الكفالة في التشريع المغربي
تلعب التأمينات سواء العينية او الشخصية دورا مهما في عملية الائتمان حيث انها توفر الضمان الكافي للدائن من اجل تقديم القرض للمدين.
وتعتبر الكفالة اهم الضمانات الشخصية ذلك انه بمقتضاها يصبح للدائن عدة مدينين مسؤولين عن الدين وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 1117 من قانون الالتزامات و العقود بقوله: “الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن باداء التزام المدين، اذا لم يؤده هذا الاخير نفسه.”
يطرح هذا الموضوع اشكالية جد هامة وهي: مدى قدرة النصوص المنظمة لاحكام عقد الكفالة الواردة في ق.ل.ع على مواكبة المستجدات التي يعرفها تنظيم عقد الكفالة في التشريعات المقارنة؟
تنظيم الكفالة لا يواكب المستجدات و التطورات الاقتصادية ومن ثم اصبحت هذه القواعد التي تنظمها و التي تعتمد كاساس لها صفة التبعية للالتزام الاصلي متجاوزة ، حيث اصبح الدائنون بفعل قوتهم الاقتصادية لا يقبلون الا الضمانات الشخصية المستقلة و المجردة من كل ارتباط بالالتزام الاصلي” المبحث الاول” مما يستوجب تدخل المشرع المغربي لكي يعيد صياغة النصوص القانونية المنظمة لهذا العقد حتى يكون بناؤه القانوني متكاملا ومطبوعا بروح التجديد و العصرنة لمواجهة مختلف الاوضاع المستجدة” المبحث الثاني”.
المبحث الاول: هيمنة صفة التبعية على الكفالة في جميع مراحلها
تظهر صفة التبعية التي هي من خصائص عقد الكفالة في جميع مراحله سواء عند انعقاده “المطلب الاول” او عند ترتيب آثاره “المطلب الثاني” او حتى في مرحلـة انقضائه “المطلب الثالث”.
المطلب الاول: تكوين عقد الكفالة
ينص الفصل 1117 من ق ل ع ان الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء التزام المدين، اذا لم يؤده هذا الأخير نفسه، فالكفالة باعتبارها عقد تخضع شانها شان سائر العقود لشروط انعقاد العقد بصفة عامة من أهلية و رضا و محل و سبب ، وأيضا للشروط الواجب توافرها لصحته.ان عقد الكفالة كما سبق ان رأينا في العرض المتعلق بالمدخل لدراسة عقد الكفالة هو من العقود الرضائية التي لا يشترط في انعقادها أي شكل خاص، ويكفي ان يتم التراضي بين الكفيل و الدائن ودون حاجة الى أي إجراء آخر.السؤال الذي يطرح هنا هو مدى أهمية رضاء المدين و بالتالي اثر ذلك على عقد الكفالة، مادام ان هذا العقد يربط بين الكفيل و الدائن كطرفين أساسيين حيث ان رضائهما هو المعول عليه في تكوين العقد وترتيب اثاره؟
ينص الفصل 1126 من ق ل ع على انه يمكن كفالة الالتزام بغير علم المدين الاصلي ولو بغير ارادته ، غير ان الكفالة التي تقدم برغم الاعتراض الصريح من المدين ، لا يترتب عنها اية علاقة قانونية بين هذا الاخير وبين الكفيل ، وانما يكون ملتزما في مواجهة الدائن فقط. لكن ما هو شكل هذا التراضي؟ هل يشترط ان يكون صريحا؟ ام يكفي ان يكون ضمنيا؟
وفقا للقواعد العامة يمكن ان يكون التعبير عن الارادة بشكل صريح اوبشكل ضمني، ام بالنسبة للكفيل فقد اوجب المشرع المغربي شانه في ذلك شان المشرع الفرنسي وغيره ان يكون الرضا صريحا وواضحا حيث جاء في الفصل 1123 من ق ل ع ” يجب ان يكون التزام الكفيل صريحا و الكفالة لا تفترض” ، اذن لا بد لانعقاد الكفالة ان يرد رضاء الكفيل صريحا وواضحا وضوحا كافيا لا لبس فيه، وليس ضروريا ان ياتي رضاء الدائن صريحا وهذا ما يستشف من الفصل 1125 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي:” لا ضرورة لقبول الكفالة صراحة من الدائن، غير انها لا يمكن ان تعطى برغم إرادته ” وبذلك يستوي ان يكون رضاء الدائن صريحا او ضمنيا.لقد جاء في الفصل 1124 من ق ل ع بان التعهد بكفالة شخص معين لا يعتبر كفالة، ولكن يحق لمن حصل له هذا التعهد ان يطلب تنفيذه، فان لم ينفذ كان له الحق في التعويض”، يتبن من هذا الفصل انه كما قد يتم التراضي بين الكفيل و الدائن على عقد الكفالة يمكن ان يكون محل هذا التراضي وعدا بالكفالة فقط، والمشرع المغربي جاء صريحا في عدم اعبار التعهد بالكفالة بمثابة الكفالة، وكل ما هنالك ان الشخص الذي حصل له هذا التعهد وقد يكون اما الدائن او المدين حسب الاحوال بامكانه اللجوء للقضاء لطلب تنفيذ هذا التعهد.
لكي تكون الكفالة صحيحة يجب ان تكون ارادة كل من طرفي الكفالة ارادة سليمة أي غير مشوبة باي عيب من عيوب الرادة زيادة على ذلك يجب ان يكون التعبير عن الارادة صادرا ممن يملك اصداره أي متوفرا على الاهلية اللازمة لابرام عقد الكفالة. بالنسبة للاهلية يمكن التمييز بين كل من الكفيل و الدائن ، فبالنسبة للدائن تعد الكفالة من الاعمال النافعة نفعا محضا اذا لم يكن ملتزما بشيء في مقابل التزام الكفيل و بالتالي يكفي ان يكون بالغا سن التمييز ، فيكون الصبي المميز اهلا لابرام الكفالة، اما اذا كان الدائن ملتزما بشيء في مقابل التزام الكفيل ، لزم ان تتوافر للدائن الاهلية الكاملة. اما بالنسبة للكفيل و الذي تعد الكفالة بالنسبة اليه عملا تبرعيا فقد اوجب ق ل ع في الفصل 1119 الذي جاء فيه:” لا يجوز لاحد ان يكفل دينا، ما لم يكن متمتعا باهلية التفويت على سبيل التبرع……” ثم جاء في الفقرة الثانية من نفس الفصل ليقرر بطلان الكفالة التي يكون فيها الكفيل قاصرا ولو حصل على اذن من ابيه او وصيه بالموافقة طالما لم تكن له مصلحة في موضوع الكفالة. وبمفهوم المخالفة يجوز للقاصر ان يكفل دينا معينا اذا كان قد استأذن في ذلك اباه او وصيه واذا كانت هناك مصلحة له في موضوع الكفالة. هذا فيما يتعلق بالاهلية و الرضا اما بالنسبة للمحل فيتحدد التزام الكفيل بالوفاء بالالتزام الاصلي الذي هو التزام المدين وذلك في حالة عدم تنفيذ هذا المدين لالتزامه.
ان طابع التبعية الذي يميز العلاقة بين التزام الكفيل والتزام المدين الاصلي تفرض ان يكون التزام المدين التزاما صحيحا،؟ حتى يكون التزام الكفيل صحيحا ايضا ، حيث نص المشرع المغربي في الفصل 1120 من ق ل ع على انه” لا يجوز ان تقوم الكفالة الا اذا وردت على التزام صحيح”.
ونظرا للارتباط الوثيق القائم بين التزام الكفيل و التزام المدين الاصلي فانه يعبر عن محل الكفالة في الفقه بالالتزام المكفول لانه بهذه الصورة يجمع بين كلا الالتزامين.
فمحل عقد الكفالة ” الالتزام المكفول” لا بد ان تتوافر فيه شروط محل الالتزام بصفة عامة حيث يجب ان يكون المحل موجودا او قابلا للوجود أي ممكنا، وان يكون معينا او قابلا للتعيين وان يكون مشروعا.
بالنسبة للشرط الاول وهو وجود الالتزام المكفول، فكما هو معلوم ان التزام الكفيل ينصب على تنفيذ الالتزام المضمون اذا لم يقم المدين الاصلي بتنفيذه، ولذلك فان الكفالة تفترض قيام التزام اصلي ، يرد عليه التزام الكفيل بالضمان ، فان لم يكن هناك التزام اصلي او لم يكن يتوافر لهذا الالتزام مقومات وجوده القانوني كالتزام، فلا مجال للحديث عن الكفالة، لان التزام الكفيل التزام تبعي يرتبط في قيامه و في بقائه بوجود و بقاء الالتزام الاصلي .
“كفالة الالتزام المعلق على شرط”:
بالنسبة للمشرع المغربي لم يتعرض لهذه الحالة بنص خاص عكس مثلا المشرع المصري الذي اقر جواز الكفالة في الدين الشرطي، وهذا الحكم يعد تطبيقا للقواعد العامة، حيث انه طبقا لهذه الاخيرة تجوز كفالة الدين المشروط سواء كان الالتزام الاصلي معلقا على شرط واقف او شرط فاسخ.
فاعتبار ان الكفالة عقد تبعي للالتزام الاصلي فان هذه التبعية تظهر في هذا المقام ايضا حيث ان الكفالة تاخد وصف الالتزام الاصلي، فاذا كان معلقا على شرط فاسخ كان التزام الكفيل معلقا على شرط فاسخ ، وبالتالي يجري عليه ما يجري على الالتزام الاصلي من احكام، فاذا تخلف الشرط الفاسخ صار الالتزام الاصلي باتا ، ويصير التزام الكفيل ايضا باتا، اما اذا تحقق الشرط الفاسخ فان الالتزام الاصلي يفسخ باثر رجعي ويعتبر كان لم يكن ويتبع ذلك فسخ التزام الكفيل ويصبح كان لم يكن. واذا كان الالتزام الاصلي معلقا على شرط واقف ، فانه بالتبعية يكون التزام الكفيل ايضا معلقا على شرط واقف، ومتى تخلف الشرط الواقف زال الدين الاصلي، ويزول معه بالتبعية التزام الكفيل ويعتبر كان لم يكن، اما اذا تحقق الشرط الواقف فان الالتزام الاصلي لا ينفذ باثر رجعي و انما يكون له اثر مباشر ، ويصبح كل من التزام المدين الاصلي والتزام الكفيل نافذا باتا و في هذه الحالة تسري جميع احكام الكفالة.
” كفالة الالتزام الطبيعي”:
ننتقل الان الى نقطة اخرى مهمة وهي كفالة الالتزام الطبيعي، فكما هو معلوم ان مصطلح الالتزام الطبيعي يطلق على واجب لا يجبر من يقع على عاتقه أدائه، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى صحة كفالة الالتزام الطبيعي؟
المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات لم يورد نصا خاصا بكفالة الالتزام الطبيعي، ويرى اغلب الفقه انه لا يجوز كفالة هذا النوع من الالتزام خصوصا وانه بوقوع مثل هذه الكفالة، سيصبح الكفيل ملزما بالوفاء بالتزام لا يمكن ان يجبر المدين الاصلي على وفائه ، وهذا قد ينتج عنه ان يصبح التزام الكفيل اشد من التزام المدين الاصلي، وهذا لا ينسجم مع احكام الكفالة، اضافة الى ذلك فان الكفيل الذي يرجع على المدين بما وفاه عنه ، فاذا لم يستطع ذلك فيكون في هذه الحالة مدينا اصليا وليس كفيلا، ويرى أستاذنا الدكتور سعيد الدغيمر بإمكانية تصور كفالة الالتزام الطبيعي في حالة موافقة المدين على الكفالة ، ويضيف أستاذنا على انه مادامت كفالة الالتزام المعلق على شرط جائزة فمن باب اولى إجازة كفالة الالتزام الطبيعي.
“صحة الالتزام المكفول”:
ينص الفصل 1120 من ق ل ع على انه:” لا يجوز ان تقوم الكفالة الا اذا وردت على التزام صحيح” فاذا كان الالتزام الاصلي صحيحا صحت الكفالة الضامنة له، لكن قد يحدث ان يبطل الالتزام لاختلال ركن من اركانه او قد يصيبه عيب يجعله مهددا بالابطال فما هو مصير الكفالة في هذه الاحوال؟
– بالنسبة لكفالة الالتزام الباطل: اذا كانت صحة الالتزام المكفول مرهونة بصحة الالتزام الاصلي فانه بمفهوم المخالفة يكون التزام الكفيل باطلا متى كان الالتزام الاصلي باطلا ايضا، أي ان التبعية تكون في حالة الصحة كما تكون في حالة البطلان، وقد نصت المادة 1140 من ق ل ع على ان للكفيل ان يتمسك في مواجهة الدائن بكل دفوع المدين الاصلي سواء كانت شخصية او متعلقة بالدين المضمون ، ومن الدفوع التي يمكن ان يحتج بها المدين الاصلي البطلان وعليه وبحكم التبعية الموجودة بين كلا الالتزامين فان الكفيل ايضا بامكانه الاحتجاج ببطلان الالتزام الأصلي وبالتالي بطلان الكفالة الضامنة له وهذه النتيجة كرسها المشرع المغربي في المادة 1150 من ق ل ع حيث نص على ان كل الاسباب التي يترتب عليها بطلان الالتزام الاصلي او انقضاؤه يترتب عليها انقضاء الكفالة وسوف نقوم بتفصيل هذه النقطة عند التطرق لانقضاء الكفالة.
– اما بالنسبة لكفالة الالتزام القابل للابطال فما قلناه عن كفالة الالتزام الباطل ينطبق على هذا الاخير من حيث امكانية تمسك الكفيل بالدفع بهما في مواجهة الدائن.
فالكفيل يستطيع ان يتمسك بابطال التزامه نتيجة لقابلية الالتزام الأصلي للإبطال اما اذا كان الالتزام القابل للابطال اصبح صحيحا بالاجازة، فان هذا الالتزام يصبح صحيحا نهائيا بالنسبة للمدين الاصلي ولكن للكفيل ان يتمسك بابطال الكفالة ما لم يجز هو بدوره الكفالة فتصبح صحيحة بعد ان كانت قابلة للابطال او ما لم يسقط حقه في التمسك بالابطال.
← المطلب الثاني: آثار عقد الكفالة:
لا تظهر اثار الكفالة حيث يقوم المدين بالوفاء بدينه ، فتبرا ذمته وتبرا ذمة الكفيل تبعا له، وعلى العكس فان اثار الكفالة تظهر لدى رجوع الدائن على الكفيل مطالبا اياه بالوفاء بالدين المكفول، هذه الاثار ندرسها من خلال علاقات ثلاث:- علاقة الدائن بالكفيل.- علاقة الكفيل بالمدين. – علاقة الكفلاء بعضهم ببعض. droitcivil.over-blog.com