التقادم في التشريع الجنائي المغربي على ضوء العمل القضائي


التقادم في التشريع الجنائي المغربي على ضوء العمل القضائي

مقدمة:

تعتبر العدالة هي الوجه الحقيقي للحضارة الإنسانية حيث بمقدار تطور المجتمع وتطور جهاز العدالة فيه وبموازاة لهما، يمكن قياس مدى سمو حضارة هذا المجتمع أو مدى انحطاطها، وتدخل العدالة الجنائية في هذه الإطار باعتبارها جزء من العدالة بصفة عامة، حيث هي التي تعكس السياسة الجنائية للدولة، وكما قيل عنها- العدالة الجنائية- هي بلا ريب أخطر مرفق في أي مجتمع متحضر، يعطي للعدالة قيمتها وللكرامة الإنسانية قدرها، وذلك باعتبار أن خارج العدالة لا يمكن أن نجد سوى البغي والاستبداد وكل صور الهمجية والاستعباد التي لا يصلح معها الحديث عن حضارة المجتمع في الفرد أو عن كرامة للفرد في المجتمع.[1]

كما أن السياسة الجنائية الحديثة تقر بأن الجريمة كظاهرة اجتماعية ليست منفصلة عن باقي الظواهر الأخرى، حيث بما أن الجريمة تعتبر أخطر ضروب السلوك المنحرف فما هي إلا انعكاس لضروب الاختلال الكامنة في البناء الاجتماعي، مما حدا بهدف السياسة الجنائية المعاصرة إلى القضاء على الجريمة في مهدها وذلك بالقضاء على الظروف المهيأة لها، ومن المعلوم أن لكل نظام قانوني مبادئ تعتبر بمثابة الأسس التي يقوم عليها، سواء كان قانونا موضوعيا أو شكليا وهو ما يشكل في مجموعه السياسة التشريعية العامة للبلد, وتعتبر السياسة الجنائية من أهمها هذه الأخيرة بدورها تقوم على مبادئ هامة مؤطرة لها غالبا ما تتشابه بل وتتطابق في بعض التشريعات المختلفة لكنها قد تختلف عن بعضها البعض أحيانا إلى درجة التضاد أو التقابل، حسب خيارات كل مشرع على حدة. ولعل من الثوابت والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها المسطرة الجنائية المغربية ما يعرف بقاعدة التقادم.

ويعتبر التقادم مؤسسة حقوقية لا غنى عنها، لقيامه على اعتبارات متعددة اجتماعية واقتصادية وأمنية، حيث لولا التقادم لاضطرت المحاكم إلى سماع القضايا التي مر عليها زمن طويل مع ما ينتج عن ذلك من اضطراب وتشويش على العدالة بسبب اندثار الأدلة مع مرور الزمن[2]. فنظام التقادم يعمل على استقرار المعاملات والأحوال وبالتالي فهو يقوم على فكرة وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها ردح من الزمن، ولهذا نجد أغلب التشريعات أجازته في المعاملات المدنية أو في المادة الجنائية.

ويهدف نظام التقادم إلى التسليم بسقوط حق الدولة في المتابعة بسبب مرور الوقت يكون معه المجتمع تناسى الفعل ألجرمي ولم يعد بحاجة لفتح جرح قد تعافى منه ولم تعد هناك مصلحة لإعادته إلى المواجهة من جديد عملا بالقاعدة القائلة كم حاجة قضيناها بتركها. وبالتالي يكون من مصلحة المجتمع ترك الدعوى العمومية خير من بعث النار الخامدة في الرماد[3] .

وقد يتعلق التقادم بالعقوبة التي لم تنفذ في إبانها وتمكن معها المحكوم عليه أن يبقى بمنأى عن قبضة العدالة طيلة فترة من الزمن كافية لسقوطها هي مدة التقادم، ويكون معها المجتمع أيضا قد تناسى المحاكمة وعقوبتها يكون معها المحكوم عليه قد عاش معاناة حقيقية من جراء هروبه واختفائه حسنت سلوكه وأهلته للاندماج في المجتمع من جديد. من هذا المنطلق يحق لنا التساؤل عن كيفية تنظيم التشريع الجنائي المغربي لنظام التقادم؟ وما هو موقف القضاء المغربي في ذلك؟.

لقد ارتأينا معالجة هذا الموضوع واستجابة لدواعي منهجية وفق التقسيم الثنائي وذلك من خلال فصلين اثنين:

+ الفصل الأول: تقادم الدعوى العمومية والعقوبة في التشريع الجنائي المغربي.

+ الفصل الثاني:التقادم الجنائي من خلال العمل القضائي.

الفصل الأول: تقادم الدعوى العمومية والعقوبة في

التشريع الجنائي المغربي.

بعد ما سنعمل على دراسة تقادم الدعوى العمومية في (المبحث الأول) سنقوم بدراسة تقادم العقوبة في (المبحث الثاني).

المبحث الأول: تقادم الدعوى العمومية:

سنعمل على دراسة مدد تقادم الدعوى العمومية واحتسابها (المطلب الأول) ثم الإجراءات القاطعة والواقفة للتقادم (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مدد تقادم الدعوى العمومية واحتسابها.

بعد دراسة مدد تقادم الدعوى العمومية (الفقرة الأولى) سنقوم بدراسة احتساب مدة تقادمها (الفقرة الثانية).

– الفقرة الأولى: مدد تقادم الدعوى العمومية:

يعتبر التقادم سبب من أسباب سقوط الدعوى العمومية، فإذا انصرمت المدة المقررة قانونا للتقادم فلا يمكن تحريك الدعوى العمومية، وإذا تم تحريكها فلا يمكن مواصلتها إذا طالها التقادم بعد أن تم تحريكها، وذلك طبقا للمادة 4 من ق.م.ج.

وبالرجوع إلى المادة 5 من ق.م.ج نجدها تنص على ما يلي ” تتقادم الدعوى العمومية ما لم تنص قواعد خاصة على خلاف ذلك بمرور:

” … خمسة عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية،”

“…. أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة، “

“… سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة،”

وذلك حسب التعديل الذي عرفته هذه المادة بمقتضى القانون رقم 11. 35 الصادر بتاريخ 17/10/2011.

غير أنه إذا كان ضحية الجريمة قاصرا وتعرض لاعتداء معاقب عليه قانونا من طرف أحد أصوله أو من شخص له عليه سلطة أو مكلف برعايته أو كفالته فإن أجل التقادم لا يبدأ حسابه إلا من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المحددة في 18 سنة ميلادية كاملة.

إلا أن المشرع المغربي استثنى بعض الجرائم ونص على إمكانية الأخذ بآجال أخرى في الحالات الخاصة التي يقررها القانون. فمثلا تتقادم جرائم العصيان والفرار وقت الحرب والفرار إلى بلاد العدو لا يبدأ احتساب التقادم بشأنها إلا ابتداء من بلوغ الجاني 50 سنة حسب الفصل 150 من قانون العدل العسكري. والجرائم المنصوص عليها في قانون الصحافة لا تتقادم إلا بمرور ستة أشهر من تاريخ ارتكاب الفعل أو تاريخ آخر وثيقة من وثائق المتابعة إذا كان هناك تحريك للمتابعة. وتتقادم المخالفات الغابوية بمرور ستة أشهر من تاريخ تحرير المحضر أو بمرور ثلاث سنوات على ارتكاب المخالفة إذا لم يحرر بشأنها محضرا طبقا للفصل 75 من ظهير 10/10/1917 المتعلق بالقانون المنظم للمياه والغابات.

يتضح أن المشرع المغربي أخذ بطبيعة الجريمة وحدد آجالا مختلفة لتقادم الجنايات والجنح والمخالفات بحسب طبيعة الأفعال التي تتشكل منها الجريمة وليس بطبيعة الفعل الذي صدرت من أجله الإدانة. ونص الفصل 112 من القانون الجنائي على أن ” لا يتغير نوع الجريمة إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم لسبب من أسباب التخفيف أو لحالة العود. باستثناء ظروف التشديد فإنها تغير طبيعة الفعل حيث نص الفصل 113 من القانون الجنائي ” يتغير نوع الجريمة إذا نص القانون على عقوبة متعلقة بنوع آخر من أنواع الجرائم لسبب ظروف التشديد”.

– الفقرة الثانية: احتساب مدة تقادم الدعوى العمومية:

الأصل أن حساب مدة التقادم يبدأ من تاريخ وقوع الجريمة كما تم التنصيص على ذلك في المادة 5 من ق.م.ج وتعتبر جميع الآجال المنصوص عليها في ق.م.ج. آجالا تامة (المادة 750 ق.م.ج) لا تشمل اليوم الأول والأخير ضمن الأيام المحتسبة, وتحسب مدة التقادم بالتقويم الميلادي لا الهجري، والمحكمة ملزمة قانونا بتبيان تاريخ وقوع الجريمة حتى تستطيع محكمة النقض أن تتحقق من حجة تطبيق القانون, وإذا أثير نزاع حول هذا التاريخ تعين على المحكمة أن تجيب عليه لأنه وسيلة دفاع موضوعية.[4]

وتحديد تاريخ ارتكاب الجريمة لا يطرح أي مشكل قانوني بالنسبة للجرائم الفورية (الوقتية) التي تنتهي بمجرد ارتكابها واحتساب تقادمها يبتدئ من اليوم الموالي لوقوعها ولا يدخل يوم النهاية في الحساب. فجرائم الضرب والجرح والقتل العمد والسرقة تقع في لحظة واحدة وبالتالي فهي جرائم وقتية يستغرق ارتكابها وقتا معينا وينتهي بانتهاء الفعل المرتكب. غير أنه قد تطرح بعض الصعوبات في تحديد تاريخ ارتكاب بعض الجرائم كالجرائم المستمرة (المتتالية) والجرائم المتوقفة على نتيجة (ضرر).

فبالنسبة للجرائم المستمرة: وهي التي تكون قابلة للتجديد لفترة معينة ولا تتوقف إلا بتوقف الجاني بإرادته أو لسبب خارج عن إرادته مثل جرائم الحيازة. فحيازة سلاح بدون رخصة. وحيازة أشياء متحصلة من جريمة، فطالما استمر الجاني في حيازة الأشياء المسروقة أو السلاح ظلت الجريمة بمنأى عن التقادم الذي لا يشرع في احتسابه ألا بعد إتمام الجريمة.

وبالنسبة للجريمة المتوقفة على نتيجة: وهي تلك الجرائم التي يتطلب فيها القانون حصول النتيجة لقيامها، فالجريمة تكتمل بحدوث النتيجة فقط وبالتالي فتاريخ تحقق النتيجة هو التاريخ المعتمد في احتساب التقادم، فجريمة القتل الخطأ مثلا لا تقوم إلا بتحقق إزهاق الروح، أما الفعل المؤدي إلى هذه النتيجة فلا يعتبر وحده لقيام الجريمة ولذلك فإن وقوع الخطأ لا ينطلق به احتساب التقادم لأن الجريمة لم تتم بعد.

المطلب الثاني: الإجراءات القاطعة والواقفة للتقادم:

بعدما نتطرق لقطع التقادم (الفقرة الأولى) سنقوم بدراسة وفق التقادم (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: قطع التقادم.

نصت المادة 4 من ق.م.ج : تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم …” بمعنى بمرور مدة التقادم تؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية, غير أن القانون أورد على احتساب مدة التقادم استثنائين من بينهما قطع التقادم، حيث نصت المادة 6 من ق.م.ج ” ينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به وبكل إجراء يعتبره القانون قاطعا للتقادم ” وينطبق هذا الانقطاع حتى على الأشخاص الذين لا يشملهم هذا الإجراء ويبتدئ أجل جديد للتقادم في اليوم الذي يقع فيه آخر إجراء ينقطع به أمده، وتكون مدة الأجل الجديد مساوية للمدة المحددة في المادة السابقة, يستفاد من هذا النص أن قطع التقادم يكون بواسطة إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق أو المحاكمة شريطة أن يتم ذلك من طرف السلطة القضائية أو بأمرها وبكل إجراء يعتبره القانون قاطع للتقادم. ولهذا ينقطع التقادم بكل إجراء من إجراءات التحقيق سواء الإعدادي أو التكميلي أو النهائي.

  • أما إجراءات البحث التمهيدي التي نظمها القانون (المواد من 56 إلى 82 ق.م.ج) كانت تعتبر في القانون رقم 22-01 تعتبر من الإجراءات القاطعة للتقادم إلى جانب التحقيق والمتابعة، فكان نص المادة 6 منه ينص على أن التقادم ينقطع بإجراءات البحث أو التحقيق أو المتابعة التي تنجزها الشرطة القضائية أو تأمر بها، إلا أن قانون رقم 35.11 بشأن تعديل قانون م.ج أسقط عبارة البحث من النص وأصبح التقادم ينقطع بإجراءات المتابعة والتحقيق والمحاكمة وذلك بعدما لاحظ المشرع أن أمد التقادم في القانون المغربي طويل نسبيا مع القانون المقارن وأن جعل إجراءات البحث قاطعة للتقادم سيؤدي إلى عدم تقادم الجرائم مما يؤدي إلى ضياع الغاية المتوخاة من إقرار نظام التقادم والرامية إلى القضاء على استمرار الخصومات بمرور الوقت [5].
  • بالنسبة لإجراءات المتابعة التي تقوم بها السلطة القضائية وتكون قاطعة للتقادم تتمثل في الإجراء القانوني الذي يتم بمقتضاه رفع الدعوى العمومية إما إلى قاضي التحقيق أو إلى المحكمة، وبالرجوع إلى القانون رقم: 35.11 بشأن تعديل قانون المسطرة الجنائية نجده قد أضاف فقرة سادسة لتعريف إجراءات المتابعة جاء فيها ” يقصد بإجراءات المتابعة في مفهوم هذه المادة كل إجراء يترتب عنه رفع الدعوى العمومية إلى هيئة التحقيق أو هيئة الحكم”.

ولابد من الإشارة إلى أن إجراءات البحث التمهيدي التي تنجزها النيابة العامة أو قاضي التحقيق بصفته كضابط سام للشرطة القضائية، وتقوم به الشرطة القضائية تلقائيا أو بأمر من النيابة العامة أو قاضي التحقيق بوصفهما من الضباط السامين لا تعتبر من إجراءات التحقيق ولا من إجراءات المتابعة وإنما تدخل في إجراءات البحث التمهيدي ولا يمكن لها قطع التقادم مهما كانت أهميتها.

الفقرة الثانية: وقف تقادم الدعوى العمومية:

لقد تم التنصيص في المادة 6 من ق.م.ج بأنه ” تتوقف مدة تقادم الدعوى العمومية فيما إذا كانت استحالة إقامتها ترجع إلى القانون نفسه”.

ويقصد بوقف التقادم توقف احتساب أجله إلى حين زوال سبب التوقف، فيتم استئناف حساب الأجل، شريطة ألا يتعلق الأمر بإهمال إقامة الدعوى العمومية وإنما بوجود مانع قانوني يحول دون ممارستها خلال فترة من الزمن، مثلا كما لو كان مرتكب الفعل ألجرمي متمتعا بحصانة قضائية تمنع متابعته حيث يتوقف احتساب الأجل طيلة وجود الحصانة باعتبار أن القانون نفسه يمنع تحريك المتابعة بسبب وجود الحصانة ويتعين معه رفعها أو انتهاؤها لانطلاق احتساب الأجل. والداعي إلى عدم احتساب المدة يرجع إلى كون السبب القانوني هو الذي يحول دون ممارسة الدعوى العمومية.

المبحث الثاني: تقادم العقوبة.

سنقوم بدراسة آجال تقادم العقوبة (المطلب الأول) تم سندرس سريان مدد تقادم العقوبة وانقطاعه (المطلب الثاني) وآثار التقادم (المطلب الثالث).

المطلب الأول: آجال تقادم العقوبة:

يقصد بتقادم العقوبة سقوطها بمضي فترة محددة من تاريخ نشوء الحق في تنفيذها، أو بمعنى آخر مرور مدة من الزمن يحددها القانون دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات التنفيذ بعد صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به ويترتب على مضي هذه المدة سقوط الالتزام بتنفيذها.

ومن خلال المواد 649 و 650 و 651 من ق.م.ج يتضح أن مدد التقادم تختلف بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بعقوبة جنائية أو جنحية أو مخالفة.

الفقرة الأولى: تقادم العقوبة الجنائية:

ينص الفصل 16 من ق.ج على أن العقوبات الجنائية هي: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت، الإقامة الإجبارية، والتجريد من الحقوق الوطنية كل هذه العقوبات تتقادم بمضي خمسة عشر سنة ميلادية كاملة، تحتسب ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه المقرر القضائي حائزا لقوة الشيء المقضي به طبقا للمادة 649 من ق.ج.

الفقرة الثانية: العقوبة الجنحية:

من خلال تفحص التشريع المغربي نجذ أن العقوبات الجنحية هي الحبس من شهر إلى خمس سنوات والغرامة التي تتجاوز 1200 درهم، وبموجب المادة 650 من القانون الجنائي فإن العقوبات الجنحية تتقادم بمضي أربع سنوات ميلادية كاملة ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه المقرر الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، غير أنه إذا كانت عقوبة الحبس المحكوم بها تتجاوز خمس سنوات فإن مدة التقادم تكون مساوية لمدة العقوبة.

– الفقرة الثالثة: عقوبة المخالفة:

عقوبات المخالفة في القانون الجنائي المغربي هي الاعتقال لمدة تقل عن شهر والغرامة من 30 إلى 1200 درهم، وإن كان المشرع المغربي اعتمد معيار نوع العقوبة في تحديد مدة التقادم فإنه بالنسبة للمخالفات أخد بمعيار الوصف الجنائي للفعل، إذ أن وصف الفعل بالمخالفة هو الذي يحدد مدة تقادم العقوبة وهذه المدة هي سنة ميلادية كاملة من التاريخ الذي يصبح فيه المقرر الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.[6]

المطلب الثاني: سريان مدد التقادم وانقطاعه بالنسبة للعقوبة.

– الفقرة الأولى : بدء سريان مدد التقادم

بالرجوع إلى المواد من 649 إلى 651 ق.م.ج. نجدها حددت بداية سريان التقادم بكيفية موحدة بالنسبة لجميع العقوبات سواء كانت جنائية أم جنحية أو مجرد مخالفات، فأمد التقادم يبتدئ من التاريخ الذي يصبح فيه المقرر الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به غير قابل لأي طعن عاديا كان أم غير عادي.

– بالنسبة للنيابة العامة والمحكوم عليه حضوريا: فإن سريان التقادم يبتدئ من اليوم الذي ينتهي فيه أجل الطعن.

– بالنسبة للصادر في مواجهته حكم بمثابة حضوري: فإن الأجل يبتدئ من انصرام أجل الاستئناف بعد تبليغ الحكم.

– بالنسبة للمحكوم عليه غيابيا: فإن الأجل يحتسب من تاريخ انصرام أجل التعرض.

– وفي المسطرة الغيابية: تبقى آثار الحكم إلى حين حضور المحكوم عليه أو تقادم العقوبة في حقه. (الفقرة الثانية من الفصل 449 ق.م.ج.)

– الفقرة الثانية: انقطاع مدد التقادم.

يقصد بانقطاع التقادم عدم احتساب المدة السابقة على الانقطاع وبدء مدد جديدة.

وعليه فان اعتماد المشرع المغربي لقاعدة عدم قطع التقادم في العقوبات، فإن ذلك يعتبر تأكيدا منه على أن قطع التقادم يتعلق بالدعوى العمومية دون العقوبة ويترتب على تقادم العقوبة السالبة للحرية عدم إمكانية حبس المحكوم عليه ولو تقدم بنفسه للمؤسسة السجنية أو إلى السلطات القضائية للمطالبة باعتقاله حسب المادة 252 م.ق.ج.

غير أن هذه القاعدة بالنسبة لتقادم العقوبة لا تسري على المصاريف القضائية والغرامات، فإذا كانت العقوبات السالبة للحرية لا يمكن قطعها بالتقادم، فإن العقوبات المالية والمصاريف القضائية ينقطع تقادمها بكل إجراء من إجراءات تحصيل الغرامات يتم من طرف الجهات المأذون لها بتحصيل تلك الأموال وهي أساسا مصالح الخزينة ومصالح كتابة الضبط بالإضافة إلى قباض الجمارك والضرائب غير المباشرة وقباض إدارة الضرائب …” حسب المادة 30 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

ونصت المادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية على كون التقادم المتعلق بتحصيل الضرائب وغيرها من الديون العمومية ينقطع بأحد السببين التاليين:

1- قيام المحاسب المكلف بالتحصيل بأحد إجراءات التحصيل الجبري.

2- بإحدى الإجراءات المنصوص عليها من الفصلين 381و 382 من ق.ل.ع.[7]

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 138 من مدونة تحصيل الديون العمومية حددت آجال تقادم دعوى التحصيل في 20 سنة للعقوبات الجنائية و خمس سنوات للعقوبات الجنحية وسنتين بالنسبة للعقوبات عن المخالفات، وفي انتظار تدخل المشرع المغربي لمطابقة المادة 138 من مدونة تحصيل الديون العمومية مع الاتجاه الجديد لقانون المسطرة الجنائية، فإن القانون الأحدث والأصلح للمتهم يبقى هو الواجب التطبيق، كما أن مدونة تحصيل الديون العمومية تعتبر نصا عاما يطبق على جميع الديون العمومية المنصوص عليها في المادة 2 منه، في حين أن ق.م.ج. يطبق في هذا المقتضى على الغرامات والإدانات النقدية والمصاريف القضائية وحدها دون باقي الديون العمومية مما يفيد دعم تطبيق النص الخاص (ق.م.ج) بالأسبقية على النص العام (مدونة تحصيل الديون العمومية.)[8]

ولذلك يمكن القول أن الغرامات الجنحية تتقادم بمرور أربع سنوات من تاريخ صدور المقرر القضائي القابل للتنفيذ وبمرور سنة واحدة إذا كانت الغرامة المحكوم بها عن مخالفة وأن كل إجراء من إجراءات التحصيل يتم بمسعى من الجهات المأذون لها قانونا بالتحصيل يؤدي إلى قطع التقادم وفتح أجل جديد مساو للأجل الكامل للتقادم.

المطلب الثالث: آثار التقادم.

آثار التقادم حسب ق.م.ج تتجلى في تخلص المحكوم عليه من آثار الإدانة (الفقرة الأولى)، وعدم جواز تنفيذ العقوبة (الفقرة الثانية)، والمنع من الإقامة (الفقرة الثالثة).

– الفقرة الأولى: تخلص المحكوم عليه من آثار الإدانة.

حيث بانتهاء مدة التقادم المحددة قانونا يتخلص المحكوم عليه من آثار الإدانة وعدم إمكانية تطبيق العقوبة المحكوم بها عليه وذلك طبقا للمادة 648 ق.م.ج غير أن ذلك لا يعني محو التقييدات المشار إليها في البطاقة رقم 1 للسجل العدلي إذ أنه لا يستفيد من رد الاعتبار بقوة القانون إلا بعد انصرام المدد المنصوص عليها في المادة 688 ق.م.ج ويبدأ سريان هذه المدد ابتداء من انصرام أمد التقادم. ولا يستفيد من رد الاعتبار القضائي إلا في حالة واحدة وهي المنصوص عليها في المادة 695 ق.م.ج وهي حالة تقديمه لخدمات جليلة للبلاد مخاطرا بحياته.

– الفقرة الثانية: عدم جواز تنفيذ العقوبة.

حيث بانقضاء مدة التقادم لا يجوز تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه ولو تقدم للتنفيذ باختياره وتأكيدا لذلك تم التنصيص في المادة 652 ق.م.ج على أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل من شخص تقدمه لتنفيذ ما حكم به عليه في غيبته أو بناء على المسطرة الغيابية إذا تقادمت العقوبة المحكوم بها عليه، ويعتبر التقادم في المادة الجنائية من النظام العام، ذلك أنه يفترض نسيان مقتضيات الحكم، ولا يجوز معه إيقاظ ذكريات جريمة طواها الزمن.”

– الفقرة الثالثة: المنع من الإقامة:

يترتب عن تقادم العقوبة الجنائية طبقا للمادة 649 من ق.م.ج إخضاع المحكوم عليه طيلة حياته للمنع من الإقامة بدائرة العمالة أو الإقليم الذي يستقربه الضحية الذي ارتكبت الجريمة على شخصه أو على أمواله أو يستقربه ورثته المباشرون، وإلا تعرض في حالة مخالفته لقرار المنع للعقوبة المنصوص عليها من الفصل 319 من القانون الجنائي.

الفصل الثاني: التقادم الجنائي من خلال العمل القضائي:

* إن مواقف محكمة النقض ما كان يعرف سابقا بالمجلس الأعلى فيما يخص التقادم تشكل في معظم الأحيان تطبيقا للنصوص المعمول بها، أو تفسيرا لتلك النصوص في بعض الأحيان الأخرى، وهكذا تذهب محكمة النقض إلى أن التقادم بالنسبة للدعوى العمومية يختلف أمده بحسب نوعيتها، وهو في الجنح بمرور خمس سنوات ميلادية كاملة تحتسب من يوم ارتكاب الفعل، مؤكدا أن التقادم هو من النظام العام وأن محكمة الموضوع بعدم إجابتها على إثارة الدفع بالتقادم يعرض قرارها للنقض والإبطال باعتبارها أخلت بإجراء جوهري في المسطرة.

* وتطبيقا لهذه لنصوص القانونية فقد أكد المجلس الأعلى (محكمة النقض) أن المصادرة ليست عقوبة إضافية بل تدبير وقائي يدخل في عداد مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة فيجب الحكم بها حتما في حالة سقوط الدعوى العمومية بالتقادم أو بوفاة المتهم، مؤكدا أن التقادم يسقط الدعوى العمومية ويمحو الصفة الإجرامية للفعل ويزيل الجريمة نفسها وله مفعول عام يكتسي صبغة قطعية تمس بالنظام العام، وبالتالي فان مفعول التقادم يمنع على قضاة الموضوع النظر في الأفعال ويحتم عليهم أن يقتصروا على التصريح بسقوط الدعوى العمومية وبالتالي فإن المحكمة تكون قد تجنبت الصواب حينما صرحت بإدانة المتهم واتبعته بالتصريح بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها. القرار رقم 458 س1 الصادر بتاريخ 23/01/1973 في الملف الجنائي عدد 944/4.

* وفي نفس الاتجاه ذهب المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) إلى أن المحكمة لما لم تبين وجهة نظرها في الدفع بالتقادم الذي للمجلس الأعلى الصلاحية في إثارته تلقائيا عن إثارة أطراف النزاع له تكون قد جعلت قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه وبالتالي مستوجبا للنقض، قرار عدد 2641/3 بتاريخ 26/11/1996 الملف الجنائي عدد 28708/92.

* وجاء في قرار أخر انه (إذا كان الفصل 6 من القانون الجنائي ينص على أنه في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم، فإن هذا النص القاصر التطبيق على قوانين الموضوع لا علاقة له بقوانين الشكل كالاختصاص والتقادم، وعليه فإن قوانين التقادم تطبق فور صدورها حتى ما كان منها مطولا للأجل طالما أن المد القانوني السابق لم يكن قد انقضى. قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) عدد 511 (س 11) في 4 أبريل 1968 قرار جنائي.

* وتم تكريس في مجموعة من الاجتهادات القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى سابقا فكرة كون التقادم من النظام العام، حيث تم تأكيد أن التقادم بالنسبة لمخالفات المياه والغابات محددة في 6 أشهر طبقا للفصل 75 من ظهير 10 أكتوبر 1917 وأن أمد التقادم بالنسبة لهذه المخالفات تبتدئ من يوم توقيع المحضر من طرف مهندس المياه والغابات قرار عدد 929/20 صادر بتاريخ 28/12/1994 ملف جنحي عدد 26499/92.

* بالنسبة لجريمة التزوير في محرر عرفي التي تعتبر من الجرائم الفورية فإن أمد التقادم فيها يبتدئ من يوم ارتكاب الجرم، ولا يعتبر من الجرائم الاستمرارية التي يطول أمد ارتكابها أو يتجدد، قرار صادر بتاريخ 05/10/1994 ملف جنحي عدد 9862/91 قرار رقم 9988.

* وبالنسبة للأحكام الغيابية، فإن منطوق الحكم الصادر غيابيا يبلغ إلى الفريق المتغيب وينص في التبليغ على التعرض يقبل في ظرف 10 أيام، فإذا لم يسلم التبليغ إلى صاحبه شخصيا، ولم يتبين من إحدى وثائق التنفيذ أن المتهم اطلع على الحكم الصادر غيابيا فإن أجل التعرض يمتد إلى انتهاء أمد تقادم العقوبة، قرار عدد 491 الصادر بتاريخ 19 يناير 1984 ملف جنحي عدد 7953.

ملاحظة: هذه القرارات التي تم بسطها أعلاه: قرار رقم 2641/3 بتاريخ 26/11/1996, وقرار رقم 229/20/ صادر بتاريخ 28/12/1994, وقرار رقم 9988 صادر بتاريخ 05/10/94, وقرار عدد 491 الصادر بتاريخ 19 يناير 1984, وقرار رقم 511 (س 11) الصادر بتاريخ 04 ابريل 1968 مشار إليها للأستاذ الحسن هوداية في كتابه “أهم قرارات المجلس الأعلى في كتابه: التقادم- المادتين الجنائية والمدنية.” سلسلة المكتبة الجنائية- الطبعة الأولى، 2002 مطبعة دار القلم بالرباط.

وقد ميز المجلس الأعلى (محكمة النقض) بين تقادم الدعوى العمومية وتقادم تنفيذ العقوبة حيث جاء في إحدى قراراته “إن تقادم الدعوى العمومية غير تقادم تنفيذ العقوبة، ذلك أن التقادم المسقط للدعوى العمومية يطال وقائع الجريمة ويمحو الصفة الإجرامية ويزيل الجريمة نفسها، وبالتالي يمنع على قضاة الموضوع النظر في الأفعال المعروضة عليهم ويتحتم عليهم التصريح بسقوط الدعوى، في حين أن تقادم تنفيذ العقوبة يطال إجراءات التنفيذ بعد صدور الحكم ويترتب عنه تخلص المحكوم عليه من مفعول الحكم إذا لم تنفذ العقوبة خلال الآجال المقررة قانونا، ومن جهة أخرى إذا كانت بداية سريان أجل تقادم الدعوى العمومية هو تاريخ ارتكاب الجريمة ما لم يحدث ما يقطع هذا الاجل أو يوقفه، فان بداية سريان أجل تنفيذ العقوبة هو تاريخ صدور الحكم، ولا يمكن الجمع بينهما لاختلاف طبيعة وصفة كل منهما واختلاف بداية احتساب الآجال بالنسبة لكليهما”[9]

– تقادم الدعوى العمومية غير تقادم تنفيذ العقوبة لاختلاف طبيعة وصفة كل واحد منهما واختلاف بداية احتساب الآجال بالنسبة لكليهما، ولا يمكن الجمع بينهما- إن تقادم الدعوى العمومية يطال وقائع الجريمة ويمحو الصفة الإجرامية ويزيل الجريمة نفسها بينما تقادم تنفيذ العقوبة يطال إجراءات التنفيذ ويترتب عن تخلص المحكوم عليه من تنفيذ الحكم- إذا كانت بداية سريان أجل تقادم الدعوى العمومية هي تاريخ ارتكاب الجريمة ما لم يحدث ما يقطع هذا الأجل أو يوقفه فإن بداية سريان أجل تقادم تنفيذ العقوبة هي تاريخ صدور الحكم الذي يكون منهيا للخصومة الجنائية وباتا بصفة نهائية وغير قابل للطعن وموجبا للتنفيذ.[10]

– تتقادم العقوبات الحبسية المحكوم بها بمضي 5 سنوات ميلادية كاملة ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم بالعقوبة مكتسب القوة الشيء المقضي به.

– الطعن بالنقض- العقوبة الحبسية لن تتقادم ما دام القرار لم يصبح مكتسب القوة الشيء المقضي به[11].

– هكذا يقول الاستاد احمد والي علمي معلقا “”فإن قرار المجلس الأعلى الذي بين أيدينا عدد 306/08 المؤرخ في : 31-03-2011 الصادر في الملف ألجنحي عدد 2287/2011 قد كان صائبا عندما رفض طلب النقض المقدم من طرف الطاعن في مواجهة القرار ألاستئنافي ما دام أن القرار لم يصبح نهائيا رغم أنه صدر بمثابة حضوري بتاريخ 28/10/1994، ولم يبلغ إليه إلا بتاريخ 12/06/2010 وقد تقدم بطلب النقض بتاريخ: 18/05/2010 وبالتالي فإنه لا يمكن التمسك بتقادم العقوبة طالما أن القرار لم يكتسب قوة الشيء المقضي به.

ولعل سبب الإشكال في هذه القضية هو التأخير الذي حصل في تبليغ القرار ألاستئنافي للمحكوم عليه، فلو تم التبليغ داخل مدة معقولة لما أثير هذا الإشكال لكون المدة الفاصلة بين صدور القرار وتبليغه تفوق 16 سنة، وفعلا تثير هذه الحالة نوعا من الاستغراب خاصة وأن الجنحة تتقادم بأربع سنوات، لذا كان من الأجدى تحديد أجل للتبليغ يماثل مدة تقادم العقوبة.””[12]

الخاتمة:

– في الختام ارتأينا أن نشير إلى أهم مواقف التشريعات والآراء الفقهية من نظام التقادم”

– حيث أغلب التشريعات الجنائية تعترف بفكرة التقادم وتنص عليه ضمن مقتضياتها، إلا أنه هناك بعض التشريعات لا تأخذ بفكرة التقادم كما هو الحال بالنسبة للنظام لأنجلو سكسوني في حين يوجد اتجاه تشريعي ثالث يأخذ بنظام التقادم كمبدأ عام إلا أنه يجيز الخروج عنه في جرائم معينة ذات خطورة واضحة، وهذا هو الحال بالنسبة للتشريع السوفيتي الذي أجاز إغفال التقادم بالنسبة للجرائم التي قرر لها المشرع الإعدام كعقوبة.

– كما اختلفت الآراء الفقهية التي تؤسس لنظام التقادم، فالبعض يؤسسه على قرينة التنازل التي تستفاذ من مضي مدة معينة على وقوع الجريمة دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحريك الدعوى.

– وهناك من الفقه من يرده إلى فكرة الاستقرار القانوني، فالأوضاع والمراكز القانونية لا ينبغي أن تظل مضطربة لمدة طويلة بل ينبغي العمل على تحقيق الاستقرار وضمانه من خلال التقادم.

– وهناك من يعلل فكرة التقادم بضياع أدلة إثبات الجريمة حيث تضيع بمرور الوقت ذاكرة الشهود أو يموتون أو ينتقلون إلى أماكن بعيدة، كما تندثر بعض أدوات الإثبات بمرور المدة، مما يبرر ترك الدعوى العمومية.

– وبعض الفقه الآخر يؤسس فكرة التقادم على أساس أنه جزاء على تراخي النيابة العامة في مباشرة إجراءات الدعوى.

– وهناك من يرى أن فلسفة التقادم تجد تبريرها في فكرة العقاب المعنوي والتكفير عن الجريمة حين يكون المجرم الهارب من ملاحقة العدالة في وضع نفسي حرج، ويبقى مطاردا بشبح الجريمة ويعتريه الندم والخوف والقلق والاضطراب طيلة فترة التقادم، مما يجعل كل المعاناة النفسية كافية لمعاقبة الجاني الذي ظل مختفيا عن النظار.

– كل هذه المبررات بطبيعة الحال كانت محل انتقاد من طرف كبار الفقهاء: كسيزار بيكاريا وبنتام وكرارا الذين رأوا فيها تشجيعا على الإفلات من العقاب من جهة، وعدم الحد من خطورة المجرم الذي يظل حرا غير مقيد مما يجعل خطورته على المجتمع قائمة باستمرار، بالإضافة إلى اتسام هذه الأفكار برومانسية قانونية تتجاهل الأوضاع المتباينة للمجرمين.

لكن يثور تساؤل حول طبيعة قواعد التقادم هل هي قواعد موضوعية تخضع في أحكامها للقانون الجنائي أم أنها قواعد إجرائية تتبع قانون المسطرة الجنائية؟

لقد اختلفت الآراء في ذلك. فاعتبرها البعض قواعد شكلية ووصفها البعض الآخر بأنها قواعد موضوعية، وقد زاد من حدة هذا الخلاف، أن المشرع المغربي يعالجها ضمن ق.م.ج بالنسبة لتقادم الدعوى العمومية (المادة 4 وما بعدها) وينظمها ضمن قواعد القانون الجنائي بالنسبة لتقادم العقوبة (الفصل 54) من ق. الجنائي.

ويرى بعض الفقه أن قواعد التقادم قواعد شكلية وهي تسري بأثر رجعي، ولو لم تكن في صالح المتهم، ويعتمد أصحاب هذا الرأي على الموقع الذي عالج فيه المشرع هذه القواعد فهي شكلية في نظرهم، لأنها وردت ضمن قانون المسطرة الجنائية، وهذا الرأي منتقد ما دامت العبرة في تحديد طبيعة النص هي لجوهره لا لغايته وهدفه.[13]

والجدير بالذكر أن المجلس الأعلى يسير في الاتجاه الذي يعتبر قواعد التقادم من القواعد الشكلية، قرار مؤرخ في 04/04/1968، وهو ما استقرت عليه أيضا محكمة النقض الفرنسية بشأن طبيعة قواعد التقادم حيث اعتبرتها هي الأخرى من قواعد الشكل. قرار جنائي مؤرخ في 16 ماي 1931 جريدة القصر 1931، الجزء II- 178.[14]

كما أن التقادم من النظام العام يمكن للمتهم أن يتمسك به في سائر مراحل المسطرة، وعلى المحكمة أن تثيره تلقائيا وتصرح بسقوط الدعوى العمومية.

                                                                                                                                     /marockpress.over-blog.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الدفاع الشرعى ومفهومه فى القانون الدولى والشريعة الاسلامية

                 الدفاع الشرعى ومفهومه فى القانون الدولى والشريعة الاسلامية ...