نحلة لم يمسكوها، فان مات احدهم قال: مالي بيدي لم اعطه احدا، وان مات هو قال هو لابني، قد كنت اعطيته اياه، من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى يكون ان مات لورثته، فهي باطل.”

  فالظاهر مما ذكر، ان اخراج المال بدون مقابل فيه ضرر محتمل بالغير والذي قد تنشا له حقوق على هذا المال، ولهذا قيد المشرع التبرعات بضرورة اخراجها من حوزة المتبرع قبل حصول المانع نفيا للتهمة. وهكذا وضع الفقهاء احكاما تنظم الحوز، ورتبوا جزاءات عن تخلفه، ولكن بدخول المستعمر، ونقله تجربة نظام التحفيظ العقاري في بلدان عدة كما هو الحال في المغرب، وقعت هناك تعارضات بين ما هو معهود به فقها وما هو عليه الامر في هذا النظام، ذلك ان انتقال الملكية في نظام التحفيظ العقاري، تكفي فيه عملية التسجيل لدى المحافظة العقارية، ولا يتطلب الأمر أي إجراء إضافي آخر، كالحيازة المادية للشيء موضوع البيع والشراء، وهكذا طرحت اشكالية مفادها هل يغني الحوز القانوني عن الحوز المادي؟؟ وتتفرع التساؤلات الناتحة عن التعارض بين ميكانيزمات نظام التحفيظ العقاري، والفقه الإسلامي، من قبيل هل يغني الحوز المادي عن التقييد في الرسم العقاري؟

  يبدو انه بالنظر لخصوصيات نظام التحفيظ العقاري، فانه لا بد للقول بصحة الحوز بالنظر اليه من حوز قانوني وهو المتمثل في التقييد في السجلات التي تمسك بخصوص هذا النظام، ولقد مر الاجتهاد القضائي بمراحل مختلفة بخصوص هذه النقطة، توصل معها اخيرا الى القول بضرورة الحوز القانوني الذي لا يغني عنه الحوز المادي. وللوقوف على هذه الاشكالية، يحسن بنا تناول مفهوم الحوز كما بحثفي الفقه الاسلامي” المبحث الاول” ثم نتطرق للحوز ومنظومة التحفيظ العقاري”.

                 المبحث الاول: مفهوم الحوز عبر تصور الفقه الاسلامي: 

  في هذا المبحث يتم التطرق الى شروط الحوز الصحيح ” المطلب الأول”  ثم إلى أنواعه ” المطلب الثاني”.

                      المطلب الاول: شروط الحيازة الصحيحة:

  حتى يتم القبول بالحوز، يجب ان تتوافر فيه مجموعة من الشروط، والتي هي معاينته، وحصوله قبل المانع، ثم الجد في طلب الحيازة واخيرا خصوصيات الحوز في بعض الاشياء وفي بعض الحالات.

  *اولا: المعاينة: يتوجب حصولها قبل الموت والفلس، المرض المخوف، والجنون والسفه، ولا يؤخذ بالقبول او العقد ما دام ليس هناك حوز وعندما نقول الحوز فلا يعني هذا انتفاع المعطي له بعطيته فمسالة الانتفاع هذه ليست شرطا لصحة الحوز. والمعاينة، إذا كانت شرطا لقيام الحوز صحيحا فهي بدورها يتطلب فيها خضوعها لقواعد معينة، ذلك أن المعاينة المبنية على اقرار المعطي والمعطى له، لا مجال للاعتداد بها، فليس للشخص ان يصطنع حجة تسري على الغير، وهكذا فالمعاينة التي يؤخد بها هي التي قامت باشهاد العدلان او الموثق شخصيا، اشهادا مبنيا على الرؤية والاطلاع في مكان وجود العطية، وبذلك لو قال الموثق مثلا  “وحازه حوزا تاما” ولم يضف على هذه العبارة كلمة عيانا او معاينة، ما كانت كافية لاثبات حصول الحوز، وهكذا وجب على العدلين او الموثق، التنصيص في صيغة الاشهاد على معاينة الحوز “وبسط لهم يد الحوز لذلك الاصل الموهوب لهم وتوجه شهيداه صحة الواهب و الموهوب لهم المذكورين الى الارض المذكورة وحازها الموهوب حوزا تاما معاينة فارغة من شواغل الواهب المذكور كما يجب، عرفوا قدره شهد به عليهم باتمه……” الصنهاجي ج2- ص-544.

   واذا قلنا ان المبني على اقرار المعطي والمعطى له لا وجه للاعتداد به، فبمفهوم المخالفة، فان المعاينة الصحيحة هي التي تثبت بالغير، فما المقصود بهؤلاء الغير؟؟ ان المقصود هم العدول والموثقون وكذا اللفيف، وكذلك عن طريق الشهادة امام القاضي المعروض عليه النزاع ويجوز اللجوء إلى القرائن مع اليمين.

    1- العدول والموثقون: “الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها حصوله في محضره وذلك الى ان يطعن فيها بالزور…” هذه كانت مقتضيات الفصل 419 من ق ل ع ، والتي تدل على ان هذه الفئة من المهن هم اولى الناس بالاشهاد، واشهادهم هذا حجة قاطعة على الاطراف و الغير معا.

   2- اللفيف: يجوز تدعيم العقد العرفي المبرم بين المعطي والمعطى له بشهادة اللفيف، ذلك ان الحوز من مسائل الواقع، فالعقد يظل مجرد اقرار بين الطرفين، فاذا جيء بلفيف  صحت العطية.

   3- الشهادة: منازعة الورثة مثلا في ثبوت معاينة الحوز، يمكن تفاديها عبر طلب استماع للشهود  مقدم من طرف المعطى له امام القاضي المعروض عليه النزاع.

   4- القرائن مع اليمين: في العقود العرفية دائما والتي لم يتمكن من تدعيمها عبر ما سبق من وسائل، جاز اللجوء الى القرائن، والتي يتمتع القاضي في مواجهتها بسلطة تقديرية واسعة، فله ان يقبلها او يردها اذا لم تكن مقنعة، غير ان قبول القرائن القوية والخالية من اللبس قد لا يقبل الا اذا تعززت بيمين، إذا رأى القاضي موجبا لذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 87 من ق م م .

   * ثانيا: حصول الحوز قبل المانع: المقصود بالمانع الموت او احاطة الدين او مرض الموت او السفه، وكل هذه الامور تدخل في حكم الموت، وعند الشك في الاسبقية بين الدين والتبرع قدم الأول على الثاني، لان الاول واجب والواجب مقدم على المندوب. اذن فلا عطية اذا لم يتم حوزها قبل هذه الموانع، ولو أن العطية كانت قد انعقدت قبل هذا المانع ولم يتم حوزها الى ان حدث المانع اخذت حكم عدم النفاذ، ولا تعتبر حتى في حكم الوصية، فهي انعقدت قبل المرض مثلا ولو اراد المعطي الابقاء عليها لابرم لها عقدا جديدا.

   * ثالثا: الجد في طلب الحيازة: قد يتراجع المعطي بعد التزامه بالعطية لسبب من الأسباب، ومعلوم أن لا رجوع في العطية الا فيما بين الاب او الام في حدود، إلى أولادهما، ومن جهة المعطى له، فالامر لا يخرج عن احد الفرضين، فاما ان يتخلى عن طلب الحيازة، واما ان يستمر في المطالبة بها الى وفاة المعطي. ففي الحالة الاولى سقطت العطية بوفاة المعطي، اما الفرضية الثانيةفان الهبة لا تسقط ولا تبطل. ونتساءل حول الحكم في حالة وفاة المعطي وقد حكم باتمام الهبة، أو أن إجراءات الدعوى ما تزال جارية؟؟

 اعتبر الجد في الفقه المالكي والحرص على طلب العطية بمثابة حوز لها، وحتى في الحالة التي لم ترفع فيها الدعوى اساسا، فان الجد في الطلب اذا ثبت ، صحت العطية لكن كيف يتم اثبات الجد في الطلب من طرف المعطي؟ نعتقد ان ذلك يتم في اطار الفصول المنظمة لمطل المدين، والأمر يتعلق بالفصول من 254 الى 267 من ق ل ع وحتى بالشهود. والمعطي المتماطل يجبر على التنفيذ وعلى التعويض إذا كان الهلاك او العيب الذي لحق العطية قد نتج عن خطا المعطي او احد تابعيه او ورثته، بل انه يسال عن تبعات القوة القاهرة من وقت ثبوت المطل، قياسا علىالمدين المتماطل

     *رابعا: خصوصيات الحوز في بعض الاشياء: وكمثال على ذلك، نأخد الحوز في دار للسكن، فلاهمية هذا الاخير احتاط الفقهاء كثيرا في العطايا المتعلقة به، وهكذا اشترطوا لصحته شرطين اساسيين:

         1- يتعلق بمعاينة الاخلاء من جميع الشواغل، فإذا افرغ البعض، وبقي ساكنا في باقي اجزاء الدار فيفرق بين امرين، فاما ان تكون العطية للمحجور او للراشد، ففي الاول اذا بقي ساكنا في اليسير فلا اشكال، سواء أبقى الجزء الباقي فارغا ام عقد عليه كراء لفائدة المحجور، وفي النصف تبطل العطية في حدوده و في الاكثر يبطل الجميع. اما في التعامل مع الراشد فالعطية صحيحة في حدود ما افرغ.

        2- ويتمثل في عدم عودة المعطي الى الدار موضوع العطية مدة سنة ، ابتداء من تاريخ الافراغ حيث عودته هذه وبقائه الى حين حدوث المانع، تبطل معها العطية. على ان عودته قبل السنة، ومغادرته لها قبل المانع، لا تؤثر على صحة العطية ، وكذلك فيما لو عاد لتفقد صيانتها، كما لو وهب اب لابنه الصغير وحاز عنه، كذلك لا تاثير على صحة الهبة، فيما لو عاد تحت وطاة المرض او الخوف او الفقر. يقول الشيخ خليل” او رجع مختفيا او ضيفا فمات”. اما رجوعه بعد السنة، فالقول الراجح ان العطية تبقى صحيحة، لان هذه المدة هي التي يقع بها الاشهار.

   ودائما في معرض خصوصيات هذا النوع من التبرعات، نقول إن شرط السنة هذا، انما هو خاص فقط بدور السكن، اما ان كان الاب مثلا لا يسكنها، عقد الاشهاد وكانت حيازته على بنيه بالاشهاد والاعلان نافدة جائزة. ومن الخصوصيات كذلك ما يتعلق بالام فهذه الاخيرة ان وهبت دار سكناها لاولادها يتم التمييز بين الكبار والصغار، فبخصوص الكبار تلزم معاينة الافراغ وتتقيد بشرط عدم العودة  قبل السنة، اما فيما يخص الصغار فتصح الهبة مثلا دون افراغ حيث يعتبر بقاؤها في دار بصفتها حاضنة لا واهبة، واذا بلغوا سن الرشد، دون ان يعتريهمعارض من عوارض الاهلية، جدد لهم حوز الام قبل حدوث مانع والا فلا شيء لهم.

    وقد يتساءل المرء، عن الحالة التي يثور فيها الشك حول تاريخ الرجوع، هل هو قبل مضي العام او بعده، فهناك من قال باخذه على انه قبل العام تغليبا لارادة الواهب، وهناك من اخذ بالقول على انه بعده، وفي راينا الشخصي وتماشيا مع الفصل 473 من ق ل ع الذي يقضي بانه عند الشك يفسر الالتزام لمصلحة المدين، فالواهب او المعطي عموما هو الملتزم هنا لهذا وجب القول عند الشك بانه قبل العام.

*خامسا: خصوصيات الحوز في بعض الحالات: سبق ان اوردنا ان من ضمن شروط صحة الحوز ان يقوم بالمعاينة في حالات معينة،يكتفي بالاشهاد بلا معاينة ومن الامثلة على هذه الحالات الاضطرابات  و الفتن و التي يتعذر معها الانتقال الى عين المكان لمعاينة الحوز. و الحيازة في هذا الظرف تصح بالشكل المشار اليه وتبقى على هذه حتى بعد زوال حالة الضرورة فلا اشتراط لمعاينة الحوز من جديد فالعبرة بزمن وقوعها حالة الضرورة. وفي إطار إبراز شروط الحوز الصحيح وتميزه عن الصور الباطلة له، ترد في معرض الحديث عن هذه الاخيرة مسالة صورية الحو فما المقصود بالحوز الصوري؟ وهل تصح به العطية؟

   من صور الحوز الصوري هذا اثبات المتعاقدين له بالرسم وهو ليس بثابت في الواقع، او الكذب على العدلين او الموثق و الدفع بهم الى ان يشهدوا على معاينة الحوز، والحال أن ليس من حوز في ارض الواقع حتى اذا وصلا الى مرادهما رجع المعطي للانتفاع بماله واخرجه عن ورثته بعد مماته. وهكذا فالحوز الصوريهذا او قد يعبر عنه بالتحيل على الحوز، لا مجال للاعتداد به الا اذا استدرك حقيقة قبل حدوث المانع.

  ولكن كيف يتم اثبات صورية الحوز؟ رغم انه يجوز ذلك بمختلف وسائل الاثبات( الفصل 419 ق ل ع) فإنه في واقع الامر يصعب ذلك، وهكذا اجتهد فقهائنا في هذه النقطة واعتبروا رجوع الحوز الى المعطي عن قرب من العطية قرينة على التحايل و الصورية والقرب هذا موكول للسلطة التقديرية للقضاء.

  واذا كان هذا هو جوهر الحوز من حيث معناه فما هي انواعه؟

                             المطلب الثاني: انواع الحوز:

  سنقتصر في هذا المطلب على تناول انواع الحوز من حيث الاشخاص على ان نعرض لانواعه من حيث الاموال و التي هي العقارات عند التطرق للبحث الثاني. والحوز باعتبار شخص الحائز هو اما حائز بالاصالة “اولا” واما حائز بالنيابة “ثانيا”.

   *اولا: الحوز بالاصالة: الحوز بالاصالة هو الاطار العادي، ويمارسه المعطي له شريطة ان يكون كامل الاهلية ، واجاز المشرع استثناء للقاصر و ناقص الاهلية ان يقبل الهبات عند الاقتضاء دون حاجة للحاجز.

  *ثانيا: الحوز بالنيابة: والحوز بالنيابة فيه العديد من التفصيلات ، فالشخص كما يحوز لنفسه يستطيع ام يحوز لغيره بالنيابة هذه الاخيرة التي اما تكون اتفاقية او قانونية فالاولى قوامها التراضي، وتخضع لاحكام الوكالة كما هو منصوص عليها في ق ل ع. واما القانونية فهي التي يتولاها الحاجر من محجوره، وذلك اما ولاية او وصاية او تقديما ، في ضوء احكام النيابة الشرعية كما هي منظمة في مدونة الاسرة وتجب الاشارة هنا الى ان معاينة الحوز اذا كانت تجري في مواجهة المعطى له في الحوز اصالة فانها في الحوز بالنيابة تجري في مواجهة النائب.

   ومن الحالات الشائكة في هذا الاطار كون الحاجر هو الواهب نفسه فهل يبقى بيده الحوز ام انه ينتقل الىالغير ؟ وماذا بخصوص وقوع المانع ثم هل من اجراءات اضافية عند كمال اهلية المعطى له؟

   بالنسبة للتساؤل الاول نميز في الشيء المعطى هل هو شيء قيمي ام انه مثلي فاذا كان في حكم الاول فالحوز فيها للحاجر، كيفما كان اب ، ام، وصي، مقدم، فبما انها متميزة فلا خشية من اختلاطها باموال الحاجر وفي ذلك ورد في تحفة ابن عاصم:

                            وللاب القبض لما قد وهبا              ولده الصغير شرعا وجبا

                           الا الذي يهب مــن نقديه              فشرطه الخروج من يديه

والكل مع مراعاة الحالات الاستثنائية، كما اذا كانت العطية دار للسكنى، فعلى الواهب كما سبقت الاشارة الى ذلك – انيخرج اهله منها، ويفرغها من شواغله، والا يرجع اليها مدة سنة ولا شيء عليه ان اكراها للغير لصالح المحجور او لنفسه وبعد مضي السنة كما ولا شيء عليه ان سكن في القليل منها اما ان شغل النصف ، فتبطل الصدقة فيه وتصح في الباقي، واما سكناه للكثير منها فتحول العطية باكملها الى البطلان.

  واذا كانت العطية من الاشياء المثلية ، فالحوز فيها لا يتم الا بوضعها بيد امين وبالتالي لا يصح فيها ان تحاز من طرف الحاجر ، كيقما كانت صفته و العلة في ذلك انه يسهل اختلاطها باموال الحاجر. وفي هذا المعنى ورد في الموطا في باب ما يحوز من النحل” قال مالك الامر عندنا ان من نحل ابنا صغيرا له ذهبا او ورقا ثم هلك وهو يليه انه لاشيء للابن من ذلك الا ان يكون الاب عز لها بعيذها او دفعها الى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل فان فعل جائز للابن”

   واما السؤال الثاني ففي الأشياء المثلية فحدوث مانع و الحال ان المعطي كان لم يخرج العطية الى امين بطلت العطية.

  وفيما يخص السؤال الثالث بالنسبة للاشياء القيمية وهي التي يتصور فيها بقاءها في يد الحاجر فان كمال اهلية المحجور تستتبع تجديد الحوز، والا بطلت باستثناء جدية المعطى له في طلب حيازتها او حدوث عذر عاد على ما تقدم.

  واخيرا نشير الى ان الحاجر يستطيع ان يشتري ما وهب لمحجوره اذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك على حيازة الثمن يفرق فيها بين الاشياء القيمة و الاشياء المثلية المعطاة.

  ففي الاولى يقوم الحاجر بالاحتفاظ بالثمن لمحجوره وبالتالي ليس من المفروض تجديد الحوز في الثمن للمحجور عند كمال اهليته وكذا ليس هناك داعي لوضع الثمن عند امين فالعطية قد انقضت بالبيع. واما فيما يخص الثانية يسلم الى الامين فهو الحائز فيما يهيبه الحاجر على المحجور من اشياء مثلية.

  ما سبق تناوله في هذا المبحث كان متماسيا مع حقبة زمنية معينة لم يعرف نظاما شبيها بما يصطلح عليه بالتحفيظ العقاري فكان الحوز المادي واجب التوفر للعلل التي سبق بيانها مع ضرورة معاينة الاشهاد، على انه وبدخول نظام التحفيظ العقاري بميكانيزمانه المعزوفة حدث هناك تعارض مع ما سطره الفقهاء المسلمون ليس على مستوى الجوهر أي العلة ولكن فقط على مستوى الاليات و المساطر الموصلة لنفس الهدف.

المبحث الثاني: هل يغني الحوز القانوني عن الحوز المادي؟

  لقد انقسم القضاء المغربي في موضوع الحيازة المادية و القانونية على نفسه بين قائل بان الحيازة المادية كافية واخر انتقص من الحيازة القانونية فتطلب الحوز الحيازة المادية( مطلب اول) الى اخر انتصر لقوة الحيازة القانونية وكفايتها على الحيازة المادية وانتهى هذا التيار بتاييده من قبل المجلس الاعلى بقرار له بست غرف( مطلب ثان).

            المطلب الاول: الحيازة المادية تكفي لصحة الحيازة:

   اذا كانت الحيازة المادية تكفي في العقار غير المحفظ فان الامر يختلف مع العقار المحفظ ومع ذلك وجدنا قرارات لا تعير اهمية للتسجيل في السجل العقاري مكتفية بالحيازة المادية وفي هذا المعنى جاء القرار عدد 579 بتاريخ 13/2/2002 ليقرر ان عدم تسجيل عقد التحبيس بالرسم العقاري لا يمكن انيؤثر على صحة موضوعه او يحد من اثره في نقل الحق للاحباس خاصة وان الحيازة المادية للملك المحبس قد تمت فعلا وكانت بصفة علنية كافية وثابتة باعتراف الورثة انفسهم وان استغلالها كان قبل وفاة الطرف المحبس وبعده وفي نفس الاطار اشترطت استنافية الرباط في قرار لها بتاريخ 30/3/1993 حكم عدد 387 ضرورة توافر الحيازة المادية قيل الحيازة القانونية فيما يخص العقارات المحفظة “ان الدفع بتسجيل العقدين العرفيين المطالب بابطالهما على الصك العقاري و بالتالي اكتسابهما الحجية المثبتة للحيازة القانونية المطلوبة لئن كان يوحي للموهوب لها بمثل توافر هذه القرينة لصالحها الا ان التسجيل وتلك وتلك الحيازة غير منتجين لا في نظر الفقه ولا في تحليلات القانون لكون ما يسجل بالصكوك العقارية لا يكتسب الحجية المطلقة بل يمكن الغاؤه اتفاقا او قضاء كما تنص على ذلك الفصول 66 و 67 من ظهير 12/8/1913 بشرط ثبوت الحيازة المادية اولا على النحو المفصل انفا قبل التسجيل و الحيازة القانونية الشكلية اذا كان الامر متعلق بعقار محفظ”.

  في راينا الشخصي فان ما ذهب اليه القضاء يتعارض وقانون التحفيظ العقاري ذلك انه وكما هو معلوم فظهير التحفيظ العقاري واضح في نصوصه على ان العقود و الاتفاقات الرامية الى اجراء أي معاملة على العقار المحفظ ليس لها وجود ما لم تضمن في السجلات العقارية وبذلك ففي راينا الشخصي دائما نقول على عدم كفاية الحيازة المادية فيما يخص العقارات المحفظة بل يجب ان تنضاف اليها الحيازة القانونية وليس في ذلك أي تعارض مع ما سطره فقهائنا المسلمون في هذا الباب اذ العلة واحدة و الهدف واحد، اختلفت فقط طريقة تحقيقه و التي نرى في السجل العقاري وسيلة اكثر فاعلية و اكثر نجاعة.

   واذا كان الامر كذلك فما هو ا ترى العمل بخصوص من حاز حيازة قانونية دون الحيازة المادية؟؟

           المطلب الثاني: الحيازة القانونية تغني الحيازة المادية:   

 من القرارات القضائية من ذهبت الى عدم كفاية الحيازة القانونية واشترطت لصحة الحوز ان تنضاف اليه الحيازة المادية كما هو الشان بالنسبة للقرار المشار اليه انفا فمثل هذا الاتجاه يرى ان عدم بسط المعطى له يده على العقار بسطا فعليا و ان عدم ورورد شرط المعاينة التي تتطلب الحيازة الفعلية بقدح في صحة هذا الحوز عموما ، وياتي القرار عدد 4204 بتاريخ 29/11/2001 ليسير في هذا الاتجاه” عقود الهبة موضوع القرار التي لم يقع تسجيلها بالرسوم العقارية قبل حصول المانع وهو موت الواهب لا يعتد بها ما دام الطاعنين لم يحوزا العقارات الموهوبة لها حيازة فعلية بوضع اليد او المغارسة قيد حياة الواهب ان محكمة الاستئناف لما سارت في هذا الاتجاه كانت على صواب”.

  وكان المجلس الاعلى قد سار على خلافه في قرار سابق بتاريخ 25/12/1991 في القرار عدد 3304 حيث قرر ان الحيازة المادية لا تغني عن الحياز القانونية، فهل تغني  الحيازة القانونية عن الحيازة المادية؟؟

  ذهب اتجاه قضائي الى القول بهذه الفكرة وفي هذا الاطار صدر قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 8/3/1995 ليقرر ان تسجيل الصدقة بالرسم العقاري وما ينتجه من الحيازة القانونية تغني عن الحيازة الفعلية لان الاولى أقوى”؛    وبعد تردد طويل ساد القضاء بخصوص هذه النقطة، أي مدى كفاية الحيازة القانونية عن تطلب حيازة مادية جاء قرار المجلس الاعلى بجميع غرفه عدد 555 بتاريخ 8/12/2003 في الملف الشرعي عدد 596/2/2/1995 ليقرر ما يلي: “لما كانت غاية الفقه في اشتراط الحيازة في عقود التبرعات هي خروج العين المتصدق بها من يد المتصدق الى يد المتصدق عليه فان تسجيل الصدقة في الرسم العقاري يحقق الغاية المذكورة ويوثقها بشكل اضمن لحقوقه المتصدق عليه لذا يعتبر تسجيل الصدقة في الصك العقاري في حد ذاته حيازة قانونية وبشكل قانوني لا جدال فيه يغني عن اشهاد العدلين بمعاينة الحيازة، واخلاء العين موضوع الصدقة واثباتها بوسائل أخرى.”   وبذلك حسم النقاش لصاح الحيازة القانونية وان توفرها يغني عن الحيازة المادية.

  وخلاصة نصل اليها وهي انه مادام الحوز هو المذهب شرط تمام لا شرط صحة، فان أي وسيلة اخرى تؤدي الى نفس الغرض وتخدم نفس العلة وهي عدم التحايل على حقوق الله بالتحايل على حق الارث تكون قابلة الى حد كبير للتطبيق  ولما كانت عقود التبرع في نظام التحفيظ شانها شان باقي المعاملات الواردة على عقار محفظ لا تنتج أي اثر ولو بين المتعاقدين الا عند التسجيل  كان لا بد من خضوع عقود التبرع الواردة على عقار محفظ لهذه الشكلية.

  ولن تكفي فيها مجرد حيازة مادية وهذه الشكلية هي على واجهة اخرى-كما قرر ذلك المجلس الاعلى- تكفي وتغني عن أي حيازة مادية.

  وهذا القول ليس فيه ما يناقض قواعد الفقه وفتاوى الصحابة فهدفه هو نفسه الذي  ابتغاه الفقهاء المسلمون من اشتراطهم الحيازة المادية الا وهو تحقيق مصلحة الناس وهي من مقاصد الشريع الاسلامية. 

blogspot.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

شروط الضرر المبرر للادعاء المدني

                              ...