الجرائم الجمركية


                                                                   الجرائم الجمركية

مقدمـة
ينطلق البعض في تحديد الجرائم الاقتصادية، بأنها كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم أو لحماية السياسة الاقتصادية للدولة، فهي جرائم الاستفادة بغير حق على حساب الاقتصاد العام، وهي جرائم الإخلال بتنفيذ الالتزامات الاقتصادية وجرائم التأثير على الثقة المالية العامة .
ونظرا إلى خطورة الجريمة الاقتصادية فإن جل التشريعات على اختلاف أنظمتها دأبت إلى تشديد العقوبة في الجرائم الاقتصادية، ومظهر ذلك أن القليل من هذه الجرائم يدخل في إطار المخالفات، بينما الكثير منها يدخل في إطار الجنح ويرتفع الحد الأقصى لعقوبة الحبس عن الحد المقرر في القانون العام، وتصل الغرامة إلى حد لا نظير له في الجرائم العادية، وقد تبنت هذه العقوبات جل التشريعات الحديثة منها المغرب وفرنسا، وكذلك بعض الدول العربية سيما مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية والكويت وذلك من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونظرا لتعدد الجرائم الاقتصادية، ارتأينا أن نبحث في موضوعنا هذا موضوع المخالفات الجمركية في إطار الشركات التجارية. نظرا لأهميته سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وما تتكبده الدولة خاصة إدارة الجمارك من خسائر على المستوى المالي، خاصة لما تعرفه هذه المخالفات من سرعة يوما بعد يوم من حيث تطورها وتفاقمها، ومهما يكن النظام السياسي والاقتصادي الذي تتبعه أية دولة فإن السياسة الجمركية تبقى قاصرة على ضبط كل المخالفات الجمركية لأنها ظاهرة منظمة ولها جذور قديمة في التاريخ، بحيث عرفت ظاهرة الرقابة الجمركية منذ نشأة المجتمعات المنظمة سواء على مستوى ضبط المخالفات الجمركية أو على مستوى إفراد عقاب خاص بها ولقد وضع المشرع المغربي ترسانة قانونية مهمة لبسط نفوذه على هذا النوع من المخافات، ويتمثل ذلك في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة بحيث خصص المشرع الجزء التاسع للمنازعات الجمركية وقسم هذا الجزء إلى ثلاثة أبواب ويتعلق الباب الأول بالمقتضيات العامة بينما يتعلق الباب الثاني بمسطرة المنازعات وأخيرا الباب الثالث المتعلق بالمقتضيات الزجرية، وللإحاطة أكثر بالموضوع حاولنا أن نتناوله بتفصيل من خلال تقسيمه إلى فصلين:
الفصل الأول: طبيعة وأركان المخالفات الجمركية
الفصل الثاني: تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية ووسائل إثباتها.

الفصل الأول: طبيعـة وأركـان المخالفات الجمركية
إن الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية يكمن في إنشاء الجرائم وتحديد طبيعتها، وتقرير العقوبات الخاصة بها، مما يترتب عنه الاعتماد على القانون المكتوب الصادر عن السلطة التشريعية لتفريد أي تجريم أو عقاب بناء على القاعدة القانونية الجنائية، وذلك تحت مبدأ ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق” . والمحالفات الجمركية من الجرائم الماسة بالأموال وموارد الدولة، بحيث تؤدي إلى المساس بمركز العملة المتداولة وبالثقة فيها، ويبقى المعيار الصحيح لتحديد الصفة الاقتصادية للقاعدة الجنائية بشكل عام هو طبيعة المصلحة التي تحميها هذه القاعدة، والحالة التي يحميها المشرع في هذه الحالة هي المصلحة الاقتصادية العامة، أي تلك المتعلقة بالسياسة الاقتصادية للدولة، وبهذا سوف نعمل على تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين بحيث نتناول في المبحث الأول طبيعة وأركان المخالفات الجمركية بينما نتناول في المبحث الثاني أركان الجريمة الجمركية.
المبحث الأول: طبيعـة المخالفـات الجمـركية
تتنوع العلة التي يهدف المشرع إلى تحقيقها من جراء تجريم التهريب الجمركي باختلاف المصلحة التي يهدف المشرع الوصول إلى بلوغها.
وتبقى جريمة عدم أداء الرسوم الجمركية أو التهرب الضريبي من الجرائم التي تهدف الدولة إلى القضاء عليها من خلال التشريع الداخلي أو على مستوى الاتفاقيات الدولية وتبقى مصلحة الدولة هي فرض الضريبة الجمركية عن طريق الحصول على موارد مالية تستعين بها على مواجهة أعبائها، وفي هذه الحالة تكون الغاية الأصلية مالية بحثة، وتكون علة تجريم التهريب الجمركي هو عدم المساس بمصلحة الدولة في تحصيل الرسوم الجمركية، ولتحديد مفهوم المخالفات الجمركية أكثر من حيث طبيعته والأشخاص المسؤولين جنائيا قمنا بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين الأول نتناول فيه مفهوم المخالفات الجمركية بينما الثاني خصصناه للأشخاص المسؤولون جنائيا.
المطلب الأول: مفهـوم المخـالفات الجمركية
لقد عرف المشرع المغربي المخالفة الجمركية في الفصل 204 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المتمم بآخر التعديلات المدخلة بقانون المالية لسنة 2005 . حيث نص على أنها “الجنحة أو المخالفة الجمركية عمل أو امتناع مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية ومعاقب عليها بمقتضى هذه النصوص”.
إذن من خلال هذا التعريف نجد أن المشرع أعطى مشروعية قانونية في إطار تجريم هذا النوع من المخالفات، ووضع نصا خاصا في إطار مدونة الجمارك التي وضعت عقوبات زجرية تتمثل في العقوبات الحبسية والتدابير الاحتياطية وكذلك مصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها والبضائع المستعملة لإخفاء الغش ووسائل النقل وكذلك فرض غرامات جبائية، كما نص الفصل 206 من مدونة الجمارك على أن المخالفة الجمركية هي “كل محاولة لخرق القوانين والأنظمة الجمركية، فهي تعتبر بمثابة الخرق التام لهذه القوانين والأنظمة الجمركية ويعاقب عنها بهذه الصفة ولو كانت الأفعال تتصف بها بداية التنفيذ قد ارتكبت خارج التراب الخاضع”.
وتبقى طبيعة المخالفة الجمركية من كونها جريمة إيجابية، حيث يقوم مرتكبها بنشاط معين، كما لو قام بإدخال بضائع معينة إلى البلاد أو إخراجها منه أو استرجع الضرائب الجمركية التي سبق أن دفعها من قبل، بما في ذلك إخفاؤه للبضاعة عن أعوان إدارة الجمارك أو إدلاؤه بمستندات مزورة أو وضعه علامات غير صحيحة على البضاعة بهدف التضليل، كما أن جريمة التهريب وقتية وليست مستمرة، وهي بالإضافة إلى ذلك جريمة عمدية .
وتطرح إشكالية مفهوم المخالفات الجمركية في ارتباطها القوي مع الغش الضريبي حيث بصدور قانون تجريم الغش الضريبي في التهرب يوم فاتح يوليوز 1996 يصبح الغش المرتكب في مجال الضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة موضوع جزاء مزدوج جبائي وجنائي .
وهناك أيضا ارتباط بين المخالفات الجمركية والتهرب الضريبي من حيث التحايل إلا أن التهرب الضريبي يتم بواسطة تحايل شرعي أحيانا تحايل شرعي من طرف المكلف على القانون الجبائي الذي يعمد إلى اتباع إجراءات شرعية للتخفيف من عبئه الضريبي، أو إسقاطه تماما بينما نجد المخالفات الجمركية هو تحايل غير شرعي ويكون معتمدا ومنظما ويتبع إجراءات غير شرعية تضفي عليه صفة الجرم المعاقب عليه طبقا للقواعد والأنظمة الجمركية.
وتتميز المخالفات الجمركية، بكونها الحالة التي تتدخل فيها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، في ما يمكن أن ينشب بينها وبين الملزمين، أفراد ذاتيين أو شركات تجارية سواء كانت شركات مثل شركة الأموال خاصة شركة المساهمة التي تعرف طابع العالمية أحيانا عن طريق تنقل أعمالها بين الدول سواء عبر الطرق البرية أو البحرية أو الجوية… وكذلك الشركات ذات المسؤولية المحدودة والتوصية بالأسهم، ويمكن أيضا أن ترتكب هذه الأفعال من طرف شركات الأشخاص، وأخيرا يمكن أن ترتكب من طرف أي شخص معنوي كيفما كان، وتبدأ هذه المخالفات الجمركية من بداية المخالفة أو أثناء مسارها أو في نهايتها بسبب قيامهم بأعمال مخالفة للقوانين والتنظيمات الجمركية أو امتناعهم عن القيام ببعض الأعمال المنصوص عليها في مدونة الجمارك، أو في النصوص القانونية الغير الجمركية، وعندما نقول القوانين والتنظيمات الغير الجمركية، فإننا نعني بذلك مختلف التدخلات، التي يخولها القانون لهذه الإدارة بصفة استثنائية، وبواسطة نصوص غير واردة في مدونة الجمارك حيث يدخل في ذلك المخالفات المتعلقة بالصرف التي يقوم بضبطها أعوان إدارة الجمارك في التحصيل الإلزامي للرسوم والمكوس .
وبعد أن ألقينا نظرة على تطور مفهوم المخالفات الجمركية وتعريفها وتمييزها عن باقي الجرائم المشابهة لها ننتقل الآن إلى تحديد الأشخاص المسؤولون جنائيا في إطار المخالفات الجمركية.
المطلب الثـاني: الأشخـاص المسؤولون جنائيـا
يظهر أن شروط المسؤولية الجنائية لم توضع بصفة صريحة وإنما تولاها المشرع وتعرض لها في أماكن مختلفة نظرا لاختلاف حالات المسؤولية الجنائية، ولأن المشرع المغربي لم يجعل كل الأشخاص مسؤولين على قدم المساواة وإنما تتفاوت مسؤولياتهم حسب إمكانية نسبة الأفعال المجرمة إليهم أي حسب قوتهم العقلية وقدرتهم حسب إمكانية نسبة الأفعال المجرمة إليهم أي حسب قوتهم العقلية وقدرتهم على التمييز وهذا هو ما يعبر عنه الفصل 132 من القانون الجنائي المغربي حينما قال “كل شخص سليم العقل قادر على التمييز، يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها…” .
وبرجوعنا إلى مدونة الجمارك نجد الفصل 221 الذي عدل وتمم بالقانون رقم (02.99) فإنه عاقب جميع الشركـاء والمتواطئيـن في ارتكـاب الجنحـة أو المخالفة الجمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للجنحة أو المخالفة الجمركية، كما يمكن أن تطبق عليهم التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفصل 220، ويعتبر المتواطئون في ارتكاب الجنحة أو المخالفة الجمركية الأشخاص الذين قاموا على علم بما يلي “حسب المادة221”.
أولا: حرضوا مباشرة على ارتكاب الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة من الوسائل.
ثانيا: إشتروا أو حازوا ولو خارج الدائرة بضائع ارتكب الغش بشأنها.
ثالثا: ستروا تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب.
ويعتبر شخصا ذاتيا أو معنويا له مصلحة في الغش:
أ- الذين قاموا على علم بتمويل عملية الغش.
ب- مالكوا البضائع المرتكب الغش بشأنها.
إذا ارتكبت هذه الأفعال من طرف أشخاص مسؤولين جنائيا حسب القانون الجنائي المغربي إذ لا تثبت المسؤولية الجنائية إلا في حق من توفرت لديه الأهلية الجنائية التي أقرها المشرع المغربي في سن 18 سنة والتي وحدها تسمح بتطبيق العقوبات والتدابير الوقائية (الفصلان 13 و140 من ق.ج) .
وأفردت المادة 222 من مدونة الجمارك المسؤولون جنائيا وعددتهم وهم:
أ- موقعو التصريحات فيما يخص الإغفالات والبيانات غيـر الصحيحة والجنـح أو المخالفات الجمركية الأخرى الملاحظة في تصريحاتهم.
ب- المؤتمنون عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم.
ج- المتعهدون في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الموقعة من طرفهم.
غير أنه لا تطبق عقوبة الحبس المنصوص عليها في هذه المدونة على موقعي التصريحات والمؤتمنين إلا في حالة ارتكاب خطأ شخصي ومتعمد كما أنها لا تطبق على المعشرين عندما يتبين بأنهم اقتصروا على نقل المعلومات التي حصلوا عليها من طرف موكليهم وبأن ليس لهم أي سبب معقول من شأنه التشكك في صدق وصحة المعلومات .
إذن هؤلاء هم الأشخاص المسؤولون جنائيا حسب المادة222 من مدونة الجمارك بحيث يشترط أن تكون هذه الأفعال ناشئة عن تصرفهم سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء أو متواطئين وإذا لم يكونوا كذلك، فإنهم لا يسألوا عن الجريمة المرتكبة من طرفهم، لأن العقوبات تبقى دائما شخصية، ويعاقب عليها المتهم عندما يكون جنائيا، ولا تطال غيره، وتتحقق المسؤولية لمجرد حدوث الفعل أو الامتناع من الجاني دون أن يستلزم ذلك نتيجة معينة، كما هو الشأن في المخالفات بصفة عامة، وكذلك بعض الجنح كحيازة مواد مخدرة أو بضائع مهربة متى توافر العلم بها .
وتفترض المسؤولية الجنائية حسب المادة 223 من مدونة الجمارك في الأشخاص الآتي اسمهم:
أ- الأشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكب الغش بشأنها وناقلوها.
ب- ربابنة البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات فيما يخص الإغفالات والمعلومات التي غير الصحيحة الملاحظة في بياناتهم وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو المخالفات الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم وطائراتهم:
إذن من خلال هؤلاء الأشخاص الذين افترض فيهم المشرع المسؤولية الجنائية نلاحظ انه خرج عن القاعدة العامة التي تعتبر أن الشخص لا يكون مسؤولا إلا في حدود ما يصدر عنه شخصيا من أفعال أو نتائج معاقب عليها طبقا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق، وبالتالي قرر مسؤولية الأشخاص السالف ذكرهم نظرا لكون هذا النوع من هذه الجرائم الاقتصادية يمس بمصلحة المجتمع بشكل خطير وهكذا يسأل ربان البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات جنائيا عن الإغفالات والمعلومات غير الصحيحة التي ترد في بيانات وبصفة عامة عن الجنح أو المخالفات الجمركية التي تتم على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم وطائراتهم .
وجاءت الفقرة الثانية من الفصل 223 لترفع المسؤولية عن بعض الأشخاص وهم:
أ- الناقلون الذين يبرهنون على أنهم أدوا بصفة قانونية واجباتهم المهنية بإثباتهم أن البضائع المرتكب الغش بشأنها قد أخفاها الغير في أماكن لا تجرى عليها عادة مراقبتهم، أو أنها أرسلت بحكم إرسالية يظهر أنها مشروعة وقانونية وعندما يمكنون الإدارة من متابعة مرتكبي الغش الرئيسيين وعلى الخصوص عن طريق الكشف عن هوية المرسل أو المرسل إليه البضائع التي قاموا بنقلها.
ب- ربان الباخرة أو قائد الطائرة إذا قام البينة على أنه قام بجميع واجباتها في الحراسة، وإذا تم العثور على مرتكب هذه الجنح أو المخالفات الجمركية أو إذا أثبت أن أعطابا هامة استلزمت تغيير طريق الباخرة إن الطائرة بشرط أن تكون هذه الحوادث قد سجلت بيوميات الباخرة أو الطائرة قبل معاينة مصلحة الجمارك.
ج- ربان الباخرة، إذا تبين بأنه نقل بأمانة جميع البيانات المصرح بها من طرف الشاحن وبأن ليس له أي سبب معقول من شأنه التشكك في صدق وصحة المعلومات الواردة في سند الشحن في الميناء الذي تم به شحن البضائع.
وإذا أثبتوا هؤلاء الأشخاص أنهم قاموا بواجبهم المهني فإنهم يستفيدون من لاستثناء الذي وردته المدونة في الفصل 223، ومسؤولية الربان فيما يخص الخطأ في بيانه، يؤدي إلى اعتبار البضاعة التي أدخلت إلى التراب الوطني بهذه الطريقة بمثابة مخالفة إيداع البيان وتسجيل البضاعة في البيان يقوم به الربـان شخصيـا
أو من طرف من عهد إليه بذلك من طرفه وبشكل مستقل عن التصريح المفصل الذي يقوم به المرسل، ومن هنا فإن شكلياته تختلف عن التصريح المفصل، ولا يمكن للغير أن يتعرض على ما تقوم به إدارة الجمارك من حجز البضائع الغير واردة في بيان الربان والتي حجزتها إدارة الجمارك كضمانة لما يمكن أن يحكم به لفائدتهما ضد الربان الذي ارتكب هذه المخالفة.
وفي حالة ارتكاب جنحـة أو مخالفة جمركيـة من طـرف المتصرفيـن أو المسيرين أو المديرين لشخص معنوي أو من طرف أحدهم العامل باسم ولحساب الشخص المعنوي يمكن بصرف النظر عن المتابعات المجراة ضدهم أن يتابع الشخص المعنوي نفسه وأن تفرض عليه العقوبات المالية، وعند الاقتضاء التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفقرة 3-4 من الفصل 220 أعلاه.
أما بالنسبة للجرائم الجمركية المرتكبة من طرف القاصرين والمجانين، فإذا ما نظرنا إلى محاولة إصلاح الحدث الجانح وإلى تخصيصه بإجراءات حقيقية من شأنها إعادة تأهيله الاجتماعي، خاصة وأن جنوح الأحداث أصبح مشكلة الساعة مما أدى إلى تدخل دوائر العدالة والقضاء لإعادة تربية وتأهيل الحدث.
وبالرجوع إلى القانون الجنائي العام في فصله 138 يقسم مسؤولية الحدث إلى مرحلتين أولهما عدم تجاوز الحد 12 سنة إذ يعتبر غير مسؤولا جنائيا لعدم تمييزه .
وهذا ما أكده الفصل 228 حيث أنه لا تطبق القوانين والأنظمة الجمركية المتواطئ عليه أو الشخص المنتفع به لا يعاقب إلا بالمصادرات والغرامات المنصوص عليها في المدونة إذا كان وقت ارتكاب الأفعال إما في حالة جنون وإما قاصرا تقل سنه عن 18 سنة.
أما بخصوص الأشخاص المسؤولون مدنيا فقد أشار إليهم الفصل 229 وأحال بدوره الفصل إلى القواعد العامة خاصة الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود وكذلك مالكوا البضائع عن فعل مستخدميهم ومالكوا وسائل النقل عن فعل مستخدميهم، إلا إذا أثبتت المسؤولية الشخصية للمستخدم المكلف بالسياقة، وتستمد المسؤولية المدنية بالنسبة لمدونة الجمارك فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف في حالة مسؤولية الغير طبقا للقواعد العامة التي نجد الفصل 88 من ق.ل.ع ينص على أن “كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر وذلك ما لم يثبت:
1-أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
2-أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي، أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر
“كما تعتبر في هذا الصدد أيضا إدارة الجمارك مسؤولة عن الأفعال التي يقوم بها الأعوان العاملون معها أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب قيامهم بعملهم فقط، وهذا ما أكده الفصل 232 من مدونة الجمارك في إطار مسؤولية الإدارة في حالة الحجز أو الحفظ.
وهكذا تعتبر هذه الإدارة مسؤولة عن أعمال الحجز والحفظ الغير المرتكزة على أساس الفصل 232 من مدونة الجمارك، حيث يكون لمن حجزت بضاعته الحق في تعويض يقدر على أساس 1%، وتعتبر إدارة الجمارك مسؤولة عن تفتيش أماكن السكن، إذا لم يكن هناك سبب للحجز ولا تسأل إدارة الجمارك عن التأخير، الذي يحصل في عملية التعشير للبضائع، إذا رفضت قبول تصريح جمركي لم يكن مرفقا بالوثائق الضرورية وقد اعتبر القضاء الفرنسي أن الإدارة تعتبر مسؤولة عن خطا مرفقي، بسبب تركها محل عمومي مفتوح في وجه الجمهور، ملفات تم إيداعها لديها من طرف منعشين اقتصاديين ضاعت هناك .
بل حتى القضاء اعتبر خضوع شخص لرسوم الاستيراد خطأ مع أنه معفى منها بشكل خطأ مصلحيا من شأنه تحميل الإدارة المسؤولية.
أما بخصوص الكفلاء فقد نص الفصل 230 من مدونة الجمارك على أن الكفلاء ملزمون بقدر ما يلزم الملتزمون الرئيسيون بأداء الرسوم والمكوس والعقوبات المالية وغيرها من المبالغ الواجبة على الملزمين الذين كفلوهم.
غير أنه فيما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك، فإن الكفالات الممنوحة من طرف الأبناك أو شركات التامين يمكن أن تشتمل كلا أو جزءا من الرسوم والمكوس الموقوفة وذلك في حدود المبالغ المكفولة طبقا للشروط المحددة بقرار للوزير المكلف بالمالية وتبقى على عاتق الملزم الرئيسي فوائد التأخير ومجموع المبالغ المستحقة الأخرى وكذا العقوبات المالية المحتملة، ويخول التضامن في الميدان الجمركي لإدارة الجمارك الحق في الرجوع على أي منهم تتم إدانته من اجل نفس الفعل بمجموع المبالغ المحكوم بها لفائدة الإدارة، وإذا كان القانون المدني يعتبر أنه لا يمكن أن تكون الشركة التجارية مسؤولة عن ممثلها القانوني الذي ارتكب مخالفة مالية فإن ذلك لا يمنع من اعتبارها متضامنة في مواجهة إدارة الجمارك عن أداء الغرامات والمصادرات.
المبحث الثاني: أركـان الجريـمة الجمركية
إن المعرفة الدقيقة لمفهوم المخالفات الجمركية تتطلب الإلمام بالعناصر المكونة لهذه الجريمة، وهي بصفة عامة تتكون من العناصر أو الأركان التقليدية لأي جريمة وهي توافـر الركـن القانوني بوجـود نص قانـوني يوجـب عملا
أو يمنعه ويقرر له عقوبات خاصة به، وتستمد المخالفة شرعيتها في التجريم من خلال النص الخاص في إطار مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة وهو الفصل 204 من المدونة الذي ينص على أنه “الجنحة أو المخالفة الجمركية عمل أو امتناع مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية ومعاقب عليه بمقتضى هذه النصوص” إذن هنا يظهر مبدأ شرعية النص الجمركي في تحريم هذه الأفعال المخالفة للأنظمة الجمركية، ويبقى الركن المادي والمعنوي الذي خصصنا له كل مطلب على حدة.
المطلب الأول: الـركن المـادي
إن القانون لا يعاقب النوايا مجردة من مظهرها الخارجي ، وهذا السلوك الجرمي يعد أمرا هاما في الجرائم الجمركية، وهو أي السلوك قد يكون عبارة عن فعل إيجابي أو سلبي، الإقدام على عمل أو الامتناع عنه، فالتهريب أو تقديم بيان كاذب أفعال إيجابية، وعدم تقديم فاتورة أو تقديم بيان، أفعال سلبية معاقب عليها في القانون .
ففي مجال الاستيراد يتم الفعل المادي بإدخال البضائع للبلاد عبر حدودها المعترف بها دوليا، برا بحرا وجوا، مهما كانت الوسيلة المستعملة فتمام هذا الأمر، وهذا الإدخال عبر الحدود يكون غير قانوني، ويكون قانونيا إذا تم أداء الرسوم الواجبة أدائه وسمحت به إدارة الجمارك بينما يحصل التصدير بوجهة معاكسة حيث تخرج البضائع أو المصدرات إلى خارج البلاد عبر حدودها الدولية، أو ما يسمى في مدونة الجمارك خروج البضائع من التراب الخاضع ونقصد هنا بالبضائع المنتجات والأشياء والحيوانات والمواد من جميع الأنواع والأصناف سواء كانت هذه المنتجات أو الأشياء أو المواد محظورة أو غير محظورة، بما فيها المخدرات والمواد المخدرة سواء كانت أو لم تكن محل تجارة مشروعة .
ومن المفروض في التصدير، عملا بمقتضيات الفصل 27 من مدونة الجمارك أن يتم عبر مكاتب ومراكز الجمرك. وإلا اعبر التصرف تهريبا ومعاقب عليه بمقتضى القوانين والأنظمة الجمركية أما التهرب من إجراء المعاملات الجمركية وهو عدم تقديم البضائع لمكتب الجمارك مباشرة أو استيراد بضائع عبر البحر دون تفتيشها وأدائها للرسوم الجمركية أو إفراغ بضائع بالمنطقة الحرة دون وضع بيان لها، أو نقل بضائع ممنوعة وإدخالها للتراب الوطني دون بيان المنشأ أي المكان الذي أتت منه البضاعة.
ويبقى للإدارة حق معاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش الأشخاص وذلك ما نصت عليه الفصول من 38 إلى 40 من مدونة الجمارك، ويدخل في التفتيش الصعود مثلا إلى البواخر الموجودة بداخل المنطقة البحرية لدائرة الجمارك وأن يطلبوا الوثائق التي تشهد بحمولتها ويمكن لأعوان إدارة الجمارك أن يطاردوا البواخر حتى في عرض البحر وأن يستعملوا جميع الوسائل الملائمة لإيقاف البواخر التي تصل إلى المنطقة البحرية لدائرة الجمارك ولم تمتثل لإنذاراتهم ولم تنفذ أوامرهم. كما يمكن للإدارة الجمركية أن تفحص جميع الوثائق لدى الشركات المنصوص عليه في الفصل 42 (أ) و(ت).
وإذا كان القانون لا يشترط في الفعل أو الترك، أن يخلف أثرا أو ينتج ضررا حتى يتحقق الركن المادي للجريمة، فإن المحاولة أو الشروع في الفعل المادي للجريمة يعاقب عليه، وبذلك فالقانون الجنائي لا يعاقب الفاعل إلا إذا بدأ في تنفيذ أعماله، وهذا ما نص عليه القانون الجنائي . وهذا ما جاء في القانون الجديد لمدونة الجمارك، الذي ينص في الفصل 204 على أن الجنحة الجمركية هي كل فعل والفعل إما أن يكون إيجابي أي التهريب فيما يخص البضائع واستعمال وسائل تدليسه لمغالطة رجال وأعوان الجمارك، أو الامتناع عن فعل كعدم أداء الرسوم والمكوس الجمركية وعدم الإدلاء بالوثائق الواجب التصريح بها لإدارة الجمارك.
أما المكان الذي تقع فيه المخالفة الجمركية، فالبعض يعتبر أن الأصل في التهريب الجمركي، أن يقع على حدود الدولة الجمركية، فإذا اجتازت السلعة هذه الحدود فإنها لا تصلح أن تكون محلا لتهريب جمركي وإن صلحت لأن تكون محلا لجريمة الإخفاء . لكن الأخذ بهذا المذهب يقتضي وضع المئات من المراكز الجمركية للمراقبة مع المراقبين وملايين الدراهم كنفقات لتلك المراكز الجمركية وموظفيها. أما بالنسبة لموضوع الجريمة فإنه يشمل البضائع المهربة وملحقاتها وهو ما تم التطرق إليه في تعريف البضائع، وعليه فالمراقبة الجمركية تطبق على جميع هذه الأشياء التي يمكن مصادرتها وملاحقة كل مخالفة للأحكام الجمركية المفروضة عليها . أما في الاجتهاد الفرنسي، فإن البضائع بحسب المفهوم الجمركي تشتمل السلع والأشياء والحاجات مهما كان نوعها، جمادا كان أو حيوانا معدة للتجارة أو غير معدة لها. بما فيها ذلك التيار الكهربائي والأراق النقدية والعملة الوطنية أو الأجنبية بما فيها المزورة وكذلك السندات المالية وما شابهها، وسواء أكانت البضائع ذات قيمة أو من دون قيمة وبصرف النظر عن مقدارها.
المطلب الثاني: الركـن المعنـوي
يعتبر الركن المعنوي العنصر الثاني للمخالفة والجنحة، فلا يكفي لكي يوجد الفعل المخالف وجود فعل أو امتناع منصوص عليه قانونا، بل لابد أن يكون هناك إرادة واعية ومتبصرة أو ما يعرف بالركن المعنوي فما هو موقف مدونة الجمارك من هذا الركن ؟
هناك بعض الجنح التي تشير إلى ضرورة توفر الركن المعنوي، كما هو الشأن مثلا في الفقرة 3 من الفصل 221، التي تنص على معاقبة من ستروا تصرفات مرتكبي الغش أو محاولوا جعلهم في مأمن من العقاب، وتنص الفقرة الأولى من نفس الفصل التي تتحدث عن الأشخاص الذين حرضوا على ارتكاب الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة من الوسائل وهذا النص يعتبر النية الإجرامية عنصر جوهري في المشارك أو المتواطئ.
وهكذا فالأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية، منها ما يدخل ضمن التهريب أو التصريح الخاطئ، حيث يترتب عنها أن ممثل الحق العام، معفى من إثبات النية الإجرامية، كما أنه لا يؤاخذ بما يمكن أن يدعيه مرتكب هذه الجنحة من حسن نيته، مادام على علم بالأفعال المادية لهذه الجنح، وقد اعتبر القانون الجمركي بعض الأوضاع المادية كمؤشر على قيام فعل مخالف، كما هو الشأن في الأشخاص الموجود في حوزتهم البضائع، المرتكب الغش بشأنه، وناقلوها ورؤساء البواخر والسفن والمراكب، وقواد الطائرات فيما يخص الإغفالات والمعلومات غير الصحية، الملاحظة في بياناتهم، والمخالفة الجمركية المرتكبة على ظهر بواخرهم وسفنهم ومراكبهم وطائراتهم، يتم معاقبة الفعل بنفس العقوبات المقررة للمخالفة الجمركية .
والمخالفة الجمركية معاقب عليها بمجرد حصولها فهي من المخالفات المادية التي يكفي أن يثبت وقوع الفعل الجرمي فيها لتقوم القرينة على وجود الخطأ واستبعاد سلامة النية، وهذا المذهب كرسته بعض القوانين المقارنة بحيث نجد نص المادة 342 من قانون الجمارك اللبناني وطبقة الاجتهاد في لبنان وفرنسا، إذ أن اعتبر أن المخالفات الجمركية لا تقتضي عنصرا معنويا، لأنها مخالفات محض مادية، وإن تمت نتيجة خطأ أو جهل إذ لا يعتد بسلامة النية، إذ عامل النية مفروض وجوده في الفاعل وعلى هذا الأخير أن يثبت أن إرادته لم تكن حرة، أو أنها كانت معطلة وقت ارتكاب المخالفة .
هذا يعني أنه ليس من شان الخطأ المادي أو الخطأ القانوني ولا الجهل ولا سلامة النية، أن ينفي عن المخالفة الجمركية الحاصلة صفتها الإجرامية فمن قدم تصريحا كاذبا عن خطأ أو عن جهل يعاقب كالشخص الذي قدمه عن قصد نية التضليل .
أما في القانون الفرنسي، فإن المادة 399 من قانون الجمارك الجديد نصت على أن الادعاء يجب أن يثبت القصد الجنائي كي تتحقق مسؤولية الفاعل، وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 419 من القانون نفسه اعتبرت محجز البضاعـة المهربة أو ناقلها لا يلاحق بحال جهله مصدرها.
كما أن الأشخاص الذين يشترون البضاعة المهربة في السوق الداخلية لا يطالهم العقاب لأنهم أشخاص مستهلكين ولا تربطهم بالجريمة أية صلة. إذن هكذا تعرفنا على الركنين المادي والمعنوي الذي يجب توفرهم إلى جانب الركن القانوني طبعا لكي تكتمل جنحة المخالفة الجمركية.

الفصل الثاني: تحريك الدعوى العمومية
في الجرائم الجمركية ووسائل إثباتها
تتميز المخالفة الجمركية بكونها تلحق أضرارا بالخزينة العامة، ممثلة في إدارة الجمارك، كما أنها تلحق أضرارا بشخص أو أشخاص ذاتيين أو معنويين، ومادامت الجنحة أو المخالفة الجمركية تعتبر عملا، أو امتناع مخالف للقانون، فإن الأمر يتطلب متابعة مرتكب هذه الجنح أو المخالفات، من طرف النيابة العامة، كما أن للمتضرر من هذا الجرم الحق في المطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار التي لحقته من جراء تصرف المخالف الذي يتعرض لعقوبات سالبة للحرية أي العقوبات الحبسية، مع الغرامات التي تفرضها إدارة الجمارك وكذلك مصادرة البضائع محل الجريمة، وتقتضي الدراسة أيضا البحث عن وسائل إثبات المخالفة الجمركية سواء بواسطة الحجز ومحاضر أعوان وضباط الجمارك أو الإبراء من سند الإعفاء بكفالة، ولتوضيح أكثر لهذه المفاهيم الخاصة بالنظام الجمركي ارتأينا أن نقسم هذا الفصل إلى مبحثين إذ سنتناول في المبحث الأول تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية، على أن نتناول في المبحث الثاني وسائل إثبات المخالفات الجمركية.
المبحث الأول: تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية
يرتكز مبدأ الشرعية على أنه متى كانت النيابة العامة هيئة فنية، مهمتها مباشرة سلطة الاتهام . ومتى كانت لا تختص في الفصل في الدعاوي الجنائية فإن دورها يقتصر على تحريك الدعوى العمومية ومتابعتها أمام القضاء، كما أن مبدأ الملاءمة يخول النيابة العامة سلطة تقديرية في استعمال حقها إيجابا أو سلبا في تحريك الدعوى العمومية، بالرغم من اجتماع العناصر القانونية للواقعة الإجرامية ونسبتها إلى متهم معين، ولقد ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين لنتناول الدعوى العمومية في إطار النظام الجمركي الخاص، حيث نتناول في المطلب الأول لتحريك الدعوى العمومية وممارستها بينما نتناول في المطلب الثاني العقوبات المتخذة ضد مرتكبي المخالفات الجمركية.
المطلب الأول: تحريك الدعوى العمومية وممارستها
نصت مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في الفصل 248 على أنه يمكن متابعة الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية المنصوص عليها في المدونة بجميع الطرق القانونية مع مراعاة أحكام هذا الباب، وهي مقتضيات عامة في هذا الفصل وهكذا في حالة ارتكاب الجنح الجمركية من الطبقة الأولى المنصوص عليها في الفصل 279 ومنها:
أولا: استيراد أو تصدير المخدرات والمواد المخدرة ومحاولة استيـرادها أو تصديرها بدون رخصة أو تصريح، وكذا استيرادها أو تصديرها بحكم تصريح أو غير مطابق.
ثانيا: الحيازة غير المبررة بمفهوم الفصل 181 أعلاه للمخدرات والمواد المخدرة داخل دائرة الجمارك.
ثالثا: كل خرق للأحكام المتعلقة بحركة وحيازة المخدرات والمواد المخدرة داخل دائرة الجمارك.
رابعا: وجود مخدرات أو المواد المخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.
ففي هذه الحالة يتولى تحريك الدعوى العمومية النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك، وهذا ما نص عليه الفصل 249 من مدونة الجمارك. وأضاف المشرع كذلك إلى جانب هذا الفصل أي تحريك الدعوى العمومية من طرف الجهات التي تم ذكرها الفصل 281 الذي ينص على الجنح الجمركية من الدرجة الثانية وهما:

أولا: التهريب المعرف به في الفصل 282 بعده.
ثانيا: كل زيادة غير مبررة في الطرود وبصفة عامة كل زيادة في العدد تثبت عند القيام بإحصاء في المستودع أو في المستودع الصناعي الحر.
ثالثا: وجود بضائع في المستودع لا تستفيد من نظام المستودع لسبب غير سبب عدم صلاحيتها للحفظ.
رابعا: خرق مقتضيات الجزء الثامن من هذه المدونة والمتعلق بالضرائب غير المباشرة.
خامسا : خرق مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 46 أعلاه.
سادسا: خرق مقتضيات الفصل 56 أعلاه.
سابعا: كل عمل أو مناورة تنجز بطرق معلوماتية أو إلكترونية ترمي إلى إتلاف واحد أو أكثر من المعلومات المختزنة في النظم المعلوماتية للإدارة عندما يكون الغرض من هذا الإتلاف هو التملص من رسم أو مكس أو الحصول بصفة غير قانونية على امتياز معين.
ثامنا: استيراد أو تصدير البضائع المحظورة المشار إليها في البند (أ) مـن (1) من الفصل 23 أعلاه، المنجز عن طريق مكتب الجمرك إما بدون تصريح مفصل أو بحكم تصريح غير صحيح أو غير مطابق المقدمة.
تاسعا: وجود بضائع في مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي الواقعة خارج الحظائر الجمركية للموانئ والمطارات والتي تقصى من هذه المخازن والساحات الجمركية طبقا لأحكام الفقرة (3) من الفصل 63 .
ويتم تحريك الدعوى العمومية إما من طرف النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه في هذه الحالات الفصل 281 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي ذكرناها ويعتبر هؤلاء طرفا في المسطرة ويمكن أن يتدخلوا كمستأنفين وجاءت الفقرة الثانية من الفصل 249 من مدونة الجمارك لينص على أنه لا يمكن في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصول 285 و294 و297 و299 بعده، تحريك الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.
وهما الجرائم المتعلقة باستيراد وتصدير البضائع المحظورة وعدم القيام داخل الآجال القانونية المحددة بإيداع التصريح التكميلي وعدم تقديم البضائع الموضوعة بمخازن وساحات الاستخلاص الجمركي وكذلك وضعها تحت نظام العبور والوثائق الجمركية…
ففي هذه الجنح اشترطت مدونة الجمارك لتحريك الدعوى العمومية ضد مرتكبي هذه الجنح أن تكون هناك مبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير أحد ممثليه المؤهلين لذلك، ويتم تحريك الدعوى العمومية إما عن طريق الاستدعاء المباشر، الذي يوجه للظنين والمتضمن للبيانات المشار إليها في الفصل 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية من حيث شكليات الاستدعاء.
ويتم الاستدعاء بواسطة كتابة الضبط أو البريد المضمون أو بواسطة السلطة الإدارية .
ويمكن تحريك الدعوى العمومية عن طريق إحالة الظنين على النيابة العامة في حالة التلبس استنادا إلى المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية وتتحقق حالة التلبس إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها .
وبعد إحالة القضية على المحكمة يمكن للإدارة أن تعين من يمثلها في الجلسة ويعرض ممثلها القضية على المحكمة ويودع طلباتها حسب الفصل 250 من مدونة الجمارك.
أما إذا توفي مرتكب فعل مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية قبل إيداع شكاية أو قبل صدور حكم أو قرار نهائي أو قبل إبرام المصالحة، يحق للوزير المكلف بالمالية أو ممثله أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية بواسطة ملتمس مصادرة الأشياء محل النزاع القابلة تطبيق هذه العقوبة عليها .
ولكن أمام هذه النصوص القانونية الخاصة المنظمة لتحريك الدعوى العمومية في مجال المخالفات الجمركية استوقفتنا بعض الإشكاليات خاصة في الفصل 249 من المدونة حيث أن الصياغة القانونية المستعملة في الفقرة (أ) من نفس الفصل جاءت فضفاضة وغير دقيقة، بالنظر إلى عبارة أو من يمثله” بحاجة إلى تحديد، لأننا لا نفهم هل التمثيل جاء بناء على تفويض اختصاص أو سلطة لأحد ممثلي المدير العام لإدارة الجمارك أو من ينيبه، أم أن الأمر يتعلق فقط بإسناد مهمة التمثيل للإدارة القانونية في مكان ارتكاب الجريمة الجمركية؟
ويثور الإشكال الثاني في الفقرة “ب” حول عدم قيام الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك.
مما يقتضي الأمر تدخل المشرع بالتعديل أو لبيان نوع التمثيل وحدوده ونطاقه بالنسبة لمن ينيبه المدير العام للجمارك، فضلا على بيان شكل المبادرة المتخذة وضوابطها تجاه النيابة العامة.
أما بخصوص الاختصاص فإن الجنح والمخالفات الجمركية ترفع إلى المحاكم المختصة وفقا للقواعد القانونية العادية، غير أن المحاكم المرفوعة إليها الدعوى قبل فاتح ماي 1984 تظل مختصة وفقا للنصوص المطبقة قبل هذا التاريخ.
ويتوقف منح السراح المؤقت في حالة التلبس على تقديم ضمانات وهي وديعة نقدية أو في شكل شيكات مصادق عليها إلى صندوق قابض الجمارك وإما على تقديم كفيل مليء الذمة يضمن أداء العقوبات المالية المستحقة .
وما أثارنا في إطار الدعوى العمومية التي تحركها إدارة الجمارك هو موقف الاجتهاد القضائي المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى حول موضوع رفض طلب مما يوازيه رفض الدعوى المرفوعة من طرف إدارة الجمارك، وهذا القرار هو عدد 673 بتاريخ 1983 في القضية الجنائية عدد 10121 ذلك أن الطاعن بالنقض السيد (فلان)… عاب على محكمة الاستئناف بأكادير التي حكمت عليه بأدائه تعويضا لإدارة الجمارك، مبلغه 600.000 درهم عن محاولة تصدير المخدرات بأن طلب إدارة الجمارك غير مقبول لأنه منصب على شيء محظور غير مقبول لأنه منصب على شيء محظور وممنوع قانونا.
فرفض المجلس الأعلى طلب النقض المذكور معللا وجهة نظره في الدفع المثار بقوله “حيث إنه من جهة أولى إذا كان العارض لم يدن من أجل ترويج العملة فليس معنى هذا أنه لا يمكن الحكم عليه وفقا طلب إدارة الجمارك والمتعلق بتصدير بضائع محظورة التي هي الشيرة والتي وقع الحكم عليه من أجلها، كان على أن كون هذه البضائع التي كان العارض يحاول تصديرها إذا كانت أيضا ممنوعة، فإن قانون مدونة الجمارك المطبق في النازلة لم يستثن هذه الحالة بل أقحمها بصريح العبارة في الفصل 284 من المدونة المذكورة إذ ورد فيه “يقصد بالاستيراد أو التصدير المشار إليهما في (2) من الفقرة 281 أعلاه استيراد بضائع محظورة أنجز عن طريق مكتب للجمارك” وأنه إذا كان القرار لم يعلل قبول طلب إدارة الجمارك فإن الحكم بالقبول معناه قبول مذكرة إدارة الجمارك والتي هي معللة أحسن تعليل” وهذا القرار يبرز بوضوح استقراء المجلس الأعلى إلى أواخر سنة 1983 على قبول الإدانة من أجل محاولة تصدير المخدرات دون تصريح بذلك لإدارة الجمارك حسبما يقضي به قانون مدونة الجمارك لسنة 1977 وحتى قبل تعديله .
المطلب الثاني: العقوبات المتخذة ضد مرتكبي المخالفات الجمركية
تتميز العقوبة بكونها من الآثار الجنائية التي تترتب عن ارتكاب جريمة وهي تعبر عن مدى الارتباط بين الجريمة والجزاء الجنائي ، وتتميز العقوبة أيضا بشرعيتها وتحديها من طرف المشرع والذي لا يتناقض مع تدخل السلطة القضائية أو تدخل الإدارة من أجل تشخيص العقاب ضده الجهات يمكن أن تتدخل لجعل العقوبة تفي بأغراضها التقويمية استعمالا للسلطة التقديرية المخولة لهما والتي تستعملانها وفقا لأحكام القانون .
وبرجوعنا إلى مدونة الجمارك نجد أن الأفعال المجرمة تنقسم إلى جنح ومخالفات، فالجنح تتضمن عقوبات جسدية يمكن أن تصل إلى ثلاث سنوات كما هو الشأن في الجنح من الطبقة الأولى، إضافة إلى غرامة ترتكز على قيمة الأشياء المغشوشة ومصادرة الأشياء المستعملة في الغش، ووسائل النقل المستعملة، وتعادل الغرامة خمس مرات قيمة الأشياء التي تم ذكرها . وتكون هذه العقوبة قائمة في حالة استيراد المخدرات ومحاولة استيرادها أو تصديرها بدون رخصة أو تصريح كاذب أو الحيازة غير المبررة، وكل خرق للأحكام المتعلقة بحركة وحيازة المخدرات والمواد المخدرة.
سواء وجدت هذه البضائع في مستودع الخاص بالبضائع أو ساحات الاستخلاص الجمركي، هذا فيما يخص الجنح الجمركية من الطبقة الأولى، أما الجنح الجمركية من الطبقة الثانية، فقد نص عليها الفصل 280 من مدونة الجمارك حيث تصل العقوبة الحبسية من شهر إلى سنة، وبغرامة تعادل خمس مرات مجموع قيمة الأشياء المرتكب الغش بشأنها، وبمصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها ووسائل النقل والأشياء المستعملة لإخفاء الغش وقد نص الفصل 281 على تلك أفرد لها المشرع العقوبات التي ذكرناها. ويستحق أيضا هذه العقوبات المتضمنة في الفصل 283 حائزو وناقلو البضائع الخاضعة لإثبات الأصل إذا كانوا يعرفون أن من سلمهم الشهادات المثبت بها أصل البضائع لم تكن في استطاعته تسليمها بصفة قانونية أو من باع لهم البضائع أو فوتها لهم أو عاوضهم عنها أو عهد بها إليهم لم يكن قادرا على إثبات حيازتها بصفة قانونية.
ولقد سار المجلس الأعلى في عدة قرارات له على أن المواد المخدرة محظورة مستبعدا بذلك التعويض الذي تطلبه إدارة الجمارك ويتم رفض مطالب إدارة الجمارك وتشديد العقوبة الحبسية على الجاني، ومن بين حيثيات القرار رقم 19/2/1987 تحت عدد 1492 في الملف الجنائي عدد 10596/86 جاء فيه .
” لئن كان تصدير المخدرات أو محاولة ذلك عبر الحدود الوطنية ممنوعا منعا باتا وإن كان الفصل 115 من المدونة لا مجال للاستدلال به على رفض مطالب الجمارك وهو فعلا وارد في الباب الخامس من المدونة المتعلقة بالأنظمة الاقتصادية وهناك عدة قرارات للمجلس الأعلى تستبعد الفصل 115 بكونه يتعلق بالأنظمة الخاصة بالجمارك وتطبق ظهير21/5/1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات، أما بخصوص المخالفات الجمركية من الطبقة الأولى نجد أن المشرع أعطى له عقوبات في الفصل 284 وهذه العقوبات هي: غرامة تعادل أربع مرات مبلغ الرسوم والمكوس المتجانف عنها أو المتملص منها ثم مصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها، ومصادرة وسائل النقل طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 212 وتتعلق هذه المخالفات باستيراد أو تصدير البضـائع المحظـورة، أو عدم وضع تصريح مفصل، وعدم إيداعه داخل الآجال المحددة خاصة التصريح المفصل وحيازة البضائع من الأماكن المشار إليها في الفصل 27، وعدم تقديم البضائع بمخازن وساحات الاستخلاص، الجمركي وعدم تقديم البضـائع المودعة تحت نظام المستودع عند أول طلب لأعوان الإدارة، وكل شطط في استعمال أنظمة المستودع الصناعي الحر أو القبول المؤقت لتحسين الصنع الفعال…
أما بخصوص المخالفات الجمركية من الطبقة الثانية عاقب عليها المشرع في الفصل 293 بغرامة تعادل ضعف الرسوم والمكوس، وبغرامة تتراوح بين 2.000 و20.000 درهم فيما يخص المخالفات المشار إليها في الفقرة 6و7 من الفصل 294 بعده وهذه المخالفات هي كل تحويل ببضائع من مستـودع إلى آخر أو كل مناولة جرت فيه بدون إذن أو عدم القيام بالتصدير أو الإيداع في المستودع داخل الآجال المحددة لذلك أو عدم القيام بتسوية وضعية البضائع الموضوعة وفق نظام المستودع.
ويعاقب على المخالفات الجمركية من الدرجة الثالثة بغرامة تعادل ضعف مبلغ المنافع المرتبطة بالتصدير ، وتتشكل هذه المخـالفات مـن كـل تصـريح أو مناورة تهدف أو تؤدي على الحصول كلا أو بعضا على إرجاع مبلغ أو منفعة ما ترتبط بالتصدير، في حين يعاقب عن المخالفات الجمركية من الطبقة الرابعة بغرامة تتراوح بين 500 درهم و2.500 درهم وهي كل مخالفة للقوانين والأنظمة المكلفة الإدارة بتطبيقها عندما لا تكون هذه المخالفة معاقب عليها بنص خاص، وكل إغفال أو عدم صحة أحد البيانات الواجب تضمينها في التصريح أو عدم التقييد في السجلات المبوبة وعدم التنفيذ الكلي أو الجزئي للالتزامات المسلمة بها في مستند جمركي وأيضا كل خرق للتدابير الاحتياطية التي أمرت بها السلطة الإدارية وأخيرا المخالفات المتعلقة بشأن ضوابط الجودة أو التكييف المفروضة عند الاستيراد أو التصدير عندما لا يترتب عن هذه المخالفات أي أثر ضريبي.
وهكذا بعد أن تطرقنا في هذا المبحث إلى كيفية وممارسة الدعوى العمومية وكذلك العقوبات التي نصت عليها مدونة الجمارك لزجر المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية ننتقل إلى دراسة وسائل إثبات هذه المخالفات الجمركية من أجل أن تكون الأحكام التي تصدر على هؤلاء مستوفية لجميع الضمانات القانونية.
المبحث الثاني: وسائل إثبات المخالفات الجمركية
إن تقدير الدليل من المسائل الموضوعية، ويعود ذلك إلى اقتنـاع المحكمة أو عدم اقتناعها، وأن مطالبة المحكمة باتباع قاعدة ثابتة تطبقها على كل الوقائع وتتبعها في جميع الحالات لا يعدو أن يكون مصادرة على حريتها الأساسية في وزن عناصر الإثبات المختلفة وتقييمها على الوجه الذي يرتاح إليه ضميرها وبذلك تكون وسائل الإثبات التي نظمها القانون، هي المصادر التي تنتج الأدلة الجنائية، يستوي فيها أن تتعلق مباشرة بالواقعة المراد إثباتها، أو تكون علاقتها غير مباشرة بهذه الواقعة، ولا عبرة كذلك بالجهة التي أقرت هذه التحريات طالما أن القانون تخول لها ذلك .
أما بخصوص المخالفات الجمركية فالأمر يتعلق بعنصرين للإثبات وهذا ما سنتناوله من خلال المطلبين حيث نتناول في المطلب الأول الإثبات عن طريق الحجز بينما نتناول في المطلب الثاني الإثبات عن طريق البحث.
المطلـب الأول: الإثبات عن طريـق الحجـز
تقوم قاعدة الإثبات في المخالفات الجمركية من خلال الفصل 233 من مدونة الجمارك حيث تنص على أنه “يقوم بإثبات الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية أعوان الإدارة الذين أدوا اليمين طبقا للشروط المحددة في الفصل 233 من هذه المدونة وضباط الشرطة القضائية، وكذا الأعوان محررو المحاضر التابعون للقوة العمومية.
من هنا نرى الجهات التي خول لها المشرع حق إثبات المخالفات الجمركية بحيث لا يمكن لأي شخص كان خارج عن نطاق الفصل 233 أن يقوم بإثبات الأفعال التي تشكل خرقا للأنظمة الجمركية، وهذا لا يعني أن بعض الجهات يمكن أن تثبت هذه الأفعال في إطار التنسيق والتعاون كرجال الشرطة والدرك الملكي الذين يصادفونها أثناء قيامهم بالبحث في قضية مرتبطة بالحق العام إذ يكمل أحدهما الآخر، من أجل الوصول إلى الإثبات ، ويحق للأعوان محرري المحاضر أن يحجزوا في كل مكان البضائع ووسائل النقل القابلة للمصادرة وكذا جميع الوثائق المتعلقة بهذه الأشياء، ويجب على هذه البضائع المحجوزة ووسائل النقل أن تساق وتودع بمكتب أو مركز الجمرك الأقرب لمكان الحجز، وإما أن يتعهد الظنين أو شخص آخر بحراستها في مكان الحجز أو في مكان آخر، كما يجب على الحارس أن يتكفل بحراسة هذه البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل وتقديمها عند أول طلب لأعوان الإدارة ويجوز رفع اليد عن البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل المحجوزة غير المهيأة لارتكـاب الغش أو لا توجد في وضعية غير قانونية مقابل كفالة أو وديعة تمثل قيمة هذه البضائع أو وسائل النقل وذلك إلى غاية تسوية النزاع عن طريق الصلح أو بواسطة حكم نهائي . ويبقى الحق هنا مخول لرجال الجمارك من درجة محرري المحاضر، بالقيام بالحجز فيما يخص البضائع والوسائل المتعلقة بالجريمة القابلة للمصادرة، وكذا جميع الوثائق المتعلقة بهذه الأشياء، والملاحظة التي تستوقفنا هنا في هذا الفصل أن حق الحجز هنا مخول لصنف محدد من محرري المحاضر، بينما الفصل نراه يعطي تحرير المحضر لضباط الجمارك، في حين أن مفتش مساعد يمكن أن يطالب بالوثائق وله الأهلية في تحرير المحاضر، ويشير نفس الفصل إلى إمكانية الحجز في كل مكان ويعني بذلك بطبيعة الحال داخل التراب الجمركي، وفي كل مكان تتواجد به البضاعة المحظورة، وكذا وسائل النقل، ويقصد بالوثائق كل الإرساليات والوثائق المتعلقة بالأشياء المحجوزة، ويحق لرجال الجمارك إثبات المخالفات بهذه الوثائق المحجوزة وضمان ما يمكن أن يحكم به على المخالف بالنسبة للبضاعة.
وهذه البضائع ووسائل النقل المحجوزة يكون لإدارة الجمارك الحق في اختيارين .
فإما أن تحجزها عندها بأقرب مكتب أو مركز جمركي لمكان الحجز، وإما أن تودعها عند الظنين نفسه بصفته حارسا لها، أو عند الغير يحرسها في مكان الحجز، أو مكان آخر على أن يقدمها كل واحد منهما لأعوان الإدارة عند أول مطالبة .
ولكن في حقيقة الأمر تثار إشكالية عميقة فيما يخص البضائع المحظورة استيرادها وتصديرها، وهي المخدرات التي لا تخضع للنظم الجمركية من حيث تسجيلها وفرض رسوم جمركية أو إبرام مصالحة تبعا للأنظمة الجمركية الخاصة، وهذا الإشكال رد عليه المجلس الأعلى بقوة في عدة قرارات له حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى سنة 1991 ما يلي:
“حيث إنه بالرجوع إلى التشريعات المتعلقة بموضوع المخدرات بكافة أصنافها، يلاحظ أن هذه المادة عندما ينظر إليها بأنها مادة سامة يترتب عن تعاطيها بصورة تلقائية عواقب خطيرة على صحة وعقول متناوليها، نجد المشرع قد حرص على محاربة ترويجها سواء بالتجارة فيها أو القيام بأي عمل كيفما كان يسهل تناولها أو يسمح بإتاحة الفرصة للحصول عليها، ولهذا اعتبر مزاولة أي نشاط في هذا الميدان من الجرائم المعاقب عليها فإن ضبط أي شخص يحاول تهريب المخدرات في نطاق التشريعات الموضوعة لمحاربتها لا يمكنه أن يخضع لتطبيق مدونة الجمارك، لأن العمل الذي تم القيام به يعد غير مشروع من أساسه ولا يخضع بالتالي لمسطرة المصالحة مثلا أو السعي للحصول على ترخيص باجتياز الحدود بتلك المادة .
وهناك أيضا قرارات ثم نقضها من طرف المجلس الأعلى سنة 2000 والتي تقضي بمنح استيراد مواد غير مادة المخدرات، ويتعلق الأمر بالمشروبات الكحولية، وكذلك هناك قرار نقضه المجلس الأعلى صادر سنة 2001 في الملف عدد 12046 /6/8/99 بتاريخ 28 فبراير 2001 حيث قضى بإدانة السيد ( فلان) من أجل الاتجار في المخدرات وبعقابه وأدائه تعويضات لفائدة شركة التبغ، وببراءته من محاولة تهريب وتصدير بضاعة محظورة مخدرات دون تعليل وبعدم الاختصاص بالمطالب التي تقدمت بها إدارة الجمارك.
حيث قضى المجلس الأعلى بنقض القرار لكونه لم يعلل الأسباب التي أدت إلى التصريح ببراءة السيد (فلان) من الجرائم الجمركية- انعدام التعليل- ولقد أتينا بهذه القرارات لنوضح على أن المواد أو البضائع المحظورة يمكن أن تشمل بعض البضائع التي لم يذكرها الفصل 115 من مدونة الجمارك، ثم أن هناك إشكالية تتعلق برفض مطالب إدارة الجمارك فيما يخص التعويض عن المخدرات.
وبخصوص المحاضر التي تعدها إدارة الجمارك فإن التشريعات الجمركية المقارنة تتضمن إشارة إلى البيانات أو الشروط الواجب ذكرها في المحضر بخصوص جرائم التهريب الجمركي، في التشريع المصري، بحيث يجوز إثبات ذلك بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن، بخلاف مدونة الجمارك المغربية التي أوجبت تضمين هذا المحضر مجموعة من البيانات، بصفة مستقلة عن محضر الحجز، تكمن في تاريخ ومكان تحريرها واختتامها، أسماء وصفات وتوقيعات محرريها، تاريخ وساعة ومكان الحجز أو الإثبات، التصريحات المحتملة لم تكبي المخالفة أو الجنحة مع الإشارة إلى توقيعه أو رفضه، وهنا نتساءل عن مشروعية هذه المحاضر في حالة إغفال أحد الشروط أو اكثر، حيث نرى أن صفية الوجوب التي جاء بها الفصل 240 من المدونة من شأنها أن ترتب البطلان على أي محضر لم يتضمن هذه البيانات كليا أو جزئيا.
على أن محضر الحجز الذي يحرر بصفة مستقلة عن سابقه، يجب أن يتضمن هو الآخر مجموعة من البيانات منها الأسباب التي أدت إلى الحجز، ووصف الأشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها والتدابير المتخذة لضمان إيداعها أو حراستها أو حفظها وهوية الحارس المعين عند الاقتضاء مع موافقته وتوقيعه، وكذا حضور أو غياب مرتكب الجنحة أو مخالفة عند وصف الأشياء المحجوزة، وهنا يأتي ذمحضر الحجز لإضفاء قوة ثبوتية إضافية على المحضر السابق، لتكتمل القوة الثبوتية للمحاضر، لكن يطرح السؤال حول الآثار المترتبة عن تخلف إحدى البيانات في محضر الحجز؟ لكن بما أن الفصل 243 من المدونة يحصر أوجه البطلان في الحالتين المذكورتين معا، ذلك أنه لا يمكن التمسك بأوجه بطلان أخرى خارج عن الحالتين السابقتين ، وأنهما قد وردتا على سبيل الحصر لا على سبيل المثال.
أما بالنسبة للطعن بالتزوير في محاضر الجمارك، فلقد حدد الفصل 294 من قانون المسطرة الجنائية الإطار القانوني للطعـن بالـزور في المحاضـر أو التقارير التي يعدها موظفوا أو أعوان الإدارة. ومحاضر الجمارك لها حجية قوية جدا بحيث لا يمكن إثبات ما يتعارض مع مضمونها إلا عن طريق سلوك مسطرة الطعن بالزور بنص صريح.
وهنا نستحضر الفصل 242 الذي يتعلق بالمحاضر التي يكتبـها عونيـن أو أكثر بحيث يعتمد عليها في الإثبات المادية المضمنة في المحاصر إلى أن يطعن في صحتها، ويعتمد عليها في صحة وصدق الإقرارات والتصريحات المتلقاة إلى أن يثبت ما يخالفها أما المحاضر المحررة من طرف عون واحد للإدارة فيعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها.
وفي الأخير هناك شكليات ينبغي احترامها في حجوزات خاصة وهما:
أ-الحجز الذي ينصب على التزوير أو التحريف في الإرساليات
ب-الحجز بالمنزل
ج-الحجز في سطح السفن والبواخر
د-حجز الوثائق
وبعد أن القينا نظرة على الحجز كوسيلة إثبات في مجال المخالفات الجمركية ننتقل إلى الإثبات عن طريق التفتيش في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: الإثبات عـن طريـق البحث
إن الجنح أو المخالفات التي لم يتم ضبطها في حالة التلبس يمكن أن تكون موضوع بحث، يشار فيه إلى نتيجة المراقبة، البحوث والاستجوبات، وتكون لهذه المحاضر المنجزة قوة إثباتية إلى حين الطعـن فيها بالزور، أو إلى حين إثبات ما يخالف الإثباتات المادية المضمنة بها مثل المعرفة القطعية للشخص أو معرفة ممثل شركة تجارية عن طريق معرفة مقرها الاجتماعي ونشاطها التجاري…
ومحاضر البحث التي يقوم بها أعوان إدارة الجمارك تعفى من إجراءات التنبر والتسجيل، وبرجوعنا إلى الفصل 237 من مدونة الجمارك فإن أعوان الإدارة يمكن أن يقوموا بأبحاث تمهيدية وان يباشروا بمناسبة تحرياتهم تفتيش المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني في كل مكان طبقا للشروط المحددة في الفصل 41 من المدونة، ويعتبر التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، ووظيفته البحث عن أدلة الجريمة، بمعنى أن التفتيش في حد ذاته ليس بدليل وإنما هو وسيلة للحصول على الدليل، كما أنه يتميز بخصائص تجتمع فيه ويتألف منها جوهره ومضمونه.
فضلا عن القيام به بصرف النظر عن إرادة من يقع عليه في شخصه أو مسكنه، ليمس حرمة الحياة الخاصة للشخص رغم حماية القانون لها، مما يميزه عن غيره من الإجراءات الأخرى كالاستجواب والمعاينة وغيرهما .
وبهذا فإن أعوان الجمارك المؤهلين لتحرير المحاضر، يمكنهم تفتيش المنزل، حالة حصول الشك لديهم بوجود غش، بحثا عن البضائع للتأكد عما إذا كانت بصفة قانونية إلى التراب الجمركي طبقا للفصل 181 من المدونة، والبحث عن البضائع التي تخضع لأنظمة الدائرة في مجموع المنطقة البرية لدائرة الجمارك.
كما أنهم يتعقبون الغش في جميع أماكن التراب الخاضع، وكذا يتتبعونه في وسائل النقل والمنازل لمجرد الشك، ما يترك مجالا واسعا أمامهم لإجراء البحث والتفتيش.
حتى في الحالات التي لا تثير شكـا، مما هو مؤكد بواسطـة مخبريـهم أو نتيجة لحصولهم على معلومات خاصة.
كما أن المشرع قد خص المساكن بحماية خاصة بحيث لا يمكن تفتيشها إلا باتباع إجراءات شكلية خاصة، حددتها المسطرة الجنائية، خاصة الفصل81 . وهو ما أكده الفصل 41 من مدونة الجمارك بالنص على طلب موافقة الشخص الذي يشغل الأماكن قبل الشروع في أية عملية للتفتيش،بحيث تكون موافقته كتابة.
وتثار إشكالية حول تحديد مفهوم المسكن ومدلول الأماكن المنصوص عليها في الفصل 41 الأمر الذي يثير جدلا محادا أمام القضاء. حيث جاء في إحدى حيثيات حكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أنفا ، عند ردها بشان دفع آثاره دفاع الظنين حول محضر الضابطة القضائية لكون التفتيش ثم خلافا للفصل 41 من مدونة الجمارك ونصوص المسطرة الجنائية، بأن عملية تفتيش المخازن والمستودعات لا تدخل في مفهوم المنزل، ولا تعد من ملحقاته، وبالتالي لا تخضع للحماية القانونية المقررة قانونا، خاصة الفصول 61-62-64-81. الأمر الذي يستدعي طلب موافقة الظنين بخصوص التفتيش.
وإلى جانب التفتيش كوسيلة إثبات هنا أيضا معاينة البضائع التي يسفر عن التحقق منها إثبات المخالفة وتسجيل محضر بشأنها.
وقد ينجم عن المعاينة تماما كالتفتيش، ضبط أدلة مادية مرتبطة بالكشف عن الحقيقة وبالتالي فإن المعاينة إجراء لا ينط ذوي على إكراه أو اعتداء على حرمة الأشياء والأشخاص كما أنه إذا كان الأصل في المعاينة ترك آمر إجرائها لمحضر تقدير سلطة التحقيق فإن الأمر يقتضي الانتقال إلى مكان الواقعة محل المعاينة بمجرد ما يتم الإشعار بجريمة متلبس بها على خلاف التفتيش الذي يخضع للسلطة التقديرية لمن يقوم به، كيفما كان وصف الجريمة ويستوي في ذلك حالة التلبس أو الحالة العادية.

خاتمـة
هكذا إذا نكون قد أعطينا صورة واضحة على موضوع المخالفات الجمركية الذي يعد من بين اكثر المواضيع أهمية نظرا لارتباطه بالمجال المالي والاقتصادي والاجتماعين وكونه من بين الآثار التي تخلف نزيفا للخزينة العامة للدولة سواء على مستوى عدم أداء الرسوم الجمركية أو التهرب من أداء الضرائب المفروضة على البضائع داخل التراب الخاضع للأنظمة الجمركية، وقد حاولنا إبراز مفهوم وطبيعة المخالفات الجمركية والأشخاص الذين يسألون عن مخالفتهم للأنظمة الجمركية ومحاولين كذلك إبراز أركان هذه الجريمة، وكذلك كيفية والجهة المختصة في تحريك الدعوى العمومية، وعهدنا إلى طرح إشكالية إثبات هذه المخالفات سواء على مستوى المحاضر أو على مستوى التفتيش، ورغم هذه الترسانة القانونية القوية التي وضعها المشرع لمحاربة التهريب والتجارة في الممنوعات إلا أن هذه الظاهرة لم تبدأ وأصبحت تتزايد خاصة في الآونة الأخيرة، والواقع أنه يجب تفعيل نصوص مدونة الجمارك بشكل أكثر صرامة وفي حدود القانون وتحفيز الأجهزة الإدارية لمحاربة ما يمكن أن يشكل عبئا خطيرا على المجتمع، وخلصنا إلى إشكالية تثار أمام القضاء والتي تتمحور حول وجوب إدلاء حائز البضائع أو من ينقلها بالمستندات التي تفيد إدخالها بصفة قانونية إلى التراب الخاضع وذلك بمجرد ما يطلب منهم ذلك أعوان إدارة الجمارك، هذا إلى جانب مجموعة من الثغرات القانونية التي تشوب مدونة الجمارك مما يستوجب تدخل المشرع لإصلاح الخلل القانوني في بعض الفصول، نظرا للدور البالغ الذي يضطلع به التشريع الجمركي في مختلف المجالات ليس فقط لما يحققه من موارد مالية للدولة فحسب، وإنما كذلك لما يمثله من حماية فعالة للنظام الاقتصادي والاجتماعي في حماية المنتوجات المحلية وفي نفس الوقت الاهتمام بجلب ما أمكن من رؤوس أموال أجنبية تكون في صالح السوق المحلية.

                                                                                                                             منقول

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

جرائم مخالفة قواعد التسيير للشركات

            جرائم مخالفة قواعد التسيير للشركات ﺗﻤﻬﻴﺪ : ﻳﻨﺪﺭﺝ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ...