مبدا عدم رجعية القوانين


مقدمة:

_ إن الأصل في تطبيق القوانين هو إن القانون يكون دائما واجب التطبيق من اليوم التالي لنشره بالجريدة الرسمية ,وفق قضاء المادة الأولى من القانون المدني ,أو من التاريخ الذي يحدده نفس القانون لسريان إحكامه .

_ و المألوف في كل مكان وزمان إن القواعد القانونية لا تستقر في حال واحدة بل تطرأ عليها بعض التغيرات بتغير الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها .

ولهذا يجب إن يتدخل المشرع لتعديل القانون في ظل ما يتماشى معه من أحداث بحيث تصبح القواعد الجديدة تلاءم الوضع الجديد و تعاقب القوانين في نفس الموضوع يثير مشكل تنازع القوانين بشدة من حيث الزمان .

– فما هو القانون الذي يطبق ؟

-هل هو القانون الجديد أم القديم ؟

وللإجابة عن هذا السؤال نتطرق إلى مبدأين أساسين يكملان بعضهما البعض هما :

– مبدأ عدم رجعية القوانين .

– مبدأ الأثر الفوري

– للقوانين.

المبحث الأول

يقصد بمبدأ عدم رجعية القانون عدم سريان إحكامه على الماضي ,فالقاعدة القانونية يقضى سريانها ابتداء من تاريخ إلقائها ولا يمكن أن يسرى القانون الجديد تسرى من يوم نفاذها فتحكم ما يقع في ظلها و هذا مما وجد في المادة : 2 من القانون المدني الجزائري و القانون الفرنسي التي تنص :”لايسرى القانون إلا على ما ينفع في المستقبل ,و لا يكون له اثر رجعى .”

ومن مبدأ يقوم على اعتبارات متعددة من المنطق و العدل و المصلحة العامة ,والمدى الزمني لسريان القاعدة القانونية

المطلب الثاني : الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين :

إن مبدأ عدم رجعية القوانين رغم أهميته يرد عليه عدة استثناءات تجعل من رجعية القانون في مواضع عينة أمرا مقبولا و هذه الاستثناءات هي :

01- نص المشرع على رجعية القانون :

هذا مبدأ يقيد القاضي و لا يقيد المشرع فهو يقيد القاضي بحيث لا يجوز له مطلقا أن يخرج عليه فيطبق القانون الجديد على الماضي إلا إذا تضمن هذا القانون نصا يجيز له ذلك .و هو لا يقيد المشرع إذ يستطيع أن يجعل للقانون الجديد أثرا رجعيا,و لكن يجب عليه أن ينص صراحة على الثر الرجعي , فلا يجوز للقاضي أن يستخلص ذلك ضمنيا و إذا كانت الضرورة تفرض هذا الاستثناء إلا انه يجب التصنيف منه فلا يستعمله المشرع تعسفا في استعمال السلطة لأنه يؤدي إلى نتيجة خطيرة و هي تطبيق القانون على أوضاع كان فيها الأشخاص جاهلين لوجوده 1.

02:القانون الجنائي الأصلح للمتهم :

لقد استقرت قاعدة عدم رجعية القوانين لحماية الأفراد من التعسف السلطات , لكن المحكمة من هذه القاعدة لا تتوفر إذا نص القانون الجديد على إلغاء التجريم أو تخفيف العقاب يكون من صالح الأفراد المتهمين في جرائم جنائية أن يطبق عليهم القانون الجديد رغم ارتكابهم الجرائم في ظل القانون القديم , و في هذا نلاحظ فرقا واضحا بين هاتين الحالتين عند تطبيق القانون الأصلح للمتهمين باثر رجعي .

أ- الحالة الأولى :

إذا كان القانون الجديد يبيح الفعل الذي كان محرما فانه يطبق باثر رجعي في جميع مراحل الدعوى العمومية و بمحو اثر الحكم أي انه يمنع تنفيذ الحكومة و يفرج عن المحكوم عنه إذا كان قد أمضى مدة في السجن و بمعنى هذا أن اثر يمتد إلى الدعوى العمومية و للعقوبة أيضا .

مثال : لو أن شخص حكم عليه بسجن مدة خمس سنوات بسبب تهريب أموال أجنبية للبلاد ثم ظهر قانون جديد يلغي هذا ويبيح بإدخال النقد الأجنبي فإذا كان سجن مدة سنة قبل ظهور هذا القانون فانه يلغي هذا الحكم فورا و لا ينفذ باقي الحكم , أما إذا كان قد أجرى تحقيق و لم يقدم للمحاكمة بعد فانه يلزم وفق متابعته عدم تقديمه للمحاكمة لإلغاء القانون الجنائي الذي كان محرم يفعل القانون القديم و أصبح مباحا في ظل القانون الجديد .

ب- الحالة الثانية : 

إذا كان الجديد خفف العقوبة فقط و لم يلغها فقد يطبق القانون الجديد فإذا كان المتهم في مرحلة التحقيق و لم يصدر عليه الحكم نهائيا حيث يمكن للمتهم أن يطالب بالنقص لو استيفائه فيجاب إلى طلبه أما إذا كان الحكم قد

أصبح نهائيا أي لا يجوز الطعن فيه بالطرق القانونية فلا يستفيد المتهم من تطبيق القانون الأصل

المطلب الثالث : تطبيقات مبدأ عدم رجعية القوانين :

1- في المجال الجنائي : نصت المادة : 46 من دستور 1996 على أن :

” لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم. “

و نصت المادة : الثانية من قانون العقوبات على مايلي :

” لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه اقل شدة”

من هذين النصين يتبين لنا أن الأصل في المجال الجنائي هو عدم رجعية القوانين لان القول بخلاف هذا يترتب عليه المساس بمبدأ شرعية التحريم و العقاب و المساس بمقتضيات العدالة ذاتها .

2- في المجال المالي : 

جاء في المادة : 64 من دستور 1996 

“لا يجوز أن تحدث أية ضريبة بمقتضى القانون و لا يجوز أن يحدث باثر رجعي أية ضريبة أو جباية أو رسم أو أي حق كيفما كان نوعه “.

من هنا يتضح لنا أن المؤسس الدستوري رفع مبدأ عدم رجعية القوانين في المجال المالي إلى مصنف المبادئ الدستورية .فحضر على السلطة التشريعية سن قانون يلزم الأفراد بضرائب أو رسوم يكون لها اثر رجعي1.

المبحث الثاني : الأثر الفوري أو المباشر للقانون :

من أهم مأخذ النظرية التقليدية أنها حصرت مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان في مبدأ واحد هو عدم رجعية القوانين , و هذا المبدأ لا يقدم حلا بالنسبة للمراكز الجارية , و لتلاقي هذا النقص يرى أصحاب النظرية الحديثة أن مبدأ عدم رجعية القوانين لا يكفي لوحده لحسم مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان , و أن يحتاج إلى مبدأ أخر يكلمه هو مبدأ الأثر المباشر أو الفوري للقوانين .

تنص المادة 2 من القانون المدني على ما يلي: ” لا يسري القانون إلى على ما يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي”. و أيدته أيضا المادة 2 من قانون العقوبات بقولها: “لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة”.

المطلب الأول: مفهوم مبدأ الأثر الفوري.

يعني مبدأ الأثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فورا منذ تاريخ سريانه أي وقت نفاذه، فيحدث آثاره مباشرة على كل الوقائع والأشخاص المخاطبين به على الحالات التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية ومباشرة. فالقانون الجديد يصدر ويطبق على الحاضر و المستقبل، لا على الماضي، ويستخلص من ذلك أن القانون القديم يحكم الحالات التي تمت في ظله، فلا يطبق عليها القانون الجديد. فلو فرضنا أن قانونا جديدا صار نافذا اليوم ونص على تجريم فعل لم يكون مجرما من قبل، فمن البديهي أنه يسري ابتداء من اليوم على كل من يقوم بهذا الفعل المجرَّم، وبالتالي لا يمكن متابعة من قاموا بهذا الفعل في الماضي، و إن كان حتى بالأمس مثلا :لو فرضنا أن قانون المالية لسنة 1998 يفرض ضريبة على شراء السيارات، فيكون مشتري السيارة ملزم بأداء تلك الضريبة من أول يوم لسنة 1998، و إلا اتهم بجريمة التهرب الضريبي بعد هذا التاريخ و لكن لا يلزم بأداء هذه الضريبة كل الأشخاص الذين اشتروا سيارة في العام الماضي، وحتى في آخر يوم لسنة 1997.في خضم عدم وجود الضريبة فلا وجود لجرم التهرب الضريبي.

لابد من الإشارة إلى أن هذا المبدأ يخص بشكل أدق القواعد الشكلية أو ما يعرف بالقواعد الإجرائية ويرجع السبب في ذلك أن هدف الإجراءات الشكلية عموما هو إدراك الحقيقة بأسرع وقت دون مساس بالقواعد المتعلقة بالتجريم و العقاب و التي تقصدها الدساتير و القوانين في تقريرها عدم رجعية أحكامها على الماضي و بالتالي فإن المتهم لا يضار قط من سريان هذه القواعد مباشرة عليه، بل أنه على العكس قد يستفيد طالما أن كل تعديل لقاعدة إجرائية مقصود به أصلا محاولة إدراك الحقيقة القضائية في وقت أقصر

و بشكل أكثر يقينا، كما أن هذا التعديل لن يكون له تأثير على موقفه القضائي و سلوكه الذي يتوجه إلى الجريمة و العقوبة وليس إلى الإجراءات الجنائية فالعبرة هي بوقت مباشرة الإجراء و ليس بوقت وقوع الجريمة التي يتخذ الإجراء بمناسبتها، فالقواعد الإجرائية تسري من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم تكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

و يكاد الفقه يتفق على أن مضمون القاعدة أو موضوعها هو الفيصل في بيان طبيعتها القانونية فتكون القاعدة موضوعية إذا كان مضمونها أو موضوعها يتعلق بحق الدولة في العقاب سواء من حيث نشأته أو تعديله أو انقضائه بينما تكون القاعدة إجرائية إذا كان موضوعها أو مضمونها يتعلق بالأشكال ة الأساليب و الكيفيات التي ينبغي إتباعها في سبيل اقتضاء هذا الحق أمام السلطة القضائية، بصرف النظر عن موقع القاعدة أي عن ورودها في قانون العقوبات أم الإجراءات الجنائية، و بصرف النظر عن الغاية التي تستهدفها أي سواء كانت في مصلحة الفرد أم في مصلحة الجماعة.

المطلب الثاني : تطبيق الأثر الفوري للقانون :

لا يثير القانون على أوضاع اللاحقة لنفاذه مشكل و لكن يثار التساؤل حول المراكز القانونية الخارجية أي التي بدا تكوينها أو انقضائها في ظل قانون قديم , و استمرت إلى حين صدور قانون جديد , فأي القوانين نطبق ؟ و كذلك قد تتكون بعض عناصر المراكز القانونية في ظل القانون القديم قائمة في ظل صدور قانون جديد , فهل يطبق بصددها القانون القديم أم الجديد ؟.

أولا :

تطبيق القانون باثر فوري على مراكز قانونية لا تزال في دور التكوين أو الانقضاء : التقادم الجاري الذي لم تنقضي مدته عند صدور قانون جديد فانه يطبق عليه القانون الجديد مع الأخذ بعين الاعتبار ما انقضى من مدته عند صدور قانون جديد فانه يطبق عليه القانون الجديد مدة اقصر من القانون القديم فإننا نطبق القانون الجديد , إما إذا كانت بقيت مدة طويلة في ظل القانون الجديد و لم يبقى من هذه المدة في ظل القانون القديم لا ومن اقصر .فإننا نطبق القانون القديم لانقضاء المدة , فهدف المشرع هو قصر مدة التقادم فلا يمكن الإضرار بحقوق الأشخاص بسبب إطالتها 

مثلا :

نص على تقادم مدته ثلاث سنوات و كان ظل قانون القديم مدته خمس سنوات فإننا نطبق الأثر الفوري للقانون الجديد إذ تصبح المدة الجديدة المقررة ثمن سنوات بينما غرض المشرع هو قصر مدة التقادم ففي هذه الحالة لا يطبق القانون باثر فوري بل يعتبر التقادم منتهيا بانقضاء المدة المقررة في القانون الماضي .

ثانيـــا : يطبق القانون بأثر فوري على عناصر المراكز القانونية التي تكونت في ظل القانون الجديد :

مثال ذلك :

الوصية التي ظلت في القانون القديم و ضمن تواجد شروطها و هي الموصى له ووفاة الموصى فإذا خل احد العناصر و لم يكتمل في ظل القانون , كوفاة الموصي مثلا فإننا نخضع الوصية للقانون الجديد فيطبق القانون بأثر فوري على العناصر التي تكونت في ظله .

ثالثـــا : تطبيق القانون بأثر فوري على المراكز القانونية التي تترتب في ظله :

أن اغلب الفقهاء يفرقون بين المراكز القانونية البحتة أي المراكز التي ينفرد القانون بترتيب و تنظيم آثارها و بين المراكز التعاقدية التي ينفرد المتعاقدان بترتيب أثارها ففيما يتعلق بالمراكزالقانونية التي ينفرد القانون بترتيب أثارها مثل الطلاق و الزواج و الملكية الأهلية فلا يجب أن يكتلف من الراشد مثلا بين شخصا آخر و كان يكون راشد و هو في سن : 16 مثلا , ظل قانون قديم و أخر غير راشد لعدم انقاء هذا القانون القديم و دخل قانون جديد يرفع السن إلى :18 سنة , فعلى الأول أن يعتبر غير راشدا منذ صدور القانون الجديد .

لكن فيما يتعلق بالمراكز القانونية التعاقدية فتترك للأفراد الحرية في تحديد آثارها و تبقي القانون القديم و ذلك استثناءا من الأثر المباشر للقانون .

المطلب الثالث : تطبيق الأثر المستقبلي للقانون القديم استثناءا عن مبدأ الأثر المباشر للقانون الجديد :

عند إبرام طرفان في قانون قديم و نترتب أثار هذا العقد في القانون الجديد أي عندما يعقد في قانون و تكون الآثار التي نتيجة عنه في كل قانون جديد هنا يطبق القانون القديم حماية لحقوق الأفراد و حتى تستقر المعاملات في قانون واحد , لكن سمح لهم المشرع بالاتفاق على قانون جديد شرط عدم مخالفة النظام العام و الآداب العامة , فالأصل هو تطبيق القانون القديم و الاستثناء هو إذا اتفق الأفراد الخاصة و لكن هذه الإرادة مقيدة بالنظام العام لهذه تضمن القانون الجديد نصوصا متعلقة بالآداب العامة فينطبق بأثر فوري ,و يلاحظ أن هناك من يؤيد الحرية التعاقدية بصفقة مطلقة فيرون ضرورة تطبيق القانون القديم في مجال العقود التي أبرمت في ظله.

ولا يستبعد القانون القديم حتى لو كانت نصوصا متعلقة بالآداب العامة فينطبق بأثر فوري و يلاحظ أن هناك من يؤيد الحرية التعاقدية بصفقة مطلقة فيرون ضرورة تطبيق القانون القديم في مجال العقود التي أبرمت في ظله , و أن يستبعد القانون القديم حتى لو كانت نصوص القانون الجديد متعلقة بالنظام العام .لكن معظم المؤلفين يرفضون هذا الرأي فيطبق القانون القديم على المراكز التعاقدية التي نشأت في ظله و استمرت بعد نفاذ القانون الجديد , غير انه إذا كانت قواعد القانون الجديد مست النظام العام فيطبق الأثر الفوري .

الخاتمـــــــة :

بعد دراستنا لتطبيق القانون من حيث الزمن فهمنا مدى أهمية مبدأ الأثر المباشر للقانون هو تكميل لمبدأ عدم رجعيتها لعدم استطاعتها حسم المسألة تنازع القوانين من حيث الزمان .

منقول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحريك الدعوى

                              ...