النيابة القانونية والقضائية والاتفاقية في القانون المدني
–
تعريف النيابة : هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إبرام تصرف قانوني مع إضافة آثاره إلى شخص الأصيل .
والأصل جواز النيابة في كل تصرف قانوني , كالبيع والوصية , ما لم ينص القانون على خلاف ذلك , كعدم جواز النيابة في حلف اليمين .
-أنواع النيابة :
يمكن تقسيم النيابة إما استناداً إلى مصدرها , أو استناداً إلى آثارها :
1- أنواع النيابة استناداً إلى مصدرها :
تقسم النيابة حسب مصدرها إلى ثلاثة أنواع :
أ- نيابة قانونية : ويكون مصدر السلطة الممنوحة للنائب فيها هو القانون مباشرة , كنيابة الولي على القاصر .
ب- نيابة القضائية : ويكون مصدر السلطة الممنوحة للنائب فيها هو حكم القاضي , كما في حالة القيم والحارس القضائي .
ج- نيابة اتفاقية : ويكون مصدر السلطة الممنوحة فيها للنائب الاتفاق أو إرادة الأصيل , كالوكالة .
2- أنواع النيابة استناداً إلى آثارها :
تقسم النيابة من حيث آثارها إلى نوعين : نيابة فورية ( كاملة ) , ونيابة بالواسطة ( ناقصة ) :
أ- نيابة فورية ( كاملة ) :
تتميز هذه النيابة بأن النائب يصرح أثناء التعاقد بأن العقد الذي يبرمه لا يبرمه لحسابه الخاص , وإنما لحساب شخص آخر , ولهذا تطبق آثار العقد فيها مباشرة على الأصيل دون أن يتأثر بها النائب .
فالأصيل يصبح دائناً أو مديناً بمجرد انعقاد العقد , لأنه هو الطرف الآخر للعقد , وليس النائب .
أما إذا تجاوز النائب حدود السلطة التي حصل عليها من الأصيل فلا تسري آثار التصرف بحق هذا الأخير إلا إذا كان العمل نافعاً للأصيل أو فـي حالة النيابة الظاهرة , أو إذا أقر الأصيل هذا التجاوز , فإذا لم يقره فيمكن للمتعاقد مطالبة الدائن بالتعويض عن الضرر الذي لحق به بسبب عدم تنفيذ العقد .
ب- نيابة بالواسطة ( ناقصة ) :
في هذه النيابة يبرم الوكيل العقد دون أن يصرح للمتعاقد الآخر أنه يبرم العقد لحساب شخص آخر , ولهذا لا تنتقل آثار العقد مباشرة إلى الأصيل , وإنما تضاف أولاً إلى شخص الوكيل , ومن ثم يحول الوكيل هذه الحقوق والالتزامات إلى الموكل , وذلك بمقتضى العقد الجاري بين الموكل والوكيل , كما في الوكالة بالعمولة والاسم المستعار .
[ ملاحظة-1 : الوكالة هي أن يعين أحد الأشخاص شخصاً آخر ليحل محله في إبرام التصرف القانوني , فكل وكالة هي نيابة , ولكن ليس كل نيابة هي وكالة , لماذا ؟ لأن النيابة قد تكون قانونية أو قضائية أو اتفاقية ( وكالة ) …] .
[ ملاحظة-2 : النيابة القانونية تشمل النيابة القضائية , وإن كنا قد ميزنا بينهما في التصنيف …] .
– شرائط النيابة :
يشترط في النيابة :
1- أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل .
2- أن يكون التعاقد باسم الأصيل لا باسم النائب .
3- أن يلتزم النائب بحدود النيابة .
وسنتحدث عن هذه الشروط الثلاثة فيما يلي :
الشرط الأول : يجب أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل :
ومؤدى ذلك أن يكون للنائب حرية التقدير أثناء تكوين العمل القانوني .
فالنائب يجب أن يتفاوض ويتعاقد بنفسه , ويجب أن يكون لإرادته دور أساسي في إبرام العقد .
و لذلك يتميز النائب عن الرسول , فالرسول لا يعبر عن إرادته وإنما ينقل إرادة المرسل .
مثال على الرسول : شخص كتب ورقة وبعثها مع طفل صغير إلى شخص آخر , فالطفل الصغير هنا يعتبر رسول .
زيد قال لعبيد : اذهب لعمرو وقل له كذا كذا … فعبيد هنا يعتبر رسولاً وليس نائباً .
# فالنائب يعتبر دوره قانونياً , باعتباره يعبر عن إرادته هو , لا عن إرادة الأصيل .
# أما الرسول فدوره مادي بحت يقتصر على نقل إرادة الأصيل دون أن يعبر عن إرادته الشخصية , وبالتالي فدوره لا يزيد عن دور الخطاب أو البرقية أو الشريط المسجل ….
ويترتب على إبرام العقد بإرادة النائب النتائج التالية :
ً1- إن العبرة لإرادة النائب , لا لإرادة الأصيل , عند النظر إلى عيوب الإرادة :
فإذا أبرم النائب العقد تحت تأثير غلط وقع فيه , أو إكراه أو تدليس , أو استغلال , كان العقد قابلاً للإبطال , ولو كانت إرادة الأصيل سليمة من العيوب .
ً2- إن سوء النية وحسنها ينظر فيهما إلى شخص النائب لا إلى شخص الأصيل :
وذلك في الأحوال التي رتب فيها القانون أثراً على حسن النية أو سوئها .
قلنا أن العبرة لإرادة النائب , لا لإرادة الأصيل عند النظر إلى عيوب الإرادة . وسوء النية وحسنها ينظر فيهما إلى شخص النائب , لا إلى شخص الأصيل . وبالتالي فنسـتطيع أن نستنتج القاعدة التالية : العبرة لعلم النائب وجهله دون الأصيل .
ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة , وإنما تستثنى منها الحالة التالية :
إذا كان الموكل قد أصدر إلى وكيله تعليمات محددة , وأعطاها له بشكل صريح , والوكيل راعى هذه التعليمات تماماً , ففي هذه الحالة يجب اعتبار كلا الإرادتين أو كلا العلمين .
مثال : إذا عاين زيد المبيع وتوهم خطأ إنه تتوافر فيه الصفات التي ينشدها , فأناب عنه عمرو في شرائه وأصدر له تعليمات صريحة محددة وراعاها عمرو عند الشراء …. ففي هذه الحالة يجب الرجوع أيضاً إلى إدارة الأصيل ( زيد ) , فيعتبر أن العقد قابل للإبطال , ولو لم يقع النائب ( عمرو ) في الغلط .
ً3- بالنسبة للأهلية :
إذا كانت النيابة اتفاقية , فلا يشترط أن تتوافر في النائب الأهلية اللازمة لإبرام التصرف موضوع النيابة , أي أهلية الأداء , لأن آثار هذا التصرف لن تضاف إليه , ولهذا فإنه يكفي أن تتوافر فيه أهلية التمييز (7سنوات) , أما في النيابة القانونية فيجب أن يكون النائب كامل الأهلية , وكذلك النيابة القضائية .
[ إذاً في النيابة الاتفاقية يمكن أن يكون النائب ( الوكيل ) ناقص الأهلية , كالصغير المميز ] .
– هل يمكن أن يكون المجنون وكيلاً ؟ لا , لأنه عديم الأهلية .
– هل يمكن أن يكون المجنون رسولاً ؟ نعم , ولو كان عديم الأهلية , ما دام يستطيع نقل عبارات المرسل .
الشرط الثاني : يجب أن يكون التعاقد باسم الأصيل لا باسم النائب :
فيجب أن يعلم الغير أن المتعاقد الآخر لا يتعاقد باسمه , وإنما باسم ولحساب الأصيل , فإذا لم يصرح بكونه نائباً فيلزم شخصياً بالتصرف الذي أجراه ….
ولا يشترط ذكر اسم الأصيل صراحة في العقد , بل يكفي أن يذكر النائب للمتعاقد معه أنه ينوب عن شخص سيذكر اسمه فيما بعد .
إذاً : المبدأ أن يصرح النائب بأنه يتعاقد نيابة عن الأصيل , ولكن يستثنى من هذا المبدأ حالتان :
1)-إذا كان المتعاقد مع النائب يعلم بنيابته , أو كانت الظروف تفترض حتماً على الغير المتعاقد العلم بوجود النيابة .
مثال : من يدخل محلاً تجارياً لشراء شيء منه , يفترض فيه العلم بأن العامل الذي يتولى البيع ليس إلا نائباً عن صاحب المحل .
2)- إذا كان يستوي عند الغير المتعاقد أن يتعامل مع الأصيل أو النائب .
مثال : يستوي عند صاحب المحل التجاري أن يكون المشتري أصيلاً عن نفسه أو نائباً عن غيره , ولذا تضاف آثار البيع إلى الأصيل مباشرة ولو كان صاحب المحل يجهل بوجود النيابة .
الشرط الثالث : يجب أن يلتزم النائب بحدود النيابة :
تنقسم النيابة من حيث السلطة التي تحدد نطاقها إلى نيابة قانونية ونيابة اتفاقية .
فالنائب القانوني يتكفل القانون بتعيين حدود نيابته .
أما النائب الاتفاقي فيحدد عقد الوكالة حدود نيابته .
وسندرس القيود الواردة على النيابة الآن .
القيود الواردة على النيابة
ترد على النيابة بشكل عام بعض القيود التي ترجع إما إلى الأشخاص أو الموضوع أو الشكل , أو إلى إضافة النيابة إلى أجل أو تعليقها على شرط :
أولاً : تقييد النيابة من حيث الأشخاص :
قد تكون النيابة خاصة , بمعنى أنها تلزم النائب بالتعاقد مع شخص معين , وقد تكون عامة وغير محددة بشخص معين .
وفي هذا الصدد يطرح السؤال التالي : – هل يجوز للنائب أن يتعاقد مع نفسه ؟
تعاقد النائب مع نفسه يتحقق في صورتين :
أ- صورة بسيطة : كأن يكون مكلفاً ببيع شيء مملوك لآخر فيشتريه لنفسه .
ب- صورة مزدوجة : كأن يكون مكلفاً ببيع شيء مملوك لشخص , وفي نفس الوقت يكون مكلفاً بشراء نفس الشيء لشخص آخر … يعني ينوب عن البائع في البيع وعن المشتري في الشراء .
والآن نجيب على سؤالنا … هل يجوز للنائب أن يتعاقد مع نفسه ؟
القانون المدني السوري منع تعاقد النائب مع نفسه من حيث المبدأ , فقد جاء في المادة 109 منه ما يلي :
[ لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء أكان التعاقد لحسابه أو لحساب شخص آخر ….] .
ولكن ترد على هذا المبدأ الاستثناءات التالية :
1- الترخيص السابق أو الإجازة اللاحقة من الأصيل .
2- إذا أجاز القانون تعاقد الشخص مع نفسه , كما هو الحال بالنسبة للولي .
3- إذا قضت قواعد التجارة بجواز تعاقد الشخص مع نفسه , كالوكيل بالعمولة .
إذاً منع المشرع السوري النائب مبدئياً من التعاقد مع نفسه , والأصل في حظر هذا التعامل هو للتهمة , إذا يصعب في الواقع على النائب إذا تعاقد مع نفسه ألا يميل بعض الميل , فيحابي نفسه على حساب الأصيل , أو يحابي أحد المتعاقدين على حساب الآخر إذا كان نائب عنهما معاً , فإذا انتفت هذه التهم – كما في ولاية الأب على مال ولده – فيباح له التعاقد ضمن قيود معينة .
ثانياً : تقييد النيابة من حيث الموضوع :
قد تتناول النيابة جميع التصرفات بصفة عامة , أو نوعاً معيناً منها , أو تصرفاً معيناً بالذات لا يستطيع النائب إجراء غيره ….
ثالثاً : تقييد النيابة من حيث الشكل :
عقد الوكالة رضائي من حيث المبدأ , ولكن أحياناً قد يتطلب القانون لانعقاد التصرف القانوني موضوع النيابة أن يتم بشكل رسمي , ولذا أوجب أن تتم النيابة كذلك بشكل رسمي , كما في النيابة في هبة العقار .
رابعاً : تقييد النيابة بإضافتها إلى أجل أو تعليقها على شرط :
قد يتم تقييد النيابة بإضافتها إلى أجل فاسخ تنتهي بانتهائه , أو إلى أجل واقف لا تبدأ إلا بحلوله , وعلى ذلك يكون النائب قد خرج عن حدود نيابته إذا باشر عمله بعد انقضاء الأجل الفاسخ أو قبل حلول الأجل الواقف .
كذلك إذا تعاقد النائب قبل تحقق الشرط الواقف أو بعد تحقق الشرط الفاسخ , فإنه
يكون قد تجاوز حدود نيابته .
( سندرس الأجل والشرط في الفصل الثاني في مادة أحكام الالتزام ….) .
– حكم تجاوز النائب حدود نيابته :
إذا تجاوز النائب حدود السلطة المخولة له أو خالف مضمونها , فلا ينصرف أثر تصرفه إلى الأصيل , ويكون هو شخصياً مسؤولاً عن التعاقد , ويتوجب عليه التعويض عن الضرر الذي أصاب المتعاقد من عدم نفاذ العقد بحق الأصيل .
ولكن أحياناً – ورغم انتفاء النيابة أو تجاوزها – فإن تصرف النائب ينفذ بحق الأصيل , وذلك في الحالات الثلاث التالية :
أ- الحالة الأولى : الوكيل الفضولي :
أي إذا كان عمل النائب نافعاً للأصيل وتوافرت فيه شروط الفضالة .
ب- الحالة الثانية : النيابة الظاهرة :
رغم انتفاء النيابة أو تجاوزها إلا أن تصرف النائب ينفذ في حق الأصيل – رعاية لحسن النية وضماناً لاستقرار التعامل – وذلك إذا كان الغير – بسبب خطأ الأصيل أو إهماله – قد اعتقد بحسن نية أن النائب كان يتصرف في حدود سلطاته باعتباره نائباً .
وهذه هي النيابة الظاهرة , التي تفترض وجود مظهر خارجي من فعل الأصيل خمل على الاعتقاد بأن النائب إنما يتعامل في حدود نيابته , أو أن هناك نيابة في حال عدم وجودها .
مثال : ترك الأصيل سند النيابة بيد النائب بعد انقضاء نيابته .
والنيابة الظاهرة يمكن أن تثار فقط في النيابة الاتفاقية , أما في النيابة القانونية فلا مجال لوجودها , لأن القانون هو الذي يحدد سلطات النائب , ولا عذر بجهل القانون .
وهناك تطبيقان للنيابة الظاهرة :
1)- التطبيق الأول : إذا استمر النائب في العمل باسم الأصيل بعد انقضاء نيابته , فإن تصرفه يعد نافذاً في حق الأصيل , وذلك رعاية لحسن النية وتوفيراً لاستقرار التعامل .
ويعد تصرف النائب ملزماً للأصيل إذا كان النائب بالإضافة للمتعاقد معه يجهل وقت العقد انقضاء النيابة , كوفاة الموكل دون علمه , أو في حال العزل الضمني للوكيل حسن النية .
2)- التطبيق الثاني : قد يتم أحياناً وفاء دين بحسن نية إلى شخص يتقدم إلى المدين بمخالصة صادرة عن الدائن ( قد يكون حامل المخالصة استولى عليها خلسة ) فيقبض الدين دون أن يوكله الدائن بذلك , ففي هذه الحالة يسري الوفاء في حق الدائن وينقضي به الدين , لأن من يتقدم بالمخالصة يعد نائباً ظاهراً عن الدائن .
ج- الحالة الثالثة : الإقرار اللاحق : يسري في حق الأصيل تصرف النائب الذي تجاوز فيه حدود نيابته إذا صدر من الأصيل إقرار له , فالإقرار اللاحق كالإذن السابق , وتضاف آثار التصرف إلى شخص الأصيل من وقت انعقاده , لا من وقت صدور الإقرار