دور القضاء في تطوير القاعدة القانونية
مقدمة:
و تكمن أهمية هذا الموضوع في مدى مساهمة الإجتهاد القضائي في إنشاء القواعد القانونية .
أما عن الإشكالية القانونية فيمكن صياغتها عن الشكل التالي .إلى
أي حد يمكن القول أن للقضاء دور في تطوير و تفعيل القاعدة القانونية؟
المطلب الأول:مدى مساهمة الإجتهاد القضائي في تطوير القاعدة القانونية
الفقرة الأولى :دور الإجتهاد القضائي في تفسير القانون
للإجتهاد القضائي دور أساسي في تفسير القانون،فإذا كان التشريع يرتبط بالقانون فالإجتهاد القضائي يرتبط بحياة القانون،ويشكل تفسير القاعدة القانونية باعتباره آلية من آلاليات التي يساهم من خلالها القضاء في تطوير القانون،الجانب المهم لأنه يرتبط بتطبيق القانون،بخلاف التشريع الذي يرتبط أساسا بملء الفراغ التشريعي في حالات نادرة ينعدم فيها النص
والتفسير القضائي هو على شكلين فإما أن ينصب على توضيح معاني الألفاظ في حالة غموضها إما أن يتصل بإصلاح العيوب في النص إن وجدت و بالتالي إزالة التناقض أو التعارض بين النصوص القانونية أو إكمال النقص الوارد في التشريع و يرتبط تفسير القانون أساسا بالنص بحيث متى كان النص واضح المعنى وجب تطبيقه بشكل مباشر دون حاجة إلى تفسير أو تاويل،إعمالا لنظرية النص الواضح،التي تعتبر من النظريات الراسخة في الفقه و القضاء،إلا أنه في بعض الأحيان يكون النص واضحا لايحتاج لأي تاويل أو تفسير و مع ذلك يجد القاضي نفسه مجبرا على تفسيرالنص قبل تطبيقه على الحالة المعروضة عليه،إذا كان النص المراد تطبيقه يتعارض مع نصوص قانونية أخرى بشكل يستدعي تفسيره استحضار تلك النصوص، إما باعتباره مكملة له أو باعتبارها استثناء يرد عليه.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك فرق بين تفسير القانون و بين ملء الفراغ القانوني،فالأول يتجلي بشكل واضح من خلال أحكام مدونة الأسرة وأحكام الفقه المالكي استنادا لما جاء في المادة 400 من مدونة الأسرة،أما إذا استنفد ما جاء في أحكام مدونة الأسرة وأحكام الفقه المالكي،فإنه ينتقل إلى ما يسمى بملء الفراغ التشريعي عن طريق الإجتهاد بناء على سند قانوني تضمنه نص المادة 400 من نفس المدونة.
الفقرة الثانية :دور الإجتهاد القضائي في تحقيق الأمن القانوني
مما لاشك فيه،أن ما يسعى إليه الإنسان تحقيق الأمن القانوني،الذي لا يقل أهمية عن الأمن القضائي،لهذا أصبح الإجتهاد القضائي مطلبا من المطالب الحقوقية بالنظر إلى ما يحققه من توحيد الحلول القضائية ،وبدون جهد مضني من تحديد ماهو مباح و ما هو محظور بمقتضى القانون الجاري به العمل،متى كانت النصوص القانونية واضحة و مفهومة.
و قد أبانت التجربة على أن القانون،في إطار خدماته التي يقدمها للقضاء إلى كونه يسعى لضبط و توجيه سلوك القاضي في شتى المجالات،و يهدف أساسا إلى تحقيق الأمن القانوني و لعل قطاع العدالة في شقه الضيق يمثل الحقل الذي يجب بعث هذا المفهوم في وسطه سواء من خلال سياسة تروم تأهيل هذا القطاع ،و كذا عبر استكمال المقومات الأساسية التي تكفل للقضاء استقلاليته التامة هي ما جعلت مفهوم الأمن القانوني يتم ربطه عادة بالأمن القضائي،فيقال أن مبدأ الأمن القانوني و القضائي لإظهار الطابع الحمائي للقضاء في سهره على تطبيق القانون و حماية الحقوق.
المطلب التاني :تعميم و نشر الإجتهاد القضائي و دوره في تحقيق العدالة
الفقرة الأولى :أهمية تعميم الإجتهاد القضائي
إن الحديث عن أهمية تعميم الإجتهاد القضائي،يقتضي أولا الوقوف عن معنى هذا التعميم،أو بمعنى آخر على أي أساس نقول تعميم الإجتهاد القضائي؟هل على أساس تعميمه بين المعنين بالأمرمن قضاة و محامين غيرهم؟أما أن تعميم الإجتهاد القضائي يقتضي نشره بين عامة المواطنين؟
استنادا إلى القاعدة القانونية التي تقول أنه”لا يعذر أحد بجهله للقانون” طبقا لهده القاعدة ،فإنه نعتقد إذاكان لايعذر أحد بجهله للقانون ،بما تفترضه هذه القاعدة من أن عموم الناس معنيون بمعرفة القانون ،و بالتالي فالعلم بالإجتهاد القضائي لئن كان أقرب إلى المختصين و المهتمين بالحقل المعرفي القانوني فإنه مع ذلك يمكن تقريب هذا الإجتهاد من عامة.
و تتجلى أهمية الإجتهاد القضائي في استقراره،و توحيد إجراءات العمل القانوني و القضائي داخل المحاكم،إضافة إلى تحقبق الإطمئنان و الثقة في نفوس المتقاضين و هو ما يعطي انطباعا إيجابيا عن أداء مرفق العدالة.
غير أنه إذا كان تعميم الأحكام أهم وسائل الإجتهاد القضائي فإن الأمر يتطلب إضافة إلى ذلك الوقوف على طبيعة الأحكام المنشورة و كذا وسائل نشرها.
الفقرة الثانية:وسائل نشر الإجتهاد القضائي
قبل الحديث عن وسائل نشرالإجتهاد القضائي،نشير إلى أن الأحكام القضائية التي ينبغي أن تكون موضوعا للنشر،هي تلك الأحكام التي تتضمن اجتهادا قضائيا يفسر نصا غامضا أو يملأ فراغا تشريعيا أو يكمل نصا في القانون.
أما ما يتعلق بوسائل نشر الإجتهاد القضائي،فالقانون المغربي لا يتضمن مقتضيات خاصة بنشره،إلا في بعض المقتضيات المنضمة لنشر قرارات بعض الهيئات بالجريدة الرسمية ،كما هو الشأن مثلا بالنسبة لنشرإشعار بالحكم القاضي بفتح مسطرة صعوبات المقاولة في إحدى الصحف الوطنية المخول لها نشر الإعلانات القانونية وذلك طبقا للمادة 569من مدونة التجارة.
وبخصوص نشر الأحكام القضائية ،فالعادة جرت أن يتم نشرها عبر المجالات القانونية المتخصصة كتلك التي تصدر عن المجلس الأعلى و التقرير السنوي الذي يتضمن أهم المبادئ للإجتهادات المستحدثة ،إلى جانب مجموعة المجالات الأخرى كتلك التي يديرها بعض رجال القانون( كالمحامون )هذا و إن كانت هذه المجالات لا يحقق نشرها تعميمها للعموم لأنها تصدر بكيفيات دورية و بعضها الآخر لايتم توزيعها بشكل كبير وواسع،هذا إلى جانب بعض الإجتهادات التي يأخد نشرها وقت كبير.
غير أن ما قيل عن نشر الإجتهاد القضائي لايخلو من أهمية،إذ يسهل عملية توحيد الإجتهاد بين المحاكم ،و يقلل من عدد الطعون كما أنه يمكن المتقاضين من توقع نتيجة الأحكام المنتظر صدورها،إضافة إلى كونه يقلل من عدد النزاعات.
خلاصة :
خلاصة القول،فإن للإجتهاد القضائي دور بارز في تطوير القانون ،و ذلك من خلال مجموعة من الأدوار التي يقوم بها ،سواء في إطار خلق القاعدة القانونبة ،أو دوره في تفسير القانون متى شابهه غموض أو إبهام أو نقص في إطار ما يسمى بملء الفراغ كما تمت الإشارة إليه سلفا،هذا إلى جانب أيضا دوره في تحقيق الأمن القانوني الذي يعد مطلبا من المطالب الأساسية التي يسعى إليه جمبع الأفراد.و باعتبار الإجتهاد القضائي وسيلة من وسائل تنمية الثقافة القانونية،فإن تعميمه يكتسي أهمية بالغة لما له من تحقيق للإستقرار و توحيد إجراءات العمل القانوني،هذا فضلا عن وسائل نشره.و ما يمكن قوله في الأخير أنه بالرغم من بعض النظريات التي تأخد بالدور الثانوي للقضاء في إطار خلق القاعدة القانونية ،فإن كل من القضاء و القانون علاقة تكامل و انسجام إد لا يمكن الحديث عن القانون في ظل غياب العمل القضائي الذي يعمل على تطبيقه،كما لا يمكن الحديث عن الإجتهاد في غياب القانون الذي يجعله ذو طابع إلزامي
منقول