مقال مهم في اشكاليات الاصل التجاري بالمغرب


مقال مهم في اشكاليات الاصل التجاري بالمغرب

 

   تمهيد:

       يعتبر الأصل التجاري بمثابة مال منقول معنوي يشمل مجوع العناصر المادية والمعنوية المنقولة التي يسخرها التاجر لممارسة نشاطه التجاري ،وهو في حد ذاته يشكل وحدة قانونية مستقلة عن العناصر المكونة له .

        ويتكون الأصل التجاري من العديد من العناصر المادية كالبضائع والآلات إلى جانب جملة من العناصر المعنوية كالزبائن والحق في الإيجار،كلها عناصر مرصودة لممارسة النشاط التجاري ،حيث نجد أن لكل من هذه العناصر كيانه القانوني الخاص به وقيمته الاقتصادية،وعن طريق عملها كوحدة يتكون الأصل التجاري الذي له بدوره كيانه القانوني المتميز وقيمته  الاقتصادية الذاتية،إذ أن هذا الأخير عبارة عن مال منقول يمثل العناصر المشكلة له مجتمعة ،ولكن منظور إليها كوحدة معنوية مستقلة تخضع لنظام قانوني خاص يختلف عن النظام الخاص بكل عنصر من العناصر.

       غير أن الأمر ليس بهذه البساطة نظرا لاختلاف درجة أهمية كل عنصر على حده،حيث تضاربت الآراء الفقهية حول ماهية العنصر الأساسي والجوهري  الذي يبقى الأصل التجاري رهينا وجودا وعدما بوجوده ،مما حدا ببعض الفقه إلى القول بأن عنصر الزبائن والسمعة التجارية هو أساس الأصل التجاري وبدونه لا وجود لهذا الأخير،في حين يذهب البعض الأخر دحض هذا الطرح على أساس أن الزبائن هم أناس ولا ترد عليهم ملكية أحد،مؤسسين لتصور أخر يعتبر الحق في الإيجار العنصر الجوهري للأصل التجاري. ومن هنا يتبادر إلى ذهني الإشكال التالي :

هل يمكن القول بوجود عنصر أساسي وجوهري ضمن العناصر المشكلة للأصل التجاري؟

       وإلماما بما سبق سنتبع التصميم التالي للإجابة على الإشكال المطروح  والإحاطة بالموضوع أعلاه:

المبحث الأول- الزبائن والسمعة التجارية كعنصر أساسي في الأصل التجاري :

المبحث الثاني – العنصر الأساسي لاعتبارات اقتصادية:

             خطة البحث:

المبحث الأول – الزبائن والسمعة التجارية كعنصر أساسي في الأصل التجاري:

المطلب الأول – موقف المشرع المغربي:

المطلب الثاني – أهمية الزبائن والسمعة التجارية في وجود الأصل التجاري:

المبحث الثاني – العنصر الأساسي لاعتبارات اقتصادية:

المطلب الأول –  الحق في الإيجار مفهومه:

المطلب الثاني – أهمية الحق في الإيجار في الحفاظ على الأصل التجاري:

المبحث الأول – الزبائن والسمعة التجارية كعنصر أساسي في الأصل التجاري :

        يمكن القول أنه كلما تناولنا الأصل التجاري إلا وصادفنا عنصر الزبائن والسمعة التجارية كمصطلحين دالين على عنصر واحد مما يحتم ضرورة الوقوف عند موقف المشرع المغربي بهذا الأمر وتوضيحه ( المطلب الأول)، لننتقل بعد ذلك إلى سبر أغوار هذا العنصر والوقوف عند أهمية  تواجده لقيام الأصل التجاري من عدمه ( المطلب الثاني).

المطلب الأول – موقف المشرع المغربي:

       يعد القانون المغربي من التشريعات التي استخدمت مصطلحين مختلفين للتعبير عن عنصر واحد هو الزبائن عملا بمنطوق (المادة 80 من مدونة التجارة) التي نصت على أنه :”يشمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية.” ويتضح لنا من مقتضيات المادة أعلاه أن المشرع المغربي انتصر للتوجه الفقهي الذي اعتبر  أن الزبائن والسمعة التجارية هو العنصر الأساسي في الأصل التجاري.مما يفرض ضرورة الوقوف عند تأصيل هذين المصطلحين وتحديدهما بشكل دقيق.  وترجع جذور هذه التفرقة إلى القانون الفرنسي الذي اعتبر الزبائن العابرين أو السمعة التجارية المجسدة بعبارة ” l’achalandage” والتي ترجمت في المشرق العربي بالسمعة التجارية كعنصر أساسي وجوهري في الأصل التجاري، تم استخدم عبارة الزبائن “la clientele”.مما أدى بالباحثين إلى الخوض في التمييز بين الزبناء القارين والعرضيين أو السمعة التجارية،حيث عرف جانب من الفقه الصنف الأول بمجموعة من العلاقات المبنية على الثقة الشخصية في التاجر وتصرفاته ،في حين أن الزبناء العابرين أو السمعة التجارية عبارة عن مجموعة من العلاقات الناشئة عن صفات في العناصر المؤلفة للأصل التجاري .كما عرف جانب أخر من الفقه السمعة التجارية بصفة صورية ترتكز على ما يتمتع به الأصل التجاري من سمعة طيبة وجودة البضائع والخدمات المقدمة والموقع المتميز. ومن جهة أخرى صنف فريق ثالث الزبائن إلى صنف المشترين الأوفياء” “les acheteurs fidélesالذين يرتبطون بالتاجر ويمنحونه تقديرهم وثقتهم، وصنف ثان وهم الزبائن العابرين “les acheteures de passage” الذين يفدون على الأصل التجاري بصفة عابرة ليس إلا.[1] وهذا التحديد لمفهوم الزبائن والسمعة التجارية يقودنا إلى ضرورة الوقوف عند القيمة التجارية لهذا العنصر وما إن كان هو الأساسي والجوهري في تشكلة الأصل التجاري .

المطلب الثاني – أهمية الزبائن والسمعة التجارية :

              لقد تناول جانب من الفقه والتشريعات هيمنة عنصر الزبائن على باقي العناصر الأخرى، وجعل منه العنصر الجوهري الوحيد والأساسي لوجود الأصل التجاري ويندثر باندثاره، حيث اعتبره العنصر الأكثر ضرورة ولا وجود للأصل التجاري بدونه.وقد صار من المقبول أن لا وجود لأصل تجاري في غياب زبناء ثابتين وحقيقيين ومستقرين لا مجرد محتملين أو مستقبليين . ولا وجود لزبناء دون بدء استغلال الأصل.

وقد جاء في حيثيات حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 5/1/1967 ما يلي : وحيث أن عنصر الزبناء عنصر أساسي في تكوين تلك الفكرة،وهو يكفي بذاته في كثير من الأحيان لبيان المراد بالأصل التجاري…وحيث أن العقد لم يشمل العنصر المذكور فلا يعتبر متعلقا بالأصل التجاري.

         وقد اعتمد الكثير من الباحثين عنصر الزبائن كعنصر أساسي ، حيث أكد البعض أنه إذا لم يقع البيع على الأصل التجاري فلا بيع للأصل التجاري. وأكد اتجاه اخر أن الزبائن يعدون في آن واحد جوهر الأصل والعنصر الضروري لوجوده وانتقاله ،ولا وجود للأصل التجاري دون الزبناء. وأجمع كل من أصحاب توجه ثالت على أن الزبناء هم دعامة وجود الأصل الأصل التجاري . وهذا ما ذهبت إليه المادة 80 من مدونة التجارة المغربية حيث نصت على أنه ” يشمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية .” وصبغة الوجوب هنا تعني  أن المشرع صار على على نفس الطرح الفقهي السالف ذكره في اعتبار الزبناء والسمعة التجارية العنصر الجوهري والأساسي لوجود الأصل التجاري.[2]

المبحث الثاني – العنصر الأساسي من الناحية الاقتصادية :

        يمكن القول أن تحديد العنصر الأساسي في الأصل التجاري قد يتم تحديده انطلاقا من طبيعة المعاملات التي ترد على الأصل التجاري وقيمتها ،خاصة في ظل العلاقات الاقتصادية المختلفة والتي تبدأ بقيام التاجر بابرام عقد كراء تجاري وما يترتب عن ذلك من اكتساب الحق في الكراء ،وهذا ما حدا ببعض الفقه إلى القول بأن اكتساب هذا الأخير هو العنصر الجوهري في الأصل التجاري ، الشيء الذي يقضي ضرورة تحديد هذا المفهوم ( المطلب الأول )،لنتناول بعد ذلك أهمية هذا العنصر في قيام الأصل التجاري( المطلب الثاني).

المطلب الأول – مفهوم الحق في الكراء :

 غالبا ما يمارس التاجر تجارته في عقار لا يملكه ولكن يكتريه ، وقد اعترف القانون لهذا الأخير بالحق في الإيجار حماية لما يكسبه من زبناء دأبوا على التعامل معه.وذلك على خلاف القواعد العامة التي تقضي بانتهاء عقد الإيجار بانقضاء مدته،فإن القانون خول للتاجر المكتري حسن النية الحق في تجديد عقد الكراء أو الحصول على التعويض في حالة رفض التجديد من قبل المكري ، ويعزى ذلك إلى أن ممارسة التاجر لنشاط تجاري في محل مكترى مدة معينة يكسب المحل رصيدا من الزبائن يشكل قيمة مالية  حقيقية  قد تدفع المكري إلى رفض تجديد الكراء بهدف استفادته منها أو تفويتها لتاجر آخر بسومة كرائية تزيد عما يدفعه التاجر الأول بناء عما راكمه هذا الأخير من زبناء نتيجة استغلاله الجيد  للمحل مدة معينة وجودة منتجاته وخدماته. وهذا الحق قابل للتفويت ،إلا أنه ومن باب الحرص على التوازن بين مصالح المكتري والمكري فقد أعطى المشرع لهذا الأخير الحق في رفض تجديد الكراء وألزمه بتعويض المكتري عن الضرر الذي سيلحقه نتيجة فقدانه لرصيده من الزبناء.[3]

المطلب الثاني – أهمية الحق في الكراء في تركيبة الأصل التجاري:

        يمثل حق الايجار أبرز العناصر المكونة للأصل التجاري،خاصة في ظل ما يشكله هذا العنصر من حماية لرصيد التاجر من الزبائن من تعسف المكري ،علما أن هذا الرصيد يشكل قيمة مالية واضحة قد يهيج مطامع  التجار الآخرين رغبة في الحصول على المحل الذي أسس له المكتري الأول قاعدة مهمة من الزبناء.

       وتبرز أهمية الحق في الإيجار في تمكين التاجر المكتري من مزاولة نشاطه وبقاءه في المحل المستغل كأصل تجاري عند نهاية عقد الكراء التجاري ،حيث يتضح أنه من المستحيل إبرام بعض العقود المنصبة على الأصل التجاري من بيع ورهن أو تقديمه حصة في شركة وما تنطوي عليه هذه العمليات من قيمة اقتصادية تشكل معادلة صعبة في المنظومة الاقتصادية دون ضمان الحق في الإيجار، فكيف يعقل  رهن أو كراء أو بيع أصل تجاري محكوم عليه بالزوال عند انتهاء  عقد الكراء وصاحبه مهدد بإفراغ العقار الذي يحتويه؟. وعلى هذا الأساس ذهب  جانب من الفقه إلى القول أن حق الإيجار عنصر جوهري وضروري لوجود الأصل التجاري  ليسما وأن معظم المحلات التجارية مكتراة وليست في ملكية مشغليها ، مما قد يضرب عرض الحائط مجهودات التاجر في الحصول على قاعدة مهمة من الزبناء في غياب حماية له ولرصيده من الزبناء من تعسف المكري وجشع التجار الآخرين المتربصين بالمحل.[4]

       وقد تم تأسيس هذا الطرح بناء على أساس أن الزبناء هم نتيجة وغاية الاستثمار ومن الضروري توفير الحماية لهذه النتيجة والغاية . حيث يرفض جانب من الفقه أن يكون عنصر الزبناء حتى من بين عناصر الأصل التجاري على اعتبار أن الأصل التجاري سابق عن الزبناء ،وما هؤلاء إلا غايته ونتيجته المحتملة ، لذا فلا يمكن أن تكون الغاية والنتيجة عنصرا من عناصر الأصل التجاري .وقد سار على ذات المنوال جاك يوسف الحكيم إذ أكد أن الزبائن هم أناس لا ترد عليهم ملكية أحد، وليس حقا ماليا ثابتا لصاحب المتجر، بل مجرد قدرة على اكتساب المال نتيجة إقامة المتجر واستثماره.[5] حيث أن الاتصال بالعملاء ما هو إلا نتاج قيام الأصل التجاري ولا يمكن القول بوجود هذا الأخير دون محل تجاري غالبا ما لا يكون في ملكية التاجر، مما يضع نشاطه على المحك في ظل غياب حماية قانونية لرصيده من الزبائن الشيء الذي لن يتأتى إلا بتواجد عنصر الحق في الإيجار مما يؤكد أن هذا الأخير عنصر  أساسي وجوهري وضروري لقيام الأصل التجاري.

                        خاتمة :

         وهكذا تكون الآراء الفقهية والتشريعات قد تضاربت بصدد تحديدها للعنصر الأساسي للأصل التجاري ،بين مؤيد لاعتبار عنصر الزبناء جوهر قيام الأصل التجاري ، وبين فريق  آخر يرى أن الحق في الإيجار هو أساس قيام الأصل التجاري .

         وفي رأينا فكلا العنصرين أساسي ،حيث أنه بدون توافر عنصر الزبناء تغيب القيمة التجاري للأصل التجاري والتي تبقى رهينة بمدى قوة وضعف هذا العنصر،ومن  ناحية ثانية فحق الإيجار يشكل حماية لسعي ورصيد التاجر من الزبائن بل وأكثر من ذلك يشكل حماية للمحل الذي  يتأسس عليه الأصل التجاري.

 

 

                       يوسف المجاهد  

                             طالب باحث بسلك  الماستر تخصص قانون الأعمال

                        بجامعة  الحسن الثاني الدار البيضاء

                 قائمة المراجع المعتمدة :

  • مدونة التجارة المغربية.
  • أحمد شكري السباعي – الوسيط في الأصل التجاري، الطبعة الأولى.
  • فؤاد معلال – شرح القانون التجاري الجديد .
  • نجاة الكص – الحق في الكراء كعنصر في الأصل التجاري ومدى الحماية المقررة له في ضوء ظهير 24 مايو 1955.

[1] )-الدكتور أحمد شكري السباعي،كتاب الوسيط في الأصل التجاري،الطبعة الأولى،صفحة 421-422

[2] )-الدكتور أحمد السباعي ،مرجع سابق،صفحة :417-418

[3] )-الدكتور فؤاد معلال، كتاب شرح القانون التجاري الجديد،صفحة:168-169

[4] )-الدكتورة نجاة الكص،كتاب الحق في الكراء كعنصر في الأصل التجاري ومدى الحماية المقررة له في ضوء ظهير 24مايو 1955، صفحة :71

[5] )- الدكتور أحمد شكري السباعي، مرجع سابق،صفحة : 419


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 التحديد القانوني لمعايير التعويض عن إنهاء عقد الكراء التجاري .

التحديد القانوني لمعايير التعويض عن إنهاء عقد الكراء التجاري . تقديم يعتبر التعويض عن إنهاء ...