النظام القضائي في المغرب


                   النظام القضائي في المغرب

يؤلف موضوع هذا الحديث مادة مستقلة تدرس في طلية الحقوق المغربية خلال سنة دراسية كاملة فمن العسير –إن لم نقل من المستحيل- ان أعرض عليكم في ساعة واحدة ما ألقيه على الطلبة خلال سنة، لكنه قد قيل منذ القدم أن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
فالنظام القضائي في كل بلاد –كغيره من الأنظمة والمؤسسات العامة- مرتبط ارتباطا وثيقا بالأحداث التاريخية، والتاريخ وحده يسفر لنا الكثير من الأوضاع الحاضرة والمؤسسات القائمة. فلنفهم النظام القضائي الحاضر في المغرب لابد إذن من العودة على التاريخ أو على الأقل إلى تاريخ هذا النظام نفسه لندرك مراحل تطوره التي انتهت إلى الوضع القائم.
ومما لاشك فيه أن عهد الحماية يؤلف في هذا الموضوع مرحلة تمتاز عما قبلها وعما بعدها بميزات تجعل منها مرحلة فاصلة يمكن الاستناد عليها لتقسيم تاريخ هذا النظام على ثلاثة أطوار : قبل الحماية، وفي عهد الحماية، وبعد الحماية.

الطور الأول –قبل الحماية :
كان القضاء قبل الحماية متجسما في محكمة القاضي الشرعية التي يشمل اختصاصها مبدئيا النظر في جميع القضايا المدنية والجنائية. لكن الولاة من باشوات وقواد كانوا يفصلون عادة في المسائل الجنائية نظرا لما لهم من السلطة للضرب على أيدي معتادي الإجرام، وفي بعض القضايا المدنية، والتجارية منها بنوع خاص، كانوا يتدخلون لحمل المتخاصمين على الصلح أكثر منه لإصدار أحكام نافذة لكن الباب كان مفتوحا دائما في وجه الخصوم لنقل قضاياهم إلى محكمة القاضي التي كانت وحدها صاحبة الحق في إصدار الأحكام بالمعنى الكامل.
وإلى جانب المحاكم المغربية كانت توجد «المحاكم القنصلية» المبنية على ما كان يعرف باسم «الامتيازات الأجنبية» التي كان معظم الأجانب يتمتعون بها في المغرب قبل عهد الحماية، والتي كانت تخولهم الحق في
التقاضي لدى قناصل دولهم وبمقتضى قوانينها ومصدر تلك الامتيازات معاهدات أبرمت بنوع خاص خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وكان هذا القضاء القنصلي بمثابة دول داخل الدولة المغربية همه الأول والأخير السهر على مصالح الرعايا الأجانب.
وخلاصة القول إن القضاء في المغرب خلال العهد السابق مباشرة للحماية كان يشتمل على محاكم عادية هي محاكم القضاة الشرعية، ومحاكم استثنائية على نوعين : محاكم الولاة والمحاكم القنصلية، يضاف إليه نوع ثالث هو القضاء الاسرائلي للأحوال الشخصية الخاصة بالاسرائليين المغاربة.

الطور الثاني –عهد الحماية :
امتاز النظام القضائي في هذا العهد بميزات ثلاث : اختلاط السلطات وتعدد المحاكم وتعدد التشريعات.
فاختلاط السلطات الموروث من العهد السابق تفاقم في عهد الحماية بتحويله بنوع من قضاء استثنائي إلى قضاء عادي. وكان يتجلى بنوع خاص في المحاكم المخزنية كما سنرى فيما بعد.
ويتجلى تعدد المحاكم في ناحيتين : أولا –في إقامة نظام قضائي في كل من المناطق الثلاث- ثانيا في لإقامة عدة أنواع من المحاكم تستقل باختصاصها بعضها عن بعض على أساس الميز العنصري.
ويقابل ها التعدد في المحاكم تعد في التشريعات يتجلى، كتعدد المحاكم، في ناحيتين أيضا : أولا –في وجود مجموعة تشريعية خاصة بكل منطقة. ثانيا –في وجود تشريعات متعددة داخل كل منطقة تختلف باختلاف المحاكم التي تطبقها.
وبما أن ضيق الوقت لا يسمح باستعراض تفاصيل هذا النظام في المناطق الثلاث سنكتفي بعرض النظام الذي كان معمولا به في الجنوب.
أ- المحاكم الشرعية :
بع أن كانت صاحبة الاختصاص العام في العهد السابق أصبحت في عهد الحماية مقتصرة على النظر في الأحوال الشخصية والملاك. ولم تكن لتعار لها العناية الكافية من حي نظامها الداخلي ولا من حيث المسطرة القضائية، مما جعلها تتخبط في فوضى كبيرة. ويلاحظ أنها ظلت في الشمال ذات اختصاص أوسع منها في الجنوب، إذ بقيت تنظر في القضايا المدنية كلها والجنائية أيضا. ونظمت على درجتين : محاكم القضاة والمجلس الأعلى للاستئناف. وكانت تطبق أحكام الشريعة الإسلامية حسب المذهب المالكي.
ب- المحاكم العرفية :
هي محاكم أوجدتها إدارة الحماية في قسم كبير من المغرب بمقتضى ظهير 16 ماي 1930 الذي عرف باسم الظهير البربري، وسميت الدوائر التي أقيمت فيها هذه المحاكم «دوائر العرف. وكانت هذه المحاكم تحكم بمقتضى الأعراف والعادات المحلية بدلا من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وجعلت على درجتين : محاكم ابتدائية ومحاكم استئنافية».
ج- المحاكم الاسرائيلية :
وقع تنظيمها أيضا على درجتين : المحاكم الأولية والمحكمة العليا. كما أنشئت مجالس للأحبار المفوضين في المدن التي لم يكن فيها محكمة ابتدائية.
د- المحاكم المخزنية :
عمدت الحماية إلى العمل القضائي الذي كان يباشره الولاة بصفة استثنائية فأضفت عليه صبغة قانونية وجعلت منه قضاء جديدا عرف باسم «القضاء المخزني» أو «المحاكم المخزنية». فكانت المحكمة المخزنية عبارة عن مجلس يعقده الباشا أو القائد أو أحد خلفائها للفصل في الدعاوي وإصدار الحكام. فجاء هذا التدبير خطوة إلى الوراء في سبيل فصل السلطات واستقلال القضاء لأن الباشوية والقيادة وخلافتهما وظائف سياسية يراعي في تعيين أصحابها المصلحة السياسية قبل كل شيء، فضلا عن خضوع متواليها إلى السلطة الإدارية وائتماره بأوامرها. فلم يكن هذا القضاء المبنى على اختلاط السلطة الإدارية والقضائية وجمعهما في يد واحدة ليقدم للأفراد أية ضمانة لأشخاصهم ولا لمنازلهم ولا لأموالهم.
وفي سنة 1944 وقعت أول محاولة لفصل القضاء فتأسست في سبع مدن محاكم ابتدائية أطلق عليها اسم محاكم الحكام المفوضين حدد لها نطاق ضيق تعمل في دائرته باستقلال عن الباشا المحلي. لكن اختصاصها كان منحصرا في دائرة محدودة من المسائل المدنية دون الجنائية. أضف إلى ذلك أن أحكامها كانت تستأنف لدى هيئة ثلاثية يرأسها خليفة الباشا. فكانت النتيجة اختلاط السلطة في درجة الاستئناف.
وفي أواخر سنة 1953 أنشئت في المدن الكبرى محاكم إقليمية. لكن دائرة اختصاصها كانت ضيقة بحيث لم يسند النظر إليها في القضايا الجنائية إلا إذا كانت الجناية توجب عقوبة بالسجن لمدة تزيد على السنتين. ومع ذلك فقد تركت للمندوب المخزني الحق في إحالة النازلة إلى محكمة الباشوية حتى ولو كانت العقوبة التي تستلزمها تزيد على السجن لمدة سنتين. وعلاوة على ذلك فغنه لم يكن من حق المحكمة الإقليمية أن تنظر على وجه الاستيناف في الحكام الجنائية التي تصدر عن خلفاء الباشوات في نفس مركزها بل كانت تلك الحكام تستأنف إلى المحكمة العليا الشريفة.
وكانت هذه الأخيرة تحكم على وجه الاستيناف في الدعاوي المرفوعة إليها من المحاكم الإقليمية والباشوية وتحكم ابتدائيا ونهائيا في الجرائم.
هـ- المحاكم القانونية :
نص الفصل الرابع والعشرون من الاتفاق الفرنسي-الاسباني المبرم بتاريخ 27 نوفمبر 1912 على أن الحكومة الفرنسية والحكومة الاسبانية تحتفظان بالحق في أن تقيم كل منهما في منطقتها منظمات قضائية مقتبسة من تشريعها الخاص. كما نص الفصل 48 من الاتفاقية المعقودة بشأن طنجة بتاريخ 18 دجنبر 1923 على إقامة محاكم مختلطة ف يالمنطقة المذكورة.
وتطبيقا لتلك النصوص تأسست محاكم فرنسية في الجنوب سنة 1913 ومحاكم اسبانية في الشمال سنة 1914 ومحكمة مختلطة في طنجة سنة 1923.
وأهم ظاهرة تستلفت النظر في هذه المحاكم هي قيامها على أساس الميز الجنسي، أي أن جنسية المتقاضين هي التي تحدد  الاختصاص، لأنها في الواقع غنما جاءت لتحل محل المحاكم القنصلية. ولذلك فقد عقب إقامتها تنازل الدول الأجنبية عن امتيازاتها القضائية، ما عدا انجلترا في المنطقة الشمالية والولايات المتحدة في المغرب كله، فإنهما لم تتنازلا عنها غلا بعد إعلان استقلال المغرب.
وكان تنظيم هذه المحاكم متشابها في المناطق الثلاث فهي تشتمل على عدة محاكم صلح وتليها المحاكم الابتدائية وعلى رأسها محكمة استيناف واحدة لكل من المناطق الثلاث مقرها في الرباط وتطوان وطنجة.
وكانت الحكام التي تصدر عن محاكم الجنوب تقبل الطعن على وجه النقض لدى محكمة النقض بباريس والتي تصدر عن محاكم الشمال لدى المحكمة العليا بمدريد. أما التي تصدر في طنجة فلا تقبل النقض.
هذا والحق يقال أن هذه المحاكم كانت تتمتع بتنظيم صحيح واستقلال مهني تام، فضلا عن تزويدها بمجموعة من القوانين العصرية، كل ذلك مما حمل وزارة العدل على اتخاذ نظامها أساسا للإصلاح القضائي الذي قامت به.
و- المحاكم القنصلية :
بعد إقامة المحاكم القانونية أخذت الدول التي كانت تتمتع بامتيازات في المغرب تتنازل عنها باستثناء دولتين : الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتنازل عنها إلا بعد إعلان استقلال المغرب، وانكلترا التي ظلت محافظة عليها في الشمال حتى إعلان الاستقلال أيضا وحينئذ تنازلت عنها.

الطور الثالث – عهد الاستقلال :
منذ أن أحرز المغرب استقلاله توجهت عناية جلالة الملك والحكومة المغربية إلى معالجة النظام القضائي لاستئصال جذور العيوب التي كانت تشوبه في العهد السابق، بحيث يصبح قائما على مبدأ فصل السلطات وتوحيد المحاكم وتوحيد التشريع.
وقد اتخذت لهذه الغاية سلسلة من التدابير التي أسفرت عن إقرار مبدأ فصل السلطات وقطع خطوات عديدة في سبيل توحيد المحاكم وتوحيد التشريع.
أولا – إقرار مبدأ فصل السلطات :
كان فصل السلطات أول مسألة استرعت اهتمام الحكومة المغربية. وقد أعلن جلالة الملك عن وجوب الأخذ بهذا المبدأ في أول خطاب ألقاه غداة عودته من
المنفى، وخلا الشهر الأول الذي عقب إعلان الاستقلال صدرت ثلاث ظهائر شريفة جعلت منه حقيقة ملموسة.
وأول تلك الظهائر مؤرخ في 7 مارس 1956 أي بعد إعلان الاستقلال بخمسة أيام لا غير. وقد قضى بإلغاء السلطات القضائية المخولة لخلفاء الباشوات «لكونها حسبما جاء في حيثيات الظهير – تخالف مبدأ الحكومة المغربية الرامي إلى فصل السلطات».
وتلاه الظهير الشريف المؤرخ في 19 مارس 1956 الذي قضى بإلغاء كل مراقبة عامة أو خاصة راجعة لشؤون العدل، ثم الظهير الشريف المؤرخ في 4 أبريل 1956 بشأن تنظيم المحاكم العادية وينص هذا الظهير على مبدأ انتقال السلطة القضائية من أيدي رجال السلطة الإدارية (أي الباشوات والقواد) إلى المحاكم المذكورة، كما يحدد مهمة النيابة العامة ناصا صراحة على أنه لا يجوز لممثلها أن يسير مناقشات المحكمة ولا أن يتدخل في الحكم.
وتأكيدا لمبدأ فصل السلطات نص الظهير المذكور على أنه متى تم تنصيب محكمة عادية في إحدى الدوائر تلغى محكمة الباشا والقائد في تلك الدائرة وفي واقع الأمر لم تنته سنة 1957 حتى كان الفصل بين السلطتين قد أصبح حقيقة راهنة في المغرب كله.
غير أنه من الواجب أن يفهم فصل السلطات على حقيقة لكي لا يصبح سببا للانعزال والانكماش من جهة ومصدر للتنافس بين ممثلي السلطتين من جهة أخرى.
الغاية من فصل السلطات هي أن تتمتع السلطة القضائية باستقلال مهني في تأدية مهمتها دون أن تتأثر بتوجيهات السلطة الإدارية إمعانا في المحافظة على الحقوق الأساسية للأفراد. ولكن هذا لا يتنافى مع التعاون بين السلطتين في سبيل المصلحة العامة لا بل ان هذا التعاون أمر واجب، ووزارة العدل من جهتها ما فتئت توجه المنشورات الدورية لرجال القضاء في مختلف أنحاء المملكة حاثة إياهم على وجوب هذا التعاون، كما عقدت في عدة مناسبات اجتماعية في رئاسة الوزارة ووزارتي الداخلية والعدل ضمت ممثلين عن الوزارتين للبحث في كيفية تحقيق هذا التعاون المثمر.
ومن جهة أخرى يجب على رجال السلطة الإدارية ألا يعتبروا أن الفصل يقصد به الحد من نفوذهم أو الحط من شأنهم أو أن صدور حكم قضائي مخالف لرأيهم تحقير سلطتهم بل عليهم أن يتفهموا تطور الحياة وحقيقة الوضع الحاضر والمصلحة العليا للوطن وأخذ البلاد بركب الحضارة الحديثة التي تعتبر فصل السلطات من القواعد الأساسية التي تقوم عليها سلامة المجتمع من الظلم والاستبداد.
ثانيا –توحيد المحاكم :
يتعذر علينا في هذا المجال الضيق ان نتعرض لجميع النصوص التشريعية الصادرة منذ الاستقلال للخروج من الوضع السابق الذي قامت فيه تلك المجموعة المتنوعة من المحاكم إلى وضع موحد لا يعرف في الأصل إلا نوعا واحدا من المحاكم يطلق عليها اسم المحاكم العادية تكون هي صاحبة الاختصاص العام للنظر في جميع القضايا مهما كان نوعها ومهما كانت جنسية المتقاضين بحيث لا تبقى إلى جانبها من محاكم استثنائية إلا ما تدعو إليه حاجات استثنائية أيضا. وهذه هي الغاية التي تسعى إليها الحكومة المغربية وقد قطعت في سبيل إدراكها شوطا بعيدا، بحيث أصبحت المحاكم المسماة «بالمحاكم العادية» وهي التي أنشاها ظهير 4 أبريل 1956 هي الأصل وبقية المحاكم الأخرى هي محاكم استثنائية منها ما ألغي منها ما هو مدعو لصبح فرعا منها ومنها ما أدمج بها ومنها ما هو سائر في طريق الإدماج بها.
فالمحاكم العرفية قد ألغيت ومحاكم القضاة وهي ما كانت تعرف بالمحاكم الشرعية تسير في طريق الضم على المحاكم العادية حيث تؤلف غرفة ذات اختصاص معين وهذا الضم قد تحقق إداريا في درجة الاستئناف حيث أصبحت الغرفة الإقليمية للاستئناف تابعة إداريا للمحكمة الإقليمية. وفي طنجة أدمجت المحاكم العصرية بالمحاكم العادية وفي الشمال تقرر هذا الإدماج بظهير شريف وفي الجنوب تم إدماج المحكمة بظهير شريف وفي الجنوب تم إدماج المحكمة العليا الشريفة بمحكمة الاستئناف بالرباط التي أصبحت تشمل بنفوذها المحاكم العادية الإقليمية والمحاكم العصرية الابتدائية وأنشئ في قمة القضاء المجلس الأعلى الذي يشمل بنفوذه جميع المحاكم الموجودة بالمغرب.
وقد أصبح التنظيم القضائي في المغرب بعد إجراء هذه الإصلاحات يشتمل على المحاكم الآتي بيانها :

1– المحاكم العادية :
 يطلق عليها هذا الاسم كمقابل «المحاكم الاستثنائية» للدلالة على أنه هي صاحبة الاختصاص للنظر في كل قضية لم يسند البت فيها بمقتضى نص صريح إلى محكمة أخرى وهي على درجتين : محاكم السدد والمحاكم الإقليمية.
فمحكمة السدد تتألف من مسدد ونائب واحد أو عدة نواب. ويصدر الحكم عن واحد منهم فقط. ويمثل النيابة العمومية لديها إما نائب عن وكيل الدولة وغما نائب مسدد يعهد غليه بتمثيل النيابة المذكورة.
وتتألف المحكمة الإقليمية من رئيس وعدة أعضاء وتشتمل على هيئة للحكم وقاضي للتحقيق ونيابة عامة وكتابة للضبط. وتنقسم هيئة الحكم إلى غرفة أو عدة غرف وتنعقد جلساتها بحضور ثلاثة أعضاء.
وتنعقد المحاكم الإقليمية كمحاكم جنائية في دورات يعينها وزير العدل وهي إذ ذاك تتكون من ثلاثة قضاة يضاف غليهم أربعة مستشارين محلفين يكون لهم حق التصويت ويقع اختيارهم بطريق القرعة من القائمات المحررة كل سنة. وبمقتضى ظهير 20 شتنبر 1958 يجب أن تسند هذه المهمة على مواطنين مغاربة سواء لدى المحاكم العادية أو العصرية وإنما يجوز أن يكون بعضهم أجانب –دون أن يتعدى عددهم النصف- فيما إذا كان المتهم أجنبيا.

2- المحاكم العصرية :
استحدث هذا التعبير بعد الاستقلال لتسمية المحاكم المؤسسة بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 وكذا المحاكم المشابهة لها التي أحدثت في الشمال بمقتضى الظهير الخليفي المؤرخ في فاتح يونيو 1914 وقد نص ظهير 12 غشت 1958 على إلغاء هذه الأخيرة وضمها على محاكم السدد والمحاكم الإقليمية وترك لوزير العدل أمر تقرير تنفيذ هذا الإدماج.
أما المحاكم المؤسسة بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 والتي لم تدمج بعد بالمحاكم العادية فهي على درجتين :
محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية :
فمحاكم الصلح تنعقد بحضور قاض واحد والمحاكم الابتدائية تنقسم إلى غرف كالمحاكم الإقليمية وتنعقد بحضور ثلاثة أعضاء.
وتختص هذه المحاكم للنظر في القضايا التي يكون فيها الطرفان أو أحدهما أجنبيا وكذا للنظر في قضايا العقارات المحفظة وحوادث السير وبعض أنواع أخرى من القضايا التي أسندت إليها بمقتضى نصوص خاصة.

3- محاكم الاستيناف :
 يوجد الآن في المغرب محكمتان للاستيناف بالرباط والأخرى في طنجة.
أ‌- محكمة الاستيناف بالرباط
 –كانت هذه المحكمة تشمل أولا بنفوذها المحاكم الابتدائية العصرية فقط لكنها أصبحت بعد ظهير 21 شتنبر 1957 تشمل أيضا المحاكم الإقليمية بحيث تألف من قسمين : قسم عصري وقسم عادي.
فالقسم العصري يشمل بنفوذه المحاكم الابتدائية وينقسم على عدة غرف والقسم العادي يشمل المحاكم الإقليمية وينقسم بدوره إلى عدة غرف وتنعقد كل غرفة بحضور ثلاثة مستشارين.
وتقوم لدى هذه المحكمة نيابة عامة تحت رئاسة محام عام واحد.
ب- محكمة الاستيناف بطنجة :
تشمل هذه المحكمة على ثلاث غرف وتشمل بنفوذها المحاكم الإقليمية بطنجة وتطوان والناضور والمحاكم الابتدائية بتطوان والعرائش والناضور.
ولديها نيابة عامة تحت رئاسة محام عام.

4- محاكم القضاة :
 تختص هذه المحاكم بالنظر في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين المغاربة وقضايا العقارات غير المحفظة وهي على درجتين : محكمة القاضي الابتدائية والقسم الإقليمي للاستيناف.
فمحكمة القاضي الابتدائية تنعقد بعضو واحد أما القسم الإقليمي للاستيناف فينعقد بحضور ثلاثة أعضاء وهو يبت على وجه الاستيناف في القضايا التي تفصل فيها ابتدائيا محكمة القاضي.
وقد جهزت هذه المحاكم بمقتضى ظهير 16 دجنبر 1957 بمسطرة جديدة عصرية منقولة بتبسيط عن المسطرة المدنية المتبعة لدى المحاكم المؤسسة سنة 1913.

5- المحاكم العبرية :
 تنظر هذه المحاكم في الأحوال الشخصية والإرث للمغاربة الإسرائيليين وتتألف من الهيئات الآتية :
أ- محاكم الحاخامات الحكام المفوضين.
ب- المحاكم العبرية الإقليمية.
ج- المحكمة العبرية العليا بالرباط.

6- المحاكم العسكرية :
 نظم القضاء العسكري بمقتضى الظهير المؤرخ ف ي10 نونبر 1956 وأسند إلى محكمة يطلق عليها اسم «المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية» ومركزها في الرباط.
وتختص هذه المحكمة بالنظر في الجرائم العسكرية وفي الجنايات والجنح العادية متى كان مرتكبها من العسكريين وفي بعض الجرائم الأخرى التي تعينها قوانين خاصة سواء كان مرتكبها مدنيا أم عسكريا.

7- محاكم الشغل :
 تختص هذه المحاكم بالبت في المنازعات الفردية التي تنشأ عن عقود العمل في التجارة والصناعة والزراعة والمهن الحرة بين أرباب العمل من جهة والمستخدمين والعملة من جهة أخرى.

8- المجلس الأعلى :
 يقوم هذا المجلس على قمة القضاء وهو ليس محكمة استئناف بالدرجة الثالثة بل إن مهمته السهر على تفسير القانون تفسيرا صحيحا بتوحيد اجتهاد المحاكم الأخرى من استينافية وابتدائية.
فالدور الذي أسند إليه هو الفصل في طلبات النقض التي تقدم من أي طرف كان في الدعوى ضد الحكام والقرارات الصادرة نهائيا.
وزيادة على هذا الدور يلعب المجلس الأعلى في التنظيم القضائي المغربي دورا آخر على جانب كبير من الأهمية إذ أنه يقوم في آن واحد بدور محكمة نقض وإبرام ودور مجلس شورى الدولة أي انه مناط به أيضا الفصل في طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطة الإدارية بدعوى الشطط في استعمال السلطة.
يشتمل المجلس في الوقت الحاضر على أربع غرف وقد نص الظهير على انه يمكن لكل غرفة أن تنقسم بدورها إلى أقسام بموجب قرار من وزير العدل وهكذا نرى أن الغرفة الأولى قد قسمت بموجب القرار المؤرخ في 23 دسمبر 1957 إلى ثلاثة أقسام.
1- قسم لقضايا الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات.
2- قسم مدني.
3- قسم جنائي.
4- أما الغرفة الرابعة فهي غرفة إدارية أي أنها تمارس الاختصاصات المسندة إلى مجلس شورى الدولة في الدول التي يوجد فيها مثل هذا المجلس.
ثالثا- توحيد التشريع
1- سياسة التدوين- إن سياسة التدوين التي تنهجها الحكومة المغربية عن طريق وزارة العدل باعتبارها مكملا ضروريا للإصلاح القضائي تقوم على المبادئ الآتية :
أولا- توحيد التشريع في كافة مناطق المغرب ولدى مختلف أنواع المحاكم.
ثانيا- تجهيز المغرب بمجموعة من القوانين الحديثة التي تؤهله لمسايرة الحياة العصرية وحاجاتها.
ثالثا- جعل التشريع المغربي منسجما مع مبادئ الشريعة الإسلامية لاسيما فيما يعود للأحوال الشخصية.
2- القوانين التي صدرت :
 تنفيذا للسياسة المذكورة سابقا صدرت لحد الآن القوانين الآتية :
أ- مجموعة القوانين المتعلقة بالتنظيم القضائي نفسه.
ب- قانون المسطرة لدى محاكم القضاة الذي عوض المسطرة القديمة بالمسطرة العصرية.
ج- مدونة الأحوال الشخصية.
د- قانون الجنسية.
هـ- قانون تسليم المجرمين.
و- قانون تنظيم مهنة المحاماة.
ز- قانون المسطرة الجنائية.
3-القوانين المعدة للصدور أو الموجودة قيد الإعداد :
أ- قانون المسطرة المدنية.
ب- قانون العقوبات.
ج- قانون الأموال.

الخلاصة :
يمكننا أن نستخلص من هذا العرض الوجيز أن المغرب قد شق طريقه خلال المدة القصيرة التي مرت على إعلان الاستقلال نحو إقامة نظام قضائي صحيح تراعى فيه المبادئ الأساسية للتنظيم القضائي على العموم وحاجات العصر بالخصوص، وتجهيز هذا القضاء بمجموعة من النصوص الشرعية التي توفق بين التراث الفقهي الإسلامي والمبادئ القانونية العصرية، وانه قد اخطأ خطوات كبيرة دون تردد ولا حيرة في سبيل تحقيق سياسته القضائية الموفقة بفضل الإرشادات الحكيمة التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك يغدقها على المتولين أمور العدالة والقضاء.

habous.gov.ma


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 حضور المحامي مع المتهم أمام محكمة الجنايات

                              ...