علاقة النيابة العامة بقاضي التحقيق


                         علاقة النيابة العامة بقاضي التحقيق

مُساهمة

مقدمة:
يعتبر ارتكاب الجريمة مساسا و انتهاكا لمجموع القيم التي يتولى حمايتها خطاب القاعدة القانونية الجنائية. وبذلك فالجريمة تعد احد مظاهر رفض الإنصياع لأوامرالقانون الجنائي، ومايجب أن يكون عليه سلوك الفرد ، وهي الجريمة في عمقها تشكل مساسا بالنظام العام الإقتصادي ، والإجتماعي ، والإداري…، وهو مايشكل أساسا مشروعية توقيع مختلف العقوبات الجنائية، وذلك حماية للمجتمع من جهة،و حماية للضحية أو ذوي حقوقه من جهة أخرى.
بداهة إن تحقيق هذه الأهداف ، يقتضي قانونا ، و احتراما لمبد أ شرعية الإجراءات الجنائية . و تطبيق إجراءات مسطرية قانونية ، تتعلق بإجراءات البحث التمهيدي ، أو بإجراءات المحاكمة ،أو بمسطرة البحث التمهيدي.
ويهدف كل نظام للإجراءات الجنائية إلى كفالة حق الدولة في عقاب الجاني ، بقدر اهتمامه بحماية الأبرياء ، و إذا كان هدف هذا النظام هو الوصول للحقيقة ، من خلال إجراءات مبسطة وسريعة تقل فيها الشكليات و العقابات . فإن طريق الحقيقة يكون محفوفا بمخاطر الإفتئات على حقوق الأبرياء ، وهو ما يلحق أشد الضرر بالمجتمع ويهدد الإستقرار فيه . ولذلك يجب أن يهدف النظام الإجرائي حماية حقوق الأفراد وصيانة حرياتهم.وهذه الأهداف هي التي غاية كل نظام للإجراءات الجنائية ترتبط على نحو وثيق بدور سلطتي التحقيق و الإتهام و الحكم ومدى التوازن بين السلطات المختلفة في الدعوى الجنائية بحيث لا تنفرد إحداهما بإختصاصات على حساب الأخرى . وعلة ذلك أن تركيز السلطات في يد واحدة من شأنه أن يفضي إلى الإستبداد و التعسف و أن ينال من حقوق الأفراد و حرياتهم. لأن الوصول إلى الحقيقة يقتضي توافر الحيدة و الموضوعية . وهو مالايتسنى إذا إجتمعت سلطات التحقيق والاتهام في يد واحدة أو في إطار تسلسل رئاسي أو تبعي كما أن هذه الحيدة و الموضوعية لن تتوافر إذا كانت سلطة التحقيق الإبتدائي لا تتمتع باستقلال كاف او كأن يسودها التبعية و التدرج الرئاسي.
و في إطار الحديث عن مدى إستقلالية سلطة التحقيق عن سلطة الإتهام من عدمها، فهل المشرع المشرع المغربي أخضع سلطة التحقيق من خلال المسطرة الجنائية لتبعية النيابة العامة هذا على المستوى النظري ؟ وهل على المستوى العملي هناك إستقلالية أم تبعية للنيابة العامة من خلال القرارات التي تتخذها سلطة التحقيق؟
وللاجابة على هاته التساؤلات, ارتاينا الاستعانة بالتصميم التالي
المبحث الاول التعريف بمؤسستي النيابة العامة و قاضي التحقيق
المطلب الاول مؤسسة النيابة العامة
المطلب الثاني مؤسسة قاضي التحقيق
المبحث الثاني علاقة النيابة العامة بقاضي التحقيق
المطلب الاول ارتباط النيابة العامة بقاضي التحقيق
المطلب الثاني استقلالية النيابة العامة عن قاضي التحقيق

المبحث الاول: التعريف بمؤسستي النيابة العامة و قاضي التحقيق 
ان الدعوى العمومية ملك للمجتمع باعتبارها وسيلة لتوقيع الجزاء الذي امتلكه بعد تطور بطيء في مؤسسات القانون الجنائي.
وقد عهدت نصوص المسطرة الجنائية الى هيئة او جهاز باثارة الدعوى العمومية باسم المجتمع هذا الجهاز هو النيابة العامة. الى جانب ذلك سمح القانون المغربي لبعض الاشخاص او الهيئات باثارة الدعوى العمومية في حدود معينة. فقد نصت المادة 2 من ق.م.ج على انه” يقيم الدعوى العمومية و يابعها رجال القضاء او الموظفون المعهود اليهم بها بمقتضى القانون…”
و حتى تتخذ العدالة مجراها و تستجلي الحقيقة و تضبط الجناة اوكلت الى هيئة اخرى مهمة التحقيق و تنسب اليه كلمة الاعدادي و يقصد به ذلك البحث القضائي الذي يقوم به قاضي التحقيق قصد استجلاء حقيقة الوقائع موضوع المتابعة من حيث ثبوثها الواقعي, و تكييفها القانوني , و نسبتها الى الظنين فضلا عن مدى توفر الشروط القانونية للمتابعة.
و للحديث عن كل ما يتعلق بهاته المؤسسات القضائية من تنظيم و اختصاص, قررنا تخصيص هذا المبحث للتعريف و الاحكام العامة حيث سنتناول في المطلب الاول مؤسسة النيابة العامة و مؤسسة قاضي التحقيق في المطلب الثاني, على ان نناقش مدى الارتباط و الاستقلالية في المبحث الثاني.
المطلب الأول: مؤسسة النيابة العامة
النيابة العامة مؤسسة تمثل المجتمع أمام المحاكم الزجرية , وهي جزء من هذه الأخيرة, و تختص أساسا بإقامة الدعوى العمومية ومباشرة سيرها حتى نهايتها, وتشير المادة 36من قانون المسطرة الجنائية بالقول” تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون ولها أثناء ممارسة الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة” والنيابة العامة كطرف رئيسي في الدعوى العمومية تنعت ب”القضاء الواقف في الفقه الجنائي لان ممثلها يقف لزوما حين يأخذ الكلمة أمام المحكمة لبسط مطالب الدعاء الشفوية أو لمناقشة أوجه إسناد التهمة إلى المتهم, في حين أن قضاة الأحكام لا يقفون, ولذلك تسمى بالقضاء الجالس, كما تنعت النيابة العامة بالطرف الشريف في الدعوى العمومية لأنه و لوجرت العادة على التماسها دائما لسبل إدانة المتهم سعيا منها في الدفاع عن المجتمع إذا تنبهت بان التماس الإدانة أصبح يتعارض مع العدالة بسبب غلبة أدلة البراءة في جانب المتهم, تحولت النيابة العامة عن ملتمساتها السابقة ودافعت عن الأصل الذي هو البراءة .
وأمام جملة من الصلاحيات التي يوكلها القانون لهاته المؤسسة الشريفة , ارتأينا الحديث عن تنظيمها و كذا اختصاصاتها , فكيف ينظم القانون هذا الجهاز وما الخصائص التي تمتاز بها هاته المؤسسة
سنتناول الحديث على هاته الخصوصيات في فقرتين هي:
الفقرة الأولى: تنظيم النيابة العامة
الفقرة الثانية: خصائص النيابة العامة
الفقرة الأولى: تنظيم النيابة العامة
تقضي المواد 2و6و10 من ظهير التنظيم القضائي المؤرخ في 15-7-1974:
بان النيابة العامة تتكون لدى المحكمة الابتدائية” من وكيل الملك ونائب أو عدة نواب” يخضعون لإشرافه ومراقبته.
أما لدى محكمة الاستئناف فتتكون من “الوكيل العام للملك ونوابه العامين” قد يخلفونه في حالة وجود مانع له وهذا ما أشارت إليه المادة 48.
المادة 254من ق م جو الفصل 6 من ظ ت ق و يرجع له الاختصاص في إثارة الدعوى العمومية في الجنايات كما يكون مختصا في متابعة الجنح المرتبطة بها أو لوجود نص خاص يسمح له بذلك, أما النيابة العامة لدى محكمة النقض حاليا فتتكون من ” الوكيل العام للملك يساعده المحامون العامون ”
و بالنسبة للمحاكم الاستثنائية أو المتخصصة فالنيابة العامة ممثلة أمام المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بمندوب للحكومة أما المحكمة العليا المنشاة بمقتضى الفصل 82من الدستور فيمثل النيابة العامة لديها الوكيل العام للملك بمساعدة المحامي العام الاول لدى نفس المجلس و عضوين من أعضاء البرلمان ينتخب كل واحد منهما من طرف مجلس النواب ومجلس المستشارين .
و يخضع أعضاء النيابة العامة للتسلسل الإداري حسب درجات المحاكم, فوكيل الملك له سلطة على نوابه بالمحكمة الابتدائية م 20 ظ ت ق و الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف يراقب قضاة النيابة العاملين في دائرة محكمته وله حق تفتيش وكلاء الملك ومراقبة قيامهم بالمهام المكلفين بها, وتوجيه التعليمات إليهم المواد 14و16و18 من الظهير السابق و المادتان من قانون المسطرة الجنائية .
و الوكيل العام لدى محكمة النقض يمارس السلطة على أعضاء النيابة العامة, و يمكنه توجيه تعليمات و ملاحظات إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف إلى وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية و يتعين عليه أن يبلغ وزير العدل بالاخلالات التي قد يلاحظها في أي قاض من قضاة النيابة العامة.
ويمارس أعضاء النيابة العامة مهامهم تحت سلطة وزير العدل بمقتضى المادة 56 من قانون النظام الأساسي لرجل القضاء المؤرخ في 11 نونبر 1974 التي تقضي بأنه “يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل و مراقبة و تسيير رؤسائهم الأعلين”.
و قد نصت المادة الثالثة من مرسوم 23-12-1975 المتعلق بشروط و كيفية تنقيط القضاة و ترقيتهم على انه يخول حق تنقيط لوزير العدل بالنسبة للوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ”
ومن الجدير بالذكر إن هذا التسلسل يخضع لقيود يمكن إدراجها كالتالي:
إن عضو النيابة العامة ملزم بتطبيق تعليمات رئيسه في ملتمساته الكتابية وحدها مع إمكانية بسط ملاحظاته الشفهية التي يراها لازمة لفائدة العدالة.
إن السلطة الرئاسية تقتصر صلاحياتها على إعطاء التعليمات ولا تتجاوز ذلك إلى إبطال ما قد يقوم به المرؤوس من الإجراءات المخالفة لتعليمات رئيسه.
ووزير العدل في القانون المغربي ولو انه ليس قاضيا يمارس سلطته على مؤسسة النيابة التي تعتبر بحسب الرأي الغالب جهازا قضائيا طبقا للفصل 56 من القانون الأساسي لرجال القضاء الذي يصرح بأنه”يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل و مراقبة وتسيير رؤسائهم الأعلين”.
الفقرة الثانية: خصائص النيابة العامة
تتمثل هاته الخصائص في:
• صفة الوحدة
• صفة الاستقلالية
• صفة عدم المسؤولية
• صفة عدم القابلية للتجريح
• صفة التدرج و الخضوع الرئاسي
• صفة الطرف الأصلي في الدعوى
• صفة عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها
• صفة الوحدة
بمقتضى هاته الخاصية تكون النيابة العامة هيئة واحدة لا تتجزأ فأي عضو من أعضائها وفي محكمة من نوع و درجة واحدة يمكنه أن يقوم بأي إجراء من إجراءات الدعوى العمومية عوض عضو أو أعضاء آخرين في هذه الهيئة و يكون ذلك الإجراء صحيحا.
وعلى العكس من ذلك قضاة الأحكام الذين يستقل كل واحد منهم بعمله القضائي ولا يمكن لهم التناوب
فيه ولذلك قضت المادة 298 من المسطرة الجنائية بأنه يجب أن تصدر الأحكام “عن قضاة شاركوا في جميع جلسات الدعوى وإلا كانت الأحكام باطلة, و في حالة تعذر حضور قاض أو أكثر أثناء النظر في القضية يعاد النظر من البداية”
وإذا كانت أعمال قضاة النيابة تعتبر صادرة عن “هيئة النيابة” يكمل بعضها البعض بصرف النظر عن الأشخاص القائمين بها, فان هذا مقيد بحدود الاختصاص المخول للنيابة العامة أمام كل محكمة من المحاكم سواء في ذلك الاختصاص المحلي أو الاختصاص النوعي.
فعضو النيابة العامة في محكمة ابتدائية أو في محكمة استئناف لا يحق له أن يمثل النيابة العامة خارج الدائرة الترابية لاختصاص محكمته.
وكذلك عضو النيابة العامة في المحكمة الابتدائية مثلا لا يمكن له أن يقوم بإجراء من اختصاص النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف, فلو انصرم اجل عشرة أيام المحددة لاستئناف وكيل الملك للأحكام الصادرة في الجنح التأديبية فان وكيل الملك لا يحق له أن يستأنف بعد ذلك داخل الشهرين المحددة لاستئناف الوكيل العام بدعوى آن النيابة العامة واحدة لا تتجزأ بل إن استئنافه هذا يكون غير مقبول لان وكيل الملك لا يمثل النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف المسموح لها بالاستئناف داخل الشهرين.
وعليه فان قضاة النيابة العامة ليست لهم شخصية مستقلة عن الهيئة إلى ينتمون إليها فهم يمثلونها وأعمالهم تتم باسمها و لحسابها .
 صفة الاستقلالية
تتميز مؤسسة النيابة العامة باستقلالها عن خصوم الدعوى والمحكمة و الإدارة فاستقلالها عن الخصوم مؤكد في سلطة الملائمة الثابتة لها بقوة القانون في المادتان 40و41.
فتظل حرة في مساندة الطرف المحرك للدعوى العمومية من عدمه بحسب ما يمليه عليها واجب الحرص على تحقيق العدالة و مصلحة المجتمع.
أما استقلالها عن المحكمة فتابت كذلك فلا يجوز لقاضي الحكم أو التحقيق أن يضع يده مباشرة على قضية ما لم يجز له القانون ذلك صراحة وقد ورد ذلك في المادة 269. ق م ج دون أن تقام بها الدعوى من طرف النيابة العامة, وان هي النيابة العامة أثارت الدعوى فلها أن تساند مطالبها و تدافع عنها بواسطة ممثليها و تشرح آراءها بغية إقناع المحكمة بها دون ما أي تدخل أو توجيه من قبل المحكمة .
ولا يجوز للمحكمة أن تقوم بانتقاد توجه النيابة إذا ما تسرعت في إقامة الدعوى العمومية, ولا أثناء المحاكمة عن طريق توجيه اللوم من رئيس الجلسة شفويا لممثل النيابة أو في صلب الحكم كتابة لان ذلك إن وقع وحصل فانه يكون سببا للطعن في الحكم الواردة فيه هذه الملاحظات و الانتقادات من اجل تقرير بطلانها وتجريد الحكم منها.
أما استقلالها عن الإدارة فنابع من طبيعتها التي تسمح بنعتها بأنها هيئة قضائية من نوع خاص فأعضاؤها قضاة ينتمون للسلك القضائي بما يتطلبه ذلك من تكوين و شروط يتميزون بها عن باقي الموظفين.
 صفة عدم المسؤولية
صفة عدم مسؤولية أعضاء النيابة العامة عن أعمالهم أثناء ممارستهم لمهامهم في المتابعة و المراقبة اقتضتها ضرورة تمكين هذه الهيئة من أداء مأموريتها النبيلة التي هي الدفاع عن المجتمع.
فيجب استبعاد تهديدهم لا بالنصوص الجنائية ولا بالمدنية ولا بالتأديبية إن قاموا بوظيفتهم النبيلة بحسن النية الواجب فرضا ثبوته لديهم أما إن كان الأمر خلافا لذلك فتقوم المساءلة القانونية بجميع صورها لان الأمر يتعلق بحريات العباد والواجب يقضي بحفظ الحقوق لا بهدرها .
 صفة عدم القابلية للتجريح
المراد بذلك هو عدم السماح لخصومها بتقديم طلبات تهدف إلى نزع صلاحية أعضاء النيابة العامة في ممارسة إجراء أو مجموعة من الإجراءات متعلق بالخصومة الجنائية مخافة تحيز أو تحامل و غير ذلك من الأسباب التي قد يراها المدعي عليه قائمة لصداقة هذا العضو لأحد الأطراف أو لدانيته له.
ومع التسليم بان طلب الرد هذا قد يستند إلى تبرير واقعي مما يتعين معه السماح باللجوء إليه في مواجهة جميع القضاة اكتفاء فقط بتوافر سبب قد يشكك في حيدة القاضي فالمشرع ضيق من هامش هذه الإمكانية لما قصرها على قضاة الحكم فمكن من تجريحهم في المادة 273 من ق م ج دون أعضاء النيابة العامة .
 خاصية التدرج و الخضوع الرئاسي
هذه الخاصية تقضي بان كل عضو من أعضاء النيابة العامة مرؤوس خاضع لرئيس الهيئة التي يتبعها في حدود الدائرة القضائية التي تختص بها هذه الهيئة إذ يتلقى التعليمات مباشرة ويكون واجبا عليه تنفيذها وإلا تعرض للجزاءات التأديبية كان يأمر وزير العدل الوكيل العام للملك بعدم اثارة متابعة وحفظها ومع ذلك تم تحريك الدعوى من قبل هذا الأخير فان الإجراءات التي يخولها القانون له من مباشرة ومن دون تدخل من احد تكون صحيحة تنتج كل أثارها القانونية .
 صفة الطرف الأصلي في الدعوى العمومية
إن صفة الطرف الأصلي الثابت للنيابة العامة في الدعوى العمومية يجعل منها طرفا ليس ككل الأطراف, فحضورها واجب في جميع إجراءات المحاكمة باعتبارها جزءا من المحكمة الزجرية , وإذا تغيب ممثلها أو عاقه عائق من الحضور لجلسة المحاكمة فان رئيس المحكمة يكلف احد قضاة الحكم فيها للقيام بالمهام المنوطة بالنيابة العامة عملا بالمادة 46 من قانون المسطرة الجنائية, فهل يتعين ذكر اسم ممثل النيابة العامة الذي مثلها بالاسم و اللقب كما هو الحال بالنسبة لقضاة الحكم أم لا يتعين ذلك.
القضاء المقارن منقسم في هاته الخصوصية, فمنه من يلزم المحكمة بان تورد في حكمها اسم ممثل النيابة العامة وإلا كان قرارها معرض للنقض, من هذا القضاء محكمة التمييز في سوريا و محكمة النقض الحالية التي تقول في قراراتها”يجب أن يحتوي الحكم على أسماء القضاة الذين صدر عنهم واسم ممثل النيابة العامة و كاتب الضبط, ويتعرض للنقض الحكم الذي لا يفيد انه صدر بمحضر النيابة العامة و كاتب الضبط.
أما بالنسبة للقضاء في فرنسا و مصر فيتطلب وجوبا ذكر حضور ممثل النيابة العامة في الحكم دون اشتراط بالتحديد ذكر اسمه الشخصي والعائلي وهو ما يبدو أكثر منطقية و قبولا.
 خاصية عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها
هذه الخاصية نابعة من كون النيابة العامة, وان كانت خصما أصليا في الدعوى العمومية، فهي مع ذلك خصم شريف و تختلف عن الخصم العادي في أشياء كثيرة منها:
أنها تؤدي مهمتها بكل حرية وباستقلال عن المحكمة التي لا يحق لها أن تعاملها معاملة الخصوم العاديين، فلا تملك المحكمة توجيه الأوامر إليها ولا أن تلزمها بالقيام بإجراء من الإجراءات, أو تحدد لها أجلا معينا للقيام به ما لم يوجد نص قانوني يسمح بهذا التحديد مثل المادة 40 من قانون الجنسية.
وإذا لاحظت المحكمة خللا أو إهمالا في عمل النيابة بوصفها طرفا في الدعوى العمومية امتنع عليها التعريض في الحكم بذلك أو الإهمال و إلا كان الحكم معرضا للنقض للشطط في استعمال السلطة ويجب عليها أن تعرض الوقائع كما هي دون تحامل أو تشنيع.
فالمجتمع قد أودع بيدها أمانة عظمى في السهر على تطبيق القانون الجنائي وتعقب المجرمين و تحقيق العدالة الجنائية والرجوع إلى طريق الحق, فقد تلتمس تبرئة المحكوم عليه أو التخفيف عليه عندما تمارس الطعن وقد تطالب بالبراءة الكاملة لمصلحة شخص وقعت متابعته وفق أصول المحاكمة و قد تطالب بالإدانة أو تشديد العقوبة عند طلبها الاستئناف لأنها اكتشفت أسباب الإدانة أو التشديد.
المطلب الثاني: مؤسسة قاضي التحقيق
قاضي التحقيق عضو في الهيئة القضائية ، ينتمي إلى سلك القضاء ، و هو المكلف اساسا لإجراء التحقيق وفقا للمادة 52 من قانون المسطرة الجنائية . و هو يملك صلاحيات و سلطات واسعة و يباشر مهامه من خلال مجموعة من النصوص القانونية إضافة إلى أخلاقياته المهنية و ضميره، فإذا كان هو الجهة التي أوكل إليها القانون القيام بالتحقيق الإعدادي من خلال جمع الأدلة عن الجرائم و اتخاذ القرارات على ضوئها، فإن المهام المتعددة التي لأسندها إليه جعلته صاحب أدوار مختلفة و متداخلة:
فهو ضابط سام للشرطة القضائية، حيث يمارس الصلاحيات الموكولة إلى ضابط الشرطة القضائية، كما له أن يأمر هؤلاء بمتابعة الأبحاث و التحريات. و هو ما نصت عليه المادة 75 من ق. م.ج .
و هو جهة اتهام، من حيث مهامه الشبيهة بمهام النيابة العامة ، كإصدار الأوامر الماسة بالحرية و بالحق في التنقل ، و الاعتقال الإحتياطي ، والتقاط المكالمات الهاتفية، و تفقد المؤسسات السجنية، و تسخير القوة العمومية ؛
و هو جهة قضائية، من حيث إصدار القرارات و إجبارية تعليل بعضها، ومن حيث قابلية هذه القرارات للطعن. و كذلك من حيث قوة الإثبات التي أعطاها القانون للاعتراف الذي يتم أمامه و للتصريحات التي يفضي بها الشهود إليه .ومن خلال هذا المطلب سنتناول كيفية تعيين قاضي التحقيق (الفقرة الأولى ) واختصاصات قاضي التحقيق (الفقرة الثانية)و سلطات قاضي التحقيق (فقرة ثالثة) و اوامر قاضي التحقيق( فقرة رابعة)
الفقرة الأولى: تعيين قضاة التحقيق
يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، بقرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية.
ويعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل، بناء على اقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
يمكن خلال هذه المدة إعفاؤهم من مهامهم بنفس الكيفية .
و قد يكون لدى المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية قاض للتحقيق، فإذا حال بينه و بين القيام بمهامه مانع كالمرض، تكون لرئيس المحكمة في حالة الاستعجال صلاحية تعيين أحد القضاة أو المستشارينبناء على طلب النيابة العامة للقيام بمهام التحقيق في انتظار زوال المانع أو التعيين النظامي .
و يكون قاضي التحقيق أمام حالة التنافي إذا حقق في القضية و عرضها على المحكمة من خلال متابعة المتهم، فهنا لا يحق له أن يشارك في الحكم فيها كقاض للحكم، و إذا فعل ذلك فإنه هذا الحكم يكون باطلا . هذا و يبت قاضي التحقيق بمفرده في القضايا المعروضة عليه ( القضاء الفردي) ، و عند استئناف قراراته ، تبث الغرفة الجنحية في الطعون برئيس و مستشارين ( القضاء الجماعي)، وفقا لأحكام المادة 231 من قانون المسطرة الجنائية .
و كما سبقت الإشارة في المادة 52 منق.م.ج فطريقة تعيين و إعفاء قاضي التحقيق تثير العديد من الإنتقادات، أهمها هيمنة وزير العدل عليها.و في ذلك عدم استقلاليةالسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية .
كما يلاحظ أنه يجوز لوزير العدل أن يتولى تعيين قاضي التحقيق بصفة مؤقتة لدى محكمة الاستئناف، عن طريق ما يعرف بمسطرة الانتداب ، على أن لا تتجاوز ثلاثة أشهر في كل سنة و يمكن له و بموافقة القاضي المعني بالأمر أن يجدد الانتداب لفترة واحدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر كذلك و ذلك وفقا للفصل 57 من النظام الأساسي لرجال القضاء .
الفقرة الثانية: اختصاص قاضي التحقيق
يتحدد اختصاص قاضي التحقيق بتحديد نطاق التحقيق الإعدادي ويمكن أن نميز بين ثلاثة أنوع: اختصاص نوعي واختصاص شخصي واختصاص محلي
 الاختصاص من زاوية الأفعال الخاضعةلتحقيق:
ميز المشرع في مجال الأفعال الخاضعة للتحقيق، بين نوعين من الجرائم : النوع الأول ، جعل فيه التحقيق إجباريا، و النوع الثاني اعتبر فيه التحقيق إختياريا.
و حصرت المادة 83 من ق.م.ج. الأفعال التي يكون فيها التحقيق إلزاميا، والتي نصت على مايلي : ” يكون التحقيق إلزاميا :
1ـ في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام ، أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة .
2ـ في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث
3ـ في الجنح بنص خاص في القانون .
يكون اختياريا في ما عدا ذلك من الجنايات والجنح المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر” .
 الاختصاص من زاوية الأشخاص الخاضعين لتحقيق:
قاضي التحقيق مقيد في الأفعال المعروضة عليه و ذلك انطلاقا من قاعدة ” التحقيق عيني و ليس شخصي” . ويجري قاضي التحقيق في نطاق ما هو محال عليه من النيابة العامة ، على أن التزامه بالتقيد بالأفعال المحالة عليه ، لا يمنعه من وصفها الوصف الذي يراه مناسبا، و لا يتقيد في ذلك بتكييف النيابة العامة.
 الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق:
نصت المادة 55 من قانون المسطرة الجنائية على الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق و أحالت على المادة 44 من نفس القانون ، و بالتالي يرجع الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق إما محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو محل إلقاء القبض عليه
الفقرة الثالثة:السلطات التي يمارسها قاضي التحقيق
يباشر قاضي التحقيق مهامه ، بعد تكليفه بإحدى طرق التكليف الثلاثة و هي: الملتمس بإجراء التحقيق المقدم من طرف النيابة العامة ، أو الادعاء المباشرمنطرف المطالب بالحق المدني ،أو بتنفيذ الإنابة القضائية الموجهة من طرف قاضي التحقيق وفق شروطها.
و يمارس قاضي التحقيق سلطات متعددة ومتنوعة كما أنها خطيرة لما يترتب عليها من آثار على مستوى الحريات الفردية، و يمكن حصر هذه السلطات فيما يلي:
 سماع الأشخاص : لقاضي التحقيق سماع بعض الأشخاص وهم : المتهم والشهود ، و يخضع سماع كل فئة من هؤلاء الأشخاص إلى إجراءات و شكليات خاصة .
 استنطاق المتهم و مواجهته مع الغير: الغاية منه هي تمكين المتهم من إقامة الدليل على
براءته أو الاعتراف بالأفعال المنسوبة إليه وإن كان الاعتراف لا يفيد القاضي ولا يعفيه من الاستمرار في عملية التحقيق فهو لا يعتبر سوى وسيلة لإقامة الدليل ، وقد أشار القانون الجديد إلى استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير في الباب السابع من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخص له المواد من 134 إلى 141 .
أشار المشرع في القانون المسطرة الجنائية للاستماع إلى الشهود في الباب السادس من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخص له المواد من 117 إلى 133.
ويرجع لقاضي التحقيق وحده تقدير ملائمة الاستماع للشاهد وكذا كيفية استدعائه أمامه، فحسب المادة 117 من القانون الجديد قد يكون الاستدعاء بواسطة أعوان القوة العمومية أو بواسطة الأعوان القضائيين أو برسالة مضمونة أو بالطريقة الإدارية، كما يمكنه الحضور بمحض إرادته .
 التنقل و التفتيش و الحجز: لا ينحصر مجال عمل قاضي التحقيق في مكتبه و لا يقتصر
دوره على التحقيق فيما تنقله محاضر الضابطة القضائية بل إن ميدانه أوسع من مكتبه ومهمته أعظم من التحقيق الابتدائي مما يدعوه أحيانا إلى الانتقال إلى الميدان لإجراء معاينات مادية أو للقيام بعمليات التفتيش أو الحجز التي يراها مفيدة لإظهار الحقيقة ، وقد خص المشرع المغربي في القانون المسطرة الجنائية لموضوع التنقل والتفتيش والحجز المواد من 99 إلى 107 من الباب الرابع المشار إليه في القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي من الكتاب الأول تحت عنوان ” التحري عن الجرائم و معاينتها”.
 التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد:
أخذ به التشريع المغربي أسوة بباقي التشريعات المقارنة ، وأشار إلى موضوع التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد في الباب الخامس من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخص له المواد من 108 إلى 116 من ق.م.ج.الجديد .
وقد خول المشرع لقاضي التحقيق إمكانية الأمر بالتقاط المكالمات الهاتفية وجميع الاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها.
 الوضع تحت المراقبة القضائية : لقد وضع ق.م.ج. الجديد بين يدي قاضي
التحقيق آليات جديدة كبديل للاعتقال الاحتياطي أهمها الوضع تحت المراقبة القضائية والتي تناولته المواد من 160 إلى 174 وهو تدبير استثنائي يعمل به في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية .

الفقرة الرابعة: أوامر قاضي التحقيق 

تعتبر الاوامر الصادرة عن قاضي التحقيق ، مجموعة من القرارات المكتوبة التي يتخذها و التي تتضمن تعليمات تخص الاشياء أو تخص المتهم وتجد هذه الأوامر سندها في أن التحقيق يقتضيها من أجل الكشف عن الحقيقة.
 الأوامر المتعلقة بالأشياء:
يتعلق الأمر بسحب جواز السفر ، وإغلاق الحدود ، الأمر بإرجاع الحيازة ، الأمر برد الأشياء و الأمر ببيع الأشياء المجوزة. وقد نظم المشرع هذه المقتضيات ضمن المادة142 من ق.م.ج.
 الأوامر المتعلقة بشخص المتهم:
تعرض ق.م.ج. لأوامر قاضي التحقيق في الباب الثاني من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وخص له المواد من 142 إلى 158 .
وقد حصرت الفقرة الأولى من المادة 142 منق.م.ج.و هذه الأوامر هي :
• الأمر بالحضور
• الأمر بالإحضار
• الأمر بالإيداع في السجن
• الأمر بإللقاء القبض .

المبحث الثاني: علاقة النيابة العامة بقاضي التحقيق 
بعد التطرق لتعريف كل من مؤسستي النيابة العامة و قاضي التحقيق سيكون لزاما علينا التطرق لنوعية و طبيعة العلاقة التي تجمع بين المؤسستين ، وهدا ما سنتولى تناوله من خلال هدا المبحث ، و دلك من خلال التطرق لارتباط النيابة العامة بقاضي التحقيق (المطلب الاول) ثم استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة (المطلب الثاني)
المطلب الاول: ارتباط النيابة العامة بقاضي التحقيق
لقد اشارت مجموعة من المواد في قانون المسطرة الجنائية الى نوع من الارتباط بين كل من مؤسستي النيابة العامة و قاضي التحقيق فأين يتجلى اذن هذا الارتباط ؟
رغم استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة، فقد خول القانون لهذه الاخيرة عدة صلاحيات لبسط نظرها امام قاضي التحقيق ، حيث نجد ان قانون المسطرة الجنائية وخاصة المادة 75 منه الحق لقاضي التحقيق إذا كان حاضرا بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها في أن يتخلى له الوكيل العام للملك ووكيل الملك أو ضباط الشرطة القضائية بقوة القانون عن عملية البحث، كما أن المادة 84 من نفس القانون ورد فيها أن قاضي التحقيق لا يستطيع إجراء أي تحقيق إلا بعد أن يتلقى من النيابة العامة ملتمسا بإجراء التحقيق ولو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة التلبس .
وتقوم النيابة العامة أيضا بإحالة محاضر الشكايات و الإنابات على هيئة التحقيق وكذلك تقديم الملتمسات بقصد القيام بإجراءات التحقيق ولو كان واضعا يده على القضية في حالة التلبس طبقا لنفس المادة .
كما ان النيابة العامة هي الجهة المخول لها تعيين من يحقق في القضية عند تعدد قضاة التحقيق ( المادة 90ق.م.ج ) ٠ كما يمكن أن تقدم ملتمسا للغرفة الجنحيةبسحب القضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاض آخر للتحقيق ( 91 ق. م .ج ). كما أن للنيابة العامة أن تطلب من قاضي التحقيق القيام بكل إجراء مفيد لإظهار الحقيقة أو ضروري للحفاظ على الأمن، و لا يمكن إجراء بحث من طرف قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس كتابي محال إليه من النيابة العامة أو بناء على شكاية المتضرر المنتصب طرفا مدنيا .
وفي إطار علاقة قاضي التحقيق مع النيابة العامة فإن قانون للمسطرة الجنائية يلقي مجموعة من الواجبات على عاتق قاضي التحقيق، منها :
1- تبليغ الشكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك في حالة اتخاذه موقفا مخالفا لملتمس النيابة العامة يصدر بذلك أمرا معللا ( للمادة 93 )
2- مطالبة قاضي التحقيق بفتح تحقيق مؤقت بواسطة ملتمس كتابي ( فقرة 4 من المادة 93 )
3- إشعارها عند الانتقال إلى التفتيش ولها إمكانية مرافقته ( المادة 99 )
4- إخبار النيابة العامة عند الانتقال خارج نفوذ المحكمة ( المادة 100 )
5- يجوز لقاضي التحقيق بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج ضد التسمم ( المادة 88 )
6- تبليغ النيابة العامة على الفور و شفويا عند صدور امر بالاعتقال الاحتياطي(المادة 175) واستشارتها عند الامر بالإفراج المؤقت ( المادة 178 ) كما يجب تبليغ النيابة العامة بقرار إجراء الخبرة ( م 196 )
7- توجيه ملف الإفراج المؤقت الى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها طبقا للشروط والآجال المنصوص عليها في المادتين 179 و 180
8- تقديم الطعن بالاستئناف في قرارات الإفراج مع بقاء المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبت في هذا الاستئناف طبقا للفقرة 2 من المادة 181
9- تقديم النيابة العامة ملتمسا بخصوص الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق (المواد من 214 إلى 217 )
10- توجه النيابة العامة إلى قاضي التحقيق ملتمساتها بشأن الأوامر الآتية :
 انتهاء البحث
 الأمر بعدم الاختصاص
 الأمر بعدم المتابعة
 الأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية ( المواد من 214 إلى 217 )
11- للنيابة العامة حق الاستئناف أمام الغرفة الجنحية لكل الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق باستثناء الأمر القاضي بإجراء خبرة وتبلغ لها داخل أجل 24 ساعة من استئناف المتهم والطرف المدني ( المواد 222الى 227 )
12- يحق للنيابة العامة وحدها أن تقرر ما إذا كان هناك مبرر لالتماس التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة ( الشهود والمحاضر والمستندات ) طبقا للمواد من ( 228 الى230 ) .
ومما يلاحظ في نطاق هذه العلاقة التي حاولنا قدر المستطاع استجلاء معالمها ، من خلال جرد لأهم المواد التي جاء بها مشرع قانون المسطرة الجنائية ، توسيع صلاحيات النيابة العامة في علاقتها بقاضي التحقيق ،إذ أن حضورها قوي في جل الاختصاصات الموكولة له بمقتضى القانون ،إلا أن ذلك لا يجب أن ينظر إليه من زاوية سلبية فرغم كون المشرع المغربي قد تبنى مبدأ استقلالية الأجهزة إلا أنه على مستوى الممارسة نجد تداخلا بينهما ما دام ذلك يشكل دعامة حقيقية لضمان حقوق الافراد ومن بينها حقهم في محاكمة عادلة ، وفق ما نصت عليه دستور المملكة، و كذا قانون المسطرة الجنائية،و ما تسير عليه مختلف القوانين في البلدان الديمقراطية.
المطلب الثاني: استقلالية النيابة العامة عن قاضي التحقيق
فكما هو معلوم ان مؤسسة قضاء التحقيق تعد من أهم الضمانات المتوفرة للمتهم و المجتمع على حد سواء مما يعين على الوصول إلى الحقيقة في مجال لا يخلو من التعقيد و هو المجال الجنائي الذي يهيمن عليه مبدأ حرية الاثبات و القناعة الوجدانية للقاضي .
و لتحقيق هذه الغاية يجب أن يتسم دور قاضي التحقيق بالحياد (الايجابي)بحيث تتحدد مهمته في كشف الحقيقة ، دون التحيز لجهة أو لأخرى .
كما أن الغاية من هذا الاستقلال ، هي ضمان حياد القاضي ، على اعتبار أن الجمع بين سلطة الاتهام و التحقيق في يد واحدة ، من شأنه أن يدفع المحقق للتعسف و البحث عن أدلة الاتهام دون سواها.
و لذلك نجد أن مشرع قانون المسطرة الجنائية وضع حدا فاصلا بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق ، حيث خول مهمة الاتهام أساسا للنيابة العامة ، ويترتب على ذلك ألا يحق لها اجراء التحقيق مبدئيا .ويفترض هذا الوضع ، أن سلطة الاتهام تتمتع باستقلال تام في شأن وظيفة الاتهام ، وبالمقابل ، فإن لقاضي التحقيق صلاحية التحقيق دون تدخل من النيابة العامة .على أن قاضي التحقيق لا يستطيع أن يبادر من تلقاء نفسه بأجراء التحقيق ، بل عليه ان ينتظر تكليفه بذلك كما تمت الاشارة إليه آنفا إما عن طريق ملتمس تتقدم به سلطة الاتهام أو عن طريق شكاية مصحوبة بالادعاء المدني .
فإذا ما تلقى قاضي التحقيق ملتمسا بإجراء التحقيق ، فعندها يتمتع بحرية القيام بالتحريات التي يخولها القانون اياه ، في سبيل إظهار الحقيقة ، وله أن يصدر ما يراه مناسبا في هذا الشأن ، و لو كان ما اتخده مخالفا لرغبة الطرف المدعي (النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني )، ولا يعقب على قراره سوى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف،و المكونة من أعضاء تابعين لقضاء الحكم ، وهي الغرفة التي يرجع لها حق النظر في الاستئناف المرفوع ضد أوامر قاضي التحقيق.
الملاحظ وهو أن نشاط قاضي التحقيق يتوقف على التماس الوكيل الملك ، لكن هذا لا يعني أن كل حركة منه تتوقف على هذا الإلتماس ، لأن تعليمات النيابة العامة لا توجه إليه على شكل تعليمات مباشرة وإنما تبعث إليه على شكل ملتمسات مكتوبة . والتماس النيابة العامة بفتح التحقيق لا يلزم قاضي التحقيق بالقيام بالأعمال المذكورة فيه فقط ، فهو يستطيع مثلا ألا يستمع من الشهود الواردة اسماؤهم في الطلب إلا من ظهر له من المفيد الإستماع لشهادته. كما يمكن أن يقوم بأي إجراء مفيد ولو لم يرد في الطلب أو الملتمس كاللجوء إلى الخبرة .بل يستطيع أن يقبل ويطبق الدفوع التي لها طبيعة النظام العام كالتقادم .كما أنه وفي نطاق الأعمال التي كلف بالتحقيق فيها يستطيع أن يتهم أي شخص أراد ولو لم يرد اسمه في التماس النيابة العامة أو شكاية المتضرر، لأن تكليفه يتعلق بالتحقيق في أعمال لا مع أشخاص .لذلك فبعد التكليف يستطيع قاضي التحقيق أن يعمل بحرية و استقلال عن النيابة العامة.
لكن رغم استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة ، فقد خول القانون لهذه الأخيرة عدة صلاحيات لبسط نظرها أمام قاضي التحقيق ، و أهم هذه الصلاحيات ، تقديم ملتمسات كما مر معنا و الاطلاع على الملف و الطعن بالاستئناف.
إلا أن هذه الصلاحيات المخولة للنيابة العامة، من شأنها خرق استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العمة ، ومن قبل ذلك ما يأتي :
• حرية النيابة العامة في اختيار قاضي التحقيق عند التعدد وذلك طبقا للمادة 90 من قانون المسطرة الجنائية .
أن من شأن هذه الصلاحية تمكين سلطة الاتهام من اختيار القاضي الذي تراه ميالا إلى مسايرة وجهة نظرها. على خلاف ما كان عليه الوضع قبل تعديل 18 شتنبر 1962، حيث كان اختيار قاضي التحقيق يتم من طرف قيدوم قضاة التحقيق وذلك ضمان لا استقلال هذا القضاء.
• يحق للنيابة العامة ، أو بسعي من المطالب بالحق المدني ، أو المتهم ، تقديم ملتمس معلل للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ، يرمي إلى سحب القضية من قاضي التحقيق و إحالتها إلى قاضي أخر وذلك طبقا للمادة 91 من نفس القانون المشار إليه آنفا .
وهذا الإجراء من شأنه المساس باستقلال قاضي التحقيق ، لا سيما أنه اجراء غير محصور ضمن شروط محددة ، أو مقيدة بحالات معينة .
خاتمة:
يلاحظ أن المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية قد لبنات جديدة لمؤسسة قاضي التحقيق بالنظر إلى دورها الفعال في مجال التحقيق الإعدادي الذي يوفر الحماية للمتهم و المجتمع على حد سواء، كما أنه وسع اختصاصات هذه المؤسسة وخلق ثنائية للتحقيق الذي كان محصورا في السابق في محاكم الاستئناف، وذلك بخلق قضاة مكلفين بالتحقيق في المحاكم الابتدائية.
ويتميز التحقيق الإعدادي بعدة خصائص، أبرزها أنه ذو طبيعة قضائية، إذا أن قاضي التحقيق حكم وليس خصما، ولـﺫا فإن من الواجب عليه أن يجمع الحجج بحياد تام، كما أنه ينجز هذا التحقيق تحت مراقبة الغرفة الجنحية، أما الخاصية الثانية هو أن التحقيق يغلب عليه طابع السرية والعينية والحضوري.
و بالرجوع إلى المادة 52 من قانون المسطرة الجنائية، فإن المشرع المغربي تبنى ثنائية التحقيق وذلك بجعل التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية بالإضافة إلى وجوده بمحاكم الاستئناف.
كمت أعطى المشرع خاصة المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية، الحق إلى قاضي التحقيق، إذا كان حاضرا بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها في أن يتخلى له الوكيل العام للملك ووكيل الملك أو ضباط الشرطة القضائية بقوة القانون عن عملية البحث، إلا أن المادة 84 من القانون نفسه ورد فيها أن قاضي التحقيق لا يستطيع إجراء أي تحقيق إلا بعد أن يتلقى من النيابة العامة ملتمسا بإجراء التحقيق ولو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة التلبس، على اعتبار أن النيابة العامة هي الجهة المخول إليها تعيين من يحقق في القضية عند تعدد قضاة التحقيق لدى محكمة الاستئناف، كما يمكن أن تقدم ملتمسا للغرفة الجنحية بسحب القضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاض آخر للتحقيق. وتقوم النيابة العامة أيضا بإحالة محاضر الشكايات والإنابات على هيأة التحقيق، وكذلك تقديم الملتمسات بقصد القيام بإجراءات التحقيق، ولو كان واضعا يده على القضية في حالة التلبس طبقا للمادة 84 من ق. م ج . كما أن للنيابة العامة أن تطلب من قاضي التحقيق القيام بكل إجراء مفيد لإظهار الحقيقة أو ضروري للحفاظ على الأمن، ولا يمكن إجراء بحث من طرف قاضي التحقيق إلا بناء على ملتمس كتابي محال إليه من النيابة العامة أو بناء على شكاية المتضرر المنتصب طرفا مدنيا.
وقد عمد قانون المسطرة الجنائية في إطار علاقة قاضي التحقيق مع النيابة العامة بإلزام قاض التحقيق بضرورة إحالة ملف القضية على النيابة العامة لاستدعاء الأطراف للمحاكمة طبقا للقانون، وتبليغ الشكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك في حالة اتخاذه موقفا مخالفا لملتمس النيابة العامة، وإشعارها عند الانتقال إلى التفتيش ولها إمكانية مرافقته، وإخبار النيابة العامة عند الانتقال خارج نفوذ المحكمة.
ولا يمكن قاضي التحقيق أن يصدر الأمر بإلقاء القبض إلا بعد استشارتها، ويجوز لقاضي التحقيق بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج ضد التسمم، ويجب تبليغ النيابة العامة بقرار إجراء الخبرة وبأمر الاعتقال الاحتياطي م وبالإفراج المؤقت.
وتلعب النيابة العامة دورا فعالا باستئناف قرارات قاضي التحقيق الباتة في رد الأشياء المحجوزة بعد صدور قرار بعدم المتابعة، وفي تقديم طلب الإفراج المؤقت إلى الغرفة الاستئنافية طبقا للشروط والآجال المنصوص عليها في المادتين 179 و 180، وتقديم الطعن بالاستئناف في قرارات الإفراج مع بقاء المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبت في هذا الاستئناف طبقا للفقرة 2 من المادة 181، ومطالبة قاضي التحقيق بفتح تحقيق مؤقت بواسطة ملتمس كتابي، كما تعمل النيابة العامة على تقديم ملتمس بخصوص الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق.
من خلال هذا كله يتبين أن العلاقة التي تحكم النيابة العامة بقاض التحقيق هي علاقة إستقلالية كيف ذلك إذ أن قاضي التحقيق يمارس مهامه بناءا على القانون ، وليس تمت أية علاقة تبعية لأن قانون المسرة الجنائية أسند لكل سلطة إختصاصاتها ، والتي يجب أن تمارسها وفق القانون ، وأهم مايؤكد وجهة نظرنا بخصوص إستقلالية السلطتين عن بعضهما البعض هو أن بعض القرارات التي يتخذها قاضي التحقيق تطعن فيها النيابة العامة أمام الغرفة الجنحية.                                                                                                alhoriyatmaroc.yoo7.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحريك الدعوى

                              ...